8803 الكل و8743. الصحيح و160. الضعيف احصاء الذهبي وابن الجوزي لاحاديث المستدرك للحاكم

تعريف المستدركات وبيان كم حال أحاديث  مستدرك الحاكم النيسابوري إذ كل الضعيف160.حديثا وقد احصاها الذهبي فقال 100 حديث وذكر ابن الجوزي في الضعفاء له 60 حديثا أُخر فيكون  كل الضعيف في كل المستدرك 160 حديثا من مجموع 8803=الباقي الصحيح =8743.فهذه قيمة رائعة لمستدرك الحاكم

الحاكم النيسابوري جبل الحفظ ومصطلح الحديث

الأربعاء، 17 أغسطس 2022

ج4. وج5.( تفسير الماوردى ) النكت والعيون

 

  ج4. ( تفسير الماوردى ) النكت والعيون

صفحة رقم 213
الثاني : فإذا كنت قارئاً فاستعذ بالله .
الثالث : أنه من المؤخر الذي معناه مقدم ، وتقديره : فإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم فاقرأ القرآن .
والاستعاذة هي استدفاع الأذى بالأعلى من وجه الخضوع والتذلل والمعنى فاستعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل ، وفي التأويل من الخطأ . وقد ذكرنا في صدر الكتاب معنى الرجيم .
قوله عز وجل : ) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ليس له قدرة على أن يحملهم على ذنب لا يغفر ، قاله سفيان .
الثاني : ليس له حجة على ما يدعوهم إليه من المعاصي ، قاله مجاهد .
الثالث : ليس له عليهم سلطان لاستعاذتهم باللَّه منه ، لقوله تعالى ) وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ( " [ فصلت : 36 ] .
الرابع : أنه ليس له عليهم سلطان بحال لأن الله تعالى صرف سلطانه عنهم حين قال عدو الله إبليس ) ولأغوينهم أجميعن إلا عبادَك منهم المخلصين ( " [ الحجر : 39 - 40 ] فقال الله تعالى ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ( " [ الحجر : 42 ] وفي معنى السلطان وجهان :
أحدهما : الحجة ، ومنه سمي الوالي سلطاناً لأنه حجة الله تعالى في الأرض .
الثاني : أنها القدرة ، مأخوذ من السُّلْطَة ، وكذلك سمي السلطان سلطاناً لقدرته . ) إنما سلطانه على الذين يتولونه ( يعني يتبعونه .
) والذين هُمْ به مشركون ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : والذين هم بالله مشركون ، قاله مجاهد . الثاني : والذين أشركوا الشيطان في أعمالهم ، قاله الربيع بن أنس .
الثالث : والذين هم لأجل الشيطان وطاعته مشركون ، قاله ابن قتيبة .
( النحل : ( 101 - 102 ) وإذا بدلنا آية . . . . .
" وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما

صفحة رقم 214
أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين " ( قوله عز وجل : ) وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : شريعة تقدمت بشريعة مستأنفة ، قاله ابن بحر .
الثاني : وهو قول الجمهور أي نسخنا آية بآية ، إما نسخ الحكم والتلاوة وإما نسخ الحكم مع بقاء التلاوة .
) والله أعلم بما ينزل ( يعني أعلم بالمصلحة فيه ينزله ناسخاً ويرفعه منسوخاً . ) قالوا إنما مفْتَرٍ ( أي كاذب .
) بل أكثرهم لا يعلمون ( فيه وجهان : أحدهما : لا يعلمون جواز النسخ . الثاني : لا يعلمون سبب ورود النسخ .
( النحل : ( 103 - 105 ) ولقد نعلم أنهم . . . . .
" ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون " ( قوله عز وجل : ) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمُه بشرٌ ( اختلف في اسم من أراده المشركون فيما ذكروه من تعليم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه بلعام وكان قيناً بمكة ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدخل عليه يعلمه ، فاتهمته قريش أنه كان يتعلم منه ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه كان عبداً أعجمياً لامرأة بمكة ، يقال له أبو فكيهة ، كان يغشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيقرأ عليه ويتعلم منه ، فقالوا لمولاته احبسيه فحبستْه ، وقالت له : اكنس

صفحة رقم 216
صفحة فارغة

صفحة رقم 215
البيت وكل كناسته ، ففعل وقال : والله ما أكلت أطيب منه ولا أحلى ، وكان يسأل مولاته بعد ذلك أن تحبسه فلا تفعل .
الثالث : أنهما غلامان لبني الحضرمي ، وكانا من أهل عين التمر صيقلين يعملان السيوف اسم أحدها يسار ، والآخر جبر ، وكانا يقرآن التوراة ، وكان رسول الله ربما جلس إليهما ، قاله حصين بن عبد الله بن مسلم .
الرابع : أنه سلمان الفارسي ، قاله الضحاك .
) لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ( في يلحدون تأويلان : أحدهما : يميلون إليه .
الثاني : يعترضون به ، يعني أن لسان من نسبوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى التعلم منه أعجمي .
) وهذا لسانٌ عربيٌ مبين ( يعني باللسان القرآن لأنه يقرأ باللسان ، والعرب تقول : هذا لسان فلان ، تريد كلامه ، قال الشاعر :
لسان السوء تهديها إلينا
وخُنْتَ وما حسبتُك أن تخونا
( النحل : ( 106 - 109 ) من كفر بالله . . . . .
" من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون " ( قوله عز وجل : ) مَن كفر بالله من بعد إيمانه ( ذكر الكلبي أنها نزلت في

صفحة رقم 217
عبد الله بن أبي سرح ومقيس بن صبابة وعبد الله بن خطل وقيس بن الوليد بن المغيرة ، كفروا بعد إيمانهم ثم قال تعالى :
) إلا من أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان ( قال الكلبي : نزل ذلك في عمار بن ياسر وأبويه ياسر وسُمية وبلال وصهيب وخبّاب ، أظهروا الكفر بالإكراه وقلوبهم مطمئنة بالإيمان .
ثم قال تعالى : ) ولكن من شرح بالكُفْر صدراً ( وهم من تقدم ذكرهم ، فإذا أكره على الكفر فأظهره بلسانه وهو معتقد الإيمان بقلبه ليدفع عن نفسه بما أظهر ، ويحفظ دينه بما أضمر فهو على إيمانه ، ولو لم يضمره لكان كافراً .
وقال بعض المتكلمين : إنما يجوز للمكرَه إظهارُ الكفر عل وجه التعريض دون التصريح الباتّ . لقبح التصريح بالتكذيب وخطره في العرف والشرع ، كقوله إن محمداً كاذب في اعتقادكم ، أو يشير لغيره ممن يوافق اسمه لاسمه إذا عرف منه الكذب ، وهذا لعمري أولى الأمرين ، ولم يَصِرِ المكرَه بالتصريح كافر .
( النحل : ( 110 - 113 ) ثم إن ربك . . . . .
" ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون " ( قوله تعالى : ) وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنةً مطمئنةً ( يريد بالقرية أهلها ) آمنة ( يعني من الخوف . ) مطمئنة ( بالخصب والدعة .
) يأتيها رِزقُها ( فيه وجهان :
أحدهما : أقواتها .

صفحة رقم 218
الثاني : مرادها . ) رغداً ( فيه وجهان :
أحدهما : طيباً .
الثاني : هنيئاً .
) من كُلِّ مكانٍ ( يعني منها بالزراعة ، ومن غيرها بالتجارة ، ليكون اجتماع الأمرين لهم أوفر لسكنهم وأعم في النعمة عليها .
) فكفرت بأنعم الله ( يحتمل وجهين .
أحدهما : بترك شكره وطاعته .
الثاني : بأن لا يؤدوا حقها من مواساة الفقراء وإسعاف ذوي الحاجات .
وفي هذه القرية التي ضربها الله تعالى مثلاً أقاويل :
أحدها : أنها مكة ، كان أمنها أن أهلها آمنون لا يتفاوزون كالبوادي .
) فأذاقها اللهُ لباسَ الجوع والخوْف ( وسماه لباساً لأنه قد يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس ، وقيل إن القحط بلغ بهم إلى أن أكلوا القد والعلهز وهو الوبر يخلط بالدم ، والقِد أديم يؤكل ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة .
الثاني : أنها المدينة آمنت برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم كفرت بأنعم الله بقتل عثمان بن عفان وما حدث بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بها من الفتن ، وهذا قول عائشة وحفصة رضي الله عنهما .
الثالث : أنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى .
( النحل : ( 114 - 119 ) فكلوا مما رزقكم . . . . .
" فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام

صفحة رقم 219
لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم " ( قوله عز وجل : ) ثم إنّ ربّك للذين عملوا السُّوء بجهالةٍ ( فيه وجهان :
أحدها : بجهالة أنها سوء .
الثاني : بجهالة لغلبة الشهوة عليهم مع العلم بأنها سوء .
ويحتمل ثالثاً : أنه الذي يعجل بالإقدام عليها ويعد نفسه بالتوبة .
) ثم تابوا مِنْ بعد ذلك وأصْلَحوا ( لأنه مجرد التوبة من السالف إذا لم يصلح عمله في المستأنف لا يستحق ولا يستوجب الثواب .
( النحل : ( 120 - 123 ) إن إبراهيم كان . . . . .
" إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " ( قوله عز وجل : ) إنّ إبراهيم كان أمّةً ( فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : يُعلّم الخير ، قاله ابن مسعود وإبراهيم النخعي . قال زهير :
فأكرمه الأقوام من كل معشر
كرام فإن كذبتني فاسأل الأمم
يعني العلماء .
الثاني : أمة يقتدى به ، قاله الضحاك . وسمي أمة لقيام الأمة به . الثالث : إمام يؤتم به ، قاله الكسائي وأبو عبيدة . ) قانتاً لله ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : مطيعاً لله ، قاله ابن مسعود .
الثاني : إن القانت هو الذي يدوم على العبادة لله .
الثالث : كثير الدعاء لله عز وجل .
) حنيفاً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : مخلص ، قاله مقاتل .
الثاني : حاجّا ، قاله الكلبي .
الثالث : أنه المستقيم على طريق الحق ، حكاه ابن عيسى .
) ولم يَكُ من المشركين ( فيه وجهان :
أحدهما : لم يك من المشركين بعبادة الأصنام .
الثاني : لم يك يرى المنع والعطاء إلا من اللَّه .
) وآتيناه في الدنيا حسنة ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أن الحسنة النبوة ، قاله الحسن .
الثاني : لسان صدق ، قاله مجاهد .
الثالث : أن جميع أهل الأديان يتولونه ويرضونه ، قاله قتادة .
الرابع : أنها تنوية الله بذكره في الدنيا بطاعته لربه . حكاه ابن عيسى .
ويحتمل خامساً : أنه بقاء ضيافته وزيارة الأمم لقبره .
) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( فيه وجهان :
أحدهما : في منازل الصالحين في الجنة .
الثاني : من الرسل المقربين .
قوله عز وجل : ) ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ( فيه قولان :
أحدهما : اتباعه في جميع ملته إلا ما أمر بتركه ، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ، وهذا دليل على جواز الأفضل للمفضول لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل الأنبياء .
الثاني : اتباعه في التبرؤ من الأوثان والتدين بالإسلام ، قاله أبو جعفر الطبري .

صفحة رقم 220
( النحل : ( 124 ) إنما جعل السبت . . . . .
" إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " ( قوله عز وجل : ) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ( وهم اليهود وفي اختلافهم في السبت ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن بعضهم جعله أعظم الأيام حُرْمَةً لأن الله فرغ من خلق الأشياء فيه .
الثاني : أن بعضهم جعل الأحد أعظم حُرمة منه لأن الله ابتدأ خلق الأشياء فيه .
الثالث : أنهم عدلوا عما أمروا به من تعظيم الجمعة تغليباً لحرمة السبت والأحد ، قاله مجاهد وابن زيد .
( النحل : ( 125 ) ادع إلى سبيل . . . . .
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " ( قوله عز وجل : ) ادعُ إلى سبيل ربِّك ( يعني إلى دين ربك وهو الإسلام .
) بالحكمة ( فيها تأويلان :
أحدهما : بالقرآن ، قاله الكلبي .
الثاني : بالنبوة ، وهو محتمل .
) والموعظة الحسنة ( فيها تأويلان :
أحدهما : بالقرآن في لين من القول ، قاله الكلبي .
الثاني : بما فيه من الأمر والنهي ، قاله مقاتل .
) وجادلْهُم بالتي هي أحسنُ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني بالعفو .
الثاني : بأن توقظ القلوب ولا تسفه العقول . الثالث : بأن ترشد الخلف ولا تذم السلف .
الرابع : على قدر ما يحتملون . روى نافع عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم ) .

صفحة رقم 221
( النحل : ( 126 - 128 ) وإن عاقبتم فعاقبوا . . . . .
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " ( قوله عز وجل : ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُوقبتم به ( فيها قولان :
أحدهما : أنها نزلت في قتلى أحُد حين مثلت بهم قريش .
واختلف قائل ذلك في نسخه على قولين :
أحدهما : أنها منسوخة بقوله تعالى : ) واصبر وما صبرك إلا بالله (
الثاني : أنها ثابتة غير منسوخة فهذا أحد القولين .
والقول الثاني : أنها نزلت في كل مظلوم ان يقتص من ظالمه ، قاله ابن سيرين ومجاهد ) واصبر ( فيه وجهان :
أحدهما : اصبر على ما أصابك من الأذى ، وهو محتمل .
الثاني : واصبر بالعفو عن المعاقبة بمثل ما عاقبوا من المثلة بقتلى أُحد ، قاله الكلبي .
) وما صبر إلا بالله ( يحتمل وجهين :
أحدهما : وما صبر إلا بمعونة الله .

صفحة رقم 222
الثاني : وما صبرك إلا لوجه الله .
) ولا تحزن عليهم ( فيه وجهان :
أحدهما : إن لم يقبلوا .
الثاني : إن لم يؤمنوا .
) ولا تك في ضيقٍ مما يمكرون ( قرأ بن كثير ) ضيق ( بالكسر وقرأ الباقون بالفتح . وفي الفرق بينهما قولان :
أحدهما : أنه بالفتح ما قل ، وبالكسر ما كثر ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : أنه بالفتح ما كان في الصدر ، وبالكسر ما كان في الموضع الذي يتسع ويضيق ، قاله الفراء .
قوله عز وجل : ) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( اتقوا يعني فيما حرم الله عليهم . والذين هم محسنون فيما فرضه الله تعالى ، فجمع في هذه الآية اجتناب المعاصي وفعل الطاعات .
وقوله : ) مع الذين اتقوا ( أي ناصر الذي اتقوا . وقال بعض أصحاب الخواطر : من اتقى الله في أفعاله أحْسَنَ إليه في أحواله ، والله أعلم .

صفحة رقم 223
سورة الإسراء
( الإسراء : ( 1 ) سبحان الذي أسرى . . . . .
" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " ( قوله عز وجل : ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ( أما قوله ) سبحان ( ففيه تأويلان :
أحدهما : تنزيه الله تعالى من السوء ، وقيل بل نزه نفسه أن يكون لغيره في إسراء عبده تأثير .
الثاني : معناه برأه الله تعالى من السوء ، وقد قال الشاعر :
أقول لمّا جاءني فَخْرُه
سبحان مِنْ علقمةَ الفاخِر
وهو ذكر تعظيم لله لا يصلح لغيره ، وإنما ذكره الشاعر على طريق النادر ، وهو

صفحة رقم 224
من السبح في التعظيم وهو الجري فيه إلى أبعد الغايات . وذكر أبان بن ثعلبة أنها كلمة بالنبطية ( شبهانك ) . وقد ذكر الكلبي ومقاتل : إن ) سبحان ( في هذا الموضع بمعنى عجب ، وتقدير الآية : عجب من الذي أسرى بعبده ليلاً ، وقد وافق على هذا التأويل سيبويه وقطرب ، وجعل البيت شاهداً عليه ، وأن معناه عجبٌ من علقمة الفاخر . ووجه هذا التأويل أنه إذا كان مشاهدة العجب سبباً للتسبيح صار التسبيح تعجباً فقيل عجب ، ومثله قول بشار :
تلقي بتسبيحةٍ مِنْ حيثما انصرفت
وتستفزُّ حشا الرائي بإرعاد
وقد جاء التسبيح في الكلام على أربعة أوجه :
أحدها : أن يستعمل في موضع الصلاة ، من ذلك قوله تعالى : ) فلولا أنه كان من المسبِّحينَ ( " [ الصافات : 143 ] أي من المصلين .
الثاني : أن يستعمل في الاستثناء ، كما قال بعضهم في قوله تعالى : ) ألم أقل لكم لولا تسبحون ( " [ القلم : 28 ] أي لولا تستثنون .
الثالث : النور ، للخبر المروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( لأحرقت سبحات وجهه ) أي نور وجهه .
الرابع : التنزيه ، روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سئل عن التسبيح فقال : ( تنزيه الله تعالى عن السوء ) . وقوله تعالى : ) أسرى بعبده ( أي بنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، والسُّرى : سير الليل ، قال الشاعر :
وليلة ذا ندًى سَرَيت
ولم يلتني مِنْ سُراها ليت
وقوله ) من المسجد الحرام ( فيه قولان :

صفحة رقم 225
أحدهما : يعني من الحرم ، والحرم كله مسجد . وكان ( صلى الله عليه وسلم ) حين أُسرى به نائماً في بيت أم هانىء بنت أبي طالب ، روى ذلك أبو صالح عن أم هانىء .
الثاني : أنه أسرى به من المسجد ، وفيه كان حين أسري به روى ذلك أنس بن مالك . ثم اختلفوا في كيفية إسرائه على قولين :
أحدهما : أنه أسريَ بجسمه وروحه ، روى ذلك ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان .
واختلف قائلو ذلك هل دخل بيت المقدس وصلى فيه أم لا ، فروى أبو هريرة أنه صلى فيه بالأنبياء ، ثم عرج به إلى السماء ، ثم رجع به إلى المسجد الحرام فصلى فيه صلاة الصبح من صبيحة ليلته .
وروى حذيفة بن اليمان أنه لم يدخل بيت المقدس ولم يُصلّ فيه ولا نزل عن البراق حتى عرج به ، ثم عاد إلى ملكه . والقول الثاني : أن النبي صلى الله عليه السلام أسري بروحه ولم يسر بجسمه ، روى ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما فُقِدَ جَسَدُ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولكن الله أسرى بروحه .
وروي عن معاوية قال : كانت رؤيا من الله تعالى صادقة ، وكان الحسن

صفحة رقم 226
يتأول قوله تعالى ) وما جَعَلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنةً للناس ( " [ الإسراء : 60 ] أنها في المعراج ، لأن المشركين كذبوا ذلك وجعلوا يسألونه عن بيت المقدس وما رأى في طريقه فوصفه لهم ، ثم ذكر لهم أنه رأى في طريقه قعباً مغطى مملوءاً ماء ، فشرب الماء ثم غطاه كما كان ، ثم ذكر لهم صفة إبل كانت لهم في طريق الشام تحمل متاعاً ، وأنها تقدُم يوم كذا مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق ؛ فخرجوا في ذلك اليوم يستقبلونها ، فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد أشرقت ولم تأت ، وقال آخر : هذه والله العير يقدُمها جمل أورق كما قال محمد . وفي هذا دليل على صحة القول الأول أنه أسرى بجسمه وروحه .
وقوله تعالى : ) إلى المسجد الأقصى ( يعني بيت المقدس ، وهو مسجد سليمان بن داود عليهما السلام وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام .
ثم قال تعالى : ) الذي باركنا حوله ( فيه قولان :
أحدهما : يعني بالثمار ومجاري الأنهار .
الثاني : بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين ولهذا جعله مقدساً . وروى معاذ بن جبل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( يقول الله تعالى : يا شام

صفحة رقم 227
أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي ) . ) لنريه من آياتنا ( فيه قولان :
أحدهما : أن الآيات التي أراه في هذا المسرى أن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة ، وهي مسيرة شهر .
الثاني : أنه أراه في هذا المسرى آيات .
وفيها قولان :
أحدهما : ما أراه من العجائب التي فيها اعتبار .
الثاني : من أري من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً .
) إنه هو السميع البصير ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه وصف نفسه في هذه الحال بالسميع والبصير ، وإن كانتا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها لأنه حفظ رسوله عند إسرائه في ظلمة الليل فلا يضر ألا يبصر فيها ، وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل ، فلهذين وصف الله نفسه بالسميع البصير .
الثاني : أن قومه كذبوه عن آخرهم بإسرائه ، فقال : السميع يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب ، البصير لما يفعله من الإسراء والمعراج .
( الإسراء : ( 2 - 3 ) وآتينا موسى الكتاب . . . . .
" وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا " ( قوله عز وجل : ) وآتينا موسى الكتاب ( يعني التوراة .
) وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن موسى هدى لبني إسرائيل .
الثاني : أن الكتاب هدى لبني إسرائيل .
) ألاّ تتخذوا من دوني وكيلاً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : شريكاً ، قاله مجاهد .
الثاني : يعني ربّاً يتوكلون عليه في أمورهم ، قاله الكلبي .
الثالث : كفيلاً بأمورهم ، حكاه الفراء .

صفحة رقم 228
قوله عز وجل : ) ذرية من حملنا مع نوح ( يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ذرية من حملهم الله تعالى مع نوح في السفينة وقت الطوفان .
) إنّه كان عبداً شكوراً ( يعني نوحاً ، وفيه قولان :
أحدهما : أنه سماه شكوراً لأنه كان يحمد الله تعالى على طعامه ، قاله سلمان .
الثاني : أنه كان يستجد ثوباً إلا حمد الله تعالى عند لباسه ، قاله قتادة .
ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن نوحاً كان عبداً شكوراً فجعل الله تعالى موسى من ذريته .
الثاني : أن موسى كان عبداً شكوراً إذ جعله تعالى من ذرية نوح .
( الإسراء : ( 4 - 8 ) وقضينا إلى بني . . . . .
" وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " ( قوله تعالى : ) وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ( .
معنى قضينا ها هنا : أخبرنا .
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن معناه حكمنا ، قاله قتادة .
ومعنى قوله : ) وقضينا إلى بني إسرائيل ( أي قضينا عليهم .
) لتفسدن في الأرض مرتين ( الفاسد الذي فعلوه قتلهم للناس ظلماً وتغلبهم على أموالهم قهراً ، وإخراب ديارهم بغياً . وفيمن قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان :

صفحة رقم 229
أحدهما : أنه زكريا قاله ابن عباس .
الثاني : أنه شعياً ، قاله ابن إسحاق ، وأن زكريا مات حتف أنفه .
أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فيحيى بن زكريا في قول الجميع قال مقاتل : وإن كان بينهما مائتا سنة وعشر .
) فإذا جاء وعْد أولاهما ( يعني أولى المرتين من فسادهم .
) بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ ( في قوله بعثنا وجهان :
أحدهما : خلينا بينكم وبينهم خذلاناً لكم بظلمكم ، قاله الحسن .
الثاني : أمرنا بقتالكم انتقاماً منكم .
وفي المبعوث عليهم في هذه المرة الأولى خمسة أقاويل :
أحدها : جالوت وكان ملكهم طالوت إلى أن قتله داود عليه السلام ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : أنه بختنصر ، وهو قول سعيد بن المسيب .
الثالث : أنه سنحاريب ، قاله سعيد بن جبير .
الرابع : أنهم العمالقة وكانوا كفاراً ، قاله الحسن .
الخامس : أنهم كانوا قوماً من أهل فارس يتجسسون أخبارهم ، وهو قول مجاهد .
) . . . فجاسوا خلال الديار ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني مشوا وترددوا بين الدور والمساكن ، قال ابن عباس وهو أبلغ في القهر .
الثاني : معناه فداسوا خلال الديار ، ومنه قول الشاعر :
89 ( إِلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ ) 89
الثالث : معناه فقتولهم بين الدور والمساكن ، ومنه قول حسان بن ثابت :
ومِنَّا الَّذِي لاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ
فَجَاس بهِ الأَعْدَاءَ عَرْضَ العَسَاكر

صفحة رقم 230
الرابع : معناه فتشوا وطلبوا خلال الديار ، قاله أبو عبيدة .
الخامس : معناه نزلوا خلال الديار ، قاله قطرب ، ومنه قول الشاعر :
فَجُسنا ديارهم عَنْوَةً
وأبنا بساداتهم موثَقينا
قوله عز وجل : ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم ( يعني الظفر بهم ، وفي كيفية ذلك ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن بني إسرائيل غزوا ملك بابل واستنقذوا ما فيه يديه من الأسرى والأموال . الثاني : أن ملك بابل أطلق من في يده من الأسرى ، وردّ ما في يده من الأموال .
الثالث : أنه كان بقتل جالوت حين قتله داود .
) وأمددناكم بأموالٍ وبنين ( بتجديد النعمة عليهم .
) وجعلناكم أكثر نفيراً ( فيه وجهان :
أحدهما : أكثر عزاً وجاهاً منهم .
الثاني : أكثر عدداً ، وكثرة العدد تنفر عدوهم منهم ، قال تُبع بن بكر :
فأكرِم بقحْطَانَ مِن وَالِدٍ
وحِمْيَرَ أَكْرِم بقَوْمٍ نَفِيراً
قال قتادة : فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين ، وبعث فيهم أنبياء .
قوله عز وجل : ) إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ( لأن الجزاء بالثواب يعود إليها ، فصار ذلك إحساناً لها .
) وإن أسأتُم فلها ( أي فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب ، فرغَّب في الإحسان وحذر من الإساءة .
ثم قال تعالى : ) فإذا جاءَ وعْدُ الآخرة ليسوءُوا وجُوهكم ( يعني وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية . وفيمن جاءهم فيها قولان : أحدهما : بختنصّر ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 231
الثاني : أنه انطياخوس الرومي ملك أرض نينوى ، وهو قول مقاتل ، وقيل إنه قتل منهم مائة ألف وثمانين ألفاً ، وحرق التوراة وأخرب بيت المقدس ، ولم يزل على خرابه حتى بناه المسلمون .
) وليدخلوا المسجد كما دَخلوه أوّل مرّة ( يعني بيت المقدس .
) وليتبروا ما علوا تتبيراً ( فيه تأويلان :
أحدهما : أنه الهلاك والدمار .
الثاني : أنه الهدم والإخراب ، قاله قطرب ، ومنه قول لبيد :
وما النَّاسُ إلا عَامِلان فَعَامِلٌ
يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعٌ
قوله عز وجل : ) عسى ربُّكم أن يرحمكم ( يعني مما حل بكم من الانتقام منكم .
) وإن عدتم عدنا ( فيه تأويلان : أحدهما : إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى الانتقام ، فعادوا . قال ابن عباس وقتادة : فبعث الله عليهم المؤمنين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة .
الثاني : إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى القبول ، قاله بعض الصالحين .
) وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ( فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فراشاً ومهاداً ، قاله الحسن : مأخوذ من الحصير المفترش .
الثاني : حبساً يحبسون فيه ، قاله قتادة ، مأخوذ من الحصر وهو الحبس . والعرب تسمي الملك حصيراً لأنه بالحجاب محصور ، قال لبيد :
ومقامَةِ غُلْبِ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ جِنٌّ لَدَى بَابِ الحَصِير قِيَامُ
( الإسراء : ( 9 - 10 ) إن هذا القرآن . . . . .
" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما " ( قوله عز وجل : ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( فيها تأويلان :

صفحة رقم 232
أحدهما : شهادة أن لا إله إلا الله ، قاله الكلبي والفراء .
الثاني : ما تضمه من الأوامر والنواهي التي هي أصوب ، قاله مقاتل .
( الإسراء : ( 11 ) ويدع الإنسان بالشر . . . . .
" ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا " ( قوله عز وجل : ) ويدعو الإنسان بالشر دُعاءَه بالخير ( فيه وجهان من التأويل :
أحدها : أن يطلب النفع في العاجل بالضر العائد عليه في الآجل .
الثاني : أن يدعوا أحدهم على نفسه أو ولده بالهلاك ، ولو استجاب دعاءه بهذا الشر كما استجاب له بالخير لهلك .
) وكان الإنسان عجولاً ( فيه تأويلان :
أحدهما : عجولاً في الدعاء على نفسه وولده وما يخصه ، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد .
الثاني : أنه عنى آدم حين نفخ فيه الروح ، حتى بلغت إلى سُرّته فأراد أن ينهض عجلاً ، وهذا قول إبراهيم والضحاك .
( الإسراء : ( 12 ) وجعلنا الليل والنهار . . . . .
" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا " ( قوله عز وجل : ) وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ( فيه قولان :
أحدهما : أنها ظلمة الليل التي لا نبصر فيها الطرقات كما لا نبصر ما محي من الكتاب ، وهذا من أحسن البلاغة ، وهو معنى قول ابن عباس .
الثاني : أنها اللطخة السوداء التي في القمر ، وهذا قول علي وقتادة ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيميز به الليل من النهار .
) وجعلنا آية النهار مبصرة ( فيه قولان :
أحدهما : أنها الشمس مضيئة للأبصار .
الثاني : موقظة .

صفحة رقم 233
( الإسراء : ( 13 - 14 ) وكل إنسان ألزمناه . . . . .
" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " ( قوله عز وجل : ) وكل إنسان ألزمنا طائره في عنقه ( فيه قولان :
أحدهما : ألزمناه عمله من خير أو شر مثل ما كانت العرب تقوله سوانح الطير وبوارحه ، والسانح : الطائر يمر ذات اليمين وهو فأل خير ، والبارح : الطائر يمر ذات الشمال وهو فأل شر ، وأضيف إلى العنق .
الثاني : أن طائره حظه ونصيبه ، من قول العرب : طار سهم فلان إذا خرج سهمه ونصيبه منه ، قاله أبو عبيدة .
) ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ( يعني كتاب طائره الذي في عنقه من خير أو شر .
ويحتمل نشر كتابه الذي يلقاه وجهين :
أحدهما : تعجيلاً للبشرى بالحسنة ، والتوبيخ بالسيئة .
الثاني : إظهار عمله من خير أو شر .
) اقرأ كتابك ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لما في قراءته من زيادة التقريع والتوبيخ .
والثاني : ليكون إقراره بقراءته على نفسه .
) كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ( فيه قولان :
أحدهما : يعني شاهداً .
والثاني : يعني حاكماً بعملك من خير أو شر . ولقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك بعملك .

صفحة رقم 234
( الإسراء : ( 15 ) من اهتدى فإنما . . . . .
" من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ( قوله عز وجل : ) مَن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ( يعني لما يحصل له من ثواب طاعته .
) ومَن ضلّ فإنما يضل عليها ( يعني لما يحصل عليه من عقاب معصيته .
) ولا تزر وازِرةٌ وزر أخرى ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره .
الثاني : لا يجوز لأحد أن يعصى لمعصية غيره .
الثالث : لا يأثم أحد بإثم غيره .
ويحتمل رابعاً : أن لا يتحمل أحد ذنب غيره ويسقط مأثمه عن فاعله .
) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ( فيه وجهان :
أحدهما : وما كنا معذبين على الشرائع الدينية حتى نبعث رسولاً مبيناً ، وهذا قول من زعم أن العقل تقدم الشرع .
الثاني : وما كنا معذبين على شيء من المعاصي حتى نبعث رسولاً داعياً ، وهذا قول من زعم أن العقل والشرع جاءا معاً .
وفي العذاب وجهان :
أحدهما : عذاب الآخرة . وهو ظاهر قول قتادة .
الثاني : عذاب بالاستئصال في الدنيا ، وهو قول مقاتل .

صفحة رقم 235
( الإسراء : ( 16 ) وإذا أردنا أن . . . . .
" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " ( قوله عز وجل : ) وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها . . ( الآية في قوله ) وإذا أردنا أن نهلك قرية ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه إذا أردنا أن نحكم بهلاك قرية .
والثاني : معناه وإذا أهلكنا قرية ، وقوله ) أردنا ( صلة زائدة كهي في قوله تعالى : ) جداراً يريد أن ينقض ( " [ الكهف : 77 ]
الثالث : أنه أراد بهلاك القرية فناء خيارها وبقاء شرارها .
) أمرنا مترفيها ( الذي عليه الأئمة السبعة من القراء أن أمرنا مقصور مخفف ، وفيه وجهان :
أحدهما : أمرنا متفريها بالطاعة ، لأن الله تعالى لا يأمر إلا بها ، ) ففسقوا فيها ( أي فعصوا بالمخالفة ، قاله ابن عباس .
الثاني : معناه : بعثنا مستكبريها ، قاله هارون ، وهي في قراءة أبيِّ : بعثنا أكابر مجرميها .
وفي قراءة ثانية ) أمّرنا مترفيها ( بتشديد الميم ، ومعناه جعلناهم أمراء مسلطين ، قاله أبو عثمان النهدي .
وفي قراءة ثالثة ) آمَرْنا مُترفيها ( ممدود ، ومعناه أكثرنا عددهم ، من قولهم آمر

صفحة رقم 236
القوم إذا كثروا ، لأنهم مع الكثرة يحتاجون إلى أمير يأمرهم وينهاهم ، ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( خير المال مهرة أو سُكة مأبورة ) أي كثيرة النسل ، وقال لبيد :
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمِروا
يوماً يصيروا إلى الإهلاك والنكد
وهذا قول الحسن وقتادة .
وفي ) مترفيها ( ثلاثة تأويلات :
أحدها جباروها ، قاله السن .
الثاني : رؤساؤها ، قاله علي بن عيسى .
الثالث : فساقها ، قاله مجاهد .
( الإسراء : ( 17 - 19 ) وكم أهلكنا من . . . . .
" وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " ( قوله عز وجل : ) وكم أهلكنا من القرون من بعد نُوح ( واختلفوا في مدة القرن على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مائة وعشرون سنة ، قاله عبد الله بن أبي أوفى .
الثاني : أنه مائة سنة ، قاله عبد الله بن بُسْر المازني .

صفحة رقم 237
الثالث : أنه أربعون سنة ، روى ذلك محمد بن سيرين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
( الإسراء : ( 20 - 21 ) كلا نمد هؤلاء . . . . .
" كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " ( قوله عز وجل : ) كُلاًّ نُمِدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربِّكَ ( يعني البر والفاجر من عطاء ربك في الدنيا دون الآخرة .
) وما كان عطاء ربك محظوراً ( فيه تأويلان :
أحدهما : منقوصاً ، قاله قتادة .
الثاني : ممنوعاً ، قاله ابن عباس .
( الإسراء : ( 22 - 24 ) لا تجعل مع . . . . .
" لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " ( قوله عز وجل : ) وقضى ربُّك ألاّ تبعدوا إلاّ إياه ( معناه وأمر ربك ، قاله ابن عباس والحسن وقتادة . وكان ابن مسعود وأبيّ بن كعب يقرآن ) ووصى ربك ( قاله الضحاك ، وكانت في المصحف : ) ووصى ربك ( لكن ألصق الكاتب الواو فصارت ) وقضى ربك ( .

صفحة رقم 238
) وبالوالدين أحساناً ( معناه ووصى بالوالدين إحساناً ، يعني أن يحسن إليهما بالبر بهما في الفعل والقول .
) إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ( فيه وجهان :
أحدهما : يبلغن كبرك وكما عقلك .
الثاني : يبلغان كبرهما بالضعف والهرم .
) فلا تقل لهما أفٍّ ( يعني حين ترى منهما الأذى وتميط عنهما الخلا ، وتزيل عنهما القذى فلا تضجر ، كما كانا يميطانه عنك وأنت صغير من غير ضجر .
وفي تأويل ) أف ( ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كل ما غلظ من الكلام وقبح ، قاله مقاتل .
الثاني : أنه استقذار الشيء وتغير الرائحة ، قاله الكلبي .
الثالث : أنها كلمة تدل على التبرم والضجر ، خرجت مخرج الأصوات المحكية . والعرب أف وتف ، فالأف وسخ الأظفار ، والتُّف ما رفعته من الأرض بيدك من شيء حقير .
) وقل لهما قولاً كريماً ( فيه وجهان :
أحدهما : ليناً .
والآخر : حسناً . قال ابن عباس : نزلت هذه الآية والآية التي بعدها في سعد بن أبي وقاص .
( الإسراء : ( 25 ) ربكم أعلم بما . . . . .
" ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا " ( قوله عز وجل : ) . . . إنه كان للأوّابين غفوراً ( فيهم خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم المحسنون ، وهذا قول قتادة .

صفحة رقم 239
والثاني : أنهم الذين يصلّون بين المغرب والعشاء ، وهذا قول ابن المنكدر يرفعه .
الثالث : هم الذي يصلون الضحى ، وهذا قول عون العقيلي .
والرابع : أنه الراجع عن ذنبه الذي يتوب ، وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد .
والخامس : أنه الذي يتوب مرة بعد مرة ، وكلما أذنب بادر بالتوبة وهذا قول سعيد بن المسيب .
( الإسراء : ( 26 - 28 ) وآت ذا القربى . . . . .
" وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا " ( قوله عز وجل : ) وإما تعرضَنَّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً ( فيه تأويلان : أحدهما : معناه إذا أعرضت عمن سألك ممن تقدم ذكره لتعذره عندك ) ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ( أي انتظاراً للزرق منه ) فقل لهم قولاً ميسوراً ( أي عِدْهم خيراً ورد عليهم رداً جميلاً ، وهذا قول الحسن ومجاهد . الثاني : معناه إذا أعرضت عمن سألك حذراً أن ينفقه في معصية فمنعته ابتغاء رحمة له فقل لهم قولاً ميسوراً ، أي ليناً سهلاً ، وهذا قول ابن زيد . ( الإسراء : ( 29 - 30 ) ولا تجعل يدك . . . . .
" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " ( قوله عز وجل : ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( أي ويقتر ويقلل .
) إنه كان بعباده خبيراً بصيراً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : خبيراً بمصالحهم بصيراً بأمورهم .
والثاني : خبيراً بما أضمروا بصيراً بما عملوا .

صفحة رقم 240
( الإسراء : ( 31 - 32 ) ولا تقتلوا أولادكم . . . . .
" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " ( قوله عز وجل : ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ ( يعني وأد البنات أحياء خيفة الفقر .
) نحن نرزقهم وإياكُم إنّ قتلهم كان خطئاً كبيراً (
والخِطءُ العدول عن الصواب بعمد ، والخطأ العدول عنه بسهو ، فهذا الفرق بين الخِطْءِ والخطأ ، وقد قال الشاعر :
الخِطْءُ فاحشةٌ والبِرُّ نافِلةٌ
كعَجْوةٍ غرسَتْ في الأرض تؤتَبرُ
الثاني : أن الخطء ما كان إثماً ، والخطأ ما لا إثم فيه ، وقرأ الحسن خطاء بالمد .
( الإسراء : ( 33 ) ولا تقتلوا النفس . . . . .
" ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا " ( قوله عز وجل : ) ولا تقتلوا النفس التي حَرَّم الله إلاَّ بالحق ( يعني إلا بما تستحق به القتل .
) ومَن قُتِل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه القود ، قاله قتادة .
الثاني : أنه الخيار بين القود أو الدية أو العفو ، وهذا قول ابن عباس والضحاك .
الثالث : فقد جعلنا لوليه سلطاناً ينصره وينصفه في حقه .
) فلا يُسْرِف في القَتل ( فيه قولان :
أحدهما : فلا يسرف القاتل الأول في القتل تعدياً وظلماً ، إن وليّ المقتول كان منصوراً ، قاله مجاهد .
الثاني : فلا يسرف وليّ المقتول في القتل .

صفحة رقم 241
وفي إسرافه أربعة أوجه :
أحدها : أن يقتل غير قاتله ، وهذا قول طلق بن حبيب .
الثاني : أن يمثل إذا اقتص ، قاله ابن عباس .
الثالث : أن يقتل بعد أخذ الدية ، قاله يحيى .
الرابع : أن يقتل جماعة بواحد ، قاله سعيد بن جبير وداود .
) إنه كان منصوراً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الولي كان منصوراً بتمكينة من القود ، قاله قتادة . الثاني : أن المقتول كان منصوراً بقتل قاتله ، قاله مجاهد .
( الإسراء : ( 34 - 35 ) ولا تقربوا مال . . . . .
" ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا " ( قوله عز وجل : ) ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن ( وإنما خص اليتيم بالذكر لأنه إلى ذلك أحوج ، والطمع في ماله أكثر . وفي قوله ) إلاّ بالتي هي أحسن ( قولان :
أحدهما : حفظ أصوله وتثمير فروعه ، وهو محتمل .
الثاني : أن التي هي أحسن التجارة له بماله .
) حتى يَبْلُغَ أَشدَّه ( وفي الأشد وجهان : أحدهما : أنه القوة .
الثاني : المنتهى .
وفي زمانه ها هنا قولان :
أحدهما : ثماني عشرة سنة .
والثاني : الاحتلام مع سلامة العقل وإيناس الرشد .
) وأوفوا بالعهد ( فيه ثلاثة تأويلات :

صفحة رقم 242
أحدها : أنها العقود التي تنعقد بين متعاقدين يلزمهم الوفاء بها ، وهذا قول أبي جعفر الطبري .
الثاني : أنه العهد في الوصية بمال اليتيم يلزم الوفاء به .
الثالث : أنه كل ما أمر الله تعالى به أو نهى فهو من العهد الذي يلزم الوفاء به .
) إن العهد كان مسئولاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العهد كان مطلوباً ، قاله السدي .
الثاني : أن العهد كان مسئولا عنه الذي عهد به ، فيكون ناقض العهد هو المسئول .
الثالث : أن العهد نفسه هو المسئول بم نقِضت ، كما تُسأل الموءُودة بأي ذنب قتلت .
قوله عز وجل : ) . . . وزنُوا بالقسطاس المستقيم ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه القبان . قاله الحسن .
الثاني : أنه الميزان صغر أو كبر ، وهذا قول الزجاج .
الثالث : هو العدل .
واختلف من قال بهذا على قولين :
أحدهما : أنه رومي ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه عربي مشتق من القسط ، قاله ابن درستويه .
) ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أحسن باطناً فيكون الخير ما ظهر ، وحسن التأويل ما بطن .
الثاني : أحسن عقابة ، تأويل الشيء عاقبته .
( الإسراء : ( 36 ) ولا تقف ما . . . . .
" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا " (

صفحة رقم 243
قوله عز وجل : ) ولا تقف ما ليس لك به عِلْمٌ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه لا تقل ما ليس لك به علم فلا تقل رأيت ، ولم تر ، ولا سمعت ، ولم تسمع ، ولا علمت ولم تعلم . وهذا قول قتادة .
الثاني : معناه ولا ترم أحد بما ليس لك به علم ، وهذا قول ابن عباس . ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( نحن بني النضر كنانة لا نقْفُو أمنا ولا ننتفي من أبينا ) . الثالث : أنه من القيافة وهو اتباع الأثر ، وكأنه يتبع قفا المتقدم ، قال الشاعر :
ومِثْلُ الدُّمى شُمُّ العَرَنِينِ سَاكِنٌ
بِهِنَّ الْحَيَاءُ لا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا
أي التقاذف .
) إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أُولئك كان عنه مسئولاً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الإنسان هو المسئول عن السمع والبصر والفؤاد لأنه يعمل بها إلى الطاعة والمعصية .
الثاني : أن السمع والبصر والفؤاد تُسأل عن الإنسان ليكونوا شهوداً عليه ، وله ، بما فعل من طاعة وما ارتكب من معصية ، ويجوز أن يقال أولئك لغير الناس ، كما قال جرير :

صفحة رقم 244
ذُمّ المنازِلِ بَعْدَ منزِلِةِ اللِّوى
والْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأَيَّامِ
( الإسراء : ( 37 - 38 ) ولا تمش في . . . . .
" ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها " ( قوله عز وجل : ) ولا تمش في الأرض مَرَحاً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن المرح شدة الفرح بالباطل .
الثاني : أنه الخيلاء في المشي ، قاله قتادة .
الثالث : أنه البطر والأشر .
الرابع : أنه تجاوز الإنسان قدره .
الخامس : التكبر في المشي .
) إنّك لن تخرِقَ الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً ( فيه وجهان :
أحدهما : إنك لن تخرق الأرض من تحت قدمك ولن تبلغ الجبال طولاً بتطاولك زجراً له عن تجاوزه الذي لا يدرك به غرضاً .
الثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى له ، ومعناه كما أنك لن تخرق الأرض في مشيك ، ولن تبلغ الجبال طولاً فإنك لا تبلغ ما أردت بكبرك وعجبك ، إياساً له من بلوغ إرادته .
( الإسراء : ( 39 - 41 ) ذلك مما أوحى . . . . .
" ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا " ( قوله عز وجل : ) ولقد صرفنا في هذا القرآن ( فيه وجهان :
أحدهما : كررنا في هذا القرآن من المواعظ والأمثال .
الثاني : غايرنا بين المواعظ باختلاف أنواعها .
) ليذكروا ( فيه وجهان :
أحدهما : ليذكروا الأدلة .

صفحة رقم 245
الثاني : ليهتدوا إلى الحق .
) وما يزيدهم الا نفوراً ( فيه وجهان :
أحدهما : نفوراً عن الحق والاتباع له .
الثاني : عن النظر والاعتبار . وفي الكلام مضمر محذوف ، وتقديره ولقد صرفنا الأمثال في هذا القرآن .
( الإسراء : ( 42 - 43 ) قل لو كان . . . . .
" قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا " ( قوله عز وجل : ) قل لو كان مََعَهُ آلهةٌ كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : لطلبوا إليه طريقاً يتصلون به لأنهم شركاء ؛ قاله سعيد بن جبير .
الثاني : ليتقربوا إليه لأنهم دونه ، قاله قتادة .
( الإسراء : ( 44 ) تسبح له السماوات . . . . .
" تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا " ( قوله عز وجل : ) وإن من شيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : وإن من شيء من الأحياء الا يسبح بحمده ، فأما ما ليس بحي فلا ، قاله الحسن .
الثاني : إن جميع المخلوقات تسبح له من حي وغير حي حتى صرير الباب ، قاله إبراهيم .
الثالث : أن تسبيح ذلك ما يظهر فيه من لطيف صنعته وبديع قدرته الذي يعجز الخلق عن مثله فيوجب ذلك على من رآه تسبيح الله وتقديسه ، كما قال الشاعر :
تُلْقِي بِتَسْبِيحَةٍ مِنْ حَيْثُما انْصَرَفَتْ
وتَسْتَقِرُّ حَشَا الرَّائِي بإِرْعَادِ
كَأَنَّمَا خُلِقتْ مِن قِشْرِ لُؤْلُؤةٍ
فَكُلُّ أَكْنَافِها وَجْهٌ لِمِرْصَادِ

صفحة رقم 246
( الإسراء : ( 45 - 46 ) وإذا قرأت القرآن . . . . .
" وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " ( قوله عز وجل : ) وإذا قرأت القرآن جلعنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ( فيه وجهان :
أحدهما : أي جعلنا القرآن حجاباً ليسترك عنهم إذا قرأته .
الثاني : جعلنا القرآن حجاباً يسترهم عن سماعه إذا جهرت به . فعلى هذا فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم لإعراضهم عن قراءتك كمن بينك وبينهم حجاباً في عدم رؤيتك . قاله الحسن .
والثاني : أن الحجاب المستور أن طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ، قاله قتادة .
الثالث : أنها نزلت في قوم كانوا يؤذونه في الليل إذا قرأ ، فحال الله بينه وبينهم من الأذى ، قاله الزجاج .
) مستوراً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه .
الثاني : أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه ، ويكون مستور بمعنى ساتر ، وقيل إنها نزلت في بني عبد الدار .
( الإسراء : ( 47 - 48 ) نحن أعلم بما . . . . .
" نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " ( قوله عز وجل : ) نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ( في هذه النجوى قولان :
أحدهما : أنه ما تشاوروا عليه في أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في دار الندوة .

صفحة رقم 247
الثاني : أن هذا في جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة كانوا يتناجون بما ينفّرون به الناس عن اتباعه ( صلى الله عليه وسلم ) . قال قتادة : وكانت نجواهم أنه مجنون ، وأنه ساحر ، وأنه يأتي بأساطير الأولين .
) إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجُلاً مسحوراً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سحر فاختلط عليه أمره ، يقولون ذلك تنفيراً عنه .
الثاني : أن معنى مسحور مخدوع ، قاله مجاهد .
الثالث : معناه أن له سحراً ، أي رئة ، يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك ، قاله أبو عبيدة ، ومنه قول لبيد :
فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا
عَصَافِيرُ مِنْ هذَا الأَنَامِ الْمُسَحَّرِ
( الإسراء : ( 49 - 52 ) وقالوا أئذا كنا . . . . .
" وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا " ( قوله عز وجل : ) وقالوا أئِذا كُنّا عظاماً ورفاتاً ( فيه تأويلان :
أحدهما : أن الرفات التراب ، قاله الكلبي والفراء .
الثاني : أنه ما أرفت من العظام مثل الفتات ، قاله أبو عبيدة ، قال الراجز :
89 ( صُمَّ الصَّفَا رَفَتَ عَنْهَا أَصْلُهُ ) 89
قوله عز وجل : ) قل كونوا حجارةً أو حديداً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه إن عجبتم من إنشاء الله تعالى لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم ، قاله أبو جعفر الطبري .

صفحة رقم 248
الثاني : معناه أنكم : لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر لأنه أبلغ من الإلزام ، قاله علي بن عيسى .
الثالث : معناه لو كنتم حجارة أو حديداً لأماتكم الله ثم أحياكم . ) أو خَلْقاً ممّا يكبر في صدوركم ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه عنى بذلك السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه أراد الموت لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه وقد قال أمية ابن أبي الصلت :
نادوا إلههمُ ليسرع خلقهم
وللموت خلق للنفوس فظيعُ
وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص .
الثالث : أنه أراد البعث لأنه كان أكبر شيء في صدروهم قاله الكلبي .
الرابع : ما يكبر في صدوركم من جميع ما استعظمتموه من خلق الله تعالى ، فإن الله يميتكم ثم يحييكم ثم يبعثكم ، قاله قتادة . ) . . . فسينغضون إليك رءُوسَهُم ( قال ابن عباس وقتادة ، أي يحركون رؤوسهم استهزاء وتكذيباً ، قال الشاعر :
قلت لها صلي فقالت مِضِّ
وحركت لي رأسها بالنغضِ
قوله عز وجل : ) يَوْمَ يدعوكم فتستجيبون بحمده ( في قوله تعالى يدعوكم قولان :
أحدهما : أنه نداء كلام يسمعه جميع الناس يدعوهم الله بالخروج فيه إلى أرض المحشر .
الثاني : أنها الصيحة التي يسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة .

صفحة رقم 249
وفي قوله : ) فتستجيبون بحمده ( أربعة أوجه :
أحدها : فتستجيبون حامدين لله تعالى بألسنتكم .
الثاني : فتستجيبون على ما يقتضي حمد الله من أفعالكم .
الثالث : معناه فستقومون من قبوركم بحمد الله لا بحمد أنفسكم .
الرابع : فتستجيبون بأمره ، قاله سفيان وابن جريج .
) وتظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً ( فيه خمس أوجه :
أحدها : إن لبثتم إلا قليلاً في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة ، قاله الحسن .
الثاني : معناه الاحتقار لأمر الدنيا حين عاينوا يوم القيامة ، قاله قتادة .
الثالث : أنهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث في القبور .
الرابع : أنهم بين النفختين يرفع عنهم العذاب فلا يعذبون ، وبينهما أربعون سنة فيرونها لاستراحتهم قليقلة ؛ قاله الكلبي .
الخامس : أنه لقرب الوقت ، كما قال الحسن كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل .
( الإسراء : ( 53 ) وقل لعبادي يقولوا . . . . .
" وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا " ( قوله عز وجل : ) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه تصديق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيما جاء به .
) إنّ الشيطان ينزغُ بينهم ( في تكذيبه .
الثاني : أنه امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه ، قاله الحسن .
الثالث : أنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الرابع : أن يرد خيراً على من شتمه .
وقيل إنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من بعض كفار قريش ، فهم به عمر ، فأنزل الله تعالى فيه ) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن (
. ( الإسراء : ( 54 - 55 ) ربكم أعلم بكم . . . . .
" ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا

صفحة رقم 250
وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا " ( قوله عز وجل : ) إن يشاء يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إن يشأ يرحمكم بالهداية أو يعذبكم بالإضلال .
الثاني : إن يشاء يرحمكم فينجيكم من أعدائكم أو يعذبكم بتسلطهم عليكم ، قاله الكلبي .
الثالث : إن يشأ يرحمكم بالتوبة أو يعذبكم بالإقامة ، قاله الحسن :
) وما أرسلناك عليهم وكيلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : ما وكلناك أن تمنعهم من الكفر بالله سبحانه ، وتجبرهم على الإيمان به .
الثاني : ما جعلناك كفيلاً لهم تؤخذ بهم ، قاله الكلبي ، قاله الشاعر :
ذكرت أبا أرْوَى فَبِتُّ كأنني
بِرَدِّ الأمور الماضيات وكيلُ
وكيل : أي كفيل .
( الإسراء : ( 56 - 57 ) قل ادعوا الذين . . . . .
" قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا " ( قوله عز وجل : ) أولئك الذين يدعون يبتغُون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقْرَبُ ( الآية فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في نفر من الجن كان يعبدهم قوم من الإنس ، فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة عند ربهم ، وبقي الإنس على كفرهم ؛ قاله عبد الله بن مسعود .

صفحة رقم 251
الثاني : أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب ، وهذا مروي عن ابن مسعود أيضاً .
الثالث : هم وعيسى وأُمُّهُ ، قاله ابن عباس ومجاهد . وهم المعنيّون بقوله تعالى ) قلِ ادعُوا الذين زعمتم مِن دونه (
وتفسيرها أن قوله تعالى ) اولئك الذين يدعون ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يدعون الله تعالى لأنفسهم .
الثاني : يدعون عباد الله إلى طاعته .
وقوله تعالى : ) يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( وهي القربة ، وينبني تأويلها على احتمال الوجهين في الدعاء .
فإن قيل إنه الدعاء لأنفسهم كان معناه يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى ما سألوا .
وإن قيل دعاء عباد الله إلى طاعته كان معناه أنهم يتوسلون لمن دعوه إلى مغفرته .
) أيهم أقرَبُ ( تأويله على الوجه الأول : أيهم أقرب في الإجابة . وتأويله على الوجه الثاني : أيهم أقرب إلى الطاعة .
) ويرجون رحمته ويخافون عذابهُ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون هذا الرجاء والخوف في الدنيا .
الثاني : أن يكونا في الآخرة .
فإن قيل إنه في الدنيا احتمل وجهين :
أحدهما : أن رجاء الرحمة التوفيق والهداية ، وخوف العذاب شدة البلاء .

صفحة رقم 252
وإن قيل إن ذلك في الآخرة احتمل وجهين :
أحدهما : أن رجاء الرحمة دوام النعم وخوف عذاب النار .
الثاني : أن رجاء الرحمة العفو ، وخوف العذاب مناقشة الحساب .
ويحتمل هذا الرجاء والخوف وجهين : أحدهما : أن يكون لأنفسهم إذا قيل إن أصل الدعاء كان لهم .
الثاني : لطاعة الله تعالى إذا قيل إن الدعاء كان لغيرهم . ولا يمتنع أن يكون على عمومه في أنفسهم وفيمن دعوه .
قال سهل بن عبد الله : الرجاء والخوف ميزانان على الإنسان فإذا استويا استقامت أحواله ، وإن رجح أحدهما بطل الآخر .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا ) . ( الإسراء : ( 58 - 59 ) وإن من قرية . . . . .
" وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " ( قوله عز وجل : ) وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الآيات معجزات الرسل جعلها الله تعالى من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذبين .
الثاني : أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي .
الثالث : أنها تقلُّبُ الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهُّل ثم إلى مشيب ، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمْرك ، وهذا قول أحمد بن حنبل رحمه الله .
( الإسراء : ( 60 ) وإذ قلنا لك . . . . .
" وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " (

صفحة رقم 253
قوله عز وجل : ) وإذا قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه أحاطت بالناس قدرته فهم في قبضته ، قاله مجاهد وابن أبي نجيح .
الثاني : أحاط علمه بالناس ، قاله الكلبي .
الثالث : أنه عصمك من الناس أن يقتلوك حتى تبلغ رسالة ربك ، قاله الحسن وعروة وقتادة .
) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها رؤيا عين ليلة الإسراء به من مكة إلى بيت المقدس ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد ، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أُسريَ به .
الثاني : أنها رؤيا نوم رأى فيها أنه يدخل مكة ، فعجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل الوقت يوم الحيبية ، فرجع فقال ناس قد كان قال إنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً .
الثالث : أنها رؤيا منام رأى فيها قوماً يعلون على منابره ينزون نزو القردة . فساءه ، وهذا قول سهل بن سعد . وقيل إنه ما استجمع ضاحكاً حتى مات ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله تعالى هذه الآية .
) والشجرة الملعونة في القرآن ( فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها شجرة الزقوم طعام الأثيم ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير وطاووس وابن زيد . وكانت فتنتهم بها قول أبي جهل وأشياعه : النار تأكل الشجر فكيف تنبتها .

صفحة رقم 254
الثاني : هي الكشوت التي تلتوي على الشجر ، قاله ابن عباس . الثالث : أنهم اليهود تظاهروا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع الأحزاب ، قاله ابن بحر . الرابع : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى في منامه قوماً يصعدون المنابر ، فشق عليه ، فأنزل الله تعالى ) والشجرة الملعونة في القرآن ( قاله سعيد بن المسيب .
والشجرة كناية عن المرأة ، والجماعة أولاد المرأة كالأغصان للشجر . ( الإسراء : ( 61 - 62 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " ( قوله عز وجل : ) . . . لأحتنكن ذُرِّيته إلاّ قليلاً ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : معناه لأستولين عليهم بالغلبة ، قاله ابن عباس .
الثاني : معناه لأضلنهم بالإغواء .
الثالث : لأستأصلنهم بالإغواء .
الرابع : لأستميلنهم ، قاله الأخفش .
الخامس : لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل يجذبها وهو افتعال من الحنك إشارة إلى حنك الدابة .
السادس : معناه لأقطعنهم إلى المعاصي ، قال الشاعر :
أشْكوا إليك سَنَةً قد أجحفت
جهْداً إلى جهدٍ بنا وأضعفت
89 ( واحتنكَتْ أَمْولُنا واجتلفت . ) 89

صفحة رقم 255
( الإسراء : ( 63 - 65 ) قال اذهب فمن . . . . .
" قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا " ( قوله عز وجل : ) واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : واستخف ، وهذا قول الكلبي والفراء .
الثاني : واستجهل .
الثالث : واستذل من استطعت ، قاله مجاهد .
) بصوتك ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه صوت الغناء واللهو ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه صوت المزمار ، قاله الضحاك .
الثالث : بدعائك إلى معصية الله تعالى وطاعتك ، قاله ابن عباس .
) وأجلب عليهم بخيلك ورجَلِكِ ( والجلب هو السوْق بجلبه من السائق ، وفي المثل : إذا لم تغلب فأجلب .
وقوله ) بخيلك ورجلك ( أي بكل راكب وماشٍ في معاصي الله تعالى .
) وشاركهم في الأموال والأولاد ( أما مشاركتهم في الأموال ففيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها الأموال التي أصابوها من غير حلها ، قاله مجاهد .
الثاني : أنها الأموال التي أنفقوها في معاصي الله تعالى ، قاله الحسن .
الثالث : ما كانوا يحرّمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، قاله ابن عباس .
الرابع : ما كانوا يذبحون لآلهتهم ، قاله الضحاك .
وأما مشاركتهم في الأولاد ففيها أربعة أوجه :
أحدها : أنهم أولاد الزنى ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه قتل الموؤودة من أولادهم ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه صبغة أولادهم في الكفر حتى هوّدوهم ونصّروهم ، قاله قتادة .

صفحة رقم 256
الرابع : أنه تسمية أولادهم عبيد آلهتهم كعبد شمس وعبد العزَّى وعبد اللات ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .
( الإسراء : ( 66 ) ربكم الذي يزجي . . . . .
" ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما " ( قوله عز وجل : ) ربُّكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ( معناه يجريها ويسيرها ، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد ، قال الشاعر :
يا أيها الراكب المزجي مطيتُه
سائل بني أسدٍ ما هذه الصوت
( الإسراء : ( 67 ) وإذا مسكم الضر . . . . .
" وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا " ( قوله عز وجل : ) وإذا مَسّكم الضُّرُّ في البحر ضَلَّ من تدعون إلا إياه ( فيه وجهان : أحدهما : بطل من تدعون سواه ، كما قال تعالى ) أضلَّ أعمالهم ( " [ محمد : 1 ] أي أبطلها .
الثاني : معناه غاب من تدعون كما قال تعالى ) أئِذا ضَلَلْنا في الأرض ( " [ السجدة : 10 ] أي غِبْنَا .
( الإسراء : ( 68 - 69 ) أفأمنتم أن يخسف . . . . .
" أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من

صفحة رقم 257
الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا " ( قوله عز وجل : ) أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البَرِّ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يريد بعض البر وهو موضع حلولهم منه ، فسماه جانبه لأنه يصير بعد الخسف جانباً .
الثاني : أنهم كانوا على ساحل البحر ، وساحله جانب البر ، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر .
) أو يُرْسِلَ عليكم حاصباً ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني حجارة من السماء ، قاله قتادة .
الثاني : إن الحاصب الريح العاصف سميت بذلك لأنها تحصب أي ترمي بالحصباء . والقاصف الريح التي تقصف الشجر ، قاله الفراء وابن قتيبة .
( الإسراء : ( 70 ) ولقد كرمنا بني . . . . .
" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " ( قوله تعالى : ) ولقد كَرّمنا بني آدم . . ( فيه سبعة أوجه :
أحدها : يعني كرمناهم بإنعامنا عليهم .
الثاني : كرمناهم بأن جعلنا لهم عقولاً وتمييزاً .
الثالث : بأن جعلنا منهم خير أمة أخرجت للناس .
الرابع : بأن يأكلوا ما يتناولونه من الطعام والشراب بأيديهم ، وغيرهم يتناوله بفمه ، قاله الكلبي ومقاتل .
الخامس : كرمناهم بالأمر والنهي .
السادس : كرمناهم بالكلام والخط .
السابع : كرمناهم بأن سخّرنا جميع الخلق لهم .

صفحة رقم 258
) . . . ورزقناهُمْ من الطيبات ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما أحله الله لهم .
الثاني : ما استطابوا أكله وشربه .
الثالث : أنه كسب العامل إذا نفع ، قاله سهل بن عبد الله .
) وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : بالغلبة والاستيلاء .
الثاني : بالثواب والجزاء .
الثالث : بالحفظ والتمييز .
الرابع : بإصابة الفراسة .
( الإسراء : ( 71 - 72 ) يوم ندعوا كل . . . . .
" يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " ( قوله عز وجل : ) يوم ندعوا كل أناسٍ بإمامِهمْ ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : بنبيِّهم ، قاله مجاهد .
الثاني : بكتابهم الذي أنزل عليهم أوامر الله ونواهيه ، قاله ابن زيد .
الثالث : بدينهم ، ويشبه أن يكون قول قتادة .
الرابع : يكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر ، قاله ابن عباس .
الخامس : بمن كانوا يأتمرون به في الدنيا فيتبعونه في خير أو شر ، أو على حق ، أو باطل ، وهو معنى قول أبو عبيدة .
قوله عز وجل : ) ومن كان في هذه أعمى . . ( يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : من كان في الدنيا أعمى عن الطاعة ) فهو في الآخرة أعمى ( عن الثواب .

صفحة رقم 259
الثاني : ومن كان في الدنيا أعمى عن الاعتبار ) فهو في الآخرة أعمى ( عن الاعتذار .
الثالث : ومن كان في الدنيا أعمى عن الحق ) فهو في الآخرة أعمى ( عن الجنة .
الرابع : ومن كان في تدبير دنياه أعمى فهو تدبير آخرته أعمى ) وأضل سبيلاً ( . ( الإسراء : ( 73 - 75 ) وإن كادوا ليفتنونك . . . . .
" وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا " ( قوله تعالى : ) وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ( فيه قولان :
أحدهما : ما روى سعيد بن جبير أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يستلم الحجر في طوافه فمنعته قريش وقالوا لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا فحدث نفسه وقال : ( ما عليّ أن ألمَّ بها بعد أن يعدوني أستلم الحجر واللّه يعلم أني لها كاره ) فأبى الله تعالى وأنزل عليه هذه الآية ، قاله مجاهد وقتادة .
الثاني : ما روى ابن عباس أن ثقيفاً قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أجِّلْنا سنة حتى نأخذ

صفحة رقم 260
ما نُهدي لآلهتنا ، فإذا أخذناه كسرنا آلهتنا وأسلمْنا ، فهمّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يطيعهم ، فأنزل الله هذه الآية .
) لِتَفْتَريَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لتدّعي علينا غير وحينا .
الثاني : لتعتدي في أوامرنا .
) وإذاً لاتخذوك خليلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : صديقاً ، مأخوذ من الخُلة بالضم وهي الصداقة لممالأته لهم .
الثاني : فقيراً ، مأخوذ من الخلة بالفتح وهي الفقر لحاجته إليهم .
قوله عز وجل : ) إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ( فيه قولان :
أحدهما : لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك .
الثاني : لأذقناك ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة ، حكاه الطبري :
وفي المراد بالضِّعف ها هنا وجهان :
أحدها : النصيب ، ومنه قوله تعالى ) لكل ضِعفٌ ( " [ الأعراف : 38 ] أي نصيب .
الثاني : مثلان ، وذلك لأن ذنبك أعظم .
وفيه وجه ثالث : أن الضعف هو العذاب يسمى ضعف لتضاعف ألمه ، قاله أبان بن تغلب وأنشد قول الشاعر :
لمقتل مالكٍ إذ بان مني
أبيتُ الليل في ضعفٍ أليم
قال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) .

صفحة رقم 261
( الإسراء : ( 76 - 77 ) وإن كادوا ليستفزونك . . . . .
" وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا " ( قوله عز وجل : ) وإن كادوا ليستفزونَك مِنَ الأرض ليخرجوك منها ( في قوله ) ليستفزّونك ( وجهان :
أحدهما : يقتلونك ، قاله الحسن .
الثاني : يزعجونك باتسخفافك ، قاله ابن عيسى . قال الشاعر :
يُطِيعُ سَفِيهَ القوْمِ إذ يَسْتَفِزُّهُ
ويعْصِي حَكِيماً شَيَّبَتْهُ الْهَزَاهِزُ
وفي قوله ) ليخرجوك منها ( أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود أرادوا أن يخرجوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المدينة ، فقالوا : إن أرض الأنبياء هي الشام وإن هذه ليست بأرض الأنبياء ، قاله سليمان التيمي .
الثاني : أنهم قريش هموا بإخراج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة قبل الهجرة ، قاله قتادة .
الثالث : أنهم أرادوا إخراجه من جزيرة العرب كلها لأنهم قد أخرجوه من مكة . الرابع : أنهم أرادوا قتله ليخرجوه من الأرض كلها ، قاله الحسن .
) وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً ( يعني بعدك ، قال خلْفك وخلافك وقد قرئا جميعاً بمعنى بعدك ، ومنه قول الشاعر :
عَفَتِ الدِّيَارُ خِلاَفَها فَكَأَنَّما
بَسَطَ الشَّوَاطبُ بَيْنَهُم حَصِيراً
وقيل خلفك بمعنى مخالفتك ، ذكره ابن الأنباري .
) إلا قليلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن المدة التي لبثوها بعده ما بين إخراجهم له إلى قتلهم يوم بدر ، وهذا قوله من ذكر أنهم قريش .

صفحة رقم 262
الثاني : ما بين ذلك وقتل بني قريظة وجلاء بني النضير ، وهذا قول من ذكر أنهم اليهود .
( الإسراء : ( 78 - 79 ) أقم الصلاة لدلوك . . . . .
" أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " ( قوله عز وجل : ) أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ( .
أما دلوك الشمس ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه غروبها ، وأن الصلاة المأمور بها صلاة المغرب ، ومنه قول ذي الرمة :
مصابيح ليست باللواتي تقودها
نجومٌ ولا بالآفات الدوالك
قاله ابن مسعود وابن زيد ، ورواه مجاهد عن ابن عباس ، وهو مذهب أبي حنيفة .
الثاني : أنه زوالها ، والصلاة المأمور بها صلاة الظهر ، وهذا قول ابن عباس في رواية الشعبي عنه ، وهو قول أبي بردة والحسن وقتادة ومجاهد ، وهو مذهب الشافعي ومالك لرواية أبي بكر بن عمرو بن حزم عن ابن مسعود وعقبة بن عامر قالا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر ) وقال الشاعر :

صفحة رقم 263
هذا مُقام قَدَامي رباح
ذَيّبَ حتى دَلَكت بَراح
وبراح اسم الشمس ، والباء التي فيه من أصل الكلمة ، وذهب بعض أهل العربية إلى أن الباء التي فيها باء الجر ، واسم الشمس راح .
فمن جعل الدلوك اسماً لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها ، ومن جعله اسماً لزوالها فلأنه يدلك عينيه براحته لشدة شعاعها . وقيل إن أصل الدلوك في اللغة هو الميل ، والشمس تميل عند زوالها وغروبها فلذلك انطلق على كل واحدٍ منهما .
وأما ) غسق الليل ( ففيه تأويلان :
أحدهما : أنه ظهور ظلامه ، قاله الفراء وابن عيسى ، ومنه قول زهير :
ظَلَّت تَجُودُ يَدَاها وهِيَ لاَهِيَةٌ
حتى إذا جَنَحَ الإِظْلاَمُ والغَسَقُ
الثاني : أنه دنوّ الليل وإقباله ، وهوقول ابن عباس وقتادة . قال الشاعر :
إن هذا الليل قد غسقا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي الصلاة المأمور بها قولان :
أحدهما : أنها صلاة المغرب ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك
الثاني : هي صلاة العشاء الآخرة ، قاله أبو جعفر الطبري .
ثم قال ) وقرآن الفَجْر إنّ قرآن الفجْر كان مشهوداً ( في ) قرآن ( تأويلان :
أحدهما : أقم القراءة في صلاة الفجر ، وهذا قول أبي جعفر الطبري .
الثاني : معناه صلاة الفجر ، فسماها قرآناً لتأكيد القراءة في الصلاة ، وهذا قول أبي اسحاق الزجاج .
) إن قرآن الفجر كان مشهوداً ( فيه قولان :
أحدهما : إن من الحكمة أن تشهده بالحضور إليه في المساجد ، قاله ابن بحر .
الثاني : ان المراد به ما رواه أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( تشهده ملائكة

صفحة رقم 264
الليل وملائكة النهار ) وفي هذا دليل على أنها ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار .
قوله عز وجل : ) ومن الليل فتهجد به نافلة لك ( أما الهجود فمن أسماء الأضداد ، وينطلق على النوم وعلى السهر ، وشاهد انطلاقه على السهر قول الشاعر :
ألا زارت وأهْلُ مِنىً هُجُود
ولَيْتَ خَيَالَهَا بِمِنىً يعُود
وشاهد انطلاقه على النوم قول الشاعر :
أَلا طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود
فَبَاتَتْ بِعُلاَّت النّوالِ تجود
أما التهجد فهو السهر ، وفيه وجهان :
أحدهما : السهر بالتيقظ لما ينفي النوم ، سواء كان قبل النوم أو بعده .
الثاني : أنه السهر بعد النوم ، قاله الأسود بن علقمة .
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : فتهجد بالقرآن وقيام الليل نافلة أي فضلاً وزيادة على الفرض .
وفي تخصيص النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأنها نافلة له ثلاثة أوجه :
أحدها : تخصيصاً له بالترغيب فيها والسبق إلى حيازة فضلها ، اختصاصها بكرامته ، قاله علي بن عيسى .
الثاني : لأنها فضيلة له ، ولغيره كفارة ، قاله مجاهد .
الثالث : لأنها عليه مكتوبة ولغيره مستحبة ، قاله ابن عباس .
) عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً ( فيه ثلاثة أقاويل :

صفحة رقم 265
أحدها : أن المقام المحمود الشفاعة للناس يوم القيامة ، قاله حذيفة بن اليمان .
الثاني : أنه إجلاسه على عرشه يوم القيامة ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 266
الثالث : أنه إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة .
ويحتمل قولاً رابعاً : أن يكون المقام المحمود شهادته على أمته بما أجابوه من تصديق أو تكذيب ، كما قال تعالى ) وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ( " [ النساء : 41 ] .
( الإسراء : ( 80 - 81 ) وقل رب أدخلني . . . . .
" وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " ( قوله عز وجل : ) وقل ربِّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مُخرج صدق ( فيه سبعة أقاويل :
أحدها : أن مدخل الصدق دخوله إلى المدينة حين هاجر إليها ، ومخرج صدق بخروجه من مكة حين هاجر منها ، قاله قتادة وابن زيد .
الثاني : أدخلني مدخل صدق إلى الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة إلى المدينة ، قاله الحسن .
الثالث : أدخلني مدخل صدق فيما أرسلتني به من النبوة ، وأخرجني منه بتبليغ الرسالة مخرج صدق ، وهذا قول مجاهد .
الرابع : أدخلني في الإسلام مدخل صدق ، وأخرجني من الدنيا مخرج صدق ، قاله أبو صالح .
الخامس : أدخلني مكة مدخل صدق وأخرجني منها مخرج صدق آمناً ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 267
السادس : أدخلني في قبري مدخل صدق ، وأخرجني منه مخرج صدق ، قاله ابن عباس .
السابع : أدخلني فيما أمرتني به من طاعتك مدخل صدق ، وأخرجني مما نهيتني عنه من معاصيك مخرج صدق ، قاله بعض المتأخرين .
والصدق ها هنا عبارة عن الصلاح وحسن العاقبة . ) واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني مُلكاً عزيزاً أقهر به العصاة ، قاله قتادة .
الثاني : حجة بيّنة ، قاله مجاهد .
الثالث : أن السلطة على الكافرين بالسيف ، وعلى المنافقين بإقامة الحدود قاله الحسن .
ويحتمل رابعاً : أن يجمع له بين القلوب باللين وبين قهر الأبدان بالسيف .
قوله عز وجل : ) وقُلْ جاء الحق وزهق الباطل ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن الحق هو القرآن ، والباطل هو الشيطان ، قاله قتادة .
الثاني : أن الحق عبادة الله تعالى والباطل عبادة الأصنام ، قاله مقاتل بن سليمان .
الثالث : أن الحق الجهاد ، والباطل الشرك ، قاله ابن جريج . ) إن الباطل كان زهوقاً ( أي ذاهباً هالكاً ، قال الشاعر :
ولقدْ شفَى نفسي وأبْرأ سُقْمَهَا
إِقدامُهُ قهْراً له لَمْ يَزْهَق
وحكى قتادة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما دخل الكعبة ورأى فيها التصاوير أمر بثوب فبُل بالماء وجعل يضرب به تلك التصاوير ويمحوها ويقول ) جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً (
. ( الإسراء : ( 82 ) وننزل من القرآن . . . . .
" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " (

صفحة رقم 268
قوله عز وجل : ) وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ( يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : شفاء من الضلال ، لما فيه من الهدى .
الثاني : شفاء من السقم ، لما فيه من البركة .
الثالث : شفاء من الفرائض والأحكام ، لما فيه من البيان .
وتأويله الرحمة ها هنا على الوجوه الأُوَلِ الثلاثة :
أحدها : أنها الهدى .
الثاني : أنها البركة .
الثالث : أنها البيان .
) ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يزيدهم خساراً لزيادة تكذيبهم .
الثاني : يزيدهم خساراً لزيادة ما يرد فيه من عذابهم .
( الإسراء : ( 83 - 84 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
" وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا " ( قوله عز وجل : ) وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه ( يحتمل وجهين :
أحدهما : إذا أنعمنا عليه بالصحة والغنى أعرض ونأى وبعد من الخير .
الثاني : إذا أنعمنا عليه بالهداية أعرض عن السماع وبعُد من القبول وفي قوله ) ونأى بجانبه ( وجهان :
أحدهما : أعجب بنفسه ، لأن المعجب نافر من الناس متباعد عنهم .
الثاني : تباعد من ربه .
) وإذا مَسّهُ الشر كان يئوساً ( يحتمل إياسه من الفرج إذا مسه الشر وجهين :
أحدهما : بجحوده وتكذيبه .
الثاني : بعلمه بمعصيته أنه معاقب على ذنبه .
وفي ) الشر ( ها هنا ثلاثة تأويلات :

صفحة رقم 269
أحدها : أنه الفقر ، قاله قتادة .
الثاني : أنه السقم ، قاله الكلبي .
الثالث : السيف ، وهو محتمل .
قوله عز وجل : ) قُلْ كلٌّ يعمل على شاكلته ( في ستة تأويلات :
أحدها : على حِدّته ، قاله مجاهد .
الثاني : على طبيعته ، قاله ابن عباس .
الثالث : على بيته ، قاله قتادة .
الرابع : على دينه ، قاله ابن زيد .
الخامس : على عادته .
السادس : على أخلاقه .
) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أحسن ديناً .
الثاني : أسرع قبولاً .
( الإسراء : ( 85 ) ويسألونك عن الروح . . . . .
" ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " ( قوله عز وجل : ) ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ( فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنه جبريل عليه السلام ، قاله ابن عباس . كما قال تعالى ) نزل به الروح الأمين ( " [ الشعراء : 193 ] .
الثاني : ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بجميع ذلك ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
الثالث : أنه القرآن ، قاله الحسن ، كما قال تعالى ) وكذلك أوحينا إليك روحاً

صفحة رقم 270
من أمرنا ( " [ الشورى : 52 ] فيكون معناه أن القرآن من أمر الله تعالى ووحيه الذي أنزل عليّ وليس هو مني .
الرابع : أنه عيسى ابن مريم هو من أمر الله تعالى وليس كما ادعته النصارى أنه ابن الله ، ولا كما افترته اليهود أنه لغير رشدة .
الخامس : أنه روح الحيوان ، وهي مشتقة من الريح . قال قتادة سأله عنها قوم من اليهود وقيل في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبيّ فقال الله تعالى ) قل الروح من أمر ربي ( فلم يجبهم عنها فاحتمل ذلك ستة أوجه :
أحدها : تحقيقاً لشيء إن كان في كتابهم .
الثاني : أنهم قصدوا بذلك الإعنات كما قصدوا اقتراح الآيات .
الثالث : لأنه قد يتوصل إلى معرفته بالعقل دون السمع .
الرابع : لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سؤال ما لا يعني .
الخامس : قاله بعض المتكلمين ، أنه لو أجابهم عنها ووصفها ؛ بأنها جسم رقيق تقوم معه الحياة ، لخرج من شكل كلام النبوة ، وحصل في شكل كلام الفلاسفة . فقال ) من أمر ربي ( أي هو القادر عليه .
السادس : أن المقصود من سؤالهم عن الروح أن يتبين لهم أنه محدث أو قديم ، فأجابهم بأنه محدث لأنه قال : ) من أمر ربي ( أي من فعله وخلقه ، كما قال تعالى ) إنما أمرنا لشيء ( .

صفحة رقم 271
فعلى هذا الوجه يكون جواباً لما سألوه ، ولا يكون على الوجوه المتقدمة جواباً .
) وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : إلا قليلاً من معلومات الله .
الثاني : إلا قليلاً بحسب ما تدعو الحاجة إليه حالاً فحالاً .
وفيمن أريد بقوله تعالى : ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ( قولان :
أحدهما : أنهم اليهود خاصة ، قاله قتادة .
الثاني : النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسائر الخلق .
( الإسراء : ( 86 - 89 ) ولئن شئنا لنذهبن . . . . .
" ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا " ( قوله عز وجل : ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( فيه وجهان :
أحدهما : لأذهبناه من الصدور والكتب حتى لا يقدر عليه .
الثاني : لأذهبناه بقبضك إلينا حتى لا ينزل عليك .
) ثم لا تجدُ لك به علينا وكيلاً ( فيه وجهان :

صفحة رقم 272
أحدهما : أي لا تجد من يتوكل في رده إليك ، وهو تأويل من قال بالوجه الأول .
الثاني : لا تجد من يمنعنا منك ، وهو تأويل من قال بالوجه الثاني .
) إلاّ رحمة من ربك ( أي لكن رحمة من ربك أبقاك له وأبقاه عليك .
) إنّ فضله كان عليك كبيراً ( فيه وجهان :
أحدهما : جزيلاً لكثرته .
الثاني : جليلاً لعظيم خطره .
( الإسراء : ( 90 - 93 ) وقالوا لن نؤمن . . . . .
" وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " ( قوله عز وجل : ) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجُر لنا من الأرض ينبوعاً ( التفجير تشقيق الأرض لينبع الماء منها ، ومنه سمي الفجر لأنه ينشق عن عمود الصبح ، ومنه سمي الفجور لأنه شق الحق بالخروج إلى الفساد .
الينبوع : العين التي ينبع منها الماء ، قال قتادة ومجاهد : طلبوا عيوناً ببلدهم .
) أو تكون لك جنةٌ من نخيلٍ وعنب ( سألوا ذلك في بلد ليس ذلك فيه .
) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ( أي قطعاً . قرىء بتسكين السين وفتحها ، فمن قرأ بالتسكين أراد السماء جميعها ، ومن فتح السين جعل المراد به بعض السماء ، وفي تأويل ذلك وجهان :
أحدهما : يعني حيزاً ، حكاه ابن الأنباري ، ولعلهم أرادوا به مشاهدة ما فوق السماء .

صفحة رقم 273
الثاني : يعني قطعاً ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . والعرب تقول . أعطني كسفة من هذا الثوب أي قطعة منه . ومن هذا الكسوف لانقطاع النور منه ، وعلى الوجه الثاني لتغطيته بما يمنع من رؤيته .
) أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني كل قبيلة على حدتها ، قاله الحسن .
الثاني : يعني مقابلة ، نعاينهم ونراهم ، قاله قتادة وابن جريج .
الثالث : كفيلاً ، والقبيل الكفيل ، من قولهم تقبلت كذا أي تكفلت به ، قاله ابن قتيبة .
الرابع : مجتمعين ، مأخوذ من قبائل الرأس لاجتماع بعضه إلى بعض ومنه سميت قبائل العرب لاجتماعها ، قاله ابن بحر .
قوله عز وجل : ) أو يكون لك بيت من زخرف ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الزخرف النقوش ، وهذا قول الحسن .
الثاني : أنه الذهب ، وهذا قول ابن عباس وقتادة ، قال مجاهد : لم أكن أدري ما الزخرف حتى سمعنا في قراءة عبد الله : بيت من ذهب .
وأصله من الزخرفة وهو تحسين الصورة ، ومنه قوله تعالى ) حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت ( " [ يونس : 24 ] .
والذين سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك نفر من قريش قال ابن عباس : هم عتبة ابن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان والأسود بن عبد المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية والعاص بن وائل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج .
( الإسراء : ( 94 - 95 ) وما منع الناس . . . . .
" وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " (

صفحة رقم 274
قوله تعالى : ) وما منع الناس أن يؤمنوا ( يعني برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
) إذ جاءَهم الهُدى ( يحتمل وجهين :
أحدهما : القرآن .
الثاني : الرسول .
) إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً ( وهذا قول كفار قريش أنكروا أن يكون البشر رُسُل الله تعالى ، وأن الملائكة برسالاته أخص كما كانوا رسلاً إلى أنبيائه ، فأبطل الله تعالى عليهم ذلك بقوله :
) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ( يعني أن الرسول إلى كل جنس يأنس بجنسه ، وينفر من غير جنسه ، فلو جعل الله تعالى الرسول إلى البشر ملكاً لنفروا من مقاربته ولما أنسوا به ولداخلهم من الرهب منه والاتقاء له ما يكفهم عن كلامه ويمنعهم من سؤاله ، فلا تعمّ المصلحة . ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به ويسكنوا إليه لقالوا لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك ، وعادوا إلى مثل حالهم .
( الإسراء : ( 96 - 97 ) قل كفى بالله . . . . .
" قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا " ( قوله عز وجل : ) ومن يهد الله فهو المهتدِ ( معناه من يحكم الله تعالى بهدايته فهو المهتدي بإخلاصه وطاعته .
) ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ( فيه وجهان :
أحدهما : ومن يحكم بضلاله فلن تجد له أولياء من دونه في هدايته .
الثاني : ومن يقض الله تعالى بعقوبته لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه .
) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ( فيه وجهان :
أحدهما : أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ، من قول العرب : قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا .

صفحة رقم 275
الثاني : أنه يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كمن يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه .
) عُمْياً وبكماً وصماً ( فه وجهان :
أحدهما : أنهم حشروا في النار عُمي الأبصار بُكم الألسن صُمّ الأسماع ليكون ذلك يزادة في عذابهم ، ثم أبصروا لقوله تعالى ) ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ( " [ الكهف : 53 ] وتكلموا لقوله تعالى ) دَعوا هنالك ثبوراً ( " [ الفرقان : 13 ] وسمعوا ، لقوله تعالى ) سمعوا لها تغيظاً وزفيراً ( " [ الفرقان : 12 ] .
وقال مقاتل بن سليمان : بل إذا قال لهم ) اخسئوا فيها ولا تكلمُون ( " [ المؤمنون : 18 ] صاروا عمياً لا يبصرون ، صُمّاً لا يسمعون ، بكماً لا يفقهون .
الثاني : أن حواسهم على ما كانت عليه ، ومعناه عمي عما يسرّهم ، بكم عن التكلم بما ينفعهم ، صم عما يمتعهم ، قاله ابن عباس والحسن .
) مأواهم جهنم ( يعني مستقرهم جهنم .
) كلما خبت زدناهم سعيراً ( فيه وجهان :
أحدهما : كلما طفئت أوقدت ، قاله مجاهد .
الثاني : كلما سكن التهابها زدناهم سعيراً والتهاباً ، قاله الضحاك ، قال الشاعر :
وكُنّا كَالحَرِيقِ أَصَابَ غَاباً
فَيَخْبُو سَاعَةً ويَهُبُّ سَاعا
وسكون التهابها من غير نقصان في الآمهم ولا تخفيف من عذابهم .
( الإسراء : ( 98 - 100 ) ذلك جزاؤهم بأنهم . . . . .
" ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على

صفحة رقم 276
أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا " ( قوله عز وجل : ) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( فيه وجهان :
أحدهما : خزائن الأرض الأرزاق ، قاله الكلبي .
الثاني : خزائن النعم ، وهذا أعم .
) إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق ( فيه وجهان :
أحدهما : لأمسكتم خشية الفقر ، والإنفاق الفقر ، قاله قتادة وابن جريج .
الثاني : يعني أنه لو ملك أحد المخلوقين خزائن الله تعالى لما جاد بها كجود الله تعالى لأمرين :
أحدهما : أنه لا بدّ أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته .
الثاني : أنه يخاف الفقر ويخشى العدم ، والله عز وجل يتعالى في جوده عن هاتين الحالتين .
) وكان الإنسان قتوراً ( فيه تأويلان :
أحدهما : مقتراً ، قاله قطرب والأخفش .
الثاني : بخيلاً ، قاله ابن عباس وقتادة .
واختلف في هذا الآية على قولين :
أحدهما : أنها نزلت في المشركين خاصة ، قاله الحسن . الثاني : أنها عامة ، وهو قول الجمهور .
( الإسراء : ( 101 - 104 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
" ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا " (

صفحة رقم 277
قوله تعالى ) ولقد آتينا موسى تسْع آيات بيناتٍ ( فيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها يده وعصاه ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدم آيات مفصلات ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها نحو من ذلك إلا آيتين منهن إحداهما الطمس ، والأخرى الحجر ، قاله محمد بن كعب القرظي .
الثالث : أنها نحو من ذلك ، وزيادة السنين ونقص من الثمرات ، وهو قول الحسن .
الرابع : ما روى صفوان بن عسال عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن قوماً من اليهود سألوه عنها فقال : ( لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببرىء إلى السلطان ليقتله ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفرُّوا من الزحف ، وأنتم يا يهود خاصة لا تعدُوا في السبت ) فقبلوا يده ورجله .
) فاسأل بني إسرائيل . . ( وفي أمره بسؤالهم وإن كان خبر الله أصدق من خبرهم ثلاثة أوجه :
أحدها : ليكون ألزم لهم وأبلغ في الحجة عليهم .
الثاني : فانظر ما في القرآن من أخبار بني إسرائيل فه سؤالهم ، قاله الحسن .
الثالث : إنه خطاب لموسى عليه أن يسأل فرعون في إطلاق بني إسرائيل قاله ابن عباس .
وفي قوله ) إني لأظنك يا موسى مسحوراً ( أربعة أوجه :

صفحة رقم 278
أحدها : قد سُحرت لما تحمل نفسك عليه من هذا القول والفعل المستعظمين .
الثاني : يعني ساحراً لغرائب أفعالك . الثالث : مخدوعاً .
الرابع : مغلوباً : قاله مقاتل .
) . . . وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : مغلوباً ، قاله الكلبي ومقاتل . وقال الكميت :
وَرَأَت قُضَاعَةُ في الأَيَا
مِنِ رَأْيَ مَثْبُورٍ وَثَابِر
الثاني : هالك ، وهو قول قتادة .
الثالث : مبتلى ، قاله عطية .
الرابع : مصروفاً عن الحق ، قاله الفراء .
الخامس : ملعوناً ، قاله أبان بن تغلب وأنشد :
يا قَوْمَنَا لاَ تَرُومُوا حَرْبَنَا سَفَهاً
إِنّ السَّفَاهَ وإِنَّ البَغْيَ مَثْبُورُ
قوله عز وجل : ) فأراد أن يستفزهم من الأرض ( وفيه وجهان :
أحدهما : يزعجهم منها بالنفي عنها ، قاله الكلبي .
الثاني : يهلكهم فيها بالقتل . ويعني بالأرض مصر وفلسطين والأردن .
قوله عز وجل : ) . . . فإذا جاءَ وعد الآخرة ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : وعد الإقامة وهي الكرة الآخرة ، قاله مقاتل .
الثاني : وعد الكرة الآخرة في تحويلهم إلى أرض الشام .
الثالث : نزول عيسى عليه السلام من السماء ، قاله قتادة .
) جئنا بكم لفيفاً ( فيه تأويلان :
أحدهما : مختلطين لا تتعارفون ، قاله رزين .
الثاني : جئنا بكم جميعاًً من جهات شتى ، قاله ابن عباس وقتادة . مأخوذ من لفيف الناس .

صفحة رقم 279
( الإسراء : ( 105 - 106 ) وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . .
" وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا " ( قوله عز وجل : ) وبالحق أنزلناه وبالحق نَزَل ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن إنزاله حق .
الثاني : أن ما تضمنه من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد حق .
) وبالحق نزل ( يحتمل وجهين :
أحدهما : وبوحينا نزل .
الثاني : على رسولنا نزل .
) وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً ( يعني مبشراً بالجنة لمن أطاع الله تعالى ، ونذيراً بالنار لمن عصى الله تعالى .
قوله عز وجل : ) وقرآناً فرقناه ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فرقنا فيه بين الحق والباطل ، قاله الحسن .
الثاني : فرّقناه بالتشديد وهي قراءة ابن عباس أي نزل مفرّقاً آية آية وهي كذلك في مصحف ابن مسعود وأُبيِّ بن كعب : فرقناه عليك .
الثالث : فصّلناه سُورَاً وآيات متميزة ، قاله ابن بحر .
) لتقرأه على الناس على مُكْثٍ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني على تثبت وترسّل ، وهو قول مجاهد .
الثاني : أنه كان ينزل منه شيء ، ثم يمكثون بعد ما شاء الله ، ثم ينزل شيء آخر .
الثالث : أن يمكث في قراءته عليهم مفرقاً شيئاً بعد شيء ، قاله أبو مسلم .
( الإسراء : ( 107 - 109 ) قل آمنوا به . . . . .
" قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان

صفحة رقم 280
سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا " ( قوله عز وجل : ) قل آمنوا بِه أو لا تؤمنوا ( يعني القرآن ، وهذا من الله تعالى على وجه التبكيت لهم والتهديد ، لا على وجه التخيير .
) إن الذين أوتوا العلم من قَبله ( فيهم وجهان :
أحدهما : أنهم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله الحسن .
الثاني : أنهم أناس من اليهود ، قاله مجاهد .
) إذا يتلى عليهم يخرُّون للأذقان سُجّداً ( فيه قولان :
أحدهما : كتابهم إيماناً بما فيه من تصديق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : القرآن كان أناس من أهل الكتاب إذا سمعوا ما أنزل منه قالوا : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، وهذا قول مجاهد .
وفي قوله ) يخرُّون للأذقان ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الأذقان مجتمع اللحيين .
الثاني : أنها ها هنا الوجوه ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثالث : أنها اللحى ، قاله الحسن .
( الإسراء : ( 110 - 111 ) قل ادعوا الله . . . . .
" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا " ( قوله عز وجل : ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( في سبب نزولها قولان :
أحدهما : قاله الكلبي . أن ذكر الرحمن كان في القرآن قليلاً وهو في التوراة كثير ، فلما أسلم ناس من اليهود منهم ابن سلام وأصحابه ساءَهم قلة ذكر الرحمن في القرآن ، وأحبوا أن يكون كثيراً فنزلت .

صفحة رقم 281
الثاني : ما قاله ابن عباس أنه كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ساجداً يدعو ( يا رحمن يا رحيم ) فقال المشركون هذا يزعم أن له إِلهاً واحداً وهو يدعو مثنى ، فنزلت الآية .
) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً ( فيه قولان :
أحدهما : أنه عنى بالصلاة الدعاء ، ومعنى ذلك ولا تجهر بدعائك ولا تخافت به ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها ومكحول . قال إبراهيم : لينتهين أقوام يشخصون بأبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم .
الثاني : أنه عنى بذلك الصلاة المشروعة ، واختلف قائلو ذلك فيما نهى عنه من الجهر بها والمخافتة فيها على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه نهى عن الجهر بالقراءة فيها لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة كان يجهر بالقراءة جهراً شديداً ، فكان إذا سمعه المشركون سبّوه ، فنهاه الله تعالى عن شدة الجهر ، وأن لا يخافت بها حتى لا يسمعه أصحابه ، ويبتغي بين ذلك سبيلاً ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه نهى عن الجهر بالقراءة في جميعها وعن الإسرار بها في جميعها وأن يجهر في صلاة الليل ويسر في صلاة النهار .
الثالث : أنه نهي عن الجهر بالتشهد في الصلاة ، قاله ابن سيرين .
الرابع : أنه نهي عن الجهر بفعل الصلاة لأنه كان يجهر بصلاته ، بمكة فتؤذيه قريش ، فخافت بها واستسر ، فأمره الله ألاّ يجهر بها كما كان ، ولا يخافت بها كما صار ، ويبتغي بين ذلك سبيلاً ، قاله عكرمة .
الخامس : يعني لا تجهر بصلاتك تحسنها مرائياً بها في العلانية ، ولا تخافت بها تسيئها في السريرة ، قال الحسن : تحسّن علانيتها وتسيء سريرتها .
وقيل : لا تصلّها رياءً ولا تتركها حياء . والأول أظهر .
روي أن أبا بكر الصديق كان إذا صلى خفض من صوته فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( لم تفعل هذا ) قال : أناجي ربي وقد علم حاجتي ، فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ( أحسنت ) .

صفحة رقم 282
وكان عمر بن الخطاب يرفع صوته فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لم تفعل هذا ) فقال أُوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أحسنت ) . فلما نزلت هذه الآية قال لأبي بكر : ( ارفع شيئا ) وقال لعمر : ( أخفض شيئاً ) . قوله تعالى : ) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أمره بالحمد لتنزيه الله تعالى عن الولد .
الثاني : لبطلان ما قرنه المشركون به من الولد .
) ولم يكن له شريك في الملك ( لأنه واحد لا شريك له في ملك ولا عبادة .
) ولم يكن له وليٌّ من الذل ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لم يحالف أحداً .
الثاني : لا يبتغي نصر أحد .
الثالث : لم يكن له وليٌّ من اليهود والنصارى لأنهم أذل الناس ، قاله الكلبي .
) وكبره تكبيراً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : صِفه بأنه أكبر من كل شيء .
الثاني : كبّره تكبيراً عن كل ما لا يجوز في صفته .
الثالث : عظِّمْه تعظيماً والله أعلم .

صفحة رقم 283
سورة الكهف
( الكهف : ( 1 - 5 ) الحمد لله الذي . . . . .
" الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " ( قوله عز وجل : ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ( يعني على محمد القرآن ، فتمدح بإنزاله لأنه أنعم عليه خصوصاً ، وعلىالخلق عموماً . ) ولم يجعل له عوجاً ( في ) عوجاً ( ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني مختلفاً ، قاله مقاتل ، ومنه قول الشاعر :
أدوم بودي للصديق تكرُّماً
ولا خير فيمن كان في الود أعوجا
الثاني : يعني مخلوقاً ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه العدول عن الحق إلى الباطل ، وعن الاستقامة إلى الفساد ، وهو قول علي بن عيسى .

صفحة رقم 284
والفرق بين العوج بالكسر والعوج بالفتح أن العوج بكسر العين ما كان في الدين وفي الطريق وفيما ليس بقائم منتصب ، والعوج بفتح العين ما كان في القناة والخشبة وفيما كان قائماً منتصباً .
) قيِّماً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه المستقيم المعتدل ، وهذ قول ابن عباس والضحاك .
الثاني : أنه قيم على سائر كتب الله تعالى يصدقها وينفي الباطل عنها .
الثالث : أنه المعتمد عليه والمرجوع إليه كقيم الدار الذي يرجع إليه في أمرها ، وفيه تقديم وتأخير في قول الجميع وتقديره : أنزل الكتاب على عبده قيماً ولم يجعل له عوجاً ولكن جعله قيماً .
) لينذر بأساً شديداً من لدنه ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه عذاب الاستئصال في الدنيا .
الثاني : أنه عذاب جهنم في الآخرة .
( الكهف : ( 6 - 8 ) فلعلك باخع نفسك . . . . .
" فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " ( قوله عز وجل : ) فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم ( فيه وجهان :
أحدهما : قاتل نفسك ، ومنه قول ذي الرُّمَّةِ :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه
بشيء نحتَهُ عن يديك المقادِرُ
الثاني : أن الباخع المتحسر الأسِف ، قاله ابن بحر .
) على آثارهم ( فيه وجهان :
أحدهما : على آثار كفرهم .
الثاني : بعد موتهم .

صفحة رقم 285
) إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً ( يريد إن لم يؤمن كفار قريش بهذا الحديث يعني القرآن .
) أسفاً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أي غضباً ، قاله قتادة .
الثاني : جزعاً ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه غمّاً ، قاله السدي .
الرابع : حزناً ، قاله الحسن ، وقد قال الشاعر :
أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما
تضُمُّ إلى كشحيه كفّاً مخضبَّا
قوله عز وجل : ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنها الأشجار والأنهار التي زين الله الأرض بها ، قاله مقاتل .
الثاني : أنهم الرجال لأنهم زينة الأرض ، قاله الكلبي .
الثالث : أنهم الأنبياء والعلماء ، قاله القاسم .
الرابع : أن كل ما على الأرض زينة لها ، قاله مجاهد .
الخامس : أن معنى ) زينة لها ( أي شهوات لأهلها تزين في أعينهم وأنفسهم .
) لنبلوهم أيهم أحْسَنُ عملاً ( فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أيهم أحسن إعراضاً عنها وتركاً لها ، قاله ابن عطاء .
الثاني : أيهم أحسن توكلاً علينا فيها ، قاله سهل بن عبد الله .
الثالث : أيهم أصفى قلباً وأهدى سمتاً .
ويحتمل رابعاً : لنختبرهم أيهم أكثر اعتباراً بها .

صفحة رقم 286
ويحتمل خامساً : لنختبرهم في تجافي الحرام منها .
قوله عز وجل : ) وإنّا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً ( في الصعيد ثلاثة أقاويل :
أحدها : الأرض المستوية ، قاله الأخفش ومقاتل .
الثاني : هو وجه الأرض لصعوده ، قاله ابن قتيبة .
الثالث : أنه التراب ، قاله أبان بن تغلب .
وفي الجُرُز أربعة أوجه :
أحدها : بلقعاً ، قاله مجاهد .
الثاني : ملساء ، وهو قول مقاتل .
الثالث : محصورة ، وهو قول ابن بحر .
الرابع : أنها اليابسة التي لا نبات بها ولا زرع قال الراجز :
89 ( قد جرفتهن السُّنون الأجراز ) 89
( الكهف : ( 9 - 12 ) أم حسبت أن . . . . .
" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " ( قوله عز وجل : ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ( أما الكهف فهو غار في الجبل الذي أوى إليه القوم . وأما الرقيم ففيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه اسم القرية التي كانوا منها ، قاله ابن عباس . الثاني : أنه اسم الجبل ، قاله الحسن .
الثالث : أنه اسم الوادي ، قاله الضحاك . قال عطية العوفي : هو واد

صفحة رقم 287
بالشام نحو إبلة وقد روي أن اسم جبل الكهف بناجلوس ، واسم الكهف ميرم واسم المدينة أفسوس ، واسم الملك وفيانوس .
الرابع : أنه اسم كلبهم . قاله سعيد بن جبير ، وقيل هو اسم لكل كهف .
الخامس : أن الرقيم الكتاب الذي كتب فيه شأنهم ، قاله مجاهد . ماخوذ من الرقم في الثوب . وقيل كان الكتاب لوحاً من رصاص على باب الكهف ، وقيل في خزائن الملوك لعجيب أمرهم .
السادس : الرقيم الدواة بالرومية ، قاله أبو صالح .
السابع : أن الرقيم قوم من أهل الشراة كانت حالهم مثل حال أصحاب الكهف ، قاله سعيد بن جبير .
) كانوا مِنْ آياتنا عجباً ( فيه وجهان : أحدهما : معناه ما حسبت أنهم كانوا من آياتنا عجباً لولا أن أخبرناك وأوحينا إليك .
الثاني : معناه أحسبت أنهم أعجب آياتنا وليسوا بأعجب خلقنا ، قاله مجاهد . قوله عز وجل : ) إذ أوى الفتية إلى الكهف ( اختلف في سبب إيوائهم إليه على قولين :
أحدهما : أنهم قوم هربوا بدينهم إلى الكهف ، قاله الحسن . ) فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرِنا رشداً ( .
الثاني : أنهم أبناء عظماء وأشراف خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد ، فقال أسَنُّهم : إني أجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده ، إن ربي رب السموات والأرض ، ) فقالوا ( جميعاً ) ربُّنا ربُّ السموات والأرض لن ندعوا من دونه

صفحة رقم 288
إلهاً لقد قلنا إذاً شَطَطَاً ( ثم دخلوا الكهف فلبثوا فيه ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعاً ، قاله مجاهد .
قال ابن قتيبة : هم أبناء الروم دخلوا الكهف قبل عيسى ، وضرب الله تعالى على آذنهم فيه ، فلما بعث الله عيسى أخبر بخبرهم ، ثم بعثهم الله تعالى بعد عيسى في الفترة التي بينه وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وفي ) شططاً ( ثلاثة أوجه :
أحدها : كذباً ، قاله قتادة .
الثاني : غلوّاً ، قاله الأخفش .
الثالث : جوراً ، قاله الضحاك .
قوله عز وجل : ) فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً ( والضرب على الآذان هو المنع من الاستماع ، فدل بهذا على أنهم لم يموتوا وكانوا نياماً ، ) سنين عدداً ( فيه وجهان :
أحدهما : إحصاء .
الثاني : سنين كاملة ليس فيها شهور ولا أيام .
وإنما ضرب الله تعالى على آذانهم وإن لم يكن ذلك من أسباب النوم لئلا يسمعوا ما يوقظهم من نومهم .
قوله عز وجل : ) ثم بعثناهم ( الآية . يعني بالعبث إيقاظهم من رقدتهم . ) لنِعلَم ( أي لننظر ) أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عدداً ، قاله مجاهد .
الثاني : أجلاً ، قاله مقاتل .
الثالث : الغاية ، قاله قطرب .
وفي الحزبين أربعة أقاويل :

صفحة رقم 289
أحدها : أن الحزبين هما المختلفان في أمرهم من قوم الفتية ، قاله مجاهد . الثاني : أن أحد الحزبين الفتية ،
والثاني : من حضرهم من أهل ذلك الزمان . الثالث : أن أحد الحزبين مؤمنون ، والآخر كفار .
الرابع : أن أحد الحزبين الله تعالى ، والآخر الخلق ، وتقديره : أنتم أعلم أم الله .
( الكهف : ( 13 - 16 ) نحن نقص عليك . . . . .
" نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا " ( قوله عز وجل : ) وربطنا على قلوبهم . . ( فيه وجهان :
أحدهما : ثبتناها .
الثاني : ألهمناها صبراً ، قاله اليزيدي .
) . . . ولقد قلنا إذاً شططاً ( فيه وجهان :
أحدهما : غُلواً .
الثاني : تباعداً .
قوله تعالى : ) . . . لولا يأتون عليهم بسلطان بيّنٍ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بحجة بينة ، قاله مقاتل .
الثاني : بعذر بيّن ، قاله قتادة .
الثالث : بكتاب بيّن ، قاله الكلبي .
قوله تعالى : ) . . . ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً ( فيه وجهان : أحدهما : سعة .
الثاني : معاشاً .

صفحة رقم 290
ويحتمل ثالثاً : يعني خلاصاً ، ويقرأ ) مِرْفقاً ( بكسر الميم وفتح الفاء ) ومَرفِقاً ( بفتح الميم وكسر الفاء ، والفرق بينهما أنه بكسر الميم وفتح الفاء إذا وصل إليك من غيرك ، وبفتح الميم وكسر الفاء إذا وصل منك إلى غيرك .
( الكهف : ( 17 ) وترى الشمس إذا . . . . .
" وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا " ( قوله عز وجل : ) وترى الشمس إذا طَلَعَتْ تزوار عن كهفهم ذاتَ اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ( فيه وجهان
أحدهما : تعرض عنه فلا تصيبه .
الثاني : تميل عن كهفهم ذات اليمين .
) وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معنى تقرضهم تحاذيهم ، والقرض المحاذاة ، قاله الكسائي والفراء .
الثاني : معناه تقطعهم ذات الشمال أي أنها تجوزهم منحرفة عنهم ، من قولك قرضته بالمقراض أي قطعته .
الثالث : معناه تعطيهم اليسير من شعاعها ثم تأخذه بانصرافها ، مأخوذ من قرض الدراهم التي ترد لأنهم كانوا في مكان موحش ، وقيل لأنه لم يكن عليهم سقف يظلهم ولو طلعت عليهم لأحرقتهم .
وفي انحرافها عنهم في الطلوع والغروب قولان :
أحدهما : لأن كهفهم كان بإزاء بنات نعش فلذلك كانت الشمس لا تصيبه في وقت الشروق ولا في وقت الغروب ، قاله مقاتل .
الثاني : أن الله تعالى صرف الشمس عنهم لتبقى أجسامهم وتكون عبر لمن يشاهدهم أو يتصل به خبرهم .

صفحة رقم 291
) وهم في فجوة منه ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يعني في فضاء منه ، قاله قتادة .
الثاني : داخل منه ، قاله سعيد بن جبير .
الثالث : أنه المكان الموحش .
الرابع : أنه ناحية متسعة ، قاله الأخفش ، ومنه قول الشاعر :
ونحن ملأنا كلَّ وادٍ وفجوةٍ
رجالاً وخيلاً غير ميلٍ ولا عُزْلِ
( الكهف : ( 18 ) وتحسبهم أيقاظا وهم . . . . .
" وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال .

صفحة رقم 292
وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا " ( قوله عز وجل : ) وتحسبهم أيقاظاً وهم رقودٌ ( الأيقاظ : المنتبهون .
قال الراجز :
قد وجدوا إخوانهم أيقاظا
والسيف غياظ لهم غياظا
والرقود : النيام . قيل إن أعينهم كانت مفتوحة ويتنفسون ولا يتكلمون .
) ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ( يعني تقلب النيام لأنهم لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض لطول مكثهم . وقيل إنهم كانوا يقلبون في كل عام مرتين ، ستة أشهر على جنب . وستة أشهر على جنبٍ آخر ، قاله ابن عباس .
قال مجاهد : إنما قلبوا تسع سنين بعد ثلاثمائة سنة لم يقلبوا فيها .
وفيما تحسبهم من أجله أيقاظاً وهم رقود قولان :
أحدهما : لانفتاح أعينهم .
الثاني : لتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال .
) وكلبهم باسِطٌ ذِراعيه بالوصيد ( في ) كلبهم ( قولان :
أحدهما : أنه كلب من الكلاب كان معهم ، وهو قول الجمهور . وقيل إن اسمه كان حمران .
الثاني : أنه إنسان من الناس كان طباخاً لهم تبعهم ، وقيل بل كان راعياً . وفي ) الوصيد ( خمسة تأويلات :
أحدها : أنه العتبة .
الثاني : أنه الفناء قاله ابن عباس .
الثالث : أنه الحظير ، حكاه اليزيدي .
الرابع : أن الوصيد والصعيد التراب ، قاله سعيد بن جبير .
الخامس : أنه الباب ، قاله عطية ، وقال الشاعر :
بأرض فضاءَ لا يُسَدُّ وَصيدها
عليَّ ومعروفي بها غيرُ مُنْكَرِ
وحكى جرير بن عبيد أنه كان كلباً ربيباً صغيراً . قال محمد بن إسحاق كان اصفر اللون .
) لو أطّلعت عليهم لوليت منهم فِراراً ولملِئت منهم رُعباً ( فيه وجهان :
أحدهما : لطول أظفارهم وشعورهم يأخذه الرعب منهم فزعاً .

صفحة رقم 293
الثاني : لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة التي ترد عنهم الأبصار لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله .
حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزوت مع معاوية رضي الله عنه في بحر الروم فانتهينا إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية أريد أن أدخل عليهم فأنظر إليهم ، فقلت ليس هذا لك فقد منعه الله من هو خير منك ، قال تعالى ) لو اطعلت عليهم لوليت منهم فراراً ( الآية . فأرسل جماعة إليهم دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحاً أخرجتهم .
وقيل إن هذه المعجزة من قومهم كانت لنبي قيل إنه كان أحدهم وهو الرئيس الذي اتبعوه وآمنوا به .
( الكهف : ( 19 - 20 ) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا . . . . .
" وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا " ( قوله عز وجل : ) وكذلك بعثناهم ( يعني به إيقاظهم من نومهم . قال مقاتل : وأنام الله كلبهم معهم . ) ليتساءلوا بينهم قال قائلٌ منهم كم لبثتم ( ليعلموا قدر نومهم .
) قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ( كان السائل منهم أحدهم ، والمجيب له غيره ، فقال لبثنا يوما لأنه أطول مدة النوم المعهود ، فلما رأى الشمس لم تغرب قال ) أو بعض يوما ( لأنهم أنيموا أول النهار ونبهوا آخره .
) قالوا ربُّكم أعْلمُ بما لبثتم ( وفي قائله قولان :

صفحة رقم 294
أحدهما : أنه حكاية عن الله تعالى أنه أعلم بمدة لبثهم .
الثاني : أنه قول كبيرهم مكسلمينا حين رأى الفتية مختلفين فيه فقال ) ربكم أعلم بما لبثتم ( فنطق بالصواب ورد الأمر إلى الله عالمه ، وهذا قول ابن عباس .
) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ( قرىء بكسر الراء وبتسكينها ، وهو في القراءتين جميعاً الدراهم ، وأما الورَق بفتح الراء فهي الإبل والغنم ، قال الشاعر :
إياك أدعو فتقبل مَلَقي
كَفِّرْ خطاياي وثمِّرْ ورقي
يعني إبله وغنمه .
) فلينظر أيها أزكي طعاماً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أيها أكثر طعاماً ، وهذا قول عكرمة .
الثاني : أيها أحل طعاماً ، وهذا قول قتادة .
الثالث : أطيب طعاماً ، قاله الكلبي .
الرابع : أرخص طعاماً .
) فليأتكم برزق مِنْه ( فيه وجهان :
أحدهما : بما ترزقون أكله .
الثاني : بما يحل لكم أكله .
) وليتلطف . . . ( يحتمل وجهين :
أحدهما : وليسترخص .
الثاني : وليتلطف في إخفاء أمركم . وهذا يدل على جواز اشتراك الجماعة في طعامهم وإن كان بعضهم أكثر أكلاً وهي المناهدة ، وكانت مستقبحة في الجاهلية

صفحة رقم 295
فجاء الشرع بإباحتها .
قوله عز وجل : ) إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يرجموكم بأيديهم استنكاراً لكم ، قاله الحسن .
الثاني : بألسنتهم غيبة لكم وشتماً ، قاله ابن جريج .
الثالث : يقتلوكم . والرجم القتل لأنه أحد أسبابه . ) أو يعيدوكم في ملتهم ( يعني في كفرهم .
) ولن تفلحوا إذاً أبداً ( إن أعادوكم في ملتهم .
( الكهف : ( 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم . . . . .
" وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا " ( قوله عز وجل : ) وكذلك أعثرنا عليهم ( فيه وجهان
أحدهما : أظهرنا أهل بلدهم عليهم .
الثاني : أطلعنا برحمتنا إليهم .
) وليعلموا أن وعْدَ اللهِ حقٌّ . . . ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ليعلم أهل بلدهم أن وعد الله حق في قيام الساعة وإعادة الخلق أحياء ، لأن من أنامهم كالموتى هذه المدة الخارجة عن العادة ثم أيقظهم أحياء قادر على إحياء من أماته وأقبره .
الثاني : معناه ليرى أهل الكهف بعد علمهم أن وعد الله حق في إعادتهم . ) إذ يتنازعون بينهم أمرهم ( ذلك أنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها وطعام ، استنكروا شخصه واستنكرت ورقه لبعد العهد فحمل إلى الملك وكان صالحاً قد آمن ومن معه ، فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك فقد كنت أدعو الله أن يريناهم ، وسأل الفتى فأخبره فانطلق والناس معه إليهم ، فلما دنوا من أهل الكهف وسمع الفتية كلامهم خافوهم ووصى بعضهم بعضاً بدينهم فلما دخلوا عليهم أماتهم الله ميتة الحق ، فحينئذ كان التنازع الذي ذكره الله تعالى فيهم .

صفحة رقم 296
وفي تنازعهم قولان :
أحدهما : أنهم تنازعوا هل هم أحياء أم موتى ؛
الثاني : أنهم تنازعوا بعد العلم بموتهم هل يبنون عليهم بنياناً يعرفون به أم يتخذون عليهم مسجداً .
وقيل : إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب ، فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود فدعْنا .
( الكهف : ( 22 ) سيقولون ثلاثة رابعهم . . . . .
" سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا " (

صفحة رقم 297
قوله عز وجل : ) سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ( فأدخل الواو على انقطاع القصة لأن الخبر قد تم .
) قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ( في المختلفين في عددهم قولان :
أحدهما : أنهم أهل المدينة قبل الظهور عليهم .
الثاني : أنهم أهل الكتاب بعد طول العهد بهم . وقوله تعالى : ) رجماً بالغيب ( قال قتادة قذفاً بالظن ، قال زهير :
وما الحرب إلاَّ ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجّم .
وقال ابن عباس : أنا من القليل الذي استثنى الله تعالى : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم .
وقال ابن جريج ومحمد بن إسحاق : كانوا ثمانية ، وجعلا قوله تعالى :
) وثامنهم كلبهم ( أي صاحب كلبهم .
وكتب قومهم أسماءهم حين غابوا ، فلما بان أمرهم كتبت أسماؤهم على باب الكهف . قال ابن جريج : أسماؤهم مكسلمينا ويمليخا وهو الذي مضى بالورق يشتري به الطعام ، ومطرونس ، ومحسيميلنينا ، وكشوطوش ، وبطلنوس ويوطونس وبيرونس .

صفحة رقم 298
قال مقاتل : وكان الكلب لمكسلمينا وكان أسنهم وكان صاحب غنم . ) فلا تمار فيهم إلاّ مراءً ظاهراً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : إلا ما قد أظهرنا لك من أمرهم ، قاله مجاهد .
الثاني : حسبك ما قصصا عليك من شأنهم ، فلا تسألني عن إظهار غيره ، قاله قتادة .
الثالث : إلا مِراء ظاهراً يعني بحجة واضحة وخبر صادق ، قاله علي بن عيسى .
الرابع : لا تجادل فيهم أحداً ألا أن تحدثهم به حديثاً ، قاله ابن عباس .
الخامس : هو أن تشهد الناس عليهم . ) ولا تستفت فيهم منهم أحداً ( فيه وجهان : أحدهما : ولا تستفت يا محمد فيهم أحداً من أهل الكتاب ، قاله ابن عباس . ومجاهد وقتادة .
الثاني : أنه خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ونهي لأمته .
( الكهف : ( 23 - 24 ) ولا تقولن لشيء . . . . .
" ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا " ( قوله عز وجل : ) ولا تقولن لشيءإني فاعلٌ ذلك غداً ( ) إلا إن يشاء الله ( قال الأخفش : فيه إضمار وتقديره : إلا أن تقول إن شاء الله ، وهذا وإن كان أمراً فهو على وجه التأديب والإرشاد أن لا تعزم على أمر إلا أن تقرنه بمشيئة الله تعالى لأمرين :
أحدهما : أن العزم ربما صد عنه بمانع فيصير في وعده مخلفاً في قوله كاذباً ، قال موسى عليه السلام ) ستجدني إن شاء الله صابراً ( " [ الكهف : 70 ] ولم يصبر ولم يكن كاذباً لوجود الاستثناء في كلامه .
الثاني : إذعاناً لقدرة الله تعالى ، وإنه مدبر في أفعاله بمعونة الله وقدرته .

صفحة رقم 299
الثالث : يختص بيمينه إن حلف وهو سقوط الكفارة عنه إذا حنث .
) واذكر ربك إذا نسيت ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنك إذا نسيت الشيء فاذكرالله ليذكرك إياه ، فإن فعل فقد أراد منك ما ذكرك ، وإلا فسيدلك على ما هو أرشد لك مما نسيته ، قاله بعض المتكلمين .
الثاني : واذكر ربك إذا غضبت ، قاله عكرمة ، ليزول عنك الغضب عند ذكره .
الثالث : واذكر ربك إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله في يمينك . وفي الذكر المأمور به قولان :
أحدهما : أنه ما ذكره في بقية الآية ) وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً (
الثاني : أنه قول إن شاء الله الذي كان نسيه عند يمينه .
واختلفوا في ثبوت الاستثناء بعد اليمين على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه يصح الاستثناء بها إلى سنة ، فيكون كالاستثناء بها مع اليمين في سقوط الكفارة ولا يصح بعد السنة ، قاله ابن عباس .
الثاني : يصح الاستثناء بها في مجلس يمينه ، ولا يصح بعد فراقه ، قاله الحسن وعطاء .
الثالث : يصح الاستثناء بها ما لم يأخذ في كلام غيره .
الرابع : يصح الاستثناء بها مع قرب الزمان ، ولا يصح مع بعده .
الخامس : أنه لا يصح الاستثناء بها إلا متصلاً بيمينه وهو الظاهر من مذهب مالك والشافعي رحمهما الله .
( الكهف : ( 25 - 26 ) ولبثوا في كهفهم . . . . .
" ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا " (

صفحة رقم 300
قوله عز وجل : ) ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ( في قراءة ابن مسعود قالوا لبثوا في كهفهم . وفيه قولان :
أحدهما : أن هذا قول اليهود ، وقيل بل نصارى نجران أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ، فرد الله تعالى عليهم قولهم وقال لنبيه ) قل الله أعلم بما لبثوا (
واتلقول الثاني : أن هذا إخبار من الله تعالى بهذا العدد عن مدة بقائهم في الكهف من حين دخلوه إلى ما ماتوا فيه .
) وازدادوا تسعاً ( هو ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية .
) قل الله أعلم بما لبثوا ( فيه وجهان :
أحدهما : بما لبثوا بعد مدتهم إلى نزول القرآن فيهم .
الثاني : الله أعلم بما لبثوا في الكهف وهي المدة التي ذكرها عن اليهود إذ ذكروا زيادة ونقصاناً .
قوله عز وجل : ) . . . أبصر به وأسمع ( فيه تأويلان :
أحدهما : أن الله أبصر وأسمع ، أي أبصر ، بما قال وأسمع لما قالوا . الثاني : معناه أبصرهم وأسمعهم ، ما قال الله فيهم .
) ما لهم من دونه من وَليّ ( فيه وجهان :
أحدهما : من ناصر .
الثاني : من مانع . ) ولا يشرك في حكمه أحداً ( فيه وجهان :
أحدهما : ولا يشرك في علم غيبه أحداً .
الثاني : أنه لم يجعل لأحد أن يحكم بغير حكمه فيصير شريكاً له في حكمه .
( الكهف : ( 27 - 28 ) واتل ما أوحي . . . . .
" واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " (

صفحة رقم 301
قوله تعالى : ) . . . ولن تجد من دونه مُلتحداً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ملجأ ، قاله مجاهد ، قال الشاعر :
لا تحفيا يا أخانا من مودّتنا
فما لنا عنك في الأقوام مُلتحد
الثاني : مهرباً ، قاله قطرب ، قال الشاعر :
يا لهف نفسي ولهفٌ غير مغنيةٍ
عني وما مِنْ قضاء الله ملتحدُ
الثالث : معدلاً ، قاله الأخفش .
الرابع : ولياً ، قاله قتادة . ومعانيها متقاربة .
قوله عز وجل : ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( فيه وجهان :
أحدهما : يريدون تعظيمه . الثاني : يريدون طاعته . قال قتادة : نزلت هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة فلما نزلت عليه قال : ( الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم ) . ) يدعون ربهم بالغداة والعشي ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يدعونه رغبة ورهبة .
الثاني : أنهم المحافظون على صلاة الجماعة ، قاله الحسن .
الثالث : أنها الصلاة المكتوبة ، قاله ابن عباس ومجاهد .
ويحتمل وجهاً رابعاً : أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق ، ويختموه بالدعاء طلباً للمغفرة .
) يريدون وجهه ( يحتمل وجهين :
أحدهما : بدعائهم .
الثاني : بعمل نهارهم . وخص النهار بذلك دون الليل لأن عمل النهار إذا كان لله تعالى فعمل الليل أولى أن يكون له .
) ولا تعد عيناك عنهم . . ( فيه وجهان :

صفحة رقم 302
أحدهما : ولا تتجاوزهم بالنظر إلى غيرهم من أهل الدنيا طلباً لزينتها ، حكاه اليزيدي . الثاني : ما حكاه ابن جريج أن عيينة بن حصن قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يسلم : لقد آذاني ريح سلمان الفارسي وأصحابه فاجعل لنا مجلساً منك لا يجامعونا فيه ، واجعل لهم مجلساً لا نجامعهم فيه ، فنزلت .
) ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً ( .
قوله ) أغفلنا ( فيه وجهان :
أحدهما : جعلناه غافلاً عن ذكرنا .
الثاني : وجدناه غافلاً عن ذكرنا .
وفي هذه الغفله لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه : أحدها : أنها إبطال الوقت بالبطالة ، قاله سهل بن عبد الله .
الثاني : أنها طول الأمل .
الثالث : أنها ما يورث الغفلة .
) واتبع هواه ( فيه وجهان :
أحدهما : في شهواته وأفعاله .
الثاني : في سؤاله وطلبه التمييز عن غيره .
) وكان أمرُه فُرُطاً ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : ضيقاً ، وهو قول مجاهد .
الثاني : متروكاً ، قاله الفراء .
الثالث : ندماً قاله ابن قتيبة .
الرابع : سرفاً وإفراطاً ، قاله مقاتل .
الخامس : سريعاً . قاله ابن بحر . يقال أفرط إذا أسرف وفرط إذا قصر .
( الكهف : ( 29 ) وقل الحق من . . . . .
" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " (

صفحة رقم 303
قوله عز وجل : ) وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( هذا وإن كان خارجاً مخرج التخيير فهو على وجه التهديد والوعيد ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم لا ينفعون الله بإيمانهم ولا يضرونه بكفرهم .
الثاني : فمن شاء الجنة فليؤمن ، ومن شاء النار فليكفر ، قاله ابن عباس .
الثالث : فمن شاء فليعرِّض نفسه للجنة بالإيمان ، ومن شاء فليعرض نفسه للنار بالكفر .
) إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن سرادقها حائط من النار يطيف بهم ، قاله ابن عباس .
الثاني : هو دخانها ولهيبها قبل وصولهم إليها ، وهو الذي قال الله تعالى فيه ) إلى ظلٍّ ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب ( " [ المرسلات : 30 - 31 ] . قاله قتادة .
الثالث : أنه البحر المحيط بالدنيا . روى يعلى بن أمية قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( البحر هو جهنم ) ثم تلا ) ناراً أحاط بهم سرادقها ( ثم قال ( والله لا أدخلها أبداً ما دمت حياً ولا يصيبني منها قطرة ) والسرادق فارسي معرب ، واصله سرادر .
) وإن يستغيثوا يُغَاثوا بماءٍ كالمهل . . . ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه القيح والدم ، قاله مجاهد .
الثاني : دردي الزيت ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه كل شيء أذيب حتى انماع ؛ قاله ابن مسعود .
الرابع : هو الذي قد انتهى حره ، قاله سعيد بن جبير ، قال الشاعر :
شاب بالماء منه مهلاً كريهاً
ثم علّ المتون بعد النهال
وجعل ذلك إغاثة لاقترانه بذكر الاستغاثة .
) . . . بئس الشراب وساءت مرتفقاً ( في المرتفق أربعة تأويلات :
أحدها : معناه مجتمعاً ، قاله مجاهد ، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة .

صفحة رقم 304
الثاني : منزلاً قاله الكلبي ، مأخوذ من الارتفاق .
الثالث : أنه من الرفق .
الرابع : أنه من المتكأ مضاف إلى المرفق ، ومنه قول أبي ذؤيب :
نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ الليْلَ مُرْتَفِقاً
كَأَنَّ عَيْنِي فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ
( الكهف : ( 30 - 31 ) إن الذين آمنوا . . . . .
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا " ( قوله عز وجل : ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجْر من أحسن عملاً ( روى البراء بن عازب أن أعرابياً قام إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حجة الوداع فقال : إني رجل متعلم فأخبرني عن هذه الآية ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( الآية فقال رسول الله صلى عليه وسلم ( يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك ، هم هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم ) .
قوله عز وجل : ) . . . ويلبسون ثياباً خُضْراً مِن سندس وإستبرق ( أما السندس : ففيه قولان :
أحدهما : أنه من ألطف من الديباج ، قاله الكلبي .
الثاني : ما رَقَّ من الديباج ، واحده سندسة ، قاله ابن قتيبة . وفي الاستبرق قولان :
أحدهما : أنه ما غلظ من الديباج ، قاله ابن قتيبة ، وهو فارسي معرب ، أصله استبره وهو الشديد ، وقد قال المرقش :

صفحة رقم 305
تراهُنَّ يَلبْسنَ المشاعِرَ مرة
وإسْتَبْرَقَ الديباج طوراً لباسُها
الثاني : أنه الحرير المنسوج بالذهب ، قاله ابن بحر .
) متكئين فيها على الأرائك ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الحجال ، قاله الزجاج .
الثاني : أنها الفُرُش في الحجال .
الثالث : أنها السرر في الحجال ، وقد قال الشاعر :
خدوداً جفت في السير حتى كأنما
يباشرْن بالمعزاء مَسَّ الأرائكِ
( الكهف : ( 32 - 36 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
" واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا " ( قوله تعالى : ) واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين ( الجنة : البستان ، فإذا جمع العنب والنخل وكان تحتها زرع فهي أجمل الجنان وأجداها نفعاً ، لثمر أعاليها وزرع أسافلها ، وهو معنى قوله ) وجعلنا بينهما رزعاً ( .
) كلتا الجَنتين آتت أكلُها ( أي ثمرها وزرعها ، وسماه أكُلاً لأنه مأكول .
) ولم تظلم منه شيئاً ( أي استكمل جميع ثمارها وزرعها .
) وفجرنا خِلالهما نهراً ( يعني أن فيهما أنهاراً من الماء ، فيكون ثمرها وزرعها بدوام الماء فيهما أو في وأروى ، وهذه غاية الصفات فيما يجدي ويغل .
وفي ضرب المثل في هاتين الجنتين قولان :
أحدهما : ما حكاه مقاتل بن سليمان أنه إخبار الله تعالى عن أخوين كانا في

صفحة رقم 306
بني إسرائيل ورثا عن أبيهما مالاً جزيلاً ، قال ابن عباس ثمانية آلاف دينار . فأخذ أحدهما حقه وهو مؤمن فتقرب به إلى الله تعالى ، وأخذ الآخر حقه منه وهو كافر فتملك به ضياعاً منها هاتان الجنتان ، ولم يتقرب إلى الله تعالى بشيء منه ، فكان من حاله ما ذكره الله من بعد ، فجعله الله تعالى مثلاً لهذه الأمة .
والقول الثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى لهذه الأمة ، وليس بخبر عن حال متقدمة ، ليزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ، وجعله زجراً وإنذاراً .
قوله عز وجل : ) وكان له ثمرٌ ( قرأ عاصم بفتح الثاء والميم ، وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم ، وقرأ الباقون ثُمُر بضم الثاء والميم . وفي اختلاف هاتين القراءتين بالضم والفتح قولان :
أحدهما : معناهما واحد ، فعلى هذا فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الذهب والفضة ، قاله قتادة ، لأنها أموال مثمرة .
الثاني : أنه المال الكثير من صنوف الأموال ، قاله ابن عباس لأن تثميره أكثر
الثالث : أنه الأصل الذي له نماء ، قاله ابن زيد ، لأن في النماء تثميراً .
والقول الثاني : أن معناهما بالضم وبالفتح مختلف ، فعلى هذا في الفرق . بينهما ، أربعة أوجه :
أحدها : أنه بالفتح جمع ثمرة ، وبالضم جمع ثمار .
الثاني : أنه بالفتح ثمار النخيل خاصة ، وبالضم جميع الأموال ، قاله ابن بحر .
الثالث : أنه بالفتح ما كان ثماره من أصله ، وبالضم ما كان ثماره من غيره .
الرابع : أن الثمر بالضم الأصل ، وبالفتح الفرع ، قاله ابن زيد .
وفي هذا الثمر المذكور قولان :
أحدهما : أنه ثمر الجنتين المتقدم ذكرهما ، وهو قول الجمهور .
الثاني : أنه ثمر ملكه من غير جنتيه ، وأصله كان لغيره كما يملك الناس ثماراً لا يملكون أصولها ، قاله ابن عباس ، ليجتمع في ملكه ثمار أمواله وثمار غير أمواله فيكون أعم مِلكا .
) فقال لصاحبه ( يعني لأخيه المسلم الذي صرف ماله في القُرب طلباً للثواب

صفحة رقم 307
في الآخرة ، وصرف هذا الكافر ماله فيما استبقاه للدنيا والمكاثرة .
) وهو يحاوره ( أي يناظره ، وفيما يحاوره فيه وجهان :
أحدهما : في الإيمان والكفر .
الثاني : في طلب الدنيا وطلب الآخرة ، فجرى بينهما ما قصة الله تعالى من قولهما .
( الكهف : ( 37 - 41 ) قال له صاحبه . . . . .
" قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا " ( قوله تعالى : ) فعسى ربّي أن يؤتين خيراً مِنْ جنتك ( فيه وجهان :
أحدهما : خيراً من جنتك في الدنيا فأساويك فيها .
الثاني : وهو الأشهر خيراً من جنتك في الآخرة ، فأكون أفضل منك فيها .
) ويرسل عليها حُسْباناً من السماء ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني عذاباً ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : ناراً .
الثالث : جراداً .
الرابع : عذاب حساب بما كسبت يداك ، قاله الزجاج ، لأنه جزاء الآخرة . والجزاء من الله تعالى بحساب .
الخامس : أنه المرامي الكثيرة ، قاله الأخفش وأصله الحساب وفي السهام التي يرمى بها في طلق واحد ، وكان من رَمي الأساورة .
) فتصبح صعيداً زلقاً ( يعني أرضاً بيضاء لا ينبت فيها نبات ولا يثبت عليها قدم ، وهي أضر أرض بعد أن كانت جنة أنفع أرض .
) أو يصبح ماؤها غوراً ( يعني ويصبح ماؤها غوراً ، فأقام أو مقام الواو ، و ) غوراً ( يعني غائراً ذاهباً فتكون أعدم أرض للماء بعد أن كان فيها .

صفحة رقم 308
) فلن تستطيع له طلباً ( ويحتمل وجهين :
أحدهما : فلن تستطيع رد الماء الغائر . الثاني : فلن تستطيع طلب غيره بدلاً منه وإلى هذا الحد انتهت مناظرة أخيه وإنذاره .
( الكهف : ( 42 - 44 ) وأحيط بثمره فأصبح . . . . .
" وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا " ( قوله عز وجل : ) وأحيط بثمرِهِ ( أي أهلك ماله ، وهذا أول ما حقق الله به إنذار أخيه . ) فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يقلب كفيه ندماً على ما أنفق فيها وأسفاً على ما تلف .
الثاني : يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق وهلك ، لأن الملك قد يعبر عنه باليد ، من قولهم في يده مال ، أي في ملكه .
) وهي خاويةٌ على عروشِها ( أي منقلبة على عاليها فجمع عليه بين هلاك الأصل والثمر ، وهذا من أعظم الجوائح مقابلة على بغيه .
قوله عز وجل : ) ولم تكُنْ له فِئة ينصرونه منْ دونِ الله ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الفئة الجند ، قاله الكلبي .
الثاني : العشيرة ، قاله مجاهد .
) وما كان منتصراً ( فيه وجهان :
أحدهما : وما كان ممتنعاً ، قاله قتادة .
الثاني : وما كان مسترداً بدل ما ذهب منه .
قال ابن عباس : هما الرجلان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات حيث يقول :
) إني كان لي قرين ( إلى قوله ) في سواء الجحيم ( وهذا مثل قيل إنه ضرب لسلمان وخباب وصهيب مع أشراف قريش من المشركين .

صفحة رقم 309
قوله تعالى : ) هنالك الولاية لله الحق ( يعني القيامة . وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أنهم يتولون الله تعالى في القيامة فلا يبقى مؤمن لا كافر إلا تولاه ، قاله الكلبي .
الثاني : أن الله تعالى يتولى جزاءهم ، قاله مقاتل .
الثالث : أن الولاية مصدر الولاء فكأنهم جميعاً يعترفون بأن الله تعالى هو الوليّ قاله الأخفش .
الرابع : أن الولاية النصر ، قاله اليزيدي .
وفي الفرق بين الولاية بفتح الواو وبين الولاية بكسرها وجهان :
أحدهما : أنها بفتح الواو : للخالق ، وبكسرها : للمخلوقين ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : أنها بالفتح في الدين ، وبكسرها في السلطان .
( الكهف : ( 45 - 46 ) واضرب لهم مثل . . . . .
" واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " ( قوله عز وجل : ) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نباتُ الأرض ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الماء اختلط بالنبات حين استوى .
الثاني : أن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء حتى نما .
) فأصبح هشيماً تذروهُ الرياحُ ( يعني بامتناع الماء عنه ، فحذف ذلك إيجازاً لدلالة الكلام عليه ، والهشيم ما تفتت بعد اليبس من أوراق الشجر والزرع ، قال الشاعر :
فأصبحت نيّماً أجسادهم
يشبهها من رآها الهشيما
واختلف في المقصود بضرب هذا المثل على قولين :
أحدهما : أن الله تعالى ضربه مثلاً للدنيا ليدل به على زوالها بعد حسنها وابتهاجها :

صفحة رقم 310
الثاني : أن الله تعالى ضربه مثلاُ لأحوال أهل الدنيا أن مع كل نعمة نقمة ومع كل فرحة ترحة .
قوله عز وجل : ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي ) البنين ( قوة ودفعاً فصارا زينة الحياة الدنيا .
) والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً ( فيها أربعة تأويلات :
أحدها : أنها الصلوات الخمس ، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير .
الثاني : أنها الأعمال الصالحة ، قاله ابن زيد .
الثالث : هي الكلام الطيب . وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ، وقاله عطية العوفي .
الرابع : هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه . وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات ) . وفي ) الصالحات ( وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى الصالحين لأن الصالح هو فاعل الصلاح .
الثاني : أنها بمعنى النافعات فعبر عن المنفعة بالصلاح لأن المنفعة مصلحة . وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( لما عُرج بي إلى السماء أريت إبراهيم

صفحة رقم 311
فقال : مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة ، فقلت وما غراس الجنة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) . ) خير عند ربك ثواباً ( يعني في الآخرة ، ) وخير أملاً ( يعني عند نفسك في الدنيا ، ويكون معنى قوله ) وخيرٌ أملاً ( يعني أصدق أملاً ، لأن من الأمل كواذب وهذا أمل لا يكذب .
( الكهف : ( 47 - 49 ) ويوم نسير الجبال . . . . .
" ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " ( قوله عز وجل : ) ويوم نُسَيِّر الجبال ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يسيرها من السير حتى تنتقل عن مكانها لما فيه من ظهور الآية وعظم الإعتبار .
الثاني : يسيرها أي يقللها حتى يصير كثيرها قليلاً يسيراً .
الثالث : بأن يجعلها هباء منثوراً .
) وترى الأرض بارزة ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه بروز ما في بطنها من الأموات بخروجهم من قبورهم .
الثاني : أنها فضاء لا يسترها جبل ولا نبات .
) وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً ( فيه ثلاثة تأويلات .

صفحة رقم 312
أحدها : يعني فلم نخلف منهم أحداً ، قاله ابن قتيبة ، قال ومنه سمي الغدير لأنه ما تخلفه السيول .
الثاني : فلم نستخلف منهم أحداً ، قاله الكلبي .
الثالث : معناه فلم نترك منهم أحداً ، حكاه مقاتل .
قوله عز وجل : ) وعُرِضوا على ربِّك صَفّاً ( قيل إنهم يُعرضون صفاً بعد صف كالصفوف في الصلاة ، وقيل إنهم يحشرون عراة حفاة غرلاً ، فقالت عائشة رضي الله عنها فما يحتشمون يومئذ ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ) لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه ( ) [ عبس : 37 ] .
قوله عز وجل : ) ووضع الكتابُ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنها كتب الأعمال في أيدي العباد ، قاله مقاتل .
الثاني : أنه وضع الحساب ، قاله الكلبي ، فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة .
) فترى المجرمين مشفقين مما فيه ( لأنه أحصاه الله ونسوه .
) ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها (
وفي الصغيرة تأويلان :
أحدهما : أنه الضحك ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها صغائر الذنوب التي تغفر باجتناب كبائرها .

صفحة رقم 313
وأما الكبيرة ففيها قولان :
أحدهما : ما جاء النص بتحريمه .
الثاني : ما قرن بالوعيد والحَدِّ .
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن الصغيرة الشهوة ، والكبيرة العمل .
قال قتادة : اشتكى القوم الإحْصاء وما اشتكى أحد ظلماً ، وإياكم المحقرات من الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه .
) ووجَدوا ما عَملوا حاضِراً ( يحتمل تأويلين :
أحدهما : ووجدوا إحصاء ما عملوا حاضراً في الكتاب .
الثاني : ووجدوا جزاء ما عملوا عاجلاً في القيامة .
) ولا يظلم ربك أحداً ( يعني من طائع في نقصان ثوابه ، أو عاص في زيادة عقابه .
( الكهف : ( 50 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " ( قوله عز وجل : ) وإذ قلنا للملائكة اسجُدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجنِّ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كان من الجن على ما ذكره الله تعالى . ومنع قائل هذا بعد ذلك أن يكون من الملائكة لأمرين :
أحدهما : أن له ذرية ، والملائكة لا ذرية لهم .
الثاني : أن الملائكة رسل الله سبحانه ولا يجوز عليهم الكفر ، وإبليس قد كفر ، قال الحسن : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس .

صفحة رقم 314
الثاني : أنه من الملائكة ، ومن قالوا بهذا اختلفوا في معنى قوله تعالى ) كان من الجن ( على ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما قاله قتادة أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجن .
الثاني : ما قاله ابن عباس ، أنه كان من الملائكة من خزان الجنة ومدبر أمر السماء الدنيا فلذلك قيل من الجن لخزانة الجنة ، كما يقال مكي وبصري .
الثالث : أن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم ، وخلق سائر الملائكة من نور ، قاله سعيد من جبير ، قاله الحسن : خلق إبليس من نار وإلى النار يعود .
الثالث : أن إبليس لم يكن من الإنس ولا من الجن ، ولكن كان من الجان ، وقد مضى من ذكره واشتقاق اسمه ما أغنى .
) ففسق عن أمر ربه . . . ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الفسق الاتساع ومعناه اتسع في محارم الله تعالى :
الثاني : أن الفسق الخروج أي خرج من طاعة ربه ، من قولهم فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من حجرها قال رؤبة بن العجاج :
يهوين من نجدٍ وغورٍ غائرا
فواسقاً عن قصدها جوائرا
وفي قوله تعالى : ) . . . بئس للظالمين بدلاً ( وجهان :
أحدهما : بئس ما استبدلوا بطاعة الله طاعة إبليس ، قاله قتادة .
الثاني : بئس ما استبدلوا بالجنة النار .
( الكهف : ( 51 ) ما أشهدتهم خلق . . . . .
" ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا " (

صفحة رقم 315
قوله عز وجل : ) ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ( فيه وجهان :
أحدهما : ما أشهدت إبليس وذريته .
الثاني : ما أشهدت جميع الخلق خلق السموات والأرض .
وفيه وجهان :
أحدهما : ما أشهدتهم إياها استعانة بهم في خلقها .
الثاني : ما أشهدتهم خلقها فيعلموا من قدرتي ما لا يكفرون معه .
ويحتمل ثالثاً : ما أشهدتهم خلقها فيحيطون علماً بغيبها لاختصاص الله بعلم الغيب دونه خلقه .
) ولا خلق أنفسهم ( فيه وجهان :
أحدهما : ما استعنت ببعضهم على خلق بعض .
الثاني : ما أشهدت بعضهم خلق بعض .
ويحتمل ثالثاً : ما أعلمتم خلق أنفسهم فكيف يعلمون خلق غيرهم .
) وما كنت متخذ المضلين عضدا ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يعني أولياء .
الثاني : أعواناً ، ووجدته منقولاً عن الكلبي .
وفيما أراد أنه لم يتخذهم فيه أعواناً وجهان :
أحدهما : أعواناً في خلق السموات والأرض .
الثاني : أعواناً لعبدة الأوثان ، قاله الكلبي .

صفحة رقم 316
وفي هؤلاء المضلين قولان :
أحدهما : إبليس وذريته .
الثاني : كل مضل من الخلائق كلهم .
قال بعض السلف : إذا كان ذنب المرء من قبل الشهوة فارْجُه ، وإذا كان من قبل الكبر فلا ترْجه ، لأن إبليس كان ذنبه من قبل الكبر فلم تقبل توبته ، وكان ذنب آدم من قبل الشهوة فتاب الله عليه . وقد أشار بعض الشعراء إلى هذا المعنى فقال :
إذا ما الفتى طاح في غيّه
فَرَجِّ الفتى للتُّقى رَجّه
فقد يغلط الركب نهج الط
ريق ثم يعود إلى نهجه
( الكهف : ( 52 - 53 ) ويوم يقول نادوا . . . . .
" ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا " ( قوله عز وجل : ) . . . وجعلنا بينهم موبقاً ( فيه ستة أقاويل :
أحدها : مجلساً ، قاله الربيع .
الثاني : مهلكاً ، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك ، قال الشاعر :
استغفر الله أعمالي التي سلفت
من عثرةٍ إن تؤاخذني بها أبق
أي أهلك ، ومثله قول زهير :
ومن يشتري حسن الثناء بماله
يصن عرضَه من كل شنعاء موبق
قال الفراء : جعل تواصلهم في الدنيا مهلكاً في الآخرة .
الثالث : موعداً ، قاله أبو عبيدة .
الرابع : عداوة ، قاله الحسن .
الخامس : أنه واد في جهنم ، قاله أنس بن مالك .

صفحة رقم 317
السادس : أنه واد يفصل بين الجنة والنار ، حكاه بعض المتأخرين .
قوله عز وجل : ) ورأى المجرمون النّار ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم عاينوا في المحشر .
الثاني : أنهم علموا بها عند العرض .
) فظنُّوا أنهم مُواقعوها ( فيه وجهان :
أحدهما : أنهم أمّلوا العفو قبل دخولها فلذلك ظنوا أنهم مواقعوها
الثاني : علموا أنهم مواقعوها لأنهم قد حصلوا في دار اليقين وقد يعبر عن العلم بالظن لأن الظن مقدمة العلم .
) ولم يجدوا عنها مصرفاً ( فيه وجهان :
أحدهما : ملجأ ، قاله الكلبي .
الثاني : معدلاً ينصرفون إليه ، قاله ابن قتيبة ، ومنه قول أبي كبير الهذلي :
أزهير هل عن شيبةٍ من مصرِف
أم لا خلود لباذل متكلفِ
وفي المراد وجهان :
أحدهما : ولم يجد المشركون عن النار مصرفاً .
الثاني : ولم تجد الأصنام مصرفاً للنار عن المشركين .
( الكهف : ( 54 ) ولقد صرفنا في . . . . .
" ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " ( قوله تعالى : ) ولقد صرَّفنا في هذا القرآن للناس من كلِّ مثَل ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ما ذكره لهم من العبر في القرون الخالية .
الثاني : ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية ، فيكون على الوجه الأول جزاء ، وعلى الثاني بياناً .
) وكان الإنسان أكثر شيءٍ جَدلاً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : عناداً ، وهو مقتضى الوجه الأول .

صفحة رقم 318
الثاني : حجاجاً وهو مقتضى القول الثاني . روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما وهما نائمان فقال : ( الصلاة ، ألا تصليان ) فقال علي رضي الله عنه : إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها ، فانصرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقول ) وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ( " [ الكهف : 54 ] .
( الكهف : ( 55 - 56 ) وما منع الناس . . . . .
" وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا " ( قوله عز وجل : ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءَهم الهُدى ( فيه وجهان :
أحدهما : وما منع الناس أنفسهم أن يؤمنوا .
الثاني : ما منع الشيطان الناس أن يؤمنوا .
وفي هذا الهدي وجهان :
أحدهما : حجج الله الدالة على وحدانيته ووجوب طاعته .
الثاني : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المبعوث لهداية الخلق .
) إلاّ أن تأتيهم سنةُ الأولين ( أي عادة الأولين في عذاب الإستئصال .
) أو يأتيهم العذاب قبلاً ( قرأ عاصم وحمزة والكسائي ) قُبُلاً ( بضم القاف والباء وفيه وجهان :
أحدهما : تجاه ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه جمع قبيل معناه ضروب العذاب .
ويحتمل ثالثاً : أن يريد : من أمامهم مستقبلاً لهم فيشتد عليهم هول مشاهدته .

صفحة رقم 319
وقرأ الباقون قِبَلاً بكسر القاف ، وفيه وجهان :
أحدهما : مقابلة .
الثاني : معاينة .
ويحتمل ثالثاً : من قبل الله تعالى بعذاب من السماء ، لا من قبل المخلوقين ، لأنه يعم ولا يبقى فهو أشد وأعظم .
قوله عز وجل : ) . . ليُدحضوا به الحقَّ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ليذهبوا به الحق ، ويزيلوه ، قاله الأخفش .
الثاني : ليبطلوا به القرآن ويبدلوه ، قاله الكلبي .
الثالث : ليهلكوا به الحق .
والداحض الهالك ،
مأخوذ من الدحض وهو الموضع المزلق من الأرض الذي لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم ، قال الشاعر :
ردَيت ونجَى اليشكري حِذارُه
وحادَ كما حادَ البعير عن الدحض
) واتخدوا آياتي وما أنذروا هُزُواً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الآية البرهان ، وما أنذروا القرآن .
الثاني : الآيات القرآن وما أنذروا الناس .
ويحتمل قوله : ) هزواً ( وجهين :
أحدهما : لعباً .
الثاني : باطلاً .
( الكهف : ( 57 - 59 ) ومن أظلم ممن . . . . .
" ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا وتلك القرى

صفحة رقم 320
أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا " ( قوله عز وجل : ) وربُّكَ الغفور ( يعني للذنوب وهذا يختص به أهل الإيمان دون الكفرة .
) ذو الرّحمة . . . ( فيها أربعة أوجه :
أحدها : ذو العفو .
الثاني : ذو الثواب ، وهو على هذين الوجهين مختص بأهل الإيمان دون الكفرة .
الثالث : ذو النعمة .
الرابع : ذو الهدى ، وهو على هذين الوجهين يعم أهل الإيمان وأهل الكفر لأنه ينعم في الدنيا على الكافر كإنعامه على المؤمن ، وقد أوضح هذه للكافر كما أوضحه للمؤمن ، وإن اهتدى به المؤمن دون الكافر .
) بل لهم موعدٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : أجل مقدر يؤخرون إليه .
الثاني : جزاء واجب يحاسبون عليه .
) لن يجدوا مِن دونه مَوْئلاً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ملجأ ، قاله ابن عباس وابن زيد .
الثاني : محرزاً ، قاله مجاهد .
الثالث : ولياً ، قاله قتادة .
الرابع : منجى ، قاله أبو عبيدة . قال والعرب تقول : لا وألَت نفسه ، أي لا نجت ، ومنه قول الشاعر :
لا وألت نفسك خلّيْتها
للعامريّين ولم تُكْلَمِ
قوله عز وجل : ) وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا ( فيه وجهان :

صفحة رقم 321
أحدهما : أهلكناهم بالعذاب لما ظلموا بالكفر .
الثاني : أهلكناهم بأن وكلناهم إلى سوء تدبيرهم لما ظلموا بترك الشكر .
) وجعلنا لمهلكهم مَوْعِداً ( فيه وجهان :
أحدهما : أجلا يؤخرون إليه ، قاله مجاهد .
الثاني : وقتاً يهلكون فيه . وقرىء بضم الميم وفتحها ، فهي بالضم من أُهلك وبالفتح من هَلَك .
( الكهف : ( 60 - 65 ) وإذ قال موسى . . . . .
" وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " ( قوله عز وجل : ) وإذا قال موسى لفتاه ( يعني يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى وسمي فتاهُ لملازمته إياه ، قيل في العلم ، وقيل في الخدمة ، وهو خليفة موسى على قومه من بعده .
وقال محمد بن إسحاق : إن موسى الذي طلب الخضر هو موسى بن منشى بن يوسف ، وكان نبياً في بني إسرائيل قبل موسى بن عمران .
والذي عليه جمهور المسلمين أنه موسى بن عمران .

صفحة رقم 322
) لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني بحر الروم وبحر فارس ، أحدهما قبل المشرق ، والآخر قبل المغرب وحكى الطبري أنه ليس في الأرض مكان أكثر ماء منه .
والقول الثاني : هو بحر أرمينية مما يلي الأبواب .
الثالث : الخضرُ وإلياس ، وهما بحران في العلم ، حكاه السدي .
) أو أمضي حُقباً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن الحقب ثمانون سنة ، قاله عبد الله بن عمر .
الثاني : سبعون سنة ، قاله مجاهد .
الثالث : أن الحقب الزمان ، قاله قتادة .
الرابع : أنه الدهر ، قاله ابن عباس ، ومنه قول امرىء القيس :
نحن الملوك وأبناء الملوك ، لنا
مِلكٌ به عاش هذا الناس أحقابا
الخامس : أنه سنة بلغة قيس ، قاله الكلبي . وفي قوله ) لا أبْرحُ ( تأويلان :
أحدهما : لا أفارقك ، ومنه قول الشاعر :
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانةً
وتحمل أُخرى أثقلتك الودائع

صفحة رقم 323
الثاني : لا أزال ، قاله الفراء ، ومنه قول الشاعر :
وأبرح ما أدام اللهُ قومي
بحمد الله منتطقاً مجيداً
أي لا أزال . وقيل إنه قال ) لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ( لأنه وعد أن يلقى عنده الخضر عليه السلام .
) فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حُوتَهما ( قيل إنهما تزودا حوتاً مملوحاً وتركاه حين جلسا ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه ضل عنهما حتى اتخذ سبيله في البحر سرباً ، فسمي ضلاله عنهما نسياناً منهما .
الثاني : أنه من النسيان له والسهو عنه .
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن الناسي له أحدهما وهو يوشع بن نون وحده وإن أضيف النسيان إليهما ، كما يقال نسي القوم زادهم إذا نسيه أحدهم .
الثاني : أن يوشع نسي أن يحمل الحوت ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء ، فصار كل واحد منهما ناسياً لغير ما نسيه الآخر .
) فاتّخذ سبيله في البحر سَرَباً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : مسلكاً ، قاله مجاهد وابن زيد .
الثاني : يبساً ، قاله الكلبي .
الثالث : عجباً ، قاله مقاتل .
قوله عز وجل : ) فلما جاوَزا ( يعني مكان الحوت .
) قال لفَتاهُ ( يعني موسى قال لفتاه يوشع بن نون .
) آتِنا غداءَنا ( والغداء الطعام بالغداة كما أن العشاء طعام العشي والإنسان إلى الغداء أشد حاجة منه إلى العشاء .
) لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ( فيه وجهان : أحدهما : أنه التعب .
الثاني : الوهن .

صفحة رقم 324
) قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ( فيه قولان :
أحدهما : قاله مقاتل ، إن الصخرة بأرض تسمى شره ان على ساحل بحر أيلة ، وعندها عين تسمى عين الحياة . الثاني : أنها الصخرة التي دون نهر الزيت على الطريق .
) فإني نسيت الحُوت ( فيه وجهان :
أحدهما : فإني نسيت حمل الحوت .
الثاني : فإني نسيت أن أخبرك بأمر الحوت .
) وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن اذكُره ( أي أنسانية بوسوسته إليّ وشغله لقلبي .
) واتخذ سبيله في البحر عجباً ( فيه قولان :
أحدهما : انه كان لا يسلك طريقاً في البحر إلا صار ماؤه صخراً فلما رآه موسى عجب من مصير الماء صخراً .
الثاني : أن موسى لما أخبره يوشع بأمر الحوت رجع إلى مكانه فرأى أثر الحوت في البحر ودائرته التي يجري فيها فعجب من عود الحوت حياً .
) قال ذلك ما كُنّا نبغِ ( أي نطلب ، وذلك أنه قيل لموسى إنك تلقى الخضر في موضع تنسى فيه متاعك ، فعلم أن الخضر بموضع الحوت .
) فارتدَّا على آثارهما قَصصاً ( أي خرجا إلى آثارهما يقصان أثر الحوت ويتبعانه .
) فَوَجداَ عبْداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : النبوة ، قاله مقاتل :
الثاني : النعمة .
الثالث : الطاعة .
الرابع : طول الحياة .
) وعلّمناه من لدُنا عِلْماً ( قال ابن عباس لما اقتفى موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد وقد سجي عليه ثوبه ، فسلم عليه موسى ، فكشف ثوبه عن وجهه وردّ عليه

صفحة رقم 325
السلام وقال : من أنت ؟ قال : موسى . قال صاحب بني إسرائيل ؟ قال : نعم . قال : وما لك في بني إسرائيل شغل ، قال : أمرت أن آتيك وأصحبك .
واختلفوا في الخضر هل كان مَلَكاً أو بشراً على قولين :
أحدهما : أنه كان ملكاً أمر الله تعالى موسى أن يأخذ عنه مما حمّله إياه من علم الباطن .
الثاني : أنه كان بشراً من الإنس .
واختلف من قال هذا على قولين :
أحدهما : كان نبياً لأن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من هو فوقه ؛ ولا يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي ، قال مقاتل : هو ليسع لأنه وسع علمه ست سموات وست أرضين .
الثاني : أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أودعه الله تعالى مِن علْم باطن الأمور ما لم يودع غيره ، لأن النبي هو الداعي ، والخضر كان مطلوباً ولم يكن داعياً طالباً ، وقد ذكرأن سبب تسميته بالخضر لأنه كانه إذا صلى في مكان اخضرّ ما حوله .
( الكهف : ( 66 - 70 ) قال له موسى . . . . .
" قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني

صفحة رقم 326
إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا " ( قوله عز وجل : ) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علمت رُشْداً ( في الرشد هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه العلم ، قاله مقاتل ويكون تقديره على أن تعلمني مما علمت علماً .
الثاني : معناه على أن تعلمني مما علمت لإرشاد الله لك .
الثالث : ما يرى في علم الخضر رشداً يفعله وغياً يجتنبه ، فسأله موسى أن يعلمه من الرشد الذي يفعله ، ولم يسأله أن يعلمه الغيّ الذي يجتنبه لأنه عرف الغي الذي يجتنبه ولم يعرف ذلك الرشد .
) قال إنك لن تستطيع معي صبراً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : صبراً عن السؤال .
الثاني : صبراً عن الإنكار .
) وكيف تصبر على ما لم تُحِطْ به خُبراً ( فيه وجهان :
أحدهما : لم تجد له سبباً .
الثاني : لم تعرف له علماً ، لأن الخضر علم أن موسى لا يصبر إذا رأى ما بنكر ظاهره .
) قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً ( فوعد بالصبر والطاعة ثم استثنى بمشيئة الله تعالى حذراً مما يلي فأطاع ولم يصبر . وفي قوله : ) ولا أعصي لك أمراً ( وجهان :
أحدهما : لا ابتدىء بالإنكار حتى تبدأ بالإخبار .
الثاني : لا أفشي لك سراً ولا أدل عليك بشراً . فعلى الوجه الأول يكون مخالفاً . ، على الوجه الثاني : يكون موافقاً .
( الكهف : ( 71 - 74 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
" فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما

صفحة رقم 327
نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا " ( قوله عز وجل : ) فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ( لأنه أراد أن يعبر في البحر إلى أرض أخرى فركب في السفينة وفيها ركاب ، فأخذ الخضر فأساً ومنقاراً فخرق السفينة حتى دخلها الماء وقيل إنه قلع منها لوحين فضج ركابها من الغرق .
ف ) قال ( له موسى ) أخرقتها لتغرق أهلها ( وإن كان في غرقها غرق جميعهم لكنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه لأنها عادة الأنبياء .
ثم قال بعد تعجبه وإكباره ) لقد جئت شيئاً إمْراً ( فأكبر ثم أنكر ، وفي الإمر ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني منكراً ، قاله مجاهد .
الثاني : عجباً ، قاله مقاتل .
الثالث : أن الإمر الداهية العظيمة ، قاله أبو عبيدة وأنشد :
قد لقي الأقران مِنّي نُكْرا
داهيةً دهياء إدّاً إمْرا
وهو مأخوذ من الإمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح ، ومنه رجل إمر إذا كان ضعيف الرأي لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوى رأيه ، ومنه أمِر القومُ إذا أكثروا لأنهم يحتاجون إلى من يأمرهم وينهاهم .
قوله عز وجل : ) قال لا تؤاخذني بما نسيتُ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بما نسيته وغفلت عنه فلم أذكره ، وقد رفعه أبي بن كعب .
الثاني : بما كأني نسيته ، ولم أنسه في الحقيقة . حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : لم ينس ولكنها معاريض الكلام .
الثالث : بما تركته من عهدك ، قاله ابن عباس ، مأخوذ من النسيان الذي هو الترك لا من النسيان الذي هو من السهو .
) ولا تُرهقني مِنْ أمري عُسْراً ( فيه أربعة أوجه :

صفحة رقم 328
أحدها : لا تعنفني على ما تركت من وصيتك ، قاله الضحاك .
الثاني : لا يغشني منك العسر ، من قولهم غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه البلوغ ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( ارهقوا القبلة ) أي اغشوها واقربوا منها .
الثالث : لا تكلفني ما لا أقدر عليه من التحفظ عن السهو والنسيان ، وهو معنى قول مقاتل :
الرابع : لا يلحقني منك طردي عنك .
قوله تعالى : ) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله ( يعني انطلق موسى والخضر فاحتمل أن يكون يوشع تأخر عنهما ، لأن المذكور انطلاق اثنين وهو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة واجتماعه مع الخضر عن وحي ، واحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تابع لموسى ، فاقتصر على ذكر المتبوع دون التابع لقول موسى : ) ذلك ما كنا نبغي ( فكان ذلك منه إشارة إلى فتاه يوشع .
واختلف في الغلام المقتول هل كان بالغاً ، فقال ابن عباس : كان رجلاً شاباً قد قبض على لحيته لأن غير البالغ لا يجري عليه القلم بما يستحق به القتل ، وقد يسمى الرجل غلاماً ، قالت ليلى الأخيلية في الحجّاج :
شفاها من الداء العُضال الذي بها
غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سقاها
وقال الأكثرون : كان صغيراً غير بالغ وكان يلعب مع الصبيان ، حتى مر به الخضر فقتله . وفي سبب قتله قولان :
أحدهما : لأنه طبع على الكفر .

صفحة رقم 329
الثاني : لأنه أصلح بقتله حال أبويه . وفي صفة قتله قولان :
أحدهما : أنه أخذه من بين الصبيان فأضجعه وذبحه بالسكين ، قاله سعيد بن جبير .
الثاني : أنه أخذ حجراً فقتل به الغلام ، قاله مقاتل فاستعظم موسى ما فعله الخضر من قتل الغلام من غير سبب .
ف ) قال أقتلت نَفْساً زَكيةً بغير نفْسٍ ( فاختلف هل قاله استخباراً أو إنكاراً على قولين :
أحدهما : أنه قال ذلك استخباراً عنه لعلمه بأنه لا يتعدى في حقوق الله تعالى .
الثاني : أنه قاله إنكاراً عليه لأنه قال ) لقد جئت شيئاً نُكراً (
قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير ) زاكية ( وقرأ حمزة وابن عامر وعاصم والكسائي زكيّة بغير ألف .
واختلف في زاكية - وزكية على قولين : أحدهما : وهو قول الأكثرين أن معناهما واحد ، فعلى هذا اختلف في تأويل ذلك على ستة أوجه :
أحدها : أن الزاكية التائبة ، قاله قتادة .
الثاني : أنها الطاهرة ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أنها النامية الزائدة ، قاله كثير من المفسرين ، قال نابغة بني ذبيان :
وما أخرتَ من دُنياك نقص
وإن قدّمْتَ عادَ لَك الزّكاءُ
يعني الزيادة .
الرابع : الزاكية المسلمة ، قاله ابن عباس لأن عنده أن الغلام المقتول رجل .
الخامس : أن الزاكية التي لم يحل دمها ، قاله أبو عمرو بن العلاء .
السادس : أنها التي لم تعمل الخطايا ، قاله سعيد بن جبير . والقول الثاني : أن بين الزاكية والزكية فرقاً ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الزاكية في البدن ، والزكية في الدين ، وهذا قول أبي عبيدة .

صفحة رقم 330
الثاني : أن الزكية أشد مبالغة من الزاكية ، قاله ثعلب .
الثالث : أن الزاكية التي لم تذنب ، والزكية التي أذنبت ثم تابت فغفر لها ،
قاله أبو عمرو بن العلاء .
) لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : شيئاً منكراً ، قاله الكلبي .
الثاني : أمراً فظيعاً قبيحاً ، وهذا معنى قول مقاتل .
الثالث : أنه الذي يجب أن ينكر ولا يفعل .
الرابع : أنه أشد من الإِمْر ، قاله قتادة .
( الكهف : ( 75 - 76 ) قال ألم أقل . . . . .
" قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا " ( قوله عز وجل : ) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : فلا تتابعني .
الثاني : فلا تتركني أصحبك ، قاله الكسائي .
الثالث : فلا تصحبني .
الرابع : فلا تساعدني على ما أريد .
) قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذراً ( قد اعتذرت حين أنذرت .
( الكهف : ( 77 - 78 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
" فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا " ( ) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا ( اختلف في هذه القرية على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها أنطاكية ، قاله الكلبي .
الثاني : أنها الأبُلة ، قاله قتادة .
الثالث : أنها باجروان بإرمينية ، قاله مقاتل .

صفحة رقم 331
) فَأَبَوْا إِن يُضَيِّفُوهُمَا ( يقال أضفت الرجل إذا نزل عليك فأنت مضيف . وضفت الرجل إذا نزلت عليه فأنت ضيف . وكان الطلب منهما الفاقة عُذراً فيهما . والمنع من أهل القرية لشحٍ أثموا به .
) فَوَجَدَا فِيها جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ ( أي كاد أن ينقض ؛ ذلك على التشبيه بحال من يريد أن يفعل في التالي ، كقول الشاعر :
يريد الرمح صدر أبي براءٍ . .
. ويرغب عن دماءِ بني عقيل
ومعنى ينقض يسقط بسرعة ، ويناقض ينشق طولاً . وقرأ يحيى بن يعمر ) يُرِيدُ أَن يَنقَصَّ ( بالصاد غير المعجمة ، من النقصان .
) فَأَقَامَهُ ( قال سعيد بن جبير : أقام الجدار بيده فاستقام ، وأصل الجدر الظهور ومنه الجدري لظهوره .
وعجب موسى عليه السلام وقد ) اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا ( فأقام لهم الجدار ف ) قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ( قال قتادة : شر القرى لا تضيف الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقه .
قوله عز وجل : ) قَالَ هَذا فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ( فيه وجهان :
أحدهما : هذا الذي قلته ) فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ (
الثاني : هذا الوقت ) فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ (
) سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لم تستطع على المشاهدة له صبراً .
الثاني : لم تستطع على الإِمساك عن السؤال عنه صبراً . فروى ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَو صَبَرَ لاَقْتَبَسَ مِنْهُ أَلْفَ بَابٍ ) . ( الكهف : ( 79 ) أما السفينة فكانت . . . . .
" أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " (

صفحة رقم 332
قوله عز وجل : ) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ( وفي تسميتهم مساكين أربعة أوجه :
أحدها : لفقرهم وحاجتهم .
الثاني : لشدة ما يعانونه في البحر ، كما يقال لمن عانى شدة قد لقي هذا المسكين جهداً .
الثالث : لزمانة كانت بهم وعلل .
الرابع : لقلة حيلتهم وعجزهم عن الدفع عن أنفسهم ، كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( مِسْكِينٌ رَجُلٌ لاَ امرأة له ) فسماه مسكيناً لقلة حيلته وعجزه عن القيام بنفسه لا لفقره ومسكنته .
وقرأ بعض أئمة القراء ( لِمَسَّاكِينَ ) بتشديد السين ، والمساكون هم الممسكون ، وفي تأويل ذلك وجهان :
أَحدهما : لممسكون لسفينتهم للعمل فيها بأنفسهم .
الثاني : الممسكون لأموالهم شحاً فلا ينفقونها .
) فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ( أي أن أُحْدِثَ فيها عيباً .
) وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ ( في قوله ) وَرَآءَهُم مَّلِكٌ ( وجهان :
أحدهما : أنه خلفهم ، وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا به ، قاله الزجاج .
الثاني : أنه كان أمامهم . وكان ابن عباس يقرأ : ) وَكَانَ أَمَامَمُم مَّلِكٌ (
واختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقاويل :
أحدها : يجوز استعماله بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد ، قال الله تعالى ) مِن وَرَائِهِم جَهَنَّمُ ( أي من أمامهم وقدامهم جهنم قال الشاعر :

صفحة رقم 333
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي .
الثاني : أن وراء يجوز أن يستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان قد يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها .
الثالث : أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ، ولا يجوز في غيره قاله ابن عيسى .
) يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ( قرأ ابن مسعود : يأخذ كل سفينة صالحة غصباً . وهكذا كان الملك يأخذ كل سفينة جيدة غصباً ، فلذلك عباها الخضر لتسلم من الملك . وقيل إن اسم الملك هُدَد بن بُدَد ، وقال مقاتل : كان اسمه مندلة بن جلندى بن سعد الأزدي .
( الكهف : ( 80 - 81 ) وأما الغلام فكان . . . . .
" وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما " ( قوله عز وجل : ) وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنَ فَخَشِينآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ( قال سعيد بن جبير : وجد الخضر غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً ظريفاً فأضجعه وذبحه ، وقيل كان الغلام سداسياً وقيل أنه أراد بالسداسي ابن ست عشرة سنة ، وقيل بل أراد أن طوله ستة أشبار ، قاله الكلبي : وكان الغلام لصاً يقطع الطريق بين قرية أبيه وقرية أمه فينصره أهل القريتين ويمنعون منه .
قال قتادة : فرح به أبواه حين ولد ، وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما . قيل كان اسم الغلام جيسور . قال مقاتل وكان اسم أبيه كازير ، واسم أمه سهوى .
) فَخَشِينآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْياناً وَكُفْراً ( فيه ثلاة أوجه :
أحدهما : علم الخضر أن الغلام يرهق أبويه طغياناً وكفراً لأن الغلام كان كافراً

صفحة رقم 334
قال قتادة : وفي قراءة أُبي ) وَأَمَّا الغُلامُ فَكَانَ كَافِراً وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ( فعبر عن العلم بالخشية .
الثاني : معناه فخاف ربك أن يرهق الغلام أبويه طغياناً وكفراً ، فعبر عن الخوف بالخشية قال مقاتل : في قراءة أبي ) فَخَافَ رَبُّكَ ( والخوف ها هنا استعارة لانتفائه عن الله تعالى .
الثالث : وكره الخضر أن يرهق الغلام أبويه بطغيانه وكفره إثماً وظلماً فصار في الخشية ها هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها العلم .
الثاني : أنها الخوف .
الثالث : الكراهة .
وفي ) يُرْهِقَهُمَا ( وجهان :
أحدهما : يكفلهما ، قاله ابن زيد .
الثاني : يحملهما على الرهق وهو الجهد . ) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا ربهما خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : خيراً منه إسلاماً ، قاله ابن جريج .
الثاني : خيراً منه علماً ، قاله مقاتل .
الثالث : خيراً منه ولداً .
وكانت أمه حبلى فولدت ، وفي الذي ولدته قولان :
أحدهما : ولدت غلاماً صالحاً مسلماً ، قاله ابن جريج .

صفحة رقم 335
الثاني : ولدت جارية تزوجها نبي فولدت نبياً هدى الله على يديه أمة من الأمم .
) وَأَقْرَبَ رُحْماً ( فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يعني أكثر براً بوالديه من المقتول ، قاله قتادة ، وجعل الرحم البر ، ومنه قول الشاعر :
طريدٌ تلافاه يزيد برحمةٍ
فلم يُلْف من نعمائه يتعذَّرُ
الثاني : أعجل نفعاً وتعطفاً ، قال أبو يونس النحوي وجعل الرحم المنفعة والتعطف ، ومنه قول الشاعر :
وكيف بظلم جارية . . .
ومنها اللين والرحم
الثالث : أقرب أن يرحما به ، والرُّحم الرحمة ، قاله أبو عَمْرو بن العلاء ، ومنه قول الشاعر :
أحنى وأرحمُ مِن أمٍّ بواحدِها رُحْماً وأشجع من ذي لبدةٍ ضاري
( الكهف : ( 82 ) وأما الجدار فكان . . . . .
" وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا " ( قوله تعالى : ) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الَْمَدِينَةِ ( زعم مقاتل أن اسم الغلامين صرم وصريم ، واسم أبيهما كاشخ ، واسم أمهما رهنا ، وأن المدينة قرية تسمى عيدشى .
وحقيقة الجدار ما أحاط بالدار حتى يمنع منها ويحفظ بنيانها ، ويستعمل في غيرها من حيطانها مجازاً .

صفحة رقم 336
) وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ( وفي هذا الكنز ثلاثة أقاويل : أحدها : صحف علم ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد .
الثاني : لوح من ذهب مكتوب فيه حِكَم ، قاله الحسن ، وروى ابن الكلبي عن أنس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ) وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا ( ، كَانَ الكَنزُ لَوحاً مِن ذَهَبٍ مَكْتُوباً فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ عَجَبٌ لِّمِنَ يُؤِمِنُ بِالمَوتِ كَيْفَ يَفْرَحُ ، عَجَبٌ لِّمَن يُوقِنُ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ ، عَجَبٌ لِّمَن يُوقِنُ بِزَوالِ الدُّنيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) . الثالث : كنز : مال مذخور من ذهب وفضة ، قاله عكرمة وقتادة .
) وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ( قيل إنهما حفظا لصلاح أبيهما السابع ، قال محمد بن المنكدر : إن الله تعالى يحفظ عبده المؤمن في ولده وولد ولده وفي ذريته وفي الدويرات حوله . وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثله .
واختلف أهل العلم في بقاء الخضر عليه السلام إلى يوم ، فذهب قوم إلى بقائه لأنه شرب من عين الحياة . وذهب آخرون إلى أنه غير باقٍ لأنه لو كان

صفحة رقم 337
باقياً لعرف ، ولأنه لا يجوز أن يكون بعد نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) نبي وهذا قول من زعم أن الخضر نبي .
( الكهف : ( 83 - 84 ) ويسألونك عن ذي . . . . .
" ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا " ( قوله عز وجل : ) وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ( اختلف فيه هل كان نبياً ؟ فذهب قوم إلى أنه نبي مبعوث فتح الله على يده الأرض وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن نبياً ولا ملكاً ، ولكنه كان عبداً صالحاً أحب الله وأحبه الله ، وناصح لله فناصحه الله ، وضربوه على قرنه فمكث ما شاء الله ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر ، ولم يكن له قرنان كقرني الثور .
واختلف في تسميته بذي القرنين على أربعة أقاويل :
أحدها : لقرنين في جانبي رأسه على ما حكى علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
الثاني : لأنه كانت له ضفيرتان فَسُمِّيَ بهما ذو القرنين ، قاله الحسن .
الثالث : لأنه بلغ طرفي الأرض من المشرق والمغرب ، فَسُمِّيَ لاستيلائه . على قرني الأرض ذو القرنين ، قاله الزهري .
الرابع : لأنه رأى في منامه أنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقها وغربها ، فقص رؤياه على قومه فَسُمِّيَ ذو القرنين ، قال وهب بن منبه .
وحكى بن عباس أن ذا القرنين هو عبد الله بن الضحاك بن معد ، وحكى محمد بن إسحاق أنه رجل من إهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني ولد يونان بن يافث بن نوح . وقال معاذ بن جبل : كان رومياً اسمه الاسكندروس . قال ابن هشام : هو الإِسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية .

صفحة رقم 338
قوله عز وجل : ) إِنَّا مَكَنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : باستيلائه على ملكها .
الثاني : بقيامه بمصالحها .
) وَأَتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ( فيه وجهان :
أحدهما : من كل شيء علماً ينتسب به إلى إرادته ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : ما يستعين به على لقاء الملوك وقتل الأعداء وفتح البلاد .
ويحتمل وجهاً ثالثاً : وجعلنا له من كل أرض وليها سلطاناً وهيبة .
( الكهف : ( 85 - 88 ) فأتبع سببا
" فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا " ( قوله عز وجل : ) فَأَتْبَعَ سَبَاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : منازل الأرض ومعالمها .
الثاني : يعني طرقاً بين المشرق والمغرب ، قاله مجاهد ، وقتادة .
الثالث : طريقاً إلى ما أريد منه .
الرابع : قفا الأثر ، حكاه ابن الأنباري .
) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ( قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ) حَمِئَةٍ ( وفيها وجهان :
أحدهما : عين ماء ذات حمأة ، قاله مجاهد ، وقتادة .
الثاني : يعني طينة سوداء ، خبرا
قاله كعب .

صفحة رقم 339
وقرأ بن الزبير ، والحسن : ) فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ ( وهي قراءة الباقين يعني حارة .
فصار قولاً ثالثاً : وليس بممتنع أن يكون ذلك صفة للعين أن تكون حمئة سوداء حامية ، وقد نقل مأثوراً في شعر تُبَّع وقد وصف ذا القرنين بما يوافق هذا فقال :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً . .
ملكاً تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي
أسباب أمرٍ من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها
في عين ذي خُلُبٍ وثاطٍ حرمد
الخُلُب : الطين . والثأط : الحمأة . والحرمد : الأسود .
ثم فيها وجهان : أحدهما : أنها تغرب في نفس العين .
الثاني : أنه وجدها تغرب وراء العين حتى كأنها تغيب في نفس العين .
) وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه خيره في عقابهم أو العفو عنهم .
الثاني : إما أن تعذب بالقتل لمقامهم على الشرك وإما أن تتخذ فيهم حُسناً بأن تمسكهم بعد الأسر لتعلمهم الهدى وتستنقذهم من العَمَى ، فحكى مقاتل أنه لم يؤمن منهم إلا رجل واحد .
( الكهف : ( 89 - 91 ) ثم أتبع سببا
" ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا " (

صفحة رقم 340
قوله عز وجل : ) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ( قرىء بقطع الألف ، وقرىء بوصلها وفيها وجهان :
أحدهما : معناهما واحد .
الثاني : مختلف . قال الأصمعي : بالقطع إذا لحق ، وبالوصل إذا كان على الأثر ، وإن لم يلحق .
) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ ( قرىء بكسر اللام ، وقرىء بفتح اللام ، وفي اختلافهما وجهان :
أحدهما : معناهما واحد .
الثاني : معناهما مختلف . وهي بفتح اللام الطلوع ، وبكسرها الموضع الذي تطلع منه . والمراد بمطلع الشمس ومغربها ابتداء العمارة وانتهاؤها .
) وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً ( يعني من دون الشمس ما يسترهم منها من بناء أو شجر أو لباس . وكانوا يأوون إذا طلعت عليهم إلى أسراب لهم ، فإذا زالت عنهم خرجوا لصيد ما يقتاتونه من وحش وسمك .
قال ابن الكلبي : وهم تاريس وتأويل ومنسك .
وهذه الأسماء والنعوت التي نذكرها ونحكيها عمن سلف إن لم تؤخذ من صحف النبوة السليمة لم يوثق بها ، ولكن ذكرت فذكرتها . وقال قتادة . هم الزنج .
( الكهف : ( 92 - 96 ) ثم أتبع سببا
" ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة

صفحة رقم 341
أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا " ( قوله عز وجل : ) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ( بالفتح قرأ ابن كثير وابو عمرو وعاصم في رواية حفص . وقرأ الباقون بين السُّدين وبالضم ، واختلف فيهما على قولين .
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد .
الثاني : أن معناهما مختلف .
وفي الفرق بينهما ثلاثة أوجه :
أحدها : أن السد بالضم من فعل الله عز وجل وبالفتح من فعل الآدميين .
الثاني : أنه بالضم الاسم ، وبالفتح المصدر ، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك . والسدان جبلان ، قيل إنه جعل الروم بينهما ، وفي موضعهما قولان :
أحدهما : فيما بين إرمينية وأذربيجان .
الثاني : في منقطع الترك مما يلي المشرق .
) وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ( أي من دون السدين ، وفي ) يَفْقَهُونَ ( قراءتان :
إحداهما : بفتح الياء والقاف يعني أنهم لا يفهمون كلام غيرهم .
والقراءة الثانية : بضم الياء وكسر القاف ، أي لا يفهم كلامهم غيرهم .
قوله عز وجل : ) قَالُواْ يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ( وهما من ولد يافث بن نوح ، واسمهما مأخوذ من أجت النار إذا تأججت ، ومنه قول جرير :

صفحة رقم 342
وأيام أتين على المطايا
كأن سمومهن أجيج نارٍ
واسمها في الصحف الأولى ياطغ وماطغ . وكان أبو سعيد الخدري يقول أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لاَ يَمُوتُ الرَّجُلُ منهُمْ حتى يُولَدُ لِصُلْبِهِ أَلْفُ رَجُلٍ ) . واختلف في تكليفهم على قولين :
أحدهما : أنهم مكلفون لتمييزهم .
الثاني : أنهم غير مكلفين لأنهم لو كلفوا لما جاز ألاَّ تبلغهم دعوة الإسلام .
) فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ( قرأ حمزة والكسائي : ) خَرَاجاً ( وقرأ الباقون ) خَرْجاً ( وفي اختلاف القراءتين ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الخراج الغلة ، والخرج الأجرة .
الثاني : أن الخراج اسم لما يخرج من الأرض ، والخرج ما يؤخذ عن الرقاب ، قاله أبو عمرو بن العلاء .
الثالث : أن الخرج ما يؤخذ دفعة ، والخراج ثابت مأخوذ في كل سنة ، قاله ثعلب .
قوله عز وجل : ) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ( يعني خير من الأجر الذي تبذلونه لي .
) فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : بآلة ، قاله الكلبي .
الثاني : برجال ، قاله مقاتل .
) أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه الحجاب الشديد .
الثاني : أنه السد المتراكب بعضه على بعض فهو أكبر من السد .
) ءاتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها قطع الحديد ، قاله ابن عباس ومجاهد .

صفحة رقم 343
الثاني : أنه فلق الحديد ، قاله قتادة .
الثالث : أنه الحديد المجتمع ، ومنه الزَّبور لاجتماع حروفه في الكتابة ، قال تبع اليماني :
ولقد صبرت ليعلموه وحولهم
زبر الحديد عشيةً ونهاراً
) حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ( قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : الصدفان : جبلان ، قال عمرو بن شاش :
كلا الصدفين ينفذه سناها
توقد مثل مصباح الظلام
وفيهما وجهان :
أحدهما : أن كل واحد منهما محاذ لصاحبه ، مأخوذ من المصادفة في اللقاء ، قاله الأزهري .
الثاني : قاله ابن عيسى ، هما جبلان كل واحد منهما منعزل عن الآخر كأنه قد صدف عنه . ثم فيه وجهان :
أحدهما : : أن الصدفين اسم لرأسي الجبلين
الثاني : اسم لما بين الجبلين .
ومعنى قوله : ) سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ( أي بما جعل بينهما حتى وارى رؤوسهما وسوّى بينهما .
) قَالَ انفُخُوا ( يعني أي في نار الحديد .
) حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ( يعني ليناً كالنار في الحر واللهب .
) قَالَ ءَاتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن القطر النحاس ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك .
الثاني : أنه الرصاص حكاه ابن الأنباري .
الثالث : أنه الصفر المذاب ، قاله مقاتل ، ومنه قول الحطيئة :
وألقى في مراجل من حديد قدور الصُّفر ليس من البُرام

صفحة رقم 344
الرابع : أنه الحديد المذاب ، قاله أبو عبيدة وأنشد :
حُساماً كلون الملح صار حديده
حراراً من أقطار الحديد المثقب
وكان حجارته الحديد وطينه النحاس .
( الكهف : ( 97 - 99 ) فما اسطاعوا أن . . . . .
" فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا " ( قوله عز وجل : ) فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ ( أي يعلوه . ) وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً ( يعني من أسفله ، قاله قتادة ، وقيل إن السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط . وقيل : ارتفاع السد مقدار مائتي ذراع ، وعرضه نحو خمسين ذراعاً وأنه من حديد شبه المصمت . ورُوي أن رجلاً قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إِنِّي رَأَيتُ السَّدَّ : ( قَالَ : انعَتهُ ) قَالَ : هُوَ كَالبَرَدِ المُحَبَّر ، طَريقُه سَودَاءُ وَطَريقُه حَمْرَاءُ ، ( قَالَ قَدْ رَأَيتَهُ ) . قوله عز وجل : ) قَالَ هَذا رَحْمَةٌ مِن رَّبِّي ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن عمله رحمة من الله تعالى لعباده .
الثاني : أن قدرته على عمله رحمة من الله تعالى له .

صفحة رقم 345
) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ( قال ابن مسعود : وذلك يكون بعد قتل عيسى عليه السلام الدجال في حديث مرفوع . وروي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( إِنَّهُم يَدْأَبُونَ فِي حَفْرِهِم نَهَارُهُم حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا وَكَادُواْ يُبْصِرُونَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالُوا نَرْجِعُ غَداً فَنَحْفُرُ بَقِيَّتَهُ ، فَيَعُودُونَ مِنَ الغَدِ وَقَدِ اسْتَوَى كَمَا كَانَ ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قَالُواْ : غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَنْقُبُ بَقيَّتَهُ ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيهِ فَيَنْقُبُونَهُ فِإِذِنِ اللَّهِ ، فَيَخْرُجُونَ مِنهُ عَلَى النَّاسِ مِن حُصُونِهِم ، ثُمَّ يَرْمُونَ نبلاً إِلَى السَّمَاءِ فِيَرْجِعُ إِلَيهِم فِيهَا أَمْثَالُ الدِّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ ظَفَرْنَا عَلَى أَهْلِ ألأَرْضِ وَقَهَرْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعالَى عَلَيهِم مَّا يَهْلِكُهُم ) . ) فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي ( فيه قولان :
أحدهما : يوم القيامة ، قاله ابن بحر .
الثاني : هو الأجل الذي يخرجون فيه .
) جَعَلَهُ دَكَّآءَ ( يعني السد ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أرضاً ، قاله قطرب .
الثاني : قطعاً ، قاله الكلبي .
الثالث : هدماً حتى اندك بالأرض فاستوى معها ، قاله الأخفشس ، ومنه قول الأغلب :
89 ( هل غيرغادٍ غاراً فانهدم ) 89
قوله عز وجل : ) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد يموج بعضهم في بعض .

صفحة رقم 346
الثاني : الكفار في يوم القيامة يموج بعضهم في بعض .
الثالث : أنهم الإِنس والجن عند فتح السد .
وفيه وجهان :
أحدهما : يختلط بعضهم ببعض .
الثاني : يدفع بعضهم بعضاً ، مأخوذ من موج البحر .
( الكهف : ( 100 - 102 ) وعرضنا جهنم يومئذ . . . . .
" وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " ( قوله عز وجل : ) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن الضلال كالمغطي لأعينهم عن تَذَكُّر الانتقام .
الثاني : أنهم غفلوا عن الاعتبار بقدرته الموجبة لذكره .
) وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن المراد بالسمع ها هنا العقل ، ومعناه لا يعقلون الثاني : أنه معمول على ظاهره في سمع الآذان . وفيه وجهان :
أحدهما : لا يستطيعونه استثقالاً .
الثاني : مقتاً .
قوله عز وجل : ) إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ( فيه تأويلان :
أحدهما : أن النزل الطعام ، فجعل جهنم طعاماً لهم ، قاله قتادة .
الثاني : أنه المنزل ، قاله الزجاج .

صفحة رقم 347
( الكهف : ( 103 - 106 ) قل هل ننبئكم . . . . .
" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا " ( قوله عز وجل : ) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ( فيهم خسمة أقاويل :
أحدها : أنهم القسيسون والرهبان ، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
الثاني : أنهم الكتابيون اليهود والنصارى ، قاله سعد بن أبي وقاص .
الثالث : هم أهل حروراء من الخوارج ، وهذا مروي عن علي رضي الله عنه .
الرابع : هم أهل الأهواء .
الخامس : أنهم من يصطنع المعروف ويمن عليه .
ويحتمل سادساً : أنهم المنافقون بأعمالهم المخالفون باعتقادهم .
ويحتمل سابعاً : أنهم طالبو الدنيا وتاركو الآخرة .
قوله تعالى : ) . . . فَلاَ نُقِيمُ لهُمْ يَوْمَ الْقيَامَةِ وَزْناً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : لهوانهم على الله تعالى بمعاصيهم التي ارتكبوها يصيرون محقورين لا وزن لهم .
الثاني : أنهم لخفتهم بالجهل وطيشهم بالسفه صاروا كمن لا وزن لهم . الثالث : أن المعاصي تذهب بوزنهم حتى لا يوازنوا من خفتهم شيئاً . روي عن كعب أنه قال : يجاء بالرجل يوم القيامة . فيوزن بالحبة فلا

صفحة رقم 348
يزنها ، يوزن بجناح البعوضة فلا يزنها ، ثم قرأ : ) فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (
الرابع : أن حسناتهم تُحبَط بالكفر فتبقى سيئاتهم . فيكون الوزن عليهم لا لهم .
( الكهف : ( 107 - 108 ) إن الذين آمنوا . . . . .
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا " ( قوله عز وجل : ) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُم جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ( في ) الْفِرْدَوْسِ ( خمسة أقاويل :
أحدها : أن الفردوس وسط الجنة وأطيب موضع فيها ، قاله قتادة .
الثاني : أنه أعلى الجنة وأحسنها ، رواه ضمرة مرفوعاً .
الثالث : أنه البستان بالرومية ، قاله مجاهد .
الرابع : أنه البستان الذي جمع محاسن كل بستان ، قاله الزجاج .
الخامس : أنه البستان الذي فيه الأعناب ، قاله كعب .
واختلف في لفظه على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه عربي وقد ذكرته العرب في شعرها ، قاله ثعلب .
الثاني : أنه بالرومية ، قاله مجاهد .
الثالث : انه بالنبطية ، فرداساً ، قاله السدي .
الرابع : بالسريانية ، قاله أبو صالح .

صفحة رقم 349
قوله عز وجل : ) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ( أي متحولاً وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بدلاً ، قاله الضحاك .
الثاني : تحويلاً ، قاله مقاتل .
الثالث : حيلة ، أي لا يحتالون منزلاً غيرها .
وقيل إنه يقول أولهم دخولاً إنما أدخلني الله أولهم لأنه ليس أحد أفضل مني ، ويقول آخرهم دخولاً إنما أخرني الله لأنه ليس أحد أعطاه الله مثل ما أعطاني .
( الكهف : ( 109 - 110 ) قل لو كان . . . . .
" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " ( قوله عز وجل : ) قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه وعد بالثواب لمن أطاعه ، ووعيد بالعقاب لمن عصاه ، قاله ابن بحر ومثله ) لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي (
الثاني : أنه العلم بالقرآن ، قاله مجاهد .
الثالث : وهذا إنما قاله الله تعالى تبعيداً على خلقه أن يُحصواْ أفعاله ومعلوماته ، وإن كانت عنده ثابتة محصية .
) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ( .
قوله عز وجل : ) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني فمن كان يخاف لقاء ربه ، قاله مقاتل ، وقطرب .
الثاني : من كان يأمل لقاء ربه .
الثالث : من كان يصدّق بلقاء ربه ، قاله الكلبي .

صفحة رقم 350
وفي لقاء ربه وجهان :
أحدهما : معناه لقاء ثواب ربه ، قاله سعيد بن جبير .
الثاني : من كان يرجو لقاء ربه إقرار منه بالبعث إليه والوقوف بين يديه .
) فليعمل عملاً صالحاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الخالص من الرياء ، قاله ذو النون المصري .
الثاني : أن يلقى الله به فلا يستحي منه ، قاله يحيى بن معاذ .
الثالث : أن يجتنب المعاصي ويعمل بالطاعات .
) ولا يشرك بعباده ربه أحداً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الشرك بعبادته الكفر ، ومعناه لا يعبد معه غيره ، قاله الحسن .
الثاني : أنه الرياء ، ومعناه ولا يرائي بعلمه أحداً ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد .
روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : " أخوف ما أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية " قيل : أتشرك أمتك بعدك ؟ قال : " لا ، أما أنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكنهم يُراءون بعملهم " ، فقيل : يا رسول الله وذلك شرك ؟ فقال : " نعم " قيل : وما الشهوة الخفية ، قال " يصبح أحدهم صائماً فتعرض له الشهوة من شهوات الدنيا فيفطر لها ويترك صومه " .
وحكى الكلبي ومقاتل : أن هذه الآية نزلت في جندب بن زهير العامري أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له : إنما لنعمل العمل نريد به وجه الله فيثنى به علينا فيعجبنا ، وأني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليّ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إنَّ

صفحة رقم 351
الله عزَّ وجلَّ يقول أنا خير شريك فمن أشركني في عمل يعمله لي أحداً من خلقي تركته وذلك الشريك " ونزلت فيه هذه الآية : ) فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ( فتلاها عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن .

صفحة رقم 352
سورة مريم
( مريم : ( 1 - 6 ) كهيعص
" كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " ( قوله تعالى : ) كهيعص ( فيه ستة أقاويل :
أحدها : أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة .
الثاني : أنه اسم من أسماء الله ، قاله علي كرم الله وجهه .
الثالث : أنه استفتاح السورة ، قاله زيد بن أسلم .
الرابع : أن اسم السورة ، قاله لحسن .
الخامس : أنه من حروف الجُمل تفسيرلا إله إلا الله ، لأن الكاف

صفحة رقم 353
عشرون والهاء خمسة والياء عشرة والعين سبعون والصاد تسعون . كذلك عدد حروف لا إله إلا الله ، حكه أبان بن تغلب .
السادس : أنها حروف أسماء الله .
فأما الكاف فقد اختلفوا فيها من أي اسم هي على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها من كبير ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها من كاف ، قاله الضحاك .
الثالث : أنها من كريم ، قاله ابن جبير .
وأما الهاء فإنها من هادٍ عند جميعهم .
وأما الياء ففيها أربعة أقاويل :
أحدها : أنها من يمن ، قاله ابن عباس .
الثاني : من حكيم قاله ابن جبير .
الثالث : أنها من ياسين حكاه سالم .
الرابع : أنها من يا للنداء وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : يا من يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه لما تعقبه من دعاء زكريا .
الثاني : يا من يجير ولا يجار عليه ، قاله الربيع بن أنس . وأما العين ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها من عزيز ، قاله ابن جبير . الثاني : أنها من عالم ، قاله ابن عباس .
الثالث : من عدل ، قاله الضحاك . وأما الصاد فإنها من صادق في قول جميعهم فهذا بيان للقول السادس .
ويحتمل سابعاً : أنها حروف من كلام أغمضت معانيه ونبه على مراده فيه يحتمل أن يكون : كفى وهدى من لا يعص فتكون الكاف من كفى والهاء من هدى

صفحة رقم 354
والباقي حروف يعصى لأن ترك المعاصي يبعث على امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، فصار تركها كافياً من العقاب وهادياً إلى الثواب وهذا أوجز وأعجز من كل كلام موجز لأنه قد جمع في حروف كلمة معاني كلام مبسوط وتعليل أحكام وشروط .
ثم ذكر حال من كفاه وهداه فقال : ) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ ( فذكر رحمته حين أجابه إلى ما سألِه فاحتمل وجهين :
أحدهما : أنه رحمه بإجابته له .
الثاني : أنه إجابة لرحمته له .
قوله تعالى : ) . . . . نِدآءً خَفِيّاً ( [ فيه قولان ] .
أحدهما : قاله ابن جريج ، سراً لا رياء فيه . قال قتادة إن الله يعلم القلب النقي ويسمع الصوت الخفي فأخفى زكريا نداءه لئلا ينسب إلى الرياء فيه .
الثاني : قاله مقاتل ، إنما أخفى لئلا يهزأ الناس به ، فيقولون انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد .
ويحتمل ثالثاً : أن إخفاء الدعاء أخلص للدعاء وأرجى للإِجابة للسنة الواردة فيه : إن الذي تدعونه ليس بأصم .
قوله تعالى : ) . . . إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ( أي ضعف وفي ذكره وهن العظم دون اللحم وجهان : أحدهما : أنه لما وهن العظم الذي هو أقوى كان وهن اللحم والجلد أولى .
الثاني : أنه اشتكى ضعف البطش ، والبطش إنما يكون بالعظم دون اللحم .

صفحة رقم 355
) وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ( هذا من أحسن الاستعارة لأنه قد ينشر فيه الشيب كما ينشر في الحطب شعاع النار .
) وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً ( أي خائباً ، أي كنت لا تخيبني إذا دعوتك ولا تحرمني إذا سألتك .
قوله تعالى : ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ . . . ( فيهم أربعة أقاويل :
أحدها : العصبة ، قاله مجاهد وأبو صالح .
الثاني : الكلالة ، قاله ابن عباس .
الثالث : الأولياء أن يرثوا علمي دون من كان من نسلي قال لبيد :
ومولى قد دفعت الضيم عنه
وقد أمسى بمنزلةِ المُضيمِ
الرابع : بنو العلم لأنهم كانواْ شرار بني إسرائيل .
وسموا موالي لأنهم يلونه في النسب لعدم الصلب .
وفيما خافهم عليه قولان :
أحدهما : أنه خافهم على الفساد في الأرض .
الثاني : أنه خافهم على نفسه في حياته وعلى أشيائه بعد موته .
ويجوز أن يكون خافهم على تبديل الدين وتغييره . روى كثير ابن كلثمة أنه سمع علي بن الحسين عليهما السلام يقرأ : ) وَإِنِّي خِفْتُ ( بالتشديد بمعنى قلّت .
وفي قوله : ) مِن وَرَآءِي ( وجهان :
أحدهما : من قدامي وهو قول الأخفش .
الثاني : بعد موتي ، قاله مقاتل .
قوله تعالى : ) . . فَهَبْ لِي مِن لَّدنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة ، قاله أبو صالح .

صفحة رقم 356
الثاني : يرثني ويرث من آل يعقوب العلم والنبوة ، قاله الحسن .
الثالث : يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق ، قاله عطاء .
الرابع : يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك ، قاله ابن عباس ، فأجابه الله إلى وراثة العلم ويرث من آل يعقوب الملك ، قاله ابن عباس . فأجابه الله إلى وراثة العلم ولم يجبه إلى وارثة الملك . قال الكلبي : وكان آل يعقوب أخواله وهو يعقوب بن ماثان وكان فيهم الملك ، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى . قال مقاتل ويعقوب بن ماثان هو أخو عمران أبي مريم لأن يعقوب وعمران إِبنا ماثان ، فروى قتادة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّآ مَا كَانَ عَلَيهِ مِن وَرثَتِهِ ) . ) وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : مرضياً في أخلاقه وأفعاله .
الثاني : راضياً بقضائك وقدرك .
ويحتمل ثالثاً : أن يريد نبياً .
( مريم : ( 7 ) يا زكريا إنا . . . . .
" يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا " ( قوله تعالى : ) يَا زَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى ( فتضمنت هذه البشرى ثلاثة أشياء :
أحدها : إجابة دعائه وهي كرامة .
الثاني : إعطاؤه الولد وهو قوة .
الثالث : أن يفرد بتسميته . فدل ذلك على أمرين :
أحدهما : اختصاصه به . الثاني : على اصطفائه له . قال مقاتل سماه يحيى لأنه صبي بين أب شيخ وأم عجوز

صفحة رقم 357
) لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيَّاً ( فيه ثلاثة اقاويل :
أحدها : أي لم تلد مثله العواقر ، قاله ابن عباس . فيكون المعنى لم نجعل له مثلاً ولا نظيراً .
الثاني : أنه لم نجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً ، قاله مجاهد .
الثالث : أي لم يسم قبله باسمه أحد ، قاله قتادة .
( مريم : ( 8 - 9 ) قال رب أنى . . . . .
" قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " ( قوله تعالى : ) . . . أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ( أي ولد .
) وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً ( أي لا تلد وفي تسميتها عاقراً وجهان :
أحدهما : لأنها تصير إذا لم تلد كأنها تعقر النسل أي تقطعه .
الثاني : لأن في رحمها عقراً يفسد المني ، ولم يقل ذلك عن شك بعد الوحي ولكن على وجه الاستخبار : أتعيدنا شابين ؟ أو ترزقنا الولد شيخين ؟
) وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتيّاً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني سناً ، قاله قتادة . الثاني : أنه نحول العظم ، قاله ابن جريج .
الثالث : أنه الذي غيره طول الزمان إلى اليبس والجفاف ، قاله ابن عيسى قال الشاعر :
إنما يعذر الوليد ولا يعذر
من كان في الزمان عتياً
قال قتادة : كان له بضع وسبعون سنة وقال مقاتل خمس وتسعون سنة . وقرأ

صفحة رقم 358
ابن عباس : ) عِسِيّاً ( وهي كذلك في مصحف أبي من قولهم للشيخ إذا كبر : قد عسا وعتا ومعناهما واحد .
( مريم : ( 10 - 11 ) قال رب اجعل . . . . .
" قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا " ( قوله تعالى : ) . . . اجْعَل لِّي ءَايَةً ( أي علامة وفيها وجهان :
أحدهما : أنه سأل الله آية تدله على البشرى بيحيى منه لا من الشيطان لأن إبليس أوهمه ذلك ، قاله الضحاك .
الثاني : سأله آية تدله على أن امرأته قد حملت .
) قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه اعتقل لسانه ثلاثاً من غير مرض وكان إذا أراد أن يذكر الله انطلق لسانه وإذا أراد أن يكلم الناس اعتقل ، وكانت هذه الآية ، قاله ابن عباس
الثاني : اعتقل من غير خرس ، قاله قتادة والسدي .
) سَوِيّاً ( فيه تأويلان :
أحدهما : صحيحاً من غير خرس ، قاله قتادة .
الثاني : ثلاث ليال متتابعات ، قاله عطية ، فيكون السوي على الوجه الأول راجعاً إلى لسانه ، وعلى الثاني إلى الليالي .
قوله تعالى : ) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ ( قال ابن جريج أشرف على قومه من المحراب . وفي ) الْمِحْرَابِ ( وجهان :
أحدهما : أنه مصلاة ، قاله ابن زيد .
الثاني : أنه الشخص المنصوب للتوجه إليه في الصلاة .
وفي تسميته محراباً وجهان :

صفحة رقم 359
أحدهما : أنه للتوجه إليه في صلاته كالمُحَارِب للشيطان صلاته .
الثاني : أنه مأخوذ من منزل الأشراف الذي يحارب دونه ذباً عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذباً عنه ومنعاً منه .
) فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشيّاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أوصى إليهم ، قاله ابن قتيبة .
الثاني : أشار إليهم بيده ، قاله الكلبي .
الثالث : كتب على الأرض . والوحي في كلام العرب الكتابة ومنه قول جرير :
كأن أخا اليهود يخط وحياً
بكافٍ من منازلها ولام
) أَنَ سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً ( أي صلواْ بكرة وعشياً ، قاله الحسن وقتادة ، وقيل للصلاة تسبيح لما فيها من التسبيح .
( مريم : ( 12 - 15 ) يا يحيى خذ . . . . .
" يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " ( قوله تعالى : ) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ( وفي قائله قولان :
أحدهما : أنه قول زكريا ليحيى حين نشأ .
الثاني : قول الله ليحيى حين بلغ .
وفي هذا ) الْكِتَابَ ( قولان :
أحدهما : صحف إبراهيم .
الثاني : التوراة .
) بِقُوَّةٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : بجد واجتهاد ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 360
الثاني : العمل بما فيه من أمر والكف عما فيه من نهي ، قاله زيد بن أسلم .
) وَءَاتَينَاهُ الْحُكُمَ صَبِيّاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : اللب ، قاله الحسن .
الثاني : الفهم ، قاله مقاتل .
الثالث : الأحكام والمعرفة بها .
الرابع : الحكمة . قال معمر : إن الصبيان قالوا ليحيى إذهب بنا نلعب فقال ما للعب خلقت ، فأنزل الله ) وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ( . قاله مقاتل وكان ابن ثلاث سنين .
قوله تعالى : ) وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : رحمة من عندنا ، قاله ابن عباس وقتادة ، ومنه قول الشاعر :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض
أي رحمتك وإحسانك .
الثاني : تعطفاً ، قاله مجاهد .
الثالث : محبة ، قاله عكرمة .
الرابع : بركة ، قاله ابن جبير .
الخامس : تعظيماً .
السادس : يعني آتينا تحنناً على العباد .
ويحتمل سابعاً : أن يكون معناه رفقاً ليستعطف به القلوب وتسرع إليه الإِجابة ) وَزَكَاةً ( فيها هنا ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها العمل الصالح الزاكي ، قاله ابن جريج .
الثاني : زكيناه بحسن الثناء كما يزكي الشهود إنساناً .

صفحة رقم 361
الثالث : يعني صدقة به على والديه ، قاله ابن قتيبة . ) وَكَانَ تَقِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما مطيعاً لله ، قاله الكلبي . الثاني : باراً بوالديه ، قاله مقاتل .
( مريم : ( 16 - 21 ) واذكر في الكتاب . . . . .
" واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا " ( قوله تعالى : ) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ( يعني في القرآن ) إِذ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ( فيه وجهان :
أحدهما : انفردت ، قاله قتادة .
الثاني : اتخذت .
) مَكَاناً شَرْقِيّاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ناحية المشرق ، قاله الأخفش ولذلك اتخذت النصارى المشرق قبلة .
الثاني : مشرقة داره التي تظلها الشمس ، قاله عطية .
الثالث : مكاناً شاسعاً بعيداً ، قاله قتادة .
قوله تعالى : ) فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حجاباً من الجدران ، قاله السدي .

صفحة رقم 362
الثاني : حجاباً من الشمس جعله الله ساتراً ، قاله ابن عباس
الثالث : حجاباً من الناس ، وهو محتمل ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنها اتخذت مكاناً تنفرد فيه للعبادة .
الثاني : أنها اتخذت مكاناً تعتزل فيه أيام حيضها .
) فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ( الآية : فيه قولان :
أحدهما : يعني الروح التي خلق منها المسيح حتى تمثل لها بشراً سوياً .
الثاني : أنه جبريل ، قاله الحسن وقتادة ، والسدي ، وابن جريج ، وابن منبه .
وفي تسميته له روحاً وجهان :
أحدهما : لأنه روحاني لا يشوبه شيء غير الروح ، وأضافه إليه بهذه الصفة تشريفاً له .
الثاني : لأنه تحيا به الأرواح .
واختلفوا في سبب حملها على قولين :
أحدهما : أن جبريل نفخ في جيب درعها وكُمِّهَا فَحَمَلَتْ ، قاله ابن جريج ، منه قول أميه بن أبي الصلت :
فأهوى لها بالنفخ في جيب درعها
فألقت سويّ الخلق ليس بتوأم
الثاني : أنه ما كان إلا أن حملت فولدته ، قاله ابن عباس .
واختلفوا في مدة حملها على أربعة أقاويل : أحدها : تسعة أشهر ، قاله الكلبي . الثاني : تسعة أشهر . حكى لي ذلك أبو القاسم الصيمري .
الثالث : يوماً واحداً .
الرابع : ثمانية أشهر ، وكان هذا آية عيسى فإنه لم يعش مولوداً لثمانية أشهر سواه .

صفحة رقم 363
قوله تعالى : ) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ( لأن مريم خافت جبريل على نفسها حين دنا فقالت ) إِنِّي أَعُوذُ ( أي أمتنع ) بِالرَّحْمَنِ مِنكَ ( فاستغاثت بالله في امتناعها منه .
فإن قيل : فلم قالت ) إن كُنتَ تَقِيّاً ( والتقي مأمون وإنما يستعاذ من غير التقي ؟
ففيه وجهان : أحدهما : أن معنى كلامها إن كنت تقياً لله فستمتنع من استعاذتي وتنزجر عني من خوفه ، قاله أبو وائل .
الثاني : أنه كان اسماً لرجل فاجر من بني إسرائيل مشهور بالعهر يُسَمَّى تقياً فخافت أن يكون الذي جاءها هو ذلك الرجل المسمى تقياً الذي لا يأتي إلا للفاحشة فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ، قاله بن عباس .
( مريم : ( 22 - 23 ) فحملته فانتبذت به . . . . .
" فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " ( قوله تعالى : ) فَأجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه ألجأها ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومنه قول الشاعر :
إذ شددنا شدة صادقة
فأجأناكم إلى سفح الجبل
الثاني : معناه فجأها المخاض كقول زهير :
وجارٍ سارَ معتمداً إلينا
أجاءته المخافة والرجاء .
وفي قراءة ابن مسعود ) فَأَوَاهَا (

صفحة رقم 364
) قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها خافت من الناس أن يظنوا بها سوءاً قاله السدي .
الثاني : لئلا يأثم الناس بالمعصية في قذفها .
الثالث : لأنها لم تَرَ في قومها رشيداً ذا فراسة ينزهها من السوء ، قاله جعفر بن محمد رحمهما الله .
) وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : لم أخلق ولم أكن شيئاً ، قاله ابن عباس .
الثاني : لا أعرف ولا يدرى من أنا ، قاله قتادة .
الثالث : النسي المنسي هو السقط ، قاله الربيع ، وأبو العالية .
الرابع : هو الحيضة الملقاة ، قاله عكرمة ، بمعنى خرق الحيض .
الخامس : معناه وكنت إذا ذكرت لم أطلب حكاه اليزيدي . والنسي عندهم في كلامهم ما أعقل من شيء حقير قال الراجز :
89 ( كالنسي ملقى بالجهاد البسبس . ) 89
( مريم : ( 24 - 26 ) فناداها من تحتها . . . . .
" فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " ( قوله تعالى : ) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهآ أَلاَّ تَحْزَنِي ( فيه قولان :
أحدهما : أن المنادي لها من تحتها جبريل ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي .
الثاني : أنه عيسى ابنها ، قاله الحسن ، ومجاهد .
وفي قوله من تحتها وجهان :
أحدهما : من أسفل منها في الأرض وهي فوقه على رأسه ، قاله الكلبي .

صفحة رقم 365
الثاني : من بطنها : قاله بعض المتكلمين ، بالقبطية .
) قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ( فيه قولان :
أحدهما : أن السريّ هو ابنها عيسى ، لأن السري هو الرفيع الشريف مأخوذ من قولهم فلان من سروات قومه أي من أشرافهم ، قاله الحسن ، فعلى هذا يكون عيسى هو المنادي من تحتها ) قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً (
الثاني : أن السريّ هو النهر ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ،

صفحة رقم 366
وقتادة ، والضحاك ، لتكون النخلة لها طعاماً ، والنهر لها شراباً ، وعلى هذا يكون جبريل هو المنادي لها ) قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ( .
الثاني : أنه عربي مشتق من السراية فَسُمِّيَ السريّ لأنه يجري فيه ومنه قول الشاعر :
سهل الخليقة ماجد ذو نائلٍ
مثل السريّ تمده الأنهار
وقيل : إن اسم السري يطلق على ما يعبره الناس من الأنهار وثباً . وروى أبان بن تغلب في تفسيره القرآن خبراً عن عدد لم يسمهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث شداد بن ثمامة مصدقاً لبني كعب بن مذحج وكتب له كتاباً : ( عَلَى مَا سَقَتْهُ المَرَاسِمُ وَالجَدَاوِلُ وَالنَّوَاهِرُ وَالدَّوَافِعُ العُشْرُ وَنِصْفُ العشر بقيمة عَدْلٍ إِلاَّ الضَّوَامَرَ وَاللَّوَاقِحَ وَمَا َأطل الصور من الجفن . وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلاَّ العَقِيلَ وَالأَكِيلَ وَالربِيَّ . ومن كل ثلاثين بقرةً جِذْعٌ أَوْ جِذْعَةٌ إِلاَّ العَاقِرَ وَالنَّاشِطَ وَالرَّاشِحَ . وَمِن كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ المُوَّبلَةِ مُسِنَّةٌ مِنَ الغَنَمِ . وَلاَ صَدَقَةَ فِي الخَيلِ وَلاَ فِي الإِبِلِ العَامِلةِ . شَهِدَ جِرِيرٌ بِن عَبدِ اللَّهِ بن جَابرٍ البَجْلِي وَشَدَّادُ بن ثُمَامَةَ وَكَتَبَ المُغِيرَةُ بن شُعْبةِ ) فالمراسل العيون ، والجداول الأنهار الصغار ، والنواهر الدوالي ، والدوافع الأودية ، والضوامر ما لم تحمل من النخل ، واللواقح الفحول ، والجفن الكرم ، وما أطلاه من الزرع عفو ، والعقيل فحل الغنم والأَيل الذي يُرَبَّى للأكل . والربي التي تربي ولدها والعاقر من البقر التي لا تحمل ، والناشط الفحل الذي ينشط من أرض إلى أرض والراشح الذي يحرث الأرض .
قوله تعالى : ) وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ . . . . ( الآية . اختلف في النخلة . على أربعة أقاويل :

صفحة رقم 367
أحدها : كانت برنية .
الثاني : صرفاتة ، قاله أبو داود .
الثالث : قريناً .
الرابع : عجوة ، قاله مجاهد .
وفي ) الجَنِي ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : المترطب البسر ، قاله مقاتل .
الثاني : البلح لم يتغير ، قاله أبو عمرو بن العلاء .
الثالث : أنه الطري بغباره . وقيل لم يكن للنخلة رأس وكان في الشتاء فجعله الله آية . قال مقاتل فاخضرت وهي تنظر ثم حملت وهي تنظر ثم نضجت وهي تنظر . قوله تعالى : ) فَكُلِي ( يعني من الرطب الجني .
) وَاشْرَبِي ( يعني من السريّ .
) وَقَرِّي عَيْناً ( يعني بالولد ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : جاء يقر عينك سروراً ، قاله الأصمعي ، لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة .
الثاني : طيبي نفساً ، قاله الكلبي .
الثالث : تسكن عينك ولذلك قيل ما شيء خير للنفساء من الرطب والتمر .
) فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ( يعني إما للإِنكار عليك وإما للسؤال لك .
) فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ( فيه تأويلان :
أحدهما : يعني صمتاً ، وقد قرىء في بعض الحروف : ) لِلرَّحَمْنِ صَمْتاً ( وهذا تأويل ابن عباس وأنس بن مالك والضحاك .
الثاني : صوماً عن الطعام والشراب والكلام ، قاله قتادة .

صفحة رقم 368
) فَلَنْ أُكَلَّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أنها امتنعت من الكلام ليتكلم عنها ولدها فيكون فيه براءة ساحتها ، قاله ابن مسعود ووهب بن منبه وابن زيد .
الثاني : أنه كان من صام في ذلك الزمان لم يكلم الناس ، فأذن لها في المقدار من الكلام قاله السدي .
( مريم : ( 27 - 33 ) فأتت به قومها . . . . .
" فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " ( قوله تعالى : ) . . . شَيْئاً فَرِيّاً ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أنه القبيح من الإفتراء ، قاله الكلبي .
الثاني : أنه العمل العجيب ، قاله الأخفش .
الثالث : العظيم من الأمر ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والسدي .
الرابع : أنه المتصنع مأخوذ من الفرية وهو الكذب ، قاله اليزيدي .
الخامس : أنه الباطل .
قوله تعالى : ) يَآ أُخْتَ هَارُونَ . . . ( وفي هذا الذي نسبت إليه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كان رجلاً صالحاً من بني إسرائيل ينسب إليه من يعرف بالصلاح ، قاله مجاهد وكعب ، والمغيرة بن شعبة يرفعه للنبي ( صلى الله عليه وسلم )

صفحة رقم 369
الثاني : أنه هارون أخو موسى فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال يا أخا بني فلان ، قاله السدي .
الثالث : أنه كان أخاها لأبيها وأمها ، قاله الضحاك .
الرابع : أنه كان رجلاً فاسقاً معلناً بالفسق ونسبت إليه ، قاله ابن جبير .
) وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ( أي زانية . وسميت الزانية بغياً لأنها تبغي الزنا أي تطلبه .
قوله تعالى : ) فَأشَارَتْ إِلَيْهِ ( فيه قولان :
أحدهما : أشارت إلى الله فلم يفهموا إشارتها ، قاله عطاء .
الثاني : أنها أشارت إلى عيسى وهو الأظهر ، إما عن وحي الله إليها ، وإما لثقتها بنفسها في أن الله تعالى سيظهر براءتها ، فأشارت إلى الله إليها ، فأشارت إلى عيسى أن كلموه فاحتمل وجهين :
أحدهما : أنها أحالت الجواب عليه استكفاء .
الثاني : أنها عدلت إليه ليكون كلامه لها برهاناً ببراءتها .
) قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ ( وفي ) كَانَ ( في هذا الموضع وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى يكون تقديره من يكون في المهد صبياً قاله ابن الأنباري .
الثاني : أنها صلة زائدة وتقديره من هو في المهد ، قاله ابن قتيبة .
وفي ) الْمَهْدِ ( وجهان :
أحدهما : أنه سرير الصبي المعهود لمنامه .

صفحة رقم 370
الثاني : إنه حجرها الذي تربيه فيه ، قاله قتادة . وقيل إنهم غضبوا وقالوا : لسخريتها بنا أعظم من زناها ، قاله السدي . فلما تكلم قالوا : إن هذا لأمر عظيم .
) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ( وإنما قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من ادعى فيه الربوبية وكان الله هو الذي أنطقه بذلك لعلمه بما يتقوله الغالون فيه .
) ءَآتَانِيَ الْكِتَابَ ( أي سيؤتيني الكتاب .
) وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : وسيجعلني نبياً ، والكلام في المهد من مقدمات نبوته .
الثاني : أنه كان في حال كلامه لهم في المهد نبياً كامل العقل ولذلك كانت له هذه المعجزة ، قاله الحسن . وقال الضحاك : تكلم وهو ابن أربعين . [ يوماً ] .
قوله تعالى : ) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : نبياً ، قاله مجاهد .
الثاني : آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر .
الثالث : معلماً للخير ، قاله سفيان .
الرابع : عارفاً بالله وداعياً إليه .
) وأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ ( فيها وجهان :
أحدهما : الدعاء والإِخلاص . الثاني : الصلوات ذات الركوع والسجود .
ويحتمل ثالثاً : أن الصلاة الإِستقامة مأخوذ من صلاة العود إذا قوّم اعوجاجه بالنار .
) وَالزَّكَاة . . ( فيها وجهان :
أحدهما : زكاة المال .
الثاني : التطهير من الذنوب .

صفحة رقم 371
ويحتمل ثالثاً : أن الزكاة الاستكثار من الطاعة ، لأن الزكاة في اللغة النماء والزيادة . قوله تعالى : ) وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي ( يحتمل وجهين : أحدهما : بما برأها به من الفاحشة .
الثاني : بما تكفل لها من الخدمة .
) وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الجبار الجاهل بأحكامه ، الشقي المتكبر عن عبادته .
الثاني : أن الجبار الذي لا ينصح ، والشقي الذي لا يقبل النصيحة .
ويحتمل ثالثاً : أن الجبار الظالم للعباد ، والشقي الراغب في الدنيا .
قوله تعالى : ) وَالْسَّلاَمُ عَلَيَّ . . . ( الآية . فيه وجهان :
أحدهما : يعني بالاسلام السلامة ، يعني في الدنيا ، ) وَيَوْمَ أَمُوتُ ( يعني في القبر ، ) وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيَّاً ( يعني في الآخرة ، لأن له أحوالاً ثلاثاً : في الدنيا حياً ، وفي القبر ميتاً ، وفي الآخرة مبعوثاً ، فسلم في أحواله كلها ، وهو معنى قول الكلبي .
الثاني : يعني بالسلام ) يَوْمَ وُلِدتُّ ( سلامته من همزة الشيطان فإنه ليس مولود يولد إلا همزه الشيطان وذلك حين يستهل ، غير عيسى فإن الله عصمه منها . وهو معنى قوله تعالى : ) وَإِنِّي أُعِذُهَا وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( ) وَيَوْْمَ أَمُوتُ ( يعني سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض ) وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ( لم أر فيه على هذا الوجه ما يُرضي .

صفحة رقم 372
ويحتمل أن تأويله على هذه الطريقة سلامته من العرض والحساب لأن الله ما رفعه إلى السماء إلا بعد خلاصه من الذنوب والمعاصي .
قال ابن عباس ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان .
( مريم : ( 34 - 37 ) ذلك عيسى ابن . . . . .
" ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم " ( قوله تعالى : ) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الحق هو الله تعالى .
الثاني : عيسى وسماه حقاً لأنه جاء بالحق .
الثالث : هو القول الذي قاله عيسى من قبل .
) الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : يشكّون ، قاله الكلبي .
الثاني : يختلفون لأنهم اختلفوا في الله وفي عيسى ، فقال قوم هو الله ، وقال آخرون هو ابن الله ، وقال آخرون هو ثالث ثلاثة . وهذه الأقاويل الثلاثة للنصارى .
وقال المسلمون : هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم .
ونسبته اليهود إلى غير رشدة فهذا معنى قوله : ) الَّذِي فِيهِ تَفْتَرُونَ ( بالفاء معجمة من فوق .

صفحة رقم 373
قال ابن عباس ففرّ بمريم ابن عمها معها ابنها إلى مصر فكانواْ فيها اثنتي عشرة سنة حتى مات الملك الذي كانوا يخافونه .
( مريم : ( 38 - 45 ) أسمع بهم وأبصر . . . . .
" أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا " ( قوله تعالى : ) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني لئن كانوا في لدنيا صماً عمياً عن الحق فما أسمعهم له وأبصرهم به في الآخرة يوم القيامة ، قاله الحسن ، وقتادة .
الثاني : أسمع بهم اليوم وأبصر كيف يصنع بهم يوم القيامة يوم يأتوننا ، قاله أبو العالية .
ويحتمل ثالثا : أسمع أمَّتَك بما أخبرناك من حالهم فستبصر يوم القيامة ما يصنع بهم .
قوله تعالى : ) وَأَنذرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ( فيه وجهان :
أحدهما : يوم القيامة إذا قضي العذاب عليهم ، قاله الكلبي .

صفحة رقم 374
الثاني : يوم الموت إذ قضى الموت انقطاع التوبة واستحقاق الوعيد ، قاله مقاتل .
( مريم : ( 46 - 48 ) قال أراغب أنت . . . . .
" قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا " ( قال تعالى : ) . . . لأَرْجُمَنَّكَ ( فيه وجهان :
أحدهما : بالحجارة حتى تباعد عني ، قاله الحسن .
الثاني : لأرجمنك بالذم باللسان والعيب بالقول ، قاله الضحاك ، والسدي ، وابن جريج .
) وَاهْجُرنِي مَلِيّاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : دهراً طويلاً ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وابن جبير ، والسدي ، ومنه قول مهلهل .
فتصدعت صم الجبال لموته
وبكت عليه المرملات ملياً
الثاني : سوياً سليماً من عقوبتي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء .
الثالث : حيناً ، قاله عكرمة .
قوله تعالى : ) قَالَ سَلاَمٌ عَلَيكَ ( هذا سلام إبراهيم على أبيه ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه سلام توديع وهجر لمقامه على الكفر ، قاله ابن بحر .

صفحة رقم 375
الثاني : وهو أظهر أنه سلام بر وإكرام ، فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة وشكراً لسالف التربية .
ثم قال : ) سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ( وفيه وجهان :
أحدهما : سأستغفر لك إن تركت عبادة الأوثان .
الثاني : معناه سأدعوه لك بالهداية التي تقتضي الغفران . ) إنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : مُقَرِّباً .
الثاني : مُكْرِماً .
الثالث : رحيماً ، قاله مقاتل .
الرابع : عليماً ، قاله الكلبي .
الخامس : متعهداً .
( مريم : ( 49 - 50 ) فلما اعتزلهم وما . . . . .
" فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا " ( قوله تعالى : ) . . . وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : جعلنا لهم ذكراً جميلاً وثناءً حسناً ، قاله ابن عباس ، وذلك أن جمع الملك بحسن الثناء عليه .
الثاني : جعلناهم رسلاً لله كراماً على الله ، ويكون اللسان بمعنى الرسالة : قال الشاعر :
أتتني لسان بني عامر
أحاديثهما بعد قول ونكر .
ويحتمل قولاً [ ثالثاً ] أن يكون الوفاء بالمواعيد والعهود .
( مريم : ( 51 - 53 ) واذكر في الكتاب . . . . .
" واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " (

صفحة رقم 376
قوله تعالى : ) وَنَادَينَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ( والطور جبل بالشام ناداه الله من ناحيته اليمنى . وفيه وجهان :
أحدهما : من يمين موسى . الثاني : من يمين الجبل ، قاله مقاتل .
) وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قربه من الموضع الذي شرفه وعظمه بسماع كلامه .
الثاني : أنه قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم ، قاله ابن عباس ، وقال غيره : حتى سمع صرير القلم الذي كتب به التوراة .
الثالث : أنه قربه تقريب كرامة واصطفاء لا تقريب اجتذاب وإدناء لأنه لا يوصف بالحلول في مكان دون مكان فيقرب من بعد أو يبعد من قرب ، قاله ابن بحر .
وفي قوله : ) نَجِيّاً ( ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مأخوذ من النجوى ، والنجوى لا تكون إلا في الخلوة ، قاله قطرب .
الثاني : نجاه لصدقه مأخوذ من النجاة .
الثالث : رفعه بعد التقريب مأخوذ من النجوة وهو الإِرتفاع ، قال الحسن لم يبلغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئاً .
( مريم : ( 54 - 55 ) واذكر في الكتاب . . . . .
" واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا " ( قوله تعالى : ) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ( وصفه بصدق الوعد لأنه وعد رجلاً أن ينتظره ، قال ابن عباس : حولاً حتى أتاه . وقال يزيد الرقاشي : انتظره اثنين وعشرين يوماً . وقال مقاتل : انتظره ثلاثة أيام .

صفحة رقم 377
) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ ( فيه وجهان :
أحدهما : يأمر قومه فسماهم أهله .
الثاني : أنه بدأ بأهله قبل قومه . وفي الصلاة والزكاة ما قدمناه . وهو على قوله الجمهور : إسماعيل بن إبراهيم . وزعم بعض المفسرين أنه ليس بإسماعيل بن إبراهيم لأن إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإن هذا هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إل قومه فسلخوا جلدة رأسه ، فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه أو عقوبته .
( مريم : ( 56 - 57 ) واذكر في الكتاب . . . . .
" واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا " ( قوله تعالى : ) . . . . وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ( فيه قولان :
أحدهما : أن إدريس رفع إلى السماء الرابعة ، وهذا قول أنس بن مالك في حديث مرفوع ، وأبي سعيد الخدري ، وكعب ، ومجاهد .
الثاني : رفعه إلى السماء السادسة ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وهو مرفوع في السماء .

صفحة رقم 378
واختلفوا في موته فيها على قولين :
أحدهما : أنه ميت فيها ، قاله مقاتل وقيل أنه مات بين السماء الرابعة والخامسة .
الثاني : أنه حيّ فيها لم يمت مثل عيسى . روى ابن إسحاق أن إدريس أول من أُعْطِي النبوة من ولد آدم وأول من خط بالقلم ، وهو أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم . وحكى ابن الأزهر عن وهب بن منبه أن إدريس أول من اتخذ السلاح وجاهد في سبيل الله وسبى ، ولبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود ، وأول من وضع الأوزان والكيول ، وأقام علم النجوم ، والله أعلم .
( مريم : ( 58 ) أولئك الذين أنعم . . . . .
" أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا " ( قوله تعالى : ) . . . خَرّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ( أي سُجّداً لله ، وبكياً جمع باك ، ليكون السجود رغبة والبكاء رهبة . وقد روي في الحديث : ( فَهذَا السُّجُودُ فَأَينَ البُكَاءُ ؟ ) يعني هذه الرغبة فأين الرهبة ؟ لأن الطاعة لا تخلص إلا بالرغبة والرهبة .
( مريم : ( 59 - 60 ) فخلف من بعدهم . . . . .
" فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا " (

صفحة رقم 379
قوله تعالى : ) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ( الآية . في الفرق بين الخلْف بتسكين اللام والخلف بتحريكها وجهان :
أحدهما : أنه بالفتح إذا خلفه من كان من أهله ، وبالتسكين إذا خلفه من ليس من أهله .
الثاني : أن الخلْف بالتسكين مستعمل في الذم ، وبالفتح مستعمل في المدح قال لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلفٍ كجلد الأجْرب
وفي هذا الخلف قولان :
أحدهما : أنهم اليهود من بعد ما تقدم من الأنبياء ، قاله مقاتل . الثاني : أنهم من المسلمين .
فعلى هذا في قوله ) من بَعْدِهِم ( قولان :
أحدهما : من بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، من عصر الصحابة وإلى قيام الساعة كما روى الوليد بن قيس حكاه إبراهيم عن عبيدة .
الثاني : إنهم من بعد عصر الصحابة . روى الوليد بن قيس عن أبي سعيد قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يَكُونُ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً ) خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ( ) . الآية .
وفي إضاعتهم الصلاة قولان :
أحدهما : تأخيرها عن أوقاتها ، قال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز .
الثاني : تركها ، قاله القرظي .
ويحتمل ثالثاً : أن تكون إضاعتها الإِخلال باستيفاء شروطها .

صفحة رقم 380
) فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً ( فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه واد في جهنم ، قالته عائشة وابن مسعود .
الثاني : أنه الخسران ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه الشر ، قاله ابن زيد .
الرابع : الضلال عن الجنة . الخامس : الخيبة ، ومنه قول الشاعر :
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره
ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً
من يغو : أي من يخب .
( مريم : ( 61 - 63 ) جنات عدن التي . . . . .
" جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا " ( قوله تعالى : ) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ( فيه وجهان :
أحدهما : الكلام الفاسد .
الثاني : الخلف ، قاله مقاتل .
) إلاَّ سَلاَماً ( فيه وجهان :

صفحة رقم 381
أحدهما : إلا السلامة .
الثاني : تسليم الملائكة عليهم ، قاله مقاتل .
) وَلَهُمْ رَزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشيًّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أن العرب إذا أصابت الغداء والعشاء نعمت ، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة غداء وعشاء ، وإن لم يكن في الجنة ليل ولا نهار .
الثاني : معناه مقدار البكرة ومقدار العشي من أيام الدنيا ، قاله ابن جريج . وقيل إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب ، ومقدار النهار . برفع الحجب وفتح الأبواب .
ويحتمل أن تكون البكرة قبل تشاغلهم بلذاتهم ، والعشي بعد فراغهم من لذاتهم ، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال .
( مريم : ( 64 - 65 ) وما نتنزل إلا . . . . .
" وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا " ( قوله تعالى : ) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه قول أهل الجنة : إننا لا ننزل موضعاً من الجنة إلا بأمر الله ، قاله ابن بحر .
الثاني : أنه قول جبريل عليه السلام ، لما ذكر أن جبريل أبطأ على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) باثنتي عشرة ليلة ، فلما جاءه قال : ( غِبْتَ عَنِّي حَتَّى ظَنَّ المُشْرِكُونَ كلَّ ظَنٍ ) . فنزلت ) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ ربِّكَ (
ويحتمل وجهين :
أحدهما : إذا أُمِرْنَا نزلنا عليك .

صفحة رقم 382
الثاني : إذا أَمَرَكَ ربك نَزَّلَنا عليك الأمر على الوجه الأول متوجهاً إلى النزول ، وعلى الثاني متوجهاً إلى التنزيل .
) لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا ( فيه قولان :
أحدهما : ) مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ( من الآخرة ، ) وَمَا خَلْفَنَا ( من الدنيا .
) وَمَا بَيْنَ ذلِكَ ( يعني ما بين النفختين ، قاله قتادة .
والثاني : ) مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ( أي ما مضى أمامنا من الدنيا ، ) وَمَا خَلْفَنَا ( ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة . ) وَمَا بَيْن ذلِكَ ( ما مضى من قبل وما يكون من بعد ، قاله ابن جرير .
ويحتمل ثالثاً : ) مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ( : السماء ، ) وَمَا خلْفَنَا ( : الأرض . ) وَمَا بَيْنَ ذلِكَ ( ما بين السماء والأرض .
) وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أي ما نسيك ربك .
الثاني : وما كان ربك ذا نسيان .
قوله عز وجل : ) . . . . هَل تعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني مِثْلاً وشبيهاً ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، مأخوذ من المساماة .
الثاني : أنه لا أحد يسَمى بالله غيره ، قاله قتادة ، والكلبي .
الثالث : أنه لا يستحق أحد أن يسمى إلهاً غيره .
الرابع : هل تعلم له من ولد ، قاله الضحاك ، قال أبو طالب :
أمّا المسمى فأنت منه مكثر
لكنه ما للخلود سبيلُ
( مريم : ( 66 - 70 ) ويقول الإنسان أئذا . . . . .
" ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا

صفحة رقم 383
خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا " ( قوله عز وجل : ) . . . حَوْلَ جَهَنَّمَ ( فيها قولان :
أحدهما : أن جهنم اسم من أسماء النار .
الثاني : أنه إسم لأعمق موضع في النار ، كالفردوس الذي هو اسم لأعلى موضع في الجنة .
) جِثِيّاً ( فيه قولان :
أحدهما : [ جماعات ] ، قاله الكلبي والأخفش .
الثاني : بُروكاً على الرُّكَب ، قاله عطية .
قوله عز وجل : ) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ ( الشيعة الجماعة المتعاونون . قال مجاهد : والمراد بالشيعة الأمة لاجتماعهم وتعاونهم .
وفي ) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ ( وجهان :
أحدهما : لننادين ، قاله ابن جريج .
الثاني : لنستخرجن ، قاله مقاتل .
) عِتِيّاً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أهل الإِفتراء بلغة بني تميم ، قاله بعض أهل اللغة .
الثاني : جرأة ، قاله الكلبي .
الثالث : كفراً ، قاله عطية .
الرابع : تمرداً .
الخامس : معصية .
قوله عز وجل : ) . . . أَوْلَى بِهَا صليّاً ( فيه وجهان :

صفحة رقم 384
أحدها : دخولاً ، قاله الكلبي .
الثاني : لزوماً .
( مريم : ( 71 - 72 ) وإن منكم إلا . . . . .
" وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " ( قوله عز وجل : ) وَإِنّ مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ( فيه قولان :
أحدهما : يعني الحمى والمرض ، قاله مجاهد . روى أبو هريرة قال : خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعود رجلاً من أصحْابه فيه وعك وأنا معه ، فقال رسول الله : ( أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : هِي نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي المُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ ) أي في الآخرة .
الثاني : يعني جهنم . ثم فيه قولان :
أحدهما : يعني بذلك الكافرين يردونها دون المؤمن ؛ قاله عكرمة ويكون قوله : ) وَإِن مِّنْكُمْ ( أي منهم كقوله تعالى : ) وَسَقَاهُم رَبُّهُم شَرَاباً طَهُوراً ( ثم قال : ) إِنَّ هذَا كَانَ لَكُم جَزَاءً ( أي لهم .
الثاني : أنه أراد المؤمن والكافر . روى ابن زيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( الزَّالُّونَ وَالزَّالاَّت يَومَئذٍ كَثِيرٌ ) وفي كيفية ورودها قولان :

صفحة رقم 385
أحدهما : الدخول فيها . قال ابن عباس : ليردنها كل بر وفاجر . لكنها تمس الفاجر دون البر . قال وكان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالماً ، وأدخلني الجنة عالماً .
والقول الثاني : أن ورود المسلم عليها الوصول إليها ناظراً لها ومسروراً بالنجاة منها ، قاله ابن مسعود ، وذلك مثل قوله تعالى : ) وَلَمَّا وَرَدَ مَآء مَدْيَنَ ( " [ القصص : 23 ] أي وصل . وكقول زهير بن أبي سلمى :
ولما وردن الماء زُرْقاً جِمامُه
وضعن عِصيَّ الحاضر المتخيمِ
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن يكون المراد بذلك ورود عرضة القيامة التي تجمع كل بر وفاجر :
) كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ( فيه تأويلان :
أحدهما : قضاء مقتضياً ، قاله مجاهد . الثاني : قسماً واجباً ، قاله ابن مسعود .
( مريم : ( 73 - 74 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا " ( قوله عز وجل : ) . . . أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً ( فيه وجهان :
أحدهما : منزل إقامة في الجنة أو النار .
والثاني : يعني كلام قائم بجدل واحتجاج أي : أمّن فلجت حجته بالطاعة

صفحة رقم 386
خير أم من دحضت حجته بالمعصية ، وشاهده قول لبيد :
ومقام ضيق فرجتهْ
بلساني وحسامي وجدل
) وَأحْسَنُ نَدِيّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أفضل مجلساً .
الثاني : أوسع عيشاً .
ويحتمل ثالثاً : أيهما خير مقاماً في موقف العرض ، من قضى له بالثواب أو العقاب ؟
) وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ( منزل إقامة في الجنة أو في النار ، وقال ثعلب : المقام بضم الميم : الإِقامة ، وبفتحها المجلس .
قوله تعالى : ) أَثَاثاً وَرِءْيَاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الأثاث : المتاع ، والرئي : المنظر ، قاله ابن عباس . قال الشاعر :
أشاقت الظعائن يوم ولوا
بذي الرئي الجميل من الأثاث .
الثاني : أن الأثاث ما كان جديداً من ثياب البيت ، والرئي الارتواء من النعمة .
الثالث : الأثاث ما لا يراه الناس . والرئي ما يراه الناس .
الرابع : معناه أكثر أموالاً وأحسن صوراً .
ويحتمل خامساً : أن الأثاث ما يعد للاستعمال ، والرئي ما يعد للجمال .
( مريم : ( 75 - 76 ) قل من كان . . . . .
" قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا " ( قوله تعالى : ) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوُاْ هُدىً ( فيه وجهان :

صفحة رقم 387
أحدهما : يزيدهم هدى بالمعونة في طاعته والتوفيق لمرضاته .
الثاني : الإِيمان بالناسخ والمنسوخ ، قاله الكلبي ومقاتل ، فيكون معناه : ويزيد الله الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ .
ويحتمل ثالثاً : ويزيد الله الذين اهتدوا إلى طاعته هدى إلى الجنة .
( مريم : ( 77 - 80 ) أفرأيت الذي كفر . . . . .
" أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " ( قوله عز وجل : ) أَفَرَءَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بَئَآياتِنَا . . . ( اختلف فيمن نزلت هذه الآية فيه على قولين :
أحدهما : في العاص بن وائل السهمي ، قاله جبار وابن عباس ومجاهد .
الثاني : في الوليد بن المغيرة ، قاله الحسن .
) . . . مَالاً وَوَلَداً ( قرأ حمزة والكسائي ) ووُلْداً ( بضم الواو ، وقرأ الباقون بفتحها ، فاختلف في ضمها وفتحها على وجهين :
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد ، يقال ولَدَ ووُلْد ، وعَدَم وعُدْم ، وقال الحارث ابن حلزة .
ولقد رأيت معاشراً
قد ثمَّروا مالاً ووُلْدا
والثاني : أن قيساً الوُلْد بالضم جميعاً ، والولد بالفتح واحداً .

صفحة رقم 388
وفي قوله تعالى : ) لأُتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً ( وجهان :
أحدهما : أنه أراد في الجنة استهزاء بما وعد الله على طاعته وعبادته ، قاله الكلبي .
الثاني : أنه أراد في الدنيا ، وهو قول الجمهور . وفيه وجهان محتملان :
أحدهما : إن أقمت على دين آبائي وعبادة ألهتي لأوتين مالاً وولداً .
الثاني : معناه لو كنت أقمت على باطل لما أوتيت مالاً وولداً .
) أطَّلَعَ الْغَيْبَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : معناه أعلم الغيب أنه سيؤتيه على كفره مالاً وولداً .
الثاني : أعلم الغيب لما آتاه الله على كفره .
) أمِ أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَن عَهْداً ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني عملاً صالحاً قدمه ، قاله قتادة .
الثاني : قولاً عهد به الله إليه ، حكاه ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) وَنَرِثُه مَا يَقُولُ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الله يسلبه ما أعطاه في الدنيا من مال وولد .
الثاني : يحرمه ما تمناه في الآخرة من من مال وولد .
) وَيَأْتِينَا فَرْداً ( فيه وجهان :
أحدهما : بلا مال ولا ولد .
الثاني : بلا ولي ولا ناصر .
( مريم : ( 81 - 84 ) واتخذوا من دون . . . . .
" واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا " (

صفحة رقم 389
قوله عز وجل : ) . . . سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : سيجحدون أن يكونوا عبدوها لما شاهدوا من سوء عاقبتها .
الثاني : سيكفرون بمعبوداتهم ويكذبونهم .
) وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أعواناً في خصومتهم ، قاله مجاهد .
الثاني : قرناء في النار يلعنونهم ، قاله قتادة .
الثالث : يكونون لهم أعداء ، قاله الضحاك .
الرابع : بلاء عليهم ، قاله ابن زيد .
الخامس : أنهم يكذبون على ضد ما قدروه فيهم وأمّلوه منهم ، قاله ابن بحر .
قوله عز وجل : ) تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تزعجهم إزعاجاً حتى توقعهم في المعاصي ، قاله قتادة .
الثاني : تغويهم إغواء ، قاله الضحاك .
الثالث : تغريهم إغراء بالشر : إمض إمض في هذا الأمر حتى توقعهم في النار ، قاله ابن عباس .
قوله عز وجل : ) . . . إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : نعد أعمالهم عداً ، قاله قطرب .
الثاني : نعد أيام حياتهم ، قاله الكلبي .
الثالث : نعد مدة إنظارهم إلى وقت الإِنتقام منهم بالسيف والجهاد ، قاله مقاتل .
( مريم : ( 85 - 87 ) يوم نحشر المتقين . . . . .
" يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " ( ) . . . وَفْداً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ركباناً ، قاله الفراء .
الثاني : جماعة ، قاله الأخفش .

صفحة رقم 390
الثالث : زوّاراً ، قاله ابن بحر .
قوله عز وجل : ) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مشاة ، قاله الفراء .
الثاني : عطاشاً .
الثالث : أفراداً .
) إلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحَمنِ عَهْداً ( فيه وجهان :
أحدهما : . . .
( مريم : ( 88 - 95 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
" وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " ( ) شَيْئاً إِدّاً ( فيه وجهان :
أحدهما : منكراً ، قاله ابن عباس .
الثاني : عظيماً ، قاله مجاهد . قال الراجز :
89 ( في لهث منه وحبك إدّ ) 89
( مريم : ( 96 - 98 ) إن الذين آمنوا . . . . .
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا " ( قوله تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمنُ وُدّاً ( فيه وجهان :

صفحة رقم 391
أحدهما : حباً في الدنيا مع الأبرار ، وهيبة عند الفجار .
الثاني : يحبهم الله ويحبهم الناس ، قال الربيع بن أنس : إذا أحب الله عبداً ألقى له المحبة في قلوب أهل السماء ، ثم ألقاها في قلوب أهل الأرض .
ويحتمل ثالثاً : أن يجعل لهم ثناء حسناً . قال كعب : ما يستقر لعبد ثناء في الدنيا حتى يستقر من أهل السماء . وحكى الضحاك عن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه جعل له ودّاً في قلوب المؤمنين .
قوله عز وجل : ) قَوْماً لُّدّاً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فجّاراً ، قاله مجاهد .
الثاني : أهل إلحاح في الخصومة ، مأخوذ من اللدود في الأفواه ، فلزومهم الخصومة بأفواههم كحصول اللدود في الأفواه ، قاله ابن بحر .
قال الشاعر :
بغوا لَدَدَي حَنقاً عليَّ كأنما
تغلي عداوة صدرهم في مِرجل
الثالث : جدالاً بالباطل ، قاله قتادة ، مأخوذ من اللدود وهو شديد الخصومة . قال الله تعالى : ) وَهُوَ الْخِصَامِ ( وقال الشاعر :
أبيت نجياً للهموم كأنني
أخاصم أقواماً ذوي جدلٍ لُدّا
قوله عز وجل : ) وِكْزَاً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : صوتاً ، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك .
الثاني : حِسّاً ، قاله ابن زيد .
الثالث : أنه ما لا يفهم من صوت أو حركة ، قاله اليزيدي .

صفحة رقم 392
سورة طه
( طه : ( 1 - 8 ) طه
" طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى " ( قوله عز وجل : ) طه ( فيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه بالسريانية يا رجل ؛ قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وحكى الطبري : أنه بالنبطية يا رجل ؛ وقاله ابن جبير ، والسدي كذلك .
وقال الكلبي : هو لغة عكل ، وقال قطرب : هو بلغة طيىء وأنشد ليزيد بن مهلهل :
إن السفاهة ( طه ) من خليقتكم
لا قدس الله أرواح الملاعين

صفحة رقم 393
الثاني : أنه اسم من أسماء الله تعالى وَقَسَمٌ أَقْسَمَ بِِهِ ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً .
الثالث : أنه اسم السورة ومفتاح لها .
الرابع : أنه اختصار من كلام خص الله رسوله بعلمه .
الخامس : أن حروف مقطعه يدل كل حرف منها على معنى .
السادس : معناه : طوبى لمن اهتدى ، وهذا قول محمد الباقر بن علي زين العابدين رحمهما الله .
السابع : معناه طَإِ الأَرْضَ بقدمك ، ولا تقم على إحدى رجليك يعني في الصلاة ، حكاه ابن الأنباري .
ويحتمل ثامناً : أن يكون معناه طهّر ، ويحتمل ما أمره بتطهيره وجهين :
أحدهما : طهر قلبك من الخوف .
والثاني : طهر أُمَّتَك من الشرك .
قوله تعالى : ) مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْْءَانَ لِتَشْقَى ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالتعب والسهر في قيام الليل ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه جواب للمشركين لما قالواْ : إنه بالقرآن شقى ، قاله الحسن .
الثالث : معناه لا تشْقِ بالحزن والأسف على كفر قومك ، قاله ابن بحر .
قوله تعالى : ) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ( فيه وجهان :
أحدهما : إلا إنذاراً لمن يخشى الله .
والثاني : إلا زجراً لمن يتقي الذنوب .
والفرق بين الخشية والخوف : أن الخوف فيما ظهرت أسبابه والخشية فيما لم تظهر أسبابه .

صفحة رقم 394
قوله عز وجل : ) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : له ملك السموات والأرض .
الثاني : له تدبيرها .
الثالث : له علم ما فيها .
وفي ) . . . الثَّرَى ( وجهان :
أحدها : كل شيء مُبْتلّّ ، قاله قتادة .
الثاني : أنه التراب في بطن الأرض ، قاله الضحاك .
الثاني : أنها الصخرة التي تحت الأرض السابعة ، وهي صخرة خضراء وهي سجِّين التي فيها كتاب الفجار ، قاله السدي .
قوله عز وجل : ) وَإِن تَجْهَرْ بَالْقَوْلِ ( فم حاجتك إلى الجهر ؟ لأن الله يعلم بالجهر وبالسر .
) فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأخْفَى ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : أن ( السِّرَّ ) ما حدَّث به العبد غيره في السر . ( وأَخْفَى ) ما أضمره في نفسه ، ولم يحدّث به غيره ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن السر ما أَضمره العبد في نفسه . وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه قاله قتادة وسعيد بن جبير .
الثالث : يعلم أسرار عباده ، وأخفى سر نفسه عن خلقه ، قاله ابن زيد .
الرابع : أن السر ما أسره الناس ، وأخفى : الوسوسة ، قاله مجاهد .
الخامس : أن السر ما أسره من علمه وعمله السالف ، وأخفى : وما يعلمه من عمله المستأنف ، وهذا معنى قول الكلبي .
السادس : السر : العزيمة ، وما هو أخفى : هو الهم الذي دون العزيمة .
( طه : ( 9 - 10 ) وهل أتاك حديث . . . . .
" وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى " (

صفحة رقم 395
قوله تعالى : ) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ( أي قد أتاك حال موسى فيما اجتباه ربه لنبوته وحمله من رسالته . واحتمل ذلك أن يكون ذلك بما قصه عليه في هذا الموضع ، واحتمل أن يكون بما عرفه في غيره .
) إِذْ رَءَا نَاراً ( وكانت عند موسى ناراً ، وعند الله نوراً ، قال مقاتل : وكانت ليلة الجمعة في الشتاء .
) فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ ( أي أقيموا . والفرق بين المكث والإقامة أن الإقامة تدوم والمكث لا يدوم .
) إِنِّي أَنَسْتُ نَاراً ( فيه وجهان :
أحدهما : رأيت ناراً .
والثاني : إني آنست بنار .
) لَّعَلِّي ءَآتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ ( أي بنار تصطلون بها .
) أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً ( فيه وجهان :
أحدهما : هادياً يهديني الطريق ، قاله قتادة .
والثاني : علامة أستدل بها على الطريق . وكانوا قد ضلوا عنه فمكثوا بمكانهم بعد ذهاب موسى ثلاثة أيام حتى مر بهم راعي القرية فأخبره بمسير موسى ، فعادوا مع الراعي إلى قريتهم وأقامواْ بها أربعين سنةً حتى أنجز موسى أمر ربه .
( طه : ( 11 - 16 ) فلما أتاها نودي . . . . .
" فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما

صفحة رقم 396
تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى " ( قوله تعالى : ) فلمَّآ أتَاهَا ( يعني النار ، التي هو نور ) نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ ( وفي هذا النداء قولان :
أحدهما : أنه تفرد بندائه .
الثاني : أن الله أنطق النور بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه ، فصار نداء منه أعلمه به ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره فقدم تأديبه بقوله : ) فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ( الآية . وفي أمرْه بخلعهما قولان :
أحدهما : ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس ، قاله علي بن أبي طالب ، والحسن ، وابن جريج .
والثاني : لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت ، قاله كعب ، وعكرمة ، وقتادة .
) إِنَكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن المقدس هو المبارك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .
والثاني : أنه المطهر ، قاله قطرب ، وقال الشاعر :
وأنت وصول للأقارب مدره
برىء من الآفات من مقدس
وفي ) طُوىً ( خسمة تأويلات :
أحدها : أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلاً فطواه ، قاله ابن عباس .
الثاني : سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين . وطوى في كلامهم بمعنى مرتين ، لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها .
الثالث : بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين ، قاله الحسن .

صفحة رقم 397
الرابع : أن معنى طوى : طَإِ الوادي بقدمك ، قاله مجاهد .
الخامس : أنه الاسم للوادي قديماً ، قاله ابن زيد :
فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي .
قوله تعالى : ) وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : وأقم الصلاة لتذكرني فيها ، قاله مجاهد .
والثاني : وأقم الصلاة بذكري ، لأنه لا يُدْخَلُ في الصلاة إلا بذكره .
الثالث : وأقم الصلاة حين تذكرها ، قاله إبراهيم . وروى سعيد بن المسيب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( مَنْ نَسِيَ صَلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ) قال تعالى : ) وَأَقِمِ الصَلاَةَ لِذَكرِي ( .
قوله تعالى : ) أكَادُ أُخْفِيهَا ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أي لا أظهر عليها أحداً ، قاله الحسن ، ويكون أكاد بمعنى أريد .
الثاني : أكاد أخفيها من نفسي ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وهي كذلك في قراة أُبَيّ ( أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ) ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها . وتقديره : إذا كنت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك ؟
الثالث : معناه أن الساعة آتية أكاد . انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر أكاد آتي بها تقريباً لورودها ، ثم استأنف : أخفيها لتجزى كل نفسٍ بما تسعى . قاله الأنباري ، ومثله قول ضابىء البرجمي :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني
تكرت على عثمان تبكي حلائله

صفحة رقم 398
أي كدت أن أقتله ، فأضمره لبيان معناه .
الرابع : أن معنى - أخفيها : أظهرها ، قاله أبو عبيدة وأنشد :
فإن تدفنوا الداءَ لا نخفيه
وأن تبعثوا الحرب لا نقعد
يقال أخفيت الشيء أي أظهرته وأخفيته إذا كتمته ، كما يقال أسررت الشيء إذا كتمته ، وأسررته إذا أظهرته .
وفي قوله : ) وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ ( وجهان :
أحدهما : أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذي أضلوهم . والثاني : أسر الرؤساء الندامة . قال الشاعر :
ولما رأى الحجاج أظهر سيفه
أسر الحروري الذي كان أضمرا
) لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه على وجه القسم من الله ، إن كل نفس تجزى بما تسعى .
الثاني : أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى .
قوله عز وجل : ) فَتَرْدَى ( فيه وجهان : أحدهما : فتشقى .
الثاني : فتنزل .
( طه : ( 17 - 21 ) وما تلك بيمينك . . . . .
" وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى " (

صفحة رقم 399
) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ( ليس هذا سؤال استفهام ، وإنما هو سؤال تقرير لئلاّ يدخل عليه ارتياب بعد انقلابها حيةٌ تسعى .
) قَالَ هِيَ عَصَايَ ( فتضمن جوابه أمرين :
أحدهما : الإِخبار بأنها عصا وهذا جواب كافٍ .
الثاني : إضافتها إلى ملكه ، وهذه زيادة ذكرها ليكفي الجواب بما سئل عنه .
ثم أخبر عن حالها بما لم يُسأل عنه ليوضح شدة حاجته إليها واستعانته بها لئلا يكون عابئاً بحملها ، فقال : ) أَتَوكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَ عَلَى غَنَمِي ( أي أخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي . قال الراجز :
أهش بالعصا على أغنامي
من ناعم الأراك والبشام .
وقرأ عكرمة ( وأهس ) بسين غير معجمة . وفي الهش والهس وجهان :
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد .
والثاني : أن معناهما مختلف ، فالهش بالمعجمة : خبط الشجر ، والهس بغير إعجام زجر الغنم .
) وَلِيَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى ( أي حاجات أخرى ، فنص على اللازم وكنّى عن العارض ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كان يطرد بها السباع ، قاله مقاتل :
الثاني : أنه كان يَقْدَحُ بها النار ، ويستخرج الماء بها .

صفحة رقم 400
الثالث : أنها كانت تضيء له بالليل ، قاله الضحاك .
( طه : ( 22 - 35 ) واضمم يدك إلى . . . . .
" واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى اذهب إلى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا " ( قوله عز وجل : ) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى عضدك ، قاله مجاهد .
الثاني : إلى جيبك .
الثالث : إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح .
قوله عز وجل : ) رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لحفظ مناجاته .
الثاني : لتبليغ رسالته .
) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ما لا يطيق .
الثاني : في معونتي بالقيام على ما حملتني .
) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها عقدة كانت بلسانه من الجمرة التي ألقاها بفيه في صغر عند فرعون .

صفحة رقم 401
الثاني : عقدة كانت بلسانه عند مناجاته لربه ، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه .
الثالث : استحيائه من الله من كلام غيره بعد مناجاته .
) يَفْقَهُواْ قَوْلِي ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ببيان كلامه .
الثاني : بتصديقه على قوله .
) وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي ( وإنما سأل الله أن يجعل له وزيراً إلا أنه لم يرد أن يكون مقصوراً على الوزارة حتى يكون شريكاً في النبوة ، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة .
) هَارُونَ أَخِي اشدُدْ بِهِ أَزْرِي ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الأزر : الظهر في موضع الحقوين ومعناه فقوّ به نفسي . قال أبو طالب :
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
الثاني : أن يكون عوناً يستقيم به أمري . قال الشاعر :
شددت به أزري وأيقنت أنه
أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه
فيكون السؤال على الوجه الأول لأجل نفسه وعلى الثاني لأجل النبوة . وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين ، وكان في جبهة هارون شامة ، وكان على أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه [ شامه ] .
( طه : ( 36 - 40 ) قال قد أوتيت . . . . .
" قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك

صفحة رقم 402
فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى " ( قوله عز وجل : ) وَأَلْقَيتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : حببتك إلى عبادي ، قاله سلمى بن كميل .
الثاني : يعني حسناً وملاحة ، قاله عكرمة .
الثالث : رحمتي ، قاله أبو جعفر ( الطبري ) . الرابع : جعلت من رآك أحبك ، حتى أحبك فرعون فسلمت من شره وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك ، قاله ابن زيد .
ويحتمل خامساً : أن يكون معناه : وأظهرت عليك محبتي لك وهي نعمة عليك لأن من أحبه الله أوقع في القلوب محبته .
) وَلِتُصْنَعَ عَلَى عيْنِي ( فيه وجهان :
أحدهما : لتغذي على إرادتي ، قاله قتادة .
الثاني : لتصنع على عيني أمك بك ما صنعت من إلقائك في اليم ومشاهدتي .

صفحة رقم 403
ويحتمل ثالثاً : لتكفل وتربى على اختياري ، ويحتمل قوله : ) عَلَى عَيْنِي ( وجهين :
أحدهما : على اختياري وإرادتي .
الثاني : بحفظي ورعايتي .
) كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحزَنَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : تقر عينها بسلامتك ولا تحزن بفراقك .
الثاني : تقر بكفالتك ولا تحزن بنفقتك .
) وَقَتَلْتَ نَفْساً ( يعني القبطي .
) فَنَجَّينَاكَ مِنَ الْغَمِّ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : سلمناك من القَوَد .
الثاني : أمناك من الخوف .
) وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أخبرناك حتى صلحت للرسالة .
الثاني : بلوناك بلاء بعد بلاء ، قاله قتادة .
الثالث : خلصناك تخليصاً محنة بعد محنة ، أولها أنها حملته في السنة التي كان يذبح فرعون فيها الأطفال ثم إلقاؤه في اليم ، ومنعه الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جره بلحية فرعون حتى همّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل التمرة ، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ، ثم مجيىء رجل من شيعته يسعى بما عزموا عليه من قتله قاله ابن عباس .
وقال مجاهد : أخلصناك إخلاصاً .
) ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ( فيه وجهان :
أحدهما : على قدر الرسالة والنبوة ، قاله قاله قتادة .
الثاني : على موعدة ، قاله قتادة ، ومجاهد .

صفحة رقم 404
ويحتمل ثالثاً : جئت على مقدار في الشدة وتقدير المدة ، قال الشاعر :
نال الخلافة أو كانت له قدراً
كما أتى ربه موسى على قدر
( طه : ( 41 - 44 ) واصطنعتك لنفسي
" واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " ( ) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ( يحتمل وجهان :
أحدهما : خلقتك ، مأخوذ من الصنعة .
الثاني : اخترتك ، مأخوذ من الصنيعة . ) لِنَفْسِي ( فيه وجهان :
أحدهما : لمحبتي .
الثاني : لرسالتي .
قوله تعالى : ) وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكرِي ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : لا تفترا في ذكري ، قال الشاعر :
فما ونى محمد مذ أن غفر
له الإله ما مضى وما غبر
الثاني : لا تضعفا في رسالتي ، قاله قتادة .
الثالث : لا تبطنا ، قاله ابن عباس .
الرابع : لا تزالا ، حكاه أبان واستشهد بقول طرفة :
كأن القدور الراسيات أمامهم
قباب بنوها لا تني أبداً تغلي

صفحة رقم 405
قوله تعالى : ) فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ( فيه وجهان :
أحدهما : لطيفاً رقيقاً .
الثاني : كنّياه ، قاله السدي وقيل إن كنية فرعون أبو مرة ، وقيل أبو الوليد .
ويحتمل ثالثاً : أن يبدأه بالرغبة قبل الرهبة ، ليلين بها فيتوطأ بعدها من رهبة ووعيد قال بعض المتصوفة : يا رب هذا رفقك لمن عاداك ، فكيف رفقك بمن والاك ؟
وقيل إن فرعون كان يحسن لموسى حين رباه ، فأراد أن يجعل رفقه به مكافأة له حين عجز موسى عن مكافأته .
( طه : ( 45 - 48 ) قالا ربنا إننا . . . . .
" قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " ( قوله تعالى : ) أَن يَفْرُطَ عَلَيْنآ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن يعجل علينا ، قال الراجز : قد أفرط العلج علينا وعجل .
الثاني : يعذبنا عذاب الفارط في الذنب ، وهو المتقدم فيه ، قاله المبرد ويقال لمن أكثر في الشيء أفرط ، ولمن نقص منه فرّط .
) أَوْ أَن يَطْغَى ( أي يقتلنا .
( طه : ( 49 - 52 ) قال فمن ربكما . . . . .
" قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى

صفحة رقم 406
قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " ( قوله تعالى : ) رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أعطى كل شيء زوجه من جنسه ، ثم هداه لنكاحه ، قاله ابن عباس والسدي .
الثاني : أعطى كل شيء صورته ، ثم هداه إلى معيشته ومطعمه ومشربه ، قاله مجاهد قال الشاعر :
وله في كل شيء خلقهُ
وكذلك الله ما شاء فعل
يعني بالخلقة الصورة .
الثالث : أعطى كلاً ما يصلحه ، ثم هداه له ، قاله قتادة .
ويحتمل رابعاً : أعطى كل شيءٍ ما ألهمه من علم أو صناعة وهداه إلى معرفته .
قوله تعالى : ) فَمَا بَالُ الْقُرونِ الأَُولَى ( وهي جمع قرن ، والقرن أهل كل عصر مأخوذ من قرانهم فيه .
وقال الزجاج : القرن أهل كل عصر وفيه نبي أو طبقة عالية في العلم ، فجعله من اقتران أهل العصر بأهل العلم ، فإذا كان زمان فيه فترة وغلبة جهل لم يكن قرناً .
واختلف في سؤال فرعون عن القرون على أربعة أوجه :
أحدها : أنه سأله عنها فيما دعاه إليه من الإيمان ، هل كانوا على مثل ما يدعو إليه أو بخلافه .
الثاني : أنه قال ذلك له قطعاً للاستدعاء ودفعاً عن الجواب .

صفحة رقم 407
الثالث : أنه سأله عن ذنبهم ومجازاتهم .
الرابع : أنه لما دعاه إلى الإِقرار بالبعث قال : ما بال القرون الأولى لم تبعث .
) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ( فرد موسى علم ذلك إلى ربه .
) فِي كِتَابٍ ( ) لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ( أي لم يجعل علم ذلك في كتاب لأنه يضل أو ينسى .
ويحتمل إثباته في الكتاب وجهين :
أحدهما : أن يكون له فضلاً له وحكماً به .
الثاني : ليعلم به ملائكته في وقته .
وفي قوله : ) لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ( وجهان :
أحدهما : لا يخطىء فيه ولا يتركه .
الثاني : لا يضل الكتاب عن ربي ، ولا ينسى ربي ما في الكتاب ، قاله ابن عباس .
قال مقاتل : ولم يكن في ذلك [ الوقت ] عند موسى علم القرون الأولى ، لأنه علمها من التوراة ، ولم تنزل عليه إلا بعد هلاك فرعون وغرقه .
( طه : ( 53 - 56 ) الذي جعل لكم . . . . .
" الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى " ( قوله تعالى : ) لأُوْلِي النُّهَى ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أولي الحكم .

صفحة رقم 408
الثاني : أولي العقل ، قاله السدي .
الثالث : أولي الورع .
وفي تسميتهم بذلك وجهان :
أحدهما : لأنهم ينهون النفس عن القبيح .
الثاني : لأنه ينتهي إلى آرائهم .
) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا ( فيه وجهان :
أحدهما : حجج الله الدالة على توحيده .
الثاني : المعجزات الدالة على نبوة موسى ، يعني التي أتاها موسى ، وإلا فجميع الآيات لم يرها .
) فَكَذَّبَ وَأَبَى ( يعني فكذب الخبر وأبى الطاعة .
ويحتمل وجهاً آخر : يعني فجحد الدليل وأبى القبول .
( طه : ( 57 - 59 ) قال أجئتنا لتخرجنا . . . . .
" قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " ( قوله تعالى : ) مَكَاناً سُوىً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : منصفاً بينهم .
الثاني : عدلاً بيننا وبينك ، قاله قتادة والسدي .
الثالث : عدلاً وسطاً ، قاله أبو عبيدة وأنشد :
وإن أبانا كان حَلّ ببلدة
سوى بين قيس قيس عيلان والغزر
الرابع : مكاناً مستوياً يتبين للناس ما بيناه فيه ، قاله ابن زيد .

صفحة رقم 409
ويقرأ سُوى بضم السين وكسرها ، وفيهما وجهان :
أحدهما : أن : معناهما واحد وإن اختلف لفظهما .
والثاني : أن معناهما ، فهو بالضم المنصف ، وبالكسر العدل .
قوله تعالى : ) يَوْمُ الزِّينَةِ ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه يوم عيد كان لهم ، قاله مجاهد وابن جريج والسدي وابن زيد وابن إسحاق .
الثاني : يوم السبت ، قاله الضحاك .
الثالث : عاشوراء ، قاله ابن عباس .
الرابع : أنه يوم سوق كانوا يتزينون فيها ، قاله قتادة .
( طه : ( 60 - 64 ) فتولى فرعون فجمع . . . . .
" فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى " ( قوله تعالى : ) لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً ( فيه وجهان :
أحدهما : لا تفترواْ على الله كذباً بسحركم .
الثاني : بتكذيبي وقولكم م جئت به سحر .
) فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ( فيهلككم ويستأصلكم ، قال الفرزدق :
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف

صفحة رقم 410
فالمسحت : المستأصل ،
والمجلف : المهلك .
) فَتَنَازَعُوآ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : فيما هيؤوه من الحبال والعصي ، قاله الضحاك .
والثاني : فيمن يبتدىء بالإِلقاء .
) وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى ( فيه أربعة أقاويل :

صفحة رقم 411
أحدها : أن النجوى التي أسروها أن قالوا : إن كان هذا سحراً فسنغلبه ، وإن كان السماء فله أمره ، قاله قتادة .
الثاني : أنه لما قال لهم ) وَيْلَكُمْ ( الآية . قالوا : ما هذا بقول ساحر ، قاله ابن منبه .
الثالث : أنه أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم ، ) إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ . . . ( الآيات ، قاله مقاتل والسدي .
الرابع : أنهم أسرواْ النجوى . إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه ، قاله الكلبي .
قوله تعالى : ) قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ( هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف . وقرأ الأكثرون : إن هذان الساحران ، فوافقوا المصحف فيها ، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب ، ويكون معناها : ما هذان إلا ساحران . وقرأ أُبَيّ : إن ذان إلا ساحران ، وقرأ باقي القراء بالتشديد : إنَّ هذان لساحران . فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب . واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل :
أحدها : أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف ، وينشدون :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى
مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما
والوجه الثاني : لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها ، ولكن في ( إن ) هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران ، وهو قول متقدمي النحويين .
الثالث : أنه بَنَى ( هذان ) على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع .
الرابع : أن ( إن ) المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم ، كما قال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير : إنّ وصاحبها . وقال عبد الله بن قيس الرقيات :
بكى العواذل في الصبا
ح يلمنني وألومُهُنّة
ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنْه
أي نعم
) وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى ( في قائل هذه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه قول السحرة .
الثاني : أنه قول قوم فرعون .
الثالث : قول فرعون من بين قومه ، وإن أشير به إلى جماعتهم .
وفي تأويله خمسة أوجه :
أحدها : ويذهبا بأهل العقل والشرف . قاله مجاهد .
الثاني : ببني إسرائيل ، وكانوا أولي عدد ويسار ، قاله قتادة .

صفحة رقم 412
الثالث : ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة قاله ابن زيد .
الرابع : ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون ، قاله الضحاك .
الخامس : ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، [ والمثلى مؤنث ] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل ، قال أبو طالب :
وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
قوله تعالى : ) فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون .
الثاني : معناه أحكموا أمركم ، قال الراجز :
يا ليت شعري والمنى لا تنفع
هل أغدوا يوماً وأمري مجمع
أي محكم .
) ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً ( أي اصطفواْ ولا تختلطواْ .
) . . . مَنِ اسْتَعْلَى ( أي غلب .
( طه : ( 65 - 70 ) قالوا يا موسى . . . . .
" قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى " ( قوله تعالى : ) قَالَ بَلْ أَلْقُواْ . . . ( الآية . في أمر موسى للسحرة بالإِلقاء - وإن كان ذلك كفراً لا يجوز أن يأمر به - وجهان :
أحدهما : إن اللفظ على صفة الأمر ، ومعناه معنى الخبر ، وتقديره : إن كان إلقاؤكم عندكم حجة فألقواْ .

صفحة رقم 413
الثاني : إن ذلك منه على وجه الاعتبار ليظهر لهم صحة نبوته ووضوح محبته ، وأن ما أبطل السحر لم يكن سحراً .
وختلفوا في عدد السحرة فحكي عن القاسم بن أبي بزة أنهم كانواْ سبعين ألف ساحر ، وحكي عن ابن جريج أنهم كانواْ تسعمائة ساحر ، ثلاثمائة من العريش ، وثلاثمائة من الفيوم ، ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية ، وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنهم كانواْ اثنين وسبعين ساحراً ، منهم اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل ، كانواْ في أول النهار سحرة وفي آخرة شهداء .
) يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يخيل ذلك لفرعون .
الثاني : لموسى كذلك .
) فَأَوْجسَ فِي نَفْسِهِ خِيِفَةً مُّوسَى ( وفي خوف وجهان :
أحدهما : أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهمواْ أنهم فعلواْ مثل فعله وأنه من جنسه .
الثاني : لما هو مركوز في الطباع من الحذر . وأوجس : بمعنى أسر .
) قُلْنَا لاَ تَخَفْ . . . ( الآية . تثبيتاً لنفسه ، وإزالة لخوفه .
قوله تعالى : ) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ ( أي تأخذه بفيها ابتلاعاً بسرعة ، فقيل إنها ابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي ، ثم أخذها موسى ورجعت عصا كما كانت .
وفيها قولان :
أحدهما : أنها كانت من عوسج ، قاله وهب .
الثاني : من الجنة ، قاله ابن عباس ، قال : وبها قتل موسى عوج بن عناق .

صفحة رقم 414
) فَأَلْقِيَ السَّحْرةُ سُجَّداً ( طاعة لله وتصديقاً لموسى .
) قَالُواْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ( أي بالرب الذي دعا إليه هارون وموسى ، لأنه رب لنا ولجميع الخلق ، فقيل إنهم ، ما رفعوا رؤوسهم حتى رأواْ الجنة وثواب أهلها ، فعند ذلك .
( طه : ( 71 - 73 ) قال آمنتم له . . . . .
" قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى " ( ) قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ( وقيل إن امرأة فرعون كانت تسأل : من غلب ؟ فقيل لها : موسى وهارون . فقالت : آمنت برب موسى وهارون فأرسل إليها فرعون فقال : فخذواْ أعظم صخرة فحذَّرُوها ، فإن أقامت على قولها [ فألقوها عليها ] ، فنزع [ الله ] روحها ، فألقيت الصخرة على جسدها وليس فيه روح .
) وَالَّذِي فَطَرَنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه قسم .
الثاني : بمعنى [ ولا ] على الذي فطرنا .
) فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 415
أحدهما : فاصنع ما أنت صانع .
الثاني : فاحكم ما أنت حاكم .
) إِنَّمَا تَقْضِي هذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَآ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : إن التي تنقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا ، وتبقى الآخرة .
قوله تعالى : ) وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( فيه وجهان :
أحدهما : والله خير منك وأبقى ثواباً إن أُطيع ، وعقاباً إن عُصِي .
الثاني : خير منك ثواباً إن أطيع وأبقى منك عقاباً إن عُصِي .
( طه : ( 74 - 76 ) إنه من يأت . . . . .
" إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى " ( قوله عز وجل : ) لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته ، كما قال الشاعر :
ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضي
شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
الثاني : أن نفس الكافر معلقة بحنجرته كما أخبر الله عنه فلا يموت بفراقها . ولا يحيا باستقرارها .
( طه : ( 77 - 79 ) ولقد أوحينا إلى . . . . .
" ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى " ( قوله تعالى : ) لاَ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى ( قال ابن جريج : قال أصحاب .

صفحة رقم 416
موسى له : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر وقد غشينا ، فأنزل الله هذه الآية . أي لا تخاف دركاً من فرعون ولا تخشى من البحر غرقاً إن غشيك .
( طه : ( 80 - 82 ) يا بني إسرائيل . . . . .
" يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " ( قوله تعالى : ) وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ ( وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تكفروا به .
الثاني : لا تدّخرواْ منه لأكثر من يوم وليلة ، قال ابن عباس : فدُوّد عليهم ما ادخروه ، ولولا ذلك ما دَوّد طعام أبداً .
الثالث : لا تستعينوا برزقي على معصيتي .
) فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ( قرىء بضم الحاء وبكسرها ومعناه بالضم ينزل ، وبالكسر يجب .
) فَقَدْ هَوَى ( فيه وجهان :
أحدهما : فقد هوى في النار .
الثاني : فقد هلك في الدنيا .
قوله عز وجل : ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ( أي غفار لمن تاب من الشرك ) وآمن ( يعني بالله ورسوله و ) عمل صالحاً ( يريد العمل بأوامره والوقوف عند نواهيه .
) ثُمَّ اهْتَدَى ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : ثم لم يشك في إيمانه ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 417
الثاني : لزم الإِيمان حتى يموت ، قاله قتادة .
الثالث : ثم أخذ بسنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله الربيع بن أنس .
الرابع : ثم أصاب العمل ، قاله ابن زيد .
الخامس : ثم عرف جزاء عمله من خير بثواب ، أو شر بعقاب ، قاله الكلبي .
السادس : ثم اهتدى في ولاية أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ثابت .
( طه : ( 83 - 89 ) وما أعجلك عن . . . . .
" وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " ( قوله تعالى : ) غَضْبَانَ أَسِفاً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن الأسف أشد الغضب .
الثاني : الحزين ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي .
الثالث : أنه الجزع ، قاله مجاهد .
الرابع : أنه المتندم .
الخامس : أنه المتحسِّر .
قوله تعالى : ) أَلَمْ يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حسناً ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه وعدكم النصر والظفر .
الثاني : أنه قوله : ) وِإِنِّي لَغَفَّارٌ ( الآية .

صفحة رقم 418
الثالث : التوراة فيها هدى ونور ليعملواْ بما فيها فيستحقواْ ثواب عملهم .
الرابع : أنه ما وعدهم به في الآخرة على التمسك بدينه في الدنيا ، قاله الحسن .
وفي قوله تعالى : ) فَأَخَلَفْتُم مَّوْعِدِي ( وجهان :
أحدهما : أنه وعدهم على أثره للميقات فتوقفوا .
) قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بطاقتنا ، قاله قتادة والسدي .
الثاني : لم نملك أنفسنا عند ذلك للبلية التي وقعت بنا ، قاله ابن زيد .
الثالث : لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك والموعد الذي أخلفوه أن وعدهم أربعين فعدّوا الأربعين عشرين يوماً ليلة وظنوا أنهم قد استكملوا الميعاد ، وأسعدهم السامري أنهم قد استكملوه .
) وَلْكِنَّا حُمِّلْنآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ ( أي حملنا من حلي آل فرعون ، لأن موسى أمرهم أن يستعيروا من حليهم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي . وقيل : جعِلت حملاً .
والأوزار : الأثقال ، فاحتمل ذلك على وجهين :
أحدهما : أن يراد بها أثقال الذنوب لأنهم قد كان عندهم غلول .
الثاني : أن يراد أثقال الحمل لأنه أثقلهم وأثقل أرجلهم .
قوله تعالى : ) فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ( الآية . قال قتادة . أن السامري قال لهم حين استبطأ القومُ موسى : إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي ، فجمعوه ورفعوه للسامري ، فصاغ منه عجلاً ، ثم ألقى عليه قبضة قبضها من أثر الرسول وهو جبريل ، وقال معمر : الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة فلما ألقى القبضة عيه صار عجلاً جَسَداً له خوار .

صفحة رقم 419
والخوار صوت الثور ، وفيه قولان :
أحدهما : أنه صوت حياة خلقه ، لأن العجل المُصَاغُ انقلب بالقبضة التي من أثر الرسول فصار حيواناً حياً ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسدي ، وقال ابن عباس : خار العجل خورة واحدة لم يتبعها مثلها .
الثاني : أن خواره وصوته كان بالريح ، لأنه عمل فيه خروقاً فإذا دخلت الريح فيه خار ولم يكن فيه حياة ، قاله مجاهد .
) فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ( يعني أن السامري قال لقوم موسى بعد فراغه من العجل : هذا إلهكم وإله موسى ، يعني ليسرعوا إلى عبادته .
) فَنَسِيَ ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : فنسي السامري إسلامه وإيمانه ، قاله ابن عباس .
الثاني : فنسي السامري قال لهم : قد نسي موسى إلهه عندكم ، قاله قتادة ، والضحاك .
الثالث : فنسي أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع ، قاله ابن بحر .
الرابع : أن موسى نسي أن قومه قد عبدوه العجل بعده ، قاله مجاهد .
) أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ( يعني أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل الذي عبدوه لا يرد عليهم جواباً .
) وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ( ؟ فكيف يكون إِلهاً .
قال مقاتل : لما مضى من موعد موسى خمسة وثلاثون يوماً أمر السامري بني إسرائيل أن يجمعواْ ما استعاروه من حلي آل فرعون ، وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادة العجل في التاسع فأجابوه ، وجاءهم موسى بعد استكمال الأربعين .
( طه : ( 90 - 94 ) ولقد قال لهم . . . . .
" ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني

صفحة رقم 420
وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي " ( قوله تعالى : ) قَالَ يَا هارُونَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ ( يعني بعبادة العجل .
) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ ( فيه وجهان :
أحدهما : ألا تتبعني في الخروج ولا تقم مع من ضل .
الثاني : ألا تتبع عادتي في منعهم والإِنكار عليهم ، قاله مقاتل .
) أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ( وقال موسى لأخيه هارون : أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلمّا أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإِنكار عليهم نسبه إلى العصيان ومخالفة أمره .
) قَالَ يَا بْنَ أُمَّ ( فيه قولان :
أحدهما : لأنه كان أخاه لأبيه وأمه .
الثاني : أنه كان أخاه لأبيه دون أمه ، وإنما قال يا ابن أم ترفيقاً له واستعطافاً .
) لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي ( فيه قولان :
أحدهما : أنه أخذ شعره بيمينه ، ولحيته بيسراه ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه أخذ بأذنه ولحيته ، فعبر عن الأذن بالرأس ، وهو قول من جعل الأذن من الرأس .
واختلف في سبب أخذه بلحيته ورأسه على ثلاثة أقوال :

صفحة رقم 421
أحدها : ليسر إليه نزول الألواح عليه ، لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة . وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوبة ، فقال له هارون : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ليشتبه سراره على بني إسرائيل .
الثاني : فعل ذلك لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل إلى بني إسرئيل فيما فعلوه من أمر العجل ، ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء .
الثالث : وهو الأشبه - أنه فعل ذلك لإِمساكه عن الإِنكار على بني إسرئيل الذين عبدوا العجل ومقامه بينهم على معاصيهم .
) إِنِّي خَشيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرآئِيلَ ( وهذا جواب هارون عن قوله : ) أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ( وفيه وجهان :
أحدهما : فرقت بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم .
الثاني : [ فرقت ] بينهم بقتال مَنْ عَبَدَ العجل منهم .
وقيل : إنهم عبدوه جميعاً إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه .
) وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ( فيه وجهان :
أحدهما : لم تعمل بوصيتي ، قاله مقاتل .
الثاني : لم تنتظر عهدي ، قاله أبو عبيدة .
( طه : ( 95 - 101 ) قال فما خطبك . . . . .
" قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا " ( قوله عز وجل : ) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ( الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها ، قال الشاعر :

صفحة رقم 422
) كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد ءاتيناك من لدنا ذكرا ، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً ، خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حِملاً (
آذنت جارتي بوشك رحيل
بكرا جاهرت بخطب جليل
وفي السامري قولان :
أحدهما أنه كان رجلاً من أهل كرمان ، تبع موسى من بني إسرائيل ، قاله الطبري ، وكان اسمه موسى بن ظفر .
أحدهما : أنه كان رجلاً من أهل كرمان ، تبع موسى من بني إسرئيل ، قاله الطبري ، وكان اسمه موسى بن ظفر . وفي تسميته بالسامري قولان :
أحدهما : أنه كان من قبيلة يقال لها سامرة ، قاله قتادة .
الثاني : لأنه كان من قرية تسمى سامرة .
) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : نظرت ما لم ينظروه ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : بما لم يفطنواْ له ، قاله مقاتل .
وفي بصرت وأبصرت وجهان :
أحدهما : أنَّ معناهما واحد .
الثاني : أن معناها مختلف ، بأبصرت بمعنى نظرت ، وبَصُرت بمعنى فطنت .
) فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ( قرأه الجماعة بالضاد المعجمة ، وقرأ الحسن بصاد غير معجمة ، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة ، بجميع الكف ، وبصاد غير معجمة : بأطراف الأصابع ) مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ( فيه قولان :
أحدهما : أن الرسول جبريل .

صفحة رقم 423
وفي معرفته قولان :
أحدهما : لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه .
الثاني : أن حين ولدته أمه [ جعلته في غار ] - حذراً عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيراً لأجل البلوى ، فعرفه حين كبر ، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه ) فَنَبَذْتُهَا ( يعني فألقيتها ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته .
الثاني : أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره ، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل .
والقول الثاني : أن الرسول موسى ، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها ، وأن قوله : ) فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَأ ( أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته ، ثم اتخذت العجل جسداً له خوار .
) وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ( فيه وجهان :
أحدهما : حدثتني نفسي . قاله ابن زيد .
الثاني : زينت لي نفسي ، قاله الأخفش .
قوله عز وجل : ) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ ( فيه قولان :
أحدهما : أن قوله : ) فَاذْهَبْ ( وعيد من موسى ، ولذا [ فإن ] السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع ، لا يجد أحداً من الناس يمسه ، حتى صار كالقائل لا مساس ، لبعده عن الناس وبعد الناس منه . قالت الشاعرة :
حمال رايات بها قنعاسا
حتى يقول الأزد لا مساسا

صفحة رقم 424
القول الثاني : أن هذا القول من موسى [ كان ] تحريماً للسامري ، وأن موسى أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه ، فكان لا يَمَسُّ وَلاَ يُمَسُّ ، قال الشاعر :
تميم كرهط السامري وقوله
ألا لا يريد السامري مساسا
أي لا يُخَالِطُونَ وَلاَ يُخَالَطُون .
) وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : في الإِمهال لن يقدم .
الثاني : في العذاب لن يؤخر .
قوله عز وجل : ) وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ( فيه وجهان :
أحدهما : أحاط بكل شيء حتى لم يخرج شيء من علمه .
الثاني : وسع كل شيء علماً حتى لم يخل شيء عن علمه به .
( طه : ( 102 - 104 ) يوم ينفخ في . . . . .
" يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما " ( قوله عز وجل : ) وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئَذٍ زُرْقاً ( فيه ستة أقاويل :
أحدها : عُمياً ، قاله الفراء .
الثاني : عطاشاً قد أزرقت عيونهم من شدة العطش ، قاله الأزهري .
الثالث : تشويه خَلْقِهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم .
الرابع : أنه الطمع الكاذب إذ تعقبته الخيبة ، وهو نوع من العذاب .
الخامس : أن المراد بالزرقة شخوص البصر من شدة الخوف ، قال الشاعر :

صفحة رقم 425
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر
كما كل ضبي مِن اللؤم أزرق
قوله عز وجل : ) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ( أي يتسارُّون بينهم ، من قوله تعالى : ) وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ( " [ الإسراء : 110 ] أي لا تُسرّ بها .
) إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ( العشر على طريق التقليل دون التحديد وفيه وجهان :
أحدهما : إن لبثتم في الدنيا إلا عشراً ، لما شاهدوا من سرعة القيامة ، قاله الحسن .
الثاني : إن لبثتم في قبوركم إلاّ عشراً لما ساواه من سرعة الجزاء .
قوله تعالى : ) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : نحن أعلم بما يقولونه مما يتخافتون به بينهم .
الثاني : نحن أعلم بما يجري بينهم من القول في مدد ما لبثوا .
) إذ يقول أمثلهم طريقةً ( فيه وجهان :
أحدهما : أوفرهم عقلاً .
الثاني : أكبرهم سداداً .
) إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً ( لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً ، ثم فيه وجهان :
أحدهما : لبثهم في الدنيا .
الثاني : لبثهم في القبور .
( طه : ( 105 - 108 ) ويسألونك عن الجبال . . . . .
" ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا " ( قوله عز وجل ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ( فيه قولان :
أحدهما : أنه يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام .

صفحة رقم 426
الثاني : تصير كالهباء .
) فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً ( في القاع ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الموضع المستوي الذي لا نبات فيه ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد .
الثاني : الأرض الملساء .
الثالث : مستنقع الماء ، قاله الفراء .
وفي الصفصف وجهان : أحدهما : أنه ما لا نبات فيه ، قاله الكلبي .
الثاني : أنه المكان المستوي ، كأنه قال على صف واحد في استوائه ، قاله مجاهد .
) لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلآَ أَمْتاً ( فيه خمسة أقاويل :
أحدها : عوجاً يعني وادياً ، ولا أمتاً يعني ربابية ، قاله ابن عباس .
الثاني : عوجاً يعني صدعاً ، ولا أمتاً يعني أكمة ، قاله الحسن .
الثالث : عوجاً يعني ميلاً . ولا أمتاً يعني أثراً ، وهو مروي عن ابن عباس .
الرابع : الأمت الجذب والانثناء ، ومنه قول الشاعر :

صفحة رقم 427
89 ( ما في انطلاق سيره من أمت ) 89
قاله قتادة .
الخامس : الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ، ويدق في مكان ، حكاه الصولي ، فيكون الأمت من الصعود والارتفاع .
قوله تعالى : ) وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ ( قال ابن عباس : أي خضعت بالسكون ، قال الشاعر :
لما آتى خبر الزبير تصدعت
سور المدينة والجبال الخشع
) إلاَّ هَمْساً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الصوت الخفي ، قاله مجاهد .
الثاني : تحريك الشفة واللسان ، وقرأ أُبيّ : فلا ينطقون إلا همساً .
الثالث : نقل الأقدام ، قال ابن زيد ، قال الراجز :
89 ( وهن يمشين بنا هَمِيسا ) 89
يعني أصوات أخفاف الإِبل في سيرها .
( طه : ( 109 - 112 ) يومئذ لا تنفع . . . . .
" يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما " ( قوله عز وجل : ) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ( فيه خسمة أوجه :
أحدها : أي ذلت ، قاله ابن عباس .
الثاني : خشعت ، قاله مجاهد ، والفرق بين الذل والخشوع - وإن تقارب معناهما - هو أنّ الذل أن يكون ذليل النفس ، والخشوع : أن يتذلل لذي طاعة . قال أمية بن الصلت :
وعنا له وجهي وخلقي كله
في الساجدين لوجهه مشكورا
الثالث : عملت ، قاله الكلبي .
الرابع : استسلمت ، قاله عطية العوفي .

صفحة رقم 428
الخامس : أنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود ، قاله طلق بن حبيب .
) الْقَيُّومِ ( فيها ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه القائم على كل نفس بما كسبت ، قاله الحسن .
الثاني : القائم بتدبير الخلق .
الثالث : الدائم الذي لا يزول ولا يبيد .
) وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ( يعني شركاً .
قوله تعالى : ) فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً ( فيه وجهان :
أحدهما : فلا يخاف الظلم بالزيادة في سيئاته ، ولا هضماً بالنقصان من حسناته ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة .
الثاني : لا يخاف ظلماً بأن لا يجزى بعمله ، ولا هضماً بالانتقاص من حقه ، قاله ابن زيد ، والفرق بين الظلم والهضم أن الظلم المنع من الحق كله ، [ والهضم ] المنع من بعضه ، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه ، قال المتوكل الليثي :
إن الأذلة واللئام لمعشر
مولاهم المتهضم المظلوم
( طه : ( 113 - 114 ) وكذلك أنزلناه قرآنا . . . . .
" وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما " ( قوله تعالى : ) أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : حذراً ، قاله قتادة .
الثاني : شرفاً لإِيمانهم ، قاله الضحاك .
الثالث : ذِكراً يعتبرون به .

صفحة رقم 429
قوله تعالى : ) . . . . وَلاَ تَعْجَل بِالْقُرءَانِ ( الآية . فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : لا تسأل إنزاله قبل أن يقضى ، أي يأتيك وحيه .
الثاني : لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله ، قاله عطية .
الثالث : لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه ، لأنه كان يعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه ، قاله الكلبي .
) وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ( يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : زدني أدباً في دينك ، لأن ما يحتاج إليه من علم دينه لنفسه أو لأمته لا يجوز أن يؤخره الله عنده حتى يلتمسه منه .
الثاني : زدني صبراً على طاعتك وجهاد أعدائك ، لأن الصبر يسهل بوجود العلم .
الثالث : زدني علماً بقصص أنبيائك ومنازل أوليائك .
الرابع : زدني علماً بحال أمتي وما تكون عليه من بعدي .
ووجدت للكلبي جواباً .
الخامس : معناه : ) وَقُل رَّبِّ زَدِنِي عِلْماً ( لأنه كلما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علماً به .
( طه : ( 115 - 122 ) ولقد عهدنا إلى . . . . .
" ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما

صفحة رقم 430
سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " ( قوله تعالى : ) وَلَقَدْ عَهِدْنآ إِلَى ءَادَمَ . . . ( فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فترك أمر ربه ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه نسي من النسيان والسهو ، قال ابن عباس : إنما أخذ الإِنسان من أنه عهد إليه فنسي .
) . . . وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : صبراً ، قاله قتادة .
الثاني : حفظاً قاله عطية .
الثالث : ثباتاً . قال ابن أمامة : لو قرنت أعمال بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه على حلمهم ، وقد قال الله : ) وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ( .
الرابع : عزماً في العودة إلى الذنب ثانياً .
قوله عز وجل : ) فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ( يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد . ولم يقل : فتشقيا لأمرين :
أحدهما : لأنه المخاطب دونها .
الثاني : لأنه الكادّ والكاسب لها ، فكان بالشقاء أخص .
( طه : ( 123 - 126 ) قال اهبطا منها . . . . .
" قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " ( قوله تعالى : ) فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ( وعمل بما فيه ) فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ( لا يضل في الدنيا ولا يشقى .

صفحة رقم 431
قال ابن عباس : ضمن الله لمن يقرأ القرآن ويعمل بما فيه ألاّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .
) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : كسباً حراماً ، قاله عكرمة .
الثاني : أن يكون عيشه منغَّصاً بأن ينفق من لا يوقن بالخلف ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه عذاب القبر ، قاله أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقد رفعه أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
الرابع : أنه الطعام الضريع والزقوم في جهنم ، قاله الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . والضنك في كلامهم الضيق قال ، عنترة :
إن المنية لو تمثل مثلت
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
ويحتمل خامساً : أن يكسب دون كفايته .
) وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أعمى في حال ، وبصير في حال .
الثاني : أعمى عن الحجة ، قاله مجاهد .
الثالث : أعمى عن وجهات الخير لا يهتدي لشيء منها .
( طه : ( 127 - 130 ) وكذلك نجزي من . . . . .
" وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على

صفحة رقم 432
ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى " ( قوله عز وجل : ) وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ( فيه وجهان :
أحدهما : بأن جعل الجزاء يوم القيامة ، قاله ابن قتيبة .
الثاني : بتأخيرهم إلى يوم بدر . ) لَكَاَن لِزَاماً ( فيه وجهان :
أحدهما : لكان عذاباً لازماً .
الثاني : لكان قضاء ، قاله الأخفش .
) وَأَجَلٌ مُسَمّىً ( فيه وجهان :
أحدهما : يوم بدر .
والثاني : يوم القيامة ، قاله قتادة . وقال في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً .
قوله تعالى : ) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ( يعني من الإِيذاء والافتراء .
) وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ( قبل طلوع الشمس صلاة الفجر ، وقبل غروبها صلاة العصر .
) وَمِنْ ءَانآءِ اللَّيْلِ . . . ( ساعاته ، وأحدها إنىً ، وفيه وجهان :
أحدهما : هي صلاة الليل كله ، قاله ابن عباس .
الثاني : هي صلاة المغرب والعشاء والآخرة .
) . . . أَطْرَافِ النَّهَارِ ( فيه وجهان :
أحدهما : صلاة الفجر لأنها آخر النصف الأول ، وأول النصف الثاني : قاله قتادة .
الثاني : أنها صلاة التطوع ، قاله الحسن .

صفحة رقم 433
) لَعَلّكَ تَرْضَى ( أي تعطى ، وقرأ عاصم والكسائي ) تُرضى ( بضم التاء يعني لعل الله يرضيك بكرامته ، وقيل بالشفاعة .
( طه : ( 131 - 132 ) ولا تمدن عينيك . . . . .
" ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " ( قوله عز وجل : ) وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ . . . ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد بمد العين النظر .
الثاني : أراد به الأسف .
) أَزْوَاجاً ( أي أشكالاً ، مأخوذ من المزاوجة .
) زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( قال قتادة : زينة الحياة الدنيا .
) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ( يعني فيما متعاناهم به من هذه الزهرة ، وفيه وجهان :
أحدهما : لنفتنهم أي لنعذبهم به ، قاله ابن بحر .
الثاني : لنميلهم عن مصالحهم وهو محتمل .
) وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه القناعة بما يملكه والزهد فيما لا يملكه .
الثاني : وثواب ربك في الآخرة خير وأبقى مما متعنا به هؤلاء في الدنيا .
ويحتمل ثالثاً : أن يكون الحلال المُبْقِي خيراً من الكثير المُطْغِي .
وسبب نزولها ما رواه أبو رافع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) استلف من يهودي طعاماً فأبى أن يسلفه إلا برهن ، فحزن وقال : ( إني لأمين في السماء وأمين في الأرض ، أحمل درعي إليه ) فنزلت هذه الآية .

صفحة رقم 434
وروى أنه لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مناديه فنادى : من لم يتأدب بأدب الله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات .
قوله عز وجل : ) وَأْمُرْ أَهْلََكَ بِالصَّلاَةِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد أهله المناسبين له .
والثاني : أنه أراد جميع من اتبعه وآمن به ، لأنهم يحلون بالطاعة له محل أهله .
) وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا ( أي اصبر على فعلها وعلى أمرهم بها .
) وَلاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ( هذا وإن كان خطاباً للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد به جميع الخلق أنه تعالى يرزقهم ولا يسترزقهم ، وينفعهم ولا ينتفع بهم ، فكان ذلك أبلغ في الامتنان عليهم .
) وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ( أي وحسن العاقبة لأهل التقوى .
( طه : ( 133 - 135 ) وقالوا لولا يأتينا . . . . .
" وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى " ( ) قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ( أي منتظر ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : منتظر النصر على صاحبه .
الثاني : ظهور الحق في عمله .
) فَتَرَبَّصُواْ ( وهذا تهديد .
) فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ( يحتمل وجهين :
أحدهما : فستعلمون بالنصر من أهدى إلى دين الحق .
الثاني : فستعلمون يوم القيامة من أهدى إلى طريق الجنة ، والله أعلم . .

صفحة رقم 435
سورة الأنبياء
بسم الله الرحمن الرحيم
( الأنبياء : ( 1 - 6 ) اقترب للناس حسابهم . . . . .
" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون " ( قوله عز وجل : ) اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ( أي اقترب منهم ، وفيه قولان :
أحدهما : قرب وقت عذابهم ، يعني أهل مكة ، لأنهم استبطؤواْ ما وُعِدواْ به من العذاب تكذيباً ، فكان قتلهم يوم بدر ، قاله الضحاك .
الثاني : قرب وقت حسابهم وهو قيام الساعة .
وفي قربه وجهان :
أحدهما : لا بُد آت ، وكل آت قريب .
الثاني : لأن الزمان لكثرة ما مضى وقلة ما بقي قريب .
) وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ( يحتمل وجهين :

صفحة رقم 436
أحدهما : في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة .
الثاني : في غفلة بالضلال ، معرضون عن الهدى .
قوله تعالى : ) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ ( التنزيل مبتدأ التلاوة لنزوله سورة بعد سورة . وآية بعد آية ، كما كان ينزله الله عليه في وقت بعد وقت .
) إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ ( أي استمعوا تنزيله فتركوا قبوله .
) وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : أي يلهون .
الثاني : يشتغلون . فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما : بلذاتهم .
الثاني : بسماع ما يتلى عليهم .
وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يشتغلون به وجهين : أحدهما : بالدنيا ، لأنها لعب كما قال تعالى : ) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ( " [ الحديد : 20 ] .
الثاني : يتشاغلون بالقَدْحِ فيه والاعتراض عليه .
قال الحسن : كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل .
قوله عز وجل : ) لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني غافله باللهو عن الذكر ، قاله قتادة .
الثاني : مشغلة بالباطل عن الحق ، قاله ابن شجرة ، ومنه قول امرىء القيس :

صفحة رقم 437
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فألهيتها عن ذي تمائم محوِلِ
أي شغلتها عن ولدها .
ولبعض أصحاب الخواطر وجه ثالث : أنها غافلة عما يراد بها ومنها .
) وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ( فيه وجهان :
أحدهما : ذكره ابن كامل أنهم أخفوا كلامهم الذي يتناجون به ، قاله الكلبي .
الثاني : يعني أنهم أظهروه وأعلنوه ، وأسروا من الأضداد المستعملة وإن كان الأظهر في حقيقتها أن تستعمل في الإِخفاء دون الإِظهار إلا بدليل .
) هَلْ هَذَآ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ( إنكاراً منهم لتميزه عنهم بالنبوة .
) أَفَتأتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ( ويحتمل وجهين :
أحدهما : أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر .
الثاني : أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق .
قوله تعالى : ) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أهاويل أحلام رآها في المنام ، قاله مجاهد .
الثاني : تخاليط أحلام رآها في المنام ، قاله قتادة ، ومنه قول الشاعر :
89 ( كضعث حلمٍ غُرَّ منه حالمه . ) 89
الثالث : أنه ما لم يكن له تأويل ، قاله اليزيدي .
وفي الأحلام تأويلان :
أحدهما : ما لم يكن له تأويل ولا تفسير ، قاله الأخفش .
الثاني : إنها الرؤيا الكاذبة ، قاله ابن قتيبة ، ومنه قول الشاعر :
أحاديث طسم أو سراب بفدفَدٍ ترقوق للساري وأضغاث حالم

صفحة رقم 438
( الأنبياء : ( 7 - 9 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين " ( قوله عز وجل : ) فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ( الآية . فيهم ثلاثة أوجه :
أحدها : أهل التوراة والإِنجيل ، قاله الحسن ، وقتادة .
الثاني : أنهم علماء المسلمين ، قاله علي رضي الله عنه .
الثالث : مؤمنو أهل الكتاب ، قاله ابن شجرة .
قوله تعالى : ) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً . . . ( الآية . فيه وجهان :
أحدهما : معناه وما جعلنا الأنبياء قبلك أجساداً لا يأكلون الطعام ولا يموتون فنجعلك كذلك ، وذلك لقولهم : ) مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ( " [ المؤمنون : 24 ] قاله ابن قتيبة .
الثاني : إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام وما كانواْ خالدين ، فلذلك جعلناك جسداً مثلهم ، قاله قتادة .
قال الكلبي : أو الجسد هو الجسد الذي فيه الروح ويأكل ويشرب ، فعلى مقتضى هذا القول يكون ما لا يأكل ولا يشرب جسماً . وقال مجاهد : الجسد ما لا يأكل ولا يشرب ، فعلى مقتضى هذا القول يكون ما يأكل ويشرب نفساً .
( الأنبياء : ( 10 - 15 ) لقد أنزلنا إليكم . . . . .
" لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " (

صفحة رقم 439
قوله تعالى : ) لَقَدْ أَنزَلنا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ( الآية . فيه خمسة تأويلات :
أحدها : فيه حديثكم ، قاله مجاهد .
الثاني : مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم ، قاله سفيان .
الثالث : شرفكم إن تمسكتم به وعملتم بما فيه ، قاله ابن عيسى .
الرابع : ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم .
الخامس : العمل بما فيه حياتكم ، قاله سهل بن عبدالله .
قوله تعالى : ) فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنآ ( أي عيانواْ عذابنا .
) إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : من القرية .
الثاني : من العذاب ، والركض : الإِسراع .
قوله تعالى : ) لاَ تَرْكُضُواْ وَارْجِعُواْ إِلى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ( أي نعمكم ، والمترف المنعم .
) لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لعلكم تسألون عن دنياكم شيئاً ، استهزاء بهم ، قاله قتادة .
الثاني : لعلكم تقنعون بالمسألة ، قاله مجاهد .
الثالث : لتسألوا عما كنتم تعملون ، قاله ابن بحر .
قوله تعالى : ) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ ( يعني ما تقدم ذكره من قولهم ) يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( .
) حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ( فيه قولان : أحدهما : بالعذاب ، قاله الحسن .
الثاني : بالسيف ، قال مجاهد : حتى قتلهم بختنصر .
والحصيد قطع الاستئصال كحصاد الزرع . والخمود : الهمود كخمود النار

صفحة رقم 440
إذا أطفئت ، فشبه خمود الحياة بخمود النار ، كما يقال لمن مات قد طفىء تشبيهاً بانطفاء النار .
( الأنبياء : ( 16 - 20 ) وما خلقنا السماء . . . . .
" وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون " ( قوله تعالى : ) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَتَّخِذَ لَهْواً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ولداً ، قاله الحسن .
الثاني : أن اللهو النساء ، قاله مجاهد . وقال قتادة : اللهو بلغة اهل اليمن المرأة . قال ابن جريج : لأنهم قالواْ : مريم صاحبته وعيسى ولده .
الثالث : أنه اللهو الذي هو داعي الهوى ونازع الشهوة ، كما قال الشاعر :
ويلعينني في اللهو أن لا أحبه
وللهو داعٍ لبيب غير غافلِ
) لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ ( أي من عندنا إن كنا فاعلين . قال ابن جريج : لاتخذنا نساء وولداً من أهل السماء وما اتخذنا من أهل الأرض .
) إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : وما كنا فاعلين ، قاله ابن جريج .
الثاني : أنه جاء بمعنى الشرط ، وتقدير الكلام لو كنا لاتخذناه بحيث لا يصل علمه إليكم .
قوله تعالى : ) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الحق الكلام المتبوع ، والباطل المدفوع . ومعنى يدمغه أي يذهبه ويهلكه كالمشجوج تكون دامغة في أم رأسه تؤدي لهلاكه .
الثاني : أن الحق القرآن ، والباطل إبليس .

صفحة رقم 441
الثالث : أن الحق المواعظ والباطل المعاصي ، قاله بعض أهل الخواطر .
ويحتمل رابعاً : أن الحق الإِسلام ، والباطل الشرك .
) فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : هالك ، قاله قتادة .
الثاني : ذاهب ، قاله ابن شجرة .
قوله عز وجل : ) وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لا يملون ، قاله ابن زيد .
الثاني : لا يعيون ، قاله قتادة .
الثالث : لا يستنكفون ، قاله الكلبي .
الرابع : لا ينقطعون ، مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإِعياء ، قال الشاعر :
بها جيف الحسرى فأما عظامها
فبيض وأما جلدها فصليب
( الأنبياء : ( 21 - 23 ) أم اتخذوا آلهة . . . . .
" أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " ( قوله تعالى : ) أَمِ اتَّخَذُواْ ءَالِهَةً مِّنَ الأَرْضِ ( أي مما خلق في الأرض .
) هُمُ يُنشِرُونَ ( فيه قولان :
أحدهما : يخلقون ، قاله قطرب .
الثاني : قاله مجاهد ، يحيون ، يعني الموتى ، يقال : أنشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا ، مأخوذ من النشر بعد الطي ، قال الشاعر :
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجباً للميت الناشِر

صفحة رقم 442
قوله تبارك وتعالى : ) لَوْ كَانَ فِيهِمآ ( يعني في السماء والأرض .
) ءالهِةٌ إِلاَّ اللَّهُ ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه سوى الله ، قاله الفراء .
الثاني : أن ( إلا ) الواو ، وتقديره : لو كان فيهما آلهة والله لفسدتا ، أي لهلكتا بالفساد فعلى الوجه الأول يكون المقصود به إبطال عباد غيره لعجزه عن أن يكون إلهاً لعجزه عن قدرة الله ، وعلى الوجه الآخر يكون المقصود به إثبات وحدانية الله عن أن يكون له شريك يعارضه في ملكه .
قوله عز وجل : ) لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يسأل الخلق الخالق عن قضائه في خلقه ، وهو يسأل الخلق عن عملهم ، قاله ابن جريج .
الثاني : لا يسأل عن فعله ، لأن كل فعله صواب وهولا يريد عليه الثواب ، وهم يسألون عن أفعالهم ، لأنه قد يجوز أن تكون في غير صواب ، وقد لا يريدون بها الثواب إن كانت صواباً فلا تكون عبادة ، كما قال تعالى : ) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( " [ الأحزاب : 8 ] .
الثالث : لا يُحْاسَب على أفعاله وهم يُحْسَبُونَ على أفعالهم ، قاله ابن بحر .
ويحتمل رابعاً : لا يؤاخذعلى أفعاله وهم يؤاخذون على أفعالهم .
( الأنبياء : ( 24 - 29 ) أم اتخذوا من . . . . .
" أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من

صفحة رقم 443
خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " ( قوله تعالى : ) هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ( فيه وجهان :
أحدهما : هذا ذكر من معي بما يلزمهم من الحلال والحرام ، وذكر من قبلي ممن يخاطب من الأمم بالإِيمان ، وهلك بالشرك ، قاله قتادة .
الثاني : ذكر من معي بإخلاص التوحيد في القرآن ، وذكر من قبلي في التوراة والإِنجيل ، حكاه ابن عيسى .
قوله تعالى : ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما ما بين أيديهم من أمر الآخرة ، وما خلفهم من أمر الدنيا ، قاله الكلبي .
الثاني : ما قدموا وما أخروا من عملهم ، قاله ابن عباس .
وفيه الثالث : ما قدموا : ما عملوا ، وما أخروا : يعني ما لم يعملوا ، قاله عطية .
) وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ( فيه وجهان :
أحدهما : لا يستغفرون في الدنيا إلا لمن ارتضى .
الثاني : لا يشفعون يوم القيامة إلا لمن ارتضى .
وفيه وجهان :
أحدهما : لمن ارتضى عمله ، قاله ابن عيسى .
الثاني : لمن رضي الله عنه ، قاله مجاهد .
( الأنبياء : ( 30 - 33 ) أولم ير الذين . . . . .
" أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا

صفحة رقم 444
محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون " ( قوله عز جل : ) أَنَّ السَّموَاتِ وَألأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففتق الله بينهما بالهواء ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن السموات كانت مرتتقة مطبقة ففتقها الله سبع سموات وكانت الأرض كذلك ففتقها سبع أرضين ، قاله مجاهد .
الثالث : أن السموات كانت رتقاً لا تمطر ، والأرض كانت رتقاً لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، قاله عكرمة ، وعطية ، وابن زيد .
والرتق سدُّ ، والفتق شق ، وهما ضدان ، قال عبد الرحمن بن حسان :
يهون عليهم إذا يغضبو
ن سخط العداة وإرغامُها
ورتق الفتوق وفتق الرتو
ق ونقض الأمور وإبرامها
) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن خلق كل شيء من الماء ، قاله قتادة .
الثاني : حفظ حياة كل شيء حي بالماء ، قاله قتادة .
الثالث : وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي ، قاله قطرب .
) أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ( يعني أفلا يصدقون بما يشاهدون .
قوله تعالى : ) وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ( والرواسي الجبال ، وفي تسميتها بذلك وجهان :

صفحة رقم 445
أحدهما : لأنها رست في الأرض وثبتت ، قال الشاعر :
رسا أصله تحت الثرى وسما به
إلى النجم فرعٌ لا يزال طويل
الثاني : لأن الأرض بها رست وثبتت . وفي الرواسي من الجبال قولان :
أحدهما : أنها الثوابت : قاله قطرب .
الثاني : أنها الثقال قاله الكلبي .
) أَن تَمِيدَ بِهِم ( فيه وجهان :
أحدهما : لئلا تزول بهم .
الثاني : لئلا تضطرب بهم . الميد الاضطراب .
) وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ( في الفجاج وجهان : أحدهما : أنها الأعلام التي يهتدى بها .
الثاني : الفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع بين جبلين . قال الكميت :
تضيق بنا النجاح وهنّ فج
ونجهل ماءها السلم الدفينا
) لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : سبل الاعتبار ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم .
الثاني : مسالك ليهتدوا بها إلى طرق بلادهم .
قوله تعالى : ) وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : محفوظاً من أن تسقط على الأرض .
الثاني : محفوظاً من الشياطين ، قاله الفراء .
الثالث : بمعنى مرفوعاً ، قاله مجاهد .
ويحتمل رابعاً : محفوظاً من الشرك والمعاصي .
قوله عز وجل : ) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( فيه قولان :
أحدهما : أن الفلك السماء ، قاله السدي .

صفحة رقم 446
الثاني : أن القطب المستدير الدائر بما فيه من الشمس والقمر والنجوم ومنه سميت فلكة المغزل لاستدارتها ، قال الشاعر :
باتت تقاسي الفلك الدّوار
حتى الصباح تعمل الأقتار
وفي استدارة الفلك قولان :
أحدهما : أنه كدوران الأكرة .
الثاني : كدوران الرحى قاله الحسن ، وابن جريج .
واختلف في الفلك على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه السماء تدور بالشمس والقمر والنجوم .
الثاني : أنه استدارة في السماء تدور فيها النجوم مع ثبوت السماء ، قاله قتادة .
الثالث : أنها استدارة بين السماء والأرض تدور فيها النجوم ، قاله زيد بن أسلم .
) يَسْبَحُونَ ( وجهان :
أحدهما : يجرون ، قاله مجاهد .
الثاني : يدورون قاله ابن عباس ، فعلى الوجه الأول يكون الفلك مديرها ، وعلى الثاني تكون هي الدائرة في الفلك .
( الأنبياء : ( 34 - 35 ) وما جعلنا لبشر . . . . .
" وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " ( قوله عز وجل : ) وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ( فيها أربعة أوجه :
أحدها : بالشدة والرخاء ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن الشر : الفقر والمرض ، والخير الغنى والصحة ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 447
الثالث : أن الشر : غلبة الهوى على النفس ، والخير : العصمة من المعاصي ، قاله التستري .
الرابع : ما تحبون وما تكرهون . لنعلم شكركم لما تحبون ، وصبركم على ما تكرهون ، قاله ابن زيد .
) فِتْنَةً ( فيه وجهان : أحدهما : اختباراً . الثاني : ابتلاء .
( الأنبياء : ( 36 - 40 ) وإذا رآك الذين . . . . .
" وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون " ( قوله عز وجل : ) خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ( فيه قولان :
أحدهما : أن المعنيّ بالإِنسان آدم ، فعلى هذا في قوله : ) مِنْ عَجَلٍ ( ثلاثة تأويلات :
أحدها : أي معجل قبل غروب الشمس من يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة ، قاله مجاهد والسدي .
الثاني : أنه سأل ربه بعد إكمال صورته ونفخ الروح في عينيه ولسانه أن يعجل إتمام خلقه وإجراء الروح في جميع جسده ، قاله الكلبي .
الثالث : أن معنى ) من عجل ( أي من طين ، ومنه قول الشاعر :

صفحة رقم 448
والنبع في الصخرة الصماء منبته
والنخل ينبت بين الماء والعجل
والقول الثاني : أن المعنى بالإِنسان الناس كلهم ، فعلى هذا في قوله : ) من عجل ( ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني خلق الإِنسان عجولاً ، قاله قتادة .
الثاني : خلقت العجلة في الإِنسان قاله ابن قتيبة .
الثالث : يعني أنه خلق على حُب العجلة .
والعجلة تقديم الشيء قبل وقته ، والسرعة تقديمه في أول أوقاته .
( الأنبياء : ( 41 - 43 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
" ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون " ( قوله عز وجل : ) قُلْ مَن يَكْلُؤُكُم . . . ( الآية . أي يحفظكم ، قال ابن هرمة :
إن سليمى والله يكلؤها
ضنت بشيء ما كان يرزؤها
ومخرج اللفظ مخرج الاستفهام ، والمراد به النفي ، تقديره : قل لا حافظ لكم بالليل والنهار من الرحمن . قوله تعالى : ) . . وَلاَ هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يجارون ، قاله ابن عباس ، من قولهم : إن لك من فلان صاحباً ، أي مجيراً ، قال الشاعر :
ينادي بأعلى صوته متعوذاً
ليصحب منها والرماح دواني
الثاني : يحفظون ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 449
الثالث : ينصرون ، وهو مأثور .
الرابع : ولا يصحبون من الله بخير ، قاله قتادة .
( الأنبياء : ( 44 - 47 ) بل متعنا هؤلاء . . . . .
" بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " ( قوله تعالى : ) نأَتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : ننقصها من أطرافها عند الظهور عليها أرضاً بعد أرض وفتحها بلداً بعد بلد ، قاله الحسن .
الثاني : بنقصان أهلها وقلة بركتها ، قاله ابن أبي طلحة .
الثالث : بالقتل والسبي ، حكاه الكلبي .
الرابع : بموت فقهائها وعلمائها ، قاله عطاء ، والضحاك .
ويحتمل خامساً : بجور ولاتها وأمرائها .
( الأنبياء : ( 48 - 50 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
" ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون " (

صفحة رقم 450
قوله تعالى : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : التوراة التي فرق فيها بين الحق والباطل ، قاله مجاهد ، وقتادة .
الثاني : هو البرهان الذي فرق بين حق موسى وباطل فرعون ، قاله ابن زيد .
الثالث : هو النصر والنجاة فنصر موسى وأشياعه ، وأهلك فرعون وأتباعه قال الكلبي .
( الأنبياء : ( 51 - 56 ) ولقد آتينا إبراهيم . . . . .
" ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين " ( قوله عز وجل : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ ( فيه وجهان :
أحدهما : رشْده : النبوة ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : هو أن هداه صغيراً ، قاله مجاهد ، وقتادة .
) مِن قَبْلُ ( فيه وجهان :
أحدهما : من قبل أن يرسل نبياً .
الثاني : من قبل موسى وهارون .
) وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : عالمين أنه أهل لإِيتاء الرشد .
الثاني : أنه يصلح للنبوة .
( الأنبياء : ( 57 - 63 ) وتالله لأكيدن أصنامكم . . . . .
" وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه

صفحة رقم 451
لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " ( قوله تعالى : ) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً ( قراءة الجمهور بضم الجيم ، وقرأ الكسائي وحده بكسرها ، وفيه وجهان :
أحدهما : حُطاماً ، قاله ابن عباس ، وهو تأويل من قرأ بالضم .
الثاني : قِطعاً مقطوعة ، قال الضحاك : هو أن يأخذ من كل عضوين عضواً ويترك عضواً وهذا تأويل من قرأ بالكسر ، مأخوذ من الجذ وهو القطع ، قال الشاعر :
جَّذذ الأصنام في محرابها
ذاك في الله العلي المقتدر
) قَالُواْ فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ( أي بمرأى من الناس .
) لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يشهدون عقابه ، قاله ابن عباس .
الثاني : يشهدون عليه بما فعل ، لأنهم كرهواْ أن يعاقبوه بغير بينة ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسدي .
الثالث : يشهدون بما يقول من حجة ، وما يقال له من جواب ، قاله ابن كامل .
قوله تعالى : ) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ( الآية . فيه وجهان :
أحدهما : بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون فاسألوهم ، فجعل إضافة الفعل إليهم مشروطاً بنطقهم تنبيهاً لهم على فساد اعتقادهم .

صفحة رقم 452
الثاني : أن هذا القول من إبراهيم سؤال إلزام خرج مخرج الخبر وليس بخبر ، ومعناه : أن من اعتقد أن هذه آلهة لزمه سؤالها ، فلعله فعله [ كبيرهم ] فيجيبه إن كان إلهاً ناطقاً .
) إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ ( أي يخبرون ، كما قال الأحوص :
ما الشعر إلا خطبةٌ من مؤلفٍ
لمنطق حق أو لمنطق باطل
( الأنبياء : ( 64 - 67 ) فرجعوا إلى أنفسهم . . . . .
" فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " ( قوله تعالى : ) فَرَجَعُواْ إِلَى أَنفُسِهِمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن رجع بعضهم إلى بعض .
الثاني : أن رجع كل واحد منهم إلى نفسه متفكراً فيما قاله إبراهيم ، فحاروا عما أراده من الجواب فأنطقهم الله تعالى الحق ) فَقَالُواْ : إِنَّكم أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ( يعني في سؤاله ، لأنها لو كانت آلهة لم يصل إبراهيم إلى كسرها ، ولو صحبهم التوفيق لآمنوا هذا الجواب لظهور الحق فيه على ألسنتهم .
) ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَى رُءوسِهِمْ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أنها رجعوا إلى شِركهم بعد اعترافهم بالحق .
الثاني : يعني أنهم رجعواْ إلى احتجاجهم على إبراهيم بقولهم : ) لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلآءِ يَنطِقُونَ ( .
الثالث : أنهم نكسواْ على رؤوسهم واحتمل ذلك منهم واحداً من أمرين : إما انكساراً بانقطاع حجتهم ، وإما فكراً في جوابهم فأنطقهم الله بعد ذلك بالحجة إذعاناً لها وإقراراً بها ، بقولهم : ) لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلآءِ يَنطِقُونَ ( فأجابهم إبراهيم بعد اعترافهم بالحجة .

صفحة رقم 453
( الأنبياء : ( 68 - 70 ) قالوا حرقوه وانصروا . . . . .
" قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " ( ) قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُواْ ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ( وفي الذي أشارعليهم بذلك قولان :
أحدهما : أنه رجل من أعراب فارس يعني أكراد فارس ، قاله ابن عمر ، ومجاهد . وابن جريج .
الثاني : أنه هيزون فخسف الله به الأرض وهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . وقيل إن إبراهيم حين أوثق ليلقى في النار فقال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك .
وقال عبد الله بن عمر : كانت كلمة إبراهيم حين أُلقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل .
قال قتادة : فما أحرقت النار منه إلا وثاقه .
قال ابن جريج : ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست وعشرين سنة .
وقال كعب : لم يبق في الأرض يومئذ إلا من يطفىء عن إبراهيم النار ، إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه ، فلذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقتلها .
قال الكلبي : بنواْ له أتوناً ألقوه فيه ، وأوقدوا عليه النار سبعة أيام ، ثم أطبقوه عليه وفتحوه من الغد ، فإذا هو عرق أبيض لم يحترق ، وبردت نار الأرض فما أنضجت يومئذ كراعاً .

صفحة رقم 454
قوله تعالى : ) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( جعل الله فيها برداً يدفع حرها ، وحراً يدفع بردها ، فصارت سلاماً عليه .
قال أبو العالية : ولو لم يقل ( سلاماً ) لكان بردها أشد عليه من حرها ، ولو لم يقل ( على إبراهيم ) لكان بردها باقيا على الأبد .
( الأنبياء : ( 71 - 75 ) ونجيناه ولوطا إلى . . . . .
" ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين " ( قوله تعالى : ) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً ( قيل إن لوط كان ابن أخي إبراهيم فآمن به ، قال تعالى : ) فَأَمَنَ لَهُ لُوطُ ( " [ العنكبوت : 26 ] فلذلك نجاهما الله .
) إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ( [ فيه ] ثلاثة أقاويل :
أحدها : من أرض العراق إلى أرض الشام قاله قتادة ، وابن جريج .
الثاني : إلى أرض بيت المقدس ، قاله أبو العوام .
الثالث : إلى مكة ، قاله ابن عباس .
وفي بركتها ثلاثة أقاويل : أحدها : أن منها بعث الله أكثر الأنبياء .
الثاني : لكثرة خصبها ونمو نباتها .
الثالث : عذوبة مائها وتفرقه في الأرض منها . قال أبو العالية : ليس ماء عذب إلا يهبط من السماء إلى الصخرة التي ببيت المقدس ، ثم يتفرق في الأرض .
قال كعب الأحبار ، والذي نفسي بيده إن العين التي بدارين لتخرج من تحت هذه الصخرة ، يعني عيناً في البحر .

صفحة رقم 455
قوله تعالى : ) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ( فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن النافلة الغنيمة ، قال لبيد :
89 ( لله نافلة الأفضل . ) 89
الثاني : أن النافلة الابن ، حكاه السدي .
الثالث : أنها الزيادة في العطاء . وفيما هو زيادة قولان :
أحدهما : أن يعقوب هو النافلة ، لأنه دعا بالولد فزاده الله ولد الولد ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : أن إسحاق ويعقوب هما جميعاً نافلة ، لأنهما زيادة على ما تقدم من النعمة عليه ، قاله مجاهد ، وعطاء .
قوله وجل : ) وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ( فيه تأويلان :
أحدهما : أنه القضاء بالحق بين الخصوم قاله ابن عيسى .
الثاني : النبوة ، قاله . . . . . . . .
) عِلْمَاً ( يعني فهماً .
) وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيةِ الَّتي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَآئِثَ ( وهي قرية سدوم .
وفي الخبائث التي كانوا يعملونها قولان :
أحدهما : اللواط .
الثاني : الضراط ) ونجيناه ( قيل من قلب المدائن ورمي الحجارة .
( الأنبياء : ( 76 - 77 ) ونوحا إذ نادى . . . . .
" ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين " (

صفحة رقم 456
قوله تعالى : ) وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ ( يعني إذ دعانا على قومه من قبل إبراهيم .
) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( ويحتمل وجهاً آخر إذ نجيناه من أذية قومه حين أغرقهم الله .
ويحتمل ثالثاً : نجاته من مشاهدة المعاصي في الأرض بعد أن طهرها الله بالعذاب .
) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأَيَاتِنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : نصرناه عليهم بإجابة دعائه فيهم . الثاني : معناه خلصناه منهم بسلامته دونهم .
( الأنبياء : ( 78 - 82 ) وداود وسليمان إذ . . . . .
" وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين " ( قوله عز وجل : ) وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكَمَانِ فِي الْحَرْثِ ( فيه قولان :
أحدها : أنه كان زرعاً وقعت فيه الغنم ليلاً ، قاله قتادة .
الثاني : كان كرماً نبتت عناقيده ، قاله ابن مسعود ، وشريح .
) إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ( قال قتادة : النفش رعي الليل ، والهمل : رعي النهار ، قال الشاعر :
متعلقة بأفناء البيوت
ناقشاً في عشا التراب

صفحة رقم 457
) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ( وفي حكمهما قولان :
أحدهما : أنه كان متفقاً لم يختلفا فيه ، لأن الله حين أثنى عليهم دل على اتقافهما في الصواب ويحتمل قوله تبارك وتعالى : ) فَفَهَّمْنَاهَا ( على أنه فضيلة له على داود لأنه أوتي الحكم في صغره ، وأوتي داود الحكم في كبره ، وإن اتفقا عليه ولم يختلفا فيه لأن الأنبياء معصومون من الغلط والخطأ لئلا يقع الشك في أمورهم وأحكامهم ، وهذا قول شاذ من المتكلمين .
والقول الثاني : وهو قول الجمهور من العلماء والمفسرين أن حكمهما كان مختلفاً أصاب فيه سليمان ، واخطأ داود ، فأما حكم سليمان فإنه قضى لصاحب الحرث ، وأما حكم سليمان فإنه رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث لينتفع بدرّها ونسلها ، ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليأخذ بعمارته ، فإذا عاد في السنة ابن مسعود ، ومجاهد . فرجع داود إلى قضاء سليمان فحكم به ، فقال الله تعالى : ) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ( فجعل الحق معه وفي حكمه ، ولا يمتنع وجود الغلط والخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم . لكن لا يقرون عليه وإن أقر عليه غيرهم ، ليعود الله بالحقائق لهم دون خلقه ، ولذلك تسمى بالحق وتميز به عن الخلق . واختلف القائلون بهذا في حمله على العموم في جميع الأنبياء على قولين :
أحدهما : أن نبينا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) مخصوص منهم بجواز الخطأ عليهم دونه قاله أبو علي بن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفرق بينه وبين غيره من جميع الأنبياء ، لأنه خاتم الأنبياء فلم يكن بعده من يستدرك غلطه ، ولذلك عصمه الله منه ، وقد بعث بعد غيره من الأنبياء مَنْ يستدرك غلطه .
والقول الثاني : أنه على العموم في جميع الأنبياء ، وأن نبينا وغيره من الأنبياء في تجويز الخطأ على سواء ، إلا أنهم لا يقرون على إمضائه ، فلم يعتبر فيه استدراك مَنْ بعدهم من الأنبياء ، فهذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد سألته امرأة عن العدة ،

صفحة رقم 458
فقال لها : ( اعْتَدِّي حَيْثُ شِئْتِ ) ثم قال : ( يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، امْكُثِي فِي بَيتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ ) وقال رجل : أرأيتَ إن قُتِلتُ صابراً محتسباً أيحجزني عن الجنة شيء ؟ فقال : ( لاَ ) ، ثم دعاه فقال : ( إِلاَّ الدَّينُ كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ ) . ولا يوجد منه إلاّ ما جاز عليه .
ثم قال تعال : ) وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ( قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة قد هلكوا ، ولكنه أثنى على سليمان على صوابه وعذر داود باجتهاده . فإن قيل : فكيف نقض داود حكمه باجتهاد سليمان ؟ فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : يجوز أن يكون داود ذكر حكمه على الإِطلاق وكان ذلك منه على طريق الفتيا فذكره لهم ليلزمهم إياه ، فلما ظهر له ما هو أقوى في الاجتهاد منه عاد إليه .
الثاني : أنه يجوز أن يكون الله أوحى بهذا الحكم إلى سليمان فلزمه ذلك ، ولأجل النص الوارد بالوحي رأى أن ينقض اجتهاده ، لأن على الحاكم أن ينقض حكمه بالاجتهاد إذا خالف نصاً .
على أن العلماء قد اختلفوا في الأنبياء ، هل يجوز لهم الاجتهاد في الأحكام ؟ فقالت طائفة يجوز لهم الاجتهاد لأمرين :
أحدهما : أن الاجتهاد في الاجتهاد فضيلة ، فلم يجز أن يحرمها الأنبياء .

صفحة رقم 459
الثاني : أن الاجتهاد أقوى فكان أحبها ، وهم [ في ] التزام الحكم به أولى ، وهذا قول من جوز من الأنبياء وجود الغلط .
وقال الآخرون : لا يجوز للأنبياء أن يجتهدوا في الأحكام ، لأن الاجتهاد إنما يلجأ إليه الحاكم لعدم النص ، والأنبياء لا يعدمون النص لنزول الوحي عليهم ، فلم يكن لهم الإجتهاد وهذا قول من قال بعصمة الأنبياء من الغلط والخطأ
فأما ما استقر عليه شرعنا فيما أفسدته البهائم من الزرع فقد روى سعيد بن المسيب أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطاً وأفسدته ، فقضى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أهل المواشي بحفظ مواشيهم ليلاً ، وعلى أهل الحوائط بحفظ حوائطهم نهاراً ، فصار ما أفسدته البهائم بالليل مضموناً ، وما أفسدته نهاراً غير مضمون لأن حفظها شاق على أربابها ، ولا يشق عليهم حفظها نهاراً ، فصار الحفظ في الليل واجباً على أرباب المواشي فضمنوا ما أفسدته مواشيهم ، والحفظ في النهار واجباً على أرباب الزروع ، فلم يحكم لهم - مع تقصيرهم - بضمان زرعهم ، وهذا من أصح قضاء وأعدل حكم ، رفقاً بالفريقين ، وتسهيلاً على الطائفتين ، فليس ينافي هذا ما حكم داود [ به ] وسليمان عليهما السلام من أصل الضمان ، لأنهما حكما به في رعي الليل ، وإنما يخالف من صفته ، فإن الزرع في شرعنا مضمون لأنهما حكما بنقصانه من زائد وناقص ، ولا تعرض للبهائم المفسدة إذا وصل الضمان إلى المستحق .
ثم قال تعالى : ) وَكُلاًّ ءَاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه أتى كل واحد منهما من الحكم والعلم مثل ما آتى الآخر وفي المراد بالحكم والعلم وجهان محتملان :
أحدهما : أن الحكم القضاء ، والعلم الفتيا .
الثاني : أن الحكم الاجتهاد ، والعلم النص .

صفحة رقم 460
قوله عز وجل : ) وَسَخَّرْنَا مََعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ذللنا .
الثاني : ألهمنا .
) يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ( وفي تسبيحها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن سيرها معه هو تسبيحها ، قاله ابن عيسى ، والتسبيح مأخوذ من السباحة .
الثاني : أنها صلواتها معه ، قاله قتادة .
الثالث : أنه تسبيح مسموع كان يفهمه ، وهذا قول يحيى بن سلام .
قوله عز وجل : ) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ . . . ( فيه وجهان : أحدهما : اللبوس الدرع الملبوس ، قاله قتادة .
الثاني : أن جيمع السلاح لبوس عند العرب .
) لِتُحْصِنَكُم مِّنْ بَأسِكُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : من سلاحكم ، قاله ابن عباس .
الثاني : حرب أعدائكم ، قاله الضحاك . قوله عز وجل : ) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً ( معناه وسخرنا لسليمان الريح ، والعصوف شدة حركتها والعصف التبن ، فسمي به شدة الريح لأنها تعصفه لشدة تكسيرها له .
) تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ( هي أرض الشام ، وفي بركتها ثلاثة أقاويل :
أحدها : بمن بعث فيها من الأنبياء .
الثاني : أن مياه أنهار الأرض تجري منها .
الثالث : بما أودعها الله من الخيرات ، قاله قتادة : ما نقص من الأرض زيد في أرض الشام ، وما نقص من الشام زيد في فلسطين ، وكان يقال هي أرض المحشر والمنشر .

صفحة رقم 461
وكانت الريح تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء . قال مقاتل : وسليمان أول من استخرج اللؤلؤ بغوص الشياطين .
( الأنبياء : ( 83 - 84 ) وأيوب إذ نادى . . . . .
" وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين " ( قوله تعالى : ) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ( الآية . حكى الحسن البصري : أن أيوب آتاه الله مالاً وولداً فهلك ماله ، ومات أولاده ، فقال : ربِّ قد أَحْسَنْتَ إِليَّ الإِحسانَ كُلَّه ، كنتُ قبل اليوم شَغَلَنِي حُبُّ المالِ بالنهارِ ، وشَغَلَنِي حُبُّ الولدِ بالليلِ ، فالآن أُفَرِغُ لك سمعي وبصري وليلي ونهاري بالحمد والذكر فلم ينفذ لإِبليس فيه مكر ، ولا قدر له على فتنة ، فَبُلِي في بَدَنِهِ حتى قرح وسعى فيه الدود ، واشتد به البلاء حتى طرح على مزبلة بني إسرائيل ، ولم يبق أحد يدنو منه غير زوجته صبرت معه ، تتصدق وتطعمه ، وقد كان آمن به ثلاثة من قومه ، رفضوا عند بلائه ، وأيوب يزداد حمداً لله وذكراً ، وإبليس يجتهد في افتتانه فلا يصل إليه حتى شاور أصحابه ، فقالوا : أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته ؟ قال : من قبل امرأته ، فقالوا شأنك أيوب من قبل امرأته قال : أصبتم فأتاها فذكر لها ضر أيوب بعد جماله وماله وولده ، فصرخت ، فطمع عدو الله فيها ، فأتاها بسخلة ، فقال ليذبح أيوب هذه السخلة لي ويبرأ ، فجاءت إلى أيوب فصرخت وقالت يا أيوب حتى متى يعذبك ربك ولا يرحمك ؟ أين المال ؟ أين الولد ؟ أين لونك الحسن ؟ قد بلى ، وقد تردد الدواب ، اذبح هذه السخلة واسترح . قال لها أيوب أتاك عدو الله فنفخ فيك فوجد فيك رفقاً فأجبتيه ؟ أرأيت ما تبكين عليه من المال والولد والشباب والصحة من أعطانيه ؟ فقالت الله ، قال : فكم متعنا به ؟ قالت : ثمانين سنة ، قال : منذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء ؟

صفحة رقم 462
فقالت : منذ سبع سنين وأشهر قال : ويلك والله ما أنصفت ربك ، ألا صبرت حتى نكون في هذا البلاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة ، ثم طردها وقال : ما تأتيني به عليَّ حرام إن أكلته ، فيئس إبليس من فتنته .
ثم بقي أيوب وحيداً فخر ساجداً وقال : ربِّ ،
) مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأنتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ( وفيه خمسة أوجه :
أحدها : أن الضر المرض ، قاله قتادة .
الثاني : أنه البلاء الذي في جسده ، قاله السدّي ، حتى قيل إن الدودة كانت تقع من جسده فيردها في مكانها ويقول : كلي مما رزقك الله .
الثالث : أنه الشيطان كما قال في موضع آخر ) أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بنُصُبٍ وَعَذَابٍ ( " [ ص : 41 ] قاله الحسن .
الرابع : أنه وثب ليصلي فلم يقدر على النهوض ، فقال : مسني الضر ، إخباراً عن حاله ، لا شكوى لبلائه ، رواه أنس مرفوعاً .

صفحة رقم 463
الخامس : أنه انقطع الوحي عنه أربعين يوماً فخاف هجران ربه ، فقال : مسني الضر ، وهذا قول جعفر الصادق رحمه الله .
وفي مخرج قوله : ) مَسَّنِيَ الضُّرُّ ( أربعة أوجه :
أحدها : أنه خارج مخرج الاستفهام ، وتقديره أيمسني الضر وأنت أرحم الراحمين .
الثاني : أنت أرحم بي أن يمسني الضر . الثالث : أنه قال [ ذلك ] استقالة من ذنبه ورغبة إلى ربه .
الرابع : أنه شكا ضعفه وضره استعطافاً لرحمته ، فكشف بلاءه فقيل له : ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ ( " [ ص : 42 ] فركض برجله فنبعت عين ، فاغتسل منها وشرب فذهب باطن دائه وعاد إليه شبابه وجماله ، وقام صحيحاً ، وضاعف الله له ما كان من أهل ومال وولده .
ثم إن امرأته قالت : إن طردني فإلى من أكلِه ؟ فَرَجَعَتْ فلم تَرَهُ ، فجعلت

صفحة رقم 464
تطوف وتبكي ، وأيوب يراها وتراه فلا تعرفه فلما سألته عنه وكلمته فعرفته ، ثم إن الله رحمها لصبرها معه على البلاء ، فأمره أن يضربها بضِغث ليبّر في يمينه ، قاله ابن عباس . وكانت امرأته ماخيرا بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب .
) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ( .
قال ابن مسعود : رد الله إليه أهله الذين أهلكهم بأعيانهم ، وأعطاه مثلهم معهم . قال الفراء كان لأيوب سبع بنين وسبع بنات فماتواْ في بلائه ، فلما كشف الله ضره رَدّ عليه بنيه وبناته وولد له بعد ذلك مثلهم ، قال الحسن : وكانوا ماتوا قبل آجالهم فأحياهم الله فوفاهم آجالهم ، وأن الله أبقاه حتى أعطاهم من نسلهم مثلهم .
( الأنبياء : ( 85 - 86 ) وإسماعيل وإدريس وذا . . . . .
" وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين " ( قوله تعالى : ) وَذَا الْكِفْلِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه لم يكن نبياً وكان عبداً صالحاً كُفِلَ لنبي قيل إنه اليسع بصيام النهار وقيام الليل ، وألا يغضب ، ويقضي بالحق ، فوفى به فأثنى الله عليه ، قاله أبو موسى ، ومجاهد ، وقتادة .
الثاني : أنه كان نبياً كفل بأمر فوفى به ، قاله الحسن .
وفي تسميته بذي الكفل ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كان . . . .

صفحة رقم 465
الثاني : لأنه كفل بأمر فوفى به .
الثالث : لأن ثوابه ضعف ثواب غيره ممن كان في زمانه .
( الأنبياء : ( 87 - 88 ) وذا النون إذ . . . . .
" وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " ( قوله تعالى : ) وَذَا النُّونِ ( وهو يونس بن متى ، سمي بذلك لأنه صاحب الحوت ، كما قال تعالى : ) فَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ( " [ القلم : 48 ] والحوت النون ، نسب إليه لأنه ابتلعه ، ومنه قول الشاعر :
يا جيد القصر نِعم القصر والوادي
وجيداً أهله من حاضر بادي
توفي قراقره والوحش راتعه
والضب والنون والملاح والحادي
يعني أنه يجتمع فيه صيد البر والبحر ، وأهل المال والظهر ، وأهل البدو والحضر .
) إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني مراغماً للملك وكان اسمه حزقيا ولم يكن به بأس ، حكاه النقاش .
الثاني : مغاضباً لقومه ، قاله الحسن .
الثالث : مغاضباً لربه ، قاله الشعبي ، ومغاضبته ليست مراغمة ، لأن مراغمة الله كفر لا تجوز على الأنبياء ، وإنما هي خروجه بغير إذن ، فكانت هي معصيته .
وفي سبب ذهابه لقومه وجهان :

صفحة رقم 466
أحدهما : أنه كان في خُلُقِه ضيق ، فلما حملت عليه أثقال النبوة ضاق ذرعه بها ولم يصبر لها ، وكذلك قال الله : ) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل ( " [ الأحقاف : 35 ] قاله وهب .
الثاني : أنه كان من عادة قومه أن من كذب قتلوه ، ولم يجربواْ عليه كذباً ، فلما أخبرهم أن العذاب يحل بهم ورفعه الله عنهم ، قال لا أرجع إليهم كذّاباً ، وخاف أن يقتلوه فخرج هارباً .
) فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : فظن أن لن نضيق طرقه ، ومنه قوله : ) وَمَن قَدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ( " [ الطلاق : 7 ] أي ضيق عليه ، قاله ابن عباس .
الثاني : فظن أن لن نعاقبه بما صنع ، قاله قتادة ، ومجاهد .
الثالث : فظن أن لن نحكم عليه بما حكمنا ، حكاه ابن شجرة ، قال الفراء : معناه لن نُقِدرَ عليه من العقوبة ما قَدَّرْنَا ، مأخوذ من القدر ، وهو الحكم دون القدرة ، وقرأ ابن عباس : نقدّر بالتشديد ، وهو معنى ما ذكره الفراء ، ولا يجوز أن يكون محمولاً على العجز عن القدرة عليه لأنه كفر .
الرابع : أنه على معنى استفهام ، تقديره : أفظن أن لن نقدر عليه ، فحذف ألف الاستفهام إيجازاً ، قاله سليمان بن المعتمر .
) فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنها ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة جوف الحوت ، قاله ابن عباس ، وقتادة . الثاني : وقتادة .
الثاني : أنها ظلمة الحوت في بطن الحوت ، قاله سالم بن أبي الجعد .
ويحتمل ثالثاً : أنها ظلمة الخطيئة ، وظلمة الشدة ، وظلمة الوحدة .

صفحة رقم 467
) أَن لاَّ إِلهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ( يعني لنفسي في الخروج من غير أن تأذن لي ، ولم يكن ذلك عقوبة من الله ، لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا ، وإنما كان تأديباً ، وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان .
قوله تعالى : ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ( وفي استجابة الدعاء قولان :
أحدهما : أنه ثواب من الله للداعي ولا يجوز أن يكون غير ثواب .
والثاني : أنه استصلاح فربما كان ثواباً وربما كان غير ثواب .
) وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : من الغم بخطيئته .
الثاني : من بطن الحوت لأن الغم التغطية . وقيل : إن الله أوحى إلى الحوت ألاّ تكسر له عظماً ، ولا تخدش له جلداً .
وحينما صار في بطنه : قال يا رب اتخذتَ لي مسجداً في مواضع ما اتخذها أحد .
وفي مدة لبثه في بطن الحوت ثلاثة أقاويل :
أحدها : أربعون يوماً .
الثاني : ثلاثة أيام .
الثالث : من ارتفاع النهار إلى آخره . قال الشعبي : أربع ساعات ، ثم فتح الحوت فاه فرأى يونس ضوء الشمس ، فقال : سبحانك إني كنت من الظالمين ، فلفظه الحوت .
( الأنبياء : ( 89 - 90 ) وزكريا إذ نادى . . . . .
" وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين " ( ) رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً ( فيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 468
أحدها : خلياًمن عصمتك ، قاله ابن عطاء .
الثاني : عادلاً عن طاعتك .
الثالث : وهو قول الجمهور يعني وحيداً بغير ولد .
) وَأَنتَ خَيْرُ الَْوَارِثينَ ( أي خير من يرث العباد من الأهل والأولاد ، ليجعل رغبته إلى الله في الولد والأهل لا بالمال ، ولكن ليكون صالحاً ، وفي النبوة تالياً .
قوله تعالى : ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهْبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنها كانت عاقراً فَجُعَِلَتْ ولوداً . قال الكلبي : وَلَدَتْ له وهو ابن بضع وسبعين سنة .
والثاني : أنها كانت في لسانها طول فرزقها حُسْنَ الخَلْقِ ، وهذا قول عطاء ، وابن كامل .
) . . . يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ( أي يبادرون في الأعمال الصالحة ، يعني زكريا ، وامرأته ، ويحيى .
) وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : رغباً في ثوابنا ورهباً من عذابنا .
الثاني : رغباً في الطاعات ورهباً من المعاصي .
والثالث : رغباً ببطون الأكف ورهباً بظهور الأكف .
والرابع : يعني طمعاً وخوفاً .
ويحتمل وجهاً خامساً : رغباً فيما يسعون من خير ، ورهباً مما يستدفعون من شر .
) وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني متواضعين ، وهذا قول ابن عباس .

صفحة رقم 469
والثاني : راغبين راهبين ، وهو قول الضحاك .
والثالث : أنه وضع اليمنى على اليسرى ، والنظر إلى موضع السجود في الصلاة .
( الأنبياء : ( 91 ) والتي أحصنت فرجها . . . . .
" والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين " ( قوله عز وجل : ) الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ( فيه وجهان :
أحدها : عفّت فامتنعت عن الفاحشة .
والثاني : أن المراد بالفَرْج فَرْجُ درعها منعت منه جبريل قبل أن تعلم أنه رسول .
) فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ( أي أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ ، فأضاف الروح إليه تشريفاً له ، وقيل بل أمر جبريل فحلّ جيب ردعها بأصابعه ثم نفخ فيه فحملت من وقتها .
) وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا ءَايَةً لِّلْعَالَمِينَ ( لأنها حملت من غير مسيس ، ووُلد عيسى من غير ذَكَرٍ ، مع كلامه في المهد ، ثم شهادته ببراءتها من الفاحشة ، فكانت هذه هي الآية ، قال الضحاك : ولدته في يوم عاشوراء .
( الأنبياء : ( 92 - 94 ) إن هذه أمتكم . . . . .
" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون " ( قوله عز وجل : ) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَةً وَاحِدَةً ( معناه أن دينكم دين واحد ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة .
ويحتمل عندي وجهين آخرين :
أحدهما : أنكم خلق واحد ، فلا تكونوا إلا على دين واحد .

صفحة رقم 470
والثاني : أنكم أهل عصر واحد ، فلا تكونوا إلا على دين واحد .
) وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ( فأوصى ألا يعبد سواه .
) وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : اختلفوا في الدين ، قاله الأخفش .
الثاني : تفرقوا ، قاله الكلبي .
( الأنبياء : ( 95 - 97 ) وحرام على قرية . . . . .
" وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين " ( قوله عز وجل : ) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ( فيه تأويلان :
أحدهما : معناه حرام على قرية وجدناها هالكة بالذنوب أنهم لا يرجعون إلى التوبة ، وهو قول عكرمة .
الثاني : وحرام على قرية أهلكناها بالعذاب أنهم لا يرجعون إلى الدنيا ، وهذا قول الحسن ، وقرأ أبن عباس : وحَرُم على قرية ، وتأويلها ما قاله سفيان : وجب على قرية أهلكناها . [ أنهم لا يرجعون قال : لا يتوبون ] .
قوله عز وجل : ) حَتَّى إِذَا فُتِحتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ( أي فتح السد ، وهو من أشراط الساعة ، وروى أبو هريرة عن زينب بنت جحش قالت : كان رسول

صفحة رقم 471
الله ( صلى الله عليه وسلم ) نائماً في بيته ، فاستيقظ محمرة عيناه ، فقال : ( لاَ إِله إِلاَّ اللَّهَ ثَلاَثاً ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ اليَومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجُ مِثْلَ هذَا ) وأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عِقْدِ التِّسْعِينَ .
ويأجوج ومأجوج قيل إنهما أخوان ، وهما ولدا يافث بن نوح ، وفي اشتقاق اسميهما قولان :
أحدهما : أنه مشتق من أَجّت النار .
والثاني : من الماء الأُجاج . وقيل إنهم يزيدون على الإِنس الضعف .
) وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ( وفي حدب الأرض ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه فجاجها وأطرافها ، قاله ابن عباس .
والثاني : حولها .
الثالث : تلاعها وآكامها ، مأخوذ من حدبة الظهر ، قال عنترة :
فما رعشت يداي ولا ازْدَهاني
تواترهم إليَّ من الحِداب
وفي قوله : ) يَنسِلُونَ ( وجهان :
أحدها : معناه يخرجون ، ومنه قول امرىء القيس :
89 ( فسلي ثيابي من ثيابك تنسلِ ) 89
والثاني : معناه يسرعون ، ومنه قول الشاعر :
عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنسل

صفحة رقم 472
وفي الذي هم من كل حدب ينسلون قولان :
أحدهما : هم يأجوج ومأجوج ، وهذا قول ابن مسعود .
الثاني : أنهم الناس يحشرون إلى الموقف .
( الأنبياء : ( 98 - 103 ) إنكم وما تعبدون . . . . .
" إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون " ( قوله تعالى : ) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : وقود جهنم ، وهو قول بن عباس .
الثاني : معناه حطب جهنم ، وقرأ علي بن أبي طالب وعائشة : حطب جهنم .
الثالث : أنهم يُرمَون فيها كما يُرْمَى بالحصباء ، حتى كأن جهنم تحصب بهم ، وهذا قول الضحاك ، ومنه قول الفرزدق :
مستقبلين شمال الشام يضربنا
بحاصب كنديف القطن منثور
يعني الثلج ، وقرأ ابن عباس : حضب جهنم ، بالضاد معجمة . قال الكسائي : حضبت النار بالضاد المعجمة إذا أججتها فألقيت فيها ما يشعلها من الحطب .
قوله عز وجل : ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى ( فيها ثلاثة تأويلات :

صفحة رقم 473
أحدها : أنها الطاعة لله تعالى : حكاه ابن عيسى .
والثاني : السعادة من الله ، وهذا قول ابن زيد .
والثالث : الجنة ، وهو قول السدي .
ويحتمل تأويلاً رابعاً : أنها التوبة .
) أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ( يعني عن جهنم . وفيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم عيسى والعزير والملائكة الذين عُبِدوا من دون الله وهم كارهون وهذا قول مجاهد .
الثاني : أنهم عثمان وطلحة والزبير ، رواه النعمان بن بشيرعن علي بن أبي طالب .
الثالث : أنها عامة في كل من سبقت له من الله الحسنى .
وسبب نزول هذه الآية ما حكي أنه لما نزل قوله تعالى : ) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دَونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ( قال المشركون : فالمسيح والعزير والملائكة قد عُبِدُوا ، فأنزل الله تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مَّنَّا الْحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ( يعني عن جهنم ، ويكون قوله : ) مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ( محمولاً على من عذبه ربه .
قوله عز وجل : ) لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الفزع الأكبر النفخة الأخيرة ، وهذا قول الحسن .
والثاني : أنه ذبْحُ الموتِ ، حكاه ابن عباس .
والثالث : حين تطبق جهنم على أهلها ، وهذا قول ابن جريج .
ويحتمل تأويلاً رابعاً : أنه العرض في المحشر .
( الأنبياء : ( 104 ) يوم نطوي السماء . . . . .
" يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " (

صفحة رقم 474
قوله عز وجل : ) يَومَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن السجل الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتابة ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة .
الثاني : أنه الملك .
الثالث : أنه كاتب يكتب بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا قول ابن عباس .
( الأنبياء : ( 105 - 107 ) ولقد كتبنا في . . . . .
" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ( قوله عز وجل : ) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ( فيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 475
أحدها : أن الزبور الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ، والذكر أُمّ الكتاب الذي عنده في السماء ، وهذا قول مجاهد .
والثاني : أن الزبور من الكتب التي أنزلها الله تعالى على مَنْ بعد موسى من أنبيائه ، وهذا قول الشعبي .
) أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ( فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها أرض الجنة يرثها أهل الطاعة ، وهذا قول سعيد بن جبير ، وابن زيد .
والثاني : أنها الأرض المقدسة يرثها بنو إسرائيل ، وهذا قول الكلبي .
والثالث : أنها أرض الدنيا ، والذي يرثها أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا قول ابن عباس .
قوله عز وجل : ) إِنَّ فِي هذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ( أما قوله ) إِنَّ فِي هذَا ( ففيه قولان :
أحدهما : يعني في القرآن .
والثاني : في هذه السورة .
وفي قوله : ) لَبَلاَغاً لَّقُوْمٍ عَابِدِينَ ( وجهان :
أحدهما : أنه بلاغ إليهم يَكُفُّهُم عن المعصية ويبعثهم على الطاعة .
الثاني : أنه بلاغ لهم يبلغهم إلى رضوان الله وجزيل ثوابه .
وفي قوله : ) عَابِدِينَ ( وجهان :
أحدهما : مطيعين .
والثاني : عالمين .
قوله عز وجل : ) وَمَا أرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( فيما أريد بهذه الرحمة وجهان :
أحدهما : الهداية إلى طاعة الله واستحقاق ثوابه .

صفحة رقم 476
الثاني : أنه ما رفع عنهم من عذاب الاستئصال .
وفي قوله : ) لِلْعَالَمِينَ ( وجهان :
أحدهما : من آمن منهم ، فيكون على الخصوص في المؤمنين إذا قيل إن الرحمة الهداية .
الثاني : الجميع ، فيكون على العموم في المؤمنين والكافرين إذا قيل إن الرحمة ما رفع عنهم من عذاب الاستئصال .
( الأنبياء : ( 108 - 112 ) قل إنما يوحى . . . . .
" قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون " ( قوله عز وجل : ) فَإِن تَوَلَّواْ ( يعني أعرضوا ، وفيه وجهان :
أحدهما : عنك .
والثاني : عن القرآن .
) فَقُلْ ءَاذَنْتَكُمْ عَلَى سَوآءٍ ( فيه سبعة تأويلات :
أحدها : على امر بَيِّنٍ سَوِي ، وهذا قول السدي .
والثاني : على مَهْل ، وهذا قول قتادة .
والثالث : على عدل ، وهذا قول الفراء .
والرابع : على بيان علانية غير سر ، وهذا قول الكلبي .
والخامس : على سَواءٍ في الإِعلام يظهر لبعضهم ميلاً عن بعض ، وهذا قول علي بن عيسى .
والسادس : استواء في الإِيمان به .

صفحة رقم 477
والسابع : معناه أن من كفر به فهم سواء في قتالهم وجهادهم ، وهذا قول الحسن .
قوله عز وجل : ) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : لعل تأخير العذاب فتنة لكم .
والثاني : لعل رفع عذاب الاستئصال فتنة لكم .
وفي هذه الفتنة ثلاثة أوجه :
أحدها : هلاك لكم .
والثاني : محنة لكم .
والثالث : إحسان لكم .
) وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : إلى يوم القيامة ، وهذا قول الحسن .
والثاني : إلى الموت ، وهذا قول قتادة .
والثالث : إلى أن يأتي قضاء الله تعالى فيهم .
قوله عز وجل : ) قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ ( فيه وجهان :
أحدهما : عجّل الحكم بالحق .
الثاني : معناه افصل بيننا وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع ، وهذا معنى قول قتادة .
) وَرَبُّنَا الرَّحَمنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : على ما تكذبون ، قاله قتادة .
والثاني : على ما تكتمون ، قاله الكلبي .
وقيل إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا شهد قتالاً قرأ هذه الآية . والله أعلم .

صفحة رقم 5
سورة الحج
مدنية كلها ، وقال ابن عباس إلا أربع آيات مكيات ، من قوله سبحانه ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ( إلى آخر الأربع . وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية كلها إلا آيتين من قوله تعالى : ) ومن الناس من يعبد الله على حرف ( وما بعدها ، لأن ) يا أيها الذين آمنوا ( مدني و ) يا أيها الناس ( مكي .
بسم الله الرحمن الرحيم
( الحج : ( 1 - 2 ) يا أيها الناس . . . . .
" يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " ( قوله عز وجل : ) يأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ( في زلزلتها قولان :
أحدهما : أنها في الدنيا ، وهي أشراط ظهورها ، وآيات مجيئها .
والثاني : أنها في القيامة .
وفيها قولان :
أحدهما : أنها نفخ الصور للبعث

صفحة رقم 6
والثاني : أنها عند القضاء بين الخلق .
) يَوْمَ تَرَوْنَهَا ( يعني زلزلة الساعة
. ) تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ( وفيه أربعة أوجه
: أحدها : تسلو كل مرضعة عن ولدها ، قاله الأخفش .
والثاني : تشتغل عنه ، قاله قطرب ، ومنه قول عبد الله بن رواحة :
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
والثالث : تلهو عنه ، قاله الكلبي ، ومنه قول امرىء القيس
:
أذاهِلٌ أنت عن سَلْماك لا برحت
أم لست ناسيها ما حنّت النيبُ
والرابع : تنساه ، قاله اليزيدي ، قال الشاعر :
تطاولت الأيام حتى نسيتها كأنك عن يوم القيامة ذاهل
) وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ( قال الحسن : تذهل الأم عن ولدها لغير فطام ، وتلقي الحامل ما في بطنها لغير تمام .
) وَتَرَى النَّاس سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ( قال ابن جريج : هم سكارى من الخوف ، وما هم بسكارى من الشراب .
( الحج : ( 3 - 4 ) ومن الناس من . . . . .
" ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " ( قوله عز وجل : ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ( فيه قولان
: أحدهما : أن يخاصم في الدين بالهوى ، قاله سهل بن عبد الله .
والثاني : أن يرد النص بالقياس ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث .
( الحج : ( 5 - 7 ) يا أيها الناس . . . . .
" يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة

صفحة رقم 7
ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " ( قوله عز وجل : ) يَأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنْتُم فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ( يعني آدم .
) ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ( يعني ولده .
) ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ( يعني أن النطفة تصير في الرحم علقة .
) ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ ( يعني أن العلقة تصير مضغة ، وذلك مقدار ما يمضع من اللحم .
) مُّخَلَّقَةٍ وَغِيْرِ مُخَلَّقَةٍ ( فيه أربعه تأويلات
: أحدها : أن المخلقة ما صار خلقاً ، وغير مخلقة ما دفعته الأرحام من النطف فلم يصير خلقاً ، وهو قول ابن مسعود .
والثاني : معناه تامة الخلق وغير تامة الخلق ، وهذا قول قتادة .
والثالث : معناه مصورة وغير مصورة كالسقط ، وهذا قول مجاهد .
والرابع : يعني التام في شهوره ، وغير التام ، قاله الضحاك ، قال الشاعر :
أفي غير المخلقة البكاءُ
فأين العزم ويحك والحَياءُ

صفحة رقم 8
) لِّنُبيِّنَ لَكُمْ ( يعني في القرآن بدء خلقكم وتنقل أحوالكم
. ) وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلّى أَجَلٍ مُّسَمًّى ( قال مجاهد : إلى التمام
. ) ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ( وقد ذكرنا عدد الأشُدّ
. ) وَمِنْكُم مَّن يُتَوَفّى ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني قبل أن تبلغ إلى أرذل العمر .
والثاني : قبل بلوغ الأَشُدّ .
) وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : الهرم ، وهو قول يحيى بن سلام .
والثاني : إلى مثل حاله عند خروجه من بطن أمّه ، حكاه النقاش .
والثالث : ذهاب العقل ، قاله اليزيدي .
) لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ( فيه وجهان
: أحدهما : لا يستفيد علماً ما كان به عالماً .
الثاني : لا يعقل بعد عقله الأول شيئاً .
ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً : أنه لا يعمل بعد علمه شيئاً ، فعبر عن العمل بالعلم [ لافتقاره إليه لأن تأثير الكبر في العمل أبلغ من تأثيره في العلم ] .
) وتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : غبراء ، وهذا قول قتادة .
والثاني : يابسة لا تنبت شيئاً ، وهذا قول ابن جريج .
والثالث : أنها الدراسة ، والهمود : الدروس ، ومنه قول الأعشى :
قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً
وأرى ثيابك باليات همَّدا
) فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ( وفي ) اهْتَزَّتْ ( وجهان :

صفحة رقم 9
أحدهما : معناه أنبتت ، وهو قول الكلبي .
والثاني : معناه اهتز نباتها واهتزازه شدة حركته ، كما قال الشاعر :
تثني إذا قامت وتهتز إن مشت
كما اهتز غُصْن البان في ورق خضرِ
) وَرَبَتْ ( وجهان
: أحدهما : معناه أضعف نباتها .
والثاني : معناه انتفخت لظهور نباتها ، فعلى هذا الوجه يكون مقدماً ومؤخراً وتقديره : فإذا أنزلنا عليها الماء رَبتْ واهتزت ، وهذا قول الحسن وأبي عبيدة ، وعلى الوجه الأول لا يكون فيه تقديم ولا تأخير .
) وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني من كل نوع ، وهو قول ابن شجرة .
والثاني : من كل لون لاختلاف ألوان النبات بالخضرة والحمرة والصفرة .
) بَهِيجٍ ( يعني حسن الصورة .
( الحج : ( 8 - 10 ) ومن الناس من . . . . .
" ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " ( قوله عز وجل : ) . . . ثَانِيَ عِطْفِهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : لاَوِي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة .
الثاني : معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة ، وهذا قول ابن عباس .
قال المفضل : والعِطف الجانب ، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه . قال الكلبي : نزلت في النضر بن الحارث .
) لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله .

صفحة رقم 10
والثاني : فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال : هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد ، حكاه الضحاك .
( الحج : ( 11 - 13 ) ومن الناس من . . . . .
" ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير " ( قوله عز وجل : ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني على وشك وهو قول مجاهد ، لكونه منحرفاً بين الإِيمان والكفر .
والثاني : على شرط ، وهو قول ابن كامل .
والثالث : على ضعف في العبادة كالقيام على حرف ، وهو قول علي بن عيسى .
ويحتمل عندي تأويلاً رابعاً : أن حرف الشي بعضه ، فكأنه يعبد الله بلسانه ويعصيه بقلبه .
) فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ( وهذا قول الحسن .
الثاني : أن ذلك نزل في بعض قبائل العرب وفيمن حول المدينة من أهل القرى ، كانوا يقولون : نأتي محمداً فإن صادفنا خيراً اتبعناه ، وإلا لحقنا بأهلنا ، وهذا قول ابن جريج ، فأنزل الله تعالى : ) فإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطْمَأنَّ بِهِ ( .
ويحتمل وجهين آخرين :

صفحة رقم 11
أحدهما : اطمأن بالخير إلى إيمانه .
الثاني : اطمأنت نفسه إلى مقامه .
) وَإِن أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ( أي محنة في نفسه أو ولده أو ماله
. ) انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ( يحتمل عندي وجهين
: أحدهما : رجع عن دينه مرتداً .
الثاني : رجع إلى قومه فزعاً .
) خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة ( خسر الدنيا بفراقه ، وخسر الآخرة بنفاقه
. ) ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانِ الْمُبِينُ ( أي البيِّن لفساد عاجله وذَهَاب آجله
. قوله عز وجل : ) لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئسْ الْعَشِيرُ ( يعني الصنم ، وفيه وجهان :
أحدهما : أن المولى الناصر ، والعشير الصاحب ، وهذا قول ابن زيد .
والثاني : المولى المعبود ، والعشير الخليط ، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة .
( الحج : ( 14 - 17 ) إن الله يدخل . . . . .
" إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد " ( قوله عز وجل : ) مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : أن يرزقه الله ، وهو قول مجاهد ، والنصر الرزق ، ومنه قول الأعشى .

صفحة رقم 12
أبوك الذي أجرى عليّ بنصره
فأنصب عني بعده كل قابل
والثالث : معناه أن لن يمطر أرضه ، ومنه قول رؤبة :
إني وأسطار سطران سطرا
لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا
إني عبيدة : يقال للأرض الممطرة أرض منصورة .
) فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ( والنصر في الدنيا بالغلبة ، وفي الآخرة بظهور الحجة .
ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة ، وفي الآخرة علو المنزلة .
) فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ( فيه تأويلان :
أحدهما : فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه ، وهذا قول ابن زيد .
والثاني : فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه ، ثم لِيخْنقَ به نفسه فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من ألا يرزقه الله تعالى ، وهذا قول السدي .
( الحج : ( 18 ) ألم تر أن . . . . .
" ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء " ( قوله عز وجل : ) وَمَن يُهِن اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكرمٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : ومن يهن الله فيدخله النار فما له من مكرم فيدخله الجنة .
) إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ( من ثواب وعقاب ، وهذا قول يحيى بن سلام

صفحة رقم 13
. والثاني : ومن يهن الله بالشقوة فما له من مكرم بالسعادة .
) إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءَ ( من شقوة ، وهذا قول الفراء وعلي بن عيسى
. ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً : ومن يهن الله بالإِنتقام فما له من مكرم بالإنعام ، إن الله يفعل ما يشاء من إنعام وانتقام .
( الحج : ( 19 - 22 ) هذان خصمان اختصموا . . . . .
" هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق " ( قوله عز وجل : ) هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ ( والخصمان ها هنا فريقان ، وفيهما أربعة أقاويل :
أحدها : أنهما المسلمون والمشركون حين اقتتلوا في بدر ، وهذا قول أبي ذر ، وقال محمد بن سيرين : نزلت في الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر ثلاثة من المشركين فقتلوهم .
والثاني : أنهم أهل الكتاب قالوا : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم .
ونحن خير منكم ، فقال المسلمون كتابنا يقضي على كتابكم ، ونبينا خاتم الأنبياء .
ونحن أولى بالله منكم ، وهذا قول قتادة .
والثالث : أنهم أهل الإِيمان والشرك في اختلافهم في البعث والجزاء ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، وعطاء .
والرابع : هما الجنة والنار اختصمتا ، فقالت النار : خلقني الله لنقمته ، وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته ، وهذا قول عكرمة .

صفحة رقم 14
) فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعْتَ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ( معناه أن النار قد أحاطت بها كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم ، فصارت من هذا الوجه ثياباً ، لأنها بالإِحاطة كالثياب .
) يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ ( ها هنا هو الماء الحار ، قال الشاعر :
كأن الحميم على متنها
إذا اغترفته بأطساسها
جُمان يحل على وجنةٍ
علته حدائد دوّاسها
وضم الحميم إلى النار وإن كانت أشد منه لأنه ينضج لحومهم ، والنار بانفرادها تحرقها ، فيختلف به العذاب فيتنوع ، فيكون أبلغ في النكال .
وقيل إنها نزلت في ثلاثة من المسلمين قتلوا ثلاثة من المشركين يوم بدر حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة ، وعليّ بن أبي طالب قتل الوليد بن عتبة ، وعبيدة بن الحارث قتل شيبة بن ربيعة .
قوله تعالى : ) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يحرق به وهو قول يحيى بن سلام .
والثاني : يقطع به ، وهو قول الحسن .
والثالث : ينضج به ، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج :
89 ( شك السفافيد الشواء المصطهرْ ) 89
والرابع : يذاب به ، وهو قول مجاهد ، مأخوذ من قولهم : صهرت الألية إذا أذبتها ، ومنه قول ابن أحمر :
تروي لقى ألقى في صفصفٍ تصهره الشمس فما ينْصهِر
) وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ( والمقامع : جمع مقمعة ، والمقمعة ما يضرب به الرأس لا يعي فينكب أو ينحط .

صفحة رقم 15
( الحج : ( 23 - 24 ) إن الله يدخل . . . . .
" إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد " ( قوله عز وجل : ) وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : أنه قول لا إله إلا الله ، وهو قول الكلبي .
والثاني : أنه الإِيمان ، وهو قول الحسن .
والثالث : القرآن ، وهو قول قطرب .
والرابع : هو الأمر بالمعروف .
ويحتمل عندي تأويلاً خامساً : أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق .
) وَهُدُواْ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ( فيه تأويلان
: أحدهما : الإِسلام ، وهو قول قطرب .
والثاني : الجنة .
ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً : أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته .
( الحج : ( 25 ) إن الذين كفروا . . . . .
" إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " ( قوله عز وجل : ) . . . وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه أراد المسجد نفسه ، ومعنى قوله : ) الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ( أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم .
) سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ ( وهو المقيم ، ) وَالْبَادِ ( وهو الطارىء إليه ، وهذا قول ابن عباس .

صفحة رقم 16
والقول الثاني : أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم ، وعلى هذا في قوله :
) الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ( وجهان
: أحدهما : أنهم سواء في دوره ومنازله ، وليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر ، وهذا قول مجاهد ومَنْ منع بيع دور مكة كأبي حنيفة .
والثاني : أنهما سواء في أن من دخله كان آمناً ، وأنه لا يقتل بها صيداً ولا يعضد بها شجراً .
) وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( والإِلحاد : الميل عن الحق والباء في قوله : ) بِإِلْحَادٍ ( زائدة كزيادتها في قوله تعالى : ) تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ( " [ المؤمنون : 20 ] ومثلها في قول الشاعر :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجِ
أي نرجو الفرج ، فيكون تقدير الكلام : ومن يرد فيه إلحاداً بظلم .
وفي الإِلحاد بالظلم أربعة تأويلات :
أحدها : أنه الشرك بالله بأن يعبد فيه غير الله ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة .
والثاني : أنه استحلال الحرام فيه ، وهذا قول ابن مسعود .
والثالث : استحلال الحرام متعمداً ، وهذا قول ابن عباس .
والرابع : أنه احتكار الطعام بمكة ، وهذا قول حسان بن ثابت .
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن عمرته عام الحديبية .

صفحة رقم 17
( الحج : ( 26 - 27 ) وإذ بوأنا لإبراهيم . . . . .
" وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " ( قوله عز وجل : ) وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ( فيه وجهان
: أحدهما : معناه وطأنا له مكان البيت ، حكاه ابن عيسى .
والثاني : معناه عرفناه مكان البيت بعلامة يستدل بها .
وفي العلامة قولان :
أحدهما : قاله قطرب ، بعثت سحابة فتطوقت حيال الكعبة فبنى على ظلها .
الثاني : قاله السدي ، كانت العلامة ريحاً هبت وكنست حول البيت يقال لها الخجوج .
) أَن لاَّ تُشْرِكَ بِي شَيْئاً ( أي لا تعبد معي إلهاً غيري .
) وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : من الشرك وعبادة الأوثان ، وهذا قول قتادة .
الثاني : من الأنجاس والفرث والدم الذي كان طرح حول البيت ، ذكره ابن عيسى .
والثالث : من قول الزور ، وهو قول يحيى بن سلام .
) لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( أما الطائفون فيعني بالبيت وفي ) الْقَائِمِينَ ( قولان
: أحدهما : يعني القائمين في الصلاة ، وهو قول عطاء .
والثاني : المقيمين بمكة ، وهو قول قتادة .
) وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( يعني في الصلاة ، وفي هذا دليل على ثواب الصلاة في البيت . وحكى الضحاك أن إبراهيم لما حضر أساس البيت وحد لَوْحاً ، عليه

صفحة رقم 18
مكتوب : أنا الله ذو بكّة ، خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن قَدَّرْتُ على يديه الخير ، وويلٌ لمن قدرت على يديه الشر .
وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله : ) وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ( يعني القلوب .
) لِلطَّآئِفِينَ ( يعني حجاج الله ، ) وَالْقَآئِمِينَ ( يعني الإِيمان ، ) وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( يعني الخوف والرجاء .
قوله عز وجل : ) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ( يعني أَعْلِمْهُم ونَادِ فيهم بالحق ، وفيه قولان :
أحدهما : أن هذا القول حكاية عن أمر الله سبحانه لنبيه إبراهيم ، فروي أن إبراهيم صعد جبل أبي قبيس فقال : عباد الله إن الله سبحانه وتعالى قد ابتنى بيتاً وأمَرَكُمْ بحجه فَحُجُّوا ، فأجابه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء : لبيك داعي ربنا لبيك . ولا يحجه إلى يوم القيامة إلا من أجاب دعوة إبراهيم ، وقيل إن أول من أجابه أهل اليمن ، فهم أكثر الناس حجاً له .
والثاني : أن هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأمر الناس بحج البيت .
) يَأْتُوكَ رِجَالاً ( يعني مشاة على أقدامهم ، والرجال جمع راجل .
) وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ( أي جملٍ ضامر ، وهو المهزول ، وإنما قال ) ضَامِرٍ ( لأنه ليس يصل إليه إلا وقد صار ضامراً .
) يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ( أي بعيد ، ومنه قول الشاعر :
تلعب لديهن بالحريق
مدى نياط بارح عميق

صفحة رقم 19
( الحج : ( 28 - 29 ) ليشهدوا منافع لهم . . . . .
" ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " ( قوله عز وجل : ) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : أنه شهود المواقف وقضاء المناسك .
والثاني : أنها المغفرة لذنوبهم ، قاله الضحاك .
والثالث : أنها التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة ، وهذا قول مجاهد .
) وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامِ مَّعْلُومَاتٍ ( فيها ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنها عشر ذي الحجة آخرها يوم النحر ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وهو مذهب الشافعي .

صفحة رقم 20
والثاني : أنها أيام التشريق الثلاثة ، وهذا قول عطية العوفي .
والثالث : أنها يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر ، وهذا قول الضحاك .
) عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ( يعني على نحر ما رزقهم نحره من بهيمة الأنعام ، وهي الأزواج الثمانية من الضحايا والهدايا .
) فَكَلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ( في الأكل والإِطعام ثلاثة أوجه
: أحدها : أن الأكل والإِطعام واجبان لا يجوز أن يخل بأحدهما ، وهذا قول أبي الطيب بن سلمة .
والثاني : أن الأكل والإطعام مستحبان ، وله الاقتصار على أيهما شاء وهذا قول أبي العباس بن سريج .
والثالث : أن الأكل مستحب والإطعام واجب ، وهذا قول الشافعي ، فإن أطعم جميعها أجزأه ، وإن أكل جميعها لم يُجْزه ، وهذا فيما كان تطوعاً ، وأما واجبات الدماء فلا يجوز أن نأكل منها .
وفي ) الْبآئِسَ الْفَقِيرَ ( خمسة أوجه :
أحدها : أن الفقير الذي به زمَانةٌ ، وهو قول مجاهد .
والثاني : الفقير الذي به ضر الجوع .
والثالث : أن الفقير الذي ظهر عليه أثر البؤس .
والرابع : أنه الذي يمد يده بالسؤال ويتكفف بالطلب .
والخامس : أنه الذي يؤنف عن مجالسته .
قوله عز وجل : ) ثُمَّ لْيَقْضَواْ تَفَثَهُمْ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : مناسك الحج ، وهو قول ابن عباس ، وابن عمر .
والثاني : حلق الرأس ، وهو قول قتادة ، قال أمية بن أبي الصلت .
حفوا رؤوسهم لم يحلقوا تفثاً
. . . . . . . . . . . . . .
والثالث : رمي الجمار ، وهو قول مجاهد
. والرابع : إزالة قشف الإِحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال الطيب ، وهو قول الحسن .
وقيل لبعض الصلحاء : ما المعنى في شعث المحرم ؟ قال : ليشهد الله تعالى منك الإِعراض عن العناية بنفسك فيعلم صدقك في بذلها لطاعته .
وسئل الحسن عن التجرد في الحج فقال : جرّد قلبك من السهو ، ونفسك من اللهو ولسانك من اللغو ، ثم يجوز كيف شئت .
وقال الشاعر :
قضوا تفثاً ونحباً ثم سارواْ إلى نجدٍ وما انتظروا علياً
) وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ( وهو تأدية ما نذروه في حجهم من نحر أو غيره .
) وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( يعني طواف الإِفاضة ، وهو الواجب في الحج

صفحة رقم 21
والعمرة ، ولا يجوز في الحج إلا بعد عرفة ، وإن جاز السعي .
وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أوجه :
أحدها : أن الله أعتقه من الجبابرة ، وهو قول ابن عباس .
الثاني : لأنه عتيق لم يملكه أحد من الناس ، وهو قول مجاهد .
والثالث : لأنه أعتق من الغرق في الطوفان ، وهذا قول ابن زيد .
( الحج : ( 30 - 31 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
" ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " ( قوله عز وجل : ) ذلِكَ وَمَن يَعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ( فيه قولان : أحدهما : أنه فعل ما أمر به من مناسكه ، قاله الكلبي .
والثاني : أنه اجتناب ما نهى عنه في إحرامه . ويحتمل عندي قولاً ثالثاً : أن يكون تعظيم حرماته أن يفعل الطاعة ويأمر بها ، وينتهي عن المعصية وينهى عنها .
) وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ( فيه قولان
: أحدهما : إلا ما يتلى عليكم من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذُبحَ على النصب .
والثاني : إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم .
) فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 22
: أحدهما : أي اجتنبواْ من الأوثان الرجس ، ورجس الأوثان عبادتها ، فصار معناه : فاجتنبوا عبادة الأوثان .
الثاني : معناه : فاجتنبواْ الأوثان فإنها من الرجس .
) وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : الشرك ، وهوقول يحيى بن سلام .
والثاني : الكذب ، وهو قول مجاهد .
والثالث : شهادة الزور . روى أيمن بن محمد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قام خطيباً فقال : ( أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ بِاللَّهِ مَرَّتِينَ ) ثم قرأ : ) فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ ( .
والرابع : أنها عبادة المشركين ، حكاه النقاش .
ويحتمل عندي قولاً خامساً : أنه النفاق لأنه إسلام في الظاهر زور في الباطن .

صفحة رقم 23
قوله عز وجل : ) حُنَفَآءَ لِلَّهِ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني مسلمين لله ، وهو قول الضحاك ، قال ذو الرمة :
إذا حول الظل العشي رأيته
حنيفاً وفي قرن الضحى يتنصر
والثاني : مخلصين لله ، وهو قول يحيى بن سلام .
والثالث : مستقيمين لله ، وهو قول عليّ بن عيسى .
والرابع : حجاجاً إلى الله ، وهو قول قطرب .
) غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : غير مرائين بعبادته أحداً من خلقه .
والثاني : غير مشركين في تلبية الحج به أحداً لأنهم كانواْ يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، قاله الكلبي .
( الحج : ( 32 - 33 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق " ( قوله عز وجل : ) ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَآئِرَ اللَّهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : فروض الله .
والثاني : معالم دينه ، ومنه قول الكميت :
نقتلهم جيلاً فجيلاً نراهم
شعائر قربان بهم يتقرب
وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها مناسك الحج ، وتعظيمها إشعارها ، وهو مأثور عن جماعة .
والثاني : أنها البُدن المشعرة ، وتعظيمها استسمانها واستحسانها ، وهو قول مجاهد .
والثالث : أنها دين الله كله ، وتعظيمها التزامها ، وهو قول الحسن .
) فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ( قال الكلبي والسدي : من إخلاص القلوب .
ويحتمل عندي وجهاً آخر أنه قصد الثواب .

صفحة رقم 24
ويحتمل وجهاً آخر أيضاً : أنه ما أرضى الله تعالى :
قوله عز وجل : ) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن المنافع التجارة ، وهذا قول من تأول الشعائر بأنها مناسك الحج ، والأجل المسمى العود .
والثاني : أن المنافع الأجر ، والأجل المسمى القيامة ، وهذا تأويل من تأولها بأنها الدين .
والثالث : أن المنافع الركوب والدر والنسل ، وهذا قول من تأولها بأنها الهَدْى فعلى هذا في الأجل المسمى وجهان :
أحدهما : أن المنافع قبل الإِيجاب وبعده ، والأجل المسمى هو النحر ، وهذا قول عطاء .
) ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعتِيقِ ( إن قيل إن الشعائر هي مناسك الحج ففي تأويل قوله : ) ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( وجهان :
أحدهما : مكة ، وهو قول عطاء .
والثاني : الحرم كله محل لها ، وهو قول الشافعي .
وإن قيل إن الشعائر هي الدين كله فيحتمل تأويل قوله : ) ثم محلها إلى البيت العتيق ( أن محل ما اختص منها بالأجر له ، هو البيت العتيق .
( الحج : ( 34 - 35 ) ولكل أمة جعلنا . . . . .
" ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " ( قوله عز وجل : ) وَلِكُلِّ أَمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حجاً ، وهو قول قتادة .

صفحة رقم 25
والثاني : ذبحاً ، وهو قول مجاهد .
والثالث : عيداً ، وهو قول الكلبي والفراء ، والمنسك في كلام العرب هو الموضع المعتاد ، ومنه تسمية مناسك الحج ، لاعتياد مواضعها .
) لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ( فيها وجهان :
أحدهما : أنها الهدي ، إذا قيل إن المنسك الحج .
والثاني : الأضاحي ، إذا قيل إن المنسك العيد .
قوله عز وجل : ) . . . وَبَشِّر الْمُخْبِتينَ ( فيه تسعة تأويلات :
أحدها : المطمئنين إلى ذكر إلههم ، وهو قول مجاهد ، ومنه قوله تعالى : ) فَتُخْبتْ لَهُ قُلُوبُهُم ( " [ الحج : 54 ] .
والثاني : معناه المتواضعين ، وهو قول قتادة .
والثالث : الخاشعين ، وهو قول الحسن . والفرق بين التواضع والخشوع أن التواضع في الأخلاق والخشوع في الأبدان .
والرابع : الخائفين ، وهو معنى قول يحيى بن سلام .
والخامس : المخلصين ، وهو قول إبراهيم النخعي .
والسادس : الرقيقة قلوبهم ، وهو قول الكلبي .
والسابع : أنهم المجتهدون في العبادة ، وهو قول الكلبي ومجاهد .
والثامن : أنهم الصالحون المطمئنون ، وهو مروي عن مجاهد أيضاً .
والتاسع : هم الذين لا يظلمون ، وإذا ظلمواْ لم ينتصرواْ ، وهو قول الخليل بن أحمد .
( الحج : ( 36 ) والبدن جعلناها لكم . . . . .
" والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون " (

صفحة رقم 26
قوله عز وجل : ) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ ( في البدن ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الإِبل ، وهو قول الجمهور .
والثاني : أنها الإِبل ، والبقر ، والغنم ، وهو قول جابر ، وعطاء .
والثالث : كل ذات خُفٍّ وحافر من الإِبل ، والبقر ، والغنم ، وهو شاذ حكاه ابن الشجرة ، وسميت بُدْناً لأنها مبدنة في السمن ، وشعائر الله تعالى دينه في أحد الوجهين ، وفروضه في الوجه الآخر .
وتعمق بعض أصحاب الخواطر فتأول البُدْن أن تطهر بدنك من البدع ، والشعائر أن تستشعر بتقوى الله وطاعته ، وهو بعيد .
) لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ( فيه تأويلان
: أحدهما : أي أجر ، وهو قول السدي .
والثاني : منفعة فإن احْتِيجَ إلى ظهرها رُكبَ ، وإن حُلِبَ لَبَنُها شُرِبَ ، وهو قول إبراهيم النخعي .
) فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوآفَّ ( وهي قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن : صوافي ، وقرأ ابن مسعود : صوافن .
فتأول صواف على قراءة الجمهور فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مصطفة ، ذكره ابن عيسى .
والثاني : قائمة لتصفّد يديها بالقيود ، وهو قول ابن عمر .
والثالث : معقولة ، وهو قول مجاهد .
وتأويل صوافي ، وهي قراءة الحسن : أي خالصة لله تعالى ، مأخوذ من الصفوة .
وتأويل صوافن وهي قراءة ابن مسعود : أنها مصفوفة ، وهو أن تَعقِل إحدى يديها حتى تقف على ثلاث ، مأخوذ من صفن الفرس إذا ثنى إحدى يديه حتى يقف على ثلاث ، ومنه قوله تعالى : ) الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ( وقال الشاعر :

صفحة رقم 27
الف الصفون مما يزال كأنه
مما يقوم على الثلاث كسيراً
) فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبهُا ( أي سقطت جنوبها على الأرض ، ومنه وجب الحائط إذا سقط ، ووجبت الشمس إذا سقطت للغروب ، وقال أوس بن حجر :
ألم تكسف الشمس ضوء النهار
والبدر للجبل الواجب
) فَكُلُواْ مِنْهَا ( فيه وجهان
: أحدهما : أن أكله منها واجب إذا تطوع بها ، وهو قول أبي الطيب بن سلمة .
والثاني : وهو قول الجمهور أنه استحباب وليس بواجب ، وإنما ورد الأمر به لأنه بعد حظر ، لأنهم كانواْ في الجاهلية يحرمون أكلها على نفوسهم .
) وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ والْمُعْتَرَّ ( فيهم أربعة تأويلات
: أحدها : أن القانع السائل ، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل ، وهذا قول الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومنه قول الشماخ :
لمالُ المرء يصلحه فيغني مفاقِرَه أعف من القُنُوع
أي من السؤال .
والثاني : أن القانع الذي يقنع ولا يسأل ، والمعتر الذي يسأل ، وهذا قول قتادة ، ومنه قول زهير :
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحةُ والبذلُ
والثالث : أن القانع المسكين الطوّاف ، والمعتر : الصديق الزائر ، وهذا قول زيد بن أسلم ، ومنه قول الكميت :
89 ( إما اعتياداً وإما اعتراراً ) 89
والرابع : أن القانع الطامع ، والمعتر الذي يعتري البُدْنَ ويتعرض للحم لأنه

صفحة رقم 28
ليس عنده لحم ، وهذا قول عكرمة ، ومنه قول الشاعر :
على الطارق المعتر يا أم مالك
إذا ما اعتراني بين قدري وصخرتي
( الحج : ( 37 ) لن ينال الله . . . . .
" لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين " ( قوله عز وجل : ) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ( فيه وجهان
: أحدهما : لن يقبل الله الدماء وإنما يقبل التقوى ، وهذا قول علي بن عيسى .
والثاني : معناه لن يصعد إلى الله لحومها ولا دماؤها ، لأنهم كانوا في الجاهلية إذا ذبحوا بُدنهم استقبلوا الكعبة بدمائها فيضجعونها نحو البيت ، فأراد المسلمون فعل ذلك ، فأنزل الله تعالى : ) لَنَ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم ( أي يصعد إليه التقوى والعمل الصالح ، وهذا قول ابن عباس .
) كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ ( أي ذللها لكم يعني الأنعام
. ) لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : يعني التسمية عند الذبح .
والثاني : لتكبروا عند الإِحلال بدلاً من التلبية في الإِحرام .
) عَلَى مَا هَداكُمْ ( أي ما أرشدكم إليه من حجكم
. ) وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : بالقبول .
والثاني : بالجنة .
( الحج : ( 38 - 41 ) إن الله يدافع . . . . .
" إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس

صفحة رقم 29
بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور " ( ) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : بالكفار عن المؤمنين ، وبالعصاة عن المطيعين ، وبالجهال عن العلماء .
والثاني : يدفع بنور السنة ظلمات البدعة ، قاله سهل بن عبد الله .
قوله عز وجل : ) وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : ولولا دفع الله المشركين بالمسلمين ، وهذا قول ابن جريج .
الثاني : ولولا دفع الله عن الدين بالمجاهدين ، وهذا قول ابن زيد .
والثالث : ولولا دفع الله بالنبيين عن المؤمنين ، وهذا قول الكلبي .
والرابع : ولولا دفع الله بأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عمن بعدهم من التابعين ، وهذا قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
والخامس : ولولا دفع الله بشهادة الشهود على الحقوق ، وهذا قول مجاهد .
والسادس : ولولا دفع الله على النفوس بالفضائل ، وهذا قول قطرب .
ويحتمل عندي تأويلاً سابعاً : ولولا دفع الله عن المنكر بالمعروف .
) لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ ( فيه قولان
: أحدها : أنها صوامع الرهبان ، وهذا قول مجاهد .
والثاني : أنها مصلى الصابئين ، وهو قول قتادة .

صفحة رقم 30
وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( صَوْمَعَةُ المُؤْمِنِ بَيْتُه ) وسميت صومعة لانضمام طرفيها ، والمنصمع : المنضم ، ومنه أذنٌ صمعاء .
) وَبِيَعٌ ( فيها قولان
: أحدهما : أنها بيع النصارى ، وهو قول قتادة .
والثاني : أنها كنائس اليهود ، وهو قول مجاهد ، والبيعة اسم أعجمي مُعَرَّب .
) وَصَلَوَاتٌ ( فيها قولان
: أحدهما : أنها كنائس اليهود يسمونها : صلوتا ، فعرب جمعها ، فقيل صلوات ، وهذا قول الضحاك .
والثاني : معناه : وتركت صلوات ، ذكره ابن عيسى .
) وَمَسَاجِدُ ( المسلمين ، ثم فيه قولان
: أحدهما : لهدمها الآن المشركون لولا دفع الله بالمسلمين ، وهو معنى قول الضحاك .
والثاني : لهدمت صوامع في أيام شريعة موسى ، وبيع في أيام شريعة عيسى ومساجد في أيام شريعة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا قول الزجاج ، فكان المراد بهدم كل شريعة ، الموضع الذي يعبد الله فيه .
( الحج : ( 42 - 46 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
" وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي

صفحة رقم 31
ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " ( قوله عز وجل : ) وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ ( فيها ثلاثة أوجه
: أحدها : يعني خالية من أهلها لهلاكها .
والثاني : غائرة الماء .
والثالث : معطلة من دلالتها وأرشيتها .
) وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المشيد الحصين وهو قول الكلبي ، ومنه قول امرىء القيس :
وتيماء لم يترك بها جذع نخلةٍ
ولا أطماً إلا مشيراً بجندل
والثاني : أن المشيد الرفيع ، وهو قول قتادة ، ومنه قول عدي بن زيد :
شاده مرمراً وجلله كل
ساً فللطير في ذراه وُكورُ
والثالث : أن المشيد المجصص ، والشيد الجص ، وهو قول عكرمة ومجاهد ومنه قول الطرماح :
89 ( كحية الماء بين الطين والشيد ) 89
وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره : وقصر مشيد مثلها معطل ، وقيل إن القصر والبئر بحضرموت من أرض اليمن معروفان ، وقصرِ مشرف على قلة جبل ولا

صفحة رقم 32
يرتقى إليه بحال ، والبئر في سفحه لا تقر الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته ، وأصحاب القصور ملوك الحضر ، وأصحاب الآبار ملوك البوادي ، أي فأهلكنا هؤلاء وهؤلاء .
قوله عز وجل : ) أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ( هذا يدل على أمرين : على أن العقل علم ، ويدل على أن محله القلب .
وفي قوله : ) يَعْقِلُونَ بِهَا ( وجهان :
أحدهما : يعملون بها ، لأن الأعين تبصر والقلوب تصير .
) أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ( أي يفقهون بها ما سمعوه من أخبار القرون السالفة .
) فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدورِ ( يحتمل عندي وجهين :
أحدهما : أنها لا تعمى الأبصار عن الهدى ولكن تعمى القلوب عن الاهتداء .
والثاني : فإنها لا تعمى الأبصار عن الاعتبار ولكن تعمى القلوب عن الادّكار .
قال مجاهد : لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضره عماه شيئاً ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه نظره شيئاً .
قال قتادة : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى وهو عبد الله بن زائدة .
( الحج : ( 47 - 48 ) ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . .
" ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف

صفحة رقم 33
سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " ( قوله تعالى : ) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ( يستبطئون نزوله بهم استهزاء منهم .
) وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ( ولن يؤخر عذابه عن وقته
. ) وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفْ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن يوماً من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة ، قاله مجاهد .
الثاني : أن طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا في المدة .
الثالث : أن ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك يوم النعيم .
( الحج : ( 49 - 51 ) قل يا أيها . . . . .
" قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم " ( قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي ءَآيِاتِنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه تكذيبهم بالقرآن ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنه عنادهم في الدين ، قاله الحسن .
) مُعَجِزِينَ ( قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، وقرأ الباقون ) مُعَاجِزِينَ ( فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مثبطين لمن أراد اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو قول السدي .

صفحة رقم 34
الثاني : مثبطين في اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو قول مجاهد .
والثالث : مكذبين ، حكاه ابن شجرة .
الرابع : مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزة في إيمانه .
ومن قرأ ) مُعَاجِزِينَ ( ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : مشاققين ، قاله ابن عباس .
والثاني : متسارعين ، حكاه ابن شجرة .
والثالث : معاندين ، قاله قطرب .
والرابع : مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هرباً ، قاله السدي .
( الحج : ( 52 - 54 ) وما أرسلنا من . . . . .
" وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم " ( قوله تعالى : ) وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلآَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه ( فيه تأويلان :
أحدهما : يعني أنه إذا حدّث نفسه ألقى الشيطان في نفسه ، قاله الكلبي .
الثاني : إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته ، قاله قتادة ومجاهد ، قال الشاعر :
تمنى كتاب الله أول ليله
وآخره لاقى حمام المقادِرِ
) مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ . . . ( فيه قولان :
أحدهما : أن الرسول والنبي واحد ، ولا فرق بين الرسول والنبي ، وإنما

صفحة رقم 35
جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر ، والرسل تعم الملائكة والبشر .
والقول الثاني : أنهما مختلفان ، وأن الرسول أعلى منزلة من النبي .
واختلف قائل هذا في الفرق بين الرسول والنبي على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الرسول هو الذي تتنزل عليه الملائكة بالوحي ، والنبي يوحى إليه في نومه .
والثاني : أن الرسول هو المبعوث إلى أُمَّةٍ ، والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة ، قاله قطرب .
والثالث : أن الرسول هو المبتدىء بوضع الشرائع والأحكام ، والنبي هو الذي يحفظ شريعة الله ، قاله الجاحظ .
) فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ( أي يرفعه
. ) ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءَآيَاتِهِ ( أي يثبتها ، واختلف أهل التأويل فيما قرأه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من ذلك على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه ألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً .
الثاني : أنه كان ناعساً فألقاه الشيطان على لسانه فقرأه في نعاسه قاله قتادة .
الثالث : أن بعض المنافقين تلاه عن إغواء الشيطان فخيل للناس أنه من تلاوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، حكاه ابن عيسى .
الرابع : إنما قال : هي كالغرانيق العلا - يعني الملائكة - وأن شفاعتهم لترتجى ، أي في قولكم ، قاله الحسن .
سبب نزول هذه الآية ما روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزلت عليه سورة النجم

صفحة رقم 36
قرأها في المسجد الحرام حتى بلغ ) أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ( " [ النجم : 19 - 20 ] ألقى الشيطان على لسانه ( أولئك الغرانيق العلا . وأن شفاعتهن لترتجى ) ثم ختم السورة وسجد . وسجد معه المسلمون والمشركون ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود ، ورضي بذلك كفار قريش ، وسمع بذلك من هاجر لأرض الحبشة . فأنكر جبريل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قرأه ، وشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى :
) وَمَا أرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه ( .
قوله تعالى : ) لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ( فيه وجهان :
أولهما : محنة .
الثاني : اختباراً . ) لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ( أي نفاق
. ) وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ( يعني المشركين
. ) وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : لفي ضلال طويل ، قاله السدي .
الثاني : لفي فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة ، قاله يحيى بن سلام .
( الحج : ( 55 - 57 ) ولا يزال الذين . . . . .
" ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين " (

صفحة رقم 37
) وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ( يعني في شك ) مِّنْهُ ( من القرآن ) حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ( فيه وجهان :
أحدهما : ساعة القيامة على من يقوم عليه من المشركين ، قاله الحسن .
الثاني : ساعة موتهم .
) أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ( فيه قولان :
أحدهما : يوم القيامة ، قاله عكرمة ، والضحاك .
الثاني : يوم بدر ، قاله مجاهد ، وقتادة .
وفي العقيم وجهان :
أحدهما : أنه الشديد ، قاله الحسن .
الثاني : أنه الذي ليس له مثيل ولا عديل ، قال يحيى بن سلام : لقتال الملائكة فيه .
ويحتمل ثالثاً : أن يكون العقيم هو الذي يجدب الأرض ويقطع النسل .
( الحج : ( 58 - 60 ) والذين هاجروا في . . . . .
" والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور " ( قوله تعالى : ) ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ( الآية ، فيها قولان :
أحدهما : أنها نزلت في قوم من مشركي قريش لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله المسلمين فنزل ذلك فيهم ، حكاه النقاش .
الثاني : أنها في قوم من المشركين مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمثله فنزل ذلك فيهم ، حكاه ابن عيسى . ونصر الله في

صفحة رقم 38
الدنيا بالغلبة والقهر ، وفي الآخرة بالحجبة والبرهان .
( الحج : ( 61 - 66 ) ذلك بأن الله . . . . .
" ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور " ( قوله تعالى : ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن الحق اسم من أسمائه تعالى ، قاله يحيى ابن سلام .
الثاني : أنه ذو الحق ، قاله ابن عيسى .
الثالث : معناه أن عبادته حق وهو معنى قول السدي .
) وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ( فيه قولان
: أحدهما : الأوثان ، قاله الحسن .
الثاني : إبليس ، قاله قتادة .
( الحج : ( 67 - 72 ) لكل أمة جعلنا . . . . .
" لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على

صفحة رقم 39
الله يسير ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير " ( قوله تعالى : ) مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : أنه العيد ، قاله ابن قتيبة .
الثاني : أنها المواضع المعتادة لمناسك الحج والعمرة ، قاله الفراء .
الثالث : المذبح ، قاله الضحاك .
الرابع : المنسك الْمُتَعَبد والنسك العِبَادَة ومنه سمي العَابِدُ ناسكاً ، قاله الحسن .
( الحج : ( 73 - 74 ) يا أيها الناس . . . . .
" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز " ( قوله تعالى : ) يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ ( لأن حجج الله عليهم بضرب الأمثال لهم أقرب لأفهامهم : فإن قيل فأين المثل المضروب ؟ ففيه وجهان :
أحدهما : أنه ليس هنا مثل ومعنى الكلام أنهم ضربوا لله مثلاُ في عبادته غيره ، قاله الأخفش .
الثاني : أنه ضرب مثلهم كمن عبد من لا يخلق ذباباً ، قاله ابن قتيبة .
) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ( يحتمل ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 40
أحدها : أنهم الأوثان الذين عبدوهم من دون الله .
الثاني : أنهم السادة الذين صَرَفُوهُم عن طاعة الله .
الثالث : أنهم الشياطين الذين حملوهم على معصية الله .
) لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ ( ليعلمهم أن العبادة إنما تكون للخالق المنشىء دون المخلوق المنشأ ، وخص الذباب لأربعة أمور تخصه : لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته ، وسُمِّي ذباباً لأنه يُذَبُّ احتقاراً واستقذاراً .
) وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : إفساده لثمارهم وطعامهم حتى يسلبهم إياها .
والثاني : أَلَمُهُ في قرض أبدانهم ، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يكونون آلهة معبودين وأرباباً مُطَاعين وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان .
ثم قال : ) ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون عائداً إلى العَابِد والمَعْبُود ، فيكون في معناه وجهان :
أحدهما : أن يكون عائداً إلى العابد والمعبود .
الثاني : قهر العابد والمعبود .
والاحتمال الثاني : أن يكون عائداً للسالب فيكون في معناه وجهان :
أحدهما : ضعف للسالب عن القدرة والمسلوب عن النُصْرَة .
الثاني : ضعف السالب بالمهانة والمسلوب بالاستكانة .
) وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : ما عظموه حق عظمته ، قاله الفراء .
الثاني : ما عرفوه حق معرفته ، قاله الأخفش .
الثالث : ما وصفوه حق صفته ، قاله قطرب . قال ابن عباس : نزلت في يهود المدينة حين قالواْ استراح الله في يوم السبت .
( الحج : ( 75 - 76 ) الله يصطفي من . . . . .
" الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع

صفحة رقم 41
بصير يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور " ( قوله تعالى : ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما بين أيديهم : ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء ، وما خلفهم : ما يكون بعد خلقهم ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : ما بين أيديهم : أول أعمالهم ، وما خلفهم آخر أعمالهم ، قاله الحسن .
الثالث : ما بين أيديهم من أمر الآخرة وما خلفهم من أمر الدنيا ، قاله يحيى بن سلام .
ويحتمل رابعاً : ما بين أيديهم : من أمور السماء ، وما خلفهم : من أمور الأرض . ( الحج : ( 77 - 78 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " ( قوله تعالى : ) وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِِهِ ( قال السدي : اعملوا لله حق عمله ، وقال الضحاك أن يطاع فلا يعصى ويُذْكر فلا يُنْسَى ويُشْكر فلا يُكْفَر . وهو مثل قوله تعالى : ) اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ( " [ آل عمران : 102 ] .
واختلف في نسخها على قولين :
أحدهما : أنها منسوخة بقوله تعالى : ) فَاتَقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ( " [ التغابن : 16 ] .

صفحة رقم 42
والثاني : أنها ثابتة الحكم لأن حق جهاده ما ارتفع معه الحرج ، روى سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( خَيْرُ دِيْنِكُمْ أَيْسَرَهُ ) . ) هُوَ اجْتَبَاكُمْ ( أي اختاركم لدينه
. ) وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( يعني من ضيق ، وفيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه الخلاص من المعاصي بالتوبة .
الثاني : المخرج من الأيمان بالكفارة .
الثالث : أنه تقديم الأهلة وتأخيرها في الصوم والفطر والأضحى ، قاله ابن عباس .
الرابع : أنه رخص السفر من القصر والفطر .
الخامس : أنه عام لأنه ليس في دين الإٍسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من المأثم فيه .
) مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمُ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : أنه وسع عليكم في الدين كما وسع ملة أبيكم إبراهيم .
الثاني : وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم .
الثالث : أن ملة إبراهيم وهي دينه لازمة لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وداخلة في دينه . الرابع : أن علينا ولاية إبراهيم وليس يلزمنا أحكام دينه .

صفحة رقم 43
) هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذَا ( فيه وجهان
: أحدهما : أن الله سماكم المسلمين من قبل هذا القرآن وفي هذا القرآن ، قاله ابن عباس ومجاهد .
الثاني : أن إبراهيم سماكم المسلمين ، قاله ابن زيد احتجاجاً بقوله تعالى : ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( " [ البقرة : 128 ] .
) لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ ( فيه وجهان
: أحدهما : ليكون الرسول شهيداً عليكم في إبلاغ رسالة ربه إليكم ، وتكونوا شهداء على الناس تُبَلِغُونَهُم رسالة ربهم كما بلغتم إليهم ما بلغه الرسول إليكم .
الثاني : ليكون الرسول شهيداً عليكم بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن رُسُلَهُم قد بَلَّغُوهم .
) فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ( يعني المفروضة .
) وَءَآتُواْ الزَّكَاةِ ( يعنى الواجبة .
) وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : امتنعوا بالله ، وهو قول ابن شجرة .
والثاني : معناه تمسّكوا بدين الله ، وهو قول الحسن .
) هُوَ مَوْلاَكُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : مَالِكُكُم .
الثاني : وليكم المتولي لأموركم .
) فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصَيرُ ( أي فنعم المولى حين لم يمنعكم الرزق لما عصيتموه ، ونعم النصير حين أعانكم لما أطعتموه .

صفحة رقم 44
سورة المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم
( المؤمنون : ( 1 - 11 ) قد أفلح المؤمنون
" قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " ( ) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه قد سعد المؤمنون ومنه قول لبيد :
فاعقلي إن كنت لم تعقلي
إنما أفلح من كان عقل
الثاني : أن الفلاح البقاء ومعناه قد بقيت لهم أعمالهم ، وقيل : إنه بقاؤهم في الجنة ، ومنه قولهم في الأذان : حي على الفلاح أي حي على بقاء الخير قال طرفة بن العبد :
أفبعدنا أو بعدهم . .
. يرجى لغابرنا الفلاح

صفحة رقم 45
الثالث : أنه إدْراك المطالب قال الشاعر :
لو كان حي مدرك الفلاح
أدركه ملاعب الرماح
قال ابن عباس : المفلحون الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا . روى عمر بن الخطاب قال كان النبي صل الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يسمع عند وجهه دويٌ كدوي النحل ، فنزل عليه يوماً فلما سرى عنه استقبل القبلة ورفع يديه ثم قال : ( اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تُنْقِصْنَا ، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا ، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا ، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَينَا ، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا ) ثم قال : ( لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ عَشْرَ أَيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) ثم قرأ علينا ) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( حتى ختم العشر . روى أبو عمران الجوني قال قيل لعائشة ما كان خُلُق رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ ، قالت أتقرأُون سورة المؤمنون ؟ قيل : نعم ، قالت اقرأُوا فقرىء عليها ) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( حتى بَلَغَ ) يَحَافِظُونَ ( .
فقالت : هكذا كان خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
قوله تعالى : ) الَّذِيِنَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : خائفون ، وهوقول الحسن ، وقتادة .
والثاني : خاضعون ، وهو قول ابن عيسى .
والثالث : تائبون ، وهو قول إبراهيم .

صفحة رقم 46
والرابع : أنه غض البصر ، وخفض الجناح ، قاله مجاهد .
الخامس : هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض ، ولا يجوز بصره مُصَلاَّهُ ، فقد روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يرفع بصره إلى السماء فنزلت : ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ( فصار لا يجوِّز بصره مُصَلاَّهُ .
فصار في محل الخشوع على هذه الأوجه قولان :
أحدهما : في القلب خاصة ، وهو قول الحسن وقتادة .
والثاني : في القلب والبصر ، وهو قول الحسن وقتادة .
قوله : ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن اللغو الباطل ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه الكذب ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه الحلف ، قاله الكلبي .
الرابع : أنه الشتم لأن كفار مكة كانوا يشتمون المسلمين فهو عن الإِجابة ، حكاه النقاش .
الخامس : أنها المعاصي كلها ، قاله الحسن .

صفحة رقم 47
قوله : ) أُوْلئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( مَا مِنْكُم إِلاَّ لَهُ مَنزِلاَنِ : مَنزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنزِلٌ فِي النَّارِ ، فَإِن مَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ ، وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ ، وإِنْ مَاتَ وََدَخَلَ الجَنَّةَ ، وَرِثَ أَهْلُ النَّارِ مَنزِلَهُ ، فَذلِكَ قولَه ) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( ) ثم بيَّن ما يرثون فقال :
) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ( فيه خمسة أوجه
: أحدها : أنه اسم من أسماء الجنة ، قاله الحسن .
الثاني : أنه أعلى الجنان قاله قطرب .
الثالث : أنه جبل الجنة الذي تتفجر منه أنهار الجنة ، قاله أبو هريرة .
الرابع : أنه البستان وهو رومي معرب ، قاله الزجاج .
الخامس : أنه عربي وهو الكرم ، قاله الضحاك .
( المؤمنون : ( 12 - 16 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون " ( قوله : ) وَلَقَدْ خَلَقنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ( فيه قولان
: أحدهما : آدم استل من طين ، وهذا قول قتادة ، وقيل : لانه اسْتُلَ من قِبَل ربه .
والثاني : أن المعني به كل إنسان ، لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة من طين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقيل : لأنه استل من نطفة أبيه ، والسلالة من كل شيء صفوته التي تستل منه ، قال الشاعر :
وما هند إلا مهرة عربية
سليلة أفراسٍ تجلّلها بغل
وقال الزجاج : السلالة القليل مما ينسل ، وقد تُسَمَّى ، المضغة سلالة والولد سلالة إما لأنهما صفوتان على الوجه الأول ، وإما لأنهما ينسلان على الوجه الثاني ،

صفحة رقم 48
وحكى الكلبي : أن السلالة الطين الذي إذا اعتصرته بين أصابعك خرج منه شيء ، ومنه قول الشاعر :
طوت أحشاء مرتجةٍ لوقت
على مشج سلالته مهينُ
وحكى أبان بن تغلب أن السلالة هي التراب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت .
خلق البرية من سلالة منتن
وإلى السلالة كلها ستعود
) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطّْفَةً ( النطفة هي ماء الذكر الذي يعلق منه الولد ، وقد ينطلق اسم النطفة على كل ماء ، قال بعض شعراء هذيل :
وأنهما لحرّابا حروب وشرّابان بالنطف الظوامي
قوله تعالى : ) فِي قَرَارٍ مَّكينٍ ( يعني بالقرار الرحم ، ومكين : أي متمكن قد هيىء لاستقراره فيه .
) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ( العلقة الدم الطري الذي خلق من النطفة سُمّيَ علقة لأنه أول أحوال العلوق .
) فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ( وهي قدر ما يمضغ من اللحم
. ) فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمَاً ( وإنما بين الله أن الإِنسان تنتقل أحوال خلقه ليعلم نعمته عليه وحكمته فيه ، وإن بعثه بعد الموت حياً أهون من إنشائه ولم يكن شيئاً .
) ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : يعني بنفخ الروح فيه ، وهذا قول ابن عباس والكلبي .
والثاني : بنبات الشعر ، وهذا قول قتادة .
والثالث : أنه ذكر و أنثى ، وهذا قول الحسن .
والرابع : حين استوى به شبابه ، وهذا قول مجاهد .
ويحتمل وجهاً خامساً : أنه بالعقل والتمييز .

صفحة رقم 49
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية إلى قوله : ) ثَمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقَاً آخَرَ ( . قال عمر بن الخطاب : فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت : ) فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( .
( المؤمنون : ( 17 ) ولقد خلقنا فوقكم . . . . .
" ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين " ( قوله : ) سَبْعَ طَرآئِقَ ( أي سبع سموات ، وفي تسميتها طرائق ثلاثة أوجه
: أحدها : لأن كل طبقة على طريقة من الصنعة والهيئة .
الثاني : لأن كل طبقة منها طريق الملائكة ، قاله ابن عيسى .
الثالث : لأنها طباق بعضها فوق بعض ، ومنه أخذ طراق الفحل إذا أطبق عليها ما يمسكها ، قاله ابن شجرة ، فيكون على الوجه الأول مأخوذاً من التطرق ، وعلى الوجه الثاني مأخوذاً من التطارق .
) وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلقِ غَافِلِينَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : غافلين عن حفظهم من سقوط السماء عليهم ، قاله ابن عيسى .
الثاني : غافلين عن نزول المطر من السماء عليهم ، قاله الحسن .
الثالث : غافلين ، أي عاجزين عن رزقهم ، قاله سفيان بن عيينة .
وتأول بعض المتعمقة في غوامض المعاني سبع طرائق : أنها سبع حجب بينه وبين ربه ، الحجاب الأول قلبه ، الثاني جسمه ، الثالث نفسه ، الرابع عقله ، الخامس علمه ، السادس إرادته ، السابع مشيئته توصله إن صلحت وتحجبه إن فسدت ، وهذا تكلف بعيد .

صفحة رقم 50
( المؤمنون : ( 18 - 22 ) وأنزلنا من السماء . . . . .
" وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون " ( قوله تعالى : ) وَشَجَرةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنآءَ ( هي شجر الزيتون ، وخصت بالذكر لكثرة منفعتها وقلة تعاهدها .
وفي طور سيناء خمسة تأويلات :
أحدها : أن سيناء البركة فكأنه قال جبل البركة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .
الثاني : أنه الحسن المنظر ، قاله قتادة .
الثالث : أنه الكثير الشجر ، قاله ابن عيسى .
الرابع : أنه اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، قاله أبو عبيدة .
الخامس : أنه المرتفع مأخوذ من النساء ، وهو الارتفاع فعلى هذا التأويل يكون اسماً عربياً وعلى ما تقدم من التأويلات يكون اسماً أعجمياً واختلف القائلون بأعجميته على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سرياني ، قاله ابن عباس .
الثاني : نبطي .
الثالث : حبشي .
) تَنْبُتْ بِالدُّهْنِ ( اختلف في الدهن هنا على قولين :
أحدهما : أن الدهن هنا المطر اللين ، قاله محمد بن درستويه ، ويكون دخول الباء تصحيحاً للكلام .
الثاني : أنه الدهن المعروف أي بثمر الدهن .
وعلى هذا اختلفوا في دخول الباء على وجهين :

صفحة رقم 51
أحدهما : أنها زائدة وأنها تنبت الدهن ، قاله أبو عبيدة وأنشد :
89 ( نضرب بالسيف ونرجو بالفرج ) 89
فكانت الباء في بالفرج زائدة كذلك في الدهن وهي قراءة ابن مسعود
. الثاني : أن الباء أصل وليست بزائدة ، وقد قرىء تنبت بالدهن بفتح التاء الأولى إذا كانت التاء أصلاً ثابتاً . فإن كانت القراءة بضم التاء الأولى فمعناه تنبت وينبت بها الدهن ومعناهما إذا حقق متقارب وإن كان بينهما أدنى فرق . وقال الزجاج : معناه ينبت فيها الدهن ، وهذه عبرة : أن تشرب الماء وتخرج الدهن .
) وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ ( أي إدام يصطبغ به الآكلون ، وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( الزَّيتُ مِنْ شَجَرةٍ مُبَارَكَةٍ فَائْتَدِمُواْ بِهِ وَادَّهِنُوا ) وقيل إن الصبغ ما يؤتدم به سوى اللحم .
( المؤمنون : ( 23 - 25 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين " (

صفحة رقم 52
قوله عز وجل : ) مَا سَمِعْنَا بِهذَا فِي ءَابَائِنَا الأَوَّلِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : ما سمعنا بمثل دعوته .
والثاني : ما سمعنا بمثله بشراً أتى برسالة من ربه .
وفي أبائهم الأولين وجهان :
أحدهما : أنه الأب الأدنى ، لأنه أقرب ، فصار هو الأول .
والثاني : أنه الأب الأبعد لأنه أوّل أبٍ وَلدَك .
) فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : حتى يموت .
الثاني : حتى يستبين جنونه .
( المؤمنون : ( 26 - 30 ) قال رب انصرني . . . . .
" قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين " ( قوله : ) وَفَارَ التَّنُّورَ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : تنور الخابزة ، قاله الكلبي .
الثاني : أنه آخر مكان في دارك ، قاله أبو الحجاج .
الثالث : أنه طلوع الفجر ، قاله علي رضي الله عنه .
الرابع : أنه مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لاشتداد الأمر كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( الآن حَمِيَ الوَطِيسُ ) قاله ابن بحر .

صفحة رقم 53
قوله تعالى : ) وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً ( قراءة الجمهور بضم الميم وفتح الزاي ، وقرأ عاصم في رواية بكر بفتح الميم وكسر الزاي والفرق بينهما أن المُنزَلَ بالضم فعل النزول وبالفتح موضع النزول .
) وَأَنتَ خَيْرٌ الْمُنزِلِينَ ( في ذلك قولان
: أحدهما : أن نوحاً قال ذلك عند نزوله في السفينة فعلى هذا يكون قوله مباركاً يعني بالسلامة والنجاة .
الثاني : أنه قاله عند نزوله من السفينة ، قاله مجاهد . فعلى هذا يكون قوله مباركاً يعني بالماء والشجر .
( المؤمنون : ( 31 - 41 ) ثم أنشأنا من . . . . .
" ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " ( قوله تعالى : ) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يموت منا قوم ويحيا منا قوم ، قاله ابن عيسى .
الثاني : يموت قوم ويولد قوم ، قاله يحيى بن سلام ، قال الكلبي ، يموت الآباء ويحيا الأبناء .

صفحة رقم 54
الثالث : أنه مقدم ومؤخر معناه نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين ، قاله ابن شجرة .
قوله : ) فَجَعَلْنَاهُمْ غُثآءً ( أي هلكى كالغثاء ، وفي الغثاء ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه البالي من الشجر ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .
والثاني : ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف ، وهذا قول قطرب .
والثالث : هو ما احتمله الماء من الزبد والقذى ، ذكره ابن شجرة وقاله الأخفش .
) فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : فبعداً لهم من الرحمة كاللعنة ، قاله ابن عيسى .
الثاني : فبعداً لهم في العذاب زيادة في الهلاك ، ذكره أبو بكر النقاش .
( المؤمنون : ( 42 - 44 ) ثم أنشأنا من . . . . .
" ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون " ( قوله : ) ثَمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ( فيه قولان :
أحدهما : متواترين يتبع بعضهم بعضاً ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .
الثاني : منقطعين بين كل اثنين دهر طويل وهذا تأويل من قرأ بالتنوين .
وفي اشتقاق تترى ثلاثة أقاويل .
أحدها : أنه مشتق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه ، قاله ابن عيسى . وهو اشتقاقه على القول الأول .
الثاني : أنه مشتق من الوتر وهو الفرد لأن كل واحد بعد صاحبه فرد ، قاله الزجاج ، وهو اشتقاقه على التأويل الثاني .
الثالث : أنه مشتق من التواتر ، قاله ابن قتيبة ويحتمل اشتقاقه التأويلين معاً .

صفحة رقم 55
( المؤمنون : ( 45 - 49 ) ثم أرسلنا موسى . . . . .
" ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون " ( قوله : ) قَوْماً عَالِينَ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : متكبرين ، قاله المفضل .
الثاني : مشركين ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : قاهرين ، قاله ابن عيسى .
الرابع : ظالمين ، قاله الضحاك .
قوله : ) . . . وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : مطيعون ، قاله ابن عيسى .
الثاني : خاضعون ، قاله ابن شجرة .
الثالث : مستبعدون ، قاله يحيى بن سلام .
الرابع : ما قاله الحسن كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون وكان فرعون يعبد الأصنام .
( المؤمنون : ( 50 ) وجعلنا ابن مريم . . . . .
" وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " ( قوله : ) وَجَعَلْنَا ابْنَ مرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً ( فآيته أن خلق من غير ذكر وآيتها أن حملت من غير بعل ، ثم تكلم في المهد فكان كلامه آية له ، وبراءة لها .
) وَءَاوَيْنَا هُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ ( الآية . الربوة ما ارتفع من الأرض وفيه قولان :
أحدهما : أنها لا تسمى ربوة إلا إذا اخضرت بالنبات وربت ، وإلاّ قيل نشز اشتقاقاً من هذا المعنى واستشهاداً بقول الله تعالى : ) كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ( " [ البقرة : 65 ] ويقول الشاعر :
طوى نفسه طيّ الحرير كأنه
حوى جنة في ربوة وهو خاشع

صفحة رقم 56
الثاني : تسمى ربوة وإن لم تكن ذات نبات قال امرؤ القيس :
فكنت هميداً تحت رمس بربوة
تعاورني ريحٌ جنوب وشمألُ
وفي المراد بها هنا أربعة أقاويل
: أحدها : الرملة ، قاله أبو هريرة .
الثاني : دمشق ، قاله ابن جبير .
الثالث : مصر ، قاله ابن زيد .
الرابع : بيت المقدس . قاله قتادة ، قال كعب الأحبار ، هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً .
وفي : ) ذَاتِ قَرَارٍ ( أربعة أوجه :
أحدها : ذات استواء ، قاله ابن جبير .
الثاني : ذات ثمار ، قاله قتادة .
الثالث : ذات معيشة تقرهم ، قاله الحسن .
الرابع : ذات منازل تستقرون فيها ، قاله يحيى بن سلام .
وفي ) مَعَينٍ ( وجهان :
أحدهما : أنه الجاري ، قاله قتادة .
الثاني : أنه الماء الطاهر ، قاله عكرمة ومنه قول جرير :
إن الذين غروا بلبك غادروا
وشلاً بعينك ما يزال معينا
أي ظاهراً ، في اشتقاق المعين ثلاثة أوجه
: أحدها : لأنه جار من العيون ، قاله ابن قتيبة فهو مفعول من العيون .
الثاني : أنه مشتق من المعونة .
الثالث : من الماعون .
( المؤمنون : ( 51 - 56 ) يا أيها الرسل . . . . .
" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما

صفحة رقم 57
نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " ( قوله : ) وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدةً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : دينكم دين واحد ، قاله الحسن ، ومنه قول الشاعر :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً
وهل يأتَمن ذو أمة وهو طائع
الثاني : جماعتكم جماعة واحدة ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : خلقكم خلق واحد .
قوله : ) فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : ففرقوا دينهم بينهم قاله الكلبي .
الثاني : انقطع تواصلهم بينهم . وهو محتمل .
) زُبُراً ( فيه تأويلان
: أحدهما يعني قطعاً وجماعات ، قاله مجاهد ، والسدي ، وتأويل من قرأ بفتح الباء .
الثاني : يعني ، كتباً ، قاله قتادة ، وتأويل من قرأ بضم الباء ومعناه ، أنهم تفرقوا الكتب ، فأخذ كل فريق منهم كتاباً ، آمن به وكفر بما سواه .
) كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : كل حزب بما تفردوا به من دين وكتاب فرحون .
والثاني : كل حزب بما لهم من أموال وأولاد فرحون .
وفي فرحهم وجهان :
أحدهما : أنه سرورهم .
والثاني : أنها أعمالهم .
قوله عز وجل : ) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ ( فيها أربعة تأويلات :
أحدها : في ضلالتهم ، وهو قول قتادة .

صفحة رقم 58
والثاني : في عملهم ، وهو قول يحيى بن سلام .
والثالث : في حيرتهم ، وهو قول ابن شجرة .
والرابع : في جهلهم ، وهو قول الكلبي .
) حَتَّى حِينٍ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : حتى الموت .
والثاني : حتى يأتيهم ما وعدوا به ، وهو يوم بدر .
والثالث : أنه خارج مخرج الوعيد كما تقول للتوعد : لك يوم ، وهذا قول الكلبي .
قوله عز وجل : ) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ( أي نعطيهم ونزيدهم من أموال وأولاد .
) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ( فيه وجهان
: أحدهما : نجعله في العامل خيراً .
والثاني : أنما نريد لهم بذلك خيراً .
) بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : بل لا يشعرون أنه استدراج .
والثاني : بل لا يشعرون أنه اختبار .
( المؤمنون : ( 57 - 61 ) إن الذين هم . . . . .
" إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون " ( قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني الزكاء .
الثاني : أعمال البر كلها .
) وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ( أي خائفة

صفحة رقم 59
. قال بعض أصحب الخواطر : وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة ، والطاعة تطلب لتصحيح الغرض .
) أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يخافون ألا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه .
الثاني : يخافون أن لا تقبل أعمالهم إذا عرضت عليهم . روته عائشة مرفوعاً .
قوله عز وجل : ) أُوْلئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يستكثرون منها لأن المسارع مستكثر .
الثاني : يسابقون إليها لأن المسارع سابق .
) وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : وهم بها سابقون إلى الجنة .
الثاني : وهم إلى فعلها سابقون .
وفيه وجه ثالث : وهم لمن تقدمهم من الأمم سابقون ، قاله الكلبي .
( المؤمنون : ( 62 - 67 ) ولا نكلف نفسا . . . . .
" ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون " (

صفحة رقم 60
قوله عز وجل : ) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمرَةٍ مِّنْ هذا ( فيه وجهان
: أحدهما : في غطاء ، قاله ابن قتيبة .
والثاني : في غفلة قاله قتادة .
) مِنْ هذا ( فيه وجهان
: أحدهما : من هذا القرآن ، وهو قول مجاهد .
الثاني : من هذا الحق ، وهو قول قتادة .
) وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : خطايا [ يعملونها ] من دون الحق ، وهو قول قتادة .
الثاني : أعمال [ رديئة ] لم يعملوها وسيعملونها ، حكاه يحيى ابن سلام .
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أنه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق . قوله عز وجل : ) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْغَذَابِ ( فيهم وجهان :
أحدهما : أنهم الموسع عليهم بالخصب ، قاله ابن قتيبة . والثاني : بالمال والولد ، قاله الكلبي ، فعلى الأول يكون عامّاً وعلى الثاني يكون خاصاً .
) إذَا هُم يَجْأَرُونَ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يجزعون ، وهو قول قتادة .
الثاني : يستغيثون ، وهوقول ابن عباس .
والثالث : يصيحون ، وهو قول علي بن عيسى .
والرابع : يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة ، فلا تقبل منهم ، وهو قول الحسن . قال قتادة نزلت هذه الآية في قتلى بدر ، وقال ابن جريج ) حَتَّى إِذَا أَخذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ ( هم الذين قتلواْ ببدر .
قوله عز وجل : ) وَكُنتُم عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تستأخرون ، وهو قول مجاهد .
والثاني : تكذبون .

صفحة رقم 61
والثالث : رجوع القهقرى . ومنه قول الشاعر :
زعموا أنهم على سبل الحق وأنا نكص على الأعقاب .
وهو أي النكوص ، موسع هنا ومعناه ترك القبول .
) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ( أي بحرمة الله ، ألا يظهر عليهم فيه أحد ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة .
ويحتمل وجهاً آخر : مستكبرين بمحمد أن يطيعوه ، وبالقرآن أن يقبلوه .
) سَامِراً تَهْجُرونَ ( سامر فاعل من السمر . وفي السمر قولان
: أحدهما : أنه الحديث ليلاً ، قاله الكلبي ، وقيل به : سمراً تهجرون .
والثاني : أنه ظل القمر ، حكاه ابن عيسى ، والعرب تقول حلف بالسمر والقمر أي بالظلمة والضياء ، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر ، والعرب تقول أيضاً : لا أكلمه السمر والقمر ، أي الليل والنهار ، وقال الزجاج ومن السمر أخذت سمرة اللون . وفي ) تَهْجُرُونَ ( وجهان :
أحدهما : تهجرون الحق بالإِعراض عنه ، قاله ابن عباس .
والثاني : تهجرون في القول بالقبيح من الكلام ، قاله ابن جبير ، ومجاهد .
وقرأ نافع ) تُهْجِرُونَ ( بضم التاء وكسر الجيم وهو من هجر القول . وفي مخرج هذا الكلام قولان :
أحدهما : إنكار تسامرهم بالإِزراء على الحق مع ظهوره لهم .
الثاني : إنكاراً منهم حتى تسامروا في ليلهم والخوف أحق بهم .
( المؤمنون : ( 68 - 75 ) أفلم يدبروا القول . . . . .
" أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن

صفحة رقم 62
فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون " ( قوله : ) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ( في الحق هنا قولان
: أحدهما : أنه الله ، قاله الأكثرون .
الثاني : أنه التنزيل أي لو نزل بما يريدون لفسدت السموات والأرض .
وفي اتباع أهوائهم قولان :
أحدهما : لو اتبع أهواءهم فيما يشتهونه .
الثاني : فيما يعبدونه .
) لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : لفسد تدبير السموات والأرض ، لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى .
الثاني : لفسدت أحوال السموات والأرض لأنها جارية بالحكمة لا على الهوى .
) وَمَن فِيهِنَّ ( أي ولفسد من فيهن ، وذلك إشارة إلى من يعقل من ملائكة السموات وإنس الأرض ، وقال الكلبي : يعني ما بينهم من خلق ، وفي قراءة ابن مسعود لفسدت السموات والأرض وما بينهما ، فتكون على تأويل الكلبي ، وقراءة ابن مسعود ، محمولاً على فساد ما لا يعقل من حيوان وجماد ، وعلى ظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمولاً على فساد ما يعقل وما لا يعقل من الحيوان ، لأن ما لا يعقل تابع لما يعقل في الصلاح والفساد . فعلى هذا يكون من الفساد ما يعود على من في السموات من الملائكة بأن جعلت أرباباً وهي مربوبة ، وعبدت وهي مستعبدة .
وفساد الإِنس يكون على وجهين :

صفحة رقم 63
أحدهما : باتباع الهوى . وذلك مهلك .
الثاني : بعبادة غير الله . وذلك كفر .
وأما فساد الجن فيكون بأن يطاعوا فيطغوا .
وأما فساد ما عدا ذلك فيكون على وجه التبع بأنهم مدبرون بذوي العقول .
فعاد فساد المدبرين عليهم .
) بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : عنى ببيان الحق لهم ، قاله ابن عباس .
الثاني : بشرفهم لأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) منهم . والقرآن بلسانهم ، قاله السدي ، وسفيان .
ويحتمل ثالثاً : بذكر ما عليهم من طاعة ولهم من جزاء .
) فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعِرِضُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : فهم عن القرآن معرضون ، قاله قتادة .
الثاني : عن شرفهم معرضون ، قاله السدي .
قوله : ) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ( يعني أمراً .
) فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ( فيه وجهان
: أحدهما : فرزق ربك في الدنيا خير منهم ، قاله الكلبي .
الثاني : فأجر ربك في الآخرة خيرٌ منه ، قاله الحسن .
وذكر أبو عمرو بن العلاء الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخرج من الرقاب : والخراج من الأرض .
قوله : ) عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لعادلون ، قاله ابن عباس .
الثاني : لحائدون ، قاله قتادة .
الثالث : لتاركون ، قاله الحسن .
الرابع : لمعرضون ، قاله الكلبي ، ومعانيها متقاربة .

صفحة رقم 64
( المؤمنون : ( 76 - 83 ) ولقد أخذناهم بالعذاب . . . . .
" ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين " ( قوله : ) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ( الآية . فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليه فقال : ( اللَّهُمّ اجْعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَقَحَطُوا سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْعَلْهَزَ مِنَ الجُوعِ وَهُوَ الوَبَرُ بالدَّمِ ) قاله مجاهد
. الثاني : أنه قتلهم بالسيف يوم بدر ، قاله ابن عباس .
الثالث : يعني باباً من عذاب جهنم في الآخرة ، قاله بعض المتأخرين .
) مُبْلِسُونَ ( قد مضى تفسيره
. قوله : ) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ ( فيه وجهان :
أحدهما : خلقكم ، قاله الكلبي ويحيى بن سلام .
الثاني : نشركم ، قاله ابن شجرة .
قوله : ) وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( فيه قولان :
أحدهما : بالزيادة والنقصان .
الثاني : تكررهما يوماً بعد ليلة وليلة بعد يوم .
ويحتمل ثالثاً : اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى .

صفحة رقم 65
( المؤمنون : ( 84 - 92 ) قل لمن الأرض . . . . .
" قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون " ( قوله : ) مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : خزائن كل شيء ، قاله مجاهد .
الثاني : ملك كل شيء ، قاله الضحاك . والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت .
) وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ علَيْهِ ( أي يمنع ولا يُمنع منه ، فاحتمل ذلك وجهين
: أحدهما : في الدنيا ممن أراد هلاكه لم يمنعه منه مانع ، ومن أرد نصره لم يدفعه من نصره دافع .
الثاني : في الآخرة لا يمنعه من مستحقي الثواب مانع ولا يدفعه من مستوجب العذاب دافع .
) فأَنَّى تُسْحَرونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : فمن أي وجه تصرفون عن التصديق بالبعث .
الثاني : فكيف تكذبون فيخيل لكم الكذب حقاً .
( المؤمنون : ( 93 - 98 ) قل رب إما . . . . .
" قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة

صفحة رقم 66
نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " ( قوله : ) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِئَةَ ( فيه خمسة أقاويل
: أحدها : بالإغضاء والصفح عن إساءة المسيء ، قاله الحسن .
الثاني : ادفع الفحش بالسلام ، قاله عطاء والضحاك .
الثالث : ادفع المنكر بالموعظة ، حكاه ابن عيسى .
الرابع : معناه امسح السيئة بالحسنة هذا قول ابن شجرة .
الخامس : معناه قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة ، وهذا وإن كان خطاباً له عليه السلام فالمراد به جميع الأمة .
قوله : ) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ( فيه أربعة أوجه : أحدها : من نزغات .
الثاني : من إغواء .
الثالث : أذاهم .
الرابع : الجنون .
) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ( أي يشهدوني ويقاربوني في وجهان
: أحدهما في الصلاة عند تلاوة القرآن . قال الكلبي .
والثاني : في أحواله كلها ، وهذا قول الأكثرين .
( المؤمنون : ( 99 - 100 ) حتى إذا جاء . . . . .
" حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " ( قوله : ) وَمِن ورَآئِهِمْ بَرْزَخٌ ( الآية . أي من أمامهم برزخٌ ، البرزخ الحاجز ومنه قوله تعالى : ) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ( " [ الرحمن : 20 ] وفيه خمسة أقاويل .
أحدها : أنه حاجز بين الموت والبعث ، قاله ابن زيد .

صفحة رقم 67
الثاني : حاجز بين الدنيا والآخرة . قاله الضحاك .
الثالث : حاجز بين الميت ورجوعه للدنيا ، قاله مجاهد .
الرابع : أن البرزخ الإِمهال ليوم القيامة ، حكاه ابن عيسى .
الخامس : هو الأجل ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة ، قاله الكلبي .
( المؤمنون : ( 101 - 104 ) فإذا نفخ في . . . . .
" فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون " ( قوله : ) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : أي لا يتعارفون للهول الذي قد أذهلهم .
الثاني : أنهم لا يتواصلون عليها ولا يتقابلون بها مع تعارفهم لقوله تعالى : ) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرءُ مِنْ أَخيهِ ( " [ عبس : 34 ]
) وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : لا يتساءلون أن يحمل بعضهم عن بعض ، أو يعين بعضهم بعضاً ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : لا يسأل بعضهم بعضاً عن خبره لانشغال كل واحد بنفسه قاله ابن عيسى .
( المؤمنون : ( 105 - 107 ) ألم تكن آياتي . . . . .
" ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " ( قوله : ) قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ( فيه وجهان
: أحدهما : الهوى .

صفحة رقم 68
الثاني : حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق .
( المؤمنون : ( 108 - 111 ) قال اخسؤوا فيها . . . . .
" قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " ( ) قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه اصغروا والخاسىء الصاغر ، قاله الحسن ، والسدي .
الثاني : أن الخاسىء الساكت الذي لا يتكلم ، قاله قتادة .
الثالث : ابعدوا بعد الكلب ، قاله ابن عيسى .
) وَلاَ تُكَلِّمُونِ ( فيه وجهان
: أحدهما : لا تكلمون في دفع العذاب عنكم .
الثاني : أنهم زجروا عن الكلام ، غضباً عليهم ، قاله الحسن ، فهو آخر كلام يتكلم به أهل النار .
) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً ( قرأ بضم السين نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وقرأ الباقون بكسرها . واختلف في الضم والكسر على قولين .
أحدهما : أنهما لغتان ، ومعناهما سواء وهما من الهزء .
الثاني : أنها بالضم من السُخرة والاستعباد وبالكسر من السخرية والاستهزاء .
( المؤمنون : ( 112 - 116 ) قال كم لبثتم . . . . .
" قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق

صفحة رقم 69
لا إله إلا هو رب العرش الكريم " ( قوله : ) قَالَ كَمْ لَبِثْتُم فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنه سؤال لهم من مدة حياتهم في الدنيا ، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ، استقلالاً لحياتهم في الدنيا لطول لبثهم في عذاب جهنم .
الثاني : أنه سؤال لهم عن مدة لبثهم في القبور وهي حالة لا يعلمونها فأجابوا بقصرها لهجوم العذاب عليهم ، وليس بكذب منهم لأنه إخبار عما كان عندهم .
) فَاسْئَلِ الْعَادِّينَ ( فيه قولان
: أحدهما : الملائكة ، قاله مجاهد .
الثاني : الحُسّابُ ، قاله قتادة .
( المؤمنون : ( 117 - 118 ) ومن يدع مع . . . . .
" ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين " ( قوله : ) وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً ءَآخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : معناه ليس له برهان ولا صحة بأن مع الله إلهاً آخر .
الثاني : أن هذه صفة الإله الذي يدعى من دون الله أن لا برهان له .
) فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّكَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني أن محاسبته عند ربه يوم القيامة .
الثاني : أن مكافأته على ربه والحساب المكافأة ، ومنه قولهم حسبي الله . أي كفاني الله تعالى ، والله أعلم وأحكم .

صفحة رقم 70
سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
( النور : ( 1 - 2 ) سورة أنزلناها وفرضناها . . . . .
" سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " ( قوله تعالى : ) سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ( أي هذه سورة أنزلناها ويحتمل أن يكون قد خصها بهذا الافتتاح لأمرين :
أحدهما : أن المقصود الزجر والوعيد فافتتحت بالرهبة كسورة التوبة .
الثاني : أن فيها تشريفاً للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بطهارة نسائه فافتتحت بذكر والسورة اسم للمنزلة الشريفة ولذلك سميت السورة من القرآن سورة قال الشاعر :
ألم تَرَ أنَّ اللَّهَ أعْطَاكَ سُورةً
ترى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
) وَفَرَضْنَاهَا ( فيه قراءتان بالتخفيف وبالتشديد .
فمن قرأ بالتخفيف ففي تأويله وجهان :
أحدهما : فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 71
الثاني : قدرنا فيها الحدود من قوله تعالى : ) فنصف ما فرضتم ( " [ البقرة : 237 ] أي قدرتم ، قاله عكرمة .
ومن قرأ بالتشديد ففي تأويله وجهان :
أحدهما : معناه تكثير ما فرض فيها من الحلال والحرام ، قاله ابن عيسى .
الثاني : معناه بيناها ، قاله ابن عباس .
) وَأَنزَلْنَا فِيهآ ءَايَاتٍ بَيِّناتٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنها الحجج الدالة على توحيده ووجوب طاعته .
الثاني : أنها الحدود والأحكام التي شرعها .
قوله تعالى : ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ( وإنما قدم ذكر الزانية على الزاني لأمرين :
أحدهما : أن الزنى منها أعَرُّ ، وهو لأجل الحَبَل أضر .
الثاني : أن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب ، وقدر الحد فيه بمائة جلدة من الحرية والبكارة ، وهو أكثر حدود الجلد ، لأن فعل الزنى أغلظ من القذف بالزنى ، وزادت السنة على الجلد بتغريب عام بعده ، لقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( خُذُواْ عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ ) ومنع العراقيون من التغريب اقتصاراً على الجلد وحده ، وفيه دفع السنة والأثر .
والجلد مأخوذ من وصول الضرب إلى الجلد . فأما المحصنان فحدهما الرجم بالسنة إما بياناً لقوله تعالى في سورة النساء : ) فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ( " [ النساء : 15 ] على قول فريق : وإما ابتداء فرض على قول آخرين . وروى زر بن حبيش عن أُبَيٍّ أن في مصحفه من سورة الأحزاب ذكر الرجم : ( إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارْجُمَوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

صفحة رقم 72
) . ) وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ( أي في طاعة الله ، وقد يعبر بالدين عن الطاعة .
) إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ( أي إن كنتم تقيمون طاعة الله قيام من يؤمن بالله واليوم الآخر ، والرأفة الرحمة ولم ينه عنها لأن الله هو الذي يوقعها في القلوب وإنما نهى عما تدعو الرحمة إليه ، وفيه قولان :
أحدهما : أن تدعوه الرحمة إلى إسقاط الحد حتى لا يقام ، قاله عكرمة .
الثاني : أن تدعوه الرحمة إلى تخفيف الضرب حتى لا يؤلم ، قاله قتادة .
واستنبط هذا المعنى الجنيد فقال : الشفقة على المخالفين كالإِعراض عن المواقعين ) وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ( يعني بالعذاب الحد يشهده عند الإِقامة طائفة من المؤمنين ، ليكونوا زيادة في نكاله وبينة على إقامة حده واختلف في عددهم على أربعة أقاويل :
أحدها : أربعة فصاعداً ، قاله مالك والشافعي .
الثاني : ثلاثة فصاعداً ، قاله الزهري .
الثالث : اثنان فصاعداً ، قال عكرمة .
الرابع : واحد فصاعداً ، قاله الحسن ، وإبراهيم .
ولما شرط الله إيمان من يشهد عذابهما ، قال بعض أصحاب الخواطر : لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب .
( النور : ( 3 ) الزاني لا ينكح . . . . .
" الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " ( قوله : ) الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً . . . ( الآية . فيه خمسة أوجه :

صفحة رقم 73
أحدها : أنها نزلت مخصوصة في رجل من المسلمين استأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في امرأة يقال لها أم مهزول كانت من بغايا الجاهلية من ذوات الرايات وشرطت له أن تنفق عليه فأنزل الله هذه الآية فيه وفيها قاله عبد الله بن عمرو ، ومجاهد .
الثاني : أنها نزلت في أهل الصفة ، وكانوا قوماً من المهاجرين فقراء ولم يكن لهم بالمدينة مساكن ولا عشائر ، فنزلوا صفة المسجد ، وكانواْ نحو أربعمائة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة في الليل ، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور مما يصيب الرجال بالكسوة والطعام ، فهمَّ أهل الصفة أن يتزوجوهن ليأووا إلى مساكنهن وينالوا من طعامهن وكسوتهن فنزلت فيهن هذه الآية ، قاله أبو صالح .
الثالث : معناه أن الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان ، قاله ابن عباس .
الرابع : أنه عامٌّ في تحريم نكاح الزانية على العفيف ونكاح العفيفة على الزاني ثم نسخ بقوله تعالى : ) فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النَّسَاءِ } " [ النساء : 3 ] قاله ابن المسيب
. الخامس : أنها مخصوصة في الزاني المحدود لا ينكح إلا زانية محدودة ولا ينكح غير محدودة ولا عفيفة ، والزانية المحدودة لا ينكحها إلا زان محدود ، ولا ينكحها غير محدود ولا عفيف ، قاله الحسن ، ورواه أبو هريرة مرفوعاً .

صفحة رقم 74
) وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : الزنى .
الثاني : نكاح الزوانى .
( النور : ( 4 - 5 ) والذين يرمون المحصنات . . . . .
" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " ( قوله : ) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ( يعني بالزنى
. ) ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدآءِ ( يعني ببينة على الزنى
. ) فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ( وهذا حد أوجبه الله على القاذف للمقذوفة يجب بطلبها ويسقط بعفوها ، وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه من حقوق الآدميين ، لوجوبه بالطلب ، وسقوطه بالعفو ، وهذا مذهب الشافعي .
الثاني : من حقوق الله لأنه لا ينتقل إلى مال ، وهذا مذهب أبي حنيفة .
الثالث : أنه من الحقوق المشتركة بين حق الله وحق الآدميين لتمازج الحقين وهذا مذهب بعض المتأخرين .
ولا يكمل حد القذف بعد البلوغ والعقل إلى بحريتهما وإسلام المقذوف وعفافه ، فإن كان المقذوف كافراً أو عبداً عُزِّر قاذفه ولم يحد ، وإن كان القاذف كافراً حُدّ حدّاً كاملاً ، وإن كان عبداً حُدّ نصف الحد .
) وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلِئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( وهذا مما غلظ الله به

صفحة رقم 75
القذف حتى علق به من التغليظ ثلاثة أحكام : وجوب الحد ، والتفسيق وسقوط الشهادة . ولم يجعل في القذف بغير الزنى حَدّاً لما في القذف بالزنى من تعدّي المعرّة إلا الأهل والنسل .
قوله : ) إِلاَّ الَّذِينَ تابواْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُواْ ( الآية . التوبة من القذف ترفع الفسق ولا تسقط الحدّ . واختلفوا في قبول الشهادة على أربعة أقوال :
أحدها : تقبل شهادته قبل الحد وبعده لارتفاع فسقه وعوده إلى عدالته وهذا مذهب مالك والشافعي وبه قال جمهور المفسرين .
الثاني : لا تقبل شهادته أبداً ، لا قبل الحد ولا بعده ، وهذا مذهب شريح .
الثالث : أنه تقبل شهادته بالتوبة قبل الحد ولا تقبل بعده ، وهذا مذهب أبي حنيفة .
الرابع : تقبل شهادته بعد الحد ولا تقبل قبله ، وهذا مذهب إبراهيم النخعي قال الشعبي : تقبل توبته ولا تقبل شهادته .
وفي صفة التوبة قولان :
أحدهما : أنها بإكذابه نفسه وقد رواه الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة وقال لهم : من أكذب نفسه أحرز شهاته فأكذب نفسه شبل ونافع ، وأبى أبو بكرة أن يفعل ، قال الزهري ، وهو والله السنة فاحفظوه .
الثاني : أن توبته منه تكون بصلاح حاله وندمه على قذفه والاستغفار منه وترك العود إلى مثله ، قاله ابن جرير .
( النور : ( 6 - 10 ) والذين يرمون أزواجهم . . . . .
" والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين

صفحة رقم 76
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم " ( قوله : ) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ ( يعني بالزنى .
) وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ ( يعني يشهدون بالزنى إلى أنفسهم وهذا حكم خص الله به الأزواج في قذف نسائهم ليلاعنوا فيذهب حد القذف عنهم .
وفي سبب ذلك قولان :
أحدهما : ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو جالس مع أصحابه فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت رجلاً مع أهلي رأيت بعيني بأذني فكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أتاه به وثقل عليه حتى أنزل الله فيه هذه الآية .
الثاني : ما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد عويمر أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع ؟ فأنزل الله هذه الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ القُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ ) فأمرها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالملاعنة فلاعنها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( انظرواْ فَإِنْ جَاءتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ العَينَينِ عَظِيمَ الأَلِيَتِينِ خَدْلَجَ السَّاقِينِ فَلاَ أَحْسَبُ عُوَيمِراً إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيهَا ، وَإنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيمِرَ كَأَنَّهُ وَحْرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ كَاذباً ) فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في تصديق عويمر وكان

صفحة رقم 77
بعد ينسب إلى أمه ، قال سعيد بن جبير : ولقد صار أميراً بمصر وإنه ينسب إلى غير أب .
فإذا قذف الرجل زوجته بالزنى كان له اللعان منها إن شاء ، وإن لم يكن ذلك لقاذف سواه ، لأن الزوج لنفي نسب ليس منه ورفع فراش قد عرّه مضطر إلى لعانها دون غيره ، فإذا أراد ذلك لاعن بينهما حاكم نافذ الحكم في الجامع على المنبر أو عنده ، ويبدأ بالزوج وهي حاضرة فيقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قذفت به زوجتي هذه من الزنى بفلان إذا ذكره في قذفه ، وإن لم يذكره في لعانه كان لعانه نافذاً . وإن أراد نفي ولدها قال : إن هذا الولد من زنى ما هو مني فإذا أكمل ما وصفنا أعاده أربعاً كما قال الله تعالى :
) فَشَهَادَةُ أَحَدِهِم أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ( والشهادة هنا يمين عبر عنها بلفظ الشهادة في قول مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة هي شهادة فرد بها لعان الكافر والمملوك ولو كانت شهادة ما جاز أن تشهد لنفسها وبلعنها ، والعرب تسمي الحلف بالله تعالى شهادة كما قال قيس بن الملوح :
وأشهَدُ عِنْدَ اللَّه أنِّي أُحِبُّها
فهذَا لَهَا عِندي فَمَا عِنْدَها لِيا
أي أحلف بالله فيما وصفتها من الزنى ، وهو تأويل قوله : ) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( فإذا أكمل الخامسة فقد أكمل لعانه ، فتلاعن هي بعده على المنبر أو عنده فتقول وهو حاضر : أشهد بالله أن زوجي فلاناً هذا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى وأن هذا - إن كان الزوج قد نفى في لعانه ولده منها - ما هو من زنى ، تقول كذلك أربعاً ، وهو تأويل قوله تعالى : ) وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ ( أي يدفع ، وفي هذا العذاب قولان
: أحدهما : أنه الحد ، وهو مذهب مالك ، والشافعي .
الثاني : أنه الحبس ، وهو مذهب أبي حنيفة .
) أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ ( ثم تقول في الخامسة وأن

صفحة رقم 78
عليّ غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به من الزنى وهو تأويل قوله تعالى :
) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّه عَلَيَهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( والغضب في لعانها بدلاً من اللعنة في لعان زوجها ، وإذا تم اللعان وقعت الفرقة المؤبدة بينهما ، وبماذا تقع ؟ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : بلعان الزوج وحده وهو مذهب الشافعي .
الثاني : بلعانهما معاً ، وهو مذهب مالك .
الثالث : بلعانهما وتفريق الحاكم بينهما ، وهو مذهب أبي حنيفة .
والرابع : بالطلاق الذي يوقعه الزوج بعد اللعان ، وهو مذهب أحمد بن حنبل ثم حرمت عليه أبداً .
واختلفوا في إحلالها له إن أكذب بعد اللعان نفسه على قولين :
أحدهما : تحل ، وهو مذهب أبي حنيفة .
والثاني : لا تحل ، وهو مذهب مالك والشافعي . وإذا نفى الزوج الولد باللعان لحق بها دونه ، فإن أكذب نفسه لحق به الولد حياً أو ميتاً ، وألحقه أبو حنيفة به في الحياة دون الموت .
قوله تعالى : ) وَلَولاَ فَضْلُ اللَّه عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ ( في فضل الله ورحمته هنا وجهان :
أحدهما : أن فضل الله الإسلام ورحمته القرآن ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أن فضل الله منه ، ورحمته نعمته ، قاله السدي .
وفي الكلام محذوف اختلف فيه على قولين :
أحدهما : أن تقديره : لولا فضل الله عليكم ورحمته بإمهاله حتى تتوبوا لهلكتم .
الثاني : تقديره : لولا فضل الله عليكم ورحمته بكم لنال الكاذب منكم عذابٌ عظيم .

صفحة رقم 79
) وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ( فيكون المحذوف على القول الأول الجواب وبعض الشرط ، وعلى الثاني الجواب وحده بعد استيفاء الشرط .
( النور : ( 11 ) إن الذين جاؤوا . . . . .
" إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " ( قوله تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ جَاءُو بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ ( في الإِفك وجهان
: أحدهما : أنه الإِثم ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : أنه الكذب . قال الشاعر :
شهيدٌ على الإِفك غَيْرِ الصَّوابِ
وما شَاهِدُ الإِفك كَالأَحْنَفِ
) عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ( وهم زعماء الإِفك ، حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وعبد الله بن أبي بن سلول وزيد بن رفاعة وحمنة بنت جحش ، وسبب الإفك أن عائشة رضي الله عنها كانت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست فضاع عقد لها من جزع أطفار وقد توجهت لحاجتها فعادت في طلبه ودخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من منزله فَرُفِعَ هودجها ولم يُشْعَرْ بها أنها ليست فيه لخفتها وعادت فلم تر في المنزل أحداً فأدركها صفوان بن المعطل فحملها على راحلته وألحقها برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتكلم فيها وفي صفوان من تكلم وقدمت المدينة وانتشر الإِفك وهي لا تعلم به ثم علمت فأخذها من ذلك شيء عظيم إلى أن أنزل الله براءتها بعد سبعة وثلاثين يوماً من قدوم المدينة هذه الآية .
و ) لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ( أي لا تحسبواْ ما ذكر من الإِفك شراً لكم بل هو خير لكم لأن الله قد بَرَّاً منه وأبان عليه .
وفي المراد بهذا القول قولان :
أحدهما : أن المقصود به عائشة وصفوان لأنهما قصدا بالإِفك ، قاله يحيى ابن سلام .

صفحة رقم 80
الثاني : أن المقصود به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر وعائشة رضي الله عنهما ، قاله ابن شجرة .
) لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ ( أي له عقاب ما اكتسب من الإِثم بقدر إِثمه .
) وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ( الآية قرىء بكسر الكاف وضمها ، وفي الفرق بينما وجهان :
أحدهما : أن كبره بالضم معظمه وبالكسر مأثمه .
الثاني : أنه بالضم في النسب وبالكسر في النفس .
وفي متولي كبره قولان :
أحدهما : أنه عبد الله بن أبيّ ، والعذاب العظيم جهنم ، وهذا قول عائشة وعروة بن الزبير وابن المسيب .
الثاني : أنه مسطح بن أثاثة ، والعذاب العظيم ذهاب بصره في الدنيا :
حكاه يحيى بن سلام .
( النور : ( 12 - 13 ) لولا إذ سمعتموه . . . . .
" لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " ( قوله تعالى : ) لَّوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ( هلا إذا سمعتم الإِفك .
) ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ( فيه وجهان
: أحدهما ظن بعضهم ببعض خيراً كما يظنون بأنفسهم .
الثاني : ظنواْ بعائشة عفافاً كظنهم بأنفسهم .
) إِفْكٌ مُّبِينٌ ( أي كذب بيِّن .
قوله تعالى : ) لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيِهِ ( أي هلا جاءُوا عليه لو كانوا صادقين .

صفحة رقم 81
) بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءِ ( يشهدون بما قالوه .
) فَإِذَا لَمْ يأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ ( الآية . .
( النور : ( 14 - 19 ) ولولا فضل الله . . . . .
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون " ( قوله تعالى : ) وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : أن يكون وعيداً بما له عند الله من العقاب .
الثاني : أريد به تكذيب المؤمنين الذي يصدقون ما أنزل الله من كتاب .
واختلف هل حد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحاب الإِفك على قولين :
أحدهما : أنه لم يحدّ أحداً منهم لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو بينة ولم يتعبدنا الله أن نقيمها بإخباره عنها كما لم يتعبدنا بقتل المنافقين وإن أخبر بكفرهم .
والقول الثاني : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حد في الإِفك حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت حجش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة رواه عروة بن الزبير وابن المسيب عن عائشة رضي الله عنها فقال بعض شعراء المسلمين :
لقد ذاق حسان الذي كان أهله
وحمنةُ إذ قالا هجيراً ومسطح

صفحة رقم 82
وابن سلول ذاق في الحدّ خزيه
كما خاض في إفك من القول يفصح
تعاطوْا برجم الغيب زوج نبيّهم
وسخطة ذي العرش العظيم فأبرحوا
وآذواْ رسول الله فيها فجللوا
مخازي تبقى عمموها وفضحواْ
فصبت عليهم محصدات كأنها
شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
حكى مسروق أن حسان استأذن على عائشة فقلت أتأذنين له فقالت : أو ليس قد أصابه عذاب عظيم . فمن ذهب إلى أنهم حدوا زعم أنها أرادت بالعذاب بالعظيم الحد ، ومن ذهب إلى أنهم لم يحدّوا زعم أنها أرادت بالعذاب العظيم ذهاب بصره ، قاله سفيان . قال حسان بن ثابت يعتذر من الإفك :
حَصَانٌ رزانٌ ما تُزَنّ بِرِيبَةٍ
وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الغَوَافِلِ
فإن كنتُ قد قلتُ الذي بُلِّغْتُم
فلا رَفَعَتْ سَوْطِي إليَّ أنامِلِي
فكيفَ ووُدِّي ما حَيِيتُ ونُصْرَتِي
لآلِ رسُولِ اللَّهِ زَينِ المَحَافِلِ
قوله تعالى : ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : هو أن تتحدث به وتلقيه بين الناس حتى ينتشر .
الثاني : أن يتلقاه بالقبول إذا حدث به ولا ينكره . وحكى ابن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقرأ إذ تلِقونه بكسر اللام مخففة وفي تأويل هذه القراءة وجهان :
أحدهما : ترددونه ، قاله اليزيدي .
الثاني : تسرعون في الكذب وغيره ، ومنه قول الراجز :
. . . . . . . . . . . . . . .
جَاءَتْ به عنسٌ من الشام تَلِقْ
أي تسرع .
( النور : ( 20 - 21 ) ولولا فضل الله . . . . .
" ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر

صفحة رقم 83
بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم " ( قوله تعالى : ) لاَ تَبَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : خطايا الشيطان ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : آثاره ، قاله ابن شجرة .
الثالث : هو تخطي الشيطان الحلال إلى الحرام والطاعة إلى المعصية ، قاله ابن عيسى .
الرابع : هو النذور في المعاصي ، قاله أبو مجلز .
ويحتمل خامساً : أن تكون خطوات الشيطان الانتقال من معصية إلى أخرى مأخوذ من نقل القدم بالخطو من مكان إلى مكان .
( النور : ( 22 - 25 ) ولا يأتل أولوا . . . . .
" ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين " ( قوله تعالى : ) وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ ( وقرىء ولا يتأل وفي اختلاف القراءتين وجهان :
أحدهما : أن معناهما متقارب واحد وفيه وجهان :
أحدهما : أي لا يقتصر مأخوذ من قولهم لا ألوت أي لا قصرت ، قاله ابن بحر .

صفحة رقم 84
الثاني : لا يحلف مأخوذ من الألية وهي اليمين .
- والقول الثاني : معناهما مختلف فمعنى يأتل أي يألو أو يقصر ، ومعنى يتأل أي يحلف .
) أَن يُؤْتُواْ أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( أي لا يحلفوا ألاّ يبروّا هؤلاء ، وهذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن أثاثة فلما خاض في الإِفك ونشره حلف أبو بكر ألا يبره وكان ابن خالته فنهاه الله عن يمينه وندبه إلى بره مع إساءته . وهذا معنى لا يألو جهداً فالمنهى عنه فيها التوقف عن بر من أساء وأن نقابله بالتعطف والإِغضاء ، فقال : ) ولْيَعْفُواْ ولْيَصْفَحُواْ ( وفيها وجهان
: أحدهما : أن العفو عن الأفعال والصفح عن الأقوال .
الثاني : أن العفو ستر الذنب من غير مؤاخذة والصفح الإِغضاء عن المكروه .
) أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم ( أي كما تحبون أن يغفر الله لكم ذنوبكم فاغفروا لمن أساء إليكم ، فلما سمع أبو بكر هذا قال : بلى يا رب وعاد إلى برِّه وكفّر عن يمينه .
( النور : ( 26 ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون . . . . .
" الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " ( قوله تعالى : ) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبيثِينَ ( الآية . فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء ، قاله ابن زيد .
الثاني : الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس

صفحة رقم 85
للخبيثات من الأعمال والطيبات من الأعمال للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الأعمال قاله مجاهد وقتادة .
الثالث : الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلام ، والطيبات من الكلام للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلام قاله ابن عباس والضحاك . وتأول بعض أصحاب الخواطر : الخبيثات الدنيا ، والطيبات الآخرة .
) أُوْلئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أن عائشة وصفوان مبرآن من الإِفك المذكور فيهما ، قاله الفراء .
الثاني : أن أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مبرآت من الفواحش ، قاله ابن عيسى .
الثالث : أن الطيبين والطيبات مبرؤون من الخبيثين والخبيثات ، قاله ابن شجرة .
( النور : ( 27 - 29 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون " ( قوله تعالى : ) لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْر بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأُنِسُواْ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حتى تستأذنوا . واختلف من قال بهذا التأويل فقال ابن عباس : أخطأ الكاتب فيه فكتب تستأنسوا وكان يقرأ : حتى تستأذنوا . وقال غيره : لأن

صفحة رقم 86
الاستئذان مؤنس فعبر عنه بالاستئناس ، وليس فيه خطأ من كاتب ولا قارىء .
الثاني : معناه حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح فيعلموا بقدومك عليهم ، قاله مجاهد .
الثالث : أن تستأنسوا يعني أن تعلموا فيها أحداً استأذنوه فتسلموا عليه ومنه قوله تعالى : ) فإن آنستم منهم رشداً } " [ النساء : 6 ] أي علمتم ، قاله ابن قتيبة . وقال ابن الأعرابي الاستئناس الاستثمار ، والإيناس اليقين . والإذن يكون بالقول والإشارة . فإن جاهر فسؤال ، فقد روى قتادة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( رَسُولُ الرَّجُلِ إِذْنُهُ فَإِنِ اسْتَأَذَنَ ثَلاَثاً وَلَمْ يُؤْذَنْ لَه ولَّى فلم يُراجِعْ فِي الاسْتِئْذَانِ ) روى الحسن البصري أن [ أبا موسى ] الأشعري استأذن على عمر رضي الله عنه ثلاثاً فلم يؤذن له فرجع فأرسل إليه عمر فقال : ما ردّك ؟ فقال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( مَنِ اسْتَأَذَنَ ثلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِع ) فقال عمر : لتجيئني على بينة أو لأجعلنك نكالاً فأتى طلحة فشهد له قال الحسن : الأولى إذنٌ ، والثانية مؤامرة ، والثالثة : عزمة ، إن شاءواْ أذنوا وإن شاءوا ردوا .
ولا يستأذن وهو مستقبل الباب إن كان مفتوحاً ، وإن أذن لأول القوم فقد أذن

صفحة رقم 87
لآخرهم ، ولا يقعدوا على الباب بعد الرد فإن للناس حاجات .
) وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أُهْلِهَا ( والسلام ندب والاستئذان حتم . وفي السلام قولان :
أحدهما : أنه مسنون بعد الإذن على ما تضمنته الآية من تقديم الإِذن عليه .
الثاني : مسنون قبل الإذن وإن تأخر في التلاوة فهو مقدم في الحكم وتقدير الكلام حتى تسلموا وتستأذنوا لما روى محمد بن سيرين أن رجلاً استأذن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : أأدخل ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لرجل عنده : ( قُمْ فَعَلِّمْ هذَا كَيْفَ يَسْتَأْذِنُ فإِنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ ) فسمعها الرجل فسلم واستأذن .
وأولى من إطلاق هذين القولين أن ينظر فإن وقعت العين على العين قبل الإِذن فالأولى تقديم السلام ، وإن لم تقع العين على العين قبل الإذن فالأولى تقديم الاستئذان على السلام .
فأما الاستئذان على منازل الأهل فإن كانوا غير ذي محارم لزم الاستئذان عليهم كالأجانب وإن كانوا ذوي محارم وكان المنزل مشتركاً هو فيه وهم ساكنون لزم في دخوله إنذارهم إما بوطءٍ . أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العودة بينهما . وإن لم يكن المنزل مشتركاً ففي الاستئذان عليهم وجهان :
أحدهما : أنها النحنحة والحركة .
الثاني : القول كالأجانب . ورى صفوان عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أستأذن على أمي ) ؟ فقال : ( نعم ) فقال إني أخدمها فقال : ( استأذن عليها ) فعاوده ثلاثاً : فقال : ( أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً ) قال : لا قال : ( فَاسْتَأْذِنْ عَلَيهَا ) . قوله تعالى : ) فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً ( يعني يأذن لكم .

صفحة رقم 88
. ) فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُم ( ولا يجوز التطلع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ لأَجْلِ البَصَرِ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَفْتُوحاً فَيَجُوزُ إِذا كَانَ خَارِجاً أَنْ يَنْظُرَ لأَنَّ صَاحِبَهُ بالفتح قَدْ أَبَاحَ النَّظَرَ ) ) وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ( وهنا ينظر فإن كان بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث ، وإن كان قبل الدخول فهو رد الإِذن ومنع من الدخول . ولا يلزمه الانصراف عن موقفه من الطريق إلا أن يكون فناء الباب المانع فيكفي عنه ، قال قتادة : لا تقعد على باب قوم ردوك فإن للناس حاجات .
قوله تعالى : ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ( فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنها الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة ، قاله محمد بن الحنفية رضي الله عنه .
الثاني : أنها حوانيت التجار ، قاله الشعبي .
الثالث : أنها منازل الأسفار ومناخات الرجال التي يرتفق بها مارة الطريق في أسفارهم ، قاله مجاهد .
الرابع : أنها الخرابات العاطلات ، قاله قتادة .
الخامس : أنها بيوت مكة ، ويشبه أن يكون قول مالك .
) فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها عروض الأموال التي هي متاع التجار ، قاله مجاهد .
الثاني : أنها الخلاء والبول سمي متاعاً لأنه إمتاع لهم ، قاله عطاء .
الثالث : أنه المنافع كلها ، قاله قتادة ، فلا يلزم الاستئذان في هذه المنازل

صفحة رقم 89
كلها . قال الشعبي : حوانيت التجار إذنهم جاءوا ببيوتهم فجعلوها فيها وقالوا للناس : هَلُمّ .
( النور : ( 30 ) قل للمؤمنين يغضوا . . . . .
" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " ( قوله تعالى : ) قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ( وفي ) مِنْ ( في هذا الموضع ثلاثة أقوايل
: أحدها : أنها صلة وزائدة وتقدير الكلام : قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم ، قاله السدي .
الثاني : أنها مستعملة في مضمر وتقديره ، يغضوا أبصارهم عما لا يحل من النظر ، وهذا قول قتادة .
الثالث : أنها مستعملة في المظهر ، لأن غض البصر عن الحلال لا يلزم وإنما يلزم غضها عن الحرام فلذلك دخل حرف التبعيض في غض الأبصار فقال : من أبصارهم ، قاله ابن شجرة .
ويحرم من النظر ما قصد ، ولا تحرم النظرة الأولى الواقعة سهواً . روى الحسن البصري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ابنُ آدَمَ لَكَ النَّظْرَةُ الأَولَى وَعَلَيكَ الثَّانِيَة ) . ) وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه يعني بحفظ الفرج عفافه ، والعفاف يكون عن الحرام دون المباح ولذلك لم يدخل فيه حرف التبعيض كما دخل غض البصر .

صفحة رقم 90
الثاني : قاله أبو العالية الرياحي المراد بحفظ الفروج في هذا الموضع سترها عن الأبصار حتى لا ترى ، وكل موضع في القرآن ذكر فيه الفرج فالمراد به الزنى إلا في هذا الموضع فإن المراد به الستر ، وسميت فروجاً لأنها منافذ الأجواف ومسالك الخارجات .
( النور : ( 31 ) وقل للمؤمنات يغضضن . . . . .
" وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " ( قوله تعالى : ) وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ . . . ( والزينة ما أدخلته المرأة على بدنها حتى زانها وحسنها في العيون كالحلي والثياب والكحل والخضاب ، ومنه قوله تعالى : ) خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ( " قال الشاعر :
يأخذ زينتهن أحسن ما ترى
وإذا عطلن فهن غير عواطل
والزينة زينتان : ظاهرة وباطنة ، فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها لقوله تعالى : ) وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ( وفيها ثلاثة أقاويل :

صفحة رقم 91
أحدها : أنها الثياب ، قاله ابن مسعود .
الثاني : الكحل والخاتم ، قاله ابن عباس ، والمسور بن مخرمة .
الثالث : الوجه والكفان ، قاله الحسن ، وابن جبير ، وعطاء .
وأما الباطنة فقال ابن مسعود : القرط والقلادة والدملج والخلخال ، واختلف في السوار فروي عن عائشة أنه من الزينة الظاهرة ، وقال غيرها هو من الباطنة ، وهو أشبه لتجاوزه الكفين ، فأما الخضاب فإن كان في الكفين فهو من الزينة الظاهرة ، وإن كان في القدمين فهو من الباطنة ، وهذا الزينة الباطنة يجب سترها عن الأجانب ويحرم عليها تعمد النظر إليها فأما ذوو المحارم فالزوج منهم يجوز له النظر والالتذاذ ، وغيره من الآباء والأبناء والإخوة يجوز لهم النظر ويحرم عليهم الالتذاذ .
روى الحسن والحسين رضي الله عنهما [ أنهما ] كانا يدخلان على أختهما أم كلثوم وهي تمتشط .
وتأول بعض أصحاب الخواطر هذه الزينة بتأويلين :
أحدهما : أنها الدنيا فلا يتظاهر بما أوتي منها ولا يتفاخر إلا بما ظهر منها ولم ينستر .
الثاني : أنها الطاعة لا يتظاهر بها رياءً إلا ما ظهر منها ولم ينكتم ، وهما بعيدان .

صفحة رقم 92
) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهنَّ ( الخمر المقانع أمِرن بإلقائها على صدورهن تغطية لنحورهن فقد كن يلقينها على ظهورهن بادية نحورهن ، وقيل : كانت قمصهن مفروجة الجيوب كالدرعة يبدو منها صدروهن فأمرن بإلقاء الخمر لسترها . وكني عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها .
ثم قال : ) وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ( يعني الزينة الباطنة إبداؤها للزوج استدعاء لميله وتحريكاً لشهوته ولذلك لعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) السلتاء والمرهاء فالسلتاء التي لا تختضب ، والمرهاء التي لا تكتحل تفعل ذلك لانصراف شهوة الزوج عنها فأمرها بذلك استدعاء لشهوته ، ولعن ( صلى الله عليه وسلم ) المفشلة والمسوفة ، المسوفة التي إذا دعاها للمباشرة قالت سوف أفعل ، والمفشلة التي إذا دعاها قالت إنها حائض وهي غير حائض ، وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لُعِنَتِ الغَائِصَةُ وَالمُغَوِّصَةُ ) فالغائصة التي لا تعلم زوجها بحيضها حتى يصيبها ، والمغوصة التي تدعى أنها حائض ليمتنع زوجها من إصابتها وليست بحائض .

صفحة رقم 93
واختلف أصحابنا في تعمد كل واحد من الزوجين النظر إلى فرج صاحبه تلذذاً به على وجهين :
أحدهما : يجوز كما يجوز الاستمتاع به لقوله تعالى : ) هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( " [ البقرة : 187 ] .
الثاني : لا يجوز لما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( لَعَنَ اللَّهُ النَّاظِرَ وَالمَنْظُورَ إِلَيهِ ) . فأما ما سوى الفرجين منهما فيجوز لكل واحدٍ منهما أن يتعمد النظر إليه من صاحبه وكذلك الأمة مع سيدها .
) أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ ( إلى قوله : ) أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ( وهؤلاء كلهم ذوو محارم بما ذكر من الأسباب والأنساب يجوز أبداً نظر الزينة الباطنة لهم من غير استدعاء لشهوتهم ، ويجوز تعمد النظر من غير تلذذ .

صفحة رقم 94
والذي يلزم الحرة أن تستر من بدنها مع ذوي محارمها ما بين سرتها وركبتها ، وكذلك يلزم مع النساء كلهن أو يستتر بعضهن من بعض ما بين السرة والركبة وهو معنى قوله :
) أو نِسَآئِهِنَّ ( وفيهن وجهان
: أحدهما : أنهن المسلمات لا يجوز لمسلمة أن تكشف جسدها عند كافرة ، قاله الكلبي .
والثاني : أنه عام في جميع النساء .
ثم قاله تعالى : ) أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ( يعني عبيدهن ، فلا يحل للحرة عبدها ، وإن حل للرجل أمته ، لأن البضع إنما يستحقه مالكه ، وبضع الحرة لا يكون ملكاً لعبدها ، وبضع الأمة ملك لسيدها .
واختلف أصحابنا في تحريم ما بطن من زينة الحرة على عبدها ، على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها تحل ولا تحرم ، وتكون عورتها معه كعورتها مع ذوي محرمها ، ما بين السرة والركبة لتحريمه عليها ولاستثناء الله تعالى له مع استثنائه من ذوي محرمها وهو مروي عن عائشة وأم سلمة .
والثاني : أنها تحرم ولا تحل وتكون عورتها معه كعورتها مع الرجال والأجانب وهو ما عدا الزينة الظاهرة من جميع البدن إلا الوجه والكفين ، وتأول قائل هذا الوجه قوله تعالى : ) أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ( على الإِماء دون العبيد ، وتأوله كذلك سعيد بن المسيب ، وعطاء ، ومجاهد .
والثالث : أنه يجوز أن ينظر إليها فضلاء ، كما تكون المرأة في ثياب بيتها بارزة الذراعين والساقين والعنق اعتباراً بالعرف والعادة ، ورفعاً لما سبق ، وهو قول عبد الله بن عباس ، وأما غير عبدها فكالحر معها ، وإن كان عبداً لزوجها وأمها .

صفحة رقم 95
ثم قال تعالى : ) أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَة مِنَ الرِّجَالِ ( فيه ثمانية أوجه :
أحدها : أنه الصغير لأنه لا إرب له في النساء لصغره ، وهذا قول ابن زيد .
والثاني : أنه العنين لأنه لا إرب له في النساء لعجزه ، وهذا قول عكرمة ، والشبعي .
والثالث : أنه الأبله المعتوه لأنه لا إرب له في النساء لجهالته ، وهذا قول سعيد بن جبير ، وعطاء .
والرابع : أنه المجبوب لفقد إربه ، وهذا قول مأثور .
والخامس : أنه الشيخ الهرم لذهاب إربه ، وهذا قول يزيد بن حبيب .
والسادس : أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل ، وهذا قول قتادة .
والسابع : أنه المستطعم الذي لا يهمه إلا بطنه ، وهذا قول مجاهد .
والثامن : أنه تابع القوم يخدمهم بطعام بطنه ، فهو مصروف لا لشهوة ، وهو قول الحسن .
وفيما أخذت منه الإربة قولان :
أحدها : أنها مأخوذة من العقل من قولهم رجل أريب إذا كان عاقلاً . والثاني : أنها مأخوذة من الأرب وهو الحاجة ، قاله قطرب .
ثم أقول : إن الصغير والكبير والمجبوب من هذه التأويلات المذكورة في وجوب ستر الزينة الباطنة منهم ، وإباحة ما ظهر منها معهم كغيرهم ، فأما الصغير فإن لم يظهر على عورات النساء ولم يميز من أحوالهن شيئاً فلا عورة للمرأة معه .
[ فإِن كان مميزاً غير بالغ ] لزم أن تستر المرأة منه ما بين سرتها وركبتها وفي لزوم ستر ما عداه وجهان :
أحدهما : لا يلزم لأن القلم غير جار عليه والتكليف له غير لازم .
والثاني : يلزم كالرجل لأنه قد يشتهي ويشتهى .

صفحة رقم 96
وفي معنى قوله تعالى : ) أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ( ثلاثة أوجه :
الأول : لعدم شهوتهم .
والثاني : لم يعرفوا عورات النساء لعدم تمييزهم .
والثالث : لم يطيقوا جماع النساء .
وأما الشيخ فإن بقيت فيه شهوة فهو كالشباب ، فإن فقدها ففيه وجهان :
أحدهما : أن الزينة الباطنة معه مباحة والعورة معه ما بين السرة والركبة .
والثاني : أنها معه محرمة وجميع البدن معه عورة إلا الزينة الظاهرة ، استدامة لحاله المتقدمة .
وأما المجبوب والخصي ففيهما لأصحابنا ثلاثة أوجه :
أحدها : استباحة الزينة الباطنة معهما .
والثاني : تحريمها عليهما .
والثالث : إباحتها للمجبوب وتحريمها على الخصي .
والعورة إنما سميت بذلك لقبح ظهورها وغض البصر عنها ، مأخوذ من عور العين .
ثم قال تعالى : ) وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ( قال قتادة : كانت المرأة إذا مشت تضرب برجلها ليسمع قعقعة خلخالها ، فنهين عن ذلك .

صفحة رقم 97
ويحتمل فعلهن ذلك أمرين : فإما أن يفعلن ذلك فرحاً بزينتهن ومرحاً وإما تعرضاً للرجال وتبرجاً ، فإن كان الثاني فالمنع منه حتم ، وإن كان الأول فالمنع منه ندب .
( النور : ( 32 - 34 ) وأنكحوا الأيامى منكم . . . . .
" وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين " ( قوله تعالى : ) وَأَنكِحُواْ الأَيَامَى مِنكُمْ ( وهو جمع أيّم ، وفي الأيم قولان :
أحدهما : أنها المتوفى عنها زوجها ، قاله محمد بن الحسن .
الثاني : أنها التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً وهو قول الجمهور . يقال رجل أيّم إذا لم تكن له زوجة وامرأة أيّم إذا لم يكن لها زوج . ومنه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه نهى عن الأيمة يعني العزبة قال الشاعر :
فَإِن تَنْكَحِي أَنكِحْ وإن تَتَأَيَّمِي
وإن كُنْتَ أَفْتَى منكُم أَتَأَيَّمُ
وروى القاسم قال : أمر بقتل الأيم يعني الحية .
وفي هذا الخطاب قولان :
أحدهما : أنه خطاب للأولياء أن ينكحوا آيامهم من أكفائهن إذا دعون إليه

صفحة رقم 98
لأنه خطاب خرج مخرج الأمر الحتم فلذلك يوجه إلى الولي دون الزوج .
الثاني : أنه خطاب للأزواج أن يتزوجوا الأيامى عند الحاجة .
واختلف في وجوبه فذهب أهل الظاهر إليه تمسكاً بظاهر الأمر ، وذهب جمهور الفقهاء إلى استحبابه للمحتاج من غير إيجاب وكراهته لغير المحتاج .
ثم قال : ) وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن معنى الكلام وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من رجالكم وأنكحوا إماءَكم .
الثاني : وهو الأظهر أنه أمر بإنكاح العبيد والإِيماء كما أمرنا بإنكاح الأيامى لاستحقاق السيد لولاية عبده وأمته فإن دعت الأمة سيدها أن يتزوجها لم يلزمه لأنها فراش له ، وإن أراد تزويجها كان له خيراً وإن لم يختره ليكتسب رق ولدها ويسقط عنه نفقتها .
وإن أراد السيد تزويج عبد أو طلب العبد ذلك من سيده فهل للداعي إليه أن يجبر الممتنع فيهما عليه أم لا ؟ على قولين :
) إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يَغْنِهِمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح .
الثاني : إن يكونوا فقراء إلى المال يغنهم الله إما بقناعة الصالحين ، وإما باجتماع الرزقين ، وروى عبد العزيز بن أبي رواد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( اطْلُبُواْ الغِنَى فِي هذِهِ الآية ) ) إِن يَكُونَواْ فُقَرآءَ يُغْنهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ( .
) وَاللَّهُ وَاسَعٌ عَلِيمٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : واسع العطاء عليم بالمصلحة .

صفحة رقم 99
الثاني : واسع الرزق عليهم بالخلق .
قوله تعالى : ) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً ( أي وليعف ، والعفة في العرف الامتناع من كل فاحشة ، قال رؤبة :
يعف عن أسرارها بعد الفسق .
يعني عن الزنى بها .
) حَتَّى يَغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ( يحتمل وجهين
: أحدهما يغنيهم الله عنه بقلة الرغبة فيه .
الثاني : يغني بمال حلال يتزوجون به .
) وَالَّذيَنَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِم خَيْراً ( أما الكتاب المبتغى هنا هو كتابة العبد والأمة على مال إذا أدياه عتقا به وكانا قبله مالكين للكسب ليؤدي في العتق ، فإن تراضى السيد والعبد عليها جاز ، وإن دعا السيد إليها لم يجبر العبد عليها . وإن دعا العبد إليها ففي إجبار السيد عليها إذ علم فيه خيراً مذهبان :
أحدهما : وهو قول عطاء ، وداود ، يجب على السيد مكاتبته ويجبر إن أبى .
الثاني : وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء أنه يستحب له ولا يجبر عليه فإذا انعقدت الكتابة لزمت من جهة السيد وكان المكاتب فيها مخيراً بين المقام والفسخ .
) إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ( خمسة تأويلات :
أحدها : أن الخير ، القدرة على الاحتراف والكسب ، قاله ابن عمر وابن عباس .
الثاني : أن الخير : المال ، قاله عطاء ومجاهد .
الثالث : أنه الدين والأمانة ، قاله الحسن .

صفحة رقم 100
الرابع : أنه الوفاء والصدق ، قاله قتادة وطاووس .
الخامس : أنه الكسب والأمانة ، قاله الشافعي .
) وءَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ ( فيه قولان
: أحدهما : يعني من مال الزكاة من سهم الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد . ولا يكره للسيد أخذه وإن كان غنياً ، قاله الحسن ، وإبراهيم وابن زيد .
الثاني : من مال المكاتبة معونة من السيد لمكاتبه كما أعانه غيره من الزكاة .
واختلف من ذهب إلى هذا التأويل في وجوبه فذهب أبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب ، وذهب الشافعي إلى وجوبه وبه قال عمر وعلي وابن عباس .
واختلف من قال بوجوبه في هذا التأويل في تقديره فحكي عن علي أنه قدره بالربع من مال الكتابة ، وذهب الشافعي إلى أنه غير مقدر ، وبه قال ابن عباس .
وإن امتنع السيد منه طوعاً قضى الحاكم به عليه جبراً واجتهد رأيه في قدره ، وحكم به في تركته إن مات ، وحاص به الغرماء إن أفلس .
والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم في قول الشافعي وأصحابه ، وإذا عجز عن أداء نجم عند محله كان السيد بالخيار بين إنظاره وتعجيزه وإعادته رقاً ، ولا يرد ما أخذه منه أو من زكاة أعين بها أو مال كسبه .
قال الكلبي وسبب نزول قوله تعالى : ) فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُم فِيهِمْ خَيْراً ( الآية ؛ أن عبداً اسمه صبح لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه فامتنع حويطب فأنزل الله ذلك فيه .
قوله تعالى : ) وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ( الفتيات

صفحة رقم 101
الإماء ، البغاء الزنى ، والتحصن التعفف ، ولا يجوز أن يكرهها ولا يمكنها سواء أرادت تعففاً أو لم تُرِدْ .
وفي ذكر الإِكراه هنا وجهان :
أحدهما : لأن الإِكراه لا يصح إلا فيمن أراد التعفف ، ومن لم يرد التعفف فهو مسارع إلى الزنى غير مكره عليه .
الثاني : أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطاً فيه ، وهذا ما روى جابر بن عبد الله أن عبد الله بن أبي بن سلول كانت له أمة يقال لها مسيكة وكان يكرهها على الزنى فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه فقال : ارجعي فازني على آخر : فقال : لا والله ما أنا براجعة وجاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فأنزل الله هذه الآية ، وكان مستفيضاً من أفعال الجاهلين طلباً للولد والكسب .
) لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( أي لتأخذوا أجورهن على الزنى
. ) وَمَن يُكْرِههُّنَّ ( يعني من السادة
. ) فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( يعني للأمة المكرهة دون السيد المكرِه .
( النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . .
" الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم " ( قوله تعالى : ) اللَّهُ نُورُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ( فيه أربعة أقاويل :

صفحة رقم 102
أحدها : معناه الله هادي السموات والأرض ، قاله ابن عباس ، وأنس .
الثاني : الله مدبر السموات والأرض ، قاله مجاهد .
الثالث : الله ضياء السموات والأرض ، قاله أُبي .
الرابع : منور السموات والأرض .
فعلى هذا فبما نورهما به ثلاثة أقاويل :
أحدها : الله نور السموات بالملائكة ونور الأرض بالأنبياء .
الثاني : أنه نور السموات بالهيبة ونور الأرض بالقدرة .
الثالث : نورهما بشمسها وقمرها ونجومها ، قاله الحسن ، وأبو العالية .
) مَثَلُ نُورِهِ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : مثل نور الله ، قاله ابن عباس .
الثاني : مثل نور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن شجرة .
الثالث : مثل نور المؤمن ، قاله أُبي .
الرابع : مثل نور القرآن ، قاله سفيان .
فمن قال : مثل نور المؤمن ، يعني في قلب نفسه ، ومن قال : مثل نور محمد ، يعني في قلب المؤمن ، ومن قال : نور القرآن ، يعني في قلب محمد .
ومن قال : نور الله ، فيه قولان :
أحدهما : في قلب محمد .
الثاني : في قلب المؤمن .
) كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ( فيه خمسة أقاويل
: أحدها : أن المشكاة كوة لا منفذ لها والمصباح السراج ، قاله كعب الأحبار .
الثاني : المشكاة القنديل والمصباح الفتيلة ، قاله مجاهد .
الثالث : المشكاة موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأُنبوب ، والمصباح الضوء قاله ابن عباس .
الرابع : المشكاة الحديد الذي به القنديل وهي التي تسمى السلسلة

صفحة رقم 103
والمصباح هو القنديل ، وهذا مروي عن مجاهد أيضاً .
الخامس : أن المشكاة صدر المؤمن والمصباح القرآن الذي فيه والزجاجة قلبه ، قاله أُبَي ، قال الكلبي : والمشكاة لفظ حبشي معرب .
) الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ( فيه قولان
: أحدهما : يعني أن نار المصباح في زجاجة القنديل لأنه فيها أضوأ ، وهو قول الأكثرين .
الثاني : أن المصباح القرآن والإِيمان ، والزجاجة قلب المؤمن ، قاله أُبَي .
) كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ( أما الكوكب ففيه قولان :
أحدهما : أنه الزهرة خاصة ، قاله الضحاك .
الثاني : أنه أحد الكواكب المضيئة من غير تعيين ، وهو قول الأكثرين .
وأما درّي ففيه أربع قراءات .
إحداها : دُريّ بضم الدال وترك الهمز وهي قراءة نافع وتأويلها أنه مضيء يشبه الدر لضيائه ونقائه .
الثانية : بالضم والهمز وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر وتأويلها أنه مضيء .
الثالثة : بكسر الدال وبالهمز وهي قراءة أبي عمرو والكسائي وتأويلها أنه متدافع لأنه بالتدافع يصير منقضاً فيكون أقوى لضوئه مأخوذ من درأ أي دفع يدفع .
الرابعة : بالكسر وترك الهمز وهي قراءة المفضل بن عاصم ، وتأويلها أنه جار كالنجوم الدراري الجارية من درّ الوادي إذا جرى .
) يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ ( فيه قولان :

صفحة رقم 104
أحدهما : يعني بالشجرة المباركة إبراهيم والزجاجة التي كأنها كوكب دري محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو مروي عن ابن عمر .
الثاني : أنه صفة لضياء المصباح الذي ضربه الله مثلاً يعني أن المصباح يشعل من دهن شجرة زيتونة . ) مُّبَارَكَةٍ ( في جعلها مباركة وجهان
: أحدهما : لأن الله بارك في زيتون الشام فهو أبرك من غيره .
الثاني : لأن الزيتون يورق غصنه من أوله إلى آخره وليس له في الشجر مثيل إلا الرمان .
قال الشاعر :
بُورِكَ الْمَيْتُ الغَرِيبُ كَمَا بُو
رِكَ نَضْرُ الرُّمَّانِ والزَّيْتُونِ
) زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ( فيه سبعة أقاويل
: أحدها : أنها ليست من شجرة الشرق دون الغرب ولا من شجرة الغرب دون الشرق لأن ما اختص بأحد الجهتين أقل زيتاً وأضعف ، ولكنها شجر ما بين الشرق والغرب كالشام لاجتماع القوتين فيه ، وهو قول ابن شجرة وحكي عن عكرمة .
ومنه قولهم : لا خير في المتقاة والمضحاة ، فالمتقاة أسفل الوادي الذي لا تصيبه الشمس ، والمضحاة رأس الجبل الذي لا تزول عنه الشمس .
الثاني : أنها ليست بشرقية تستر عن الشمس في وقت الغروب ولا بغربية تستر عن الشمس وقت الطلوع بل هي بارزة للشمس من وقت الطلوع إلى وقت الغروب فيكون زيتها أقوى وأضوأ ، قاله قتادة .
الثالث : أنها وسط الشجرة لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك أضوأ لزيتها ، قاله عطية .

صفحة رقم 105
الرابع : أنها ليس في شجر الشرق ولا في شجر الغرب مثلها ، حكاه يحيى ابن سلام .
الخامس : أنها ليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية أو غربية ، وإنما هي من شجر الجنة ، قاله الحسن .
السادس : أنها مؤمنة لا شرقية ولا غربية ، أي ليست بنصرانية تصلي إلى الشرق ، ولا غربية أي ليست بيهودية تصلي إلى الغرب ، قاله ابن عمر .
السابع : أن الإِيمان ليس بشديد ولا لين لأن في أهل الشرق شدة ، وفي أهل الغرب لينٌ .
) يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أن صفاء زيتها كضوء النار وإن لم تمسسه نار ، ذكره ابن عيسى .
الثاني : أن قلب المؤمن يكاد أن يعرف قبل أن يتبين له لموافقته له ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : يكاد العلم يفيض من فم العالم المؤمن من قبل أن يتكلم به .
الرابع : تكاد أعلام النبوة تشهد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يدعو إليها .
) نُّورٌ عَلَى نُورٍ ( فيه ستة أقاويل :
أحدها : يعني ضوء النار على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة ، قاله مجاهد .
الثاني : نور النبوة على نور الحكمة ، قاله الضحاك .
الثالث : نور الزجاجة على نور الخوف .
الرابع : نور الإِيمان على نور العمل .
الخامس : نور المؤمن فهو حجة الله ، يتلوه مؤمن فهو حجة الله حتى لا تخلو الأرض منهم .
السادس : نور نبي من نسل نبي ، قاله السدي .
) يَهْدِي لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يهدي الله لدينه من يشاء من أوليائه ، قاله السدي .

صفحة رقم 106
الثاني : يهدي الله لدلائل هدايته من يشاء من أهل طاعته .
الثالث : يهدي الله لنبوته من يشاء من عباده .
) وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ( الآية . وفيما ضربت هذه الآية مثلاً فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها مثل ضربه الله للمؤمن في وضوح الحق له .
الثاني : أنها مثل ضربه الله لطاعته فسى الطاعة نوراً لتجاوزها عن محلها .
الثالث : ما حكاه ابن عباس أن اليهود قالوا : يا محمد كيف يخلص نور الله من دون السماء فضرب الله ذلك مثلاً لنوره .
( النور : ( 36 - 38 ) في بيوت أذن . . . . .
" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب " ( قوله : ) فِي بُيُوتٍ ( في هذه البيوت قولان
: أحدهما : أنها المساجد ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد .
الثاني : أنها سائر البيوت ، قاله عكرمة .
) أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ( أربعة أوجه
: أحدها : أن تُبْنَى ، قاله مجاهد كقوله : ) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ( أي يبني .
الثاني : أنها تطهر من الأنجاس والمعاصي ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أن تعظم ، قاله الحسن .
الرابع : أن ترفع فيها الحوائج إلى الله .

صفحة رقم 107
) وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ( فيها ثلاثة أقاويل
: أحدها : يتلى فيها كتابه ، قاله ابن عباس .
الثاني : تذكر فيها أسماؤه الحسنى ، قاله ابن جرير .
الثالث : توحيده بأن لا إله غيره ، قاله الكلبي .
وفيما يعود إليه ذكر البيوت التي أذن الله أن ترفع قولان :
أحدهما : إلى ما تقدم من قوله : كمشكاة فيها مصباح في بيوت أذن الله .
الثاني : إلى ما بعده من قوله : ) يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ( وفي هذا التسبيح قولان :
أحدهما : أنه تنزيه الله .
الثاني : أنه الصلاة ، قاله ابن عباس والضحاك .
) بالْغَدُوِّ وَالآصَالِ ( الغدو جمع غَدوة والآصال جمع أصيل وهي العشاء .
) رِجالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ( قال الكلبي : التجار هم الجلاب المسافرون ، والباعة هم المقيمون .
) عَن ذِكْرِ اللَّهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : عن ذكره بأسمائه الحسنى .
الثاني : عن الأذان ، قاله يحيى بن سلام . ) تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبِ وَالأبْصَارُ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : يعني تقلبها على حجر جهنم .
الثاني : تقلب أحوالها بأن تلفحها النار ثم تنضجها وتحرقها .
الثالث : أن تقلب القلوب وجيبها ، وتقلب الأبصار النظر بها إلى نواحي الأهوال .
الرابع : أن تقلب القلوب بلوغها الحناجر ، وتقلب الأبصار الزّرَق بعد الكحل ، والعمى بعد البصر .

صفحة رقم 108
الخامس : أن الكافر بعد البعث ينقلب قلبه على الكفر إلى الإيمان وينقلب بصره عما كان يراه غياً فيراه رشداً .
) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ ( فذكر الجزاء على الحسنات ولم يذكر الجزاء على السيئات وإن كان يجازى عليها لأمرين :
أحدهما : أنه ترغيب فاقتصر على ذكر الرغبة .
الثاني : أنه يكون في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر فكانت صغائرهم مغفورة .
) وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : ما يضاعفه من الحسنة بعشر أمثالها .
الثاني : ما يتفضل به من غير جزاء .
) وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : بغير جزاء بل يسديه تفضلاً .
الثاني : غير مقدر بالكفاية حتى يزيد عليها .
الثالث : غير قليل ولا مضيق .
الرابع : غير ممنون به .
وقيل لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببناء مسجد قباء فحضر عبد الله بن رواحة فقال : يا رسول الله قد أفلح من بنى المساجدا ؟ قال : ( نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ ) قال ، وصلى فيها قائماً وقاعداً قال : ( نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةِ ) قال : ولم يبت لله إلا ساجداً ؟ قال : ( نَعَمْ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ . كُفّ عَنِ السَّجْعِ فَمَا أُعْطِيَ عَبْدٌ شَيئاً شَرّاً مِن طَلاَقَةِ لِسَانِهِ ) . ( النور : ( 39 - 40 ) والذين كفروا أعمالهم . . . . .
" والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات

صفحة رقم 109
بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " ( قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أََعَمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بقِيعَةٍ ( أما السراب فهو الذي يخيل لمن رآه في الفلاة كأنه الماء الجاري قال الشاعر :
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُهُمْ
كَلَمْعِ سَرَابٍ بِالْفَلاَ مُتَأَلِّق
والآل كالسراب إلا أنه يرتفع عن الأرض في وقت الضحى حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء ، وقيل : إن السراب بعد الزوال والآل قبل الزوال والرقراق بعد العصر وأما القيعة فجمع قاع مثل جيرة وجار ، والقاع ما انبسط من الأرض واستوى .
) يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ( يعني العطشان يحسب السراب ماءً
. ) حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ( وهذا مثل ضربه الله للكافر يعول على ثواب عمله فإذا قدم على الله وجد ثواب عمله بالكفر حابطاً .
) وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ ( فيه وجهان :
أحدهما : وجد أمر الله عند حشره .
الثاني : وجد الله عند عرضه .
) فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ووجد الله عند عمله فجازاه على كفره .
والثاني : وجد الله عند وعيده فوفى بعذابه ويكون الحساب على الوجهين معاً محمولاً على العمل ، كما قال امرؤ القيس :
فوّلَّى مُدْبِراً وَأيْقَنَ
أنَّه لاَقِى الْحِسَابَا
) وَاللَّهُ سَرِيع الْحِسَابِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لأن حسابه آت وكل آت سريع .

صفحة رقم 110
الثاني : لأنه يحاسب جميع الخلق في وقت سريع .
قيل إن هذه الآية نزلت في شيبة بن ربيعة وكان يترهب في الجاهلية ويلبس الصوف ويطلب الدين فكفر في الإِسلام .
قوله : ) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ( الظلمات : ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل .
وفي قوله لجيّ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه البحر الواسع الذي لا يرى ساحله ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : أنه البحر الكثير الموج ، قاله الكلبي .
الثالث : أنه البحر العميق ، وهذا قول قتادة ، ولجة البحر وسطه ، ومنه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( مَنْ رَكِبَ البَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ) يعني إذا توسطه .
) يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يغشاه موج من فوق الموج ريح ، من فوق الريح سحاب فيجمع خوف الموج وخوف الريح وخوف السحاب .
الثاني : معناه يغشاه موج من بعده فيكون المعنى الموج بعضه يتبع بعضاً حتى كأنه بعضه فوق بعض وهذا أخوف ما يكون إذا توالى موجه وتقارب ، ومن فوق هذا الموج سحاب وهو أعظم للخوف من وجهين :
أحدهما : أنه قد يغطي النجوم التي يهتدى بها .
الثاني : الريح التي تنشأ مع السحاب والمطر الذي ينزل منه .
) ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ( يحتمل وجهين :

صفحة رقم 111
أحدهما : أن يريد الظلمات التي بدأ بذكرها وهي ظلمة البحر وظلمة السحاب وظلمة الليل .
الثاني : يعني بالظلمات الشدائد أي شدائد بعضها فوق بعض .
) إِذَا أخْرَجَ يَدَه لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ( فيه وجهان
: أحدهما : معناه أنه رآها بعد أن كاد لا يراها ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : لم يرها ولم يكد ، قاله الزجاج ، وهو معنى قول الحسن . وفي قوله لم يكد وجهان :
أحدهما : لم يطمع أن يراها .
الثاني : لم يرها ويكاد صلة زائدة في الكلام .
) ومَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهَ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : ومن لم يجعل الله له سبيلاً إلى النجاة في الآخرة فما له من سبيل إليها حكاه ابن عيسى .
الثاني : ومن لم يهده الله للإِسلام لم يهتد إليه ، قاله الزجاج .
وقال بعض أصحاب الخواطر وجهاً ثالثاً : ومن لم يجعل الله نوراً له في وقت القسمة فما له من نور في وقت الخلقة .
ويحتمل رابعاً : ومن لم يجعل الله له قبولاً في القلوب لم تقبله القلوب .
وهذا المثل ضربه الله للكافر ، فالظمات ظلمة الشرك وظلمة الليل وظلمة المعاصي ، والبحر اللجي قلب الكافر ، يغشاه من فوقه عذاب الدنيا ، فوقه عذاب الآخرة .
( النور : ( 41 - 42 ) ألم تر أن . . . . .
" ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير " (

صفحة رقم 112
قوله تعالى : ) وَالطَّيْرُ صَآفَاتٍ ( أي مصطفة الأجنحة في الهواء
. ) كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الصلاة للإِنسان والتسبيح لما سواه من سائر الخلق ، قاله مجاهد .
الثاني : أن هذا في الطير وإن ضرب أجنحتها صلاة وأن أصواتها تسبيح ، حكاه النقاش .
الثالث : أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود ، قاله سفيان . ثم فيه قولان :
أحدهما : أن كل واحد منهم قد علم صلاته وتسبيحه .
الثاني : أن الله قد علم صلاته وتسبيحه .
( النور : ( 43 - 44 ) ألم تر أن . . . . .
" ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " ( قوله تعالى : ) يُزْجِي سَحَاباً ( فيه وجهان :
أحدهما : ينزله قليلاً بعد قليل ، ومنه البضاعة المزجاة لقلتها .
الثاني : أنه يسوقه إلى حيث شاء ومنه زجا الخراج إذا انساق إلى أهله قال النابغة :
إِنِّي أتَيْتُكَ من أَهْلِي ومنْ وَطَنِي
أُزْجِي حُشَاشَةَ نَفْسٍ ما بِها رَمَقٌ
) ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ( أي يجمعه ثم يفرقه عند انتشائه ليقوى ويتصل .

صفحة رقم 113
) ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً ( أي يركب بعضه بعضاً .
) فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ( فيه قولان
: أحدهما : أن الودق البرق يخرج من خلال السحاب قال الشاعر :
أثرن عجاجة وخرجن منها
خروج الودق من خلَلَ السحاب
وهذا قول أبي الأشهب
: الثاني : أنه المطر يخرج من خلال السحاب ، وهو قول الجمهور ، ومنه قول الشاعر :
فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل أبقالها
) وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن في السماء جبال برد فينزل من تلك الجبال ما يشاء فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء .
الثاني : أنه ينزل من السماء برداً يكون كالجبال .
الثالث : أن السماء السحاب ، سماه لعلوه ، والجبال صفة السحاب أيضاً سمي جبالاً لعِظمه فينزل منه برداً يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء فتكون إصابته نقمة وصرفه نعمة .
) يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : صوت برقه .
الثاني : ضوء برقه ، قاله يحيى بن سلام ومنه قول الشماخ .
وما كادت إذا رفعت سناها ليبصر ضوءها إلاّ البصير
الثالث : لمعان برقه ، قاله قتادة والصوت حادث عن اللمعان كما قال امرؤ القيس :

صفحة رقم 114
يضي سناه أو مصابيح راهب
أمال السليط بالذبال المفتل
فيكون البرق دليلاً على تكاثف السحاب ، ونذيراً بقوة المطر ، ومحذراً من نزول الصواعق .
قوله تعالى : ) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ ( فيه ثلاث أوجه :
أحدها : هو أن يأتي بالليل بعد النهار ويأتي بالنهار بعد الليل ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : أن ينقص من الليل ما يزيد من النهار وينقص من النهار ما يزيد في الليل ، حكاه يحيى بن سلام .
الثالث : أنه يغير النهار بظلمة السحاب تارة وبضوء الشمس أخرى ، ويغير الليل بظلمة السحاب مرة وبضوء القمر مرة ، حكاه النقاش .
ويحتمل رابعاً : أن يقلبها باختلاف ما يقدر فيهما من خير وشر ونفع وضر .
( النور : ( 45 - 46 ) والله خلق كل . . . . .
" والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ( قوله تعالى : ) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبّةٍ مِّن مَّاءٍ ( فيه قولان :
أحدهما : أن أصل الخلق من ماء ثم قلب إلى النار فخلق منها الجن ، وإلى النور فخلق منها الملائكة ، وإلى الطين فخلق منه من خلق وما خلق ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : أنه خالق كل دابة من ماء النطفة ، قاله السدي .
) فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ( كالحية والحوت .
) وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رَجْلَينِ ( الإِنسان والطير .
) وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ( كالمواشي والخيل ، ولم يذكر ما يمشي ،

صفحة رقم 115
ولم يذكر ما يمشى على أكثر من أربع لأنه كالذي يمشي على أربع لأنه يعتمد في المشي على أربع .
( النور : ( 47 - 52 ) ويقولون آمنا بالله . . . . .
" ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " ( قوله تعالى : ) وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ( هذه الآية نزلت في بشر ، رجلٌ من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة فدعاه اليهودي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ودعاه بشر إلى كعب بن الأشرف لأن الحق إذا كان متوجهاً على المنافق إلى غير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليسقط عنه ، وإذا كان له حاكم إليه ليستوفيه منه فأنزل الله هذه الآية .
وقيل : إنها نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية كان بينه وبين علي كرم الله وجهه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم علياً إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال : إنه يبغضني ، فنزلت هذه الآية .
) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ( فيه أربعة أوجه
: أحدهما : طائعين ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : خاضعين ، حكاه النقاش .
الثالث : مسرعين ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 116
الرابع : مقرنين ، قاله الأخفش وفيها دليل على أن من دعي إلى حاكم فعليه الإِجابة ويحرج إن تأخر .
وقد روى أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( مَنْ دُعِيَ إِلَى حَاكِمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لاَ حَقَّ لَهُ ) . ثم قال : ) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ( فيه قولان :
أحدهما : شرك ، قاله الحسن .
الثاني : نفاق ، قاله قتادة .

صفحة رقم 117
) أَمِ ارْتَابُواْ ( أي شكوا ويحتمل وجهين
: أحدهما : في عدل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : في نبوته .
( النور : ( 53 - 54 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين " ( قوله تعالى : ) قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : طاعة صادقة خير من أيمان كاذبة .
الثاني : قد عرف نفاقكم في الطاعة فلا تتجملوا بالأيمان الكاذبة .
قوله تعالى : ) فَإِن تَوَلَّوْاْ ( أي أعرضوا عن الرسول .
) فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ( أي عليه ما حمل من إبلاغكم ، وعليكم ما حملتم من طاعته .
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن عليه ما حمل من فرض جهادكم ، وعليكم ما حملتم من وزر عباده .
) وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ ( يعني إلى الحق
. ) وَمَا عَلَى الرَّسُولَِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ( يعني بالقول لمن أطاع وبالسيف لمن عصى .
( النور : ( 55 - 57 ) وعد الله الذين . . . . .
" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر

صفحة رقم 118
بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير " ( قوله تعالى : ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعِمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ليَسَتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ ( فيه قولان :
أحدهما : يعني أرض مكة ، لأن المهاجرين سألوا الله ذلك ، قاله النقاش .
والثاني : بلاد العرب والعجم ، قاله ابن عيسى .
روى سليم بن عامر عن المقدام بن الأسود قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( لاَ يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ بَيْتُ حَجَرٍ وَلاَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسْلاَمِ بِعزٍّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلٍّ ذَلِيلٍ ، إما يعزهم فيجعلهم من أهلها ، وإما يذلهم فيدينون لها ) . ) كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( فيه قولان :
أحدهما يعني بني إسرائيل في أرض الشام .
الثاني : داود وسليمان .
) وَلَيُمَكِنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ( يعني دين الإِسلام وتمكينه أن يظهره على كل دين .
) وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِم أَمْناً ( لأنهم كانوا مطلوبين فطلبوا ، ومقهورين فقهروا .

صفحة رقم 119
) يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : لا يعبدون إلهاً غيري ، حكاه النقاش .
الثاني : لا يراءون بعبادتي أحداً .
الثالث : لا يخافون غيري ، قاله ابن عباس .
الرابع : لا يحبون غيري ، قاله مجاهد .
قال الضحاك : هذه الآية في الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم وهم الأئمة المهديون ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( الخِلاَفَةُ بَعْدِي ثَلاَثونَ سَنَةً ) . ( النور : ( 58 - 60 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم " ( قوله تعالى : ) لَيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيَمَانُكُم ( فيهم قولان :

صفحة رقم 120
أحدهما : أنهم النساء يستأذنَّ في هذه الأوقات خاصة ويستأذن الرجال في جميع الأوقات ، قاله ابن عمر .
الثاني : أنهم العبيد والإِماء .
وفي المعنى بالاستئذان ثلاثة أقاويل :
أحدها : العبد دون الأمة يستأذن على سيده في هذه الأوقات الثلاثة ، قاله ابن عمر ، ومجاهد .
الثاني : أنها الإِماء لأن العبد يجب أن يستأذن أبداً في هذه الأوقات وغيرها ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه على عمومه في العبد والأمة ، قاله أبو عبد الرحمن السلمي .
) وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الحُلُمَ مِنْكُم ( هم الصغار الأحرار فمن كان منهم غير مميز لا يصف ما رأى فليس من أهل الاستئذان ومن كان مميزاً يصف ما رأى ويحكي ما شاهد فهو المعني بالاستئذان .
) ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثَيَابَكُمْ مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَآءِ ( وهذه الساعات الثلاث هي أوقات الاستئذان من تقدم ذكره ولا يلزمهم الاستئذان في غيرها من الأوقات ، فذكر الوقت الأول وهو من قبل صلاة الفجر وهو من بعد الاستيقاظ من النوم إلى صلاة الصبح ، ثم ذكر الوقت الثاني فقال : ) وَحِينَ تَضَعُونَ ( وهو وقت الخلوة لنومة القائلة ، ثم ذكر الوقت الثالث فقال : ) وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعَشَآءِ ( يعني الآخرة وقد تسميها العامة العتمة وسميت العشاء لأن ظلام وقتها يعشي البصر .
وإنما خص هذه الأوقات الثلاثة لأنها أوقات خلوات الرجل مع أهله ولأنه ربما بدا فيها عند خلوته ما يكره أن يرى من جسده ، فقد روي أن عمر بن الخطاب كان في منزله وقت القائلة فأنفذ إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بصبي من أولاد الأنصار يقال له مدلج فدخل على عمر بغير إذن وكان نائماً فاستيقظ عمر بسرعة فانكشف شيء من جسده فنظر إليه الغلام فحزن عمر فقال : وددت لو أن الله بفضله نهى أبناءنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذننا ثم انطلق إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوجد هذه الآية قد أنزلت فخرَّ ساجداً [ شكراً لله ] .

صفحة رقم 121
) ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ( يعني هذه الساعات الثلاث هي أوقات العورات فصارت من عورات الزمان فجرت مجرى عورات الأبدان فلذلك خصت بالإِذن .
) لَيْسَ عَلَيْكَمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جَنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني ليس عليكم يا أهل البيوت جناح في تبذلكم في هذه الأوقات .
الثاني : ليس عليكم جناح في منعهم في هذه الأوقات . ولا على المملوكين والصغار جناح في ترك الاستئذان فيما سوى هذه الأوقات .
) طَوَّافُونَ عَلَيْكَم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ( يعني أنهم طوّافون عليكم للخدمة لكم فلم ينلهم حرج في دخول منازلكم ، والطوافون الذين يكثرون الدخول والخروج .
ثم أوجب على من بلغ من الصبيان الاستئذان إذا احتلموا وبلغوا لأنهم صاروا بالبلوغ في حكم الرجال فقال تعالى :
) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُم الحُلُمَ فَلْيَسْتَأَذِنُواْ كَمَا اسْتَأَْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم ( يعني الرجال . قوله : ) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ ( والقواعد جمع قاعدة وهن اللاتي قعدن بالكبر عن الحيض والحمل ولا يحضن ولا يلدن . قال ابن قتيبة : بل سمين بذلك لأنهن بعد الكبر يكثر منهن القعود . وقال زمعة : لا تراد ، فتقعد عن الاستمتاع بها والأول أشبه . قال الشاعر :
فلو أن ما في بطنه بين نسوة
حبلن ولو كان القواعد عقراً
وقوله : ) الَّلاتِي لاَ يَرْجُونَ نَكَاحاً ( أي أنهن لأجل الكبر لا يردن الرجال ولا يريدهن الرجال .
) فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جَنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ( فيه قولان :
أحدهما : جلبابها وهو الرداء الذي فوق خمارها فتضعه عنها إذا سترها باقي ثيابها قاله ابن مسعود وابن جبير .
الثاني : خمارها ورداؤها ، قاله جابر بن زيد .

صفحة رقم 122
) غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ ( والتبرج أن تظهر من زينتها ما يستدعي النظر إليها فإنه في القواعد وغيرهن محظور . وإنما خص القواعد بوضع الجلباب لانصراف النفوس عنهن ما لم يبد شيء من عوراتهن . والشابات المشتهيات يمنعن من وضع الجلباب أو الخمار ويؤمرن بلبس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن . وقد روى مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لِلزَّوْجِ مَا تَحْتَ الدِّرْعِ ، وَلِلإِبْنِ وَالأَخِ مَا فَوقَ الدِّرْعِ ، وَلِغَيْرِ ذِي مُحْرِمٍ أَرْبَعَةُ أَثْوَابٍ : دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَجِلْبَابٍ وَإِزَارٍ ) . ) وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ( يعني إن يستعفف القواعد عن وضع ثيابهن ويلزمن لبس جلابيبهن خير لهن من وضعها وإن سقط الحرج عنهن فيه .
( النور : ( 61 ) ليس على الأعمى . . . . .
" ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " ( قوله تعالى : ) لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ( فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أن الأنصار كانوا يتحرجون أن يؤاكلوا هؤلاء إذا دعوا إلى الطعام فيقولون : الأعمى لا يبصر أطيب الطعام ، والأعرج لا يستطيع الزحام عند الطعام ،

صفحة رقم 123
والمريض يضعف عن مشاركة الصحيح في الطعام . وكانوا يقولون : طعامهم مفرد ويرون أنه أفضل من أن يكونوا شركاء ، فأنزل الله هذه الآية فيهم ورفع الحرج عنهم في مؤاكلتهم ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والكلبي .
الثاني : أنه ليس على هؤلاء من أهل الزمانة حرج أن يأكلوا من بيوت من سمى الله بعد هذا من أهاليهم ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه كان المذكورون من أهل الزمانة يخلفون الأنصار في منازلهم إذا خرجواْ بجهاد وكانوا يتحرجون أن يأكلوا منها فرخص الله لهم في الأكل من بيوت من استخلفوهم فيها ، قاله الزهري .
الرابع : أنها نزلت في إسقاط الجهاد عمن ذكروا من أهل الزمانة .
الخامس : ليس على من ذكر من أهل الزمانة حرج إذا دُعِي إلى وليمة أن يأخذ معه قائده ، وهذا قول عبد الكريم .
) وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : من أموال عيالكم وأزواجكم لأنهم في بيته .
الثاني : من بيوت أولادكم فنسب بيوت الأولاد إلى بيوت أنفسهم لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أَنتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) ولذلك لم يذكر الله بيوت الأبناء حين ذكر بيوت الآباء والأقارب اكتفاء بهذا الذكر .
الثالث : يعني بها البيوت التي هم ساكنوها خدمة لأهلها واتصالاً بأربابها كالأهل والخدم .
) أَوْ بُيُوتِ ءَابَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ ( فأباح الأكل من بيوت هؤلاء لمكان النسب من غير استئذانهم في الأكل إذا كان الطعام

صفحة رقم 124
مبذولاً ، فإن كان محروزاً دونهم لم يكن لهم هتك حرزه . ولا يجوز أن يتجاوزوا الأكل إلى الادخار ، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محروز عنهم إلا بإذن منهم ثم قال :
) أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه عَنَى به وكيل الرجل وَقيِّمه في ضيعته يجوز له أن يأكل مما يقوم عليه من ثمار ضيعته ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه أراد منزل الرجل نفسه يأكل مما ادخره ، قاله قتادة .
الثالث : أنه عنى به أكل السيد من منزل عبده وماله لأن مال العبد لسيده ، حكاه ابن عيسى .
) أَوْ صَدِيقِكُمْ ( فيه قولان
: أحدهما : أنه يأكل من بيت صديقه في الوليمة دون غيرها .
الثاني : أنه يأكل من منزل صديقه في الوليمة وغيرها إذا كان الطعام حاضراً غير محرز . قال ابن عباس : الصديق أكثر من الوالدين ، ألا ترى أن الجهنميين لم يستغيثوا بالآباء ولا الأمهات وإنما قالوا : ) فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ( وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الصَّدِيقِ البَارِّ عِوَضَاً عَنِ الرَّحِمِ المَذْمُومَةِ ) والمراد بالصديق الأصدقاء وهو واحد يعبر به عن الجميع ، قال جرير :
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا .
. بأسهم أعداءٍ وهن صديقُ
وفي الصديق قولان :
أحدهما : أنه الذي صدقك عن مودته .
الثاني : أنه الذي يوافق باطنه باطنك كما وافق ظاهره ظاهرك .
ثم اختلفوا في نسخ ما تقدم ذكره بعد ثبوت حكمه على قولين :
أحدهما : أنه على ثبوته لم ينسخ شيء منه ، قاله قتادة .

صفحة رقم 125
الثاني : أنه منسوخ بقوله تعالى :
) لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ ( الآية . ويقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا يحل مَالُ امْرِىءْ مُسْلِمٍ إلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنهُ ) قال تعالى : ) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنها نزلت في بني كنانة كان رجل منهم يرى أن مُحرَّماً عليه أن يأكل وحده في الجاهلية حتى أن الرجل ليسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه ، فأنزل فيهم هذه الآية ، قاله قتادة وابن جريج .
الثاني : أنها نزلت في قوم من العرب كان الرجل منهم إذا نزل به ضيف تحرج أن يتركه يأكل وحده حتى يأكل معه ، فنزل ذلك فيهم ، قال أبو صالح .
الثالث : أنها نزلت في قوم كانوا يتحرجون أن يأكلوا جميعاً ويعتقدون أنه ذنب ويأكل كل واحد منهم منفرداً ، فنزل ذلك فيهم ، حكاه النقاش .
الرابع : أنها نزلت في قوم مسافرين اشتركوا في أزوادهم فكان إذا تأخر أحدهم أمسك الباقون عن الأكل حتى يحضر ، فنزل ذلك فيهم ترخيصاً للأكل جماعة وفرادى .
) فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً ( فيها قولان :

صفحة رقم 126
: أحدهما : أنه المساجد .
الثاني : أنها جميع البيوت .
) فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ( فيه خمسة أقاويل
: أحدها : يعني إذا دخلتم بيوت أنفسكم فسلموا على أهاليكم وعيالكم ، قاله جابر .
الثاني : إذا دخلتم المساجد فسلموا على من فيها ، وهذا قول ابن عباس .
الثالث : إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم ، قاله الحسن .
الرابع : إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أهل دينكم ، قاله السدي .
الخامس : إذا دخلتم بيوتاً فارغة فسلموا على أنفسكم وهو أن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، قاله ابن عمر ، وإبراهيم ، وأبو مالك ، وقيل : سلامه على نفسه أن يقول : السلام علينا من ربنا تحية من عند الله .
وإذا سلم الواحد من الجماعة أجزأ عن جميعهم ، فإذا دخل الرجل مسجداً ذا جمع كثير سلم يسمع نفسه ، وإذا كان ذا جمع قليل أسمعهم أو بعضهم .
قال الحسن : كان النساء يسلمن على الرجال ولا يسلم الرجال على النساء ، وكان ابن عمر يسلم على النساء ، ولو قيل لا يسلم أحد الفريقين على الآخر كان أولى لأن السلام مواصلة .
) تَحِيَّةً مِنْ عِندِ اللَّهِ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : يعني أن السلام اسم من أسماء الله تعالى .
الثاني : أن التحية بالسلام من أوامر الله .
الثالث : أن الرد عليه إذا سلم دعاء له عند الله .
الرابع : أن الملائكة ترد عليه فيكون ثواباً من عند الله .
) مُبَارَكَةً ( فيها وجهان
: أحدهما : لما فيها من الثواب الجزيل .

صفحة رقم 127
الثاني : لما يرجى من ثواب الدعاء .
) طَيِّبَةً ( يحتمل وجهين
: أحدهما : لما فيها من طيب العيش بالتواصل .
الثاني : لما فيها من طيب الذكر والشأن .
( النور : ( 62 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
" إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم " ( قوله تعالى : ) . . . . وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أن الأمر الجامع الجمعة والعيدان والاستسقاء وكل شيء يَكون فيه الخطبة ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنه الجهاد ، قاله زيد بن أسلم .
الثالث : طاعة الله ، قاله مجاهد .
) لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَئْذِنُوهُ ( أي لم ينصرفوا عنه حتى يستأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيه .
) فَإِذَا اسْتَئذَنُوكَ لبَعْضِ شَأْنِهِمْ . . . . ( الآية . وهذا بحسب ما يرى من أعذارهم ونياتهم وروي أن هذا نزل في عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليهم وسلم في غزاة بتوك فاستأذنه في الرجوع إلى أهله فقال : ( انْطَلِقْ فَوَاللَّهِ مَا أَنتَ بِمُنَافِقٍ وَلاَ مُرْتَابٍ ) وكان المنافقون إذا استأذنوا نظر إليهم ولم يأذن لهم فكان بعضهم يقول لبعض : محمدٌ يزعم أنه بُعِث بالعدل وهكذا يصنع بنا .
) وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ( يعني لمن أذن له من المؤمنين ليزول عنه باستغفاره ملامة الانصراف قال قتادة : وهذه الآية ناسخة قوله تعالى : ) عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَدِنتَ لَهُم ( الآية .

صفحة رقم 128
( النور : ( 63 - 64 ) لا تجعلوا دعاء . . . . .
" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم " ( قوله تعالى : ) لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضاً ( الآية . فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه نهي من الله عن التعرض لدعاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بإسخاطه لأن دعاءه يوجب العقوبة وليس كدعاء غيره ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه نهي من الله عن دعاء رسول الله بالغلظة والجفاء وَلْيَدْعُ بالخضوع والتذلل : يا رسول الله ، يا نبي الله ، قاله مجاهد ، وقتادة .
الثالث : أنه نهي من الله عن الإِبطاء عند أمره والتأخر عند استدعائه لهم إلى الجهاد ولا يتأخرون كما يتأخر بعضهم عن إجابة بعض ، حكاه ابن عيسى .
) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً ( فيه قولان
: أحدهما : أنهم المنافقون كانوا يتسلّلُون عن صلاة الجمعة لواذاً أي يلوذ بعضهم ببعض ينضم إليه استتاراً من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لم يكن على المنافقين أثقل من يوم الجمعة وحضور الخطبة فنزل ذلك فيهم ، حكاه النقاش .
الثاني : أنهم كانوا يتسللون في الجهاد رجوعاً عنه يلوذ بعضهم ببعض لواذاً فنزل ذلك فيهم ، قاله مجاهد .
وقال الحسن معنى قوله : ) لِوَاذاً ( أي فراراً من الجهاد ، ومنه قول حسان ابن ثابت :

صفحة رقم 129
وقريش تجول منكم لواذاً
لم تحافظ وخفّ منها الحلوم
) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ( فيه قولان :
أحدهما : يخالفون عن أمر الله ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : عن أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله قتادة .
ومعنى قوله : ) يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ( أي يعرضون عن أمره ، وقال الأخفش : ) عَنْ ( في هذا الموضع زائدة ومعنى الكلام فليحذر الذين يخالفون أمره ، وسواء كان ما أمرهم به من أمور الدين أو الدنيا .
) أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ( فيها ثلاثة تأويلات :
أحدها : كفر ، قاله السدي .
الثاني : عقوبة ، قاله ابن كامل .
الثالث : بلية تُظْهِرُ ما في قلوبهم من النفاق ، حكاه ابن عيسى .
) أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( فيه قولان :
أحدهما : القتل في الدنيا ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : عذاب بجهنم في الآخرة .

صفحة رقم 130
سورة الفرقان
مكية كلها
قال ابن عباس وقتادة : إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي :
) والذين لا يدعون ( إلى قوله : ) غفورا رحيما ( .
بسم الله الرحمن الرحيم
( الفرقان : ( 1 - 3 ) تبارك الذي نزل . . . . .
" تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا " ( قوله تعالى : ) تَبَارَكَ . . . . ( في تبارك ثلاثة أوجه
: أحدها : تفاعل مع البركة ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه الذي يجيىء البركة من قِبَلِهِ ، قاله الحسن .
الثالث : خالق البركة : قاله إبراهيم .
وفي البركة ثلاثة أقاويل :
أحدها : العلو . الثاني : الزيادة .

صفحة رقم 131
الثالث : العظمة . فيكون تأويله على الوجه الأول : تعالى ، وعلى الوجه الثاني تزايد ، وعلى الوجه الثالث : تعاظم .
و ) الْفُرْقَانَ ( هو القرآن وقيل إنه اسم لكل كتاب منزل كما قال تعالى :
) وَإِذ ءَاتَينَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفَرْقَانَ ( وفي تسميته فرقاناً وجهان :
أحدهما : لأنه فرق بين الحق والباطل .
الثاني : لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام ، حكاه النقاش .
) عَلَى عَبْدِهِ ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقرأ ابن الزبير ) عَلَى عِبَادِهِ ( بالجمع
. ) لِيَكُونَ لِلْعَالَمينَ نَذِيراً ( فيه قولان
: أحدهما : ليكون محمد نذيراً ، قاله قتادة ، وابن زيد .
الثاني : ليكون الفرقان ، حكاه ابن عيسى . والنذر : المحذر من الهلاك ، ومنه قول الشاعر :
فلما تلاقينا وقد كان منذر .
. نذيراً فلم يقبل نصيحة ذي النذر
والمراد بالعالمين هنا الإِنس والجن لأن النبي صلى الله عليه قد كان رسولاً إليهما ونذيراً لهما وأنه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عامّ الرسالة إلا نوحاً فإنه عم برسالته جميع الإِنس بعد الطوفان لأنه بدأ به الخلق ، واختلف في عموم رسالته قبل الطوفان على قولين :
أحدهما : عامة لعموم العقاب بالطوفان على مخالفته في الرسالة .
الثاني : خاصة بقومه لأنه ما تجاوزهم بدعائه .
( الفرقان : ( 4 - 6 ) وقال الذين كفروا . . . . .
" وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما " (

صفحة رقم 132
قوله تعالى : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( يعني مشركي قريش ، وقال ابن عباس : القائل منهم ذلك النضر بن الحارث .
) إِن هذَآ ( يعني القرآن .
) إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ ( أي كذب اختلقه .
) وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ ( وفيمن زعموا أنه أعانه عليه أربعة أقاويل :
أحدها : قوم من اليهود ، قاله مجاهد .
الثاني : عبد الله الحضرمي ، قاله الحسن .
الثالث : عدّاس غلام عتبة ، قاله الكلبي .
والرابع : أبو فكيهة الرومي ، قاله الضحاك .
( الفرقان : ( 7 - 14 ) وقالوا ما لهذا . . . . .
" وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " ( قوله تعالى : ) وَقَالُواْ مَا لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنهم قالوا ذلك إزراء عليه أنه لما كان مثلهم محتاجاً إلى الطعام

صفحة رقم 133
ومتبذلاً في الأسواق لم يجز أن يتميز عليهم بالرسالة ووجب أن يكون مثلهم في الحكم .
الثاني : أنهم قالوا ذلك استزادة له في الحال كما زاد عليهم في الاختصاص فكان يجب ألاّ يحتاج إلى الطعام كالملائكة ، ولا يتبذل في الأسواق كالملوك .
ومرادهم في كلا الوجهين فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه ليس يوجب اختصاصه بالمنزلة نقله عن موضع الخلقة لأمرين :
أحدهما : أن كل جنس قد يتفاضل أهله في المنزلة ولا يقتضي تمييزهم في الخلقة كذلك حال من فضل في الرسالة .
الثاني : أنه لو نقل عن موضوع الخلقة بتمييزه بالرسالة لصار من غير جنسهم ولما كان رسولاً منهم ، وذلك مما تنفر منه النفوس .
وأما الوجه الثاني : فهو أن الرسالة لا تقتضي منعه من المشي في الأسواق لأمرين :
أحدهما : أن هذا من أفعال الجبابرة وقد صان الله رسوله عن التجبر .
الثاني : لحاجته لدعاء أهل الأسواق إلى نبوته ، ومشاهدة ما هم عليه من منكر يمنع منه ومعروف يقر عليه .
) لَوْلآَ أُنزِلَ إِلَيهِ ( الآية أي هلا أُنزل إليه ) مَلَكٌ . . . ( وفيه وجهان
: أحدهما : أن يكون الملك دليلاً على صدقه .
الثاني : أن يكون وزيراً له يرجع إلى رأيه .
) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ ( فلا يكون فقيراً .
) أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ( والجنة البستان فكأنهم استقلّوه لفقره . قال الحسن : والله ما زَوَاهَا عن نبيه إلا اختياراً ولا بسطها لغيره إلا اغتراراً ولوا ذاك لما أعاله .

صفحة رقم 134
قوله : ) وَقَالَ الظَّالِمُونَ ( يعني مشركي قريش وقيل إنه عبد الله بن الزبعرى .
) إِن تَبَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ( فيه وجهان .
أحدهما : سحر فزال عقله .
الثاني : أي سَحَرَكُمْ فيما يقوله .
قوله تعالى : ) انظُرْ كَيفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ ( يعني ما تقدم من قولهم .
) فَضَلُّواْ ( فيه وجهان :
أحدهما : فضلواْ عن الحق في ضربها .
الثاني : فناقضوا في ذكرها لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه وهما متناقضان .
) فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مخرجاً من الأمثال التي ضربوها ، قاله مجاهد .
الثاني : سبيلاً إلى الطاعة لله ، قاله السدي .
الثالث : سبيلاً إلى الخير ، قاله يحيى بن سلام .
قوله تعالى : ) وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً ( قال عبد الله بن عمرو : إن جهنم لتضيق على الكافرين كضيق الزج على الرمح .
) مُّقَرَّنِينَ ( فيه وجهان : :
أحدهما : مُكَتَفِينَ ، قاله أبو صالح .
الثاني : يقرن كل واحد منهم إلى شيطانه ، قاله يحيى بن سلام .
) دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : ويلاً ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 135
الثاني : هلاكاً ، قاله الضحاك .
الثالث : معناه وانصرافاه عن طاعة الله ، حكاه ابن عيسى وروي النبي صلى الله عليه السلام أنه قال : ( أَوَّلُ مَن يَقُولُهُ إِبْلِيسُ ) ( الفرقان : ( 15 - 16 ) قل أذلك خير . . . . .
" قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا " ( قوله تعالى : ) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ( يعني من النعيم فأما المعاصي فتصرف عن شهواتهم .
) خَالِدِينَ ( يعني في الثواب كخلود أهل النار في العقاب
. ) كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدهما : أنه وعد الله لهم بالجزاء فسألوه الوفاء فوفاه ، وهو معنى قول ابن عباس .
الثاني : الملائكة تسأل الله لهم فيجابون إلى مسألتهم ، وهو معنى قول محمد بن كعب القرظي .
الثالث : أنه سألوا الله الجنة في الدنيا ورَغِبُوا إليه بالدعاء فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا وأعطاهم ما طلبوا ، وهو معنى قول زيد بن أسلم .
( الفرقان : ( 17 - 19 ) ويوم يحشرهم وما . . . . .
" ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ

صفحة رقم 136
من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا " ( قوله تعالى : ) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُم ( فيه قولان :
أحدهما أنه حَشْرُ الموت ، قاله مجاهد .
الثاني : حشر البعث ، قاله ابن عباس .
) وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ( قاله مجاهد : هم عيسى وعزير والملائكة . ) فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هؤُلآءِ ( وهذا تقرير لإِكذاب من ادّعى ذلك عليهم وإن خرج مخرج الاستفهام .
وفيمن قال له ذلك القول قولان :
أحدهما أنه يقال هذا للملائكة ، قاله الحسن .
الثاني : لعيسى وعزير والملائكة ، قاله مجاهد .
) أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ ( أي أخطأوا قصد الحق بأجابوا بأن
) قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نَتَّخذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيآءَ ( فيه وجهان :
أحدهما ما كنا نواليهم على عبادتنا .
الثاني : ما كنا نتخذهم لنا أولياء .
) وَلكن مَّتَّعْنَهُمْ وَءَابَاءَهُمْ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : متعهم بالسلامة من العذاب ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : بطول العمر ، حكاه النقاش .
الثالث : بالأموال والأولاد .
) حَتَّى نَسُواْ الذِكْر ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حتى تركوا القرآن ، قاله ابن زيد .

صفحة رقم 137
الثاني : حتى غفلوا عن الطاعة .
الثالث : حتى نسوا الإِحسان إليهم والإِنعام عليهم .
) وََكَانَوا قَوْماً بُوراً ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : يعني هلكى ، قاله ابن عباس ، مأخوذ من البوار وهو الهلاك .
الثاني : هم الذين لا خير فيهم ، قاله الحسن مأخوذ من بوار الأرض وهو تعطلها من الزرع فلا يكون فيها خير .
الثالث : أن البوار الفساد ، قاله شهر بن حوشب وقتادة ، مأخوذ من قولهم بارت إذا كسدت كساد الفاسد ومنه الأثر المروي : نعوذ بالله من بوار الأيم ، وقال عبد الله بن الزِبعرى :
يا رسول المليك إن لساني .
. راتق ما فتقت إذ أنا بُور
) فقد كذبوكُم بما تقولون ( فيه قولان : أحدهما : أن الملائكة والرسل قد كذبوا الكفار فيما يقولون أنهم اتخذوهم أولياء من دونه ، قاله مجاهد .
الثاني : أن المشركين كذبوا المؤمنين فيما يقولونه من نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن زيد .
) فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : صرف العذاب عنهم ولا ينصرون أنفسهم ، قاله ابن زيد .
الثاني : فما يستطيعون صرف الحجة عنهم ولا نصراً على آلهتهم في تعذيبهم ، قاله الكلبي .
الثالث : فما يستطيعون صرفك يا محمد عن الحق ولا نصر أنفسهم من عذاب التكذيب ، حكاه عيسى .

صفحة رقم 138
الرابع : أن الصرف الحيلة حكاه ابن قتيبة والصرف الحيلة مأخوذ من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال .
وأما قولهم لا يقبل منهم صرف ولا عَدْل ففيه وجهان :
أحدهما : أن الصرف : النافلة ، والعَدل : الفريضة .
الثاني : أن الصرف : الدية ، والعَدل : القود .
( الفرقان : ( 20 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
" وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا " ( قوله تعالى : ) وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنه افتتان الفقير بالغني أن يقول لو شاء الله لجعلني مثله غنياً والأعمى بالبصير أن يقول لو شاء لجعلني مثله بصيراً ، والسقيم بالصحيح أن يقول لو شاء لجعلني مثله صحيحاً ، قاله الحسن .
الثاني : فتنة بالعدوان في الدين ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أن الفتنة صبر الأنبياء على تكذيب قومهم ، قاله يحيى بن سلام .
الرابع : أنها نزلت حين أسلم أبو ذر الغفاري وعمار وصهيب وبلال وعامر بن فهيرة وسلام مولى أبي حذيفة وأمثالهم من الفقراء الموالي فقال المستهزئون من قريش : انظروا إلى أتباع محمد من فقرائنا وموالينا فنزلت فيهم الآية ، حكاه النقاش .
وفي الفتنة هنا وجهان :
أحدهما : البلاء .
والثاني : الاختبار .
) أَتَصْبِرُونَ ( يعني على ما مُحِنْتُمْ به من هذه الفتنة ، وفيه اختصار وتقديره أم لا تصبرون .

صفحة رقم 139
) وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ( قال ابن جريج : بصيراً بما يصبر ممن يجزع .
ويحتمل وجهاً آخر : بصيراً بالحكمة فيما جعل بعضكم لبعض فتنة .
( الفرقان : ( 21 - 24 ) وقال الذين لا . . . . .
" وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " ( قوله تعالى : ) وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءِنَا ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يخافون ولا يخشون ، قاله السدي ، ومنه قول الشاعر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وخالفها في بيت نوب عوامل
أي لم يخش .
الثاني : لا يبالون ، قاله ابن عمير ، وأنشد لخبيب .
لعمرك ما أرجوا إذا كنت مسلماً
على أي حال كان في الله مصرعي
أي ما أبالي .
الثالث : لا يأملون ، حكاه ابن شجرة وأنشد قول الشاعر :
أترجو أمة قتلت حسينا
شفاعة جَدِّه يوم الحسابِ
) لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَةُ ( فيه قولان :
أحدهما : ليخبرونا أن محمداً نبي قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 140
الثاني : ليكونوا رسلاً إلينا من ربهم بدلاً من رسالة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
) أَوْ نَرَى رَبَّنَا ( فيأمرنا باتباع محمد وتصديقه
. ) لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِم ( فيه وجهان
: أحدهما : تكبرواْ في أنفسهم لما قل في أعينهم من إرسال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبياً إليهم .
الثاني : استكبروا في أنفسهم بما اقترحوه من رؤية الله ونزول الملائكة عليهم .
) وَعَتَوْ عُنُوّاً كَبِيراً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه التجبر ، قاله عكرمة .
الثاني : العصيان ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : أنه السرف في الظلم ، حكاه ابن عيسى .
الرابع : أنه الغلو في القول ، حكاه النقاش .
الخامس : أنه شدة الكفر ، قاله ابن عباس .
قيل إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ومكرز بن حفص بن الأخنف في جماعة من قريش قالوا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا .
فنزل فيهم قوله تعالى :
) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ ( فيه قولان : أحدهما : عند الموت ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : يوم القيامة ، قاله مجاهد .
) لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمينَ ( يعني بالجنة ، قاله عطية العوفي : إذا كان يوم القيامة يلقى المؤمن بالبشرى فإذا رأى الكافر ذلك تمناه فلم يره من الملائكة .
) وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ( فيه ثلاث أوجه :
أحدها : معناه معاذ الله أن تكون لكم البشرى يومئذ ، قاله مجاهد .
الثاني : معناه : منعنا أن نصل إلى شيء من الخير ، قاله عكرمة .
الثالث : حراماً محرماً أن تكون لكم البشرى يومئذ ، قاله أبو سعيد الخدري ، والضحاك ، وقتادة ومنه قول الملتمس :

صفحة رقم 141
حَنّتْ إلى النخلة القصوى فقلت لها
حجْرٌ حرام إلا تلك الدهاريس .
وفي القائلين حجراً محجوراً قولان :
أحدهما : أنهم الملائكة قالوه للكفار ، قاله الضحاك .
الثاني : أنهم الكفار قالوه لأنفسهم ، قاله قتادة .
قوله تعالى ) وَقَدِمْنآ ( أي عمدنا ، قاله مجاهد ، قال الراجز :
وقدم الخوارج الضلال
إلى عباد ربهم فقالوا
89 ( إن دماءَكم لنا حلال ) 89
) إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ( فيه قولان :
أحدهما : من عمل خيراً لا يتقبل منهم لإِحباطه بالكفر ، قاله مجاهد .
الثاني : من عمل صالحاً لا يراد به وجه الله ، قاله ابن المبارك .
) فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً ( فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه رهج الدواب ، قاله علي بن أبي طالب . الثاني : أنه كالغبار يكون في شعاع الشمس إذا طلعت في كوة ، قاله الحسن ، وعكرمة .
الثالث : أنه ما ذرته الرياح من يابس أوراق الشجر ، قاله قتادة .
الرابع : أنها الماء المراق ، قاله ابن عباس .
الخامس : أنه الرماد ، قاله عبيد بن يعلى .
قوله تعالى : ) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَراً ( يعني منزلاً في الجنة من مستقر الكفار في النار .
) وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه المستقر في الجنة والمقيل دونها ، قاله أبو سنان .
الثاني : أنه عنى موضع القائلة للدعة وإن لم يقيلواْ ، ذكره ابن عيسى .
الثالث : أنه يقيل أولياء الله بعد الحساب على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين المقرنين ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 142
الرابع : لأنه يفرغ من حسابهم وقت القائلة وهو نصف النهار ، فذلك أحسن مقيلاً ، من مقيل الكفار ، قاله الفراء .
( الفرقان : ( 25 - 29 ) ويوم تشقق السماء . . . . .
" ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا " ( قوله تعالى : ) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ ( فيه قولان
: أحدهما : بمعنى على الغمام كما يقال رميت بالقوس وعن القوس ويكون المراد به الغمام المعهود والذي دون السماء لأنه يبقى دونها إذا انشقت غمام .
والقول الثاني : أنه غمام أبيض يكون في السماء ينزله الله على أنبيائه مثل الذي أظل بني إسرائيل ، وقد قال في ظل من الغمام فتنشق السماء فيخرج منها .
) وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً ( يعني أن الملائكة تنزل فيه يوم القيامة ، وهو يوم التلاق . الذي يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض .
وفي نزولهم قولان :
أحدهما : ليبشروا المؤمن بالجنة ، والكافر بالنار .
الثاني : ليكون مع كل نفس سائق وشهيد .
قوله تعالى : ) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ( قيل هو عقبة بن أبي معيط .
) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : سبيلاً بطاعة الله ، قاله قتادة .
الثاني : طريقاً إلى النجاة ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : وسيلة عند الرسول يكون وصلة إليه ، قاله الأخفش .

صفحة رقم 143
) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : يعني الشيطان ، قاله مجاهد ، وأبو رجاء .
الثاني : أنه أبي بن خلف ، قاله عمرو بن ميمون .
الثالث : أنه أمية بن خلف ، قاله السدي ، وذكر أن سبب ذلك أن عقبة وأمية كانا خليلين وكان عقبة يغشى مجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال أمية بن خلف له : بلغني أنك صبوت إلى دين محمد ، فقال ما صبوت ، قال : فوجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفُل في وجهه وتتبرأ منه فأتى عقبة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتفل على جهه وتبرأ منه ، فاشتد ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله فيه مخبراً عما يصير إليه ) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ . . . ( الآية والتي بعدها . وفلانٌ لا يُثنى ولا يُجمْع . ( الفرقان : ( 30 - 31 ) وقال الرسول يا . . . . .
" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا " ( قوله تعالى : ) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواْ هَذَا الْقُرَءَانَ مَهْجُوراً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم هجروه بإعراضهم عنه فصار مهجوراً ، قاله ابن زيد .
الثاني : أنهم قالوا فيه هجراً أي قبيحاً ، قاله مجاهد .
الثالث : أنهم جعلوه هجراً من الكلام وهو ما لا نفع فيه من العبث والهذيان ، قاله ابن قتيبة .
( الفرقان : ( 32 - 34 ) وقال الذين كفروا . . . . .
" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا " ( قوله تعالى : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ( في قائل ذلك من الكفار قولان :

صفحة رقم 144
أحدهما : أنهم كفار قريش ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنهم اليهود حين رأوا نزول القرآن مفرقاً ، قالوا : هلا أُنزِل عليه جملة واحدة ، كما أنزلت التوراة على موسى .
) كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ( فيه وجهان :
أحدهما : لنشجع به قلبك ، لأنه معجز يدل على صدقك ، وهو معنى قول السدي .
الثاني : معناه كذلك أنزلناه مفرقاً لنثبته في فؤادك .
وفيه وجهان :
أحدهما : لأنه كان أمياً ولم ينزل القرآن عليه مكتوباً ، فكان نزوله مفرقاً أَثبتَ في فؤاده ، وأَعلَقَ بقلبه .
الثاني : لنثبت فؤادك باتصال الوحي ومداومة نزول القرآن ، فلا تصير بانقطاع الوحي مستوحشاً .
) وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ( فيه خمسة تأويلات
: أحدها : ورسلناه ترسيلاً ، شيئاً بعد شيء ، قاله ابن عباس .
الثاني : وفرقناه تفريقاً ، قاله إبراهيم .
الثالث : وفصلناه تفصيلاً ، قاله السدي .
الرابع : وفسرناه تفسيراً ، قاله ابن زيد .
الخامس : وبينَّاه تبييناً ، قاله قتادة .
روي عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يَا ابْنَ عَبَّاسِ إِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَرِتّلْهُ تَرْتِيلاً ) فقلت وما الترتيل ؟ ، قال : ( بَيِّنْهُ تَبْييناً وَلاَ تَبْتُرْهُ بَتْرَ الدقلِ ، وَلاَ تهذه هذّ الشِّعرِ وَلاَ يَكُونُ هَمَّ أَحدِكُم آخِرَ السُّورَةِ ) .

صفحة رقم 145
( الفرقان : ( 35 - 40 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
" ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا " ( قوله تعالى : ) وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أن الرس المعدن ، قاله أبو عبيدة . الثاني : أنه قرية من قرى اليمامة يقال له الفج من ثمود ، قاله قتادة .
الثالث : أنه ما بين نجران واليمن إلى حضرموت ، قاله بعض المفسرين .
الرابع : أنه البئر .
وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه بئر بأذربيجان ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها البئر التي قتل فيها صاحب ياسين بأنطاكية الشام حكاه النقاش .
الثالث : أن كل بئر إذا حفرت ولم تطو فهي رس قال زهير :
بكرن بكوراً واستحرن بسحرة
فهن ووادي الرس كاليد في الفم
وفي أصحاب الرس أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم قوم شعيب ، حكاه بعض المفسرين .
الثاني : أنهم قوم رسوا نبيهم في بئر ، قاله عكرمة .
الثالث : أنهم قوم كانوا نزولاً على بئر يعبدون الأوثان ، وكانوا لا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه ورسوه فيها ، وكان الرس بالشام ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 146
الرابع : أنهم قوم أرسل الله إليهم نبياً فأكلوه وهم أول من عمل نساؤهم السحر ، قاله الكلبي .
قوله تعالى : ) وَلَقَدْ أَتَوْاْ عَلَى الْقَرْيَةِ ( وهي سدوم قرية لوط .
) الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءٍ ( الحجارة التي أُمطِرُوا بها ، والذين أتوا عليها قريش .
) أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا ( أي يعتبرون بها
. ) بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نَشُوراً ( أي لا يخافون بعثاً .
( الفرقان : ( 41 - 44 ) وإذا رأوك إن . . . . .
" وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا " ( قوله تعالى : ) أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَههُ هَوَاهُ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنهم قوم كان الرجل منهم يعبد حجراً يستحسنه ، فإذا رأى أحسن منه عبده وترك الأول ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئاً عبده ، حكاه النقاش .
الثالث : أنه الذي يتبع هواه في كل ما دعا إليه ، قاله الحسن ، وقتادة .
) أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : يعني ناصراً ، قاله قتادة .
الثاني : حفيظاً ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : كفيلاً قاله الكلبي .
الرابع : مسيطراً ، قاله السّدي .
( الفرقان : ( 45 - 47 ) ألم تر إلى . . . . .
" ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه

صفحة رقم 147
دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا " ( قوله تعالى : ) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ( أي بسطه على الأرض وفيه وجهان :
أحدهما : أن الظل الليل لأنه ظل الأرض يقبل بغروب الشمس ويدبر بطلوعها .
الثاني : أنه ظل النهار بما حجب من شعاع الشمس .
وفي الفرق بين الظل والفيء وجهان :
أحدهما : أن الظل ما قبل طلوع الشمس والفيء ما بعد طلوعها .
الثاني : أن الظل ما قبل الزوال والفيء ما بعده .
) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا ( يعني الظل ، وفيه وجهان
: أحدهما : أنه قبض الظل بطلوع الشمس .
الثاني : بغروبها .
) قَبْضاً يَسِيراً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : سريعاً ، قاله ابن عباس .
الثاني : سهلاً ، قاله أبو مالك .
الثالث : خفياً ، قاله مجاهد .
قوله تعالى : ) . . . جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً ( يعني غطاءً لأن يَسْتُرُ كمَا يستر اللباس .
) وَالنَّوْمَ سُبَاتاً ( فيه وجهان :
أحدهما : لأنه مسبوت فيه ، والنائم لا يعقل كالميت ، حكاه النقاش .
الثاني : يعني راحة لقطع العمل ومنه سمي يوم السب ، لأنه يوم راحة لقطع العمل ، حكاه ابن عيسى .
) وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً ( فيه وجهان :
أحدهما : لانتشار الروح باليقظة فيه مأخوذ من النشر والبعث .
الثاني : لانتشار الناس في معايشهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

صفحة رقم 148
( الفرقان : ( 48 - 50 ) وهو الذي أرسل . . . . .
" وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " ( قوله تعالى : ) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ ( قال أبي بن كعب كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة ، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب .
وقيل : لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح ، والعذاب ريح واحدة وهي الدبور لأنها لا تلقح .
) بُشْراً ( قرئت بالنون وبالباء فمن قرأ بالنون ففيه وجهان
: أحدهما : أنه نشر السحاب حتى يمطر .
الثاني : حياة لخلقه كحياتهم بالنشور .
ومن قرأ ) بُشْراً ( بالباء ففيه وجهان :
أحدهما لأنها بشرى بالمطر .
الثاني : لأن الناس يستبشرون بها .
) بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ( يعني المطر لأنه رحمة من الله لخلقه ، وتأوله بعض أصحاب الخواطر يرسل رياح الندم بين يدي التوبة .
) وَأَنزَلْنَا السَّمِآءِ مَآءً طَهُوراً ( فيه تأويلان :
أحدهما : طاهراً ، قاله أبو حنيفة ولذلك جوز إزالة النجاسات بالمائعات الطاهرات .
الثاني : مطهراً ، قاله الشافعي ولذلك لم يجوز إزالة النجاسة بمائع سوى الماء .
) لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ( وهي التي لا عمارة فيها ولا زرع ، وإحياؤها يكون بنبات زرعها وشجرها ، فكما أن الماء يطهر الأبدان من الأحداث والأنجاس ، كذلك الماء يطهر الأرض من القحط والجدب .

صفحة رقم 149
) وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنآ أَنْعَاماً وَأنَاسِيَّ كَثِيراً ( فجمع بالماء حياة النبات والحيوان وفي الأناسي وجهان :
أحدهما : أنه جمع إنسي .
الثاني : جمع إنسان .
قوله تعالى : ) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه الفرقان المذكور في أول السورة .
الثاني : أراد الماء الذي أنزله طهوراً .
وفيه وجهان :
أحدهما : يعني قسمنا المطر فلا يدوم على مكان ، فيهلك ولا ينقطع عن مكان ، فيهلك ، وهو معنى قول قتادة .
الثاني : أنه يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان ، قال ابن عباس ليس عام بأمطر من عام ، ولكن الله يصرفه بين عباده .
) لِيَذَّكَّرُوا ( يحتمل وجهين
: أحدهما : ليتذكروا النعمة بنزوله .
الثاني : ليتذكروا النعمة بانقطاعه .
) فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسَ إِلاَّ كُفُوراً ( قال عكرمة : هو قولهم مطرنا بالأنواء . روى الربيع بن صبيح قال : أمطر الناس على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذات ليلة فلما أصبح قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهَا بَيْنَ رَجْلَينِ شَاكِرٍ وَكَافِرٍ ، فَأَمَّا الشَّاكِرُ فَيحْمِدُ اللَّهَ عَلَى سُقْياهُ وَغِيَاثِهِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيقُولُ مطرنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا ) . ( الفرقان : ( 51 - 54 ) ولو شئنا لبعثنا . . . . .
" ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا

صفحة رقم 150
ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا " ( قوله تعالى : ) فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ ( يعني إلى ما يدعونك إليه : إما من تعظيم آلهتهم ، وإما من موادعتهم .
) وَجَاهِدْهُم بِهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : بالقرآن .
الثاني : بالإِسلام .
) جِهَاداً كَبِيراً ( فيه وجهان :
أحدهما : بالسيف .
الثاني : بالغلظة .
قوله تعالى : ) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَينِ ( فيه وجهان :
أحدهما : هو إرسال أحدهما إلى الآخر ، قاله الضحاك .
الثاني : هو تخليتها ، حكاه النقاش وقال الأخفش مأخوذ من مَرَجْتَ الشيء إذا خليته ، وَمَرَجَ الوالي الناس إذا تركهم ، وأمرجت الدابّة إذا خليتها ترعى ، ومنه قول العجاج .
89 ( ( رَعى بها مَرْج ربيع ممرجاً ) ) 89
وفي البحرين ثلاثة أقاويل
: أحدها : بحر السماء وبحر الأرض ، وهو قول سعيد ، ومجاهد .
الثاني : بحر فارس والروم ، وهو قول الحسن .
الثالث : بحر العذب وبحر المالح . ) هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ( قال عطاء
: الفرات : العذب ، وقيل هو أعذب العذب .
وفي الأجاج : ثلاثة أقاويل :

صفحة رقم 151
أحدها : أنه المالح ، وهو قول عطاء ، وقيل : هو أملح المالح .
الثاني : أنه المر ، وهو قول قتادة .
والثالث : أنه الحار المؤجج ، مأخوذ من تأجج النار ، وهو قول ابن بحر .
) وََجَعلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ( فيه ثلاثة أقويل
: أحدها : حاجز من البر ، وهو قول الحسن ، ومجاهد .
الثاني : أن البرزخ : التخوم ، وهو قول قتادة .
والثالث : أنه الأجل ما بين الدنيا والآخرة ، وهو قول الضحاك .
) وَحِجْراً مَّحْجُوراً ( أي مانعاً لا يختلط العذب بالمالح ، ومنه قول الشاعر :
فَرُبّ في سُرادقٍ محجورِ
سرت إليه من أعالي السور
محجور أي ممنوع
. وتأول بعض المتعمقين في غوامض المعاني أن مرج البحرين قلوب الأبرار مضيئة بالبر ، وهو العذب ، وقلوب الفجار مظلمة بالفجور وهو الملح الأجاج ، وهو بعيد .
قوله عز وجل : ) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً ( يعني من النطفة إنساناً .
) فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ( فالنسب مِن تناسُب كل والد وولد ، وكل شيء أضفته إلى شيء عرفته به فهو مناسِبُهُ .
وفي الصهر وجهان :
أحدهما : أنه الرضاع وهو قول طاووس .
الثاني : أنه المناكح وهو معنى قول قتادة ، وقال الكلبي : النسب من لا يحل نكاحه من القرابة ، والصهر من يحل نكاحه من القرابة وغير القرابة .
وأصل الصهر الاختلاط ، فسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها ، ومنه قوله تعالى : ) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُوِهِم ( " [ الحج : 20 ] وقيل إن أصل الصهر الملاصقة .
( الفرقان : ( 55 - 60 ) ويعبدون من دون . . . . .
" ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا

صفحة رقم 152
وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا " ( قوله عز وجل : ) . . . وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبّهِ ظَهِيراً ( فيه وجهان :
أحدهما : عوناً ، مأخوذ من المظاهر وهي المعونة ، ومعنى قوله ) عَلَى رَبِّهِ ( أي على أولياء ربه .
الثاني : هيناً ، مأخوذ من قولهم ظهر فلان بحاجتي إذا تركها واستهان بها قال تعالى :
) وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُم ظِهْريّاً ( " [ هود : 92 ] أي هيناً ، ومنه قول الفرزدق :
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي
بظهرٍ فلا يعيا عَلَيّ جوابها
قيل إنها نزلت في أبي جهل .
قوله عز وجل : ) وَإِذَا قِيل لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَن قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأَمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن العرب لم تكن تعرف الرحمن في أسماء الله تعالى : وكان مأخوذاً من الكتاب فلما دعوا إلى السجود لله تعالى بهذا الاسم سألواْ عنه مسألة الجاهل به فقالواْ ) وَمَا الرَّحْمَن أَنَسْجُدُ لِمَا تَأَمْرُنَا ( .
الثاني : أن مسيلمة الكذاب كان يسمى الرحمن ، فلما سمعوا هذا الاسم في

صفحة رقم 153
القرآن حسبوه مسيلمة ، فأنكروا ما دعوا إليه من السجود له .
والثالث : أن هذا قول قوم كانواْ يجحدون التوحيد ولا يقرون بالله تعالى ، فلما أمروا أن يسجدوا للرحمن ازدادوا نفوراً مع هواهم بما دعوا إليه من الإيمان ، وإلا فالعرب المعترفون بالله الذين يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى كانوا يعرفون الرحمن في أسمائه وأنه اسم مسمى من الرحمة يدل على المبالغة في الوصف ، وهذا قول ابن بحر .
( الفرقان : ( 61 - 62 ) تبارك الذي جعل . . . . .
" تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " ( قوله عز وجل : ) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجاً ( فيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها النجوم العظام ، وهو قول أبي صالح .
الثاني : أنها قصور في السماء فيها الحرس ، وهو قول عطية العوفي .
الثالث : أنها مواضع الكواكب .
والرابع : أنها منازل الشمس ، وقرىء بُرجاً ، قرأ بذلك قتادة ، وتأوله النجم .
) وَقَمَراً مُّنِيراً ( يعني مضيئاً ، ولذا جعل الشمس سراجاً والقمر منيراً ، لأنه لما اقترن بضياء الشمس وهَّج حرّها جعلها لأجل الحرارة سراجاً ، ولما كان ذلك في القمر معدوماً جعله نوراً .
) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَار خِلْفَةً ( فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أنه جعل ما فات من عمل أحدهما خلفة يقضي في الآخر ، قاله عمر ابن الخطاب والحسن .
الثاني : أنه جعل كل واحد منهما مخالفاً لصاحبه فجعل أحدهما أبيض والآخر أسود ، قاله مجاهد .
الثالث : أن كل واحد منهما يخلف صاحبه إذا مضى هذا جاء هذا ، قاله ابن زيد ومنه قول زهير :

صفحة رقم 154
بها العين والآرام يمشين خلفة
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
) لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ( أي يصلي بالنهار صلاة الليل ويصلي بالليل صلاة النهار .
) أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ( هو النافلة بعد الفريضة ، وقيل نزلت هذه الآية في عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ( الفرقان : ( 63 - 67 ) وعباد الرحمن الذين . . . . .
" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " ( قوله تعالى : ) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : علماء وكلماء ، قاله ابن عباس .
الثاني : أعفاء أتقياء ، قاله الضحاك .
الثالث : بالسكينة والوقار ، قاله مجاهد .
الرابع : متواضعين لا يتكبرون ، قاله ابن زيد .
) وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً ( الجاهلون فيهم قولان
: أحدهما : أنهم الكفار .
الثاني : السفهاء .
) قَالُواْ سَلاَماً ( فيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 155
: أحدها : قالوا سداداً ، قاله مجاهد لأنه قول سليم .
الثاني : قالوا وعليك السلام ، قاله الضحاك .
الثالث : أنه طلب المسالمة ، قاله ابن بحر .
قوله تعالى : ) إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : لازماً ، قاله ابن عيسى ، ومنه الغريم لملازمته وأنشد الأعشى :
إن يعاقب يكن غَراماً وإن يع
طر جزيلاً فإنه لا يبالي
الثاني : شديداً ، قاله ابن شجرة ، ومنه سميت شدة المحنة غراماً قال بشر بن أبي خازم :
ويوم الجفار ويوم النسا
ر ، كانا عذاباً ، وكان غراما
الثالث : ثقيلاً ، قاله قطرب ، ومنه قوله تعالى : ) فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ( " [ القلم : 46 ] .
الرابع : أنهم أغرموا بالنعيم في الدنيا عذاب النار ، قال محمد بن كعب : إن الله سأل الكفار عن فأغرمهم فأدخلهم جهنم .
قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : لم ينفقواْ في معصية الله ، والإِسراف النفقة في المعاصي ، قاله ابن عباس .
الثاني : لم ينفقوا كثيراً فيقول الناس قد أسرفوا ، قاله إبراهيم .
الثالث : لا يأكلون طعاماً يريدون به نعيماً ولا يلبسون ثوباً يريدون به جمالاً ، قاله يزيد بن أبي حبيب ، قال : هؤلاء أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانت قلوبهم على قلب رجل واحد .

صفحة رقم 156
الرابع : لم ينفقوا نفقة في غير حقها فإن النفقة في غير حقها إسراف ، قاله ابن سيرين .
) وَلَمْ يَقْتُرُواْ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : لم يمنعوا حقوق الله فإن منع حقوق الله إقتار ، قاله ابن عباس .
الثاني : لا يعريهم ولا يجيعهم ، قاله إبراهيم .
الثالث : لم يمسكوا عن طاعة الله ، قاله ابن زيد .
الرابع : لم يقصروا في الحق ، قاله الأعمش .
روى معاذ بن جبل قال : لما نزلت هذه الآية سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن النفقة في الإسراف والإقتار ما هو ، فقال : من منع من حق فقد قتر ، ومن أعطى في غير حق فقد أسرف .
) وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَامَاً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يعني عدلاً ، قاله الأعمش .
الثاني : أن القوام : أن يخرجوا في الله شطر أموالهم ، قاله وهب .
الثالث : أن القوام : أن ينفق في طاعة الله ويكف عن محارم الله .
ويحتمل رابعاً : أن القوام ما لم يمسك فيه عزيز ولم يقدم فيه على خطر ، والفرق بين القَوام بالفتح والقِوام بالكسر ، ما قاله ثعلب : أنه بالفتح الاستقامة والعدل ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر .
( الفرقان : ( 68 - 71 ) والذين لا يدعون . . . . .
" والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا " ( قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ ( يعني لا يجعلون لله تعالى

صفحة رقم 157
شريكاً ، ولا يجعلون بينهم وبينه في العبادة وسيطاً .
) وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ( يعني حرم قتلها ، وهي نفس المؤمن والمعاهد .
) إِلاَّ بِالْحَقِّ ( والحق المستباح به قتلها ، ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِِإِحْدَى ثَلاَثٍ : كُفرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ ، أَوْ زِنىً بَعْدَ إِحْصَانٍ ، أَوْ قَتْل نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ) . ) وَلاَ يَزْنُونَ ( والزنى إتيان النساء المحرمات في قبل أو دبر ، واللواط زنى في أحد القولين وهو في القول الثاني موجب لقتل الفاعل والمفعول به ،
وفي إتيان البهائم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كالزنى في الفرق بين البكر والثيب .
الثاني : أنه يوجب قتل البهيمة ومن أتاها للخبر المأثور فيه .
الثالث : أنه يوجب التعزير . فجمع في هذه الآية بين ثلاث من الكبائر الشرك وقتل النفس والزنى ، روى عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ( أو قال غيري ) : أي ذنب أعظم عند الله ؟ قال : ( أَن تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ ) قال : ثم أي ؟ قال : ( أَن تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِيفَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ) قال : ثم أيّ . ؟ قال : ( أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ ) قال فأنزل الله ذلك .
) وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ( يعني هذه الثلاثة أو بعضها
) يَلْقَ أَثَاماً ( فيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 158
: أحدها : أن الأثام العقوبة قاله بلعام بن قيس :
جزى اللَّه ابن عروة حيث أمسى
عقوقاً والعقوق له أثام
الثاني : أن الأثام اسم واد في جهنم ، قاله ابن عمر ، وقتادة ، ومنه قول الشاعر :
لقيت المهالك في حربنا
وبعد المهالك تلقى أثاما
الثالث : الجزاء ، قاله السدي ، وقال الشاعر :
وإن مقامنا ندعو عليكم بأبطح ذي المجاز له أثامُ
) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، قاله قتادة .
الثاني : أنها الجمع بين عقوبات الكبائر المجتمعة .
الثالث : أنها استدامة العذاب بالخلود .
) وَيَخْلُدْ فِيهِ ( أي يخلد في العذاب بالشرك .
) مُهَاناً ( بالعقوبة .
) إِلاَّ مَن تَابَ ( يعني من الزنى .
) وَءَامَنَ ( يعني من الشرك .
) وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ( يعني بعد السيئات .
) فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : في الدنيا يبدلهم بالشرك إيماناً ، وبالزنى إحصاناً وبذكر الله بعد نسيانه ، وبطاعته بعد عصيانه ، وهذا معنى قول الحسن ، وقتادة .
الثاني : أنه في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته فيبدل الله السيئات حسنات ، قاله أبو هريرة .
الثالث : أنه يبدل الله عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته إذا انتقل إليها ، قاله ابن بحر .
) وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً ( لما تقدم قبل التوبة .
) رَحِيماً ( لما بعدها .
وحكى الكلبي أن وحشياً وهو عبد عتبة بن غزوان كتب بعد وقعة أحد وقَتْلِ

صفحة رقم 159
حمزة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هل من توبة ؟ فإن الله أنزل بمكة إياسي من كل خير ) وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ ( الآية وإن وحشياً قد فعل هذا كله ، وقد زنى وأشرك وقتل النفس التي حرم الله ، فأنزل الله ) إلاَّ مَن تَابَ ( أي من الزنى وآمن بعد الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات ، فكتب بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليه فقال وحشي : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً ، فكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : هل من شيء أوسع من هذا ؟ فأنزل الله ) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ( " [ النساء : 48 ، 116 ] ، فكتب بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى وحشي . فأرسل وحشي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنى لأخاف أن لا أكون في مشيئة الله ، فأنزل الله في وحشي وأصحابه ) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرًُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ( " [ الزمر : 53 ] الآية . فبعث بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى وحشي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلم .
( الفرقان : ( 72 - 74 ) والذين لا يشهدون . . . . .
" والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " ( قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ ( فيه سبعة تأويلات :
أحدها : أنه الشرك بالله ، قاله الضحاك ، وابن زيد .
الثاني : أنه أعياد أهل الذمة وشبهه ، قال ابن سيرين هو الشعانين .
الثالث : أنه الغناء ، قاله مجاهد .
الرابع : مجالس الخنا ، قاله عمرو بن قيس .
الخامس : أنه لعب كان في الجاهلية ، قاله عكرمة .
السادس : أنه الكذب ، قاله ابن جريج ، وقتادة .
السابع : أنه مجلس كان يشتم فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله خالد بن كثير .

صفحة رقم 160
ويحتمل ثامناً : أنه العهود على المعاصي .
) وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغوِ مَرُّواْ كِرَاماً ( فيه خمسة تأويلات
: أحدها : أنه ما كان يفعله المشركون من أذية المسلمين في أنفسهم وأعراضهم فيعرضوا عنهم وعن أذاهم ، قاله مجاهد .
الثاني : أنهم إذا ذكروا النكاح كَنّوا عنه ، حكاه العوّام .
الثالث : أنهم إذا ذكروا الفروج كَنّوا عنها ، قاله محمد بن علي البافر رحمه الله .
الرابع : أنهم إذا مروا بإفك المشركين ينكروه ، قاله ابن زيد .
الخامس : أن اللغو هنا المعاصي كلها ، ومرهم بها كراماً إِعراضهم عنها ، قاله الحسن .
ويحتمل سادساً : وإذا مروا بالهزل عدلوا عنه إلى الجد .
قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِئَايَاتِ رَبِّهِمْ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : بوعده ووعيده .
الثاني : بأمره ونهيه .
) لَمْ يخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً ( يعني سمعوا الوعظ فلم يصموا عنه وأبصروا الرشد فلم يعموا عنه بخلاف من أصمه الشرك عن الوعظ وأعماه الضلال عن الرشد .
وفي قوله : ) لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا ( وجهان :
أحدهما : لم يقيموا ، قاله الأخفش .
الثاني : لم يتغافلوا ، قاله ابن قتيبة .
قوله تعالى : ) . . . رَبَّنَا لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : أجعل أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، قاله الكلبي .
الثاني : ارزقنا من أزواجنا ومن ذرياتنا أعواناً ) قُرَّةَ أَعْيُنٍ ( أي أهل طاعة تقر به أعيننا في الدنيا بالصلاح ، وفي الآخرة بالجنة .
وفي قرة العين وجهان :

صفحة رقم 161
أحدهما : أن تصادف ما يرضيهما فتقر على النظر إليه دون غيره .
الثاني : أن القرّ البرد فيكون معناه برّد الله دمعها ، لأن دمعة السرور باردة .
ودمعة [ الحزن ] حارة ، وضد قرة العين سخنة العين ، قاله الأصمعي .
) وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أمثالا ، قاله عكرمة .
الثاني : رضاً ، قاله جعفر الصادق .
الثالث : قادة إلى الخير ، قاله قتادة .
الرابع : أئمة هدى يُهْتدى بنا ، قاله ابن عباس .
الخامس : نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، قاله مجاهد .
وفي الآية دليل عل أن طلب الرياسة في الدين ندب .
( الفرقان : ( 75 - 77 ) أولئك يجزون الغرفة . . . . .
" أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما " ( قوله تعالى : ) أُوْلَئِكَ يُجْزَوُنَ الْغُرْفَةَ ( فيها وجهان :
أحدهما : أن الغرفة الجنة ، قاله الضحاك .
الثاني : أنها أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى منازل الدنيا ، حكاه ابن شجرة .
) بِمَا صَبَرُواْ ( فيه وجهان :
أحدهما : بما صبروا عن الشهوات ، قاله الضحاك .
الثاني : بما صبروا على طاعة الله .
) وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني بقاء دائماً .
الثاني : ملكاً عظيماً .
) وَسَلاَماً ( فيه وجهان :
أحدهما : أنها جماع السلامة الخير .

صفحة رقم 162
الثاني : هو أن يحيي بعضهم بعضاً بالسلام ، قاله الكلبي .
ولأصحاب الخواطر في التحية والسلام وجهان :
أحدهما : التحية على الروح والسلام على الجسد .
الثاني : أن التحية على العقل والسلام على النفس .
قوله تعالى : ) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ( فيه وجهان :
أحدهما : ما يصنع ، قاله مجاهد ، وابن زيد .
الثاني : ما يبالي ، قاله أبو عمرو بن العلاء .
) لَوْلاَ دُعآؤُكُمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : لولا عبادتكم وإيمانكم به ، والدعاء العبادة .
الثاني : لولا دعاؤه لكم إلى الطاعة ، قاله مجاهد .
ويحتمل ثالثاً : لولا دعاؤكم له إذا مسكم الضر وأصابكم السوء رغبة إليه وخضوعاً إليه .
) فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : كذبتم برسلي .
الثاني : قصرتم عن طاعتي مأخوذ من قولهم قد كذب في الحرب إذا قصّر .
) لِزَاماً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه عذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر ، قاله ابن مسعود وأُبي .
الثاني : عذاب الآخرة في القيامة ، قاله قتادة .
الثالث : أنه الموت ، قاله محمد بن كعب ، ومنه قول الشاعر :
يولي عند حاجتها البشير
ولم أجزع من الموت اللزام
الرابع : هو لزوم الحجة في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا ، قاله الضحاك ، وأظهر الأوجه أن يكون اللزام الجزاء للزومه ، والله أعلم .

صفحة رقم 163
سورة الشعراء
مكية كلها ، وقال ابن عباس وقتادة : إلا أربع آيات منها نزلن بالمدينة من قوله : ) والشعراء يتبعهم الغاوون ( [ الشعراء : 224 ] إلى آخرها .
بسم الله الرحمن الرحيم
( الشعراء : ( 1 - 9 ) طسم
" طسم تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ( قوله ) طسم ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه اسم من أسماء الله أقسم به ، والمقسم عليه ) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ ( ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة .
الثالث : أنه من الفواتح التي افتتح الله بها كتابه ، قاله الحسن .

صفحة رقم 164
الرابع : أنها حروف هجاء مقطعة من أسماء الله وصفاته :
أما الطاء ففيها قولان :
أحدهما : أنها من الطول .
الثاني : أنها من الطاهر .
وأما السين ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها من القدوس .
الثاني : أنها من السميع .
الثالث : من السلام .
وأما الميم ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها من المجيد .
الثاني : من الرحيم .
الثالث : من الملك .
ولأصحاب الخواطر في تأويل ذلك قولان :
أحدهما : أن الطاء شجرة طوبى ، والسين سدرة المنتهى ، والميم محمد المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : أن الطاء طرب التائبين ، والسين ستر الله على المذنبين ، والميم معرفته بالغاوين ، وقد ذكرنا في تفسير ) الم ( من زيادة التأويلات ما يجزىء تخريجه قبل هذا الموضع .
قوله ) بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ( فيه وجهان :
أحدهما : قاتل نفسك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والبخع القتل ، قاله ذو الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه
بشيءٍ نحته عن يديه المقادِرُ
الثاني : محرج نفسك ، قاله عطاء ، وابن زيد .

صفحة رقم 165
قوله : ) إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً ( فيها وجهان :
أحدهما : ما عظم من الأمور القاهرة .
الثاني : ما ظهر من الدلائل الواضحة .
) فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصيته .
الثاني : أنه أراد أصحاب الأعناق فحذفه وأقام المضاف إليه مقامه ، ذكره ابن عيسى .
الثالث : أن الأعناق الرؤساء ، ذكره ابن شجرة ، وقاله قطرب .
الرابع : أن العنق الجماعة من الناس ، من قولهم : أتاني عنق من الناس أي جماعة ، ورأيت الناس عنقاً إلى فلان ، ذكره النقاش .
قوله ) أَوَلَمْ يَرَواْ إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ ( أي نوع معه قرينة من أبيض وأحمر ، وحلو وحامض .
أحدها : حسن ، قاله ابن جبير .
الثاني : أنه مما يأكل الناس والأنعام ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه النافع المحمود كما أن الكريم من الناس هو النافع المحمود .
الرابع : هم الناس نبات الأرض كما قال تعالى : ) وَاللَّهُ أَنَبتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً ( " [ نوح : 17 ] فمن دخل الجنة فهو كريم ، ومن دخل النار فهو لئيم .
( الشعراء : ( 10 - 22 ) وإذ نادى ربك . . . . .
" وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من

صفحة رقم 166
الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل " ( قوله ) وَيَضِيقُ صَدْرِي ( أي أخاف أن يضيق قلبي وفيه وجهان :
أحدهما : بتكذيبهم إياي ، قاله الكلبي .
الثاني : بالضعف عن إبلاغ الرسالة .
) وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي ( فيه وجهان
: أحدهما : من مهابة فرعون ، قاله الكلبي .
الثاني : للعقدة التي كانت به .
) فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ( أي ليكون معي رسولاً ، لأن هارون كان بمصر حيث بعث الله تعالى موسى نبياً .
) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ( فتكون علي بمعنى عندي ، وهو قول المفضل ، وأنشد قول أبي النجم :
قد أصبحت أم الخيار تدَّعي
علي ذَنْبا كلّه لم أصْنَعِ
والثاني : معناه ولهم عليّ عقوبة ذنب .
) فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ( قد خاف موسى أن يقتلوه بالنفس التي قتلها ، فلا يتم إبلاغ الرسالة لأنه يعلم أن الله تعالى بعثه رسولاً تكفل بعونه على تأدية رسالته .
قوله عز وجل : ) فَقُولاَ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالِمِينَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أرْسَلَنا رب العالمين ، حكاه ابن شجرة .
والثاني : معناه أن كل واحد منا رسول رب العالمين ، ذكره ابن عيسى .
والثالث : معناه إنا رسالة رب العالمين ، قاله أبوعبيدة ، ومنه قول كثير :
لقد كَذَّب الواشون ما بُحْتُ عندهم
بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول
أي رسالة

صفحة رقم 167
. قوله عز وجل : ) قَاَلَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ( أي صغيراً ، لأنه كان في داره لقيطاً .
) وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ( لم يؤذن له في الدخول عليه سنة ، وخرج من عنده عشر سنين ، وعاد إليه يدعوه ثلاثين سنة ، وبقي بعد غرقه خمسين سنة ، قال ذلك امتناناً عليه .
) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ ( يعني قتل النفس .
) وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( فيه قولان :
أحدهما : أي على ديننا الذي لا تقول إنه كفر ، وهو قول السدي .
الثاني : من الكافرين لإحساني إليك وفضلي عليك ، وهذا قول محمد بن إسحاق .
قوله عز وجل :
) قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّآلِينَ ( يعني قتل النفس ، قال المفضل : ومعنى إذن لموجبٍ .
) وَأَنَاْ مِنَ الضَّآلِينَ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : من الجاهلين ، وهو قول مجاهد لا يعلم أنها تبلغ .
والثاني : من الضالين عن النبوة ، لأن ذلك كان قبل الرسالة ، وهو معنى قول الضحاك .
الثالث : من الناسين ، وهو قول ابن زيد ، كما قال تعالى : ) أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ( .
قوله عز وجل : ) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمْنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : معناه أن اتخاذك بني إسرائيل عبيداً قد أحبط نعمتك التي تمن عليّ ، وهذا قول عليّ بن عيسى .

صفحة رقم 168
والثاني : معناه أنك لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني ، أعددت ذلك نعمة تمنّ بها عليّ ؟ قاله الفراء .
والثالث : أنه لم تكن لفرعون على موسى نعمة لأن الذي رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستعباده لهم ، فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه .
والرابع : أن فرعون أنفق على موسى في تربيته من أموال بني إسرائيل التي أخذها من أكسابهم حين استعبدهم ، فأبطل موسى النعمة وأسقط المنة ، لأنها أموال بني إٍسرائيل لا أموال فرعون ، وهذا معنى قول الحسن .
وفي التعبيد وجهان :
أحدهما : أنه الحبس والإِذلال ، حكاه أبان بن تغلب .
الثاني : أنه الاسترقاق ، فالتعبيد الاسترقاق ، سمي بذلك لما فيه من الإِذلال ، مأخوذ من قولهم طريق معبد ، ومنه قول طرفة بن العبد .
تبارى عناقاً ناجيات وأتبعت
وظيفاً فوق مورٍ مُعَبّدِ
أي طريق مذلل .
( الشعراء : ( 23 - 37 ) قال فرعون وما . . . . .
" قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في

صفحة رقم 169
المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم " ( قوله عز وجل : ) فَأَلْقَى عَصَاهُ ( قال سعيد بن جبير : كانت من عوسج ، قال الحكيم : ولم يسخر العوسج لأحد بعده ، وقال الكلبي : كانت من آس الجنة عشرة أذرع على طول موسى .
) فإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ( فيه قولان
: أحدهما : أنها الحية الذكر ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه اعتم الحيات الصفر شعراء العنق ، حكاه النقاش .
) مُّبِينٌ ( فيه وجهان
: أحدهما : مبين أنه ثعبان .
الثاني : مبين أنها آية وبرهان ، وكان فرعون قد همّ بموسى ، فلما صارت العصا ثعباناً فَاغِراً فَاهُ خافه ولاَذَ بموسى مستجيراً وَوَلَّى قومُه هرباً حتى وطىء بعضهم على بعض ، قال ابن زيد : وكان اجتماعهم بالإسكندرية ، قال الزجاج : روي أن السحرة كانوا اثني عشر ألفاً ، وقيل : تسعة عشر ألفاً .
قوله تعالى : ) فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ( أي تشيرون لأنه لا يجوز أن يأمر التابع المتبوع ، فجعل المشورة أمراً لأنها على لفظه .
ويحتمل استشارته لهم وجهين :
أحدهما : أنه أراد أن يستعطفهم لضعف نفسه .
الثاني : أنه أذهله ما شاهد فحار عقله فلجأ إلى رأيهم وهو يقول أنا ربكم الأعلى ، وقد خفي عليه تناقض الأمرين خذلانا .
( الشعراء : ( 38 - 51 ) فجمع السحرة لميقات . . . . .
" فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا

صفحة رقم 170
لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين " ( قوله تعالى : ) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ( فيه وجهان
: أحدهما : أخره وأخاه ، قاله ابن عباس .
الثاني : احبسه وأخاه ، قاله قتادة .
وفي مشورتهم على فرعون بإرجائه ونهيهم له عن قتله ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم خافوا إن قتلوه أن يفتن الناس بما شاهدوه منه ، وأمّلوا إن جاء السحرة أن يغلبوه .
الثاني : أنهم شاهدوا من فعله ما بهر عقولهم ، فخافوا الهلاك من قتله .
الثالث : أن الله صرفهم عن ذلك تثبيتاً لدينه وتأييداً لرسوله .
( الشعراء : ( 52 - 59 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
" وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل " ( قوله تعالى : ) إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ( في الشرذمة وجهان :
أحدهما : أنهم سفلة الناس وأدنياؤهم ، قاله الضحاك ، ومنه قول الأعشى :
وهم الأعبد في أحيائهم
لعبيدٍ وتراهم شرذمة .

صفحة رقم 171
الثاني : أنهم العصبة الباقية من عصبة كبيرة وشرذمة كل شيء بقيته القليلة . ويقال لما قطع من فضول النعال من الجلد شراذم ، وللقميص إذا خلق شراذم ، وأنشد أبو عبيدة .
جاء الشتاء وقميصي أخلاق
شراذم يضحك منها التواق
واختلف في عدد بني إسرائيل حين قال فرعون فيهم : إنه لشرذمة قليلون ، على أربعة أقاويل :
أحدها : ستمائة وتسعين ألفاً ، قال مقاتل : لا يعد ابن عشرين سنة لصغيره ولا ابن ستين لكبره ، وهو قول السدي .
الثالث : كانوا ستمائة ألف مقاتل ، قاله قتادة .
الرابع : كانوا خمسمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة ، وإنما استقل هذا العدد لأمرين :
أحدهما : لكثرة من قتل منهم .
الثاني : لكثرة من كان معه ، حكى السدي أنه كان على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماديانه ، وقال الضحاك كانوا سبعة آلاف ألف .
قوله تعالى : ) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ ( قراءة ابن كثير ونافع ، وأبي عمرو ، وقرأ الباقون ) حَاذِرُونَ ( وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أنهما لغتان ومعناهما واحد ، حكاه ابن شجرة وقاله أبو عبيدة واسْتَشْهَد بقول الشاعر :
وكنت عليه أحذر الموت وحده
فلم يبق لي شيء عليه أحاذره .

صفحة رقم 172
الثاني : أن الحذر المطبوع على الحذر ، والحاذر الفاعل الحذر ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أن الحذر الخائف والحاذر المستعد .
الرابع : أن الحذر المتيقظ ، والحاذر آخذ السلاح ، لأن السلاح يسمى حذراً قاله الله تعالى : ) وَخُذُوا حِذْرَكُم ( " [ النساء : 102 ] أي سلاحكم ، وقرأ ابن عامر . ) حَادِرُونَ ( بدال غير معجمة وفي تأويله وجهان : : أحدهما : أقوياء من قولهم جمل حادر إذا كان غليظاً .
الثاني : مسرعون .
قوله تعالى : ) وَكُنُوزٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : الخزائن .
الثاني : الدفائن .
الثالث : الأنهار ، قاله الضحاك .
) وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنها المنابر ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .
الثاني : مجالس الأمراء ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : المنازل الحسان ، قاله ابن جبير .
ويحتمل رابعاً : أنها مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عُدة وزينة فصار مقامها أكرم منزول .
( الشعراء : ( 60 - 77 ) فأتبعوهم مشرقين
" فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم واتل عليهم

صفحة رقم 173
نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " ( قوله تعالى ) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : حين أشرقت الشمس بالشعاع ، قاله السدي .
الثاني : حين أشرقت الأرض بالضياء ، قاله قتادة .
الثالث : أي بناحية المشرق ، قاله أبو عبيدة .
قال الزجاج : يقال شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت .
واختلف في تأخر فرعون وقومه عن موسى وبني إسرائيل حتى أشرقوا على قولين :
أحدهما : لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء في تلك الليلة وقع فيهم .
الثاني : لأن سحابة أظلتهم فخافوا وأصبحوا ، فانقشعت عنهم .
وقرىء ) مُشَرِّقِينَ ( بالتشديد أي نحو المشرق ، مأخوذ من قولهم شرّق وغرّب ، إذا سار نحو المشرق والمغرب .
) قَالَ : كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أي سيرشدني إلى الطريق .
الثاني : معناه سيكفيني ، قاله السدي .
و ) كَلاَّ ( كلمة توضع للردع والزجر ، وحكي أن موسى لما خرج ببني إسرائيل من مصر أظلم عليهم القمر فقال لقومه : ما هذا ؟ فقال علماؤهم : إن يوسف لما حضره الموت أخذ عليها موثقاً من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ، قال موسى فأيكم يدري أين قبره ؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل فأرسل إليها

صفحة رقم 174
فقال : دلِّيني على قبر يوسف ، قالت : لا والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي ، قال : وما حكمك ؟ قالت : حكمي أن أكون معك في الجنة فثقل عليه فقيل له أعطاها حكمها فدلتهم عله فاحتفروه واستخرجوا عظامه ، فلما ألقوها فإذا الطريق مثل ضوء النهار . فروى أبو بردة عن أبي موسى : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزل بأعرابي فأكرمه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( حَاجَتُكَ ) قاله له : ناقة أرحلها وأعنزاً أحلبها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أَعَجَزْتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائيلَ ) فقال الصحابة : وما عجوز بني إسرائيل فَذَكَرَ لَهُم حَالَ هَذِهِ العَجُوزِ الَّتِي حَكَمَت عَلَى مُوسَى أَنْ تَكُونَ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ .
قوله تعالى : ) فأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ ( روى عكرمة عن ابن عباس أن موسى لما بلغ البحر واتبعه فرعون قاله له فتاهُ يوسع بن نون : أين أمرك ربك ؟ قال : أمامك ، يشير إلى البحر ، ثم ذكر أنه أمر أن يضرب بعصاه البحر فضربه ، فانفلق له اثنا عشر طريقاً وكانوا اثني عشر سبطاً لكل سبط طريق ، عرض كل طريق فرسخان .
وقال سعيد بن جبير : كان البحر ساكناً لا يتحرك ، فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر .
وحكى النقاش : أن موسى ضرب بعصاه البحر وقد مضى من النهار أربع ساعات ، وكان يوم الاثنين عاشر المحرم وهو يوم عاشوراء ، قال : والبحر هو نهر النيل ما بين إيلة ومصر وقطعوه في ساعتين ، فصارت ست ساعات .
) فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ( أي كالجبل العظيم ، قاله امرؤ القيس :
فبينا المرءُ في الأحياء طُوْدٌ
رماه الناس عن كَثَبٍ فمالا
وكان الأسباط لا يرى بعضهم بعضاً فقال كل سبط : قد هلك أصحابنا فدعا موسى ربه فجعل في كل حاجز مثل الكوى حتى رأى بعضهم بعضاً .

صفحة رقم 175
قوله تعالى : ) وَأَرْلَفْنَا ثَمَّ الأَخَرِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : قربنا إلى البحر فرعون وقومه ، قاله ابن عباس : وقتادة ، ومنه قول الشاعر :
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت
فيه النفوس إلى الآجال تزدلف
الثاني : جمعنا فرعون وقومه في البحر ، قاله أبو عبيدة ، وحكي عن أُبي وابن عباس أنهما قرآ : ) وَأَزْلَقْنَا ( بالقاف من زلق الأقدام ، كأقدام فرعون أغرقهم الله تعالى في البحر حتى أزلقهم في طينه الذي في قعره .
( الشعراء : ( 78 - 82 ) الذي خلقني فهو . . . . .
" الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " ( قوله تعالى : ) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ( فيه وجهان :
أحدهما : الي خلقني بنعمته فهو يهدين لطاعته .
الثاني : الذي خلقني لطاعته فهو يهديني لجنته ، فإن قيل فهذه صفة لجميع الخلق فكيف جعلها إبراهيم عل هدايته ولم يهتد بها غيره ؟
قيل : إنما ذكرها احتجاجاً على وجوب الطاعة ، لأن من أنعم وجب أن يطاع ولا يُعصى ليلتزم غيره من الطاعة ما قد التزمها ، وهذا إلزام صحيح ثم فصل ذلك بتعديد نعمه عليه وعليهم فقال :
) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينَ وَإِذَا مَرِضَتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( وهذا احتجاجاً عليهم لموافقتهم له ثم قال : ) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يَحْيِينِ ( وهذا قوله استدلالاً ولم يقله احتجاجاً ، لأنهم خالفوه فيه ، فبين لهم أن ما وافقوه عليه موجب لما خالفوه فيه .
وتجوز بعض المتعمقة في غوامض المعاني فعدل بذلك عن ظاهره إلى ما

صفحة رقم 176
تدفعه بداهة العقول فتأول ) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ( أي يطعمني لذة الإيمان ويسقيني حلاوة القبول .
وفي قوله : ) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( وجهان :
أحدهما : إذا مرضت بمخالفته شفاني برحمته .
الثاني : مرضت بمقاساة الخلق شفاني بمشاهدة الحق .
وتأولوا قوله : ) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ( على ثلاثة أوجه :
أحدها : والذي يميتني بالمعاصي ويحييني بالطاعات .
الثاني : يميتني بالخوف ويحييني بالرجاء .
الثالث : يميتني بالطمع ويحييني بالقناعة . وهذه تأويلات تخرج عن حكم الاحتمال إلى جهة الاستطراف ، فلذلك ذكرناها وإن كان حذفها من كتابنا أوْلى . ( الشعراء : ( 83 - 89 ) رب هب لي . . . . .
" رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " ( قوله تعالى : ) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه اللب ، قاله عكرمة .
الثاني : العلم ، قاله ابن عباس .
الثالث : القرآن ، قاله مجاهد .
الرابع : النبوة ، قاله السدي .
ويحتمل خامساً : أنه إصابة الحق في الحكم . ) وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ( قال عبد الرحمن بن زيد : مع الأنبياء والمؤمنين .
ويحتمل وجهين :
أحدهما : بالصالحين من أصفيائك في الدنيا .
الثاني : بجزاء الصالحين في الآخرة ومجاورتهم في الجنة .

صفحة رقم 177
قوله تعالى : ) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ثناء حسناً في الأمم كلها ، قاله مجاهد ، وقتادة ، وجعله لساناً لأنه يكون باللسان .
الثاني : أن يؤمن به أهل كل ملة ، قاله ليث بن أبي سليم .
الثالث : أن يجعل من ولده من يقول بالحق بعده ، قاله علي بن عيسى .
ويحتمل رابعاً : أن يكون مصدقاً في جمع الملل وقد أجيب إليه .
قوله تعالى : ) وَاغْفِرْ لأَبِي ( الآية . في أبيه قولان :
أحدهما : أنه كان يسر الإيمان ويظهر الكفر فعلى هذا يصح الاستغفار له .
الثاني : وهو الأظهر أنه كان كافراً في الظاهر والباطن .
فعلى هذا في استغفاره له قولان :
أحدهما : أنه سأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها .
والثاني : أنه سأل أن يغفر له سيئاته التي عليه والتي تسقط بعفوه .
قوله تعالى : ) بِقَلْبٍ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : سليم من الشك ، قاله مجاهد .
الثاني : سليم من الشرك ، قاله الحسن ، وابن زيد .
الثالث : من المعاصي ، لأنه إذا سلم القلب سلمت الجوارح .
الرابع : أنه الخالص ، قاله الضحاك .
الخامس : أنه الناصح في خلقه ، قاله عبد الرحمن بن أبي حاتم .
ويحتمل سادساً : سليم القلب من الخوف في القيامة لما تقدم من البشرى عند المعاينة . ( الشعراء : ( 90 - 104 ) وأزلفت الجنة للمتقين
" وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين

صفحة رقم 178
إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ( قوله تعالى : ) فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُم وَالْغَاوُونَ ( فيها أربعة أوجه :
أحدها : معناه جمعوا فيها النار ، قاله ابن عباس .
الثاني : طرحوا فيها على وجوههم ، قاله ابن زيد ، وقطرب .
الثالث : نكسوا فيها على رؤؤسهم ، قاله السدي ، وابن قتيبة .
الرابع : قلب بعضهم على بعض ، قاله اليزيدي ، قال الشاعر :
يقول لهم رسول الله لما
قذفناهم كباكب في القَليب
) هُم وَالْغَاوُونَ ( يعني الآلهة التي يعبدون .
وفي الغاوين قولان :
أحدهما : المشركون ، قاله ابن عباس .
الثاني : الشياطين ، قاله قتادة .
) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ( فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أعوانه من الجن .
الثاني : أتباعه من الإنس .
قوله تعالى : ) فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ( فيهم قولان :
أحدهما : الملائكة .
الثاني : من الناس .
) وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه الشقيق : قاله مجاهد .
الثاني : القريب النسيب ، يقال حم الشيء إذا قرب ومنه الحمى لأنها تقرب الأجل ، قال قيس بن ذريح :
لعل لبنى اليوم حُمّ لقاؤها
وببعض بلاء إِنَّ ما حُمَّ واقِعُ
وقال ابن عيسى : إنما سمي القريب حميماً لأنه يحمى بغضب صاحبه ، فجعله

صفحة رقم 179
مأخوذاً من الحمية ، وقال قتادة : يذهب الله يومئذٍ مودة الصديق ، ورقة الحميم . ( الشعراء : ( 105 - 115 ) كذبت قوم نوح . . . . .
" كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين " ( قوله تعالى : ) وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ ( فيه خمسة أقاويل
: أحدها : أنهم الذين يسألون ولا يقنعون .
الثاني : أنهم المتكبرون .
الثالث : سفلة الناس وأراذلهم ، قاله قتادة .
الرابع : أنهم الحائكون ، قاله مجاهد .
الخامس : أنهم الأساكفة ، قاله ابن بحر .
ويحتمل سادساً : أنهم أصحاب المهن الرذلة كلها .
( الشعراء : ( 116 - 122 ) قالوا لئن لم . . . . .
" قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ( قوله تعالى : ) لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُرْجُومِينَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : بالحجارة ، قاله قتادة .
الثاني : بالقتل ، قاله محمد بن الحسن .
الثالث : بالشتيمة ، قاله السدي . قال أبو داود :
صدّت غواة معدٍّ أن تراجمنى
كما يصدون عن لب كجفان

صفحة رقم 180
قوله تعالى : ) فَافْتَحْ بَيْنِي وِبَيْنَهُمْ فَتْحاً ( قال قتادة والسدي : معنا واقض بيني وبينهم قضاء ، وهو أن ينجيه ومن معه من المؤمنين ويفرق الكافرين ، ولم يدعُ نوح ربه عليه إلا بعد أن أعلمه ،
) أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ ( " [ هود : 36 ] فحينئذ دعا عليهم .
( الشعراء : ( 123 - 135 ) كذبت عاد المرسلين
" كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " ( قوله تعالى : ) أَتَبْنُونَ بَكُلِّ رِيعٍ ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : أن الريع الطريق ، قاله السدي ، ومنه قول المسيب بن علي :
في الآل يخفضها ويرفعها
ريع يلوح كأنه سحل
السحل : الثوب الأبيض ، شبه الطريق به .
الثاني : أنه الثنية الصغيرة ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه السوق ، حكاه الكلبي .
الرابع : أنه الفج بين الجبلين ، قاله مجاهد .
الخامس : أنه الجبال ، قاله أبو صخر .
السادس : أنه المكان المشرف من الأرض ، قاله ابن عباس ، قال ذو الرمة :
طِراق الخوافي مشرق فوق ريعهِ
ندى ليله في ريشه يترقرق==

 ج5. ( تفسير الماوردى ) النكت والعيون

صفحة رقم 181
) ءَايةٍ تَعْبَثُونَ ( في آية ثلاثة أوجه :
أحدها : البنيان ، قاله مجاهد .
الثاني : الأعلام ، قاله ابن عباس .
الثالث : أبراج الحمام ، حكاه ابن أبي نجيح .
وفي العبث قولان :
أحدها : اللهو واللعب ، قاله عطية .
الثاني : أنه عبث العشّارين بأموال من يمر بهم ، قاله الكلبي .
قوله تعالى : ) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ ( فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : القصور المشيدة ، قاله مجاهد ، ومنه قول الشاعر :
تركنا ديارهم منهم قفاراً
وهَدّمنا المصانع والبُروجا
الثاني : أنها مآجل الماء تحت الأرض ، قاله قتادة ، ومنه قول لبيد :
بَلينا وما تبلى النجوم الطوالع
وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
الثالث : أنها بروج الحمام ، قاله السدي .
) لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ( أي كأنكم تخلدون باتخاذكم هذه الأبينة ، وحكى قتادة :
أنها في بعض القراءات : كأنكم خالدون . قوله تعالى : ) وَإذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أقوياء ، قاله ابن عباس .
الثاني : هو ضرب السياط ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 182
الثالث : هو القتل بالسيف في غير حق ، حكاه يحيى بن سلام .
وقال الكبي : هو القتل على الغضب .
ويحتمل رابعاً : أنه المؤاخذة على العمد والخطأ من غير عفو ولا إبقاء . ( الشعراء : ( 136 - 145 ) قالوا سواء علينا . . . . .
" قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين " ( قوله تعالى ) إِنْ هَذا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : دين الأولين ، قاله ابن عباس .
الثاني : كدأب الأولين ، قاله مجاهد .
الثالث : عادة الأولين ، قاله الفراء .
الرابع : يعني أن الأولين قبلنا كانوا يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون ، قاله قتاة . ( الشعراء : ( 146 - 152 ) أتتركون في ما . . . . .
" أتتركون في ما ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " ( قوله تعالى : ) وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ( فيه عشرة تأويلات :
أحدها : أنه الرطب اللين ، قاله عكرمة .
الثاني : المذنب من الرطب ، قاله ابن جبير .
الثالث : أنه الذي ليس فيه نوى ، قاله الحسن .
الرابع : أنه المتهشم المتفتت إذا مس تفتّت ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 183
الخامس : المتلاصق بعضه ببعض ، قاله أبو صخر .
السادس : أنه الطلع حين يتفرق ويخضر ، قاله الضحاك .
السابع : اليانع النضيج ، قاله ابن عباس .
الثامن : أنه المتنكر قبل أن ينشق عنه القشر ، حكاه ابن شجرة ، قال الشاعر :
كأن حمولة تجلى عليه
هضيم ما يحس له شقوقُ
التاسع : أنه الرخو ، قال الحسن .
العاشر : أنه اللطيف ، قاله الكلبي .
ويحتمل أن يكون الهضيم هو الهاضم المريء .
والطلع اسم مشتق من الطلوع وهو الظهور ، ومنه طلوع الشمس والقمر والنبات .
قوله تعالى : ) فَرِهِينَ ( قرأ بذلك أبو عمرو ، وابن كثير ، ونافع ، وقرأ الباقون ) فَارِهِينَ ( بالألف فمن قرأ ) فَرِهِينَ ( ففي تأويله ستة أوجه :
أحدها : شرهين ، قاله مجاهد .
الثاني : معجبين ، قاله خصيف .
الثالث : آمنين ، قاله قتادة .
الرابع : فرحين ، حكاه ابن شجرة .
الخامس : بطرين أشرين ، قاله ابن عباس .
السادس : متخيرين ، قاله الكلبي . ومنه قول الشاعر :
إلى فره يماجدُ كلَّ أمْرٍ
قصدت له لأختبر الطّباعَا
ومن قرأ : ) فَارِهِينَ ( ففي تأويله أربعة أوجه :
أحدها : معناه كيّسين قاله ال .
الثاني : حاذقين : قاله أبو صالح ، مأخوذ من فراهة الصنعة ، وهو قول ابن عباس .

صفحة رقم 184
الثالث : قادرين ، قاله ابن بحر .
الرابع : أنه جمع فارِه ، والفاره المرح ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد لعدي بن الرقاع الغنوي :
لا أستكين إذا ما أزمة أزمت
ولن تراني بخير فاره اللبب
أي من اللبب . ( الشعراء : ( 153 - 158 ) قالوا إنما أنت . . . . .
" قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين " ( قوله تعالى : ) إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ ( فيه سبعة تأويلات
: أحدها : من المسحورين ، قاله مجاهد .
الثاني : من السكرانين ، قاله قتادة .
الثالث : من المخلوقين ، قاله ابن عباس .
الرابع : من المخدوعين ، قاله سهل بن عبد الله .
الخامس : أن المسحر الذي ليس له شيء ولا يملك ، وهو المقل ، أي لست بملك فيبقى ، وهذا معنى قول الكلبي .
السادس : ممن له سحر أي رقية ، حكاه ابن عيسى .
السابع : ممن يأكل ويشرب ، حكاه ابن شجرة ، ومنه قول لبيد :
إن تسألينا فيم نحن فإننا
عصافير من هذا الأنام المسحر
أي المعلل بالطعام والشراب ، قال امرؤ القيس :
أرانا موضعين لأمر غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب

صفحة رقم 185
( الشعراء : ( 159 - 184 ) وإن ربك لهو . . . . .
" وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين " ( قوله تعالى : ) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أنه القبان ، قاله الحسن .
الثاني : الحديد ، رواه ابن المبارك .
الثالث : أنه المعيار ، قاله الضحاك .
الرابع : الميزان ، قاله الأخفش والكلبي .
الخامس : العدل .
واختلف قائلو هذا التأويل فيه هل هو عربي أو رومي ؟ فقال مجاهد والشعبي : هو العدل بالرومية ، وقال أبو عبيدة وابن شجرة : هو عربي وأصله القسط وهو العدل ،

صفحة رقم 186
ومنه قوله تعالى : ) قَائِماً بِالْقِسْطِ ( " [ آل عمران : 18 ] أي بالعدل .
قوله تعالى : ) . . . وَلاَ تَعْثَواْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( فيه قولان :
أحدها : معناه ولا تمشوا فيها بالمعاصي ، قاله أبو مالك . الثاني : لا تمشوا فيها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل ، قاله ابن المسيب .
ويحتمل ثالثاً : أن عبث المفسد ما ضر غيره ولم ينفع نفسه .
قوله تعالى : ) وَالجِبِلَّةِ ( يعني الخليقة ، قال امرؤ القيس :
والموت أعظم حادثٍ
فيما يمر على الجبلة
) الأَوَّلِينَ ( يعني الأمم الخالية ، والعرب تكسر الجيم والباء من الجبلة ، وقد تضمها وربما أسقطت الهاء كما قال تعالى : ) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً ( " [ يس : 62 ] . قال أبو ذؤيب :
صناتا يقربن الحتوف لأهلها
جهازاً ويستمتعن بالأنس الجبل
( الشعراء : ( 185 - 191 ) قالوا إنما أنت . . . . .
" قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ( قوله تعالى : ) كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : جانباً من السماء ، قاله الضحاك .
الثاني : قطعاً ، قاله قتادة .
الثالث : عذاباً ، قاله السدي ، قال الشاعر :

صفحة رقم 187
وُدّي لها خالص في القلب مجتمع
وودها فاعلمي كسف لما فوق
( الشعراء : ( 192 - 195 ) وإنه لتنزيل رب . . . . .
" وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين " ( قوله تعالى : ) نَزَلَ بِهِ ( يعني القرآن
. ) الرُّوحُ الأمِينُ ( يعني جبريل
. ) عَلَى قَلْبِكَ ( يعني محمد ( صلى الله عليه وسلم )
. ) لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ( يعني لأمتك
. ) بِلِسَانٍ عَرَبِّيٍ مُبِينٍ ( يعني أن لسان القرآن عربي مبين لأن المنزل عليه عربي ، والمخاطبون به عرب ولأنه تحدى بفصاحته فصحاء العرب .
وفي اللسان العربي قولان :
أحدهما : لسان جرهم ، قاله أبو برزة .
الثاني : لسان قريش ، قاله مجاهد .
( الشعراء : ( 196 - 199 ) وإنه لفي زبر . . . . .
" وإنه لفي زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين " ( قوله تعالى : ) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ ( يعني كتب الأولين من التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب .
وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المراد به ذكر القرآن في زبر الأولين ، قاله قتادة .
الثاني : بعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في زبر الأولين ، قاله السدي .
الثالث : ذكر دينك وصفة أمتك في زبر الأولين ، قاله الضحاك .
( الشعراء : ( 200 - 209 ) كذلك سلكناه في . . . . .
" كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم

صفحة رقم 188
فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين " ( قوله تعالى : ) كَذلِكَ سَلَكْنَاهُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : كذلك أدخلنا الشرك ، قاله أنس بن مالك .
الثاني : التكذيب ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : القسوة ، قاله عكرمة . ( الشعراء : ( 210 - 212 ) وما تنزلت به . . . . .
" وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون " ( قوله تعالى : ) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنهم لمصروفون عن السمع للقرآن .
الثاني : أنهم مصروفون عن فهمه وإن سمعوه .
الثالث : أنهم مصروفون عن العمل به وإن سمعوه وفهموه .
( الشعراء : ( 213 - 220 ) فلا تدع مع . . . . .
" فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم " ( قوله تعالى : ) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : حين تقوم في الصلاة ، قاله ابن عباس .
الثاني : حين تقوم من فراشك ومجلسك ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 189
الثالث : يعني قائماً وجالساً وعلى حالاتك كلها ، قاله قتادة .
الرابع : يعني حين تخلو ، قاله الحسن ، ويكون القيام عبارة عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها .
قوله تعالى : ) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً ، قاله ابن عباس .
الثاني : يرى تقلبك في صلاتك وركوعك وسجودك ، حكاه ابن جرير .
الثالث : أنك ترى تقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، قاله مجاهد .
الرابع : معناه وتصرفك في الناس ، قاله الحسن لتقلبه في أحواله وفي أفعاله .
الخامس : تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء من قبلك .
السادس : أن معنى قوله ) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( إذا صليت منفرداً ) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ( إذا صليت في الجماعة ، قاله قتادة .
ويحتمل سابعاً : الذي يراك حين تقوم لجهاد المشركين ، ) وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ ( فيما تريد به المسلمين وتشرعه من أحكام الدين . ( الشعراء : ( 221 - 227 ) هل أنبئكم على . . . . .
" هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ( قوله تعالى : ) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونُ ( يعني إذا غضبوا سبوا ، وفيهم أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم الشياطين ، قاله مجاهد .
الثاني : المشركون ، قاله ابن زيد .
الثالث : السفهاء ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 190
الرابع : الرواة ، قاله ابن عباس .
) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : في كل فن من الكلام يأخذون ، قاله ابن عباس .
الثاني : في كل لغو يخوضون ، قاله قطرب ، ومنه قول الشاعر :
إني لمعتذر إليك من الذي
أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
الثالث : هو أن يمدح قوماً بباطل ، ويذم قوماً بباطل ، قاله قتادة .
وفي الهائم وجهان :
أحدهما : أنه المخالف في القصد ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : أنه المجاوز للحد .
) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ( يعني ما يذكرونه في شعرهم من الكذب بمدح أو ذم أو تشبيه أو تشبيب .
) إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ( تقديره فإنهم لا يتبعهم الغاوون ولا يقولون ما لا يفعلون .
روي أن عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين نزل ) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ( فبكواْ عنده وقالوا : هلكنا يا رسول الله ،

صفحة رقم 191
فأنزل الله ) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ( فقرأها عليهم حتى بلغ إلى قوله : ) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ( فقال : أنتم
. ) وَذَكرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ( فيه وجهان
: أحدهما : في شعرهم .
الثاني : في كلامهم .
) وَانتَصَرُواْ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ ( أي ردّوا على المشركين ما كانوا يهجون به المؤمنين فقاتلوهم عليه نصرة للمؤمنين وانتقاماً من المشركين .
) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ( وهذا وعيد يراد به من هجا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الشعراء لكل كافر من شاعر وغير شاعر سيعلمون يوم القيامة أي مصير يصيرون وأي مرجع يرجعون ، لأن مصيرهم إلى النار وهو أقبح مصير ، ومرجعهم إلى العذاب وهو شر مرجع .
والفرق بين المنقلب والمرجع أن المنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه والمرجع العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها ، فصارإلى مرجع منقلباً وليس كل منقلب مرجعاً .

صفحة رقم 192
سورة النمل
بسم الله الرحمن الرحيم
( النمل : ( 1 - 6 ) طس تلك آيات . . . . .
" طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " ( قوله تعالى : ) طس تِلْكَ ءَايَاتُ الْقُرْءانِ ( أي هذه آيات القرآن .
) وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ( أي وآيات الكتاب المبين ، والكتاب هو القرآن ، فجمع له بَيْنَ الصفتين بأنه قرآن وأنه كتاب لأنه ما يظهر بالكتابة ويظهر بالقراءة .
) مُّبِينٍ ( لأنه يبين فيه نهيه وأمره ، وحلاله وحرامه ، ووعده ووعيده .
وفي المضمر في ) تِلْكَ ءَايَاتُ الْقُرْءانِ ( وجهان :
أحدهما : أنه يعود إلى الحروف التي في ) طس ( قاله الفراء .
الثاني : إلى جميع السورة .
) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : هدى إلى الجنة وبشرى بالثواب ، قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 193
الثاني : هدى من الضلالة وبشرى بالجنة ، قاله الشعبي .
قوله تعالى : ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةِ ( يعني المفروضة ، وفي إقامتها وجهان :
أحدهما : استيفاء فروضها وسنتها ، قاله ابن عباس .
الثاني : المحافظة على مواقيتها ، قاله قتادة .
) وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ( فيها أربعة أقاويل
: أحدها : أنها زكاة المال ، قاله عكرمة ، وقتادة والحسن .
الثاني : أنها زكاة الفطر ؛ قاله الحارث العكلي .
الثالث : أنها طاعة الله والإخلاص ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .
الرابع : أنها تطهير أجسادهم من دنس المعاصي .
قوله تعالى : ) فَهُمْ يَعْمَهُونَ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يترددون ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .
الثاني : يتمادون ، قاله أبو العالية ، وأبو مالك ، والربيع بن أنس .
الثالث : يلعبون ، قاله قتادة ، والأعمش .
الرابع : يتحيرون ، قاله الحسن ، ومنه قول الراجز :
ومهمه أطرافه في مهمة
أعمى الهدى بالجاهلين العمه
قوله تعالى : ) وَإِنََّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : لتأخذ القرآن ، قاله قتادة .
الثاني : لتوفى القرآن ، قاله السدي .
الثالث : لتلقن القرآن ، قاله ابن بحر .
ويحتمل رابعاً : لتقبل القرآن ، لأنه أوّل من يلقاه عند نزوله .
) مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَليمٍ ( أي من عند حكيم في أمره ، عليم بخلقه
. ( النمل : ( 7 - 10 ) إذ قال موسى . . . . .
" إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب

صفحة رقم 194
العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " ( قوله تعالى : ) إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً ( فيه وجهان :
أحدهما : رأيت ناراً ، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون .
الثاني : أحسست ناراً ، قاله قتادة ، والإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها .
) سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : سأخبركم عنها بعلم ، قاله ابن شجرة .
الثاني : بخبر الطريق ، لأنه قد كان ضل الطريق ، قاله ابن عباس .
) أَوْ ءاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ ( والشهاب الشعاع المضي ، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب ، قال الشاعر :
في كفِّهِ صعدة مثقفة
فيها سنان كشعلة القبسِ
والقبس هو القطعة من النار ، ومنه اقتبست النارَ ، أخذت منها قطعة ، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً ، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار .
) لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( أي لكي تصطلون من البرد ، قال قتادة : وكان شتاء .
قوله تعالى ) فَلَمَّا جَاءَهَا ( يعني ظن أنها نار ، وهي نور ، قال وهب بن منبه : فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً ، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها ، فمالت إليه فخافها

صفحة رقم 195
فتأخر عنها ، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها ، إلى أن :
) نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ( .
وفي ) بُورِكَ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني قُدِّس ، قاله ابن عباس .
الثاني : تبارك ، حكاه النقاش .
الثالث : البركة في النار ، حكاه ابن شجرة ، وأنشد لعبد الله بن الزبير :
فبورك في بنيك وفي بنيهم
إذا ذكروا ونحن لك الفداء
وفي النار وجهان
: أحدهما : أنها نار فيها نور .
الثاني : أنها نور ليس فيها نار ، وهو قول الجمهور .
وفي ) بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ( خمسة أقاويل :
أحدها : بوركت النار ، و ) مَن ( زيادة ، وهي في مصحف أُبي : ) بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا ( قاله مجاهد .
الثاني : بورك النور الذي في النار ، قاله ابن عيسى .
الثالث : بورك الله الذي في النور ، قاله عكرمة ، وابن جبير .
الرابع : أنهم الملائكة ، قاله السدي .
الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق .
وفي قوله : ) وَمَن حَوْلَهَا ( وجهان :
أحدهما : الملائكة ، قاله ابن عباس .
الثاني : موسى ، قالها أبو صخر .
) وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله : ) سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( استعانة بالله وتنزيهاً له ، قاله السدي .
الثاني : أن هذا من قول الله ومعناه : وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين ، حكاه ابن شجرة . ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى .
وفي ذلك الكلام قولان :

صفحة رقم 196
أحدهما : أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي . قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه .
والثاني : أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى ، حكاه النقاش . قوله تعالى : ) وَأَلْقِ عَصَاكَ ( قال وهب : ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها .
) فَلَمَا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن الجان الحية الصغيرة ، سميت بذلك لاجتنانها واستتارها .
والثاني : أنه أراد بالجان الشيطان من الجن ، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان ، كما قال تعالى : ) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ( " [ الصافات : 65 ] . وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها ، كما قال تعالى : ) فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ( " [ الأعراف : 107 ] و [ الشعراء : 33 ] .
قال عبد الله بن عباس : وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها : ما شاء ، قال ابن جبير : وكانت من عوسج .
) وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ . . . ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : ولم يرجع ، قاله مجاهد ، قال قطرب : مأخوذ من العقب .
الثاني : ولم ينتظر ، قاله السدي .
الثالث : ولم يلتفت ، قاله قتادة .
ويحتمل رابعاً : أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش ، لأنه في المشيء معقب لابتدائه بوضع عقبة قبل قدمه .
قوله تعالى : ) إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ( قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم ، ولا فالمرسلون من الله أخوف .

صفحة رقم 197
) إلاَّ مَن ظَلَمَ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم ، ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع .
الوجه الثاني : أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين .
وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي ، فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً .
الوجه الثاني : بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم ، غير أن الله لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها ، وهو معنى قوله تعالى :
) ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ ( يعني توبة بعد سيئة
. ) فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( أي غفور لذنبهم ، رحيم بقبول توبتهم
. ( النمل : ( 11 ) إلا من ظلم . . . . .
" إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم " ( قوله تعالى : ) إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً ( فيه وجهان :
أحدهما : رأيت ناراً ، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون .
الثاني : أحسست ناراً ، قاله قتادة ، والإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها .
) سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : سأخبركم عنها بعلم ، قاله ابن شجرة .
الثاني : بخبر الطريق ، لأنه قد كان ضل الطريق ، قاله ابن عباس .
) أَوْ ءَاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ ( والشهاب الشعاع المضي ، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب ، قال الشاعر :
في كفِّهِ صعدة مثقفة
فيها سنان كشعلة القبسِ
والقبس هو القطعة من النار ، ومنه اقتبست النارَ ، أخذت منها قطعة ، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً ، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار .
) لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( أي لكي تصطلون من البرد ، قال قتادة : وكان شتاء .
قوله تعالى ) فَلَمَّا جَاءَهَا ( يعني ظن أنها نار ، وهي نور ، قال وهب بن منبه : فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً ، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها ، فمالت إليه فخافها فتأخر عنها ، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها ، إلى أن :
) نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ( .
وفي ) بُورِكَ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني قُدِّس ، قاله ابن عباس .
الثاني : تبارك ، حكاه النقاش .
الثالث : البركة في النار ، حكاه ابن شجرة ، وأنشد لعبد الله بن الزبير :
فبورك في بنيك وفي بنيهم
إذا ذكروا ونحن لك الفداء
وفي النار وجهان
: أحدهما : أنها نار فيها نور .
الثاني : أنها نور ليس فيها نار ، وهو قول الجمهور .
وفي ) بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ( خمسة أقاويل :
أحدها : بوركت النار ، و ) مَن ( زيادة ، وهي في مصحف أُبي : ) بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا ( قاله مجاهد .
الثاني : بورك النور الذي في النار ، قاله ابن عيسى .
الثالث : بورك الله الذي في النور ، قاله عكرمة ، وابن جبير .
الرابع : أنهم الملائكة ، قاله السدي .
الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق .
وفي قوله : ) وَمَن حَوْلَهَا ( وجهان :
أحدهما : الملائكة ، قاله ابن عباس .
الثاني : موسى ، قالها أبو صخر .
) وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله : ) سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( استعانة بالله وتنزيهاً له ، قاله السدي .
الثاني : أن هذا من قول الله ومعناه : وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين ، حكاه ابن شجرة . ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى .
وفي ذلك الكلام قولان :
أحدهما : أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي . قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه .
والثاني : أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى ، حكاه النقاش . ( النمل : ( 12 - 13 ) وأدخل يدك في . . . . .
" وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين " ( قوله تعالى : ) إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً ( فيه وجهان
: أحدهما : رأيت ناراً ، قاله أبو عبيدة ومنه سمي الإنساء إنساً لأنهم مرئيون .
الثاني : أحسست ناراً ، قاله قتادة ، والإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها .
) سَئَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : سأخبركم عنها بعلم ، قاله ابن شجرة .
الثاني : بخبر الطريق ، لأنه قد كان ضل الطريق ، قاله ابن عباس .
) أَوْ ءَاتِيكُم بِشهَابٍ قَبَسٍ ( والشهاب الشعاع المضي ، ومنه قيل للكوكب الذي يمر ضوؤه في السماء شهاب ، قال الشاعر :
في كفِّهِ صعدة مثقفة
فيها سنان كشعلة القبسِ
والقبس هو القطعة من النار ، ومنه اقتبست النارَ ، أخذت منها قطعة ، واقتبست منه علماً إذا أخذت منه علماً ، لأنك تستضيء به كما تستضيء بالنار .
) لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( أي لكي تصطلون من البرد ، قال قتادة : وكان شتاء
. قوله تعالى ) فَلَمَّا جَاءَهَا ( يعني ظن أنها نار ، وهي نور ، قال وهب بن منبه : فلما رأى موسى وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرماً وعظماً ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً ، فعجب منها ودنا وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها ، فمالت إليه فخافها فتأخر عنها ، ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمْرها على أنها مأمورة ولا يدري ما أمرها ، إلى أن :
) نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ( .
وفي ) بُورِكَ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني قُدِّس ، قاله ابن عباس .
الثاني : تبارك ، حكاه النقاش .
الثالث : البركة في النار ، حكاه ابن شجرة ، وأنشد لعبد الله بن الزبير :
فبورك في بنيك وفي بنيهم إذا ذكروا ونحن لك الفداء
وفي النار وجهان
: أحدهما : أنها نار فيها نور .
الثاني : أنها نور ليس فيها نار ، وهو قول الجمهور .
وفي ) بُورِكَ مَن فِي النَّارِ ( خمسة أقاويل :
أحدها : بوركت النار ، و ) مَن ( زيادة ، وهي في مصحف أُبي : ) بُورِكَتِ النَّارُ وَمَن حَوْلَهَا ( قاله مجاهد .
الثاني : بورك النور الذي في النار ، قاله ابن عيسى .
الثالث : بورك الله الذي في النور ، قاله عكرمة ، وابن جبير .
الرابع : أنهم الملائكة ، قاله السدي .
الخامس : الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق .
وفي قوله : ) وَمَن حَوْلَهَا ( وجهان :
أحدهما : الملائكة ، قاله ابن عباس .
الثاني : موسى ، قالها أبو صخر .
) وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن موسى قال حين فرغ من سماع النداء من قوله الله : ) سبْحَانِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( استعانة بالله وتنزيهاً له ، قاله السدي .
الثاني : أن هذا من قول الله ومعناه : وبورك فيمن يسبح الله رب العالمين ، حكاه ابن شجرة . ويكون هذا من جملة الكلام الذي نودي به موسى .
وفي ذلك الكلام قولان :
أحدهما : أنه كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وهو قول السدي . قال وهب بن منبه : ثم لم يمس موسى امرأة بعدما كلمه ربه .
والثاني : أن الله خلق في الشجرة كلاماً خرج منها حتى سمعه موسى ، حكاه النقاش . قوله تعالى : ) وَأَلْقِ عَصَاكَ ( قال وهب : ظن موسى أن الله أمره برفضها فرفضها .
) فَلَمَا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن الجان الحية الصغيرة ، سميت بذلك لاجتنانها واستتارها .
والثاني : أنه أراد بالجان الشيطان من الجن ، لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشيطان ، كما قال تعالى : ) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ( " [ الصافات : 65 ] . وقد كان انقلاب العصا إلى أعظم الحيات لا إلى أصغرها ، كما قال تعالى : ) فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ( " [ الأعراف : 107 ] و [ الشعراء : 33 ] .
قال عبد الله بن عباس : وكانت العصا قد أعطاه إياها ملك من الملائكة حين توجه إلى مَدْيَن وكان اسمها : ما شاء ، قال ابن جبير : وكانت من عوسج .
) وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ . . . ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : ولم يرجع ، قاله مجاهد ، قال قطرب : مأخوذ من العقب .
الثاني : ولم ينتظر ، قاله السدي .
الثالث : ولم يلتفت ، قاله قتادة .
ويحتمل رابعاً : أن يكون معناه أنه بقي ولم يمش ، لأنه في المشيء معقب لابتدائه بوضع عقبة قبل قدمه .
قوله تعالى : ) إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ( قيل إنه أراد في الموضع الذي يوحى فيه إليهم ، ولا فالمرسلون من الله أخوف .
) إلاَّ مَن ظَلَمَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنه أراد من غير المسلمين لأن الأنبياء لا يكون منهم الظلم ، ويكون منهم هذا الاستثناء المنقطع .
الوجه الثاني : أن الاستثناء يرجع إلى المرسلين .
وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : فيما كان منهم قبل النبوة كالذي كان من موسى في قتل القبطي ، فأما بعد النبوة فهم معصومون من الكبائر والصغائر جميعاً .
الوجه الثاني : بعد النبوة فإنه معصومون فيها مع وجود الصغائر منهم ، غير أن الله لطف بهم في توفيقهم للتوبة منها ، وهو معنى قوله تعالى :
) ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ ( يعني توبة بعد سيئة
. ) فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( أي غفور لذنبهم ، رحيم بقبول توبتهم
.
النمل : ( 14 ) وجحدوا بها واستيقنتها . . . . .
" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( النمل : ( 15 - 19 ) ولقد آتينا داود . . . . .
" ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " ( قوله تعالى : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً ( فيه ستة أوجه :
أحدها : فهماً ، قاله قتادة .

صفحة رقم 198
الثاني : صنعة الكيمياء وهو شاذ .
الثالث : فصل القضاء .
الرابع : علم الدين .
الخامس : منطق الطير .
السادس : بسم الله الرحمن الرحيم
.
) وَقَالاَ الْحَمْدُ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ( وحمدهما لله شكراً على نعمه .
وفيما فضلهما به على كثير من عباده المؤمنين ثلاثة أقاويل :
أحدها : بالنبوة .
الثاني : بالملك .
الثالث : بالنبوة والعلم .
قوله تعالى : ) ووَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ورث نبوته وملكه ، قاله قتادة ، قال الكلبي : وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً وإنما خص سليمان بوراثتة لأنها وراثة نبوة وملك ، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء .
الثاني : أن سخر له الشياطين والرياح ، قاله الربيع .
الثالث : أن داود استخلفه في حياته على بني إسرائيل وكانت ولايته هي الوراثة وهو قول الضحاك ، ومنه قيل : العلماء ورثة الأنبياء ، لأنهم في الدين مقام الأنبياء .

صفحة رقم 199
قوله تعالى : ) فَهُمُ يُوزَعُونَ ( فيه ستة أوجه :
أحدها : يساقون ، وهو قول ابن زيد .
الثاني : يدفعون ، قاله الحسن ، قال اليزيدي : تدفع أخراهم وتوقف أولاهم .
الثالث : يسحبون ، قاله المبرِّد .
الرابع : يجمعون .
الخامس : يسجنون ، قال الشاعر :
لسان الفتى سبع عليه سداته
وإلا يزع من عَرْبه فهو قاتله
وما الجهل إلا منطق متسرع
سواءٌ عليه حق أمرٍ وباطله
السادس : يمنعون ، مأخوذ من وزعه عن الظلم ، وهو منعه عنه ، ومنه قول عثمان رضي الله عنه : ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن . وقال النابغة :
على حين عاتبتُ المشيبَ على الصبا
وقلت ألما تصدع والشيب وازعُ
والمراد بهذا المنع ما قاله قتادة : أن يُرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا .
قوله تعالى : ) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ( قال قتادة : ذكر لنا أنه وادٍ بأرض الشام . وقال كعب : وهو بالطائف .
) قَالَتْ نَمَلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُم ( قال الشعبي : كان للنملة جناحان فصارت من الطير ، فلذلك علم منطقها ، ولولا ذلك ، ما علمه .

صفحة رقم 200
) لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ( أي لا يهلكنكم
. ) وَهُمُ لاَ يَشعُرُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : والنمل لا يشعرون بسليمان وجنوده ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل ، وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها ، وقيل إن النمل أكثر جنسه حساً لأنه إذا التقط الحبة من الحنطة والشعير للادخار قطعها اثنين لئلا تنبت ، وإن كانت كزبرة قطعها أربع قطع ) لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ( فحكي أن الريح أطارت كلامها إلى سليمان حتى سمع قولها من ثلاثة أميال فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمغادرة .
) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه تبسم من حذرها بالمغادرة .
الثاني : أنه تبسم من ثنائها عليه .
الثالث : أنه تبسم من استبقائها للنمل .
قال ابن عباس : فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه . ) وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ألهمني ، قاله قتادة .
الثاني : اجعلني ، قاله ابن عباس .
الثالث : حرضني ، قاله ابن زيد فحكى سفيان أن رجلاً من الحرس قال لسليمان ، أنا بمقدرتي أشكر لله منك ، قال فخرّ سليمان عن فرسه ساجداً .

صفحة رقم 201
وفي سبب شكره قولان :
أحدهما : أن علم منطق الطيرحتى فهم قولها .
الثاني : أن حملت الريح قولها إليه حتى سمعه قبل وصوله لجنوده على ثلاثة أميال فأمكنه الكف .
) وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ( فيه وجهان
: أحدهما : شكر ما أنعم به عليه ، قاله الضحاك .
الثاني : حفظ ما استرعاه ، وهو محتمل .
) وَأدْخَلْنِي فِي رَحْمَتِكَ ( فيه وجهان : أحدهما : بالنبوة التي شرفتني بها .
الثاني : بالمعونة التي أنعمت عليّ بها .
) فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : في جملة أنبيائك .
الثاني : في الجنة التي هي دار أوليائك .
( النمل : ( 20 - 21 ) وتفقد الطير فقال . . . . .
" وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " ( قوله : ) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَال لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ ( قيل إن سليمان كان إذا سافر أظله الطير من الشمس ، فأخل الهدهد بكانه ، فبان بطلوع الشمس منه بعده عنه ، وكان دليله على الماء ، وقيل : إن الأرض كانت كالزجاج للهدهد ، يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى يحضر ، قال ابن عباس : فكانوا إذا سافروا نقر لهم الهدهد عن أقرب الماء في الأرض ، فقال نافع بن الأزرق : فكيف يعلم أقرب الماء إلى الأرض ولا يعلم بالفخ حتى يأخذه بعنقه ؟ فقال ابن عباس : ويحك يا نافع ألم تعلم أنه إذا جاء القدر ذهب الحذر ؟ فقال سليمان عن زوال الهدهد عن مكانه ) مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبينَ ( أي انتقل عن مكانه أم غاب .

صفحة رقم 202
) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه نتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن يحوجه إلى جنسه .
الثالث : أن يجعله مع أضداده .
) أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسْلطَانٍ مُبِينٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : بحجة بينة .
الثاني : بعذر ظاهر ، قاله قتادة .
( النمل : ( 22 - 26 ) فمكث غير بعيد . . . . .
" فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " ( قوله : ) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ( أي أقام غير طويل ويحتمل وجهين :
أحدهما : مكث سليمان غير بعيد حتى أتاه الهدهد .
الثاني : فمكث الهدهد غير بعيد حتى أتى سليمان .
) فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بلغت ما لم تبلغه ، قاله قتادة .
الثاني : علمت ما لم تعلمه ، قاله سفيان .

صفحة رقم 203
الثالث : اطلعت على ما لم تطلع عليه ، قاله ابن عباس ، والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته ، وفي الكلام حذف تقديره . ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن غيبته .
) وَجِئْتُكَ مِنَ سَبَإٍ بِنَبإٍ يقين ( أي بخبر صحيح صدق ، وفي ) سبأ ( قولان :
أحدهما : أنها مدينة بأرض اليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ، قاله قتادة ، قال السدي : بعث الله إلى سبأ اثني عشر نبياً ، وقال الشاعر :
من سبأ الحاضرين مأرب إذ
يبنون من دون سيله العرما
الثاني : أن سبأ حي من أحياء اليمن واختلف قائلو هذا في نسبتهم إلى هذا ، فذهب قوم إلى أنه اسم امرأة كانت أمهم ، وروى علقمة عن ابن عباس قال : سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن سبأ فقال : ( هُوَ وَلَدُ رَجُلٍ لَهُ عَشْرَةُ أَوْلاَدٍ فَبِاليَمَنِ مِنهُم سِتةٌ وبالشَّامِ مِنهُم أَربَعَةٌ ، فَأَمَّا اليَمَانِيونَ فَمَذحَجُ وجُهَينَةُ وَكِندَةُ وأنمارُ وَالأُزْدُ وَالأَشعَرِيونَ وأَمَّا الشامِيون فَلَخْمُ وَجذامُ وعَامِلَةُ وَغَسَّانُ ) وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان . قال المفضل وسُمِّيَ سبأ لأنه أول من سبا .
قوله تعالى : ) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُم ( قال الحسن : هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ ، وقال زهير بن محمد : هي بلقيس بنت شرحبيل بن مالك بن الديان وأمها فارعة الجنية ، وقيل ولدها أربعون ملكاً آخرهم شرحبيل . قال قتادة كان

صفحة رقم 204
أولو مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل .
) وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيءٍ ( فيه قولان
: أحدهما : من كل شيء في أرضها ، قاله السدي .
الثاني : من أنواع الدنيا كلها ، قاله سفيان .
) وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنه السرير ، قاله قتادة .
الثاني : أنه الكرسي ، قاله سفيان .
الثالث : المجلس ، قاله ابن زيد .
الرابع : الملك ، قاله ابن بحر .
وفي قوله : ) عَظِيمٌ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : ضخم .
الثاني : حسن الصنعة ، قاله زهير .
الثالث : لأنه كان من ذهب وقوائمه لؤلؤ وكان مستراً بالديباج والحرير عليه سبعة تعاليق ، قاله قتادة .
قال ابن إسحاق : وكان يخدمها النساء فكان معها لخدمتها ستمائة امرأة .
قوله : ) أَلاَّ يَسْجدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبءَ فِي السَّمواتِ وَالأَرْضِ ( فيه تأويلان :
أحدهما : يعني غيب السموات والأرض ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جبير .
الثاني : أن خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات ، قاله ابن زيد ، والخبء بمعنى المخبوء وقع المصدر موقع الصفة .
وفي معنى الخبء في اللغة وجهان :
أحدهما : أنه ما غاب .
الثاني : أنه ما استتر .
وقرأ الكسائي ) أَلاَ يَسْجُدُواْ ( بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ) أَلاَّ

صفحة رقم 205
يَسْجُدُواْ ( قال الفراء : من قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة ، ومن قرأ بالتشديد فليس بموضع سجدة . وفي قائل هذا قولان :
أحدهما : أنه قول الله تعالى أمر فيه بالسجود له ، وهو أمر منه لجميع خلقه وتقدير الكلام : ألا يا ناس اسجدواْ لله .
الثاني : أنه قول الهدهد حكاه الله عنه .
ويحتمل قوله هذا وجهين :
أحدهما : أن يكون قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله .
الثاني : أن يكون قاله لسليمان عند عوده إليه واستكباراً لما وجدهم عليه .
وفي قول الهدهد لذلك وجهان :
أحدهما : أنه وإن يكن ممن قد علم وجوب التكليف بالفعل فهو ممن قد تصور بما ألهم من الطاعة لسليمان أنه نبي مطاع لا يخالف في قول ولا عمل .
الثاني : أنه كالصبي منا إذا راهق فرآنا على عبادة الله تصوّر أن ما خالفها باطل فكذا الهدهد في تصوره أن ما خالف فعل سليمان باطل .
( النمل : ( 27 - 31 ) قال سننظر أصدقت . . . . .
" قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم
ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ( قوله : ) قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ . . . ( الآية ، هذا قول سليمان للهدهد قال ابتلي فاختبر من ذلك فوجده صادقاً .
) اذْهَبِ بِّكِتَابِي هَذَا إِلَيهِمْ ( قال مجاهد أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره فأتى بهوها فجعل يدور فيه فقالت ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها .
قال قتادة : فألقاه على صدرها وهي نائمة ، قال يزيد بن رومان : كانت في ملك

صفحة رقم 206
من مضى من أهلها وقد سيست وساست حتى أحكمها ذلك .
) ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ ( قال ابن عباس كن قريباً منهم .
) فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (
فيه تقديم وتأخير تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم ، حكاه ابن عيسى ، وقاله الفراء .
قوله : ) قَالَتْ يَآ أَيُّهَأ المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِليَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ( وفي صفتها الكتاب أنه كريم ، أربعة أوجه :
أحدها : لأنه مختوم ، قاله السدي .
الثاني : لحسن ما فيه ، قاله قتادة .
الثالث : لكرم صاحبه وأنه كان ملكاً ، حكاه ابن بحر .
الرابع : لتسخير الهدهد به بحمله . ويحتمل خامساً : لإلقائه عليها عالياً من نحو السماء .
قوله تعالى : ) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ ( الآية ، أما قولها إنه من سليمان فلإعلامهم مرسل الكتابي وممن هو .
وأما قولها : ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( فلاستنكار هذا الاستفتاح الذي لم تعرفه هي ولا قومها لأن أول من افتتح ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( سليمان .
روى ابن بريدة عن أبيه قال كنت أمشي مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ( إِنِّي لأَعْلَمُ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍ قَبْلِي بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ) قال : قلت يا رسول الله أي آية هي ؟ قال : ( سَأُعَلِّمُكَهَا قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ ) قال : فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت : نسي ثم التفت إليّ فقال : ( إِنَّهُ مِنْ سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) . حكى عاصم عن الشعبي قال : كَانَتْ كُتُبُ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أربعة كتب كان

صفحة رقم 207
يكتب : باسمك الله ، فلما نزلت ) بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا ( " [ هود : 41 ] كتب : باسم الله ، فلما نزلت ) قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ ( " [ الإِسراء : 110 ] كتب : باسم الله الرحمن ، فلما نزلت ) إِنَّهُ مِن سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ( كتب : بسم الله الرحمن الرحيم
. قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( قال ذلك الكتاب الثالث
. وأما قوله : ) ألا تعلواْ عليَّ وأتوني مسلمين ( فهذه كتب الأنباء موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط ولا إٍسهاب .
وفي ) أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : لا تخالفوا عليّ ، قاله قتادة .
الثاني : لا تتكبروا علي ، قاله السدي وابن زيد .
الثالث : لا تمتنعوا عليّ ، قاله يحيى بن سلام .
) وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : مستسلمين ، قاله الكلبي .
الثاني : موحدين ، قاله ابن عباس .
الثالث : مخلصين ، قاله زهير .
الرابع : طائعين ، قاله سفيان .
( النمل : ( 32 - 35 ) قالت يا أيها . . . . .
" قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون " ( قوله : ) قَالَتْ يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ( أشيروا عليّ في هذا الأمر الذي نزل بي فجعلت المشورة فتيا وقيل : إنها أول من وضع المشورة .
) مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونَ ( أي ممضية أمراً ، وفي قراءة ابن مسعود قاضية أمراً ، والمعنى واحد .

صفحة رقم 208
) حَتَّى تَشْهَدُونَ ( فيه وجهان .
أحدهما : حتى تشيروا ، قاله زهير .
الثاني : حتى تحضرواْ ، قاله الكلبي .
قوله تعالى : ) قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ ( أي أهل عدد وعدة .
) وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ ( أي شجاعة وآلة ، وفي هذا القول منهم وجهان :
أحدهما : تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم .
الثاني : أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله ، قاله ابن زيد .
قال مجاهد : كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وهذا بعيد .
) وَالأَمْرُ إِلَيْكِ ( الآية . عرضوا عليها الحرب وردواْ إليها الأمر ، قال الحسن : ولّوا أمرهم علجة يضطرب ثدياها ، حدث أبو بكرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ ) .
قوله : ) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ( قال ابن عباس أخذوها عنوة ، وأفسدوها ، وخربوها .
ويحتمل وجهاً آخر : أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها .
) وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ( أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان :
أحدهما : بالسيف ، قاله زهير .
الثاني : بالاستعباد ، قاله ابن عيسى .
ويحتمل ثالثاً : أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم .
) وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ( فيه قولان :
أحدهما : أن هذا من قول الله ، وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 209
الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس : كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا ، قاله ابن شجرة .
قوله تعالى : ) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ( اختلف فيها على أربعة فيها على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها كانت لبنة من ذهب ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها كانت جوهَراً ، قاله ابن جبير .
الثالث : أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج ، قاله ثابت البناني .
الرابع : أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري ، وجواري لباسهم لباس الغلمان ، قاله مجاهد ، وعكرمة وابن جبير ، والسدي ، وزهير ، واختلف في عددهم فقال سعيد بن جبير : كانوا ثمانين غلاماً وجارية ، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً وثمانين جارية .
) فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ( قال قتادة : يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها ، قد علمت أن الهدية تقع موقعها من الناس .
واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين :
أحدهما : ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال .
الثاني : اختبار نبوته من ملكه ، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين :
أحدهما : أنها اختبرته بالقبول والرد ، فقالت : إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله ، قاله ابن عباس وزهير .
الثاني : أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري ، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال .
أحدها : أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها فميزهم بهذا ، قاله السدي .
الثاني : لما توضؤوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها ، وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها ، فميزهم بهذا ، قاله قتادة .

صفحة رقم 210
الثالث : أنهم لما توضؤوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها ، فميزهم بهذا ، قاله ابن جبير .
( النمل : ( 36 - 37 ) فلما جاء سليمان . . . . .
" فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " ( قوله تعالى : ) فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانُ ( فيه وجهان
: أحدهما : فلما جاءت هداياها سليمان ، قاله يزيد بن رومان .
الثاني : فلما جاءت رسلها سليمان لأن الهدهد قد كان سبق إلى سليمان فأخبره بالهدية والرسل فتأهب سليمان لهم .
قال السدي : فأمر الشياطين فموّهوا لَبِن المدينة وحيطانها ذهباً وفضة ، وقيل إنها بعثت مع رسلها بعصاً كان يتوارثها ملوك حمير ، وقالت : أريد أن يعرفني رأس هذه من أسفلها ، وبقدح وقالت : يملؤه ماءً ليس من الأرض ولا من السماء ، وبخرزتين إحداهما ثقبُها معوج وقالت يدخل فيها خيطاً والأخرى غير مثقوبة وقالت يثقب هذه .
) قَالَ ( سليمان للرسل حين وصلوا إليه ) أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ( معناه أتزيدونني مالاً إلى ما تشاهدونه من أموالي .
) فَمَا ءاتَانِ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا ءَاتَاكُم ( أي فما آتاني من النبوة والملك خير مما آتاكم من المال ، فرد عليهم المال وميز الغلمان من الجواري ، وأرسل العصا إلى الأرض فقال أي الرأسين سبق للأرض فهو أصلها ، وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها وقال : ليس هذا من الأرض ولا من السماء ، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى ، فقال الرسل ما شاهدوا .
واختلف في الرسل هل كانوا رجالاً أو نساء على قولين .
قوله ) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ( فيه قولان :

صفحة رقم 211
أحدهما : أنه قال ذلك للرسول ارجع إليهم بما جئت من الهدايا ، قاله قتادة . ويزيد بن رومان .
الثاني : أنه قال ذلك للهدهد [ ارجع إليه ] ، قائلاً لهم :
) فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا ( أي لا طاقة لهم بها ليكون الهدهد نذيراً لهم ، قاله زهير .
وصدق نبي الله سليمان صلى الله عليه لأن من جنوده الإنس والجن والطير فليس لأحدٍ بها طاقة .
) وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً ( الآية . إخباراً له عما يصنعه بهم ليسعد منهم بالإيمان من هدي وهذه سنة كل نبي .
( النمل : ( 38 - 40 ) قال يا أيها . . . . .
" قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم " ( قوله ) يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأَتِيني بِعَرْشِهَا ( الآية . حكى يزيد بن رومان أنه لما عاد رسلها بالهدايا قالت : قد والله عرفت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة ، ثم بعثت إليه : إني قادمة عليك بملوك قومي ثم أمرت بعرشها فجعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض وغلقت عليه الأبواب وشَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن ، فقال سليمان حين علم قدومها عليه :
) أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ( الآية : وفيه وجهان :
أحدهما : مسلمين أي مستسلمين طائعين ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن يأتوني مسلمين أي بحرمة الإٍسلام ودين الحق ، قاله ابن جريج .
فإن قيل : فلم أَمَرَ أنَ أن يؤتى بعرشها قبل أن يأتوا إليه مسلمين ؟
قيل عنه في الجواب خمسة أوجه :

صفحة رقم 212
أحدها : أنه أراد أن يختبر صدق الهدهد ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه أعجب بصفته حين وصفه الهدهد وخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها فأراد أخذه قبل أن يحرم عليه بإسلامها ، قاله قتادة .
الثالث : أنه أحب أن يعاليها به وكانت الملوك يعالون بالملك والقدرة ، قاله ابن زيد .
الرابع : أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها ، وهل تعرفه أو تنكره ، قاله ابن جبير .
الخامس : أنه أراد أن يجعل ذلك دليلاً على صدق نبوته ، لأنها خلفته في دارها وأوثقته في حرزها ثم جاءت إلى سليمان فوجدته قد تقدمها ، قاله وهب .
قوله : ) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ ( العفريت المارد القوي ، قال أبو صالح كأنه جبل وفيه وجهان :
أحدهما : أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور ، قاله الأخفش .
الثاني : أصله العفر وهو الشديد ، زيدت فيه التاء فقيل عفريت ، قاله ابن قتيبة .
) أَنَاْ ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ( فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : من مجلسك وسمي المجلس مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى : ) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ( " [ الدخان : 51 ] .
الثاني : أنه أراد يوماً معروفاً كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيباً يعظهم ، ويأمرهم ، وينهاهم ، وكان مجيء اليوم تقريباً .
الثالث : أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محارباً .
) وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ( لقوي على حمله ، وفي الأمين ثلاثة أقاويل :
أحدها : أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ ، قاله الكلبي وابن جرير .
الثاني : أمين ألا آتيك بغيره بدلاً منه ، قاله ابن زيد .

صفحة رقم 213
الثالث : أمين على فرج المرأة ، قاله ابن عباس ، وحكى يزيد بن رومان ان اسم العفريت كودي ، وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر ، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس ، والله أعلم بصحة ذلك .
قوله : ) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه ملك أيد الله به سليمان ، والعلم الذي من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم ، وقد علم الملائكة منه كثيراً فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك ، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه ، حكاه ابن بحر . القول الثاني : أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس ، والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه .
والقول الثالث : أنه سليمان قال ذلك للعفريت .
والقول الرابع : أنه قول غيره من الإنس ، وفيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه مليخا ، قاله قتادة .
الثاني : أنه أسطوم ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه آصف بن برخيا وكان صدّيقاً ، قاله ابن رومان .
الرابع : أنه ذو النور بمصر ، قاله زهير .
الخامس : أنه الخضر ، قاله ابن لهيعة .
و ) عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ( هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب .
) أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ ( يعني بالعرش .
) قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ( فيه ستة أوجه :
أحدها : قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه ، قاله ابن جبير .
الثاني : قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .
الثالث : قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك ، قاله إدريس .
الرابع : قبل الوقت الذي تنظر وروده فيه من قولهم : أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك ، قاله ابن بحر .

صفحة رقم 214
الخامس : قبل أن يرجع طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف .
السادس : قبل أن ينقص طرفك بالموت ، أخبره أنه سيأتيه قبل موته .
) فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِراً عِندَهُ ( قبل أن يرتد طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه .
قال عبد الرحمن بن زيد : لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي .
قال السدي : فجزع سليمان وقال : غيري أقدر على ما عند الله مني ، ثم استرجع . ) قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي ( يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي
. ) لِيَبْلُوَنِّي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ( قال زهير : أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا .
قال زهير : ثم عزم الله له على الشكر فقال : ) وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ ( لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد .
) وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ( عن الشكر ) كَرِيمٌ ( في التفضل ، وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه .
وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل : ان الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه .
( النمل : ( 41 - 44 ) قال نكروا لها . . . . .
" قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين " ( قوله : ) قَالَ نَكَرُواْ لَهَا عَرْشَهَا ( أي غيروه وفي تغييره خمسة أوجه :
أحدها : أنه نزع ما عليه من فصوصه ، ومرافقه وجواهره ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 215
الثاني : أنه غيّر ما كان أحمر فجعله أخضر وما كان أخضر جعله أحمر ، قاله مجاهد .
الثالث : غيّر بأن زيد فيه ونقص منه ، قاله عكرمة .
الرابع : حوّل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره ، قاله شيبان بن عبد الرحمن .
الخامس : غيّره بأن جعل فيه تمثال السمك ، قاله أبو صالح .
) نَنْظُرُ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أتهتدي إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون ، وهذا معنى قول ابن رومان .
الثاني : إلى معرفة العرش بفطنتها أم تكون من الذين لا يعرفون ، وهذا معنى قول ابن جبير ، ومجاهد .
) فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ( فلم تثبته ولم تنكره واختلف في سبب قولها ذلك ، على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنها خلفته وراءها فوجدته أمامها فكان معرفتها له تمنع من إنكاره وتركها له وراءها يمنع إثباته ، وهذا معنى قول قتادة .
الثاني : لأنها وجدت فيه ما تعرفه فلذلك لم تنكره ووجدت فيه ما بُدِّل وغير فلذلك لم تثبته ، قاله السدي .
الثالث : شبهوا عليها حين قالوا : أهكذا عرشك ؟ فشبهت عليهم فقالت : كأنه هو ولو قالوا لها : هذا عرشك لقالت : نعم ، قاله مقاتل .
) وَأُوَتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا ( وهذا قول من سليمان وقيل هو من كلام قومه ، وفي تأويله ثلاثة أقاويل :
أحدها : معرفة الله وتوحيده ، قاله زهير .
الثاني : النبوة ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : أي علمنا أن العرش عرشها قبل أن نسألها ، قاله ابن شجرة .
) وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : طائعين لله بالاستسلام له .

صفحة رقم 216
الثاني : مخلصين لله بالتوحيد .
قوله تعالى ) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : وصدها عبادة الشمس أن تعبد الله .
الثاني : وصدّها كفرها بقضاء الله أن تهتدي للحق .
الثالث : وصدّها سليمان عما كانت تعبد في كفرها .
الرابع : وصدها الله تعالى إليه بتوفيقها بالإيمان عن الكفر .
قوله : ) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها بركة بنيت قوارير ، قاله مجاهد .
الثاني : أنها صحن الدار ، حكاه ابن عيسى يقال صرحة الدار وساحة الدار وباحة الدار وقاعة الدار كله بمعنى واحد . قال زهير مأخوذ من التصريح ومنه صرح بالأمر إذا أظهره .
الثالث : أنه القصر قاله ابن شجرة ، واستشهد بقول الهذلي .
على طرق كنحو الظباء
تحسب أعلامهن الصروحا
) فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ( أي ماء لأن سليمان أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول لأنها وصفت له فأحب أن يراها .
قال مجاهد : وكانت هلباء الشعر والهلباء الطويلة الشعر ، قدمها كحافر الحمار وكانت أمها جنيه . قال الحسن : وخافت الجن أن يتزوجها سليمان فيطلع منها على أشياء كانت الجن تخفيها عنه . وهذا القول بأن أمها جنية مستنكر في العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفاوت الجسمين ، لأن الآدمي جسماني ، والجني روحاني ، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار وخلق الجني من مارج من نار ، ويمتنع الامتزاج من هذا التباين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف ، لكنه قيل فذكرته حاكياً .

صفحة رقم 217
) وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ( فرآهما سليمان شعراوين فصنعت له الجن النورة فحلقهما ، فكان أول من صنعت النورة .
واختلفواْ في السبب الذي كان من أجله أراد سليمان كشف ساقيها لدخول الصرح على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنه أراد أن يختبر بذلك عقلها .
الثاني : أنه ذكر له أن ساقها ساق حمار لأن أمها جنية فأحب أن يختبرها .
الثالث : لأنه أراد أن يتزوجها فأحب أن يشاهدها .
) قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ( فيه قولان
: أحدهما : أنه المجلس ومنه الأمرد لملوسته ، قاله علي بن عيسى .
الثاني : أنه الواسع طوله وعرضه ، قاله ابن شجرة وأنشد :
غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم
قبيل الضحى في البابلي الممرد
قوله تعالى : ) قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ( فيه قولان :
أحدهما : بالشرك الذي كانت عليه ، قاله ابن شجرة .
الثاني : بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة وأن سليمان يريد تغريقها فيه فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن ، قاله سفيان .
) وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( أي استسلمت مع سليمان لله طائعة لله رب العالمين .
قال مقاتل : فتزوجها سليمان واتخذ لها حماماً ونورة بالشام ، وهو أول من اتخذ ذلك ، ثم لم ير إلا كذلك حتى فرق الموت بينهما ، فحكى الشعبي عن ناس من حمير أنهم حفروا مقبرة الملك فوجدوا فيها أرضاً معقودة فيها امرأة عليها حلل منسوخة بالذهب وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب : -
يا أيها الأقوام عُوجوا معاً
وأربعوا في مقبري العيسا

صفحة رقم 218
لتعلموا أني تلك التي
قد كنت أدْعي الدهر بلقيسا
شيّدت قصر الملك في حمير
قومي وقد كان مأنوسا
وكنت في ملكي وتدبيره
أرغم في الله المعاطيسا
بَعْلي سليمان النبي الذي
قد كان للتوراة دريسا
وسخّر الريح له مركباً
تهب أحياناً رواميسا
مع ابن داود النبي الذي
قدسه الرحمن تقديسا
( النمل : ( 45 - 47 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . .
" ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون " ( قوله تعالى : ) فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ( فيه قولان
: أحدهما : كافر ومؤمن ، قاله مجاهد .
الثاني : مصدق ومكذب ، قاله قتادة .
وفيم اختصموا ؟ فيه قولان :
أحدهما : أن تقول كل فرقة نحن عل الحق دونكم .
الثاني : اختلفوا أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه ، قاله مجاهد .
قوله : ) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ( فيه قولان :
أحدهما : بالعذاب قبل الرحمة ، قاله مجاهد ، لقولهم ) فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( .
الثاني : بالبلاء قبل العافية ، قاله السدي .
) لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : بالكفاية .
الثاني : بالإِجابة .
قوله : ) قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ( أي تشاءَمنا بك وبمن معك مأخوذ من الطيرة ، وفي تطيرهم به وجهان :

صفحة رقم 219
أحدهما : لافتراق كلمتهم ، قاله ابن شجرة .
الثاني : للشر الذي نزل بهم ، قاله قتادة .
) قَالَ طَآئِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : مصائبكم عند الله ، قاله ابن عباس ، لأنها في سرعة نزولها عليكم كالطائر .
الثاني : عملكم عند الله ، قاله قتادة ، لأنه في صعوده إليه كالطائر .
) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : تبتلون بطاعة الله ومعصيته ، قاله قتادة .
الثاني : تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به وهو الإسلام ، قاله الحسن .
( النمل : ( 48 - 53 ) وكان في المدينة . . . . .
" وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " ( قوله : ) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ ( الرهط الجمع لا واحد له يعني من ثمود قوم صالح وهم عاقرو الناقة ، وذكر ابن عباس أساميهم فقال : هم زعجي وزعيم وهرمي ودار وصواب ورباب ومسطح وقدار ، وكانواْ بأرض الحجر وهي أرض الشام ، وكانوا فساقاً من أشراف قومهم .
) يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ( فيه خمسة أوجه
: أحدها : يفسدون بالكفر ولا يصلحون بالإيمان .
الثاني : يفسدون بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف .

صفحة رقم 220
الثالث : يفسدون بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة .
الرابع : يفسدون بكسر الدراهم والدنانير ولا يصلحون بتركها صحاحاً ، قاله ابن المسيب ، قاله عطاء .
الخامس : أنهم كانوا يتتبعون عورات النساء ولا يسترون عليهن .
قوله : ) قَالُواْ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ( أي تحالفواْ بالله .
) لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ( أي لنقتلنه وأهله ليلاً ، والبيات قتل الليل
. ) ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ( أي لرهط صالح
. ) مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ( أي قتله ، وقتل أهله ، ولا علمنا ذلك
. ) وَإِنَّا لَصّادِقُونَ ( في إنكارنا لقتله
. ) وَمَكَرُواْ مَكْراً ( وهو ما همّوا به من قتل صالح
. ) وَمَكَرْنَا مَكْراً ( وهو أن رماهم الله بصخرة فأهلكهم
. ) وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ( أي لا يعلمون بمكرنا وقد علمنا بمكرهم
. وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان :
أحدهما : قاله الكلبي ، وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه ، فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً ، وسَلِمَ صالح من مكرهم .
الثاني : قاله الضحاك ، أنهم مكروا بأن أظهروا سفراً وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوهُ ، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سدّه وكان هذا مكر الله بهم .
( النمل : ( 54 - 58 ) ولوطا إذ قال . . . . .
" ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين " (

صفحة رقم 221
قوله تعالى : ) أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : أي وأنتم تعلمون أنها فاحشة .
الثاني : يبصر بعضكم بعضاً .
( النمل : ( 59 - 60 ) قل الحمد لله . . . . .
" قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون " ( قوله تعالى : ) فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ( فيها قولان
: أحدهما : أنها النخل ، قاله الحسن .
الثاني : الحائط من الشجر والنخل ، قاله الكلبي .
) ذَاتَ بَهْجَةٍ ( فيها قولان
: أحدهما : ذات غضارة ، قاله قتادة .
الثاني : ذات حسن ، قاله الضحاك .
) مَّا كَانَ لَكُْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا ( أي ما كان في قدركم أن تخلقوا مثلها
. ) أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : أي ليس مع الله إله ، قاله قتادة .
الثاني : أإله مع الله يفعل هذا ، قاله زيد بن أسلم .
) بَلْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أي يعدلون عن الحق .
الثاني : يشركون بالله فيجعلون له عدلاً أي مثلاً ، قاله قطرب ومقاتل .
( النمل : ( 61 ) أم من جعل . . . . .
" أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون " ( قوله : ) أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً ( أي جعلها مستقراً .

صفحة رقم 222
) وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً ( أي في مسالكها ونواحيها أنهار جارية ينبت بها الزرع ويحيي به الخلق .
) وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ( يعني جبالاً هي لها ماسكة والأرض بها ثابتة .
) وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَينِ حَاجِزاً ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : بحر السماء والأرض ، قاله مجاهد .
الثاني : بحر فارس والروم ، قاله الحسن .
الثالث : بحر الشام والعراق ، قاله السدي .
الرابع : العذب والمالح ، قاله الضحاك .
والحاجز المانع من اختلاط أحدهما بالآخر فيه وجهان :
أحدهما : حاجزاً من الله لا يبغي أحدهما على صاحبه ، قاله قتادة .
الثاني : حاجزاً من الأرض أن يختلط أحدهما بالآخر ، حكاه قتادة .
) أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : لا يعقلون ، قاله ابن عباس .
الثاني : لا يعلمون توحيد الله ، حكاه النقاش .
الثالث : لا يتفكرون ، حكاه ابن شجرة .
( النمل : ( 62 ) أم من يجيب . . . . .
" أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون " ( قوله ) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ( وإنما خص إجابة المضطر لأمرين :
أحدهما : لأن رغبته أقوى وسؤاله أخضع .
الثاني : لأن إجابته أعم وأعظم لأنها تتضمن كشف بلوى وإسداء نعمى .
) وَيَكْشِفُ السُّوءَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون عن المضطر بإجابته .
الثاني : عمن تولاه ألاَّ ينزل به .
وفي ) السُّوءَ ( وجهان :
أحدهما : الضر .

صفحة رقم 223
الثاني : الجور ، قاله الكلبي .
) وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْضِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدهما : خلفاً من بعد خلف ، قاله قتادة .
الثاني : أولادكم خلفاء منكم ، حكاه النقاش .
الثالث : خلفاء من الكفار ينزلون أرضهم وطاعة الله بعد كفرهم ، قاله الكلبي .
) قَلِيلاً مَّا تَذَكَرُونَ ( أي ما أقل تذكركم لنعم الله عليكم
( النمل : ( 63 - 64 ) أم من يهديكم . . . . .
" أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " ( قوله ) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرَّ وَالْبَحْرِ ( فيه وجهان
: أحدهما : يرشدكم من مسالك البر والبحر .
الثاني : يخلصكم من أهوال البر والبحر ، قاله السدي .
وفي ) الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ( وجهان :
أحدهما : أن البر الأرض والبحر الماء .
الثاني : أن البر بادية الأعراب والبحر الأمصار والقرى ، قاله الضحاك .
) وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مبشرة ، قاله ابن عباس وتأويل من قرأ بالباء .
الثاني : منشرة ، قاله السدي وهو تأويل من قرأ بالنون .
الثالث : ملقحات ، قاله يحيى بن سلام .
) بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ( وهو المطر في قول الجميع .
) أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( أي عما أشرك المشركون به من الأوثان .

صفحة رقم 224
( النمل : ( 65 - 70 ) قل لا يعلم . . . . .
" قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون " ( قوله : ) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ ( وفي صفة علمهم بهذه الصفة قولان
: أحدهما : أنها صفة ذم فعلى هذا في معناه أربعة أوجه :
أحدها : غاب عليهم ، قاله ابن عباس .
الثاني : لم يدرك علمهم ، قاله ابن محيصن .
الثالث : اضمحل علمهم ، قاله الحسن .
الرابع : ضل علمهم وهو معنى قول قتادة . فهذا تأويل من زعم أنها صفة ذم .
والقول الثاني : أنها صفة حمد لعلمهم وإن كانوا مذمومين فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه :
أحدها : أدرك علمُهم ، قاله مجاهد .
الثاني : اجتمع علمهم ، قاله السدي .
الثالث : تلاحق علمهم ، قاله ابن شجرة .
) فِي شَكٍّ مِّنْهَا ( يعني من الآخرة فمن جعل ما تقدم صفة ذمٍ لعلمهم جعل نقصان علمهم في الدنيا فلذلك أفضى بهم إلى الشك في الآخرة ، ومن جعل ذلك صفة حمد لعلمهم جعل كمال علمهم في الآخرة فلم يمنع ذلك أن يكونوا في الدنيا على شك في الآخرة .
( النمل : ( 71 - 81 ) ويقولون متى هذا . . . . .
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم

صفحة رقم 225
لا يشكرون وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " ( قوله : ) رَدِفَ لَكُم ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه اقترب لكم ودنا منكم : قاله ابن عباس وابن عيسى .
الثاني : أعجل لكم ، قاله مجاهد .
الثالث : تبعكم ، قاله ابن شجرة ومنه رِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها ، قال أبو ذؤيبٍ :
عاد السواد بياضاً في مفارقه
لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردِفا
وفي قوله تعالى : ) بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ( وجهان :
أحدهما : يوم بدر .
الثاني : عذاب القبر .
قوله : ) وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ . . . . ( الآية . فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الغائبة القيامة ، قاله الحسن .
الثاني : ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض ، حكاه النقاش .
الثالث : جميع ما أخفى الله عن خلقه وغيَّبه عنهم ، حكاه ابن شجرة .
وفي ) كِتَابٍ مُّبِينٍ ( قولان :
أحدهما : اللوح المحفوظ .

صفحة رقم 226
الثاني : القضاء المحتوم . ( النمل : ( 82 ) وإذا وقع القول . . . . .
" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " ( قوله ) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : وجب الغضب عليهم ، قاله قتادة .
الثاني : إذا حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون ، قاله مجاهد .
الثالث : إذا لم يؤمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم ، قاله ابن عمر وأبو سعيد الخدري .
الرابع : إذا نزل العذاب ، حكاه الكلبي .
) أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ( فيها قولان
: أحدهما : ما حكاه محمد بن كعب عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الدابة فقال : أما والله لها ذنب وإن لها للحية ، وفي هذا القول إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرح .
الثاني : وهو قول الجمهور أنها دابة من دواب الأرض ، واختلف من قال بهذا في صفتهاعلى ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها دابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم ، قاله ابن عباس :
الثاني : أنها دابة ذات وبر تناغي السماء ، قاله الشعبي .
القول الثالث : أنها دابة رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن آيِّل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نكتة بيضاء وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فيسود وجهه ، قاله ابن الزبير .

صفحة رقم 227
وفي قوله ) مِّنَ الأَرْضِ ( أربعة أقاويل :
أحدها : أنها تخرج من بعض أودية تهامة ، قاله ابن عباس .
الثاني : من صخرة من شعب أجياد ، قاله ابن عمر .
الثالث : من الصفا ، قاله ابن مسعود .
الرابع : من بحر سدوم ، قاله ابن منبه .
وفي ) تُكَلِّمُهُمْ ( قراءتان :
الشاذة منهما : ) تَسِمهُم ( بفتح التاء ، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : تسمهم في وجوههم بالبياض في وجه المؤمن ، وبالسواد في وجه الكافر حتى يتنادى الناس في أسواقهم يا مؤمن يا كافر ، وقد روى أبو أمامة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( تَخْرُجُ الدَّابَّهُ فَتَسِم الناسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِم ) . الثاني : معناه تجرحهم وهذا مختص بالكافر والمنافق ، وجرحه إظهار كفره ونفاقه ومنه جرح الشهود بالتفسيق ، ويشبه أن يكون قول ابن عباس .
والقراءة الثانية : وعليها الجمهور ) تُكَلِّمُهُمْ ( بضم التاء وكسر اللام من الكلام ، وحكى قتادة أنها في بعض القراءة : ) تُنَبِّئُهُمْ ( وحكى يحيى بن سلام أنها في بعض القراءة : ) تُحَدِّثُهُمْ ( .
وفي كلامها على هذا التأويل قولان :
أحدهما : أن كلامها ظهور الآيات منها من غير نطق ولا لفظ .
والقول الثاني : أنه كلام منطوق به .

صفحة رقم 228
فعلى هذا فيما تكلم به قولان :
أحدهما : أنها تكلمهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر .
الثاني : تكلمهم بما قاله الله ) أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِئَايَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ( قاله ابن مسعود وعطاء .
وحكى ابن البيلماني عن ابن عمر أن الدابة تخرج ليلة جمع وهي ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى .
( النمل : ( 83 - 86 ) ويوم نحشر من . . . . .
" ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " ( قوله : ) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أَمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِئَايَتِنَا ( وهم كفارها المكذبون . وفي قوله ) بَئَايَاتِنَا ( وجهان :
أحدهما : محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله السدي .
الثاني : جميع الرسل ، وهو قول الأكثرين .
) فَهُمْ يُوزَعُونَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يجمعون ، قاله ابن شجرة .
الثاني : يدفعون ، قاله ابن عباس .
الثالث : يساقون ، قاله ابن زيد والسدي ، ومنه قول الشماخ .
وكم وزعنا من خميس جحفل
وكم حبونا من رئيس مسحل
الرابع : يُرَدُّ أولاهم على أُخراهم ، قاله قتادة .

صفحة رقم 229
( النمل : ( 87 - 90 ) ويوم ينفخ في . . . . .
" ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون " ( ) وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ( وهو يوم النشور من القبور وفيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أن الصور جمع صورة ، والنفخ فيها إعادة الأرواح إليها .
الثاني : أنه شيء ينفخ فيه كالبوق يخرج منه صوت يحيا بن الموتى .
الثالث : أنه مثل ضربه الله لإحياء الموتى في وقت واحد بخروجهم فيه كخروج الجيش إذا أُنذروا بنفخ البوق فاجتمعوا في الخروج وقتاً واحداً .
) فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ( وفي هذا الفزع هنا قولان :
أحدهما : أنه الإجابة والإسراع إلى النداء من قولك فزعت إليه من كذا إذا أسرعت إلى ندائه في معونتك قال الشاعر :
كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزع
كان الصراخ له قرع الظنابيب
فعلى هذا يكون ) إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ( استثناء لهم من الإِجابة والإسراع إلى النار .
ويحتمل من أريد بهم وجهين :
أحدهما : الملائكة الذين أخروا عن هذه النفخة .
والقول الثاني : إن الفزع هنا هو الفزع المعهود من الخوف والحذر لأنهم

صفحة رقم 230
أزعجوا من قبورهم ففزعوا وخافوا وهذا أشبه القولين فعلى هذا يكون قوله ) إِلاَّ مَن شَآءَ ( استثناء لهم من الخوف والفزع .
وفيهم قولان :
أحدهما : أنهم الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم ، قاله ابن عيسى .
الثاني : أنهم الشهداء . روى أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم الشهداء ولولا هذا النص لكان الأنبياء بذلك أحق لأنهم لا يقصرون عن منازل الشهداء وإن كان في هذا النص تنبيه عليهم . وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور .
) وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : راغمين ، قاله السدي .
الثاني : صاغرين ، قاله ابن عباس وقتادة ويكون المراد بقوله ) وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ( من فزع ومن استثني من الفزع بقوله ) إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ( وهذا يكون في النفخة الثانية ، والفزع بالنفخة الأولى ، وروى الحسن عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ عَاماً ) . قوله ) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ( أي واقفة
. ) وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ( أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها كما لا يرى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه وهذا مثل ، وفيم ضرب له ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب ، قاله سهل بن عبد الله .
الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان ، تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء .
الثالث : أنه مثل للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى القدس .

صفحة رقم 231
) صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيىْءٍ ( أي فعل الله الذي أتقن كل شيء . وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أحكم كل شيء ، قاله ابن عباس .
الثاني : أحصى ، قاله مجاهد .
الثالث : أحسن ، قاله السدي .
الرابع : أوثق ، واختلف فيها فقال الضحاك : هي كلمة سريانية ، وقال غيره : هي عربية مأخوذ من إتقان الشيء إذا أحكم وأوثق ، وأصلها من التقن وهو ما ثقل من الحوض من طينة .
قوله : ) مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ ( فيها وجهان :
أحدهما : أنها أداء الفرائض كلها .
الثاني : أفضل منها لأنه يعطى بالحسنة عشراً ، قاله زيد بن أسلم .
الثالث : فله منها خير للثواب العائد عليه ، قاله ابن عباس ومجاهد .
) وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : وهم من فزع يوم القيامة آمنون في الجنة .
الثاني : وهم من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة .
) وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةٍ ( الشرك في قول ابن عباس وأبي هريرة
. ( النمل : ( 91 - 93 ) إنما أمرت أن . . . . .
" إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون " ( قوله : ) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدُ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدِةِ الَّذِي حَرَّمَهَا ( فيها قولان :
أحدهما : مكة ، قاله ابن عباس .
الثاني : مِنى ، قاله أبو العالية ، وتحريمها هو تعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها .

صفحة رقم 232
) وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ( يعني ملك كل شيء مما أحله وحرمه فيحل منه ما شاء ويحرم منه ما شاء لأن للمالك أن يفعل في ملكه ما يشاء .
قوله : ) سَيُرِيكُمْ ءَآيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ( فيه وجهان :
أحدهما : يريكم في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا ، قاله الحسن .
الثاني : يريكم في الدنيا ما ترون من الآيات في السموات والأرض فتعرفونها أنها حق ، قاله مجاهد .
) وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( من خير أو شر فلا بد أن يجازي عليه ، والله أعلم .

صفحة رقم 233
سورة القصص
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء ، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بين مكة والمدينة ، وقيل بالجحفة وهي : ) إن الذين فرض عليك القرآن لرأدك إلى معاد ( الآية :
بسم الله الرحمن الرحيم
( القصص : ( 1 - 6 ) طسم
" طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " ( قوله تعالى : ) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ببغيه في استعباد بني إسرائيل وقتل أولادهم ، قاله قتادة .
الثاني : بكفره وادعاء الربوبية .
الثالث : بملكه وسلطانه .

صفحة رقم 234
وهذه الأرض أرض مصر لأن فرعون ملك مصر ، ولم يملك الأرض كلها ، ومصر تسمى الأرض ولذلك قيل لبعض نواحيها الصعيد .
وفي علوه وجهان :
أحدهما : هو لظهوره في غلبته .
الثاني : كبره وتجبره .
) وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ( أي فرقاً . قاله قتادة : فَرّق بين بني إسرائيل والقبط
. ) يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ ( وهم بنو إسرائيل بالاستعباد بالأعمال القذرة
. ) يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ ( قال السدي : إن فرعون رأى في المنام أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه عن تأويله ، فقالوا : يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر ، فأمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ، وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل فقال القبط لفرعون : إن شيوخ بني إسرائيل قد فنوا بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا أن يستحيوا في عام ويقتلوا في عام فولد هارون في عام الاستحياء وموسى في عام القتل . وطال بفرعون العمر حتى حكى النقاش أنه عاش أربعمائة سنة وكان دميماً قصيراً . وكان أول من خضب بالسواد . وعاش موسى مائة وعشرين سنة .
قوله : ) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ ( فيهم قولان :
أحدهما : بنو إسرائيل ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : يوسف وولده ، قاله علي رضي الله عنه .
) وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمََّةً ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : ولاة الأمر ، قاله قتادة .
الثاني : قادة متبوعين ، قاله قتادة .
الثالث : أنبياء لأن الأنبياء فيما بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل أولهم موسى وآخرهم عيسى وكان بينهما ألف نبي ، قاله الضحاك .
) وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ ( فيه قولان :
أحدهما : أنهم بعد غرق فرعون سبَوا القبط فاستعبدوهم بعد أن كانوا عبيدهم فصاروا وارثين لهم ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 235
الثاني : أنهم المالكون لأرض فرعون التي كانوا فيها مستضعفين . والميراث زوال الملك عمن كان له إلى من صار إليه ، ومنه قول عمرو بن كلثوم :
ورثنا مجد علقمة بن سيف
أباح لنا حصون المجد دينا
( القصص : ( 7 - 9 ) وأوحينا إلى أم . . . . .
" وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون " ( ) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه إلهام من الله قد قذفه في قلبها وليس بوحي نبوة ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : أنه كان رؤيا منام ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أنه وحي من الله إليها مع الملائكة كوحيه إلى النبيين ، حكاه قطرب .
) أَنْ أَرْضِعِيه ( قال مجاهد : كان الوحي بالرضاع قبل الولادة ، وقال غيره بعدها .
) فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ( يعني القتل الذي أمر به فرعون في بني إسرائيل
) فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ( واليم : البحر وهو النيل .

صفحة رقم 236
.
) وَلاَ تَخافِي ( فيه وجهان :
أحدهما : لا تخافي عليه الغرق ، قاله ابن زيد .
الثاني : لا تخافي عليه الضيعة ، قاله يحيى بن سلامة .
) وَلاَ تَحْزَنِي ( فيه وجهان :
أحدهما : لا تحزني على فراقه ، قاله ابن زيد .
الثاني : لا تحزني أن يقتل ، قال يحيى بن سلام .
فقيل : إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر في حكاية الكلبي . وحكي أنه لما فرغ النجار من صنعه التابوت أتى إلى فرعون يخبره فبعث معه من يأخذه فطمس الله على عينه وقلبه فلم يعرف الطريق فأيقن أنه المولود الذي تخوف فرعون منه فآمن من ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون .
قال ابن عباس : فلما توارى عنها ندَّمها الشيطان وقالت في نفسها لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب أليّ من إلقائه بيدي إلى دواب البحر وحيتانه ، فقال الله : ) إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ . . . ( الآية ، حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تنشد :
استغفر الله لذنبي كله
قبلت إنساناً بغير حلّه
مثل الغزال ناعماً في دَله
فانتصف الليل ولم أُصله
فقلت : قاتلك الله ما أفصحك فقالت : أوَيعد هذا فصاحة مع قوله تعالى ) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ . . . ( الآية ، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين .
قوله ) فَالتْقَطَهُ ءَآلُ فِرْعَوْنَ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت : هذا الصبي مبارك ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
) لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوّاً وََحَزَناً ( أي ليكون لهم عَدُوّاً وحزناً في عاقبة أمره ولم يكن

صفحة رقم 237
لهم في الحال عدوّاً ولا حزناً لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حباً شديداً فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر :
وللمنايا تربي كل مرضعةٍ
ودورنا لخراب الدهر نبنيها .
) وَقَالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ( روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وجاءت به إلى فرعون وقالت : قرة عين لي ولك .
) لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ( فقال فرعون : قرة عين لك فأما لي فلا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ ) وفي قرة العين وجهان
: أحدهما : أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد .
الثاني : أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه .
) وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ( أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه . ( القصص : ( 10 - 13 ) وأصبح فؤاد أم . . . . .
" وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون " ( قوله ) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مَوسَى فَارِغاً ( فيه ستة أوجه :

صفحة رقم 238
أحدها : فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : فارغاً من وحينا بنسيانه ، قاله الحسن وابن زيد .
الثالث : فارغاً من الحزن لعلمها أنه لم يغرق ، قاله الأخفش .
الرابع : معنى فارغاً أي نافراً ، قاله العلاء بن زيد .
الخامس : ناسياً ، قاله اليزيدي .
السادس : معناه والهاً ، رواه ابن جبير .
وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري وهو صحابي : ) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعاً ( من الفزع وفي قوله ) وَأَصْبَحَ ( وجهان :
أحدهما : أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً في النهار .
الثاني : أنها ألقته نهاراً ومعنى أصبح أي صار ، قال الشاعر :
مضى الخلفاء بالأمر الرشيد
وأصبحت المدينة للوليد
) إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن تصيح عند إلقائه وا إبناه ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني ، قاله السدي لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون .
الثالث : أن تبدي بالوحي ، حكاه ابن عيسى .
) لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ( فيه قولان :
أحدهما : بالإيمان ، قاله قتادة .
الثاني : بالعصمة ، قاله السدي .
) لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( قال السدي : قد كانت من المؤمنين ولكن لتكون من المصدقين بأنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين .
قوله تعالى : ) وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ ( أي استعلمي خبره وتتبّعي أثره .
قال الضحاك ، واسم أخته كلثمة .
) فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ( وفيه ثلاثة أقاويل :

صفحة رقم 239
أحدها : عن جانب ، قاله ابن عباس .
الثاني : عن بعد ، قاله مجاهد ومنه الأجنبي قال علقمة بن عبدة : فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابةٍ
فإني امرؤ وسط القباب غريب
الثاني : عن شوق ، حكاه أبوعمرو بن العلاء وذكر أنها لغة جذام يقولون جنبت إليك [ أي اشتقت ] .
) َوَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ( أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه .
قوله : ) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ( قال ابن عباس : لا يؤتى بمرضعة فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع كما قال امرؤ القيس :
جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري
إني امرؤ صرعي عليك حرام
أي ممتنع
: ) مِن قَبْلُ ( أي من قبل مجيء أخته وفي قوله : ) مِن قَبْلُ ( وجهان
: أحدهما : ما ذكرناه .
الثاني : من قبل ردّه إلى أمه .
) فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ( الآية . وهذا قول أخته لهم حين رأته لا يقبل المراضع فقالوا لها عند قولها لهم :
) وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ( وما يُدْريك ؟ لعلك تعرفين أهله ، فقالت : لا ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ويرغبون في ظئره .
قوله تعالى : ) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمَّهِ ( قال ابن عباس انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصَّه حتى امتلأ جنباه رياً وانطلق بالبشرى إلى امرأة فرعون قد وجدنا لابنك ظئراً ، قال أبو عمران الجوني : وكان فرعون يعطي أم موسى في كل يوم ديناراً .
وروي أنه قال لأم موسى حين ارتضع منها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني .

صفحة رقم 240
فكان من لطف الله بموسى أن جعل إلقاء موسى في البحر وهو الهلاك سبباً لنجاته وسخر فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق من بني إسرائيل لأجله وهو في بيته وتحت كنفه .
) وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ( في قوله : ) إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ ( الآية
. ) وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ( يعني من قوم فرعون
. ) لاَ يَعْلَمُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : لا يعلمون ما يراد بهم ، قاله الضحاك .
الثاني : لا يعملون مثل علمها .
( القصص : ( 14 - 17 ) ولما بلغ أشده . . . . .
" ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين " ( قوله تعالى : ) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ( فيه تسعة أقاويل :
أحدها : أربعون سنة ، قاله الحسن .
الثاني : أربع وثلاثون سنة ، قاله سفيان .
الثالث : ثلاث وثلاثون سنة ، قاله ابن عباس .
الرابع : ثلاثون سنة ، قاله السدي .
الخامس : خمس وعشرون سنة ، قاله عكرمة .
السادس : عشرون سنة ، حكاه يحيى بن سلام .
السابع : ثماني عشرة سنة ، قاله ابن جبير .
الثامن : خمس عشرة سنة ، قاله محمد بن قيس .
التاسع : الحلم . قاله ربيعة ومالك .

صفحة رقم 241
والأشد جمع واختلف هل له واحد أم لا ، على قولين :
أحدهما : لا واحد له ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : له واحد وفيه وجهان :
أحدهما : شد ، قاله سيبويه .
الثاني : شدة ، قاله الكسائي .
) وَاسْتَوَى ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : اعتدال القوة ، قاله ابن شجرة .
الثاني : خروج اللحية ، قاله ابن قتيبة .
الثالث : انتهى شبابه ، قاله ابن قتيبة .
الرابع : أربعون سنة ، قاله ابن عباس .
) آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ( في الحكم أربعة أقاويل
: أحدها : أنه العقل ، قاله عكرمة .
الثاني : النبوة ، قاله السدي .
الثالث : القوة ، قاله مجاهد .
الرابع : الفقه ، قاله ابن اسحاق .
قوله : ) وَدَخَل الْمَدِينَةَ ( فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها مصر ، قاله ابن شجرة .
الثاني : منف ، قاله السدي .
الثالث : عين الشمس ، قاله الضحاك .
) عَلَى حِينٍ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : نصف النهار والناس قائلون ، قاله ابن جبير .
الثاني : ما بين المغرب والعشاء ، قاله ابن عباس .
الثالث : يوم عيد لهم وهم في لهوهم ، قاله الحسن .
الرابع : لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به ، حكاه ابن عيسى .
) فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ( وفيه قولان :
أحدهما : من شيعته إسرائيلي ومن عدوه قبطي ، قاله ابن عباس .
الثاني : من شيعته مسلم ومن عدوه كافر ، قاله ابن إسحاق .

صفحة رقم 242
) فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ( حكى ابن سلام أن القبطي سخّر الإسرائيلي ليحمل له حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه فاستغاث بموسى . قال سعيد بن جبير : وكان خبازاً لفرعون ) فَوَكَزَهُ مُوسَى ( قال قتادة : بعصاه وقال مجاهد : بكفه أي دفعه ، الوكز واللكز واحد والدفع . قال رؤبة :
89 ( بعدد ذي عُدَّةٍ ووكز ) 89
إلا أن الوكز في الصدر واللكز في الظهر .
فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله وانما يريد دفعه .
) فَقَضَى عَلَيهِ ( أي فقتله
. و ) قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ( أي من إغوائه .
) إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُّبِينٌ ( قال الحسن : لم يكن يحل قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال لأنها كانت حال كف عن القتال .
قوله : ) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ( فيه وجهان :
أحدهما : من المغفرة .
الثاني : من الهداية .
) فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ( أي عوناً . قال ابن عباس : قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه .
( القصص : ( 18 - 19 ) فأصبح في المدينة . . . . .
" فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين " (

صفحة رقم 243
قوله تعالى : ) فَأَصْبَحَ في الْمَدِينَةِ خَائِفَاً يَتَرَقَّبُ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : خائفاً من قتل النفس أن يؤخذ بها .
الثاني : خائفاً من قومه .
الثالث : خائفاً من الله .
) يَتَرَقَّبُ ( فيه وجهان :
أحدهما : يتلفت من الخوف ، قاله ابن جبير .
الثاني : ينتظر .
وفيما ينتظر فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ينتظر الطلب إذا قيل إن خوفه كان من قتل النفس .
الثاني : ينتظر أن يسلمه قومه إذا قيل إن خوفه منهم .
الثالث : ينتظر عقوبة الله إذا قيل إن خوفه كان منه .
) فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ( يعني الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس ووكز من أجله القبطي فقتله ، استصرخه واستغاثه على رجل آخر من القبط خاصمه .
) قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه قال ذلك للإسرائيلي لأنه قد أغواه بالأمس حتى قتل من أجله رجلاً ويريد أن يغويه ثانية .
الثاني : أنه قال ذلك للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه ، قاله ابن عباس .
) فلَمَّآ أَنْ أَرادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا . . . ( وهو القبطي لأن موسى أخذته الرقة على الإسرائيلي فقال الإسرائيلي :
) قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ( فيه قولان :
أحدهما : أن الإسرائيلي رأى غضب موسى عليه وقوله إنك لغوي مبين ، فخاف أن قتله فقال : ) أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ( .
الثاني : أن الإسرائيلي خاف أن يكون موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عن قتله ، قاله يحيى بن سلام : قال يحيى : وبلغني أن هذا الإسرائيلي هو السامري .

صفحة رقم 244
وخلى الإسرائيلي القبطي فانطلق القبطي وشاع أن المقتول بالأمس قتله موسى .
) . . . إلاَّ تَكُونَ جَبَّارا فِي الأَرْضِ ( قال السدي : يعني قتالاً
. قال أبو عمران الجوني : وآية الجبابرة القتل بغير [ حق ] .
وقال عكرمة : لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين [ بغير حق ] .
) وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ ( أي وما هكذا يكون الإصلاح .
( القصص : ( 20 ) وجاء رجل من . . . . .
" وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين " ( قوله : ) وََجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى ( قال الضحاك : هو مؤمن آل فرعون . وقال شعيب : اسمه شمعون . وقال محمد بن اسحاق : شمعان . وقال الضحاك والكلبي : اسمه حزقيل بن شمعون . قال الكلبي : هوابن عم فرعون أخي أبيه .
) قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ ( فيه تأويلان
: أحدهما : يتشاورون في قتلك ، قاله الكلبي ، ومنه قول النمر بن تولب :
أرى الناس قد أحدثوا شيمة
وفي كل حادثة يؤتمر
الثاني : يأمر بعضهم بعضاً بقتلك ومنه قوله ) وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِالْمَعْرُوفِ ( " [ الطلاق : 6 ] أي ليأمر بعضكم بعضاً وكقول امرىء القيس :
أحارِ بن عمرٍو كأني خَمِرْ
ويعدو على المرء ما يأتمر
( القصص : ( 21 - 24 ) فخرج منها خائفا . . . . .
" فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان

صفحة رقم 245
قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " ( قوله تعالى : ) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ ( قال عكرمة : عرضت لموسى أربع طرق فلم يدر أيتها يسلك .
) قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ ( وفيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين ، قاله عكرمة .
الثاني : أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصد الطريق إلى مدين ، قاله قتادة والسدي . قال قتادة : مدين ماء كان عليه قوم شعيب .
قوله تعالى : ) وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ( قال ابن عباس : لما خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينهما ثماني ليل ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافياً فما وصل إليها حتى وقع خف قدميه .
) وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ ( أي جماعة . قال ابن عباس : الأمة أربعون .
) يَسْقُونَ ( يعني غنمهم ومواشيهم .
) وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ( فيه وجهان :
أحدهما : تحبسان ، قاله قطرب ، ومنه قول الشاعر :
أبيتُ على باب القوافي كأنما
أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا
الثاني : تطردان . قال الشاعر :
لقد سلبت عصاك بنو تميم
فما تدري بأيِّ عصى تذود
وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس . قاله أبو مالك والسدي .
الثاني : أنهما تذودان الناس عن غنمهما ، قاله قتادة .

صفحة رقم 246
الثالث : تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس ، حكاه يحيى بن سلام .
) قَالَ مَا خَطْبَكُمَا ( أي ما شأنكما ، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم .
) قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ ( والصدور الانصراف ، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه ، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه . والرعاء جمع راع .
وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان :
أحدهما : تصوناً عن الاختلاط بالرجال .
الثاني : لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما .
) وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ( وفي قولهما ذلك وجهان :
أحدهما : أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما .
الثاني : قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما .
) فَسَقَى لَهُمَا ( فيه قولان :
أحدهما : أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما ، قاله ابن إسحاق .
الثاني : أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم .
) ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ( قال السدي : إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة .
) فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ( قال ابن عباس : قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع .
قال الضحاك : لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض ؛ فعرض لهما بحاله فقال ) رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ( فيه قولان :
أحدهما : شبعة من طعام ، قاله ابن عباس .
الثاني : شبعة يومين ، قاله ابن جبير .

صفحة رقم 247
( القصص : ( 25 - 28 ) فجاءته إحداهما تمشي . . . . .
" فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل " ( قوله تعالى : ) فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ ( قال ابن عباس : فاستبكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حُفّلا بطاناً فقال لهما : إن لكما اليوم لشأناً فأخبرتاه بما صنع موسى فأمر إحداهما أن تدعوه فجاءته تمشي على استحياء ، وفيه قولان :
أحدهما : أنه استتارها بكم درعها ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
الثاني : أنه بعدها من النداء ، قاله الحسن .
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها دعته لتكافئه وكان الأجمل مكافأته من غير عناء .
الثاني : لأنها كانت رسولة أبيها .
الثالث : ما قاله عمر لأنها ليست بسلفع من النساء خَرَّاجة ولاّجة .
) قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ( وفي أبيها قولان :
أحدهما : أنه شعيب النبي عليه السلام .
الثاني : أنه يثرون ابن أخي شعيب ، قاله أبو عبيدة والكلبي .
وكان اسم التي دعت موسى وتزوجها : صفوريا . واسم الأخرى فيه قولان :

صفحة رقم 248
إحدهما : ليا ، قاله ابن اسحاق .
الثاني : شرفا ، قاله ابن جرير .
) لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ( أي ليكافئك على ما سقيت لنا فمشت أمامه فوصف الريح عجيزتها فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت .
) فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ( أي أخبره بخبره مع آل فرعون
. ) قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( قال ابن عباس : يعني أنه ليس لفرعون وقومه عليّ سلطان ولسنا في مملكته .
قوله تعالى : ) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَآ أَبَتِ أَسْتَأْجِرْهُ ( والقائلة هي التي دعته وهي الصغرى يعني استأجره لرعي الغنم .
) إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ( فيه قولان
: أحدهما : القوي فيما ولي ، الأمين فيما استودع ، قاله ابن عباس .
الثاني : القوي في بدنه ، الأمين في عفافه . وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها : وما علمك بقوته وأمانته ؟ قالت : أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة ، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى .
قوله تعالى : ) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ( فروى عبد الرحمن بن زيد أن موسى قال : فأيهما تريد أن تنكحني ؟ قال : التي دعتك ، قال : لا إلا أن تكون تريد ما دخل في نفسك عليها فقال : هي عندي كذلك فزوجه وكانت الصغيرة واسمها صفوريا .
) عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حَجَجٍ ( يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منها ، والعمل رعي الغنم .
واختلف في هذه الثماني حجج على قولين :
أحدهما : أنها صداق المنكوحة .
الثاني : أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق .

صفحة رقم 249
) فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرَاً فَمِنْ عِنْدِكَ ( قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشراً .
) وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ( فيه قولان
: أحدهما : من الصالحين في حسن الصحبة . قاله ابن إسحاق .
الثاني : فيما وعده به .
حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلىموسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن . وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقاً .
قوله تعالى : ) فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ ( قال السدي : لا سبيل عليّ .
) وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : قول السدي : شهيد .
الثاني : حفيظ ، قاله قتادة .
الثالث : رقيب ، قاله ابن شجرة .
فروي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى ؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا ) . ( القصص : ( 29 - 32 ) فلما قضى موسى . . . . .
" فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من

صفحة رقم 250
النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين " ( قوله : ) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ ( يعني العمل الذي شُرِطَ عليه .
) وَسَارَ بِأَهْلِهِ ( أي بزوجته .
) ءانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً ( أي رأى ، وقد يعبر عن الرؤية بالعلم .
) قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ إِنِّي ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : بخبر الطريق الذي أراد قصده هل هو على صوبه أو منحرف عنه .
الثاني : بخبر النار التي رأها هل هي لخير يأنس به أو لشر يحذره .
) أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ ( فيها أربعة أوجه
: أحدها : الجذوة أصل الشجرة فيها نار ، قاله قتادة .
الثاني : أنها عود في بعضه نار وليس في بعضه نار ، قاله الكلبي .
الثالث : أنها عود فيه نار ليس له لهب ، قاله زيد بن أسلم .
الرابع : أنها شهاب من نار ذي لهب ، قاله ابن عباس . قال الشاعر :
وألقي على قبس من النار جذوة
شديدٌ عليها حميها والتهابها .
) لَعلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( أي تستدفئون .
قوله تعالى : ) فَلَمَّآ أَتَاهَا ( يعني النار أي قرب منها .
) نُودِيَ مِن شَاطِيءِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ ( وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى ) اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طَوًى ( .

صفحة رقم 251
واحتمل وصفها بالبركة وجهين :
أحدهما : لأن الله كلم فيها موسى وخصه فيها بالرسالة .
الثاني : أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف .
ثم قال تعالى : ) مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها ، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره ، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة ، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام .
فإن قيل : فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ ؟
قيل : عنه جوابان :
أحدهما : أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعةوصار إضافتها إلى البقعة أعم .
الثاني : أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة ، قاله ابن عباس ، والشجرة هي العليق وهي العوسج .
قوله تعالى : ) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ . . . ( الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه .
فإن قيل : فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً ؟
قيل لأمرين :
أحدهما : رأى ما خالف العادة فخاف .
الثاني : أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم .
) . . . ولَمْ يُعَقِّبْ ( فيه وجهان :
أحدهما : ولم يثبت ، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم .

صفحة رقم 252
الثاني : ولم يتأخر لسرعة مبادرته .
ويحتمل ثالثاً : أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه .
) يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : الآمنين من الخوف .
الثاني : من المرسلين لقوله تعالى : ) إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ( قال ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول . وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله : ) فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإِئْهِ ( والبرهانان اليد والعصا .
وفي قوله تعالى : ) وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ( وجهان :
أحدهما : أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف .
الثاني : أن الجيب جنب البدن .
) مِنَ الرَّهْبِ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن الرهب الكُمّ ، قاله مورق .
الثاني : أنه من الخوف .
( القصص : ( 33 - 37 ) قال رب إني . . . . .
" قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون " ( قوله تعالى : ) رِدْءاً ( فيه وجهان :
أحدهما : عوناً ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 253
الثاني : زيادة ، والردء الزيادة وهو قول مسلم بن جندب وأنشد قول الشاعر :
وأسمر خطيّاً كأن كعوبه
نوى القسب قد أردى ذِراعاً على العشر
( القصص : ( 38 - 42 ) وقال فرعون يا . . . . .
" وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين " ( قوله : ) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ( قال ابن عباس : كان بينها وبين قوله ) أنا ربكم الأعلى ( أربعون سنة .
) فأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانَ عَلَى الطِّينِ ( قال قتادة : هو أول من طبخ الآجر .
) فَاجْعَلَ لِّي صَرْحاً ( الصرح القصر العالي . قال قتادة : هو أول من صنع له الصرح .
) لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ( الآية . فحكى السدي أن فرعون صعد الصرح ورمى نشابه نحو السماء فرجعت إليه متلطخة دماً : قد قتلت إِله موسى .
قوله تعالى : ) فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ( قال قتادة : بحر يقال له أساف من وراء مصر غرقهم الله فيه .
قوله : ) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ( يعني فرعون وقومه ، وفيه وجهان :
أحدهما : زعماء يُتْبَعُونَ على الكفر .
الثاني : أئمة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر .

صفحة رقم 254
) يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ( فيه وجهان :
أحدهما : يدعون إلى عمل أهل النار .
الثاني : يدعون إلى ما يوجب النار .
قوله : ) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني خزياً وغضباً .
الثاني : طرداً منها بالهلاك فيها .
) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : من المقبحين بسواد الوجوه وزرقة الأعين ، قاله الكلبي .
الثاني : من المشوهين بالعذاب ، قاله مقاتل .
الثالث : من المهلكين ، قاله الأخفش وقطرب .
الرابع : من المغلوبين ، قاله ابن بحر . ( القصص : ( 43 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
" ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى

صفحة رقم 255
بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون " ( قوله تعالى : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ( فيه قولان :
أحدهما : أنها ست من المثاني التي التي أنزلها الله على رسوله محمد صلىالله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ورواه مرفوعاً .
الثاني : أنها التوراة ، قاله قتادة .
قال يحيى بن سلام : هو أول كتاب نزل فيه الفرائض والحدود والأحكام .
) مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى ( قال أبو سعيد الخدري : ما أهلك الله أمة من الأمم ولا قرناً من القرون ولا قرية من القرى بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل الله التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخهم الله قردة ، ألم تر إلى قوله تعالى : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابِ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى ( .
ومعنى قوله : ) بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ ( أي بينات . ) وَهُدًى ( أي دلالة ) وَرَحْمَةً ( أي نعمة .
) لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( أي ليذكروا هذه النعمة فيقيموا على إيمانهم في الدنيا ويثقوا بثوابهم في الآخرة .
( القصص : ( 44 - 47 ) وما كنت بجانب . . . . .
" وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين " ( قوله : ) وَمَا كُنتَ بِجَانِب الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ( هذا خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وما كنت يا محمد ) بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ( وفيه وجهان :
أحدهما : نودي يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، قاله أبو هريرة .
الثاني : أنهم نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعِثْتَ ، قاله مقاتل .
) وَلَكِن رَّحْمَةَ مِّن رَّبِّكَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك .
الثاني : أن إرسالك نبياً إلى قومك نعمة من ربك .
) لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ( يعني العرب .
( القصص : ( 48 - 51 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
" فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون

صفحة رقم 256
قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون " ( قوله تعالى : ) . . . قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ( قرأ الكوفيون سحران ، فمن قرأ ساحران ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : موسى ومحمد عليهما السلام ، وهذا قول مشركي العرب ، وبه قال ابن عباس والحسن .
الثاني : موسى وهارون عليهما السلام وهذا قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة ، قاله ابن جبير ومجاهد وأبو زيد .
الثالث : عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهذا قول اليهود اليوم ، وبه قال قتادة .
ومن قرأ سحران ففيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها التوارة والقرآن ، قاله عاصم الجحدري والسدي .
الثاني : التوراة والإنجيل ، قاله إسماعيل وأبو مجلز .
الثالث : الإنجيل والقرآن ، قاله قتادة .
) قَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ( يعني بما ذكره على اختلاف الأقاويل وفي قائل ذلك قولان :
إحداهما : اليهود .
الثاني : قريش .
قوله : ) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه بيَّنا لهم القول ، قاله السدي .
الثالث : أتبعنا بعضه بعضاً ، قاله علي بن عيسى .
وفي ) الْقَوْلَ ( وجهان :
أحدهما : أن الخبر عن الدنيا والآخرة ، قاله ابن زيد .

صفحة رقم 257
الثاني : إخبارهم بمن أهلكنا من قوم نوح بكذا وقوم صالح بكذا وقوم هود بكذا .
) لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يتذكرون محمداً فيؤمنوا به ، قاله ابن عباس .
الثاني : يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم ، قاله ابن عيسى .
الثالث : لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان ، حكاه النقاش .
( القصص : ( 52 - 55 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
" الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين " ( قوله تعالى : ) الَّذِينَ ءَآتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون ، قاله ابن شجرة .
وفيمن نزلت قولان :
أحدهما : نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها ، قاله قتادة .
الثاني : أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل مبعثه ، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام . منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية ، والتي بعدها إلى قوله ) أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ ( قال قتادة : [ بإيمانهم ] بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر .

صفحة رقم 258
وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه :
أحدها : بما صبروا على الإيمان ، قاله ابن شجرة .
الثاني : على الأذى ، قاله مجاهد .
الثالث : على طاعة الله وصبروا عن معصية الله ، قاله قتادة .
) . . . وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب ، قاله ابن شجرة .
الثاني : يدفعون بالحلم جهل الجاهل ، وهذا معنى قول يحيى بن سلام .
الثالث : يدفعون بالسلام قبح اللقاء ، وهذا معنى قول النقاش .
الرابع : يدفعون بالمعروف المنكر ، قاله ابن جبير .
الخامس : يدفعون بالخير الشر ، قاله ابن زيد .
ويحتمل سادساً : يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية .
) وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُفِقُونَ ( فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً ، قاله ابن عباس .
الثاني : نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة ، قاله السدي .
الثالث : يتصدقون من أكسابهم ، قاله قتادة .
قوله تعالى : ) وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يتلقونهم بالشتم والسب فيعرضون عنهم ، قاله مجاهد .
الثاني : أنهم قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غَيّره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصفته أعرضوا عنه وكرهوا تبديله ، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
الثالث : أنهم المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه ، قاله الضحاك ومكحول .
الرابع : أنهم أناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهوداً ولا نصارى وكانوا على دين أنبياء الله وكانوا ينتظرون بعثة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما سمعوا بظهوره بمكة قصدوه ، فعرض عليهم القرآن وأسلمواْ .

صفحة رقم 259
وكان أبو جهل ومن معه من كفار قريش يلقونهم فيقولون لهم : أفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم فإذا ذلك لهم أعرضوا عنهم ، قاله الكلبي .
) قَالُواْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : لنا ديننا ولكم دينكم ، حكاه النقاش .
الثاني : لنا حلمنا ولكم سفهكم .
) سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ( رَدّوا خيراً واستكفوا شراً ، وفيه تأويلان
: أحدهما : لا نجازي الجاهلين ، قاله قتادة .
الثاني : لا نتبع الجاهلين ، قاله مقاتل .
( القصص : ( 56 - 57 ) إنك لا تهدي . . . . .
" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون " ( قوله تعالى : ) إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ( فيه وجهان :
أحدهما : من أحببت هدايته .
الثاني : من أحببته لقرابته ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن : نزلت في أبي طالب عم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) .
وروى أبو هريرة أن النبي قال لعمه أبي طالب ( قُل لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِندَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ ) فقال : لولا أن تعيرني بها قريش لأقررت عينيك بها .
وروى مجاهد أنه قال : يا ابن أخي ملة الأشياخ ، فنزلت الآية تعني أبا طالب .
) وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ ( قاله قتادة : يعني العباس .

صفحة رقم 260
. ) وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( قال مجاهد : يعني بمن قدر له الهدى والضلالة
. قوله تعالى : ) وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ( قيل إن هذه الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنا لنعلم أن قولك حق ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا يعني بمكة فإنما نحن أكلة رأس العرب ولا طاقة لنا بهم ، فأجاب الله عما اعتل به فقال :
) أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً ءَامِناً ( فيه وجهان
: أحدهما : أنه جعله آمناً بما طبع النفوس عليه من السكون إليه حتى لا ينفر منه الغزال والذئب والحمام والحدأة .
الثاني : أنه جعله آمناً بالأمر الوارد من جهته بأمان من دخله ولاذ به ، قاله يحيى بن سلام .
يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون وتعبدون غيري أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي .
) يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ( أي تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد . وحكى مجاهد أن كتاباً وجد عند المقام فيه : إني أنا الله ذو بكة ، وضعتها يوم خلقت الشمس والقمر ، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، مبارك لأهلها في الماء واللحم ، أول من يحلها أهلها .
) رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ( أي عطاء من عندنا
. ) وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : لا يعقلون ، قاله الضحاك .
الثاني : لا يتدبرون ، قاله ابن شجرة .
( القصص : ( 58 - 59 ) وكم أهلكنا من . . . . .
" وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون " (

صفحة رقم 261
قوله : ) بَطِرَتْ مَعَيشَتَهَا ( والبطر الطغيان بالنعمة . وفيه وجهان :
أحدها : يعني بطرت في معيشتها ، قاله الزجاج .
الثاني : أبطرتها معيشتها ، قاله الفراء .
قوله تعالى : ) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلَكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمَّهَا رَسُولاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في أوائلها ، قاله الحسن .
الثاني : في معظم القرى من سائر الدنيا ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أن أم القرى مكة ، قاله قتادة . ( القصص : ( 60 - 61 ) وما أوتيتم من . . . . .
" وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين " ( قوله : ) أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ ( فيه قولان
: أحدهما : هو حمزة بن عبد المطلب والوعد الحسن الجنة و ) لاَقِيهِ ( دخولها ، قاله السدي .
الثاني : هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والوعد الحسن النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، قاله الضحاك .
) كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( قال السدي والضحاك : هو أبو جهل
. ) ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : من المحضرين للجزاء ، قاله ابن عباس .
الثاني : من المحضرين في النار ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : من المحضرين : المحمولين ، قاله الكلبي .
( القصص : ( 62 - 67 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
" ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا

صفحة رقم 262
العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين " ( قوله : ) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَآءُ يَوْمَئِذٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : الحجج ، قاله مجاهد .
الثاني : الأخبار ، قاله السدي .
) فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : لا يسألون بالأنساب ، قاله مجاهد .
الثاني : لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحتمل من ذنوبه ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله ، حكاه ابن شجرة .
الرابع : لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجة ، وهذا قول الضحاك .
( القصص : ( 68 - 70 ) وربك يخلق ما . . . . .
" وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون " ( قوله تعالى : ) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن قوماً كانوا يجعلون خير أموالهم لأهليهم في الجاهلية فقال ) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ( من خلقه ) وَيَخْتَارُ ( من يشاء لطاعته ، وهو معنى قول ابن عباس .
الثاني : ) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ( من الخلق ) وَيَخْتَارُ ( من يشاء لنبوته ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : ) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ( النبي محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) َوَيَخْتَارُ ( الأنصار لدينه حكاه النقاش .

صفحة رقم 263
) مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ( وفيه وجهان
: أحدهما : معناه ويختار للمؤمنين ما كان لهم فيه الخيرة فيكون ذلك إثباتاً .
الثاني : معناه ما كان للخلق على الله الخيرة ، فيكون ذلك نفياً . ومن قال بهذا فلهم في المقصود به وجهان :
أحدهما : أنه عنى بذلك قوماً من المشركين جعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فنزل ذلك فيهم ، قاله ابن شجرة .
الثاني : أنها نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال ما حكاه الله عنه في سورة الزخرف ) وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ ( " الآية [ الزخرف : 31 ] يعني نفسه وعروة بن مسعود الثقفي فقال الله : ) مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ( أن يتخيروا على الله الأنبياء .
( القصص : ( 71 - 75 ) قل أرأيتم إن . . . . .
" قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون " ( قوله : ) وَنَزَعْنَا مِن كُلَّ أُمَّةٍ شَهِيداً ( فيه وجهان
: أحدهما : أخرجنا من كل أمة رسولاً مبعوثاً إليها .
الثاني : أحضرنا من كل أمة رسولاً يشهد عليها أن قد بلغ رسالة ربه إليها ، قاله قتادة .
) فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 264
أحدهما : حجتكم ، قاله أبو العالية .
الثاني : بينتكم ، قاله قتادة .
) فَعَلِمُواْ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن العدل لله ، قاله ابن جبير .
الثاني : التوحيد لله ، قاله السدي .
الثالث : الحجة لله .
) وَضَلَّ عَنْهُم ( يعني في القيامة
. ) مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( في الدنيا من الكذب .
( القصص : ( 76 - 77 ) إن قارون كان . . . . .
" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " ( قوله تعالى : ) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ( قال ابن عباس : كان ابن عمه ، قاله قتادة : ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بني إسرائيل وكان يسمى : المنور ، من حسن صوته بالتوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري .
) فَبَغَى عَلَيْهِمْ ( فيه ستة أقاويل
: أحدها : بغيه عليهم أنه كفر بالله ، قاله الضحاك .
الثاني : أنه زاد في طول ثيابه شبراً ، قاله شهر بن حوشب .
الثالث : أنه علا عليهم بكثرة ماله وولده ، قاله قتادة .
الرابع : أنه صنع بغياً ، حين أمر الله موسى برجم الزاني فعمد قارون إلى امرأة بغي فأعطاها مالاً وحملها على أن ادعت عليه أنه زنى بها وقال : فأنت قد زنيت . وحضرت البغي فادّعت ذلك عليه فعظم على موسى ما قالت وأحلفها بالله الذي فلق

صفحة رقم 265
البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلاّ صدقت فقالت : أشهد أنك بريء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على أن قلت وأنت الصادق وقارون الكاذب فكان هذا بغيه ، قاله ابن عباس ، قال السدي : وكان اسم البغي شجرتا وبذلك لها قارون ألفي درهم .
الخامس : أنه كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم ، قاله يحيى بن سلام .
السادس : أنه نسب ما آتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ، قاله ابن بحر .
) وَءَآتَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه أصاب كنزاً من كنوز يوسف عليه السلام ، قاله عطاء .
الثاني : أنه كان يعمل الكيمياء ، قاله الوليد .

صفحة رقم 266
) مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : خزائنه ، قاله السدي وأبو رزين .
الثاني : أوعيته ، قاله الضحاك .
الثالث : مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً .
الرابع : أن مفاتيح الكنوز إحاطة علمه بها ، حكاه ابن بحر لقول الله ) وَعِندَهُ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ ( " [ الأنعام : 59 ] .
) لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : لتثقل العصبة ، قاله ابن عباس وأبو صالح والسدي .
الثاني : لتميل بالعصبة ، قاله الربيع بن أنس مأخوذ من النأي وهو البعد قال الشاعر :
ينأوْن عنا وما تنأى مودتهم
والقلب فيهم رهين حيثما كانوا
الثالث : لتنوء به العصبة كما قال الشاعر :
إنّا وجدنا خلفَاً بئس الخلف
عبداً إذا ما ناء بالحمل خضف
والعصبة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض واختلف في عددهم على سبعة أقاويل :
أحدها : سبعون رجلاً ، قاله أبو صالح .
الثاني : أربعون رجلاً ، قاله الحكم وقتادة والضحاك .
الثالث : ما بين العشرة إلى الأربعين ، قاله السدي .
الرابع : ما بين العشرة إلى الخمسة عشر ، قاله مجاهد .
الخامس : ستة أو سبعة . قاله ابن جبير .
السادس : ما بين الثلاثة والتسعة وهم النفر ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
السابع : عشرة لقول إخوة يوسف ) وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ( " [ يوسف : 8 ] قاله الكلبي ومقاتل .
وزعم أبو عبيدة أن هذا من المقلوب تأويله : إن العصبة لتنوء بالمفاتح .
) أوْلِي الْقُوَّةِ ( قال السدي أولي الشدة .

صفحة رقم 267
) إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه قول المؤمنين منهم ، قاله السدي .
الثاني : قول موسى ، قاله يحيى بن سلام .
) لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : لا تبغ إن الله لا يحب الباغين ، قاله مجاهد .
الثاني : لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين ، قاله ابن بحر .
الثالث : لا تبطر إن الله لا يحب البطرين ، قاله السدي ، وقال الشاعر :
ولست بمفراحٍ إذا الدهر سَرَّني
ولا جازعٍ من صرفه المتغلب
قوله تعالى : ) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ( فيه وجهان
: أحدهما : طلب الحلال في كسبه ، قاله الحسن .
الثاني : أنه الصدقة وصلة الرحم ، قاله السدي .
ويحتمل ثالثاً : وهو أعم أن يتقرب بنعم الله إليه ، والمراد بالدار الآخرة الجنة .
) وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ( فيه ثلاثة تأويلات
. أحدها : لا تنس حظك من الدنيا أن تعمل فيها لآخرتك ، قاله ابن عباس .
الثاني : لا تنس استغناك بما أحل الله لك عما حرمه عليك ، قاله قتادة .
الثالث : لا تنس ما أنعم الله عليك أن تشكره عليه بالطاعة وهذا معنى قول ابن زيد .
الثاني : وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك ، وهذا معنى قول يحيى بن سلام .
الثالث : أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال .
) وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ ( يحتمل وجهين :

صفحة رقم 268
أحدهما : لا عمل فيها بالمعاصي .
الثاني : لا تقطع .
) إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : لا يحب أعمال المفسدين ، قاله ابن عباس .
الثاني : لا يقرب المفسدين ، قاله ابن قتيبة . ( القصص : ( 78 ) قال إنما أوتيته . . . . .
" قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " ( قوله : ) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمِ عِنْدِي . . . ( فيه خمسة أوجه
: أحدها : أي بقوتي وعلمي ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : علىخير وعلم عندي ، قاله قتادة .
الثالث : لرضا الله عني ومعرفته باستحقاقي ، قاله ابن زيد .
الرابع : على علم بوجه المكاسب ، قاله ابن عيسى .
الخامس : العلم بصنعة الكيمياء .
حكى النقاش أن موسى عليه السلام علّم قارون الثلث من صنعة الكيمياء ، وعلم يوشع بن نون الثلث ، وعلم ابني هارون الثلث فخدعهما قارون وكان على إيمانه حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء فكثرت أمواله .
وفي قوله تعالى : ) . . . وَلاَ يُسأُلَ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ( أربعة تأويلات :
أحدها : يعذبون ولا يحاسبون ، قاله قتادة .
الثاني : لا يسألون عن إحصائها ويعطون صحائفها فيعرفون ويعترفون بها ، قاله الربيع .

صفحة رقم 269
الثالث : لأن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسأل عنهم ، قاله مجاهد .
الرابع : أنهم لا يُسألون سؤال استعتاب : لمَ لَمْ يؤمنوا ، قاله ابن بحر كما قال
) وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( " [ الروم : 57 ] .
( القصص : ( 79 - 80 ) فخرج على قومه . . . . .
" فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون " ( قوله : ) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : في حشمه ، قاله قتادة .
الثاني : في تَبَعه في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات وكان أول يوم رؤيت فيه المعصفرات قاله ابن زيد ، قال أبو لبابة : أول من صبغ بالسواد قارون .
الثالث : خرج في جوارٍ بيض على بغال بيض بسروج من ذهب على قطف أرجوان ، قاله السدي .
) قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونَ ( تمنوا ماله رغبة في الدنيا .
) إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : لذو درجة عظيمة ، قاله الضحاك .
الثاني : لذو جد عظيم ، قاله السدي .
( القصص : ( 81 - 82 ) فخسفنا به وبداره . . . . .
" فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون " (

صفحة رقم 270
قوله تعالى : ) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ( قال ابن عباس : لما شكا موسى إلى الله أمْر قارون أمر الله الأرض أن تطيع موسى ، ولما أقبل قارون وشيعته قال موسى : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أوساطهم ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم ، ثم قال : خذيهم فخسف الله بهم وبدار قارون وكنوزه .
روى يزيد الرقاشي أن قارون لما أخذته الأرض إلى عنقه أخذ موسى نعليه فخفق بهما وجهه فقال قارون : يا موسى ارحمني ، قال الله تعالى ) يَا مُوسَى مَا أَشَدَّ قَلْبَكَ ، دَعَاكَ عَبْدِي وَاسْتَرْحَمَكَ فَلَمْ تَرْحَمْهُ : وَعِزَّتِي لَو دَعَانِي عَبْدِي لأَجَبْتُهُ ( روى سمرة بن جندب أنه يخسف بقارون وقومه في كل يوم بقدر قامة فلا يبلغ إلى الأرض السفلى إلى يوم القيامة .
قال مقاتل لما أمر موسى الأرض فابتلعته قال بنو إسرائيل : إنما أهلكه ليرث ماله لأنه كان ابن عمه أخي أبيه فخسف الله بداره وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام .
قوله تعالى : ) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنُّواْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ( فيه ثمانية أوجه :
أحدها : معناه أو لا يعلم أن الله ؟ رواه معمر عن قتادة .
الثاني : أو لا يرى ؟ رواه سعيد عن قتادة .
الثالث : ) وَلكِنَّ اللَّهَ ( بلغة حمير ، قاله الضحاك .
الرابع : ) وَإِنَّ اللَّهَ ( والياء ، والكاف صلتان زائدتان ، حكاه النقاش .
الخامس : ) وَكَأَنَّ اللَّهَ ( والياء وحدها صلة زائدة . وقال ابن عيسى بهذا التأويل غير أنه جعل الياء للتنبيه .
السادس : معناه ويك أن الله ففصل بين الكاف والألف وجعل ويك بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ومنه قول عنترة :
ولقد شفى نفسي وأبْرأ سقمها
قيل الفوارس ويك عنتر أقدامِ
السابع : ويلك إن الله فحذف اللام إيجازاً ، حكاه ابن شجرة .
الثامن : وي منفصلة على طريق التعجب ثم استأنف فقال كأن الله ، قاله الخليل .

صفحة رقم 271
) يَبْسُطُ الرِّزْقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : معنى يقدر أن يختار له ، قاله ابن عباس .
الثاني : ينظر له فإن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره ، قاله الحسن .
الثالث : يضيق ، وهذا معنى قول ابن زيد .
( القصص : ( 83 - 84 ) تلك الدار الآخرة . . . . .
" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون " ( قوله تعالى : ) تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ ( أي الجنة نجعلها .
) عُلُوّاً ( فيها ستة أوجه :
أحدها : يعني بغياً ، قاله ابن جبير .
الثاني : تكبراً ، قاله مسلم .
الثالث : شرفاً وعزاً ، قاله الحسن .
الرابع : ظلماً ، قاله الضحاك .
الخامس : شركاً ، قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 272
السادس : لا يجزعون من ذلها ولا يتنافسون على عزها ، قاله أبو معاوية .
ويحتمل سابعاً أن يكون سلطاناً فيها على الناس .
) وَلاَ فَسَاداً ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : أنه الأخذ بغير حق ، قاله مسلم .
الثاني : أنه العمل بالمعاصي ، قاله عكرمة .
الثالث : أنه قتل الأنبياء والمؤمنين ، قاله يحيى بن سلام .
ويحتمل رابعاً : أنه سوء السيرة .
) وَاْلعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : والثواب للمتقين ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : معناه والجنة للمتقين ، قاله ابن شجرة .
( القصص : ( 85 - 88 ) إن الذي فرض . . . . .
" إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون " ( قوله تعالى : ) إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ( فيه خمسة تأويلات
: أحدها : أنزل عليك القرآن ، قاله يحيى ابن سلام والفراء .
الثاني : أعطاكه ، قاله مجاهد .
الثالث : أوجب عليك العمل به ، حكاه النقاش .
الرابع : حمّلك تأديته وكلفك إبلاغه ، حكاه ابن شجرة .
الخامس : بينه على لسانك ، قال ابن بحر .
ويحتمل سادساً : أي قدر عليك إنزاله في أوقاته لأن الفرض التقدير .
) لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : إلى مكة ، قاله مجاهد والضحاك وابن جبير ، والسدي .
الثاني : إلى بيت المقدس ، قاله نعيم القاري .
الثالث : إلى الموت ، قاله ابن عباس وعكرمة .
الرابع : إلى يوم القيامة ، قاله الحسن .
الخامس : إلى الجنة ، قاله أبو سعيد الخدري .
وقيل : إن هذه الآية نزلت في الجحفة حين عسف به الطريق إليها فليست مكية ولا مدنية .
قوله تعالى : ) . . . كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهُهُ ( فيه ستة تأويلات :

صفحة رقم 273
أحدها : معناه إلا هو ، قاله الضحاك .
الثاني : إلا ما أريد به وجهه ، قاله سفيان الثوري .
الثالث : إلا ملكه ، حكاه محمد بن إسماعيل البخاري .
الرابع : إلا العلماء فإن علمهم باق ، قاله مجاهد .
الخامس : إلا جاهه كما يقال لفلان وجه في الناس أي جاه ، قاله أبو عبيدة .
السادس : الوجه العمل ومنه قولهم : من صلى بالليل حسن وجه بالنهار أي عمله . وقال الشاعر :
أستغفر الله ذنباً لست محصيه
رب العباد إليه الوجه والعمل
) لَهُ الْحُكْمُ ( فيه وجهان :
أحدهما : القضاء في خلقه بما يشاء من أمره ، قاله الضحاك وابن شجرة .
الثاني : أن ليس لعباده أن يحكموا إلا بأمره ، قاله ابن عيسى .
) وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء ، والله أعلم .

صفحة رقم 274
سورة العنكبوت
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة . وفي القول الثاني لهما وهو قول يحيى بن سلام مكية كلها إلا عشر آيات من أولها مدنية إلى قوله ) وليعلمن المنافقين ( وقال علي رضي الله عنه نزلت بين مكة والمدينة .
بسم الله الرحمن الرحيم
( العنكبوت : ( 1 - 4 ) الم
" الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون " ( قوله تعالى : ) الم . أَحِسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوآ . . . ( هذا لفظ استفهام أريد به التقرير والتوبيخ وفيه خمسة أقاويل :
أحدها : معناه أظن الذين قالوا لا إله إلا الله أن يتركوا فلا يختبروا أصدقوا أم كذبوا . قاله الحسن .
الثاني : أظن المؤمنون ألا يؤمروا ولا ينهوا ، قاله ابن بحر .
الثالث : أظن المؤمنون ألا يؤذوا ويقتلوا . قاله الربيع بن أنس . وقال قتادة : نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا للهجرة فعرض لهم المشركون فرجعوا فنزلت

صفحة رقم 275
فيهم فلما سمعها خرجوا فقتل منهم من قتل وخلص من خلص فنزل فيهم ) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ( الآية .
الرابع : أنها نزلت في عمار بن ياسر ومن كان يعذب في الله بمكة ، قاله عبيد بن عمير . قال الضحاك : نزلت في عباس بن أبي ربيعة أسلم وكان أخا أبي جهل لأمه أخذه وعذبه على إسلامه حتى تلفظ بكلمة الشرك مكرهاً .
الخامس : نزلت في قوم أسلموا قبل فرض الجهاد والزكاة فلما فرضا شق عليهم فنزل ذلك فيهم ، حكاه ابن أبي حاتم .
وفي قوله : ) . . . وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ( وجهان :
أحدهما : لا يسألون ، قاله مجاهد .
الثاني : لا يختبرون في أموالهم وأنفسهم بالصبر على أوامر الله وعن نواهيه .
قوله تعالى : ) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : بما افترضه عليهم .
الثاني : بما ابتلاهم به .
) فََيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ ( فيه وجهان
: أحدهما : فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق ، قاله ابن شجرة .
الثاني : فليميزن الله الذين صدقوا من الكاذبين ، قاله النقاش وذكر أن هذه الآية نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر قتله عامر ابن الحضرمي ، ويقال إنه أول من يدعى إلى الجنة من شهداء المسلمين وفيه يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر ( سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مهجع ) . قوله تعالى : ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ( قال قتادة : الشرك وزعم أنهم اليهود .
) أَن يَسْبِقُونَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أن يسبقوا ما كتبنا عليهم في محتوم القضاء .
الثاني : أن يعجزونا حتى لا نقدر عليهم ، وهو معنى قول مجاهد .
ويحتمل ثالثاً : أن يفوتونا حتى لا ندركهم .

صفحة رقم 276
) سَآءَ مَا يَحْكُُمُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : ساء ما يظنون ، قاله ابن شجرة .
الثاني : ساء ما يقضون لأنفسهم على أعدائهم ، قاله النقاش .
( العنكبوت : ( 5 - 7 ) من كان يرجو . . . . .
" من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون " ( قوله : ) مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ اللَّهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : من كان يخشى لقاء الله ، قاله ابن جبير والسدي .
الثاني : من كان يؤمل .
وفي ) لِقَآءَ اللَّهِ ( وجهان :
أحدهما : ثواب الله ، قاله ابن جبير .
الثاني : البعث إليه ، قاله يحيى بن سلام .
) فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ ( يعني الجزاء في القيامة فاستعدوا له
. ) وَهُوَ السَّمِيعُ ( لمقالتكم
. ) الْعَلِيمُ ( بمعتقدكم .
( العنكبوت : ( 8 - 9 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
" ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين " ( قوله تعالى : ) وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه ألزمناه أن يفعل بهما برّاً ، قاله السدي .
الثاني : أن ما وصيناه به من برهما حسناً .
) وَإِن جَاهَدَاكَ ( أي ألزماك .
) لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ( وفيه وجهان :

صفحة رقم 277
أحدهما : ما ليس لك به حجة لأن الحجة طريق العلم .
الثاني : أن تجعل لي شريكاً لأنه ليس لأحد بذلك من علم .
) فَلاَ تُطِعْهُمَا ( فأمر بطاعة الوالدين في الواجبات حتماً وفي المباحات ندباً ونهى عن طاعتهما في المحظورات جزماً ، وقد جاء في الأثر . لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
) إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ( يعني في القيامة
. ) فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( يعني في الدنيا من خير يستحق به الثواب وشر يستوجب به عقاب .
واختلفواْ في سبب نزولها وإن عم حكمها على قولين :
أحدهما : نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد حلفت أمّه عليه وأقسمت ألا تأكل طعاماً حتى يرجع عن دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . قاله مصعب وسعد وقتادة .
الثاني : أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة .
( العنكبوت : ( 10 - 13 ) ومن الناس من . . . . .
" ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " (

صفحة رقم 278
قوله تعالى : ) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاَ مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنهم أعوان الظلمة .
الثاني : أنهم أصحاب البدع إذا أُتبِعوا عليها .
الثالث : أنهم محدِثو السنن الجائرة إذا عمل بها من بعدهم . ( العنكبوت : ( 14 - 15 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة

صفحة رقم 279
إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين " ( قوله تعالى : ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ( روى قتادة عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( أَوَّلُ نَبِيٍ أُرْسِلَ نُوْحٌ ) قال قتادة : وبعث من الجزيرة .
) فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن هذا مبلغ عمره كله . قال قتادة : لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة .
فإن قيل فلم قال ) أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ( ولم يقل تسعمائة وخمسين عاماً فعنه جوابان :
أحدهما : أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكر الألف أفخم في اللفظ وأكثر في العدد .
الثاني : ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة راجع في استكمال الألف فذكر الله ذلك تنبيهاً على أن النقيصة كانت من جهته ، فهذا قول .
والقول الثاني : أنه بعث لأربعين سنة من عمره ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ستين عاماً فكان مبلغ عمره ألف سنة وخمسين سنة ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد ذلك سبعين سنة فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة ، قاله كعب الأحبار .
والقول الرابع : أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ولبث في قومه داعياً ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين عاماً فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة وخمسين سنة . قاله عون بن أبي شداد .
) فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أن الطوفان المطر ، قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة والسدي .
الثاني : أن الطوفان الغرق ، قاله الضحاك .
الثالث : أنه الموت ، روته عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومنه قول الشاعر :
89 ( أفناهم طوفان موت جارفٍ ) 89
وقيل إن الطوفان كلُّ عامّ من الأذى . وحكى إسماعيل بن عبد الله أن الطوفان كان في نيسان .
( العنكبوت : ( 16 - 23 ) وإبراهيم إذ قال . . . . .
" وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين أو لم يروا كيف

صفحة رقم 280
يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم " ( قوله تعالى : ) يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : يعذب من يشاء بالانقطاع إلى الدنيا ، ويرحم من يشاء بالإعراض عنها .
الثاني : يعذب من يشاء بالحرص ، ويرحم من يشاء بالقناعة .
الثالث : يعذب من يشاء بسوء الخلق ، ويرحم من يشاء بحسن الخلق .
الرابع : يعذب من يشاء ببغض الناس له ، ويرحم من يشاء بحبهم له .
الخامس : يعذب من يشاء بمتابعة البدعة ، ويرحم من يشاء بملازمة السنة . ( العنكبوت : ( 24 - 27 ) فما كان جواب . . . . .
" فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " (

صفحة رقم 281
قوله تعالى : ) فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ ( قال ابن إسحاق : آمن لوط بإبراهيم وكان ابن أخيه وآمنت به سارة وكانت بنت عمه .
) وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ( يعني مهاجر عن الظالمين
. وفيما هاجر إليه قولان :
أحدهما : أنه هاجر إلى حرّان ، قاله كعب الأحبار .
الثاني : أنه هاجر من كوثي وهو من سواد الكوفة إلى أرض الشام ، قاله قتادة .
قوله تعالى : ) وَءَاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ( فيه ستة أقاويل :
أحدها : الذكر الحسن ، قاله ابن عباس .
الثاني : رضا أهل الأديان ، قاله قتادة .
الثالث : النية الصالحة التي اكتسب بها الأجر في الآخرة ، قاله الحسن .
الرابع : لسان صدق ، قاله عكرمة .
الخامس : ما أوتي في الدنيا من الأجر ، رواه ابن برزة .
السادس : الولد الصالح ، حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي حتى أن أكثر الأنبياء من ولده .
ويحتمل سابعاً : أنه بقاء الصلاة عند قبره وليس ذلك لغيره من الأنبياء .
( العنكبوت : ( 28 - 30 ) ولوطا إذ قال . . . . .
" ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين " ( قوله تعالى : ) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ( أي تنكحون الرجال .
) وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ( فيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 282
أحدها : أنه قطع الطريق على المسافر ، قاله ابن زيد .
الثاني : أنهم بإتيان الفاحشة من الرجال قطعوا الناس عن الأسفار حذراً من فعلهم الخبيث ، حكاه ابن شجرة .
الثالث : أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال ، قال وهب : استغنواْ عن النساء بالرجال .
) وَتَأْتُونَ فِي نَادِيِكُمُ الْمُنكَرَ ( أي في مجالسكم المنكر فيه أربعة أوجه :
أحدها : هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم ، قالته عائشة رضي الله عنها .
الثاني : أنهم كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه روته أم هانىء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثالث : أنهم كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم ، رواه منصور عن مجاهد .
الرابع : هو الصفير ولعب الحمام والجلاهق والسحاق وحل أزرار القيان في المجلس ، رواه الحاكم عن مجاهد .
( العنكبوت : ( 31 - 43 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
" ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون

صفحة رقم 283
ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " ( قوله تعالى : ) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ ( يعني آلهة من الأصنام والأوثان عبدوها .
) كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً ( يعني أنهم عبدوا ما لا يغني عنهم شيئاً كبيت العنكبوت الذي لا يدفع شيئاً وهو من أبلغ الأمثال فيهم .
) وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ( لأنه يستر الإبصار ولا يدفع الأيدي ، وقد حكي عن يزيد بن ميسرة أن العنكبوت شيطان مسخها الله .

صفحة رقم 284
وقال عطاء : نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود ، ومرة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
وجمع العنكبوت عناكب وتصغيره عنيكب .
( العنكبوت : ( 44 - 45 ) خلق الله السماوات . . . . .
" خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " ( قوله تعالى : ) اتْلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ( يعني القرآن وهذا خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتلو ما أنزل منه على أمته .
) وَأَقِمِ الصَّلاَةَ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه القرآن ، قاله ابن عمر .
الثاني : أنه الصلاة المفروضة . قاله ابن عباس .
الثالث : أن الصلاة هنا هي الدعاء ومعناه قم بالدعاء إلى أمر الله ، قاله ابن بحر .
) إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ ( الفحشاء الزنى والمنكر الشرك ، قاله ابن عباس .
ثم فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام فيها ، قاله الكلبي وابن زيد وحماد بن أبي سليمان .
الثاني : تنهى عن الفحشاء والمنكر قبلها وبعدها روى طاووس عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( مَن لَّمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمنكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِهَا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً )

صفحة رقم 285
الثالث : إن ما تدعوهم إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قاله ابن زيد .
) وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ( فيه سبعة تأويلات :
: أحدها : ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، قاله ابن عباس .
الثاني : ولذكر الله أفضل من كل شيء ، قاله سلمان .
الثالث : ولذكر الله في الصلاة التي أنت فيها أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر ، قاله عبد الله بن عون .
الرابع : ولذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة ، قاله أبو مالك .
الخامس : ولذكر الله أكبر من أن تحويه أفهامكم وعقولكم .
السادس : أكبر من قيامكم بطاعته .
السابع : أكبر من أن يبقي على صاحبه عقاب الفحشاء والمنكر .
( العنكبوت : ( 46 ) ولا تجادلوا أهل . . . . .
" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " ( قوله تعالى : ) وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلأَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( فيه ثلاثة تأويلات :

صفحة رقم 286
أحدها : أن ) الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( قول لا إله إلا الله ، قاله ابن عباس .
الثاني : الكف عنهم عند بذل الجزية منهم وقتالهم إن أبوا ، قاله مجاهد .
الثالث : أنهم إن قالوا شراً فقولوا لهم خيراً ، رواه ابن أبي نجيح .
ويحتمل تأويلاً رابعاً : وهو أن يحتج لشريعة الإٍسلام ولا يذم ما تقدمها من الشرائع .
) إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمُ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنهم أهل الحرب ، قاله مجاهد .
الثاني : من منع الجزية منهم ، رواه خصيف .
الثالث : ظلموا بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم ، قاله ابن زيد .
الرابع : ظلموا في جدالهم فأغلظوا لهم ، قاله ابن عيسى .
واختلف في نسخ ذلك على قولين :
أحدهما : أنها منسوخة ؛ قاله قتادة .
الثاني : أنها ثابتة .
) وَقُولُواْ ءَآمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلِيْكُمْ ( الآية ، فروى سلمة عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرأُون التوراة بالعبرانية فيفسرونها بالعربية لأهل الإٍسلام فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لاَ تُصَدِّقُواْ أَهْلَ الكِتابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُم ) وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ( إلى قوله ) مُسْلِمُونَ ( ) أي مخلصون وفيه قولان :
أحدهما : أنه يقوله لأهل الكتاب ، قاله مجاهد .
الثاني : يقوله لمن آمن ، قاله السدي .

صفحة رقم 287
( العنكبوت : ( 47 - 49 ) وكذلك أنزلنا إليك . . . . .
" وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " ( قوله تعالى : ) وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ( فيه قولان
: أحدهما : معناه ) وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن ( قبل القرآن كتاباً من كتب الله المنزلة ولا تخطه أي تكتبه بيمينك فتعلم ما أنزل الله فيه حتى يشكوا في إخبارك عنه إنه من وحي الله سبحانه إليك وهو معنى قول يحيى بن سلام .
الثاني : أنه كان أهل الكتاب يجدونه في كتبهم أن محمداً لا يخط بيمينه ولا يقرأ كتاباً فنزل ذلك فيهم ليدلهم على صحة نبوته ، وهو معنى قول مجاهد .
) إِذَاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ( فيهم ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنهم مشركو قريش ، قاله مجاهد .
الثاني : مشركو العرب أن يقولوا لو كان يقرأ قد تعلمه من غيره ، قاله قتادة .
الثالث : أنهم المكذبون من اليهود ، قاله السدي .
قوله تعالى : ) بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في كونه أمياً لا يكتب ولا يقرأ ) ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ( من أهل الكتاب لأنه منعوت في كتبهم بهذه الصفة ، قاله الضحاك .
الثاني : أنه القرآن ) ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ( وهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنون به ، قاله الحسن .
قال الحسن : أعطيت هذه الأمة الحفظ وكان من قبلها لا يقرأُون كتابهم إلا نظراً فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيين .
وقال كعب في صفة هذه الأمة : إنهم حلماء علماء كأنهم في الفقه أنبياء .

صفحة رقم 288
) وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ ( قال ابن عباس : المشركون
. ( العنكبوت : ( 50 - 52 ) وقالوا لولا أنزل . . . . .
" وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون " ( قوله تعالى : ) وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَاتٌ مِّن رَّبِهِ ( وفيه قولان
: أحدهما : أنهم كانواْ يسألونه آيات يقترحونها عليه كما كان يفعله مشركو قريش أن يجعل الصفا ذهباً وأن يجري بمكة نهراً .
الثاني : أنهم سألوه مثل آيات الأنبياء قبله كما جاء صالح بالناقة وموسى بالعصا وعيسى بإحياء الموتى .
) قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ ( أي أن الله هو الذي يعطي ما يشاء من الآيات لمن يشاء من الأنبياء بحسب ما يرى من المصلحة ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها وإنما جاء كل نبي بنوع منها .
) وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( يعني أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مندوب للإنذار والبيان لا لما يقترح عليه من الآيات وإنما يلزم أن يأتي بما يشهد بصدقه من المعجزات وقد فعل الله ذلك فأجابهم به فقال .
) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ( يعني القرآن يتلى عليهم وفيه وجهان :
أحدهما : أولم يكفهم من الآيات التي سألوها أنا أنزلنا عليك الكتاب آية لك ودليلاً على صدقك لما فيه من الإعجاز في نظمه وصدق خبره وصحة وعده ؟
الثاني : أنه محمول على ما رواه عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : أتي

صفحة رقم 289
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بكتاب في كتف فقال : كفى بقوم حمقاً أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله ) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكَتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ( .
) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( يعني استنقاذهم من الضلال ، وبالذكرى إرشادهم إلى الحق .
) لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( أي يريدون الإيمان ولا يقصدون العناد
. قوله تعالى : ) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شِهِيداً ( يعني شهيداً بالصدق والإبلاغ ، وعليكم بالتكذيب والعناد .
) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ( وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم لأنهم قد أقرواْ بعلمه فلزمهم أن يقرواْ بشهادته .
) وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْبَاطِلِ ( فيه وجهان
: أحدهما : بإبليس ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : بعبادة الأَوثان والأصنام ، قاله ابن شجرة .
) وَكَفَرُوا بِاللَّهِ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : لتكذيبهم برسله وجحدهم لكتبه .
الثاني : بما أشركوه معه من الآلهة وأضافوه إليه من الأولاد والأنداد .
) أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : خسروا أنفسهم بإهلاكها ، قاله علي بن عيسى .
الثاني : خسروا في الآخرة نعيم الجنة بعذاب النار ، قاله يحيى بن سلام .
( العنكبوت : ( 53 - 55 ) ويستعجلونك بالعذاب ولولا . . . . .
" ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون " ( قوله تعالى : ) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ( فيه وجهان
:

صفحة رقم 290
أحدهما : أن استعجالهم له شدة عنادهم لنبيه .
الثاني : أنه استهزاؤهم بقولهم : ) إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِن عِندِكَ ( [ الأنفال : 32 ] الآية .
) وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنه يوم القيامة ، قاله ابن جبير .
الثاني : أجل الحياة إلى حين الموت وأجل الموت إلى حين البعث إليه بين أجلين من الله ، قاله قتادة .
الثالث : أنه النفخة الأولى ، قاله يحيى بن سلام .
) لَّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ ( يعني الذي استعجلوه
. ) وَلَيِأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً ( أي فجأة
. ) وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ( لا يعلمون بنزوله بهم
. روى نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَْكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ تَصِلُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) . ( العنكبوت : ( 56 - 63 ) يا عبادي الذين . . . . .
" يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون " (

صفحة رقم 291
قوله تعالى : ) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ءَآمَنُواْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ( فيه خمسة تأويلات
: أحدها : أي جانبوا أهل المعاصي بالخروج من أرضهم ، قاله ابن جبير وعطاء .
الثاني : اطلبوا أولياء الله إذا ظهروا بالخروج إليهم ، قاله أبو العالية .
الثالث : جاهدوا أعداء الله بالقتال لهم ، قاله مجاهد .
الرابع : إن رحمتي واسعة لكم ، قاله مطرف بن عبد الله .
الخامس : إن رزقي واسع لكم ، وهو مروي عن مطرف أيضاً .
) فَإِيَّايَ فَاعْبدُونِ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : فارهبون ، قاله بلال بن سعد .
الثاني : فاعبدون بالهجرة إلى المدينة ، قاله السدي .
الثالث : فاعبدون بألا تطيعوا أحداً في معصيتي ، قاله علي بن عيسى .
قوله : ) كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ( وفيه وجهان :
أحدهما : يعني أن كل حي ميت .
الثاني : أنها تجد كربه وشدته ، وفي إعلامهم بذلك وإن كانوا يعلمونه وجهان :
أحدهما : إرهاباً بالموت ليقلعوا عن المعاصي .
الثاني : ليعلمهم أن أنبياء الله وإن اختصوا بكرامته وتفردوا برسالته فحلول الموت بهم كحلوله بغيرهم حتى لا يضلوا بموت من مات منهم ، وروى جعفر

صفحة رقم 292
الصادق عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال لما توّفي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، ) كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمُوتِ ( ، إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخَلَفاً من كل هالك ودركاً من كل فائت ؛ فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حُرِمَ الثواب .
) ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( يريد البعث في القيامة بعد الموت في الدنيا . قوله تعالى : ) . . . لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً ( قرأ حمزة والكسائي ) لَنُثَوِّيَنَّهُم ( بالثاء من الثواء وهو طول المقام وقرأ الباقون بالباء ) لَنُبَوِّئَنَّهُم ( معناه لنسكننهم أعالي البيوت . وإنما خصهم بالغرف لأمرين :
أحدهما : أن الغرف لا تستقر إلا فوق البيوت فصار فيها جمع بين أمرين .
الثاني : لأنها أنزه من البيوت لإشرافها وألذ سكنى منها لرياحها وجفافها .
وقد روى أبو مالك الأشعري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنِها ، وَبَاطِنُها مِن ظَاهِرِهَا ، أَعدَّهَا اللَّهُ لِمَن أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَطَابَ الكَلاَمَ وَتَابَعَ الصَّلاَةَ وَالصِّيَامَ وَقَامَ باللِّيلِ وَالنَّاسُ نِيامٌ ) . قوله : ) وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ( فيه أربعة أقاويل
:

صفحة رقم 293
أحدها : معناه تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئاً ، قاله مجاهد .
الثاني : تأكل لوقتها ولا تدخر لغدها ، قاله الحسن .
الثالث : يأتيها من غير طلب .
الرابع : أنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكل ولا يدخر ، حكاه النقاش .
قال ابن عباس : الدواب هو كل ما دب من الحيوان . وكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر .
) اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ( أي يسوي بين الحريص المتوكل في رزقه وبين الراغب القانع وبين الجلود والعاجز حتى لا يغتر الجلْد أنه رزق بجلده ولا يتصور العاجز أنه ممنوع بعجزه .
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية لما أُذن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الهجرة وأمر المسلمين بها خافوا الضيعة والجوع فقال قوم نهاجر إلى بلد ليس فيها معاش فنزلت هذه الآية فهاجرواْ .
( العنكبوت : ( 64 - 66 ) وما هذه الحياة . . . . .
" وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون " ( قوله تعالى : ) إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ( قال الضحاك : الحياة الدائمة وقال أبو عبيدة : الحيوان والحياة واحد .
( العنكبوت : ( 67 - 69 ) أو لم يروا . . . . .
" أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " (

صفحة رقم 294
قوله : ) أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءَآمِناً ( قال عبد الرحمن بن زيد : هي مكة وهم قريش أمنهم الله بها .
) وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ( قال الضحاك : يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً فأذكرهم الله بهذه النعمة ليذعنوا له بالطاعة .
) أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أفبالشرك ، قاله قتادة .
الثاني : بإبليس ، قاله يحيى بن سلام .
) وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : بعافية الله ، قاله ابن عباس .
الثاني : بعطاء الله وإحسانه ، قاله ابن شجرة .
الثالث : ما جاء به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الهدى ، قاله يحيى بن سلام .
الرابع : بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف ، حكاه النقاش ، وهذا تعجب وإنكار خرج مخرج الاستفهام .
قوله تعالى : ) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ( بأن جعل لله شريكاً أو ولداً .
) أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : بالتوحيد ، قاله السدي .
الثاني : بالقرآن ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن شجرة .
) مَثْوًى . . . ( أي مستقراً
. قوله : ) وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : قاتلوا المشركين طائعين لنا .
الثاني : جاهدوا أنفسهم في هواها خوفاً منا .
الثالث : اجتهدوا في العمل بالطاعة والكف عن المعصية رغبة في ثوابنا وحذراً من عقابنا .
الرابع : جاهدوا أنفسهم في التوبة من ذنوبهم .

صفحة رقم 295
) لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يعني الطريق إلى الجنة ، قاله السدي .
الثاني : نوفقهم لدين الحق ، حكاه النقاش .
الثالث : معناه الذين يعملون بما يعلمون يهديهم لما لا يعلمون ، قاله عباس أبو أحمد .
الرابع : معناه لنخلصنّ نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم ، قاله يوسف بن أسباط .
) وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ( أي في العون لهم ، الله أعلم .

صفحة رقم 296
سورة الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
( الروم : ( 1 - 7 ) الم
" الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " ( قوله تعالى : ) الم . غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ ( الآية . روى ابن جبير عن ابن عباس قال : كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان .
قال ابن شهاب : فغلبت فارس الروم فسر بذلك المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم ستغلبوننا لأنكم أهل كتاب ، وقد غلبت فارس الروم والروم أهل كتاب .
وقيل : إنه كان آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى فيها بيت النار فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فساءه فأنزل الله هاتين الآيتين فلما قال :
) وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيْغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ( سر بذلك المسلمون وبادر أبو

صفحة رقم 297
بكر رضي الله عنه إلى مشركي قريش فأخبرهم بما أنزل عليهم وأن الروم ستغلب الفرس . قال قتادة : فاقتمر أبو بكر والمشركون على ذلك ، وذلك قبل تحريم القمار مدة اختلف الناس فيها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : مدة ثلاث سنين تظهر الروم فيها على فارس ، قاله السدي .
الثاني : خمس سنين ، قاله قتادة .
الثالث : سبع سنين ، قاله الفراء .
وكان الذي تولى ذلك من المسلمين أبو بكر رضي الله عنه ، واختلف في الذي تولاه من المشركين مع أبي بكر على قولين :
أحدهما : أنه أبو سفيان بن حرب ، قاله السدي .
الثاني : أنه أُبي بن خلف ، قاله قتادة . وحكىالنقاش أن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عَلِق به أبي بن خلف وقال : اعطني كفيلاً بالخطر إن غلبت فكفله ابنه عبد الرحمن .
واختلف في قدر العوض المبذول على قولين :
أحدهما : أربع قلائص ، قاله عامر .
الثاني : خمس قلائص ، قاله قتادة .
فلما علم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن أبا بكر لهم هذه المدة أنكرها وقال : ( مَا حَمَلَكَ عَلَىَ مَا فَعَلْتَ ؟ ) قال : ثقة بالله وبرسوله ، قال : ( فَكَم البِضْعُ ) قال : ما بلغ بين الثلاث والعشر فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( زِدْهُم فِي الخَطَرِ فِي وَزِدْ الأَجَلِ ) فزادهم قلوصين وازداد منهم في الأجل سنتين فصارت القلائص ستاً على القول الأول ، وسبعاً على الثاني ، وصار الأجل خمساً على القول الأول ، وسبعاً على الثاني : وتسعاً على الثالث .
واختلف في الاستزاده والزيادة على قولين :
أحدهما : أنها كانت بعد انقضاء الأجل الأول قبل ظهور الغلبة ، قاله عامر .

صفحة رقم 298
الثاني : أنها كانت قبل انقضاء الأجل الأول ، قاله ابن شهاب ، فأظفر الله الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني تصديقاً لخبره في التقدير ولرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) في التنزيل .
واختلف في السنة التي غلبت الروم أهل فارس على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها عام بدر ظهر الروم على فارس فيه وظهر المسلمون على قريش فيه ، قاله أبو سعيد ، قال : فكان يوم بدر . الثاني : أن ظهور فارس على الروم كان قبل الهجرة بسنتين ، وظهور المسلمين على قريش كان في عام بدر بعد الهجرة بسنتين ، ولعله قول عكرمة .
الثالث : عام الحديبية ظهرت الروم على فارس وكان ظهور المسملين على المشركين في الفتح بعد مدة الحديبية ، قاله عبيد الله بن عبد الله .
فأما قوله تعالى : ) فِي أَدْنَى الأَرْضِ ( ففيه قولان :
أحدهما : في أدنى أرض فارس ؛ حكاه النقاش .
الثاني : في أدنى أرض الروم ، وهو قول الجمهور وفي أدنى أرض الروم أربعة أقاويل :
أحدها : أطراف الشام ، قاله ابن عباس .
الثاني : الجزيرة وهي أقرب أرض الروم إلى فارس ، قاله مجاهد .
الثالث : الأردن وفلسطين ، قاله السدي .
الرابع : أذرعات الشام وكانت بها الوقعة ، قاله يحيى بن سلام .
وقرأ أبو عمرو وحده : ) غَلَبَتِ ( بالفتح أي ظهرت فقيل له علام غلبت ؟ فقال : في أدنى ريف الشام .
قوله تعالى : ) فِي بِضْعِ سِنِينَ ( وهو ما بين الثلاث إلى العشر وهذا نص عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . وقال بعض أهل اللغة هو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة فيكون من الثاني إلى التاسع .
وأما النيف ففيه قولان :
أحدهما : ما بين الواحد والتسعة ، قاله ابن زيد .
الثاني : ما بين الواحد والثلاثة ، وهو قول الجمهور .

صفحة رقم 299
) لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ( فيه وجهان
: أحدهما : من قبل أن تغلب الروم ومن بعد ما غلبت .
الثاني : من قبل غلبة دولة فارس على الروم ومن بعد غلبة دولة الروم على فارس .
) وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ( فيه قولان
: أحدهما : أنه الخبر الذي ورد على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الحديبية بهلاك كسرى ففرح ومن معه فكان هذا يوم فرحهم بنصر الله لضعف الفرس وقوة العرب .
الثاني : يعني به نصر الروم على فارس .
وفي فرحهم بذلك ثلاثة أوجه :
أحدها : تصديق خبر الله وخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : لأنهم أهل كتاب مثلهم .
الثالث : لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين .
) بِنَصْرِ اللَّهِ ( يعني من أوليائه لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصر وإنما هو ابتلاء .
) وَهُوَ الْعَزِيزُ ( في نقمته ) الرَّحِيمُ ( لأهل طاعته
. قوله تعالى : ) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( فيه وجهان :
أحدهما : يعلمون أمر معايشهم متى يزرعون ومتى يحصدون وكيف يغرسون وكيف يبنون ، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة . وقال الضحاك : هو بنيان قصورها وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها فهذا ظاهر الحياة الدنيا .

صفحة رقم 300
الثاني : يعلمون ما ألقته الشياطين لهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع من سماء الدنيا ، قاله ابن جبير .
ويحتمل ثالثاً : أن ظاهر الحياة الدنيا العمل لها ، وباطنها عمل الآخرة .
) وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : عما أعده الله في الآخرة من ثواب عن طاعته وعقاب على معصيته .
الثاني : عما أمرهم الله به من طاعة وألزمهم إياه .
( الروم : ( 8 - 10 ) أو لم يتفكروا . . . . .
" أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون " ( قوله تعالى : ) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ( يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : بالعدل .
الثاني : بالحكمة .
الثالث : إلا ما استحق عليهم الطاعة والشكر .
والرابع : قاله الفراء ، معناه إلا للحق يعني الثواب والعقاب .
) وَأَجَلِ مُّسَمًّى ( فيه وجهان
: أحدهما : قيام الساعة ، قاله ابن عباس .
الثاني : وهو محتمل أنه أجل كل مخلوق على ما قدر له .
فدل ذل على أمرين :
أحدهما : دل به على الفناء وعلى أن لكل مخلوق أجلاً .
الثاني : نبه على ثواب المحسن وعقاب المسيء .

صفحة رقم 301
قوله تعالى : ) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَآءُواْ ( قال ابن عباس : كفرواْ .
) السُّوأَى ( فيه وجهان
: أحدهما : جهنم ، قاله السدي .
الثاني : العذاب في الدنيا والآخرة ، قاله الحسن .
وفي الفرق بين الإساءة والسوء وجهان :
أحدهما : أن الإساءة إنفاق العمر في الباطل ، والسوء إنفاق رزقه في المعاصي .
الثاني : أن الإِساءَة فعل المسيء والسوء الفعل مما يسوء .
) أَن كَذَّبُواْ ( لأن كذبواْ
. ) بِئَايَاتِ اللَّهِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن ، قاله الكلبي .
الثاني : بالعذاب أن ينزل بهم ، قاله مقاتل .
الثالث : بمعجزات الرسل ، قاله الضحاك .
) وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ ( أي بالآيات .
( الروم : ( 11 - 16 ) الله يبدأ الخلق . . . . .
" الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون " ( قوله تعالى : ) يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ( فيه ستة أوجه
: أحدها : أنه الفضيحة ، قاله مجاهد .
الثاني : الاكتئاب ، قاله ابن أبي نجيح .
الثالث : الإياس ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 302
الرابع : الهلاك ، قاله السدي .
الخامس : الندامة ، قاله ابن قتيبة .
السادس : الحيرة ، قال العجاج :
يا صاح هل تعرف رسْماً مكرساً
قال نعم أعرفه وأبلسَا
قوله تعالى : ) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : في الجزاء بالثواب والعقاب .
الثاني : في المكان بالجنة والنار .
قوله تعالى : ) . . . فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يَحْبَرُونَ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يمكرون ، قاله ابن عباس .
الثاني : ينعمون ، قاله مجاهد وقتادة .
الثالث : يتلذذون بالسماع والغناء ، قاله يحيى بن أبي كثير .
الرابع : يفرحون ، قاله السدي . والحبرة عند العرب السرور والفرح قال العجاج :
فالحمد لله الذي أعطى الحبر
موالي الحي إن المولى يَسَر
فأما الروضة فهي البستان المتناهي منظراً وطيباً ولم يكن عند العرب أحسن منظراً ولا أطيب منها ريحاً قال الأعشى :
ما روضة من رياض الحزن معشبةٌ
خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضحك الشمس منها كوكب شَرِقٌ
مؤزر بعميم النبت مكتهل
يوماً بأطيب منها نشر رائحةٍ
ولا بأحسن منها إذا دنا الأُصُل
قوله تعالى : ) فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : مدخلون ، قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 303
الثاني : نازلون ومنه قوله : ) إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ ( " [ البقرة : 180 ] و [ المائدة : 106 ] أي نزل به . الثالث : مقيمون ، قاله ابن شجرة .
الرابع : معذبون .
الخامس : مجموعون ، ومعاني هذه التأويلات متقاربة .
( الروم : ( 17 - 19 ) فسبحان الله حين . . . . .
" فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون " ( قوله : ) فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ( وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان :
أحدهما : لما تضمنتها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود .
الثاني : مأخوذ من السبحة ، والسبحة الصلاة ، ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( تَكُونُ لَكُم سَبْحَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ ) أي صلاة .
وقوله : ) حِينَ تُمْسُونَ ( أي صلاة المغرب والعشاء ، قاله ابن عباس وابن جبير والضحاك .
) وَحِينَ تُصْبِحُونَ ( صلاة الصبح في قولهم أيضاً .
) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ ( فيه قولان :
أحدهما : الحمد لله على نعمه وآلائه .
الثاني : الصلاة لاختصاصها بقراءة الحمد في الفاتحة .
) وَعَشِّياً ( يعني صلاة العصر .
) وَحِينَ تَظْهِرُونَ ( يعني صلاة الظهر وإنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب حمد الله عليها ، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار ، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل .

صفحة رقم 304
والفرق بين المساء والعشي أن المساء بدو الظلام بعد المغيب ، والعشي آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس ، فجاءت هذه الآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس ، وقد روى سفيان عن عاصم أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس : هل تجد في كتاب الله الصلوات الخمس ؟ فقرأ هذه الآية .
قال يحيى ابن سلام : كل صلاة ذكرت في كتاب الله قبل الليلة التي أسري فيها برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فليست من الصلوات الخمس لأنها فرضت في الليلة التي أسري به فيها وذلك قبل الهجرة بسنة ، قال : وهذه الآية نزلت بعد ليلة الإسراء وقبل الهجرة .
) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يخرج الإنسان الحي من النطفة الميتة ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي ، قاله ابن مسعود وابن عباس وأبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وابن جبير .
الثاني : يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه والزهري ، ورواه الأسود بن عبد يغوث عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .

صفحة رقم 305
الثالث : يخرج الدجاجة من البيضة ويخرج البيضة من الدجاج ، قاله عكرمة .
الرابع : يخرج النخلة من النواة ويخرج النواة من النخلة ؛ والسنبلة من الحبة والحبة من السنبلة ، قاله ابن مالك والسدي .
ويحتمل خامساً : يخرج الفطن اللبيب من العاجز البليد ويخرج العاجز البليد من الفطن اللبيب .
) وَيُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ( يعني بالنبات لأنه حياة أهلها فصار حياة لها
. ويحتمل ثانياً : أنه كثرة أهلها لأنهم يحيون مواتها ويعمرون خرابها .
) وَكَذِلِكَ تُخْرَجُونَ ( أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات وأحيا الموتى كذلك يحييكم بالبعث . وفي هذا دليل على صحة القياس .
( الروم : ( 20 - 21 ) ومن آياته أن . . . . .
" ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ( قوله تعالى : ) وَمِنَ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ( فيه قولان :
أحدهما : حواء خلقها من ضلع آدم ، قاله قتادة .
الثاني : أن خلق سائر الأزواج من أمثالهم من الرجال والنساء ، قاله علي بن عيسى .
) لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا ( لتأنسوا إليها لأنه جعل بين الزوجين [ من ] الأنسية ما لم يجعله بين غيرهما .
) وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ( فيه أربعة :
أحدها : أن المودة المحبة والرحمة والشفقة ، قاله السدي .
الثاني : أن المودة الجماع والرحمة الولد ، قاله الحسن .
الثالث : أن المودة حب الكبير والرحمة الحنو على الصغير ، قاله الكلبي .
الرابع : أنهما التراحم بين الزوجين ، قاله مقاتل .

صفحة رقم 306
) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : يتفكرون في أن لهم خالقاً معبوداً .
الثاني : يتفكرون في البعث بعد الموت . ( الروم : ( 22 - 23 ) ومن آياته خلق . . . . .
" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون " ( قوله : ) وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ( فيه وجهان
: أحدهما : لما فيهما من الآيات والعبر .
الثاني : لإعجاز الخلق عن إحداث مثلهما .
) وَاخْتلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : اختلاف ألسنتكم بالكلام ، فللعرب كلام وللفرس كلام وللروم كلام . وألوانكم أبيض وأسود وأحمر ، قاله السدي ، وحكى وهب بن منبه في المبتدأ أن جميع الألسنة اثنان وسبعون لساناً منها في ولد سام بن نوح تسعة عشر لساناً ، وفي ولد حام سبعة عشر لساناً ، وفي ولد يافث ستة وثلاثون لساناً .
والوجه الثاني : اختلاف ألسنتكم : النغمة والصوت حتى لا يشتبه صوتان من أخوين لأم وأب ، وألوانكم : الصورة حتى لا يشتبه الناس في المعارف والمناكح والحقوق .
) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ( قال ابن عيسى : الجن والإنس . وروى حفص عن عاصم ) للعالمين ( بكسر اللام يعني جميع العلماء .
قوله : ) وَمِنْ ءَايَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الليل والنهار معاً وقت للنوم ووقت لابتغاء الفضل ، لأن من الناس من يتصرف في كسبه ليلاً وينام نهاراً .
الثاني : أن الليل وقت النوم والنهار وقت لابتغاء الفضل ، ويكون تقدير الكلام :

صفحة رقم 307
ومن آياته منامكم بالليل ، وابتغاؤكم من فضله بالنهار .
وفي ابتغاء الفضل وجهان :
أحدهما : التجارة ، قاله مجاهد .
الثاني : التصرف والعمل . فجعل النوم في الليل دليلاً على الموت ، والتصرف في النهار دليلاً على البعث .
) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ( فيه ثلاث أوجه
: أحدها : يسمعون الحق فيتبعونه .
الثاني : يسمعون الوعظ فيخافونه .
الثالث : يسمعون القرآن فيصدقونه .
( الروم : ( 24 - 25 ) ومن آياته يريكم . . . . .
" ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون " ( قوله تعالى : ) وَمِن ءَايَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : خوفاً للمسافر وطمعاً للمقيم ، قاله قتادة .
الثاني : خوفاً من الصواعق وطمعاً في الغيث ، قاله الضحاك .
الثالث : خوفاً من البرد أن يهلك الزرع وطمعاً في المطر أن يحيي الزرع ، حكاه يحيى بن سلام .
الرابع : خوفاً أن يكون البرق برقاً خُلّباً لا يمطر وطمعاً أن يكون ممطراً ، ذكره ابن بحر ، وأنشد قول الشاعر :
لا يكن برقك برقاً خُلّباً
إن خير البرق ما الغيث معه
والعرب يقولون : إذا توالت أربعون برقة مطرت وقد أشار المتنبي إلى ذلك بقوله :

صفحة رقم 308
فقد أرد المياه بغير زادٍ
سوى عَدّي لها بَرْق الغمام
قوله تعالى : ) وَمِنْ ءَآيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السَّمَآءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون .
الثاني : أن تثبت .
) بِأَمْرِهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : بتدبيره وحكمته .
الثاني : بإذنه لها أن تقوم بغير عمد .
) ثُمَّ إِذا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنْ الأَرْضِ ( أي وأنتم موتى في قبوركم
. ) إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ( أي من قبوركم مبعوثين إلى القيامة . قال قتادة : دعاهم من السماء فخرجوا من الأرض .
ثم فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه أخرجهم بما هو بمنزلة الدعاء وبمنزلة قوله كن فيكون ، قاله ابن عيسى .
الثاني : أنهم أخرجهم بدعاء دعاهم به ، قاله قتادة .
الثالث : أنه أخرجهم بالنفخة الثانية وجعلها دعاء لهم . ويشبه أن يكون قول يحيى بن سلام .
( الروم : ( 26 - 27 ) وله من في . . . . .
" وله من في السماوات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ( قوله : ) . . . كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : مطيعون ، قاله مجاهد . روى أبو سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة .

صفحة رقم 309
الثاني : مصلون ، قاله ابن عباس .
الثالث : مقرون بالعبودية ، قاله عكرمة وأبو مالك والسدي .
الرابع : كل له قائم يوم القيامة ، قاله الربيع بن أنس .
الخامس : كل له قائم بالشهادة أنه عبد له ، قاله الحسن .
السادس : أنه المخلص ، قاله ابن جبير .
قوله تعالى : ) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولادته ، وأما إعادته فإحياؤه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلاً على ما خفي من إعادته استدلالاً بالشاهد على الغائب .
ثم أكد ذلك بقوله : ) وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ( وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إن إعادة الخلق أهون من ابتداء إنشائهم لأنهم ينقلون في الابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم يعود رضيعاً ثم فطيماً ، وهو في الإعادة يصاح به .
فيقوم سوياً وهذا مروي عن ابن عباس .
الثالث : معناه وهو هين عليه فجعل ) أهْونُ ( مكان ) هَيِّنٌ ( كقول الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتاً دعائمه أعز وأطول
أي دعائمه عزيرة طويلة :
وفي تأويل ) أَهْوَنُ ( وجهان :
أحدهما : أيسر ، قاله ابن عباس .
الثاني : أسهل ، وأنشد ابن شجرة قول الشاعر :

صفحة رقم 310
وهان على أسماءَ أن شطت النوى
يحن إليها والهٌ ويتوق
أي هي أسهل عليه ، وقال الربيع بن هيثم في قوله تعالى : ) وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ( قال : ما شيء على الله بعزيز .
) وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى ( أي الصفة العليا . وفيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه ليس كمثله شيء ، قاله ابن عباس .
الثاني : هو شهادة أن لا إله إلا الله ، قاله قتادة .
الثالث : أنه يحيي ويميت ، قاله الضحاك .
ويحتمل رابعاً : - هو أعلم - أنه جميع ما يختص به من الصفات التي لا يشاركه المخلوق فيها .
) فِي السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ( أي لا إله فيها غيره
. ) وَهُوَ الْعَزِيزُ ( فيه وجهان
: أحدهما : المنيع في قدرته .
الثاني : في انتقامه .
) الْحَكِيمُ ( فيه وجهان
: أحدهما : في تدبيره لأمره وهو معنى قول أبي العالية .
الثاني : في إعذاره وحجته إلى عباده ، قاله جعفر بن الزبير .
( الروم : ( 28 - 29 ) ضرب لكم مثلا . . . . .
" ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين " ( قوله تعالى : ) ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ ( اختلف في سبب ضرب الله لهم المثل على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأن المشركين أشركوا به في العبادة غيره ، قاله قتادة .
الثاني : لأنه كانت تلبية قريش في الجاهلية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك

صفحة رقم 311
لك ، إلا شريكاً وهو لك ، تملكه وما ملك ، فأنزل الله هذه الآية ، قاله ابن جبير .
الثالث : لأنهم كانوا لا يورثون مواليهم فضرب الله هذا المثل ، قاله السدي .
وتأويله : أنه لم يشارككم عبيدكم في أموالكم لأنكم مالكون لهم ، فالله أوْلى ألا يشاركه أحد من خلقه في العبادة لأنه مالكهم وخالقهم .
) تَخَافُونَهُم كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : تخافون أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون ذلك من شركائكم ، قاله أبو مجلز .
الثاني : تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم ، قاله السدي .
الثالث : تخافون لائمتهم كما تخافون بعضكم بعضاً ، قاله يحيى بن سلام .
( الروم : ( 30 - 32 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
" فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون " ( قوله تعالى : ) فَأَقِمْ وَجْهَكَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قصدك .
الثاني : دينك ، قاله الضحاك .
الثالث : عملك ، قاله الكلبي .
) لِلدِّينِ حَنِيفاً ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : مسلماً ، وهذا قول الضحاك .
والثاني : مخلصاً ، وهذا قول خصيف .
الثالث : متبعاً ، قاله مجاهد .
الرابع : مستقيماً ، قاله محمد بن كعب .
الخامس : حاجّاً ، قاله ابن عباس .
السادس : مؤمناً بالرسل كلهم ، قاله أبو قلابة .

صفحة رقم 312
) فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ( فيها تأويلان :
أحدهما : صنعة الله التي خلق الناس عليها ، قاله الطبري .
الثاني : دين الله الذي فطر خلقه عليه ، قاله ابن عباس والضحاك والكلبي يريد به الإسلام وقد روى عطاء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( مِن فِطْرةِ إِبْرَاهِيمَ السُّوَاكُ ) ومن قول كعب بن مالك :
إن تقتولنا فدين الله فطرتنا
والقتل في الحق عند الله تفضيل
) لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لا تبديل لدين الله ، قاله مجاهد وقتادة .
الثاني : لا تغيير لخلق الله من البهائم أن يخصي فحولها ، قاله عمر بن الخطاب وابن عباس وعكرمة .
الثالث : لا تبديل خالق غير الله فيخلق كخلق الله ، لأنه خالق يخلق ، وغيره مخلوق لا يخلق ، وهو معنى قول ابن بحر .
ويحتمل رابعاً ، لا يشقى من خلقه سعيداً ولا يسعد من خلقه شقيّاً .
) ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ( فيه تأويلان
: أحدهما : ذلك الحساب البين ، قاله مقاتل بن حيان .
الثاني : ذلك القضاء المستقيم ، قاله ابن عباس .
) وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( أي لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً وإلهاً قديماً :

صفحة رقم 313
قوله : ) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : مقبلين إليه ، قاله يحيى بن سلام والفراء .
الثاني : داعين إليه ، قاله عبيد بن يعلى .
الثالث : مطيعين له ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
الرابع : تائبين إليه من الذنوب ، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :
فإن تابوا فإن بني سليم
وقومهم هوازن قد أنابوا
وفي أصل الإنابة قولان
: أحدهما : أن أصله القطع ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة .
الثاني : أن أصله الرجوع مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة .
قوله تعالى : ) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ( أي أوقعوا فيه الاختلاف حتى صاروا فرقاً وقرىء ) فَارَقُواْ دِينَهُم ( أي تركوه وقد قرأ بذلك علي رضي الله عنه وهي قراءة حمزة والكسائي وفيهم أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود ، قاله قتادة .
الثاني : أنهم اليهود والنصارى ، قاله معمر .
الثالث : أنهم الخوارج من هذه الأمة ، وهذا قول أبي هريرة ورواه أبو أمامة مرفوعاً .
الرابع : أنهم أصحاب الأهواء والبدع ، روته عائشة مرفوعاً .

صفحة رقم 314
) وَكَانُواْ شِيَعاً ( فيه وجهان
: أحدهما : فرقاً ، قاله الكلبي .
الثاني : أدياناً ، قاله مقاتل .
ويحتمل ثالثاً : أنهم أنصار الأنبياء وأتباعهم .
) كُلُّ حِزْبٍ ( أي فرقة
. ) بِمَا لَدَيْهِمْ فِرِحُونَ ( أي بما عندهم من الضلالة
. ) فَرِحُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : مسرورون ، قاله الجمهور .
الثاني : معجبون ، قاله ابن زيد .
الثالث : متمسكون ، قاله مجاهد .
( الروم : ( 33 - 37 ) وإذا مس الناس . . . . .
" وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " ( قوله : ) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً ( فيه أربعة تأويلات :

صفحة رقم 315
أحدها : يعني كتاباً ، قاله الضحاك .
الثاني : عذراً ، قاله قتادة .
الثالث : برهاناً ، وهو معنى قول السدي وعطاء .
الرابع : رسولاً ، حكاه ابن عيسى محتملاً .
) فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : معناه يخبر به .
الثاني : يحتج له .
قوله : ) وَإِذَآ أَذَقْنا النَّاسَ رَحْمَةً ( فيها وجهان :
أحدهما : أنها العافية والسعة ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : النعمة والمطر ، حكاه النقاش .
ويحتمل أنها الأمن والدعة .
) فَرِحُواْ بِهَا ( أي بالرحمة
. ) وَإِن تُصِبْهُمْ سِيِّئَةً ( فيها وجهان
: أحدهما : بلاء وعقوبة ، قاله مجاهد .
الثاني : قحط المطر ، قاله السدي .
ويحتمل ثالثاً : أنها الخوف والحذر .
) بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ( أي بذنوبهم
. ) إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن القنوط اليأس من الرحمة والفرج ، قاله الجمهور .
الثاني : أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر ، قاله الحسن .
( الروم : ( 38 - 40 ) فآت ذا القربى . . . . .
" فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم

صفحة رقم 316
هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون " ( قوله : ) فَئَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ( فيهم وجهان :
أحدهما : أنهم قرابة الرجل ، أن يصل رحمهم بماله ونفسه ، قاله الحسن وقتادة .
الثاني : أنهم ذوو قرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب يعطون حقهم من الغنيمة والفيء ، قاله السدي .
) وَالْمِسْكِينَ ( هو الذي لا يجد كفايته .
) وَابْنَ السَّبِيلِ ( فيه قولان
: أحدهما : المسافر ، قاله مجاهد فإن كان محتاجاً فحقه في الزكاة وإن كان غير محتاج فبرّاً وصلة .
الثاني : أنه الضيف الذي ينزل بك ، قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة ، فإن أطعمه كان برّاً وصلة ولم يجز أن يكون من الزكاة محتاجاً كان أو غير محتاج . وإن دفعت إليه مالاً جاز إذا كان فقيراً أن يكون من الزكاة ، ولم يجز إن كان غنيّاً .
قوله : ) وَمَاءَ آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللَّهِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الرجل يهدي هدية ليكافأ عليها أفضل منها ، قاله ابن عباس ومجاهد .
الثاني : أنه في رجل صحبه في الطريق فخدمه فجعل له المخدوم بعض الربح من ماله جزاء لخدمته لا لوجه الله ، قاله الشعبي .
الثالث : أنه في رجل يهب لذي قرابة له مالاً ليصير به غنيّاً ذا مال ولا يفعله طلباً لثواب الله ، قاله إبراهيم .
ومعنى قوله : ) فَلاَ يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ ( أي فلا يكون له ثواب عند الله .
قال ابن عباس : هما رِبَوان أحدهما حلال والآخر حرام ، فما تعاطيتم بينكم حلال ولا يصل إلى الله .

صفحة رقم 317
) وَمَا ءَآتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ( أي ثواب الله ، وفيها قولان
: أحدهما : أنها الزكاة المفروضة وهو الظاهر .
الثاني : أنها الصدقة ، قاله ابن عباس والسدي .
) فَأُوْلَئِكَ الْمُضْعِفُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : تضاعف لهم الحسنات لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، قاله السدي .
الثاني : تضاعف أموالهم في الدنيا بالزيادة فيها ، وقال الكلبي : لم يقل مال رجل من زكاة .
( الروم : ( 41 - 42 ) ظهر الفساد في . . . . .
" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين " ( قوله : ) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ( في ) الفَسَادِ ( أربعة أقاويل :
أحدها : الشرك ، قاله السدي .
الثاني : ارتكاب المعاصي ، قاله أبو العالية .
الثالث : قحط المطر ، قاله يحيى بن سلام .
الرابع : فساد البر : قتل ابن آدم أخاه ، وفساد البحر : أخذ السفينة غصباً .
ويحتمل خامساً : أن ظهور الفساد ولاة السوء .
) فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ( هنا أربعة أقاويل :
أحدها : أن البر الفيافي والبحر القرى ، قاله عكرمة ، وقال : إن العرب تسمي الأمصار البحار .

صفحة رقم 318
الثاني : البر أهل العمود والبحر أهل القرى والريف ، قاله قتادة .
الثالث : أن البر بادية الأعراب ، قاله الضحاك والبحر الجزائر ؛ قاله عطاء .
الرابع : أن البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر ، والبحر ما كان على شط نهر ، قاله ابن عباس .
وللمتعمقين في غوامض المعاني وجهان :
أحدهما : أن البر النفس والبحر القلب .
الثاني : أن البر اللسان والبحر القلب . لظهور ما على اللسان وخفاء ما في القلب . وهو بعيد .
) بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ( قال السدي : بما عملواْ من المعاصي واكتسبوا من الخطايا .
) لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ( من المعاصي جزاءً معجلاً في الدنيا وجزاءً مؤجلاً في الآخرة فصار عذاب الدنيا بعض الجزاء .
) لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يرجعون عن المعاصي ، قاله أبو العالية .
الثاني : يرجعون إلى حق ، قاله إبراهيم .
الثالث : يرجع من بعدهم ، قاله الحسن .
( الروم : ( 43 - 45 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
" فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين " ( قوله تعالى : ) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أقم وجهك للتوحيد ، قاله السدي .
الثاني : استقم للدين المستقيم بصاحبه إلى الجنة ، قاله ابن عيسى .
) مِن قَبْلِ يَأَتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ( يعني يوم القيامة .
) يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ( قال ابن عباس : معناه يتفرقون قال الشاعر :
وكنا كندماني جذيمة حقبةً
من الدهر حتى قيل له يتصدعا

صفحة رقم 319
أي لن يتفرقا .
ويحتمل وجهاً ثانياً : أنه ما يصدعهم يوم القيامة من أهوال .
وفيه قولان :
أحدهما : يتفرقون في عرصة القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير ، قاله قتادة .
الثاني : يتفرق المشركون وآلهتهم في النار ، قاله الكلبي .
قوله : ) . . . فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ( فيه تأويلان :
أحدهما : يسوون المضاجع في القبور ، قاله مجاهد .
الثاني : يوطئون في الدنيا بالقرآن وفي الآخرة بالعمل الصالح ، قاله يحيى بن سلام .
( الروم : ( 46 - 47 ) ومن آياته أن . . . . .
" ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين " ( قوله : ) وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ( قال الضحاك : بالغيث .
ويحتمل وجهاً ثانياً : بخصب الزمان وصحة الأبدان .
وقال أُبي بن كعب : كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة ، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب .
وقال عبد الله بن عمر : الريح ثمانية ، أربعة منها رحمة وأربعة منها عذاب ، فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات ، وأما العذاب فالعقيم والصرصر وهما في البر ، والعاصف والقاصف وهما في البحر .
) وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ( فيه تأويلان :
أحدهما : بردها وطيبها ، قاله الضحاك .
الثاني : المطر ، قاله مجاهد وقتادة .
) وَلِتَجْزِي الْفُلْكُ ( يعني السفن

صفحة رقم 320
. ) بِأمْرِهِ . . . ( يحتمل وجهين
: أحدهما : بقدرته في تسييرها .
الثاني : برحمته لمن فيها .
) . . . وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( يعني ما عدّده من نعمه فتطيعوه لأن طاعة العبد لربه في شكره لنعمته إذ ليس مع المعصية شكر ولا مع كفر النعمة طاعة .
قوله : ) . . . وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ( فيه وجهان :
أحدهما : نصر الأنبياء بإجابة دعائهم على المكذبين لهم من قومهم ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : نصر المؤمنين بإيجاب الذبّ عن أعراضهم ، روت أم الدرداء ، قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( مَا مِنِ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ إِلاَّ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَن يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامِةِ ) ثم تلا هذه الآية ) وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ( .
( الروم : ( 48 - 51 ) الله الذي يرسل . . . . .
" الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون " (

صفحة رقم 321
قوله : ) . . . وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : قطعاً ، قاله قتادة .
الثاني : متراكماً بعضه على بعض ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : في سماء دون سماء ، قاله الضحاك .
) فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ( أي من خلال السحاب . وقرأ الضحاك بن مزاحم : من خلله ، وفي ) الْوَدْقَ ( تأويلان :
أحدهما : أنه البرق ، حكاه أبو نخيلة الحماني عن أبيه .
الثاني : أنه المطر ، قاله مجاهد والضحاك ومنه قول الشاعر :
فلا مزنة ودقت ودْقُها
ولا أرض أبقل إبقالها
قوله : ) فَانظُرْ إِلَى ءَآثارِ رَحْمَةِ اللَّهِ ( يعني المطر
. ) كَيْفَ يُحْيي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهآ ( يعني بالماء حتى أنبتت شجراً ومرعى بعد أن كانت بالجدب مواتاً ، قال عكرمة : ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة .
) إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى ( لأن القادر على إحياء الأرض الموات قادر على إحياء الأموات استدلالاً بالشاهد على الغائب .
وتأول من تعمّق في غوامض المعاني آثار رحمة الله أنه مواعظ القرآن وحججه تحيي القلوب الغافلة .
قوله : ) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً ( فيه قولان :
أحدهما : فرأوا السحاب مصفراً ، لأن السحاب إذا كان كذلك لم يمطر ، حكاه علي ابن عيسى وقيل إنها الريح الدبور لأنها لا تلقح .
الثاني : فرأوا الزرع مصفراً بعد اخضراره ، قاله ابن عباس وأبو عبيدة .
) لَظَلُّواْ مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ( ومعنى ظل هو أنه أوقع الفعل في صدر النهار وهو الوقت الذي فيه الظل ، لأنه وقت مختص بأهم الأمور لتقديمه عن نّية من الليل . وكذلك قولهم أضحى يفعل ، لكن قد يعبر بقولهم ظل يفعل عن فعل أول النهار وآخره اتساعاً لكثرة استعماله ، وقلَّما يستعمل أضحى يفعل إلا في صدر النهار دون آخره .
ويحتمل ) يَكْفُرُونَ ( هنا وجهين :

صفحة رقم 322
أحدهما : يَشْكَونَ .
الثاني : يذمّون .
( الروم : ( 52 - 53 ) فإنك لا تسمع . . . . .
" فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " ( قوله : ) فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى ( فيه قولان
: أحدهما : أن الموتى الكفار الذين يموتون على الكفر وهم الصم الذين تولوا عن الهدى فلم يسمعوه ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أن هذا مثل ضربه الله للكافرين كما أن الميت إذا خوطب لم يسمع والأصم إذا دعي لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع الوعظ لأن الكفر قد أماته والضلال قد أصمه .
قوله : ) وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْ مُدْبِرِينَ ( فالأصم لا يسمع الدعاء مقبلاً ولا مدبراً ولكن إذا دعي مقبلاً فقد يفهم الإشارة وإن لم يسمع الصوت ، فإذا دعي مدبراً فهو لا يفهم الإشارة ولا يسمع الصوت فلذلك صارت حاله مدبراً أسوأ ، فذكره بأسوأ أحواله . وقيل إنها نزلت في بني عبد الدار .
( الروم : ( 54 ) الله الذي خلقكم . . . . .
" الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير " ( قوله : ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ( قال قتادة : من نطفة .
) ثُمَّ جَعَلَ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ( قاله مجاهد : شباباً .
) ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ( يعني هرماً وشيبة ، قال قتادة : لأن بياض الشعر نذير بالفناء ، قال الشاعر :
أُريت الشيب من نذر المنايا
لصاحبه وحسبك من نذير
) يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ( من قوة وضعف .
) وَهُوَ الْعَلِيمُ ( بتدبيره ) الْقَدِيرُ ( على إرادته .

صفحة رقم 323
( الروم : ( 55 - 57 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
" ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون " ( قوله تعالى : ) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ( قال ابن عباس : الكفار
. ) مَا لَبِثواْ غَيْرَ سَاعَةٍ ( فيه قولان
: أحدهما : في الدنيا استقلالاً لأجل الدنيا لما عاينوا من الآخرة ، قاله قتادة .
الثاني : في قبورهم ما بين موتهم ونشورهم ، قاله يحيى بن سلام .
) كَذلِكَ ( أي هكذا ، قاله ابن جبير
. ) كَانُواْ يُؤْفَكُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يكذبون في الدنيا ، قاله قتادة .
الثاني : يصدون في الدنيا عن الإيمان بالبعث . قاله يحيى بن سلام .
قوله : ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ( فيهم وجهان :
أحدهما : أنهم الملائكة ، قاله الكلبي .
الثاني : أهل الكتاب .
) وَالإِيمَانَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : الإيمان بالكتاب المتقدم من غير تحريف له ولا تبديل فيه .
الثاني : الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
) لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لقد لبثتم في علم الله ، قاله الفراء .
الثاني : لقد لبثتم بما بيانه في كتاب الله ، قاله ابن عيسى .
الثالث : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره : ) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ ( في كتاب الله والإيمان ) لَقَدْ لَبِثْتُم إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ( قاله قتادة .
وفي ) لَبِثْتُمْ ( قولان :
أحدهما : لبثوا في قبورهم .

صفحة رقم 324
الثاني : في الدنيا أحياء وفي قبورهم أموات .
) فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ( يعني الذي كذبتم به في الدنيا
. ) وَلكِنَّكُمْ كِنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ( أي لا تعلمون في الدنيا أن البعث حق وقد علمتم الآن أنه حق .
قوله : ) فَيَومَئِذٍ ( يعني يوم القيامة .
) لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ ( أي عذرهم الذي اعتذروا به في تكذيبهم
. ) وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : لا يعاتبون على سيئاتهم ، قاله النقاش .
الثاني : لا يستتابون ، قاله بعض المتأخرين .
الثالث : لا يطلب منهم العتبى وهو أن يُرَدُوا إلى الدنيا لِيُعْتَبُوا أي ليؤمنوا ، قاله يحيى بن سلام .
( الروم : ( 58 - 60 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " ( قوله : ) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ( هذا خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن وعد الله في نصرك وتأييدك حق .
الثاني : أن وعده في انتقامه من أعدائك حق .
) وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يَسْتَعْجَلَنَّكَ ، قاله ابن شجرة .
الثاني : لا يَسْتَفِزَّنَّكَ ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : لا يستنزلنك ، قاله النقاش .
) الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : لا يؤمنون .

صفحة رقم 325
الثاني : لا يصدقون بالبعث والجزاء ، روى سعيد عن قتادة أن رجلاً من الخوارج قال لعلي كرم الله وجهه وهو خلفه في صلاة الصبح ) لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ( الآية . فقال له عليّ وهو في الصلاة ) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ( ، والله أعلم .

صفحة رقم 326
سورة لقمان
مكية كلها في قول الجميع إلا رواية عطاء أن آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما قوله تعالى : ) ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ( والتي بعدها . وقال الحسن إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( لأن الصلاة والزكاة مدنيتان .
بسم الله الرحمن الرحيم
( لقمان : ( 1 - 5 ) الم
" الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " ( قوله : ) الم . تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : المحكم أَحكمت آياته بالحلال والحرام والأحكام . قاله يحيى بن سلام .
الثاني : المتقن لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو قريب من المعنى الأول ، قاله ابن شجرة .
الثالث : البين أنه من عند الله ، قاله الضحاك .
الرابع : أنه يظهر من الحكمة بنفسه كما يظهره الحكيم بقوله ، قاله ابن عيسى .
قوله تعالى : ) هُدًى ( فيه وجهان :
أحدهما : هدى من الضلالة ، قاله الشعبي .

صفحة رقم 327
الثاني : هدى إلى الجنة ، قاله يحيى بن آدم .
) وَرَحْمَةً ( فيه وجهان
: أحدهما : أن القرآن رحمة من العذاب لما في من الزجر عن استحقاقه وهو وجهان :
أحدهما : أنه خرج مخرج النعت بأنه هدى ورحمة .
الثاني : أنه خرج مخرج المدح بأن فيه هدى ورحمة .
) لِلْمُحْسِنِينَ ( وفي الإحسان ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه الإيمان الذي يحسن به إلى نفسه ، قاله ابن شجرة .
الثاني : أنه الصلة والصلاة ، قاله الحسن .
الثالث : ما روى عمر بن الخطاب قال : بينما أنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذ أتاه رجل فقال : يا رسول الله ما الإحسان ؟ قال : ( أًن تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِن لَّمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ . وَتُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحبُ لِنَفْسِكَ ) قال : فإذا فعلت ذلك فأنا محسن ؟ قال : ( نعم ) قال الرجل : صدقت . ثم انطلق الرجل فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( عَلَيَّ بِالرَّجُلِ ) . فطلبناه فلم نقدر عليه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيِهِ السَّلاَمُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَكُم أَمُورَ دِينِكُم ) . قوله تعالى : ) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِن رَّبِّهِم ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : على نور من ربهم ، قاله ابن عباس .
الثاني : على بينة ، قاله ابن جبير .
الثالث : على بيان ، قاله يحيى بن سلام .
) وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( فيه أربعة أوجه :

صفحة رقم 328
: أحدها : بمعنى السعداء ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : المنجحون ، قاله ابن شجرة .
الثالث : الناجحون ، قاله النقاش .
الرابع : أنهم الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربواْ ، قاله ابن عباس .
( لقمان : ( 6 - 7 ) ومن الناس من . . . . .
" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم " ( قوله تعالى : ) وَمِن النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ( فيه سبعة تأويلات
: أحدها : شراء المغنيات لرواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغنِيَاتِ وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ وَلاَ التِّجَارَةُ فِيهِنَّ وَلاَ أَثْمَانُهُنَّ وَفِيهِنَّ أنزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ( ) . الثاني : الغناء ، قاله ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وابن جبير وقتادة .
الثالث : أنه الطبل ، قاله عبد الكريم ، والمزمار ، قاله ابن زخر .
الرابع : أنه الباطل ، قاله عطاء .
الخامس : أنه الشرك بالله ، قاله الضحاك وابن زيد .
السادس : ما ألهى عن الله سبحانه ، قال الحسن .
السابع : أنه الجدال في الدين والخوض في الباطل ، قاله سهل بن عبد الله .

صفحة رقم 329
ويحتمل إن لم يثبت فيه نص تأويلاً ثامناً : أنه السحر والقمار والكهانة .
وفيمن نزلت قولان :
أحدهما : أنها نزلت في النضر بن الحارث كان يجلس بمكة فإذا قالت قريش إن محمداً قال كذا وكذا ضحك منه وحدثهم بحديث رستم واسفنديار ويقول لهم إن حديثي أحسن من قرآن محمد ، حكاه الفراء والكلبي .
الثاني : أنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية فشغل بها الناس عن اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، حكاه ابن عيسى .
) لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : ليصد عن دين الله ، قاله الطبري .
الثاني : ليمنع من قراءة القرآن ، قاله ابن عباس .
) بِغَيرِ عِلْمٍ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : بغير حجة .
الثاني : بغير رواية .
) وَيَتَّخِذُهَا هُزُواً ( فيه وجهان
: أحدهما : يتخذ سبيل الله هزواً يكذب بها ، قاله قتادة . وسبيل الله دينه .
الثاني : يستهزىء بها ، قاله الكلبي .
) وَأُوْلئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( أي مذل .
( لقمان : ( 8 - 11 ) إن الذين آمنوا . . . . .
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من

صفحة رقم 330
كل زوج كريم هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين " ( قوله تعالى : ) خَلَقَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ( فيه قولان :
أحدهما : بعمد لا ترونها ، قاله عكرمة ومجاهد .
الثاني : أنها خلقت بغير عمد ، قاله الحسن وقتادة .
) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ ( أي جبالاً .
) أَن تَمِيدَ بِكُمْ ( أي لئلا تميد بكم وفيه وجهان :
أحدهما : معناه أن لا تزول بكم ، قاله النقاش .
الثاني : أن لا تتحرك بكم ، قاله يحيى بن سلام . وقيل : إن الأرض كانت تتكفأ مثل السفينة فأرساها الله بالجبال وأنها تسعة عشر جبلاً تتشعب في الأرض حتى صارت لها أوتاداً فتثبتت وروى أبو الأشهب عن الحسن قال : لما خلق الله الأرض جعلت تميد فلما رأت الملائكة ما تفعل الأرض قالوا : ربنا هذه لا يقر لك على ظهرها خلق ، فأصبح قد ربطها بالجبال فلما رأت الملائكة الذي أرسيت به الأرض عجبواْ فقالوا : يا ربنا هل خلقت خلقاً هو أشد من الجبال ؟ قال : نَعَم الرِّيحُ قالوا : هل خلقت خلقاً هو أشد من الريح ؟ قال : ( نَعَمْ ابنُ آدَمَ ) .
) وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وخلق فيها ، قاله السدي .
الثاني : وبسط ، قاله الكلبي .
الثالث : فرق فيها من كل دابة وهو الحيوان سُمِّيَ بذلك لدبيبه والدبيب الحركة .
) وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ( فيه قولان :
أحدهما : أنهم الناس هم نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم ، قاله الشعبي .
الثاني : أن نبات الأرض أشجارها وزرعها ، والزوج هو النوع .
وفي الكريم ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 331
أحدها : أنه الحسن ، قاله قتادة .
الثاني : أنه الطيب الثمر ، قاله ابن عيسى .
الثالث : أنه اليانع ، قاله ابن كامل .
ويحتمل رابعاً : أن الكريم ما كثر ثمنه لنفاسة القدر .
( لقمان : ( 12 ) ولقد آتينا لقمان . . . . .
" ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد " ( قوله تعالى : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ( اختلف في نبوته على قولين
: أحدهما : أنه نبي ، قاله عكرمة والشعبي .
الثاني : أنه حكيم وليس بنبي ، قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب . ووهب بن منبه ، قال إسماعيل : كان لقمان من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة . وقال قتادة : خير الله لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة على النبوة فأتاه جبريل وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح ينطق بها ، فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك ؟ فقال : إنه لو أرسل إليّ بالنبوة عزمة لرجوت فيه العون منه ولكنت أرجو أن أقوم بها ، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحب إليّ .
واختلف في جنسه على قولين :
أحدهما : أنه كان من النوبة قصيراً أفطس ، قاله جابر بن عبد الله .
الثاني : كان عبداً حبشياً ، قاله ابن عباس .
واختلف في صنعته على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه كان خياطاً بمصر ، قاله سعيد بن المسيب .
الثاني : أنه كان راعياً فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال : ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس ؟ قال بلى ، قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قَدَرُ الله

صفحة رقم 332
وأدائي الأمانة ، وصدق الحديث وتركي ما لا يعنيني ، قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر .
الثالث : أنه كان نجاراً فقال له سيده : اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين فأتاه باللسان والقلب فقال له : ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت ، ثم أمره فذبح له شاة ثم قال : أَلقِ أخبثها مضغتين فألقى اللسان والقلب فقال له : أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت باللسان والقلب فقال إنه ليس شيىء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا ، قاله خالد الربعي .
واختلف في زمانه على قولين :
أحدهما : أنه كان فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام .
الثاني : أنه ولد كوش بن سام بن نوح ، ولد لعشر سنين من ملك داود عليه السلام وبقي إلى زمن يونس عليه السلام .
وفي ) الْحِكْمَةَ ( التي أوتيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الفهم والعقل ، قاله السدي .
الثاني : الفقه والعقل والإصابة في القول ، قاله مجاهد .
الثالث : الأمانة .
) أَنِ اشكُرْ لِلَّهِ ( يعني نعم اللَّه ، فيه وجهان :
أحدهما : معنى الكلام : ولقد آتيناه الحكمة وآتيناه الشكر لله ، قاله المفضل .
الثاني : آتيناه الحكمة لأن يشكر لله ، قاله الزجاج .
وفي شكره أربعة أوجه :
أحدها : هو حمده على نعمه .
الثاني : هو ألا يعصيه على نعمه .
الثالث : هو ألا يرى معه شريكاً في نعمه عليه .
الرابع : هو طاعته فيما أمره .

صفحة رقم 333
) وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ( أي يعود شكره إلى نفسه لأنه على النعمة إذا زاد من الشكر .
) وَمَن كَفَرَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني كفر بالله واليوم الآخر ، قاله مجاهد .
الثاني : كُفْرُ النعمة ، قاله يحيى بن سلام .
) فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( فيه وجهان
: أحدهما : غني عن خلقه حميد في فعله ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : غني عن شكره مستحمد إلى خلقه ، قاله ابن عيسى .
( لقمان : ( 13 - 15 ) وإذ قال لقمان . . . . .
" وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " ( قوله تعالى : ) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ ( أي واذكر يا محمد مقالة لقمان لابنه ، وفي اسم ابنه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مشكم ، قاله الكلبي .
الثاني : أنعم ، حكاه النقاش .
الثالث : بابان .
) وَهُوَ يَعِظُهُ ( أي يُذكِرُهُ ويؤدبه .
) يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ( يعني عند اللَّه ، وسماه ظلماً لأنه قد ظلم به نفسه ، وقيل إنه قال ذلك لابنه وكان مشركاً ، وقوله ) يَا بُنَيَّ ( ليس هو حقيقة

صفحة رقم 334
التصغير وإن كان على لفظه وإنما هوعلى وجه الترقيق كما يقال للرجل يا أُخَيّ . وللصبي هو كُوَيّس .
قوله تعالى : ) وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ( يعني براً وتحنناً عليهما . وفيهما قولان :
أحدهما : أنها عامة وإن جاءت بلفظ خاص والمراد به جميع الناس ، قاله ابن كامل .
الثاني : خاص في سعد بن أبي وقاص وُصي بأبويه ؛ واسم أبيه مالك واسم أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية ، حكاه النقاش .
) حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه شدة على شدة ، قاله ابن عباس .
الثاني : جهداً على جهد . قاله قتادة .
الثالث : ضعفاً على ضعف ، قاله الحسن وعطاء . ومن قول قعنب ابن أم صاحب :
هل للعواذل من ناهٍ فيزجرها
إن العواذل فيها الأيْنُ والوهن
يعني الضعف
. ثم فيه على هذا التأويل ثلاثة أوجه :
أحدها : ضعف الولد على ضعف الوالدة ، قاله مجاهد .
الثاني : ضعف نطفة الأب على نطفة الأم ، قاله ابن بحر .
الثالث : ضعف الولد حالاً بعد حال فضعفه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً سوياً ثم مولوداً ثم رضيعاً ثم فطيماً ، قاله أبو كامل .
ويحتمل رابعاً : ضعف الجسم على ضعف العزم .
) وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ( يعني بالفصال الفطام من رضاع اللبن .
واختلف في حكم الرضاع بعد الحولين هل يكون في التحريم كحكمه في الحولين على أربعة أقاويل :

صفحة رقم 335
أحدهما : أنه لا يحرم بعد الحولين ولو بطرفة عين لتقدير الله له بالحولين ولقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لاَ رَضَاعةَ بَعْدَ الحَولَينِ ) وهذا قول الشافعي .
الثاني : أنه يحرم بعد الحولين بأيام ، وهذا قول مالك .
الثالث : يحرم بعد الحولين بستة أشهر استكمالاً لثلاثين شهراً لقوله : ) وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ( " [ الأحقاف : 15 ] قاله أبو حنيفة .
الرابع : أن تحريمه غير مقدر وأنه يحرم في الكبير كتحريمه في الصغير ، وهذا قول بعض أهل المدينة .
) أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ( أي اشكر لي النعمة ولوالديك التربية . وشكر الله بالحمد والطاعة وشكر الوالدين بالبر والصلة ، قال قتادة : إن الله فرق بين حقه وحق الوالدين وقال اشكر لي ولوالديك .
) إِلَيَّ الْمَصِيرُ ( يعني إلى اللَّه المرجع فيجازي المحسن بالجنة والمسيء بالنار . وقد

صفحة رقم 336
روى عطاء عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( رِضَا الرَّبِّ مِن رِضَا الوَالَدِ وَسَخَط الرَّبِّ مَن سَخَط الوَالِدِ ) .

صفحة رقم 337
قوله تعالى : ) وَإِن جَاهَدَاكَ ( يعني أراداك
. ) عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ( معناه أنك لا تعلم أن لي شريكاً . ) فَلا تُطِعْهُمَا ( يعني في الشرك
. ) وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ( أي احْتِسَاباً . قال قتادة : تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا ، وتواسيهما مما أعطاك الله تعالى .
) وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ( قال يحيى بن سلام : من أقبل بقلبه مخلصاً وهو النبي صلى الله عليه السلام والمؤمنون . روى مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال : حلفت أم سعد ألا تأكل ولا تشرب حتى تشرب حتى يتحوّل سعد عن دينه فأبى عليها فلم تزل كذلك حتى غشى عليها ثم دعت الله عليه فأنزل الله فيه هذه الآية .
( لقمان : ( 16 - 19 ) يا بني إنها . . . . .
" يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " ( قوله تعالى : ) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ ( وهذا مثل مضروب لمثقال حبة من خردل . قال قتادة : من خير أو شر .
) فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ ( فيها قولان
: أحدهما : أنها الصخرة التي تحت الأرض السابعة قاله الرُبَيعُ بن أنس والسدي . قال عبد الله بن الحارث وهي صخرة على ظهر الحوت ، قال الثوري : بلغنا أن خضرة السماء من تلك الصخرة ، وقال ابن عباس هذه الصخرة ليست في

صفحة رقم 338
السماء ولا في الأرض . وقيل إن هذه الصخرة هي سجِّين التي يكتب فيها أعمال الكفار ولا ترفع إلى السماء .
الثاني : معنى قوله في صخرة أي في جبل ، قاله قتادة .
) أَوْ فِي السَّمَواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ( فيه وجهان
: أحدهما : بجزاء ما وازنها من خير أو شر .
الثاني : يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء ، كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه الله فيجازي عليه .
) إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ ( باستخراجها . ) خَبِيرٌ ( بمكانها ، قاله الربيع بن أنس
. روى علي بن رباح اللخمي قال : لما وعظ لقمان ابنه بهذا أخذ حبة من خردلٍ فأتى بها البحر فألقاها في عرضه ثم مكث ما شاء ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله ذبابة فاختطفتها وحملتها حتى وضعتها في يده .
قوله تعالى : ) وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : على ما أصابك من الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الثاني : على ما أصابك من البلوى في نفسك أو مالك .
) إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : ما أمر الله به من الأمور .
الثاني : من ضبط الأمور ، قاله المفضل .
الثالث : من قطع الأمور .
وفي العزم والحزم وجهان :
أحدهما : أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما .
الثاني : معناهما مختلف وفي اختلافهما وجهان :
أحدهما : أن الحزم الحذر والعزم القوة ، ومنه المثل : لا خير في عزم بغير حزم .
الثاني : أن الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه ، ومنه قولهم في بعض الأمثال : رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم .

صفحة رقم 339
قوله تعالى : ) وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ( قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع .
) تُصَاعِر ( بألف ، وتصاعر تفاعل من الصعر وفيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه الكبر ، قاله ابن عباس .
الثاني : الميل ، قاله المفضل .
الثالث : التشدق في الكلام ، حكاه اليزيدي ، وتُصِّعرْ هو على معنى المبالغة .
وفي معنى الآية خمسة أوجه :
أحدها : أنه إعراض الوجه عن الناس تكبراً ، قاله ابن جبير .
الثاني : هوالتشدق ، قاله إبراهيم النخعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الثالث : أن يلوي شدقه عند ذكر الإنسان احتقاراً ، قاله أبو الجوزاء ، قال عمرو بن كلثوم .
وكنا إذا الجبّارُ صعر خَدّه
أقمنا له من صعره فتقوّما
الرابع : هو أن يعرض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو ، قاله الربيع بن أنس .
) وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً ( فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يعني بالمعصية ، قاله الضحاك .
الثاني : بالخيلاء والعظمة ، قاله ابن جبير .
الثالث : أن يكون بطراً أشراً ، قاله ابن شجرة .
) إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه المنان ، قاله أبو ذر .

صفحة رقم 340
الثاني : المتكبر ، قاله مجاهد .
الثالث : البطر ، قاله ابن جبير .

صفحة رقم 341
وروى أبو ذر قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( ثَلاَثَةٌ يَشْنَؤُهُم اللَّهُ : الفَقِيرُ المُخْتَالُ ، والبَخِيلُ المَنَّانُ ، والبَيّعُ الحَلاَّفُ ) . ) فَخُورٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه المتطاول على الناس بنفسه ، قاله ابن شجرة .
الثاني : أنه المفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه ، قاله ابن عيسى .
الثالث : أنه الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله فيما أعطاه ، قاله مجاهد .
قوله تعالى : ) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : معناه تواضع في نفسك ، قاله مجاهد .
الثاني : انظر في مشيك موضع قدمك ، قاله الضحاك .
الثالث : اسرْع في مشيتك ، قاله يزيد بن أبي حبيب .
الرابع : لا تسرع في المشي ، حكاه النقاش . وقد روى أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( سُرْعَةُ المَشْيِ تُذْهِبُ بَهَاءَ وَجْهِ المَرْءِ ) . الخامس : لا تختل في مشيتك ، قاله ابن جبير
. ) وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ ( أي اخفض من صوتك والصوت هو أرفع من كلام المخاطبة .
) إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ( يعني شر الأصوات ، قاله عكرمة وفيه أربعة أوجه :
أحدها : أقبح الأصوات ، قاله ابن جبير .
الثاني : قد تقدم .
الثالث : أشد ، قاله الحسن .
الرابع : أبعد ، قاله المبرد .
) لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنها العطسة المرتفعة ، قاله جعفر الصادق .
الثاني : أنه صوت الحمار .
وفي تخصيصه بالذكر من بين الحيوان وجهان :
أحدهما : لأنه أقبحها في النفس وأنكرها عند السمع وهو عند العرب مضروب به المثل ، قال قتادة : لأن أوله زفير وآخره شهيق .
الثاني : لأن صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ، قاله سفيان الثوري ، وقد حكي عن بشر بن الحارث أنه قال : نهيق الحمار دعاء على الظلمة .
والسبب في أن ضرب الله صوت الحمار مثلا ما روى سليمان بن أرقم عن الحسن أن المشركين كانواْ في الجاهلية يتجاهرون ويتفاخرون برفع الأصوات فمن كان منهم أشد صوتاً كان أعز ، ومن كان أخفض صوتاً كان أذل ، فقال الله تعالى : ) إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ( أي لو أن شيئاً يُهَابُ لصوته لكان الحمار فجعلهم في المثل بمنزلته .

صفحة رقم 342
( لقمان : ( 20 - 21 ) ألم تروا أن . . . . .
" ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير " ( قوله تعالى : ) أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ( وفي تسخيره ذلك وجهان :
أحدهما : تسهيله .
الثاني : الانتفاع به .
) وَأَسْبَغَ عَلَيَكُمْ نِعَمَهُ ( قرأ نافع وأبو عمرو وحفص بغير تنوين على الجمع والباقون بالتنوين يعني نعمة واحدة ، وفي هذه القراءة وجهان :
أحدهما : أنه عنى الإسلام فجعلها واحدة ، قاله إبراهيم .
الثاني : أنه قصد التكثير بلفظ الواحد كقول العرب : كثر الدينار والدرهم ، والأرض سيف وفرس ، وهذا أبلغ في التكثير من لفظ الجمع ، قاله ابن شجرة .
وفي قوله : ) ظَاهِرةً وَبَاطِنَةً ( خمسة أقاويل :
أحدها : أن الظاهرة الإسلام ، والباطنة ما ستره الله من المعاصي قاله مقاتل .
الثاني : أن الظاهرة على اللسان ، والباطنة في القلب ، قاله مجاهد ووكيع .
الثالث : أن الظاهرة ما أعطاهم من الزي والثياب ، والباطنة متاع المنازل ، حكاه النقاش .
الخامس : الظاهرة الولد ، والباطنة الجماع .
ويحتمل سادساً : أن الظاهرة في نفسه ، والباطنة في ذريته من بعده .
ويحتمل سابعاً : أن الظاهرة ما مضى ، والباطنة ما يأتي .

صفحة رقم 343
ويحتمل ثامناً : أن الظاهرة في الدنيا ، والباطنة في الآخرة .
ويحتمل تاسعاً : أن الظاهرة في الأبدان ، والباطنة في الأديان .
) وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ في اللَّهِ بِغَيرِ عَلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كَتَابٍ مُنِيرٍ ( فيه قولان :
أحدهما : نزلت في يهودي جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا محمد أخبرني عن ربك من أي شيء هو ؟ فجاءت صاعقة فأخذته .
الثاني : أنها نزلت في النضر بن الحارث كان يقول : إن الملائكة بنات الله ، قاله أبو مالك .
( لقمان : ( 22 - 24 ) ومن يسلم وجهه . . . . .
" ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ " ( قوله تعالى : ) وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلّى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : معناه يخلص لله ، قاله السدي .
الثاني : يقصد بوجهه طاعة الله .
الثالث : يسلم نفسه مستسلماً إلى الله وهو محسن يعني في عمله .
) فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ( فيها أربعة تأويلات :
أحدها : قول لا إله إلا الله ، قاله ابن عباس .
الثاني : القرآن ، قاله أنس بن مالك .
الثالث : الإسلام ، قاله السدي .
الرابع : الحب في الله والبغض في الله ، قاله سالم بن أبي الجعد .
وفي تسميتها بالعروة الوثقى وجهان :
أحدهما : أنه قد استوثق لنفسه فيما تمسك به كما يستوثق من الشيء بإمساك عروته .

صفحة رقم 344
الثاني : تشبيهاً بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل .
) وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبةُ الأُمُورِ ( قال مجاهد : وعند الله ثواب ما صنعواْ .
( لقمان : ( 25 - 28 ) ولئن سألتهم من . . . . .
" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير " ( قوله تعالى : ) وَلَو أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ . . ( الآية . وفي سبب نزولها قولان :
أحدهما : ما رواه سعيد عن قتادة أن المشركين قالوا إنما هو كلام يعني القرآن يوشك أن ينفد ، فأنزل الله هذه الآية يعني أنه لو كان شجر البر أقلاماً ومع البحر سبعة أبحر مداداً لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحور قبل أن تنفد عجائب ربي وحكمته وعلمه .
الثاني : ما رواه ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما قدم المدينة قالت له أحبار اليهود يا محمد أرأيت قولك : ) وَمَا أُوتِيْتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ( " [ الإٍسراء : 85 ] إِيانا تريد أم قومك ؟ قال : ( كُلٌ لَمْ يُؤْتَ مِنَ الُعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً أَنْتُم وَهُمْ ) قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك من الله أنَّا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنَّهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ ) فنزلت هذه الآية .
ومعنى : ) . . . يَمُدُّهُ . . . ( أي يزيد فيه شيئاً بعد شيء فيقال في الزيادة .
مددته وفي المعونة أمددته . ) . . . مَا نَفَدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ( ونفاد الشيء هو فناء آخره بعد نفاد أوله فلا يقال لما فني جملة : نفد .

صفحة رقم 345
وفي ) كَلِمَاتُ اللُّهِ ( هنا أربعة أوجه :
أحدها : أنها نعم الله على أهل طاعته في الجنة .
الثاني : على أصناف خلقه .
الثالث : جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه .
الرابع : أنها علم الله .
قوله تعالى : ) مَا خَلْقَكُمُ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ( يقال إنها نزلت في أُبي بن خلف وأبي الأشدين ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إِن الله خلقنا أطواراً نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم تقول إنا نبعث خلقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة فأنزل الله هذه الآية لأن الله لا يصعب عليه ما يصعب على العباد وخلقه لجميع العالم كخلقه لنفس واحدة .
) إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( سميع لما يقولون ، بصير بما يفعلون .
( لقمان : ( 29 - 30 ) ألم تر أن . . . . .
" ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير " ( قوله تعالى : ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِج النَّهارِ فِي اللَّيلِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يأخذ الصيف من الشتاء ويأخذ الشتاء من الصيف ، قاله ابن مسعود ومجاهد .
الثاني : ينقص من النهار ليجعله في الليل وينقص من الليل ليجعله في النهار ، قاله الحسن وعكرمة وابن جبير وقتادة .
الثالث : يسلك الظلمة مسالك الضياء ويسلك الضياء مسالك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر ، قاله ابن شجرة .
ويحتمل رابعاً : أنه يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل ، ويدخل ضوء النهار في ظلمة الليل إذا أقبل ، فيصير كل واحد منهما داخلاً في الآخر .

صفحة رقم 346
) وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ( أي ذللهما بالطلوع والأفول تقديراً للآجال وإتماماً للمنافع .
) كَلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّى ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني إلى وقته في طلوعه وأفوله لا يعدوه ولا يقصر عنه ، وهو معنى قول قتادة .
الثاني : إلى يوم القيامة ، قاله الحسن .
) وَأَنَّ اللَّهَ بَمَا َعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( يعني بما تعملون في الليل والنهار
. قوله تعالى : ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هو الله الذي لا إله غيره ، قاله ابن كامل .
الثاني : أن الحق اسم من أسماء الله ، قاله أبو صالح .
الثالث : أن الله هو القاضي بالحق .
ويحتمل رابعاً : أن طاعة الله حق .
) وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ البَاطِلُ ( فيه وجهان
: أحدهما : الشيطان هو الباطل ، قاله مجاهد .
الثاني : ما أشركوا بالله تعالى من الأصنام والأوثان ، قاله ابن كامل .
) وأن الله هو العلي الكبير ( أي العلي في مكانته الكبير في سلطانه .
( لقمان : ( 31 - 32 ) ألم تر أن . . . . .
" ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين

صفحة رقم 347
له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور " ( قوله تعالى : ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : برحمة الله لكم في خلاصكم منه .
الثاني : بنعمة الله عليكم في فائدتكم منه .
) لِيُرِيَكُم مِّنَ ءَايَاتِهِ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني جري السفن فيه ، قاله يحيى بن سلام ، وقال الحسن : مفتاح البحار السفن ، ومفتاح الأرض الطرق ، ومفتاح السماء الدعاء .
الثاني : ما تشاهدونه من قدرة الله فيه ، قاله ابن شجرة .
الثالث : ما يرزقكم الله منه ، قاله النقاش .
) لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : صبَّار على البلوى شكور على النعماء .
الثاني : صبَّار على الطاعة شكور على الجزاء .
قال الشعبي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله ، ألم تر إلى قوله : ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( وإلى قوله : ) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُوقِنِينَ ( .
قوله تعالى : ) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ ( فيه وجهان :
أحدهما : كالسحاب ، قاله قتادة .
الثاني : كالجبال ، قاله الحسن ويحيى بن سلام .
وفي تشبيهه بالظل وجهان :
أحدهما : لسواده ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : لعظمه .

صفحة رقم 348
) دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ( يعني موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه .
) فَلَمَّا نَجَّاهُم إِلَى الْبَرِّ ( يعني من البحر
. ) فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه عَدل في العهد ، يفي في البر بما عاهَد الله عليه في البحر ، قاله النقاش .
الثاني : أنه المؤمن المتمسك بالتوحيد والطاعة ، قاله الحسن .
الثالث : أنه المقتصد في قوله وهو كافر ، قاله مجاهد .
) وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنه الجاحد ، قاله عطية .
الثاني : وهو قول الجمهور أنه الغدار ، قال عمرو بن معدي كرب :
فإنك لو رأيت أبا عمير
ملأت يديك من غدرٍ وختر
وجحد الآيات إنكار أعيانها والجحد بالآيات دلائلها .
( لقمان : ( 33 - 34 ) يا أيها الناس . . . . .
" يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " ( قوله تعالى : ) يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخْشُوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ( فيه ثلاثة تأويلات :

صفحة رقم 349
أحدها : معناه لا يغني والد عن ولده يقال جزيت عنك بمعنى أغنيت عنك ، قاله ابن عيسى . عيسى .
الثاني : لا يقضي والد عن ولده ، قاله المفضل وابن كامل .
الثالث : لا يحمل والد عن ولده ، قال الراعي :
وأجزأت أمر العالمين ولم يكن
ليجزي إلا كاملٌ وابن كامل
أي حملت .
) وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقٌّ ( يعني البعث والجزاء .
) فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا ( يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يغرنكم الإمهال عن الانتقام .
الثاني : لا يغرنكم المال عن الإسلام .
) وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( وهي تقرأ على وجهين
: أحدهما : بالضم .
الثاني : بالفتح وهي قراءة الجمهور .
ففي تأويلها بالضم وجهان :
أحدهما : أن الغُرور الشيطان ، قاله مجاهد .
الثاني : الأمل وهو تمني المغفرة في عمل المعصية ، قاله ابن جبير .
ويحتمل ثالثاً : أن تخفي على الله ما أسررت من المعاصي .
) إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (
قوله : ) إن الله عنده علم الساعة ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن قيامها مختص بعلمه .
الثاني : أن قيامها موقوف على إرادته .
) وينزل الغيث ( فيما يشاء من زمان ومكان .
) ويعلم ما في الأرحام ( فيه وجهان :
أحدهما : من ذكر وأنثى ، سليم وسقيم .

صفحة رقم 350
الثاني : من مؤمن وكافر وشقي وسعيد .
) وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ( فيه وجهان :
أحدهما : من خير أو شر .
الثاني : من إيمان أو كفر .
) وما تدري نفس بأي أرض تموت ( فيه وجهان :
أحدهما : على أي حكم تموت من سعادة أو شقاء ، حكاه النقاش .
الثاني : في أي أرض يكون موته ودفنه وهو أظهر . وقد روى أبو مليح عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل إليها حاجة فلم ينته نحتى يقدمها ، ثم قرأ ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن الله عنده علم الساعة ( إلى قوله : ) بأي أرض تموت ( .
وقال هلال بن إساف : ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تربة الأرض التي يدفن فيها .
) إن الله عليم خبير ( يحتمل وجهين :

صفحة رقم 351
أحدهما : عليم بالغيب خبير بالنية .
الثاني : عليم بالأعمال خبير بالجزاء .
ويقال إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية يقال له الوارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد ، وبلادنا جدية فأخبرني حارثة متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى يقوم الساعة ؟ فنزلت هذه الآية . والله أعلم .

صفحة رقم 352
سورة السجدة
مكية في قول الجميع إلا الكلبي ومقاتل فإنهما قالا : إلا ثلاث آيات منها من : ) أفمن كان مؤمنا ( إلى آخرهن . وقال غيرهما : إلا خمس آيات من ) تتجافى جنوبهم ( إلى ) الذي كنتم به تكذبون ( .
بسم الله الرحمن الرحيم
( السجدة : ( 1 - 3 ) الم
" الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون " ( قوله تعالى : ) الم . تَنزِيلُ الْكِتَابِ ( يعني القرآن .
) لاَ رَيْبَ فِيهِ ( أي لا شك فيه أنه تنزيل .
) مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( والريب هو الشك الذي يميل إلى السوء والخوف ، قال أبو ذؤيب :
أسرين ثم سمعن حساً دونه
سرف الحجاب وريب قرع يقرع
) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ( يعني كفار قريش يقولون إن محمداً افترى هذا القرآن ويكذبه .

صفحة رقم 353
) بَلْ هَوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ( يعني القرآن حق نزل عليك من ربك .
) لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ( يعني قريشاً ، قاله قتادة : كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
( السجدة : ( 4 - 6 ) الله الذي خلق . . . . .
" الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم " ( قوله تعالى : ) يُدَبِّرُ الأَمْرَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يقضي الأمر ، قاله مجاهد .
الثاني : ينزل الوحي ، قاله السدي .
) مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ( قال السدي من سماء الدنيا إلى الأرض العليا وفيه وجهان :
أحدهما : يدبر الأمر في السماء وفي الأرض .
الثاني : يدبره في السماء ثم ينزل به الملك إلى الأرض وروى عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط أنه قال : يدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل ، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأمَّا ميكائيل فموكل بالقطر والماء ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح ، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم .
) ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيهِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنه الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، قاله النقاش .

صفحة رقم 354
الثالث : أنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة ، قاله ابن شجرة .
) فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى ملائكته فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى ثم كذلك أبداً ، قاله مجاهد .
الثاني : أن الملك ينزل ويصعد في يوم مسيرة ألف سنة ، قاله ابن عباس . والضحاك .
الثالث : أن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة ومقدار صعوده خمسمائة سنة ، قاله قتادة : فيكون بين السماء والأرض على قول ابن عباس والضحاك مسيرة ألف سنة ، وعلى قول قتادة والسدي مسيرة خمسمائة سنة .
) مِمَّا تَعُدُّونَ ( أي تحسبون من أيام الدنيا وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالم وليس بيوم يستوعب نهاراً بين ليلتين لأنه ليس عند الله ليل استراحة ولا زمان تودع ، والعرب قد تعبر عن مدة العصر باليوم كما قال الشاعر :
يومان يوم مقامات وأندية
ويوم سيرٍ إلى الأعداءِ تأويب
وليس يريد يومين مخصوصين وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم .
( السجدة : ( 7 - 9 ) الذي أحسن كل . . . . .
" الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون " ( قوله تعالى : ) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ( فيه خمسة تأويلات :

صفحة رقم 355
أحدها : أنه جعل كل شيء خلقه حسناً حتى جعل الكلب في خلقه حسناً ، قاله ابن عباس .
الثاني : أحكم كل شيء خلقه حتى أتقنه ، قاله مجاهد .
الثالث : أحسن إلى كل شيء خلق فكان خلقه له إحساناً ، قاله علي بن عيسى .
الرابع : ألهم ما خلقه ما يحتاجون إليه حتى علموه من قولهم فلان يحسن كذا أي يعلمه .
الخامس : أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه ثم هداه إليه ، رواه حميد بن قيس .
ويحتمل سادساً : أنه عرف كل شيء خلقه وأحسنه من غير تعلم ولا سبق مثال حتى ظهرت فيه القدرة وبانت فيه الحكمة .
) وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ( يعني آدم ، روى عون عن أبي زهير عن أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوه على ألوان الأرض منهم الأبيض والأحمر وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك .

صفحة رقم 356
) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ( أي ذريته ) مِن سُلاَلَةٍ ( لاِنسِلاَلِهِ من صلبه ) مِن مَّآءٍ مَّهِينٍ ( قال مجاهد ضعيف .
قوله تعالى : ) ثُمَّ سَوَّاهُ ( فيه وجهان :
أحدهما : سوى خلقه في الرحم .
الثاني : سوى خلقه كيف يشاء .
) وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : من قدرته ، قاله أبو روق .
الثاني : من ذريته ، قاله قتادة .
الثالث : من أمره أن يكون فكان ، قاله الضحاك .
الرابع : روحاً من روحه أي من خلقه وأضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح .
) وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ( يعني القلوب وسمى القلب فؤاداً لأنه ينبوع الحرارة الغريزية مأخوذ من المفتأد وهو موضع النار ، وخصص الأسماع والأبصار والأفئدة بالذكر لأنها موضع الأفكار والاعتبار .
( السجدة : ( 10 - 11 ) وقالوا أئذا ضللنا . . . . .
" وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون " ( قوله : ) وَقَالُواْ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هلكنا ، قاله مجاهد .
الثاني : صرنا فيه رفاتاً وتراباً ، قاله قتادة والعرب تقول لكل شيء غلب عليه غيره حتى خفي فيه أثره قد ضل ، قال الأخطل :
كنت القذى في موج أكدر مزبد
تقذف الأتيُّ به فَضَلَّ ضلالاً .
الثالث : غُيِّبنا في الأرض ، قاله قطرب وأنشد النابغة :
فآب مُضلُّوه بعين جلية
وغودر بالجولان حزمٌ ونائل
وقرأ الحسن : صللنا ، بصاد غير معجمة وفيه على قراءته وجهان :
أحدهما : أي أنتنت لحومنا من قولهم صل اللحم إذا أنتن ، قاله الحسن .

صفحة رقم 357
الثاني : صللنا من الصلة وهي الأرض اليابسة ومنه قوله تعالى : ) مِن صَلصَالٍ كَالْفَخَّارِ ( " ) أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ( " أي أَتُعَادُ أجسامنا للبعث خلقاً جديداً تعجباً من إعادتها وإنكاراً لبعثهم وهو معنى قوله تعالى :
) بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِم كَافِرُونَ ( وقيل إن قائل ذلك أُبي بن خلف
. قوله تعالى : ) قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوتِ الَّذِي وُكّلَ بِكُمْ ( أي يقبض أرواحكم والتوفي أخذ الشيء على تمام ، مأخوذ من توفية العدد ومنه قولهم استوفيت دَيْني من فلان .
ثم في توفي ملك الموت لهم قولان :
الأول : بأعوانه .
الثاني : بنفسه . روى جعفر الصادق عن أبيه قال نظر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) [ يا ملك الموت ] : ( ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ ) فقال ملك الموت عليه السلام يا محمد طب نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق واعلَمْ أن ما من أهل بيت مدر ولا شعر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى لأنا أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، واللَّه يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله تعالى هو الآمر بقبضها ، قال جعفر إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلوات .

صفحة رقم 358
) ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم تُرْجعُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : إلى جزائه .
الثاني : إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولاً نفعاً إلا اللَّه .
( السجدة : ( 12 - 14 ) ولو ترى إذ . . . . .
" ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون " ( قوله تعالى : ) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُسِهِم عِند رَبِّهمُ ( أي عند محاسبة ربهم وفيه أربعة أوجه :
أحدها : من الغم ، قاله ابن عيسى .

صفحة رقم 359
الثاني : من الذل ، قاله ابن شجرة .
الثالث : من الحياء ، حكاه النقاش .
الرابع : من الندم ، قاله يحيى بن سلام .
) رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك ، قاله ابن عيسى .
الثاني : أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا ، قال قتادة ، أبصروا حين لم ينفعهم البصر وسمعوا حين لم ينفعهم السمع .
) فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ( أي ارجعنا إلى الدنيا نعمل فيها صالحاً
. ) إِنَّا مُوقِنُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : مصدقون بالبعث ، قاله النقاش .
الثاني : مصدقون بالذي أتي به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه حق ، قاله يحيى بن سلام .
قال سفيان : فأكذبهم الله فقال : ) وَلَو رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنهُ ( " [ الأنعام : 28 ] الآية .
قوله تعالى : ) وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍٍ هُدَاهَا ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : هدايتها للإيمان .
الثاني : للجنة .
الثالث : هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة ليؤمنوا .
) وَلَكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنِّي ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه سبق القول مني ، قاله الكلبي ويحيى بن سلام .
الثاني : وجب القول مني ، قاله السدي كما قال كثير :
فإن تكن العتبى فأهلاً ومَرْحباً
وحقت لها العتبى لدنيا وقلّت
) لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ( يعني من عصاه من الجنة والناس . وفي الجنة قولان :
أحدهما : أنه الجن ، قاله ابن كامل .

صفحة رقم 360
الثاني : أنهم الملائكة ، رواه السدي عن عكرمة ، وهذا التأويل معلول لأن الملائكة لا يعصون الله فيعذبون . وسموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ومنه قول زيد بن عمرو : عزلت الجن والجنان عني
كذلك يفعل الجلد الصبور
قوله : ) فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ( فيه وجهان :
أحدهما : فذوقوا عذابي بما تركتم أمري ، قال الضحاك .
الثاني : فذوقوا العذاب بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم ، قاله يحيى بن سلام .
) إِنَّا نَسِينَاكُمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : إنا تركناكم من الخير ، قاله السدي .
الثاني : إنا تركناكم في العذاب ، قاله مجاهد .
) وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ ( وهو الدائم الذي لا انقطاع له
. ) بِمَ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( يعني في الدنيا من المعاصي ، وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام ، قال ابن أبي ربيعة :
فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنه
رشاد ألا يا رب ما كذب الزعم
( السجدة : ( 15 - 17 ) إنما يؤمن بآياتنا . . . . .
" إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم

صفحة رقم 361
خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " ( قوله : ) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بئَايَاتِنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : يصدق بحجتنا ، قاله ابن شجرة .
الثاني : يصدق بالقرآن وآياته ، قاله ابن جبير .
) الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً ( فيه وجهان :
أحدهما : الذين إذا دعوا إلى الصلوات الخمس بالأذان أو الإقامة أجابوا إليها قاله أبو معاذ ، لأن المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من أبواب المساجد .
الثاني : إذا قرئت عليهم آيات القرآن خضعوا بالسجود على الأرض طاعة لله وتصديقاً بالقرآن . وكل ما سقط على شيء فقد خر عليه قال الشاعر :
وخر على الألاءِ ولم يوسد
كأن جبينه سيف صقيل
) وَسَبَّحُواْ بِحْمْدِ رَبِّهِمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : معناه صلوا حمداً لربهم ، قاله سفيان .
الثاني : سبحوا بمعرفة الله وطاعته ، قاله قتادة .
) وَهُمْ لاَ يَستَكْبِرُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : عن عبادته ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : عن السجود كما استكبر أهل مكة عن السجود له ، حكاه النقاش .
قوله : ) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عِنِ الْمَضَاجِعِ ( أي ترتفع عن مواضع الاضطجاع قال ابن رواحة :
يبيت يجافي جنبه عن فِراشِه
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان :
أحدهما : لذكر الله إما في صلاة أو في غير صلاة قاله ابن عباس والضحاك .

صفحة رقم 362
الثاني : للصلاة - روى ميمون بن شبيب عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك فقال : ( إِنْ شِئْتَ أَنبَأْتُكَ بَأبوابِ الْخَيرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَة وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيلِ ) ثم تلا هذه الآية .

صفحة رقم 363
وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقاويل :
أحدها : التنفل بين المغرب والعشاء ، قاله قتادة وعكرمة .
الثاني : صلاة العشاء التي يقال لها صلاة العتمة ، قاله الحسن وعطاء .
الثالث : صلاة الصبح والعشاء في جماعة ، قاله أبو الدرداء وعبادة .
الرابع : قيام الليل ، قاله مجاهد والأوزاعي ومالك وابن زيد .
) يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ( فيه وجهان
: أحدهما : خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته .
الثاني : خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه .
ويحتمل ثالثاً : يدعونه في دفع ما يخافون والتماس ما يرجون ولا يعدلون عنه في خوف ولا رجاء .
) وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً لها ، قاله ابن عباس .
الثاني : صدقة يتطوع بها سوى الزكاة ، قاله قتادة .
الثالث : النفقة في طاعة الله ، قال قتادة : أنفقوا مما أعطاكم الله فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها .
الرابع : أنها نفقة الرجل على أهله .
قوله : ) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه للذين تتجافي جنوبهم عن المضاجع ، قاله ابن مسعود .
الثاني : أنه للمجهدين قاله تبيع . وفي ) قُرَّةِ أَعْيُنٍ ( التي أخفيت لهم أربعة أوجه :
أحدها : رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول

صفحة رقم 364
الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِي أَعْدَدْتُ لِعبَادي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ اقْرَأُواْ إِنْ شِئْتُم : ) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ( ) الآية .
الثاني : أنه جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله ما أعده لهم . قال الحسن بالخفية : خفية وبالعلانية علانية .
الثالث : أنها زيادة تحف من الله ليست في حياتهم يكرمهم بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، قاله ابن جبير .
الرابع : أنه زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم ، قاله كعب .
ويحتمل خامساً : اتصال السرور بدوام النعيم .
) جَزَآءً بِمَ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( يعني من فعل الطاعات واجتناب المعاصي .
( السجدة : ( 18 - 22 ) أفمن كان مؤمنا . . . . .
" أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون " ( قوله تعالى : ) أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً ( المؤمن هنا علي بن أبي طالب

صفحة رقم 365
رضي الله عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط قال ابن عباس : سابّ عقبة علياً فقال أنا أبسط منك لساناً وأحدّ منك سناناً وأملأ منك حشواً فقال له علي كرم الله وجهه : ليس كما قلت يا فاسق فنزلت ، فيهما هذه الآية .
) لاَ يَسْتَوُونَ ( قال قتادة : لا والله لا يستوون لا في الدينا ولا عند الموت ولا في الآخرة .
قوله تعالى : ) وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ ( أما العذاب الأدنى ففي الدنيا وفيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنها مصائب الدنيا في الأنفس والأموال ، قاله أُبي .
الثاني : القتل بالسيف ، قاله ابن مسعود .
الثالث : أنه الحدود ، قاله ابن عباس .
الرابع : القحط والجدب ، قاله إبراهيم .
الخامس : عذاب القبر ، قاله البراء بن عازب ومجاهد .
السادس : أنه عذاب الدنيا كلها ، قاله ابن زيد .
السابع : أنه غلاء السعر والأكبر خروج المهدي ، قاله جعفر الصادق .
ويحتمل ثامناً : أن العذاب الأدنى في المال ، والأكبر في الأنفس .
والعذاب الأكبر عذاب جهنم في الآخرة .
) لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( فيه وجهان
: أحدهما : يرجعون إلى الحق ، قاله إبراهيم .
الثاني : يتوبون من الكفر ، قاله ابن عباس .
( السجدة : ( 23 - 25 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
" ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " (

صفحة رقم 366
قوله تعالى : ) وَلَقْدَ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكَتِابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ( فيه خمسة أقاويل :
أحدها : فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى ولقد لقيته ليلة الإسراء روى أبو العالية الرياحي عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( رَأيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عمرانَ رَجُلاً طُوَالاً جَعْداً كَأَنَّهُ مِن رِجَالِ شَنُوءَةَ . وَرَأَيْتُ عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ رَجُلاً مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ سَبْطَ الرَّأُسِ ) قال أبو العالية قد بين الله ذلك في قوله : ) وَاسْأَلْ مِنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ( .
الثاني : فلا تكن يا محمد في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها .
الثالث : فلا تكن في شك من لقاء موسى في الكتاب ، قاله مجاهد والزجاج .
الرابع : فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقيه موسى ، قاله الحسن .
الخامس : فلا تكن في شك من لقاء موسى لربه حكاه النقاش .

صفحة رقم 367
) وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ( فيه وجهان :
أحدهما : جعلنا موسى ، قاله قتادة .
الثاني : جعلنا الكتاب ، قاله الحسن .
قوله تعالى : ) وَجَعَلْنَا مِنهُمْ أَئِمَةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أنهم رؤساء في الخير تبع الأنبياء ، قاله قتادة .
الثاني : أنهم أنبياء ، وهو مأثور .
) لَمَّا صَبَرُواْ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : على الدنيا ، قاله سفيان .
الثاني : على الحق ، قاله ابن شجرة .
الثالث : على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا يطيقون ، حكاه النقاش .
) وَكَانُوا بِئَايَاتِناَ ( يعني بالآيات التسع ) يُوقِنُونَ ( أنها من عند الله
. قوله : ) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ ( الآية فيها وجهان :
أحدهما : يعني بين الأنبياء وبين قومهم ، حكاه النقاش .
الثاني : يقضي بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر ، قاله يحيى بن سلام .
( السجدة : ( 26 - 27 ) أولم يهد لهم . . . . .
" أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون " ( قوله تعالى : ) نَسُوقُ الْمَآءَ ( فيه وجهان
: أحدهما : بالمطر والثلج .
الثاني : بالأنهار والعيون .
) إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ ( فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنها الأرض اليابسة ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنها الأرض التي أكلت ما فيها من زرع وشجر ، قاله ابن شجرة .
الثالث : أنها الأرض التي لا يأتيها الماء إلا من السيول ، قاله ابن عباس .
الرابع : أنها أرض أبْينَ لا تنبت ، قاله مجاهد .
الخامس : أنها قرى نبيا بين اليمن والشام ، قاله الحسن . وأصل الجرز الانقطاع مأخوذ من قولهم سيف جراز أي قطاع وناقة جراز أي كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته بفيها . ورجل جروز أكول قال الراجز :
حبُّ جروز وإذا جاع بكى
يأكل التمر ولا يلقى النوى

صفحة رقم 368
وتأول ابن عطاء هذه الآية على أنه توصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية .
( السجدة : ( 28 - 30 ) ويقولون متى هذا . . . . .
" ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون " ( قوله تعالى : ) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه فتح مكة ، قاله الفراء .
الثاني : أن الفتح انقضى بعذابهم في الدنيا ، قاله السدي .
الثالث : الحكم بالثواب والعقاب في القيامة ، قاله مجاهد . قال الحسن لم يبعث الله نبياً إلا وهو يحذر من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .
) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِيمَانهُمْ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الذي قتلهم خالد بن الوليد يوم فتح مكة من بني كنانة ، قاله الفراء .
الثاني : أن يوم الفتح يوم القيامة ، قاله مجاهد .
الثالث : أن اليوم الذي يأتيهم من العذاب ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
) وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ( أي لا يؤخرون بالعذاب إذا جاء الوقت .
) فَأَعْرضْ عَنهُمْ ( الآية . قال قتادة : نزلت قبل أن يؤمر بقتالهم ، ويحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أعرض عن أذاهم وانتظر عقابهم .
الثاني : أعرض عن قتالهم وانتظر أن يؤذن لك في جهادهم .
الثالث : فأعرض بالهجرة وانتظر ما يمدك به من النصرة ، والله أعلم .

صفحة رقم 369
سورة الأحزاب
بسم الله الرحمن الرحيم
( الأحزاب : ( 1 - 3 ) يا أيها النبي . . . . .
" يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " ( قوله تعالى : ) يَأَيُّهَا الَّنبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ( وهذا وإن كان معلوماً من حاله ففي أمره به أربعة أوجه :
أحدهما : أن معنى هذا الأمر الإكثار من اتقاء الله في جهاد أعدائه .
الثاني : استدامة التقوى على ما سبق من حاله .
الثالث : أنه خطاب توجه إليه والمراد به غيره من أمته .
الرابع : أنه لنزول هذه الآية سبباً وهو ما روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا المدينة ليجددوا خطاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في عهد بينه وبينهم فنزلوا عند عبد الله بن أبي بن سلول والجد بن قيس ومعتب بن قشير وائتمروا بينهم وأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فعرضوا عليه أموراً كره جميعها فهمَّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون أن يقتلوهم فأنزل الله : ) يَأَيُّهَا الَّنبِيُّ اتقِ اللَّهَ ( يعني في نقض العهد الذي بينك وبينهم إلى المدة المشروطة لهم .

صفحة رقم 370
) وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ ( من أهل مكة
. ) وَالْمُنَافِقِينَ ( من أهل المدينة فيما دعوا إليه
. ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ( يحتمل وجهين
: أحدهما : عليماً بسرائرهم حكيماً بتأخيرهم .
الثاني : عليماً بالمصلحة حكيماً في التدبير .
( الأحزاب : ( 4 - 5 ) ما جعل الله . . . . .
" ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " ( قوله تعالى : ) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَينِ ( فيه ستة أقاويل
: أحدها : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قام يوماً يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه إن له قلبين قلباً معكم وقلباً معهم فأنزل الله هذه تكذيباً لهم ؛ قاله ابن عباس ويكون معناه ما جعل الله لرجل من جسدين .
الثاني : أن رجلاً من مشركي قريش من بني فهر قال : إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد وكذب فنزلت فيه ، قاله مجاهد . ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من عقلين .
الثالث : أن جميل بن معمر ويكنى أبا معمر من بني جُمَح كان أحفظ الناس لما يسمع وكان ذا فهم ودهاء فقالت قريش ما يحفظ جميل ما يحفظ بقلب واحد إن له قلبين فلما كان يوم بدر وهزموا أفلت وفي يديه إحدى نعليه والأخرى في رجليه فلقيه أبو سفيان بشاطىء البحر فاستخبره فأخبره أن قريشا قتلوا وسمى من قتل من

صفحة رقم 371
أشرافهم ، قال له : إنه قد ذهب عقلك فما بال نعليك إحداهما في يدك والأخرى في رجلك ؟ قال : ما كنت أظنها إلا في رجلي فظهر لهم حاله فنزلت فيه الآية ، قاله السدي ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من فهمين .
الرابع : أن رجلاً كان يقول إن لي نفسين نفساً تأمرني ونفساً تنهاني فنزل ذلك فيه ، قاله الحسن ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من نفسين .
الخامس : أنه مثل ضربه الله لزيد بن حارثة حين تبناه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد أن أعتقه فلما نزل تحريم التبنّي منع من ادعائه ولداً ونزل فيه ) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنَ قَلْبِينِ ( يقول : ما جعل الله لرجل من أبوين ، كذلك لا يكون لزيد أبوين حارثة ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله مقاتل بن حيان . وفيه إثبات لمذهب الشافعي في نفي الولد عن أبوين ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من أبوين .
السادس : معناه : أنه لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد ويكون معناه : ما جعل الله لرجل من دينين ، حكاه النقاش .
) وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّلآئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ( وهو أن يقول لزوجته أنت عليّ كظهر أمي ، فهذا ظهار كانوا في الجاهلية يحرمون به الزوجات ويجعلونهن في التحريم كالأمهات فأبطل الله بذلك أن تصير محرمة كالأم لأنها ليست بأم وأوجب عليه بالظهار منها إذا صار فيه عامداً كفارة ذكرها في سورة المجادلة ومنعه من إصابتها حتى يكفر وسنذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب .
) وَمَا جَعلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ( يعني بذلك أدعياء النبي . قال مجاهد كان الرجل في الجاهلية يكون ذليلاً فيأتي ذا القوة والشرف فيقول : أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابناً أصبح أعز أهله وكان زيد بن حارثة منهم قد تبناه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما كان يصنع أهل الجاهلية فلما جاءت هذه الآية أمرهم الله أن يلحقوهم بآبائهم فقال : ) وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ( في الإسلام .

صفحة رقم 372
) ذَلِكُم قَوْلُكُم بِأَفْواهِكُمْ ( أن امرأته بالظهار أُمُّه وأن دَعيه بالتبني ابنه ) وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ ( في أن الزوجة لا تصير في الظهار أُمّاً والدعيُّ لا يصير بالتبني ابناً .
) وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ( يعني في إلحاق النسب بالأب ، وفي الزوجة أنها لا تصير كالأم .
قوله تعالى : ) ادْعُوهُمْ لآبآئِهِمْ ( يعني التبني : قال عبد الله بن عمر ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد إلى أن نزل قوله تعالى : ) ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ ( قال السدي فدعاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى حارثة وعرف كل نسبه فأقرّوا به وأثبتوا نسبه .
) هُوَ أَقْسَطُ عِنَد اللهِ ( أي أعدل عند الله قولاً وحكماً .
) فَإِنَ لَّمْ تَعْلَمُواْ ءَابَآءَهُمْ فإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم ومواليكم مثل عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد العزيز ، قاله مقاتل بن حيان .
الثاني : قولوا أخونا فلان وولينا فلان ، قاله يحيى بن سلام . وروى محمد بن المنكدر قال : جلس نفر من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم جابر بن عبد الله الأنصاري فتفاخروا بالآباء فجعل كل واحد منهم يقول أنا فلان بن فلان حتى انتهوا إلى سلمان فقال أنا سلمان ابن الإسلام فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال صدق سلمان وأنا عمر بن الإسلام وذلك قوله : ) فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ( .
الثالث : إنه إن لم يُعرف لهم أب ينسبون إليه كانوا إخواناً إن كانوا أحراراً ، وموالي إن كانوا عتقاء كما فعل المسلمون فيمن عرفوا نسبه وفيمن لم يعرفوه فإن المقداد بن عمرو كان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث الزهري فرجع إلى أبيه وسفيان بن معمر كانت أمه امرأة معمر في الجاهلية فادعاه ابناً ثم أسلم سفيان وشهد بدراً فنسب إلى أبيه ونسبه في بني زريق من الأنصار . وممن لم يعرف له أب سالم ، مولى أبي حذيفة ونسب إلى ولاء أبي حذيفة .
) وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأَتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما أخطأتم قبل النهي وما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وغيره ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 373
الثاني : ما أخطأتم به ما سهوتم عنه ، وما تعمدمت قلوبكم ما قصدتموه عن عمد ، قاله حبيب بن أبي ثابت .
الثالث : ما أخطأتم به أن تدعوه إلى غير أبيه ، قاله قتادة .
) وَكَانَ اللَّهُ غَفوراً رَحيماً ( أي غفوراً عما كان في الشرك ، رحيماً بقبول التوبة في الإسلام .
( الأحزاب : ( 6 ) النبي أولى بالمؤمنين . . . . .
" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا " ( قوله تعالى : ) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ( فيه أربعة أوجه
: أحدها : أنه أولى بهم من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته عليهم ، وقاله مقاتل بن حيان .
الثاني : أنه أولى بهم فيما رآه له بأنفسهم ، قاله عكرمة .
الثالث : أنه كان في الحرف الأول : هو أب لهم . وكان سبب نزولها أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما أراد غزاة تبوك أمرالناس بالخروج فقال قوم منهم نستأذن آباءنا وأمهاتنا فأنزل الله فيهم هذه الآية ، حكاه النقاش .
الرابع : أنه أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم على ما رواه عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( مَا مِن مُؤمنٍ إِلاَّ أَنَا أَولَى النَّاس بِهِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اقْرَأُوا إِن شِئْتُم ) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ( فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْتَرِثْهُ عُصْبَتُهُ مَن كَانُوا ، وَإِن تَرَكَ دَيناً أَوْ ضِيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ ) .

صفحة رقم 374
) وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ( يعني من مات عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أزواجه هن كالأمهات في شيئين .
أحدهما : تعظيم حقهن .
الثاني : تحريم نكاحهن . وليس كالأمهات في النفقة والميراث .
واختلف في كونهن كالأمهات في المحرم وإباحة النظر على الوجهين :
أحدهما : هن محرم لا يحرم النظر إليهن لتحريم نكاحهن .
الثاني : أن النظر إليهن محرم لأن تحريم نكاحهن إنما كان حفظاً لحق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهن فكان من حفظ حقه تحريم النظر إليهن ولأن عائشة رضي الله عنها كانت إذا أرادت دخول رجل عليها أمرت أختها أسماء أن ترضعه ليصير ابناً لأختها من الرضاعة فيصير محرماً يستبيح النظر .
وأما اللاتي طلقهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حياته فقد اختلف في ثبوت هذه الحرمة لهن على ثلاثة أوجه :
أحدها : تثبت لهن هذه الحرمة تغليباً لحرمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : لا يثبت لهن ذلك بل هذه كسائر النساء لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد أثبت عصمتهن وقال : أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة .
الثالث : أن من دخل بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهن ثبتت حرمتها ويحرم نكاحها وإن طلقها حفاظاً لحرمته وحراسة لخلوته ومن لم يدخل بها لم يثبت لها هذه الحرمة ، وقد همّ عمر بن الخطاب برجم امرأة فارقها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنكحت بعده فقالت : لم هذا وما ضرب عليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حجاباً ولا سميت للمؤمنين أماً ، فكف عنها .
وإذا كان أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمهات المؤمنين فيما ذكرناه فقد اختلف فيهن هل هن أمهات المؤمنات على وجهين :
أحدهما : أنهن أمهات المؤمنين والمؤمنات تعظيماً لحقهن على الرجال والنساء . الثاني : أن هذا حكم يختص بالرجال المؤمنين دون النساء لاختصاص الحظر

صفحة رقم 375
والإباحة بالرجال دون النساء . وقد روى الشعبي عن مسروق عن عائشة أن امرأة قالت لها يا أماه فقالت لست بأم لك أنا أم رجالكم .
) وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجرِينَ ( .
قيل إنه أراد بالمؤمنين الأنصار ، وبالمهاجرين قريشاً . وفيه قولان :
أحدهما : أن هذا ناسخ للتوارث بالهجرة حكى سعيد عن قتادة قال كان نزل في الأنفال ) وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتهِمْ مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ ( فتوارث المسلمون بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المهاجر المسلم شيئاً ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله ) وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعْضٍ ( .
الثاني : أن ذلك ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين روى هشام بن عمرو عن أبيه عن الزبير بن العوام قال أنزل فينا خاصة معشر قريش والأنصار لما قدمنا المدينة قدمناه ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم ، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت أنا كعب بن مالك ، فلما كان يوم أُحد قتل كعب بن مالك فجئت فوجدت السلاح قد أثقله فوالله لقد مات ما ورثه غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا .
قوله تعالى : ) فِي كِتَابِ اللَّهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : في القرآن ، قاله قتادة .
الثاني : في اللوح المحفوظ الذي قضى أحوال خلقه ، قاله ابن بحر .
) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ( يعني أن التوارث بالأنساب أولى من التوارث بمؤاخاة المؤمنين وبهجرة المهاجرين ما لم يختلف بالمتناسبين دين فإن اختلف بينهما الدين فلا توارث بينهما روى شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتِينِ ) .

صفحة رقم 376
) إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً ( فيه أربعة أوجه
أحدها : أنه أراد الوصية للمشرك من ذوي الأرحام ، قاله قتادة .
الثاني : أنه عنَى الوصية للحلفاء الذي آخى بينهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المهاجرين والأنصار ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه أراد الذين آخيتم تأتون إليهم معروفاً ، قاله مقاتل بن حيان .
الرابع : أنه عنى وصية الرجل لإخوانه في الدين ، قاله السدي .
) كَانَ ذَلِكَ فِي الْكَتَابِ مَسْطُوراً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطوراً قبل النسخ .
والثاني : كان نسخه بميراث أولي الأرحام في الكتاب مسطوراً قبل التوارث .
الثالث : كان أن لا يرث مسلم كافرا في الكتاب مسطوراً .
وفي ) الْكِتَابِ ( أربعة أوجه :
أحدها : في اللوح المحفوظ ، قاله إبراهيم التيمي .
الثاني : في الذكر ، قاله مقاتل بن حيان .
الثالث : في التوراة أمر بني اسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب حكاه النقاش .
الرابع : في القرآن ، قاله قتادة .

صفحة رقم 377
( الأحزاب : ( 7 - 8 ) وإذ أخذنا من . . . . .
" وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما " ( قوله تعالى : ) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ميثاقهم على قومهم أن يؤمنوا بهم ، قاله ابن عباس .
الثاني : ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوا الرسالة إليهم ، قاله الكلبي .
الثالث : ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً ، قاله قتادة .
) وَمِنكَ وَمِن نَّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ( روى قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قول الله تعالى : ) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِنَ نُّوحٍ ( قال ( كُنتُ أَوَّلَهُم فِي الخَلْقِ وَآخِرَهُم في البَعْثِ ) . ) وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثاقاً غَلِيظاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الميثاق الغليظ تبليغ الرسالة .
الثاني : يصدق بعضهم بعضاً .
الثالث : أن يعلنوا أن محمداً رسول الله ، ويعلن محمد أنه لا نبي بعده .
وفي ذكر من سمى من الأنبياء مع دخولهم في ذكر النبيين وجهان :
أحدهما : تفضيلاً لهم .
الثاني : لأنهم أصحاب الشرائع .
قوله تعالى : ) لِّيَسْأَلَ الصَادِقِينَ عَنَ صِدْقِهِمْ ( فيه أربعة أوجه :

صفحة رقم 378
أحدها : ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم ، حكاه النقاش . الثاني : ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم ، حكاه النقاش ابن عيسى .
الثالث : ليسأل الأنبياء عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم ، حكاه ابن شجرة .
الرابع : ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة .
( الأحزاب : ( 9 - 10 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا " ( قوله تعالى : ) اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ( قال ابن عباس يعني يوم الأحزاب حين أنعم الله عليهم بالصبر ثُم بالنصر .
) إِذْ جَآءَتْكُم جُنُودٌ ( قال مجاهد : جنود الأحزاب أبو سفيان وعيينة بن حصين وطلحة بن خويلد وأبو الأعور السلمي وبنو قريظة .
) فَأرْسَلْنَا عَلَيِهِمْ رِيحاً ( قال مجاهد : هي الصَّبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم وروى ابن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( نُصِرْتُ بِالصّبَا وأُهْلِكَت عَادٌ بِالدَّبُورِ ) وكان من دعائه يوم الأحزاب ( اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَورَتَنَا وَآمِن رَوْعَتَنَا ) فضرب الله وجوه أعدائه بريح الصَبا .

صفحة رقم 379
) وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا ( قال مجاهد وقتادة : هم الملائكة
. وفي ما كان منهم أربعة أقاويل :
أحدها : تفريق كلمة المشركين وإقعاد بعضهم عن بعض .
الثاني : إيقاع الرعب في قلوبهم ، حكاه ابن شجرة .
الثالث : تقوية نفوس المسلمين من غير أن يقاتلوا معهم وأنها كانت نصرتهم بالزجر حتى جاوزت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد : إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة .
) وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ( يعني من حفر الخندق والتحرز من العدو
. قوله تعالى : ) إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ ( يعني من فوق الوادي وهو أعلاه من قبل المشرق ، جاء منه عوف بن مالك في بني نضر ، وعيينة بن حصين في أهل نجد ، وطلحة بن خويلد الأسدي في بني أسد .
) وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ( يعني من بطن الوادي من قبل المغرب أسفل أي تحتاً من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ، ويزيد بن جحش على قريش ، وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق .
) وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ ( فيه وجهان
: أحدهما : شخصت .
الثاني : مالت :
) وَبَلَغَتِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرَ ( أي زالت عن أماكنها حتى بلغت القلوب

صفحة رقم 380
الحناجر وهي الحلاقيم واحدها حنجرة . وقيل إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة . وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال يوم الخندق : يا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل تأمر بشيء تقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال : ( نعم قُولُواْ : اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَنَا وَآمِنْ رَوْعَتَنَا ) قال : فضرب الله وجوه أعدائه بالريح فهزموا بها .
) وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ( فيه وجهان :
أحدهما : فيما وعدوا به من نصر ، قاله السدي .
الثاني : أنه اختلاف ظنونهم فظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، قاله الحسن .
( الأحزاب : ( 11 - 13 ) هنالك ابتلي المؤمنون . . . . .
" هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا " ( قوله تعالى : ) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالحصر ، حكاه النقاش .
الثاني : بالجوع فقد أصابهم بالخندق جوع شديد ، قاله الضحاك .
الثالث : امتحنوا في الصبر على إيمانهم وتميز المؤمنون عن المنافقين ، حكاه ابن شجرة . وحكى ابن عيسى أن ) هُنالِكَ ( للبعد من المكان ، وهناك للوسط وهنا للقريب .
) وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : حركوا بالخوف تحريكاً شديداً ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنه اضطرابهم عما كانوا عليه فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه .

صفحة رقم 381
الثالث : أنه حركهم الأمر بالثبات والصبر ، وهو محتمل .
الرابع : هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق ، قاله الضحاك .
قوله تعالى : ) وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن المرض النفاق ، قاله قتادة .
الثاني : أنه الشرك ، قاله الحسن .
) مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ( حكى السدي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحفر الخندق لحرب الأحزاب فبينا هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول على صفاة فطار منها كهيئة الشهاب من نار في السماء ، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك ، وضرب الثالث فخرج مثل ذلك فرأى ذلك سلمان فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( رَأَيتَ مَا خَرَجَ فِي كُلّ ضَرْبَةٍ ضَرَبْتَهَا ) قال : نعم يا رسول الله فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( تُفْتَحُ لَكُمْ بِيضُ المَدَائِنِ وَقُصُورُ الرُّومِ وَمَدَائِنُ اليَمن ) قال ففشا ذلك في أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتحدثواْ به ، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب . وقال غيره قشير بن عدي الأنصاري من الأوس : وعدنا محمد أن تفتح لنا مدائن اليمن وقصور الروم وبيض المدائن وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل ؟ هذا والله الغرور فأنزل الله هذه الآية .
قوله تعالى : ) وَإِذْ قَالت طَّآئِفَةٌ مِّنهُمْ ( يعني من المنافقين قيل إنهم من بني سليم ، وقيل إنه من قول أوس بن فيظي ومن وافقه على رأيه ، ذكر ذلك يزيد بن رومان ، وحكى السدي أنه عبد الله بن أُبي وأصحابه .
) يَأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مَقُامَ لَكُم فَارْجِعُواْ ( قرأ حفص عن عاصم بضم الميم ، والباقون بالفتح . وفي الفرق بينهما وجهان :

صفحة رقم 382
أحدهما : وهو قول الفراء أن المقام بالفتح الثبات على الأمر ، وبالضم الثبات في المكان .
الثاني : وهو قول ابن المبارك انه بالفتح المنزل وبالضم الإقامة .
وفي تأويل ذلك ثلاثة أوجه :
أحدها : أي لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب ، قاله الحسن .
الثاني : لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان ، قاله الكلبي .
الثالث : لا مقام في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم ، قال النقاش .
والمراد بيثرب المدينة وفيه قولان :
أحدهما : أن يثرب هي المدينة ، حكاه ابن عيسى . الثاني : أن المدينة في ناحية من يثرب ، قاله أبو عبيدة وقد روى يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مَن قَالَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ ، هَي طَابَةُ ) ثلاثة مرات .
) وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ ( قال السدي : الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة ، أحدهما أبو عرابة بن أوس ، والآخر أوس بن فيظي . قال الضحاك : ورجع ثمانون رجلاً بغير إذن .
) يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي ، قاله قتادة .

صفحة رقم 383
الثاني : خالية ليس فيها إلا العورة من النساء ، قاله الكلبي والفراء ، مأخوذ من قولهم قد اعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب قال الشاعر :
89 ( له الشدة الأولى إذا القرن أعورا ) 89
الثالث : مكشوفة الحيطان نخاف عليها السراق والطلب ، قاله السدي والعرب تقول قد أعور منزلك إذا ذهب ستره وسقط جداره وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة ، وقرأ ابن عباس : إن بيوتنا عَوِرة ، بكسر الواو ، أي ممكنة العورة .
ثم قال : ) وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ( تكذيباً لهم فيما ذكروه .
) إِن يُريدُونَ إِلاَّ فِرَاراً ( يحتمل وجهين
: أحدهما : فراراً من القتل .
الثاني : من الدِّين . وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار من بني حارثة وبني سلمة ، همّوا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق وفيهم أنزل الله ) إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنكُمْ أن تَفْشَلاَ ( " [ آل عمران : 122 ] الآية . فلما نزلت هذه الآية قالوا : والله ما سرّنا ما كنا هممنا به إن كان الله ولينا .
( الأحزاب : ( 14 - 17 ) ولو دخلت عليهم . . . . .
" ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " ( قوله تعالى : ) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ( أي لو دخل على المنافقين من أقطار المدينة ونواحيها .
) ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لأَتَوهَا ( فيه وجهان :
أحدهما : ما تلبثوا عن الإجابة إلى الفتنة إلا يسيراً ، قاله ابن عيسى .
الثاني : ما تلبثوا بالمدينة إلا يسيراً حتى يعدموا ، قاله السدي .
قوله : ) وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ ( الآية ، فيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 384
أحدها : أنهم عاهدوه قبل الخندق وبعد بدر ، قاله قتادة .
الثاني : قبل نظرهم إلى الأحزاب ، حكاه النقاش .
الثالث : قبل قولهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا .
وحكي عن ابن عباس أنهم بنو حارثة .
) وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً ( يحتمل وجهين
: أحدهما مسئولاً عنه للجزاء عليه .
الثاني : للوفاء به .
قوله تعالى : ) قُل مَن الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّن اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ( .
فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إن أراد بكم هزيمة أو أراد بكم نصراً ، حكاه النقاش .
الثاني : إن أراد بكم عذاباً ، أو أراد بكم خيراً ، قاله قتادة .
الثالث : إن أراد بكم قتلاً أو أراد بكم توبة ، قاله السدي .
( الأحزاب : ( 18 - 19 ) قد يعلم الله . . . . .
" قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا " ( قوله تعالى : ) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ ( يعني المثبطين من المنافقين ، قيل إنهم عبد الله بن أُبي وأصحابه .
) وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِليْنَا ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم المنافقون قالوا للمسلمين ما محمد إلا أكلة رأس وهو هالك ومن معه فهلم إلينا .
الثاني : أنهم اليهود من بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين هلم إلينا أي تعالوا إلينا وفارقوا محمداً فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحداً .
الثالث : ما حكاه ابن زيد أن رجلاً من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انصرف من عنده يوم

صفحة رقم 385
الأحزاب فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال : أنت هكذا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين الرماح والسيوف ، فقال له أخوه كان من أبيه وأمه . هلّم إليّ قد تُبع بك وبصاحبك أي قد أحيط بك وبصاحبك ، فقال له : كذبت والله لأخبرنه بأمرك وذهب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليخبره فوجده قد نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله تعالى : ) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ( .
) وَلاَ يَأْتُونَ البََأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ( فيه وجهان
: أحدهما : لا يحضرون القتال إلا كارهين وإن حضروه كانت أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين قاله قتادة .
الثاني : لا يشهدون القتال إلا رياء وسمعة ، قاله السدي ، وقد حكي عن الحسن في قوله تعالى : ) وَلاَ يَذْكُرُونَ إلاَّ قَلِيلاً ( إنما قل لأنه كان لغير الله عز وجل .
قوله تعالى : ) أَشِحَّةً عَلَيكُمْ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أشحة بالخير ، قاله مجاهد .
الثاني : بالقتال معكم ، قاله ابن كامل .
الثالث : بالغنائم إذا أصابوها ، قاله السدي .
الرابع : أشحة بالنفقة في سبيل الله ، قاله قتادة .
) فَإِذَا جَآءَ الْخَوفُ ( فيه قولان :
أحدهما : إذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل ، قاله السدي .
الثاني : الخوف من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا غلب ، قاله ابن شجرة .
) رَأيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ إِليَكَ ( خوفاً من القتال على القول الأول ، ومن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على القول الثاني .
) تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوتِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة .
الثاني : تدور أعينهم لشدة خوفهم حذراً أن يأتيهم القتل من كل جهة .
) فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 386
أحدهما : أي رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد أي شديدة ذربة ، ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لَعَنَ اللَّهُ السَّالِقَةَ وَالخَارِقَةُ وَالحَالِقَةَ ) يعني بالسالقة التي ترفع صوتها بالنياحة والخارقة التي تخرق ثوبها في المصيبة وبالحالقة التي تحلق شعرها .
الثاني : معناه آذوكم بالكلام الشديد . والسلق الأذى ، قاله ابن قتيبة . قال الشاعر :
ولقد سلقن هوازنا
بنواهلٍ حتى انحنينا
وقال الخليل : سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره وفي سلقهم بألسنةٍ حداد وجهان :
أحدهما : نزاعاً في الغنيمة ، قاله قتادة .
الثاني : جدالاً عن أنفسهم ، قاله الحسن .
) أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : على قسمة الغنيمة ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : على المال ينفقونه في سبيل الله ، قاله السدي .
الثالث : على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بظفره .
) أَوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ ( يعني بقلوبهم .
) فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ( يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها .

صفحة رقم 387
) وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ( فيه وجهان :
أحدهما : وكان نفاقهم على الله هيناً .
الثاني : وكان إحباط عملهم على الله هيناً .
( الأحزاب : ( 20 ) يحسبون الأحزاب لم . . . . .
" يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا " ( قوله تعالى : ) يَحْسَبُونَ الأَحْزَابِ لَمْ يَذْهَبُواْ ( يعني أن المنافقين يحسبون أبا سفيان وأحزابه من المشركين حين تفرقوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مغلوبين لم يذهبوا عنه وأنهم قريب منهم ثم فيه وجهان :
أحدهما : أنهم كانواعلى ذلك لبقاء خوفهم وشدة جزعهم .
الثاني : تصنعاً للرياء واستدامة التخوف .
) وَإِنَ يَأْتِ الأَحْزَابُ ( يعني أبا سفيان وأصحابه من المشركين
. ) يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعرْابِ ( أي يود المنافقون لو أنهم في البادية مع الأعراب حذراً من القتل وتربصاً للدوائر .
) يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ ( أي عن أخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه يتحدثون : أما هلك محمد وأصحابه ، أما غلب أبو سفيان وأحزابه .
) وَلَوْ كَانُواْ فِيكُم مَا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً ( فيه وجهان
: أحدهما : إلا كرهاً .
الثاني : إلا رياءً .
( الأحزاب : ( 21 - 22 ) لقد كان لكم . . . . .
" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " ( قوله تعالى : ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوُلِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 388
أحدهما : أي مواساة عند القتال ، قاله السدي .
الثاني : قدوة حسنة يتبع فيها ، والأسوة الحسنة المشاركة في الأمر يقال هو مواسيه بماله إذا جعل له نصيباً .
وفي المراد بذلك وجهان :
أحدهما : الحث على الصبر مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في حروبه .
الثاني : التسلية لهم فيما أصابهم فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شُج وكُسِرَت رباعيته وقتل عمه حمزة .
) لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِر ( فيه وجهان
: أحدهما : لمن كان يرجو ثواب الله في اليوم الآخر قاله ابن عيسى .
الثاني : لمن كان يرجوا الله بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، قاله ابن جبير .
) وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ( يحتمل وجهين
: أحدهما : أي استكثر من العمل بطاعته تذكراً لأوامره .
الثاني : أي استكثر من ذكر الله خوفاً من عقابه ورجاء لثوابه واختلف فيمن أريد بهذا الخطاب على قولين :
أحدهما : المنافقون عطفاً عل ما تقدم من خطابهم .
الثاني : المؤمنون لقوله : ) لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ( .
واختلف في هذه الأسوة بالرسول هل هي على الإِيجاب أو على الاستحباب على قولين :
أحدهما : على الإيجاب حتى يقوم دليل علىالاستحباب .
الثاني : على الاستحباب حتى يقول دليل على الإيجاب .
ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين ، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا .
قوله تعالى : ) وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأحْزَابِ . . . ( الآية . فيه قولان :
أحدهما : أن الله وعدهم في سورة البقرة فقال ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم ( " [ البقرة : 214 ] الآية . فلما رأواْ أحزاب المشركين يوم الخندق ) قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ( قاله قتادة .

صفحة رقم 389
الثاني : ما رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال خطب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عام ذكرت الأحزاب فقال : ( أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةُ عَلَيهَا يَعْنِي قُصُورِ الحِيرَةِ وَمَدَائِنِ كِسرَى فَأبْشِرُوا بِالنَّصْرِ ) فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون ) هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولَهُ ( الآية .
) . . . إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ( فيه قولان
: أحدهما : إلا إيماناً وتسلمياً للقضاء ، قاله الحسن .
الثاني : إلا إيماناً بما وعد الله وتسليماً لأمر الله .
( الأحزاب : ( 23 - 24 ) من المؤمنين رجال . . . . .
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما " ( قوله تعالى : ) مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ ( فيهم قولان :
أحدهما : أنهم بايعوا الله على ألا يفرُّوا ، فصدقوا في لقائهم العدو يوم أحد ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنهم قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله ألا يتأخروا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حرب يشهدها أو أمر بها ، فوفوا بما عاهدوا الله عليه ، قاله أنس بن مالك .
) فَمِنْهُم مَّن قَضَى نحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنْتَظِرُ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فمنهم من مات ومنهم من ينتظر الموت ، قاله ابن عباس ومنه قول بشر بن أبي خازم :
قضى نحب الحياة وكلُّ حي
إذا يُدْعى لميتته أجابا

صفحة رقم 390
الثاني : فمنهم من قضى عهده قتل أو عاش ، ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال أو صدق لقاء ، قاله مجاهد .
الثالث : فمنهم من قضى نذره ومنه قول الراعي :
حتى تحنّ إلى ابن أكرمها
حسباً وكن منجز النحب
فيكون النحب على التأويل الأول الأجل ، وعلى الثاني العهد ، وعلى الثالث النذر .
) وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ( فيه وجهان :
أحدهما : ما غيروا كما غير المنافقون ، قاله ابن زيد .
الثاني : ما بدلوا ما عاهدوا الله عليه من الصبر ولا نكثوا بالفرار ، وهذا معنى قول الحسن .
قوله : ) لِّيَجْزِيَ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : الذين صدقوا لما رأواْ الأحزاب ) هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ( الآية .
الثاني : الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من قبل فثابوا ولم يغيروا .
) وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ ( فيه وجهان :
أحدهما : يعذبهم إن شاء ويخرجهم من النفاق إن شاء ، قاله قتادة .
الثاني : يعذبهم في الدنيا إن شاء أو يميتهم على نفاقهم فيعذبهم في الآخرة إن شاء ، قاله السدي .
) أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ( قال السدي يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون .

صفحة رقم 391
) إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ( يحتمل وجهين
: أحدهما : غفرواً بالتوبة رحيماً بالهداية إليها .
الثاني : غفوراً لما قبل التوبة رحيماً لما بعدها .
( الأحزاب : ( 25 ) ورد الله الذين . . . . .
" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " ( قوله تعالى : ) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَغَيظِهِمْ ( يعني أبا سفيان وجموعه من الأحزاب .
) بِغَيظِهِمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : بحقدهم .
الثاني : بغمّهم .
) لَمْ يَنَالُواْ خَيراً ( قال السدي لم يصيبوا من محمد وأصحابه ظفراً ولا مغنماً
. ) وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ( فيه وجهان
: أحدهما : بعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه . حكى سفيان الثوري عن زيد عن مرة قال أقرأنا ابن مسعود هذا الحرف : ) وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ( بعلي بن أبي طالب .
الثاني : بالريح والملائكة ، قاله قتادة والسدي .
) وََكَانَ اللَّهُ قَوِياً ( في سلطانه . ) عَزِيزاً ( في انتقامه .
( الأحزاب : ( 26 - 27 ) وأنزل الذين ظاهروهم . . . . .
" وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا " ( قوله تعالى : ) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْل الْكِتَابِ ( هم بنو قريظة من اليهود ظاهرواْ أبا سفيان ومجموعة من الأحزاب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي عاونوه والمظاهرة

صفحة رقم 392
هي المعاونة . وكان بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد فنقضوه فغزاهم بعد ستة عشر يوماً من الخندق قال قتادة نزل عليه جبريل وهو عند زينب بنت جحش يغسل رأسه فقال عفا الله عنك ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة فانهد إلى بني قريظة فإني قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال فسار إليهم فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة حتى نزلوا على التحكيم في أنفسهم .
وفيمن نزلوا على حكمه قولان :
أحدهما : أنهم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم أن يقتل مقاتلوهم ويسبى ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه : آثرت المهاجرين بالعقار علينا ، فقال : إنكم ذوو عقار وليس للمهاجرين فكبّر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ( قُضِيَ فِيهِم بِحُكْمِ اللَّهِ ) قاله قتادة .
الثاني : أنهم نزلوا على حكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يحكموا سعداً لكن أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى سعد فقال : ( أَشِر عَلَيَّ فِيهِم ) فقال : لو وليتني أمرهم لقتلت مقاتليهم ولسبيت ذراريهم ولقسمت أموالهم فقال : ( وَالَّذِي نَفْسِ بِيَدِهِ لََقَدْ أَشَرتَ عَلَيَّ فِيهِم بِالَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ ) وروي ذلك عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبيه .
) مِن صَيَاصِيهِمْ ( من حصونهم قال الشاعر :

صفحة رقم 393
فأصبحت النسوان عقرى وأصبحت
نساء تميم يبتدرْن الصياصيا .
وسميت بذلك لامتناعهم بها ، ومنه سميت قرون البقر صياصي لامتناعها بها ، وسميت شوكة الديك التي في ساقه صيصية .
) وَقَذَفَ فِي قُُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ( قال قتادة بصنيع جبريل بهم
. ) فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ( حكى عطية القرظي أنهم عُرضوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بني قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل ، فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي فتركت فقيل إنه قتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً وهم الذين عناهم الله بقوله ) فَرِيقاً تقتلون ( وسبي سبعمائة وخمسين رجلاً وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله ) وتأسرون فريقاً ( وقال قتادة : قتل أربعمائة وسبى سبعمائة .
) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُم وَأَمْوَالَهُم ( يريد بالأرض النخل والمزارع ، وبالدبار المنازل وبالأموال المنقولة .
) وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُوهَا ( فيها أربعة أقاويل
: أحدها : أنها مكة ، قاله قتادة .
الثاني : خيبر ، قاله السدي وابن زيد .
الثالث : فارس والروم ، قاله الحسن .
الرابع : ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة ، قاله عكرمة .
) وَكَانَ اللَّهُ علََى كُلِّ شَيءٍ قَدِيراً ( فيه وجهان
: أحدهما : على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قديرٌ ، قاله ابن اسحاق .
الثاني : على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقرى ، قدير ، قاله النقاش .
( الأحزاب : ( 28 - 29 ) يا أيها النبي . . . . .
" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " (

صفحة رقم 394
قوله تعالى : ) يَأَيُّها النَبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا ( الآية .
وهذا أمر من الله لنبيه أن يخبر أزواجه ، واختلف أهل التأويل في تخييره لهن على قولين :
أحدهما : خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن واختيار الآخرة فيمسكهن ، ولم يخيرهن في الطلاق ، قاله الحسن وقتادة .
الثاني : أنه خيّرهن بين الطلاق أو المقام معه ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها وعكرمة والشعبي ومقاتل .
روى عبد الله بن أبي ثورعن ابن عباس قال : قالت عائشة رضي الله عنها : أنزلت آية التخيير فبدأني أول امرأة من نسائه ، فقال : ( إنّي ذَاكَرٌ أَمْراً وَلاَ عَلَيك أَلاَّ تَعْمَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبُوَيكِ ) وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه قالت : ثم تلا آية التخيير فقالت أفي هذا أستأمر أبويّ ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة . ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل قولي . وقال سعيد بن جبير : إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها .
واختلف في السبب الذي لأجله خير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه على خمسة أقاويل :
أحدها : لأن الله تعالى خير نبيه بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة ، فاختار الآخرة على الدنيا وقال : ( اللَّهُمَّ احْيِنِي مِسْكِيناً وَأمِتْنِي مِسْكِينَاً وَاحْشْرْنِي فِي زُمْرَةِ

صفحة رقم 395
المَساكِين ) فلما اختار ذلك أمره الله تعالى بتخيير نسائه ليكنَّ على مثل حاله إن كان اختيارهن مثل ما اختاره . حكاه أبو القاسم الصيمري .
الثاني : لأنهن تغايرن عليه ، فروت عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت : حلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليهجرنَنّا شهراً فدخل عليّ بعد صبحة تسعة وعشرين ، فقلت يا رسول الله : ألم تكن حلفت لتهجرننا شهراً ؟ فقال : ( إن الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، ) ثم خنس الإبهام ، ثم قال يا عائشة : ( إِنّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً وَلاَ عَلَيْكِ أَن لاَّ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيري أَبُويكِ ) وخشي حداثة سني قلت : وما ذاك ؟ قال ( أُمِرْتُ أَن أَخَيِّرَكُنَّ ) . الثالث : أن أزواجه طالبنه وكان غير مستطيع فكان أوّلهن أم سلمة فسألته ستراً معلماً ، فلم يقدر عليه ، وسألته ميمونة حلة يمانية ، وسألته زينب بنت جحش ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني ، وسألته أم حبيبة ثوباً سحولياً ، وسألته حفصة ثوباً من ثياب مصر ، وسألته جويرية معجزاً ، وسألته سودة قطيفة جبيرية ، وكل واحدة منهن طلبت نصيباً إلاّ عائشة لم تطلب شيئاً ، فأمر الله تعالى بتخييرهن ، حكاه النقاش .
الرابع : لأن أزواجه اجتمعن يوماً فقلن : نريد ما تريد النساء من الحلي والثياب حتى قال بعضهن : لو كنا عن غير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذن لكان لنا شأن وثياب وحلي ، فأنزل الله تعالى آية التخيير ، حكاه النقاش .
الخامس : لأن الله تعالى صان خلوة نبيه فخيرهن على ألا يتزوجن بعده ، فلما أجَبْنَ إلى ذلك أمسكهن . قال مقاتل بن حيان : قاله الحسن وقتادة : وكان تحته يومئذ

صفحة رقم 396
تسع سوى الحميرية ، خمس من قريش : عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة ، هؤلاء خمس من قريش ، وكان تحته صفية بنت حيي بن أخطب الحميرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية . فلما اخترنه والصبر معه على ما يلاقيه من شدة ورخاء عوضهن الله تعالى على صبرهن بأمرهن بأمرين : أحدهما : بأن يجعلهن أمهات المؤمنين فقال تعالى : ) وَأَزْوَاجُهُ أَمَّهَاتُكُمْ ( تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن .
الثاني : أن حظر عليهن طلاقهن والاستبدال بهن فقال ) لاَ يَحِلُّ لك النِّسَاءُ مِن بَعد . . . ( الآية . فكان تحريم طلاقهن مستداماً . وأما تحريم التزويج عليهن فقد كان ذلك لما كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في شدته وقلة مكنته .
ثم اختلف الناس بعد سعة الدنيا عليه هل أحل الله له النساء على قولين :
أحدهما : أنه كان تحريمه عليهن باقياً لأن الله تعالى جعله جزاء لصبرهن .
الثاني : أن الله تعالى أحل له النساء أن يتزوج عليهن عند اتساع الدنيا عليه ، لأن علة التحريم الضيق والشدة ، فإذا زالت زال موجبها . قالت عائشة رضي الله عنها ما مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحلّ له النساء ، يعني اللاتي حظرن عليه ، وقيل إن الناسخ لتحريمهن قوله عز وجل : ) يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ( الآية .
فأما غير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلا يلزمهم تخيير نسائهم فإن خيروهن فقد اختلف الفقهاء في حكمهن على ثلاثة مذاهب .
أحدها : إن اخترن الزوج فلا فرقة ، وإن اخترن أنفسهن كانت تطليقة رجعية . وهذا قول الزهري وعائشة والشافعي .
الثاني : إن اخترن الزوج فهي تطليقة وله الرجعة ، وإن اخترن أنفسهن فهي تطليقة بائن والزوج كأحد الخطاب ، وهذا قول عليّ رضي الله عنه .
الثالث : إن اخترن الزوج فهي تطليقة والزوج كأحد الخطاب ، وإن اخترن أنفسهن فهي ثلاث ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ، وهذا قول زيد بن ثابت .

صفحة رقم 397
( الأحزاب : ( 30 - 31 ) يا نساء النبي . . . . .
" يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما " ( قوله عز وجل : ) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشةٍ مُّبَيِّنَةٍ ( فيها قولان
: أحدهما : الزنى ، قاله السدي .
الثاني : النشوز وسوء الخلق ، قاله ابن عباس .
) يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، قاله قتادة .
الثاني : أنهما عذابان في الدنيا لعظم جرمهن بأذية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال مقاتل : حدّان في الدنيا غير السرقة .
وقال أبو عبيدة والأخفش : الضعفان أن يجعل الواحد ثلاثة ، فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضِعْفا الواحد ثلاثة .
وقال ابن قتيبة : المراد بالضعف المثل فصار المراد بالضعفين المثلين .
وقال آخر : إذا كان ضعف الشيء مثليه وجب بأن يكون ضعفاه أربعة أمثاله .
قال سعيد بن جبير : فجعل عذابهن ضعفين ، وجعل على من قذفهن الحد ضعفين .

صفحة رقم 398
) وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ( أي هيناً
. قوله عز وجل : ) وَمَن يَقْنُتْ مِنُكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ( أي تُطِع الله ورسوله والقنوت الطاعة .
) وَتَعْمَلُ صَالِحاً ( أي فيما بينها وبين ربها
. ) نُؤْتِهَا أَجرَهَا مَرَّتِين ( أي ضعفين ، كما كان عذابها ضعفين . وفيه قولان
: أحدهما : أنهما جميعاً في الآخرة .
الثاني : أن أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة .
) وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً ( فيه وجهان
: أحدهما : في الدنيا ، لكونه واسعاً حلالاً .
الثاني : في الآخرة وهو الجنة .
) كَرِيماً ( لكرامة صاحبه ، قاله قتادة .
( الأحزاب : ( 32 - 34 ) يا نساء النبي . . . . .
" يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا " ( قوله عز وجل : ) يَا نِسَآءَ النَّبِيَّ لَسْتنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النِّسَآءِ ( قال قتادة : من نساء هذه الأمة .
) إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ( قال مقاتل : إنكن أحق بالتقوى من سائر النساء
. ) فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ( فيه ستة أوجه
: أحدها : معناه فلا ترققن بالقول .
الثاني : فلا ترخصن بالقول ، قاله ابن عباس .
الثالث : فلا تُلِن القول ، قاله الفراء .

صفحة رقم 399
الرابع : لا تتكلمن بالرفث ، قاله الحسن . قال متمم .
ولستُ إذا ما أحدث الدهر نوبة
عليه بزوّار القرائب أخضعا
الخامس : هو الكلام الذي فيه ما يهوى المريب
. السادس : هو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال ، قاله ابن زيد .
) فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ( فيه قولان
: أحدهما : أنه شهوة الزنى والفجور ، قاله عكرمة والسدي .
الثاني : أنه النفاق ، قاله قتادة . وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المنافقون .
) وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : صحيحاً ، قاله الكلبي .
الثاني : عفيفاً ، قاله الضحاك .
الثالث : جميلاً .
قوله عز وجل : ) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ( قرئت على وجهين :
أحدهما : بفتح القاف ، قرأه نافع وعاصم ، وتأويلها اقررن في بيوتكن ، من القرار في مكان .
الثاني : بكسر القاف : قرأها الباقون ، وتأويلها كن أهل وقار وسكينة .
) وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ( وفي خمسة أوجه :
أحدها : أنه التبختر ، قاله ابن أبي نجيح .
الثاني : كانت لهن مشية تكسرٍ وتغنج ، فنهاهن عن ذلك ، قاله قتادة ، ومنه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( المَائِلاَتُ المُمِيلاَتُ : اللاَّئِي يَسْتَمِلْنَ قُلُوبَ الرِّجَالِ إلَيهِنَّ ) . الثالث : أنه كانت المرأة تمشي بين يدي الرجل ، فذلك هو التبرج ، قاله مجاهد .

صفحة رقم 400
الرابع : هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ليواري قلائدها وعنقها وقرطها ، ويبدو ذلك كله منها ، فذلك هو التبرج ، قال مقاتل بن حيان .
الخامس : أن تبدي من محاسنها ما أوجب الله تعالى عليها ستره ، حكاه النقاش وأصله من برج العين وهو السعة فيها .
وفي ) الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ( أربعة أقاويل :
أحدها : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، قاله الشعبي وابن أبي نجيح .
الثاني : زمان إبراهيم ، قاله مقاتل والكلبي ، وكانت المرأة في ذلك الزمان تلبس درعاً مفرجاً ليس عليها غيره وتمشي في الطريق ، وكان زمان نمرود .
الثالث : أنه ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة ، وكان نساؤهم أقبح ما تكون النساء ، ورجالهم حسان ، وكانت المرأة تريد الرجل على نفسها ، فهو تبرج الجاهلية الأولى : قاله الحسن .
الرابع : أنه ما بين نوح وإدريس . روى عكرمة عن ابن عباس أن الجاهلية الأولى كانت ألف سنة . وفيه قولان :
أحدهما : أنه كانت المرأة في زمانها تجمع زوجاً وخلما ، والخلم الصاحب ، فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخلمها نصفها الأعلى ، ولذلك يقول بعض الخلوم :
فهل لك في البدال أبا خبيب
فأرضى بالأكارع والعجُوز
الثاني : وهو مبدأ الفاحشة ، وهو أن بطنين من بني آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة ، وأن إبليس اتخذ لهم عيداً فاختلط أهل السهل بأهل الجبل فظهرت الفاحشة فيهم ، فهو تبرج الجاهلية . قوله عز وجل : ) إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ( وفي الرجس ها هنا ستة أقاويل :
أحدها : الإثم ، قاله السدي .
الثاني : الشرك ، قاله الحسن .

صفحة رقم 401
الثالث : الشيطان ، قاله ابن زيد .
الرابع : المعاصي .
الخامس : الشك .
السادس : الأقذار .
وفي قوله تعالى ) أَهْلَ الْبَيْتِ ( - ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه عنى علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، قاله أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم .
الثاني : أنه عنى أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة ، قاله ابن عباس وعكرمة .
الثالث : أنها في الأهل والأزواج ، قاله الضحاك .
) وَيُطَهّرَكُمْ تطْهِيراً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : من الإثم ، قاله السدي .
الثاني : من السوء ، قاله قتادة .
الثالث : من الذنوب ، قاله الكلبي ، ومعانيها متقاربة .
وفي تأويل هذه الآية لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه :
أحدها : يذهب عنكم رجس الأهواء والتبرج ويطهركم من دنس الدنيا والميل إليها .
الثاني : يذهب عنكم رجس الغل والحسد ، ويطهركم بالتوفيق والهداية .
الثالث : يذهب عنكم رجس البخل والطمع ويطهركم بالسخاء والإيثار ، روى أبو ليلى الكندي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في بيتها على منام له ، عليه كساء خيبري .
قوله عز وجل : ) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ ( قال قتادة القرآن .
) وَالْحِكْمَةِ ( فيها وجهان :
أحدهما : السنة ، قاله قتادة .
الثاني : الحلال والحرام والحدود ، قاله مقاتل .

صفحة رقم 402
) إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ( قال عطية العوفي : لطيفاً باستخراجها خبيراً بموضعها .
( الأحزاب : ( 35 ) إن المسلمين والمسلمات . . . . .
" إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما " ( قوله عز وجل : ) إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ( سبب نزول هذه الآية ما رواه يحيى بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت : يا رسول الله ما للرجال يذكرون في القرآن ولا تذكر النساء ؛ فنزلت ) إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ( - الآية وفيها قولان :
أحدهما : يعني بالمسلمين والمسلمات المتذللين والمتذللات . وبالمؤمنين والمؤمنات المصدقين والمصدقات .
الثاني : أنهما في الدين ، فعلى هذا في الإسلام والإيمان قولان :
أحدهما : أنهما واحد في المعنى وإن اختلفا في الأسماء .
الثاني : أنهما مختلفان على قولين :
أحدهما : أن الإسلام الإقرار باللسان ، والإيمان التصديق به ، قاله الكلبي .

صفحة رقم 403
الثاني : أن الإسلام هو اسم الدين والإيمان هو التصديق به والعمل عليه .
) وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتاتِ ( فيه وجهان :
أحدهما : المطيعين والمطيعات ، قاله ابن جبير .
الثاني : الداعين والداعيات .
) وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ( فيه وجهان
: أحدهما : الصادقين في إيمانهم والصادقات ، قاله ابن جبير .
الثاني : في عهودهم .
) وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ( فيه وجهان
: أحدهما : على أمر الله ونهيه ، قاله ابن جبير .
الثاني : في البأساء والضراء .
) والْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : المتواضعين والمتواضعات ، قاله ابن جبير .
الثاني : الخائفين والخائفات : قاله يحيى بن سلام وقتادة .
الثالث : المصلين والمصليات ، قاله الكلبي .
) وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ( فيه وجهان
: أحدهما : المتصدقين والمتصدقات بأنفسهم في طاعة الله .
الثاني : بأموالهم . ثم فيه وجهان :
أحدهما : المؤدين الزكوات المفروضات .
الثاني : المتطوعين بأداء النوافل بعد المفروضات ، قاله ابن شجرة .
) وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ ( فيه وجهان
: أحدهما : الإمساك عن المعاصي والقبائح .
الثاني : عن الطعام والشراب وهو الصوم الشرعي . وفيه وجهان :
أحدهما : صوم الفرض .
الثاني : شهر رمضان وثلاثة أيامٍ من كل شهر ، قاله ابن جبير . وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( صَومُ الشَّهْرِ وَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ يُذْهِبْنَ وَغْرَ الصَّدْرِ ) . ) وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ( فيه وجهان
:

صفحة رقم 404
أحدهما : عن الفواحش .
الثاني : أنه أراد منافذ الجسد كلها فيحفظون أسماعهم عن اللغو والخنا ، وأفواههم عن قول الزور وأكل الحرام . وفروجهم عن الفواحش .
) وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ ( فيهم ثلاثة أوجه
: أحدها : باللسان قاله يحيى بن سلام .
الثاني : التالون لكتابه ، قاله ابن شجرة .
الثالث : المصلين والمصليات ، حكاه النقاش .
) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجَرْاً عَظِيماً ( لعلمهم ، قاله ابن جبير ، قال قتادة : وكانت هذه الآية أول آية نزلت في النساء فذكرن بخير .
( الأحزاب : ( 36 ) وما كان لمؤمن . . . . .
" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ( قوله تعالى : ) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيرَةُ مِنُ أَمْرِهِمْ ( فيها قولان :
أحدهما : أنها نزلت في زينب بنت جحش خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لزيد بن حارثة فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله بن جحش وأنهما ولدا عمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمهما أميمة بنت عبد المطلب وأن زيداً كان بالأمس عبداً فنزلت هذه الآية فقالت : أمري بيدك يا رسول الله فزوجها به ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . قال مقاتل : ساق إليها عشرة دنانير وستين درهماً وملحفة ودرعاً وخمسين مداً من طعام وعشرة أمداد من تمر .
الثاني : أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت أول امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( قَدْ قَبِلْتُ ) فزوجها زيد بن حارثة فسخطت

صفحة رقم 405
هي وأخوها وقالا : إنما أردنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فزّوجنا عبده فنزلت هذه الآية ، قاله ابن زيد .
) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً ( فيه قولان
: أحدهما : فقد جار جوراً مبيناً ، قاله ابن شجرة .
الثاني : فقد أخطأ خطأ طويلاً ، قاله السدي ومقاتل .
( الأحزاب : ( 37 ) وإذ تقول للذي . . . . .
" وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا " ( قوله تعالى : ) وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِيّ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ( قال قتادة والسدي وسفيان هو زيد بن حارثة وفيه وجهان :
أحدهما : أنعم الله عليه لمحبة رسوله وأنعم الرسول عليه بالتبني .
الثاني : أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالعتق .
) أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ( يعني زينب بنت جحش ، قاله الكلبي ، أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منزل زيد زائراً فأبصرها قائمة فأعجبته فقال : ( سُبْحَانَ مُقَلّبَ القُلُوبِ ) فلما سمعت زينب منه ذلك جلست قال أبو بكر بن زياد : وجاء زيد إلى قوله فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله ائذن لي في طلاقها فإن فيها كِبْراً وإنها لتؤذيني بلسانها فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) وفي قلبه ( صلى الله عليه وسلم ) غير ذلك .
) وَتُخْفي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ( فيه أربعة أقاويل :

صفحة رقم 406
أحدها : أن الذي أخفاه في نفسه ميله إليها .
الثاني : إشارة لطلاقها ، قاله ابن جريج .
الثالث : أخفى في نفسه إن طلقها زيد تزوجها .
الرابع : أن الذي أخفاه في نفسه أن الله أعلمه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، قاله الحسن .
) وَتَخْشى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن نبي الله خشي قالة الناس ، قاله قتادة .
الثاني : أنه خشي أن يبديه للناس فأيّد الله سره ، قاله مقاتل بن حيان .
قال الحسن : ما نزلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آية أشد عليه منها .
وقال عمر بن الخطاب : لو كتم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية التي أظهرت غيبه .
) فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ( الوطر الأرب المنتهي وفيه هنا قولان
: أحدهما : أنه الحاجة ، قاله مقاتل .
الثاني : أنه الطلاق ، قاله قتادة .
قال يحيى بن سلام : فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زيد فقال له ( ائْتِ زَينبَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ زَوَّجْنِيهَا ) فانطلق زيد فاستفتح الباب فقالت من هذا ؟ فقال : زيد قالت : وما حاجة زيد إليّ وقد طلقني ؟ فقال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرسلني إليك فقالت : مرحباً برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ففتحت له فدخل عليها وهي تبكي فقال زيد : لا أبْكَى الله لَكِ عيناً قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبرين قسمي وتطيعين أمر الله وتشبعين مسرتي فقد أبدلك الله خيراً مني فقالت : من لا أبا لك ؟ قال : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فخرت ساجدة لله تعالى قال الضحاك : فتزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكان يومئذ في عسرة فأصدقها قِرْبَةً وعَبَاءةً

صفحة رقم 407
ورحى اليد ووسادة حَشْوُهَا ليف وكانت الوليمة تمراً وسُوَيقاً . قال أنس فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى دخل عليها بغير إذن . قال قتادة : فكانت تفخر على نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تقول أنتن زوجكن آباؤكن وأما أنا فزوجني ربُّ العرش تبارك وتعالى . ) لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً ( حكى ابن سلام أن المشركين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) زعمت أن حليلة الابن لا تحل للأب وقد تزوجت حليلة ابنك زيد فقال الله تعالى : ) لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجلٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ( أي أن زيداً دعيٌّ وليس بابن من الصلب فلم يحرم نكاح زوجته .
) وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفعُولاً ( أي كان تزويج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زينب بنت جحش حكماً لازماً وقضاء واجباً ، ومنه قول الشاعر :
حتى إذا نزلت عجاجة فتنة
عمياء كان كتابها مفعولاً
( الأحزاب : ( 38 ) ما كان على . . . . .
" ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا " ( قوله تعالى : ) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : فيما أحله الله له من تزويج زينب بنت جحش ، قاله مقاتل .
الثاني : التي وهبت نفسها للنبي إذ زوجها الله إياه بغير صداق ولكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد تطوع عليها وأعطاها الصداق ، قاله الحسن .
الثالث : في أن ينكح من شاء من النساء وإن حرم على أمته أكثر من أربع لأن اليهود عابوه بذلك ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 408
قال الطبري : نكح رسول الله خمس عشرة ، ودخل بثلاثة عشرة ، ومات على تسع ، وكان يقسم لثمان .
) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ( السنة الطريقة المعتادة أي ليس على الأنبياء حرج فيما أحل الله لهم كما أحل لداود مثل هذا في نكاح من شاء وفي المرأة التي نظر إليها وتزوجها ونكح مائة امرأة وأحل لسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سُرّية .
) وَكَانَ أَمُرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً ( فيه وجهان
: أحدهما : فعلاً مفعولاً ، قاله الضحاك .
الثاني : قضاء مقضياً وهو قول الجمهور . وكانت زينب إذا أراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سفراً تصلح طعامه وهي أول من مات من أزواجه في خلافة عمر ضي الله عنه وهي أول امرأة حملت على نعش لأن عمر قال حين ماتت : واسوأتاه تحمل أم المؤمنين مكشوفة كما يحمل الرجال فقالت أسماء بنت عميس : يا أمير المؤمنين إني قد كنت شاهدت في بلاد الحبشة شيئاً فيه للمرأة صيانة ووصفته له فأمر بعمله فلما رآه قال : نِعم خباء الظعينة .
( الأحزاب : ( 39 - 40 ) الذين يبلغون رسالات . . . . .
" الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما " ( قوله تعالى : ) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ( يعني زيد بن حارثة فإن المشركين قالوا إن محمد تزوج امرأة ابنه فأكذبه الله بقوله ) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُم ( أي لم يكن أباً لزيد .

صفحة رقم 409
) وَلكِن رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ ( يعني آخرهم وينزل عيسى فيكون حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً فيقتل الدجال ويكسر الصليب وقد روى نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرجُ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلاَثِينَ كُلُّهُم يَزْعَمُ أَنَّهُ نَبِيٌ وَلا نَبِيَّ بَعْدِي ) قال مقاتل بن سليمان ولم يجعل محمداً أبا أحد من الرجال لأنه لو جعل له ابناً لجعله نبياً وليس بعده نبي قال الله ) وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ ( .
( الأحزاب : ( 41 - 44 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما " ( قوله تعالى : ) اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ( فيه قولان :
أحدهما : ذاكروه بالقلب ذكراً مستديماً يؤدي إلى طاعته واجتناب معصيته .
الثاني : اذكروا الله باللسان ذكراً كثيراً ، قاله السدي . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مَن عَجَزَ عَنِ اللَّيْلِ أَن يُكَابِدَهُ ، وَجَبُنَ عَنِ العَدُوِّ أَن يُجَاهِدَهُ ، وَبَخِلَ بِالمَالِ أَن يُنفِقَهُ فَلْيَكْثِرْ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ ) وفي ذكره هنا وجهان :
أحدها : الدعاء له والرغبة إليه ، قاله ابن جبير .
الثاني : الإقرار له بالربوبية والاعتراف له بالعبودية .
قوله : ) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً ( قال قتادة صلاة : الصبح والعصر ، قال الأخفش : والأصيل ما بين العصر والليل . وقال الكلبي : الأصيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
وفي التسبيح هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه التسبيح الخاص الذي هو التنزيه .

صفحة رقم 410
الثاني : أنه الصلاة .
الثالث : أنه الدعاء ، قاله جرير .
فلا تنس تسبيح الضُّحى إن يونسا
دعا ربه فانتاشه حين سبحا .
قوله تعالى : ) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلآئِكَتُهُ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنه ثناؤه ، قاله أبو العالية .
الثاني : كرامته ، قاله سفيان .
الثالث : رحمته ، قاله الحسن .
الرابع : مغفرته ، قاله ابن جبير .
وفي صلاة الملائكة قولان :
أحدهما أنه دعاؤهم ، قاله أبو العالية .
الثاني : استغفارهم ، قاله مقاتل بن حيان .
) لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : من الكفر إلى الإيمان ، قاله مقاتل .
الثاني : من الضلالة إلى الهدى ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
الثالث : من النار إلى الجنة .
( الأحزاب : ( 45 - 48 ) يا أيها النبي . . . . .
" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " ( قوله تعالى : ) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً ( قال ابن عباس شاهداً على أمتك ومبشراً بالجنة ونذيراً من النار .
قوله : ) وَدَاعِياَ إلَى اللَّه بِإِذْنِهِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، قاله ابن عباس .
الثاني : إلى طاعة الله ، قاله ابن عيسى .
الثالث : إلى الإسلام ، قاله النقاش .

صفحة رقم 411
وفي قوله : ) بِإِذْنِهِ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : بأمره ، قاله ابن عباس .
الثاني : بعمله قاله الحسن .
الثالث : بالقرآن ، قاله يحيى بن سلام .
) وَسِرَاجاً مُّنِيراً ( فيه قولان
: أحدهما : أنه القرآن سراج منير أي مضيء لأنه يُهْتدى به ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثاني : أنه الرسول كالسراج المنير في الهداية ، قاله ابن شجرة ، ومنه قول كعب بن زهير :
إن الرسول لنورُ يستضاءُ به
مُهَنّدُ من سيوف الله مَسْلول
قوله : ) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً ( فيه وجهان
: أحدهما : ثواباً عظيماً ، قاله الكلبي .
الثاني : أنه الجنة ، قاله قتادة والكلبي ، وسبب نزول هذه الآية أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما رجع من الحديبية أنزل الله عليه ) إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ( " [ الفتح : 1 ] الآيات فقال المسلمون هنيئاً لك يا رسول الله بما أعطاك الله فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما لنا يا رسول الله ؟ فأنزل الله : ) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ( الآية .
قوله تعالى : ) وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ( قال مقاتل يريد بالكافرين من أهل مكة أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور وبالمنافقين من أهل المدينة عبد الله ابن أُبي وعبد الله بن سعد وطعمة بن أبيرق اجتمعوا على رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا محمد اذكر أن لآلهتنا شفاعة .
فقال الله : ) وَدَعْ أَذَاهُمْ ( وفيه أوجه :
أحدها : دع ذكر آلهتهم أن لها شفاعة ، قاله مقاتل .
الثاني : كف عن أذاهم وقتالهم وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ، قاله الكلبي .
الثالث : معناه اصبر على أذاهم ، قاله قتادة وقطرب .
الرابع : هو قولهم زيد بن محمد وما تكلموا به حين نكح زينب . قاله الضحاك .

صفحة رقم 412
( الأحزاب : ( 49 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " ( قوله تعالى : ) إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ . . . ( الآية . أجمع أهل العلم أن الطلاق إن كان قبل المسيس والخلوة فلا عدة فيه وليس للمطلقة من المهر إلا نصفه إن كان لها مهر سُمِّي ولا رجعة للمطلق ولكنه كأحد الخطاب إن كان طلاقه دون الثلاث . وإن كان ثلاثاً حرمت عليه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره . وقال عطاء وجابر بن زيد إذا طلق البكر ثلاثاً [ فهي ] طلقة واحدة وهو خلاف قول الجمهور .
وإن كان الطلاق بعد الخلوة وقبل المسيس ففي وجوب العدة وكمال المهر وثبوت الرجعة قولان :
أحدهما : وهو قول أبي حنيفة أن العدة قد وجبت والمهر قد كمل والرجعة قد ثبتت وأقام الخلوة مقام المسيس إلا أن يكونا في الخلوة مُحرمين أو صائمين أو أحدهما .
والقول الثاني : وهو مذهب الشافعي وهو المعول عليه من أقاويله إنه لا عدة ولا رجعة ولا تستحق من المهر إلا نصفه .
) . . فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ( معنى فمتعوهن أي متعة الطلاق بدلاً من الصداق لأن المطلقة قبل الدخول إذا كان لها صداق مسمى فليس لها متعة وإن لم يكن لها صداق مسمى فلها بدل نصف المسمى متعة تقول مقام المسمى تختلف باختلاف الإعسار والإيسار وقدرها حماد بنصف مهر المثل وقال أبو عبد الله الزيدي أعلاها خادم وأوسطها ثوب وأقلها ما له ثمن .
فأما المدخول بها ففي استحقاقها المتعة من الصداق قولان :
أحدهما ليس لها مع استكمال الصداق متعة .

صفحة رقم 413
الثاني : لها المتعة بالطلاق ولها الصداق بالنكاح .
وفي قوله : ) وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ( وجهان :
أحدهما : أنه دفع المتعة حسب الميسرة والعسرة ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه طلاقها طاهراً من غير جماع ، قاله قتادة .
( الأحزاب : ( 50 ) يا أيها النبي . . . . .
" يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما " ( قوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ( يعني صداقهن وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أحل له لهذه الآية أزواجه الأول اللاتي كن معه قبل نزول هذه الآية قاله مجاهد . وأما إحلال غيرهن فلا لقوله ) لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنْ بَعُدْ ( .
الثاني : أنه أحل له بهذه الآية سائر النساء ونسخ به قوله ) لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنْ بَعْدُ ( .
الثالث : أنه أحل بها من سماه فيها من النساء دون من لم يسمعه من قوله .
) وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ( يعني الإماء .
) مِمَّا أَفَّآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ( يعني من الغنيمة فكان من الإماء مارية أم ابنه إبراهيم . ومما أفاء الله عليه صفية وجويرية أعتقهما وتزوج بهما .
) وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وبَنَاتِ خَالاَتِكَ ( قاله أُبي بن كعب ثم قال : ) اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ( فيه قولان :

صفحة رقم 414
أحدهما : يعني المسلمات .
الثاني : المهاجرات إلى المدينة . روى أبو صالح عن أم هانىء قالت : نزلت هذه الآية وأراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتزوجني فنهي عني لأني لم أهاجر واختلف في الهجرة على قولين :
أحدهما : أنها شرط في إحلال النساء لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من غريبة وقريبة حتى لا يجوز أن ينكح إلا بمهاجرة .
الثاني : أنها شرط في إحلال بنات عمه عماته المذكورات في الآية . وليست شرطاً في إحلال الأجنبيات .
) وامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إن وَهَبْتَ نَفْسَهَا للِنَّبِيِّ ( اختلف أهل التأويل هل كان عند النبي صلى لله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها على قولين :
أحدهما : لم تكن عنده امرأة وهبت نفسها له ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وتأويل من قرأ إن وهبت بالكسر محمول على المستقبل .
الثاني : أنه كانت عنده امرأة وهبت نفسها ، وهو قول الجمهور وتأويل من قرأ بالفتح أنه في امرأة بعينها متى وهبت نفسها حل له أن ينكحها ، ومن قرأ بالكسر أنه في كل امرأة وهبت نفسها أنه يحل له أن ينحكها .
واختلف في التي وهبت نفسها له على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها أم شريك بنت جابر بن ضباب ، وكانت امرأة صالحة ، قاله عروة بن الزبير .
الثاني : أنها خولة بنت حكيم ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها .
الثالث : أنها ميمونة بنت الحارث ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 415
الرابع : أنا زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار . قاله الشعبي .
) إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونَِ الْمُؤْمِنِينَ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها خالصة له إذا وهبت له نفسها أن ينكحها بغير أمر ولي ولا مهر .
وليس ذلك لأحد من المؤمنين ، قاله قتادة .
الثاني : أنها خالصة له إذا وهبت له نفسها أن لا يلزمه لها صداق وليس ذلك لغيره من المؤمنين ، قاله أنس بن مالك وسعيد بن المسيب .
الثالث : أنها خالصة له أن يملك عقد نكاحها بلفظ الهبة وليس ذلك لغيره من المؤمنين ، قاله الشافعي .
قوله عز وجل : ) قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِم فِي أَزْوَاجِهِمْ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فرضنا ألا تتزوج امرأة إلا بولي وشاهدين .
الثاني : فرضنا ألا يتجاوز الرجل أربع نسوة ، وهذا قول مجاهد .
الثالث : فرضنا عليهم لهن النفقة عليهن والقسم بينهن . قاله بعض الفقهاء .
) وَمَا مَلَكَتُ أَيْمَانُهُمْ ( يعني أن يحللن له من غير عدد محصور ولا قسم مستحق ) لِكَيلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنه راجع إلى قوله : ) إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ( ؛ قال ابن عيسى .
الثاني : إلى قوله : ) وَامْرَأةً مُّؤْمِنَةً إن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ( ويشبه أن يكون قول يحيى بن سلام .
( الأحزاب : ( 51 ) ترجي من تشاء . . . . .
" ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما " ( قوله عز وجل : ) تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : تطلق من تشاء من نسائك وتمسك من تشاء منهن ، قاله ابن عباس .
الثاني : تترك نكاح من تشاء وتنكح من تشاء ، قاله الحسن .
الثالث : تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها ، وتأتي من شئت من أزواجك فلا

صفحة رقم 416
تعزلها ، قاله مجاهد . ويدل على أن القَسم في هذا التأويل كان ساقطاً عنه .
الرابع : تؤخر من تشاء من أزواجك ، وتضم إليك من تشاء منهن ، قاله قتادة . وروى منصور عن ابن رزين قال : بلغ بعض نسوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه يريد أن يخلي سبيلهن ، فأتينه فقلن : لا تخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك ، فأرجأ منهن نسوة وآوى نسوة فكان ممن أرجأ جويرية وميمونة وأم حبيبة وصفية وسودة . وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما تشاء ، وكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب وكان قسمه في ماله ونفسه فيهن سواء .
) وَمَنِ ابْتَغَيتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ( أي من ابتغيت فأويته إليك ممن عزلت أن تؤديه إليك .
) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ( فيهن وجهان
: أحدهما : فلا جناح عليك في من ابتغيت ، وفي من عزلت . قاله يحيى بن سلام .
الثاني : فلا جناح في من عزلت أن تؤويه إليك ، قاله مجاهد .
) ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتيتَهُنَّ كُلُهُنَّ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : إذا علمن أنه لا يطلقهن قرت أعينهن ولم يحزن .
الثاني : إذا علمن أنه لا يتزوج عليهن قرت أعينهن ولم يحزن . قاله قتادة .
الثالث : إذا علمن أن هذا من حكم الله تعالى فيهن قَرَّت أعينهن ولم يحزن . قاله قتادة .
الرابع : أنهن علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرَّت أعينهن ولم يحزن ، قاله مجاهد .
( الأحزاب : ( 52 ) لا يحل لك . . . . .
" لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا " ( قوله عز وجل : ) لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنْ بَعْدُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : لا يحل لك نساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله

صفحة رقم 417
والدار الآخرة . قال ابن عباس وقتادة . وهن التسع صار مقصوراً عليهن وممنوعاً من غيرهن .
الثاني : لا يحل لك النساء من بعد الذي أحللنا لك بقولنا ) إِنَّآ أحْلَلْنَا لَكَ أَزَْوَاجَكَ اللاَّتِي ءَآتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ( إلى قوله ) إن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ( الآية .
وكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته المهاجرات معه ، قاله أبي بن كعب .
الثالث : لا يحل لك النساء من غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات ، ويحل ما سواهن من المسلمات ، قاله مجاهد .
) وَلاَ أَن تَبَدَّلَ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنَهُنَّ ( فيه ثلاثة أقوايل
: أحدها : ولا أن تبدل بالمسلمات مشركات ، قاله مجاهد .
الثاني : لا تطلق زوجاتك لتستبدل بهن من أعجبك حسنهن ، قاله الضحاك . وقيل التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب عنها .
الثالث : ولا أن تبدل بأزواجك زوجات غيرك فإن العرب كانوا في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم فيعطي أحدهم زوجته لرجل ويأخذ بها منه زوجته بدلاً منها ، قاله ابن زيد .
( الأحزاب : ( 53 - 54 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول

صفحة رقم 418
الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما " ( قوله عز وجل : ) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامُنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاَّ أَن يُؤذَنَ لَكُمْ ( سبب نزل هذه الآية ما رواه أبو نضرة عن أنس بن مالك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون ، فكره ذلك وكان إذا كره الشىء عُرف من وجهه فلما كان العَشي خرج فصعد المنبر فتلا هذه الآية .
قوله عز وجل : ) إِلَى طَعَامِ غَيْرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ ( فيه تأويلان :
أحدهما : غير منتظرين نضجه ، قاله الضحاك ومجاهد .
الثاني : غَيْرَ متوقعين لحينه ووقته ، قاله قتادة .
) وَلكِن إذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ ( فدل هذا على حظر الدخول بغير إذن
. ) فَإذَا طَعِمْتُمْ فآنتَشِرُواْ ( أي فاخرجوا ، فدلّ على أن الدخول للأكل يمنع من المقام بعد الفراغ من الأكل .
) وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ . . . ( روى أبو قلابة عن أنس . قال : لما أهديت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زينبُ بنت جحش وضع طعاماً ودعا قوماً فدخلوا وزينب مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فجعلوا يتحدثون وجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يخرج ثم يرجع وهم قعود فأنزل الله تعالى : ) فَإذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُواْ ( .
قوله عز وجل : ) . . فَيَسْتَحْي مِنكُمْ ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخبركم .
) وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْي مِنَ الْحَقِّ ( أن يأمركم به
. ) وَإذَا سَألْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : حاجة ، قاله السدي .
الثاني : صحف القرآن ، قاله الضحاك .
الثالث : عارية ، قاله مقاتل . ومعانيها متقاربة .

صفحة رقم 419
) فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ( أمرن وسائر النساء بالحجاب عن أبصار الرجال وأمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء .
وفي سبب الحجاب ثلاثة أقاويل :
أحدها ما رواه مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت آكل مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيساً في قعب ، فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت إصبعه إصبعي فقال عمر لو أُطَاعُ فيكن ما رأتكن عين ، فنزلت آيات الحجاب .
الثاني : ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كن يخرجن بالليل إلى المباضع وهي صعيد أفيح يتبرزن فيه ، وكان عمر يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : احجب نساءك يا رسول الله ، فلم يكن يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي ، وكانت امرأة طويلة فناداها بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة ، حرصاً أن ينزل الحجاب قالت : فأنزل الله تعالى الحجاب .
الثالث : ما روى ابن مسعود أن عمر رضي الله عنه أمر نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحجاب فقالت زينب بنت جحش : يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزلت الآية : ) وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حَجَابٍ ( .
) ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهنَّ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أطهر لها من الريبة .
الثاني : أطهر لها من الشهوة .
) وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤُذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلآَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ( حكى السدي أن رجلاً من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب أيحجبنا رسول

صفحة رقم 420
الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءَنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده ، فأنزلت هذه الآية . ولتحريمه تعديهن لزمت نفقاتهن من بيت المال .
واختلف أهل العلم في وجوب العدة عليهن بوفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنهن على وجهين :
أحدهما : لا تجب عليهن العدة لأنها مدة تربص ينتظر بها الإباحة .
الثاني : تجب لأنها عبادة وإن لم تعقبها إباحة .
( الأحزاب : ( 55 ) لا جناح عليهن . . . . .
" لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا " ( قوله عز وجل : ) لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِّي ءَابَآئِهِنَّ وَلآ أَبْنَآئِهِنَّ ( فيه قولان
: أحدهما : لا جناح عليهن في ترك الحجاب . قاله قتادة .
الثاني : في وضع الجلباب ، قاله مجاهد .
) وَلاَ إخْوَانِهِنَّ وَلآَ أَبْنَآءِ إخَوَانِهِنَّ وَلآ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ ( قال الشعبي لم يذكر العم لأنها تحل لابنه فيصفها له .
) وَلاَ نِسَآئِهِنَّ ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني النساء المسلمات دون المشركات ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه في جميع النساء .
) وَلاَ مَا مَلََكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ( فيه قولان :
أحدهما : الإماء دون العبيد ، قاله سعيد بن المسيب .
الثاني : أنه عام في الإماء والعبيد . واختلف من قال بهذا فيما أبيح للعبد على قولين :
أحدهما : ما أبيح لذوي المحارم من الآباء والأبناء ما جاوز السرة وانحدر عن الركبة لأنها تحرم عليه كتحريمها عليهم .

صفحة رقم 421
الثاني : ما لا يواريه الدرع من ظاهر بدنها ، قاله إبراهيم . لأنه العبد وإن حرم في الحال فقد يستباح بالعتق في ثاني حال . وسبب نزول هذه الآية ما حكاه الكلبي أنه لما نزل في آية الحجاب ) وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مَن ورَآءِ حَجَابٍ ( قام الآباء والأبناء وقالوا يا رسول الله نحن لا نكلمهن أيضاً إلا من وراء حجاب ، فنزلت هذه الآية .
( الأحزاب : ( 56 ) إن الله وملائكته . . . . .
" إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " ( قوله عز وجل : ) إنَّ اللَّهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أن صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء ، قاله أبو العالية .
الثاني : أن صلاة الله تعالى عليه المغفرة له ، وصلاة الملائكة الاستغفار له ، قاله سعيد بن جبير .
الثالث : أن صلاة الله تعالى عليه رحمته ، وصلاة الملائكة الدعاء له ، قاله الحسن ، وهو معنى قول عطاء بن أبي رباح .
الرابع : أن صلاتهم عليه أن يباركوا عليه ؟ قاله ابن عباس .
) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلَّمُواْ تَسْلِيماً ( روى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ قلت : بلى . قال : سألنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلنا : يا رسول الله قد عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : ( قُولُواْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صلَيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ . اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) .

صفحة رقم 422
قال أبو العباس ثعلب : معنى قولنا اللهم صل على محمد أي زد محمداً بركة ورحمة ، ويجري فيه التأويلات المذكورة .
وقوله تعالى : ) وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : سلموا لأمره بالطاعة له تسليماً .
الثاني : وسلموا عليه بالدعاء له تسليماً أي سلاماً .
حكى مقاتل قال : لما نزلت هذه الآية قال المسلمون فما لنا يا رسول الله ؟ فنزلت ) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ ( الآية .
( الأحزاب : ( 57 - 58 ) إن الذين يؤذون . . . . .
" إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا " ( قوله عز وجل : ) إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ( فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم أصحاب التصاوير ؛ قاله عكرمة .
الثاني : أنهم الذين طعنوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين اتخذ صفية بنت حيي بن أخطب ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنهم قوم من المنافقين كانوا يكذبون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويبهتونه قاله يحيى بن سلام .
وفي قوله : ) يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه يؤذون أولياء الله .
الثاني : أنه جعل أذى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أذى له تشريفاً لمنزلته .
الثالث : هو ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا كَانَ يَنبَغِي لَهُ أَن يَشْتُمَنِي ، وَكَذَّبَنِي وَمَا كَانَ لَهُ أَن يُكَذِّبَنِي فَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاي فَقَولُهُ إِنَّ لِيَ وَلَداً

صفحة رقم 423
وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ إنِّي لاَ أَبْعَثُ بَعدَ المَوتِ أَحداً . وَلَعنُة الدُّنْيَا التَّقْتِيلُ وَالجَلاَءُ ، وَلَعْنَةُ الآخرَةِ النَّارُ ) . قوله تعالى : ) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ( الآية . فيمن نزلت فيه هذه الآية ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في الزناة وكانوا يمشون فيرون المرأة فيغمزونها ؛ قاله الكلبي .
الثاني : نزلت في قوم كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه ، ويكذبون عليه ، قاله مقاتل والنقاش .
الثالث : أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك ، قاله الضحاك . وروى قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها ذات ليلة فأفزعه ذلك حتى انطلق إلى أبيّ فقال يا أبا المنذر إني قرأت كتاب الله فوقعت مني كل موقع . ) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ ( والله إني لأعاقبهم وأضربهم ، فقال : إنك لست منهم ، إنما أنت مؤدب ، إنما أنت معلم .
( الأحزاب : ( 59 - 62 ) يا أيها النبي . . . . .
" يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " ( قوله تعالى : ) . . . يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبَهنَّ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الجلباب الرداء ، قاله ابن مسعود والحسن .
الثاني : أنه القناع ؛ قاله ابن جبير .

صفحة رقم 424
الثالث : أنه كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، قاله قطرب .
وفي إدناء جلابيبهن عليهن قولان :
أحدهما : أن تشده فوق رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها ، قاله عكرمة .
الثاني : أن تغطي وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى ، قاله عَبيدة السلماني .
) ذَلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ ( فيه وجهان
: أحدهما : ليعرفن من الإماء بالحرية .
الثاني : يعرفن من المتبرجات بالصيانة . قال قتادة : كانت الأمة إذا مرت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء .
قوله : ) لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ( فيهم قولان :
أحدهما : أنهم الزناة ، قاله عكرمة والسدي .
الثاني : أصحاب الفواحش والقبائح ، قاله سلمة بن كهيل .
وفي قوله : ) لَّئِن لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ ( قولان :
أحدهما : عن إيذاء نساء المسلمين قاله الكلبي .
الثاني : عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق ، قاله الحسن وقتادة .
) وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ( فيهم ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنهم الذين يكاثرون النساء ويتعرضون لهن ، قاله السدي .
الثاني : أنهم الذين يذكرون من الأخبار ما يضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين قاله قتادة .
الثالث : أن الإرجاف التماس الفتنة ، قاله ابن عباس ، وسيت الأراجيف لاضطراب الأصواب بها وإفاضة الناس فيها .
) لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : معناه لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 425
الثاني : لنعلمنك بهم ، قاله السدي .
الثالث : لنحملنك على مؤاخذتهم ، وهو معنى قول قتادة .
) ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً ( قيل بالنفي عنها ، وقيل الذي استثناه ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم .
قوله : ) سُنَّةُ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني سنته فيهم أن من أظهر الشرك قتل ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : سنته فيهم أن من زَنَى حُد ، وهو معنى قول السدي .
الثالث : سنته فيهم أن من أظهر النفاق أبعد ، قاله قتادة .
) ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ( فيه وجهان
: أحدهما : يعني تحويلاً وتغييراً ، حكاه النقاش .
الثاني : يعني أن من قتل بحق فلا دية له على قاتله ، قاله السدي .
( الأحزاب : ( 63 - 68 ) يسألك الناس عن . . . . .
" يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " ( قوله : ) . . . إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرآءَنَا ( في السادة هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الرؤساء .
الثاني : أنهم الأمراء ، قاله أبو أسامة .
الثالث : الأشراف ، قاله طاوس .
وفي الكبراء هنا قولان :

صفحة رقم 426
أحدهما : أنهم العلماء ، قاله طاووس .
الثاني : ذوو الأسنان ، وهو مأثور .
) فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ( يعني طريق الإيمان
. وفي قوله الرسولا والسبيلا وجهان :
أحدهما : لأنها مخاطبة يجوز مثل ذلك فيها عند العرب ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أن الألف للفواصل في رؤوس الآي ، قاله ابن عيسى ، وقيل إن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلاً من قريش هم المطعمون يوم بدر .
قوله : ) رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ ( فيه وجهان :
أحدهما : أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، قاله قتادة .
الثاني : عذاب الكفر وعذاب الإضلال .
) وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ( بالباء قراءة عاصم يعني عظيماً وقرأ الباقون بالتاء يعني اللعن على اللعن .
( الأحزاب : ( 69 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها " ( قوله : ) يَأَيُّها الَّذِينَ ءَامُنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ أَذَواْ مُوسَى ( معناه لا تؤذوا محمداً فتكونوا كالذين آذواْ موسى .
وفيما آذوا به رسوله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قولان :
أحدهما : قولهم زيد بن محمد ، حكاه النقاش .
الثاني : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قسم قسماً فقال رجل من الأنصار إن هذه القسمة ما أُريد بها وجه الله فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فغضب وقال : ( رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبِرَ ) قاله أبو وائل .
وفيما أوذي به موسى عليه السلام ثلاثة أقاويل :

صفحة رقم 427
أحدها : أن رَمَوهُ بالسحر والجنون .
الثاني : ما رواه أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيّاً سَتِيراً لاَ يَكَادُ يُرَى مِن جَسَدِهِ شَيءٌ يَسْتَحَيا مِنُه فآذَاهُ مَن آذَاهُ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالُواْ مَا يَسْتَتِرُ إلاَّ مِن عَيبٍ بِجِلْدِهِ أَوْ جِسْمِهِ ، إمَّا مِن بَرَصٍ وَإمَّا آدَرٌ أَوْ بِهِ آفَةٌ وَإنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبْرِئَهُ مِمَّا قَالُواْ وَإنَّ مُوسَى خَلاَ يَوماً وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثَوبِهِ لِيَأْخُذَهُ وَإنَّ الْحَجَرَ عَدَا بثيَابِهِ فَطَلَبَهُ مُوسَى فَانتَهَى إلَى مَلإٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ فَرأَوهُ عُرْيَاناً كَأَحْسَنِ الرِّجالِ خَلْقاً فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُواْ ) . الثالث : ما رواه ابن عباس عن علي رضي الله عنه أن موسى صعد وهارون الجبل فمات هارون فقال بنو إسرائيل أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حباً فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمروا به على مجلس بني إسرائيل فتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته فما عرف موضع قبره إلا الرخم وأن الله جعله أصم أبكم ومات هارون قبل موسى في التيه ومات موسى قبل انقضاء مدة التيه بشهرين .
) وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أنه المقبول ، قاله ابن زيد .
الوجه الثاني : لأنه مستجاب الدعوة قاله الحسن .
الثالث : لأنه ما سأل الله شيئاً إلا أعطاه إلى النظر ، قاله ابن سنان . قاله قطرب : والوجيه مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد .
( الأحزاب : ( 70 - 71 ) يا أيها الذين . . . . .
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " ( قوله : ) َوَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : عدلاً ، قاله السدي .
الثاني : صدقاً ، قاله قتادة .

صفحة رقم 428
الثالث : صواباً ، قاله ابن عيسى .
الرابع : هو قول لا إله إلا الله ، قاله عكرمة .
الخامس : هو الذي يوافق ظاهره باطنه .
السادس : أنه ما أريد به وجه الله دون غيره .
ويحتمل سابعاً : أن يكون الإصلاح بين المتشاجرين وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض .
) يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( فيه وجهان
: أحدهما : يصلحها بالقبول .
الثاني : بالتوفيق .
( الأحزاب : ( 72 - 73 ) إنا عرضنا الأمانة . . . . .
" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما " ( قوله : ) إنَّا عرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَالِجبَالِ ( فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أن هذه الأمانة هي ما أمر الله سبحانه من طاعته ونهى عن معصيته ، قاله أبو العالية .
الثاني : أنها القوانين والأحكام التي أوجبها الله على العباد وهو قريب من الأول ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وابن جبير .
الثالث : هي ائتمان الرجال والنساء على الفروج ، قاله أبي . وقيل إن أول

صفحة رقم 429
ما خلق الله من آدم الفرج فقال : ( يَا آدَمُ هَذِهِ أَمَانَةٌ خَبَّأْتُهَا عِندَكَ فلاَ تَلبِسْها إِلاَّ بِحَقٍ فإن حَفِظْتَهَا حَفِظْتُكَ ) . الرابع : أنها الأمانات التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها وأولها ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله ، وولده حين أراد التوجه إلى أمر ربه فخان قابيل الأمانة في قتل أخيه هابيل ، قاله السدي .
الخامس : أن هذه الأمانة هي ما أودعه الله في السموات والأرض والجبال والخلق من الدلائل على ربوبيته أن يظهرونها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها قاله بعض المتكلمين .
وفي عرض هذه الأمانة ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن عرضها هو الأمر بما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها . قاله بعض المتكلمين .
الثاني : الأمانة عورضت بالسموات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها ، قاله ابن بحر .
الثالث : أن الله عرض حملها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها .
واختلف قائلو هذا على وجهين :
أحدهما : أنها عرضت على السموات والأرض والجبال ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

صفحة رقم 430
الثاني : أنها عرضت على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة قاله الحسن .
) فَأَبَينَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأشْفَقْنَ مِنْهَا ( يحتمل وجهين
: أحدهما : أَبَينَ أن يحملنها عجزاً وأشفقن منها خوفاً .
الثاني : أبين أن يحملنها حذراً وأَشْفَقْنَ منها تقصيراً .
) وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ( فيه قولان
: أحدهما : جميع الناس ، قاله ثعلب .
الثاني : أنه آدم ثم انتقلت منه إلى ولده ، قاله الحسن . روي عن معمر عن الحسن أن الأمانة لما عرضت على السموات والأرض والجبال قالت : وما فيها ؟ قيل لها : إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت فقالت : لا . قال مجاهد : فلما خلق الله آدم عرضها عليه قال : وما هي ؟ قال : ) إن أَحْسَنْتَ آجَرْتُكَ وَإنْ أَسَأْتَ عَذَّبْتُكَ ( قال تحملتها يا رب . قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها إلى أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر .
) إنَّهُ كَنَ ظَلُوماً جَهُولاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ظلوماً لنفسه ، جهولاً بربه ، قاله الحسن .
الثاني : ظلوماً في خطيئته ، جهولاً فيما حَمَّلَ ولده من بعده ، قاله الضحاك .
الثالث : ظلوماً لحقها ، قاله قتادة . جهولاً بعاقبة أمره ، قاله ابن جريج .
قوله : ) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه يعذبهم بالشرك والنفاق وهو معنى قول مقاتل .
الثاني : بخيانتهما الأمانة . قال الحسن : هما اللذان ظلماها ، واللذان خاناها : المنافق ، والمشرك .
) وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ( أي يتجاوز عنه بأداء الأمانة والوفاء بالميثاق .
) وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( لمن تاب من شِرْكه ) رَحِيماً ( بالهداية إلى طاعته والله أعلم .

صفحة رقم 431
سورة سبإ
مكية في قول الجميع إلا آية منها في قول الضحاك والكلبي وهي قوله تعالى : ) ويرى الذين أوتوا اوتوا بالعلم ( [ سبأ : 6 ] فإنها مدنية .
بسم الله الرحمن الرحيم
( سبأ : ( 1 - 2 ) الحمد لله الذي . . . . .
" الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور " ( قوله عز وجل : ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ( فيه وجهان :
أحدهما : الذي خلق ما في السموات وما في الأرض .
الثاني : الذي يملك ما في السموات وما في الأرض .
) ولَهُ الْحَمْدُ فِي الآخرَةِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : هو حمد أهل الجنة من غير تَكْلِفٍ فسرورهم بحمده كقولهم : الحمد لله الذي صدقنا وعْدَه ، الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، قاله ابن عيسى .
الثاني : يعني أن له الحمد في السموات وفي الأرضين لأنه خلق السموات قبل الأرضين فصارت هي الأولى ، والأرضون هي الآخرة ، حكاه النقاش .

صفحة رقم 432
الثالث : له الحمد في الآخرة على الثواب والعقاب لأنه عَدْل منه ، قاله بعض المتأخرين .
) وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ( يعني الحكيم في أمره ، الخبير بخلقه
. قوله عز وجل : ) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وََمَا يَخْرُجُ مِنهَا ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما يلج في الأرض المطر ، وما يخرج منها النبات ، قاله الضحاك .
الثاني : ما يلج فيها الأموات ، قاله الكلبي ، وما يخرج منها كنوز الذهب والفضة ، والمعادن ، حكاه النقاش .
الثالث : ما يلج فيها : البذور ، وما يخرج منها : الزروع .
) وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : الملائكة تنزل من السماء وتعرج فيها ، قاله السدي .
الثاني : وما ينزل من السماء : القضاء ، وما يعرج فيها : العمل ، وهو محتمل .
الثالث : ما ينزل من السماء : المطر ، قاله الضحاك ، وما يعرج فيها : الدعاء . وهو محتمل .
( سبأ : ( 3 - 6 ) وقال الذين كفروا . . . . .
" وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " ( قوله عز وجل : ) وَالَّذِينَ سَعَواْ فِي ءَايَاتِنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أن سعيهم فيها بالجحود لها ، قاله الضحاك .
الثاني : بالتكذيب بها .

صفحة رقم 433
) مُعَاِجِزِينَ ( وقرىء . ) مُعْجِزِينَ ( وفي تأويل معاجزين أربعة أوجه :
أحدها : مسابقين ، قاله قتادة .
الثاني : مجاهدين ، قاله ابن زيد .
الثالث : مراغمين مشاقين ، وهو معنى قول ابن عباس وعكرمة .
الرابع : أي لا يعجزونني هرباً ولا يفوتونني طلباً ، وهو معنى قول الكلبي . وفي تأويل معجزين ثلاثة أوجه :
أحدها : مثبطين الناس عن اتباع الرسول ، قاله مجاهد .
الثاني : مضعّفين لله أن يقدر عليهم ، قاله بعض المتأخرين .
الثالث : معجزين من آمن وصَدَّقَ بالبعث بإضافة العجز إليه .
ويحتمل رابعاً : أنهم نسبوا المؤمنين إلى العجز عن الانتصار لدينهم إما بضعف الحجة وإما بقلة القوة .
) أُوْلئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٍ ( قال قتادة : الرجز هو العذاب الأليم
. قوله عز وجل : ) وَيَرَى الَّذينَ أوتُواْ الْعِلْمَ ( فيهم قولان :
أحدهما : أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : أنهم المؤمنون من أهل الكتاب ، قاله الضحاك .
) الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ( قال الحسن هو القرآن كله حق
. ) وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( فيه قولان
: أحدهما : يهدي إلى دين الله وهو الإسلام ، رواه النواس بن سمعان الأنصاري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
الثاني : إلى طاعة الله وسبيل مرضاته .
( سبأ : ( 7 - 9 ) وقال الذين كفروا . . . . .
" وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة

صفحة رقم 434
في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب " ( قوله عز وجل : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( يعني بالبعث .
) هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
) يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ( أي يخبركم أنكم إذا متم فأكلتكم الأرض أو الطير حتى صرتم عظاماً ورفاتاً .
) إنَكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ( أي تحشرون وتبعثون . قيل إن أبا سفيان ابن حرب قال هذا لأهل مكة ، فأجاب بعضهم بعضاً .
) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ ( أي قائل هذا أن يكون كذاباً أو مجنوناً فرد الله تعالى عليهم قولهم هذا بأن قال :
) بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ ( العذاب في الآخرة ، والضلال البعيد في الدنيا . وفيه وجهان :
أحدهما : أنه البعيد من الهدى ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنه الشقاء الطويل ، قاله السدي .
قوله عز وجل : ) أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه ألم ينظروا إلى السماء والأرض كيف أحاطت بهم ؟ لأنك إن نظرت عن يمينك أو شمالك ، أو بين يديك أو خلفك رأيت السماء والأرض ، قاله قتادة ، إذكاراً لهم بقدرة الله تعالى عليهم وإحاطتها بهم ، لأنهم ، لا يرون لأوليتهما ابتداء ولا لآخرتهما انتهاء ، وإن بعدوا شرقاً وغرباً .
الثاني : يعني ) مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ( فمن أهلكهم الله تعالى من الأمم الماضية في أرضه ) وَمَا خَلْفَهُم ( من أمر الآخرة في سمائه ، قاله أبو صالح .
) إن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ ( يعني كما خسفنا بمن كان قبلهم .
) أَوْ نُسْقِطْ عَلَيهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 435
أحدهما : أن الكسف العذاب قاله السدي .
الثاني : قطعاً من السماء ليعلموا أنه قادر على أن يعذب بسمائه إن شاء ويعذب بأرضه إن شاء ، وكل خلقه له جند ، قاله قتادة .
) إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ( فيه أربعة تأويلات
: أحدها : أنه المجيب ، قاله مجاهد وعطاء .
الثاني : أنه المقبل بتوبته ، قاله قتادة ، قال الشاعر :
أناب إلى قولي فأصبحت مرصداً
له بالمكافأة المنيبة والشكر
الثالث : أنه المستقيم إلى ربه ، وهو قول الضحاك
. الرابع : أنه المخلص للتوحيد ، حكاه النقاش .
( سبأ : ( 10 - 11 ) ولقد آتينا داود . . . . .
" ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير " ( قوله تعالى : ) وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ( فيه سبعة أقاويل
: أحدها : النبوة .
الثاني : الزبور .
الثالث : فصل القضاء بالعدل .
الرابع : الفطنة والذكاء .
الخامس : رحمة الضعفاء .
السادس : حسن الصوت .
السابع : تسخير الجبال له والطير .
) يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : سبحي معه ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة .
الثاني : سيرى معه قاله الحسن وهو من السير ما كان في النهار كله أو في الليل كله ، وقيل : بل هو سير النهار كله دون الليل .

صفحة رقم 436
الثالث : ارجعي إذا رجع ، قال الشاعر :
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ
ويوم سير إلى الأعداء تأويب .
أي رجوع بعد رجوع
. ) وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ( قال قتادة كان يعمل به كما يعمل بالطين لا يدخله النار ولا يضربه بمطرقة .
ويحتمل وجهاً آخر أنه سهل له الحديد أن يعمل منه ما شاء وإن كان على جوهره وطبعه من قولهم قد لان لك فلان إذا تسهل عليك .
قوله عز وجل : ) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ( أي درعاً تامة ، ومنه إسباغ النعمة إتمامها ، قال الشاعر :
وأكثرهم دروعاً سابغات
وأمضاهم إذا طعنوا سنانا
) وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ( فيه قولان
: أحدهما : عدِّل المسامير في الحلقة لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فيسلس ، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنفصم الحلقة ، قاله مجاهد .
الثاني : لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها ، قال قتادة : وكان داود أول من عملها ، وكان قبل ذلك صفائح .
وفي ) السَّرْدِ ( قولان :
أحدهما : أنه النقب الذي في حلق الدرع ، قاله ابن عباس ، قال لبيد :
وما نسجت أسراد داود وابنه مضاعفة من نسجه إذ يقاتل
الثاني : أنه المسامير التي في حلق الدرع ، قاله قتادة ، مأخوذ من قولهم : سرد الكلام يسرده إذا تابع بينه ، ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : في الأشهر الحرم ثلاثة سردٌ وواحد فرد . وقال الهذلي :
وعليهما مسرودتان قضاهما
داود أو صنع السوابغ تبّع
وحكى ضمرة بن شوذب أن داود عليه السلام كان يرفع كل يوم درعاً فيبيعها

صفحة رقم 437
بستة آلآف درهم ، ألفان لأهله ، وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري .
وحكى يحيى بن سلام والفراء أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيما يريد به ولا يدري ما يريد ، فلم يسله حتى إذا فرغ منها داود قام فلبسها وقال : نعمت جنة الحرب هذه ، فقال لقمان : الصمت حكمة وقليل فاعله .
) وَاعْمَلُواْ صَالِحاً ( فيه وجهان :
أحدهما : هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، قاله ابن عباس .
الثاني : فعل جميع الطاعات .
) إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( أي يعلم ما تعملون من خير أو شر .
( سبأ : ( 12 - 13 ) ولسليمان الريح غدوها . . . . .
" ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " ( قوله عز وجل : ) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ ( أي وسخرنا لسليمان الريح . ) غُدُوَّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ( قال قتادة : تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين .
وقال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ويروح فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للمسرع .
) وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ( قال قتادة هي عين بأرض اليمن ، قال السدي : سيلت له ثلاثة أيام ، قال عكرمة : سال له القطر ثلاثة أيام من صنعاء اليمن كما يسيل الماء .
وقال الضحاك : هي عين بالشام .
وفي القطر قولان :
أحدهما : أنه النحاس ، قاله ابن عباس وقتادة والسدي .

صفحة رقم 438
الثاني : الصَّفر ، قاله مجاهد وعطاء وابن زيد .
) وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ ( يعني أن منهم من سخره الله تعالى للعمل بين يديه ، فدل على أن منهم غير مسخر .
) بِإِذْنِ رَبِّهِ ( أي بأمر ربه
. ) وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا ( فيه قولان
: أحدهما : يعني عن طاعة الله تعالى وعبادته ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : عما يأمره سليمان ، قاله قتادة : لأن أمر سليمان كان كأمر الله تعالى لكونه نبياً من أنبيائه .
) نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ السَّعِيرِ ( أي النار المسعرة وفيه قولان
: أحدهما : نذيقه ذلك في الآخرة ، قاله الضحاك .
الثاني : في الدنيا ، قاله يحيى بن سلام . لأنه لم يكن يسخر منهم إلا الكفار فإذا آمنوا أرسلوا ، قال وكان مع المسخرين منهم ملك بيده سوط من عذاب السعير فإذا خالف سليمان ضربه الملك بذلك السوط .
قوله عز وجل : ) يَعْمَلَونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ ( فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها قصور ، قاله عطية .
الثاني : المساجد ، قاله قتادة ، والحسن .
الثالث : المساكن ، قاله ابن زيد .
قال أبو عبيدة : محراب الدار أشرف موضع فيها ، ولا يكون إلا أن يرتقى إليه .
) وَتَمَاثِيلَ ( هي الصور ، قال الحسن ولم تكن يومئذ محرمة ، وفيها قولان :
أحدهما : أنها من نحاس ، قاله مجاهد .
الثاني : من رخام وشبَه ، قاله قتادة .
ثم فيها قولان :
أحدهما : أنها كانت طواويس وعقاباً ونسوراً على كرسيه ودرجات سريره لكي يهاب من شاهدها أن يتقدم ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 439
الثاني : صور الأنبياء الذين قبله ، قاله الفراء .
) وِجِفَانٍ ( قال مجاهد : صحاف .
) كَالْجَوَابِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : كالحياض ، قاله الحسن .
الثاني : كالجوبة من الأرض ، قاله مجاهد .
الثالث : كالحائط ، قاله السدي .
) وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : عظام ، قاله مجاهد .
الثاني : أن أثافيها منها ، قاله ابن عباس .
الثالث : ثابتات لا يزلن عن أماكنهن ، قاله قتادة ، مأخوذ من الجبال الرواسي لثبوتها وثبوت الأرض بها . قال ابن جريج : ذكر لنا أن تلك القدور باليمن أبقاها الله تعالى آية وعبرة .
) اعْمَلُواْ ءَال دَاوُدَ شُكْراً ( فيه ستة تأويلات :
أحدها : أنه توحيد الله تعالى ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : تقوى الله والعمل بطاعته ، قاله محمد بن كعب .
الثالث : صوم النهار وقيام الليل ، قاله ابن أبي زياد ، فليس ساعة من نهار إلا وفيها من آل داود صائم ولا ساعة من الليل إلا وفيها من آل داود قائم . الرابع : اعملوا من الأعمال ما تستوجبون عليه الشكر ، قاله ابن عطاء .
الخامس : اذكروا أهل البلاء وسلوا ربكم العافية .
السادس : ما حكاه الفضيل أنه لما قال الله تعالى : ) اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْراً ( فقال داود إِلهي كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قاله : ( الآنَ شَكَرْتِنِي حِينَ عَلمْتَ أَنَّ النِّعَمَ مِنِّي
) . ) وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : المؤمن ، قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 440
الثاني : الموحّد ، وهو معنى قول ابن عباس .
الثالث : المطيع ، وهو مقتضى قول محمد بن كعب .
الرابع : ذاكر نعمه ، وروي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلا هذه الآية ثم قال : ( ثَلاَثَةٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُتُي مِثْلُ مَا أوتِيَ ءَالُ دَاوُد : العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا ، والقَصدُ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى ، وَخَشَيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِ وَالعَلاَنِيَةِ ) . وفي الفرق بين الشاكر والشكور ثلاثة أوجه
: أحدها : أن الشاكر من لم يتكرر شكره والشكور من تكرر شكره .
الثاني : أن الشاكر على النعم والشكور على البلوى .
الثالث : أن الشاكر خوفه أغلب والشكور رجاؤه أغلب .
( سبأ : ( 14 ) فلما قضينا عليه . . . . .
" فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " ( قوله عز وجل : ) فََلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ . . ( الآية . روى عطاء بن السائب . عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنَّ سُلَيْمَانَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلاَمُ كَانَ لاَ يُصَلِّي صَلاَةً إلاَّ وَجَدَ شََجَرَةً ثَّابِتَةً بَيْنَ يَدَيهِ فَيقُولُ لَهَا : مَا اسْمُكِ ؟ فَتَقُولُ : كَذَا كَذَا ، فَيقُولُ لَمَا أَنتِ ؟ فَتَقُولُ لِكَذَا وَكَذَا ، فَصَلَّى يَوماً فَإِذَا شَجَرةٌ ثَابِتَةٌ بَيْنَ يَدَيهِ فَقَالَ لَهَا مَا اسْمُكِ ؟ فَقَالَتْ : الخَرُّوبُ فَقَالَ : لِمَ أَنتَ ؟ فَقَالَتْ لِخَرَابِ هذَا البَيْتِ .

صفحة رقم 441
فَقَالَ سُلَيمَانُ اللَّهُمَّ أَغُمَّ عَلَى الجِنِّ مَوتي حَتَّى يَعْلَمُ الإنسُ أَنَّ الجِنَّ كَانُوا لاَ يَعْلَمُونَ الغَيبَ قَالَ فَهَيَّأََ عَصاً ثُمَّ تَوَكَّأَ عَلَيهَا حَولاً وَهُم لا َ يَعلَمُونَ ، قَالَ ثُمَّ أَكَلَتْهَا الأَرَضَةُ فَسَقَطَ فَعَلِمُواْ عِندَ ذَلِكَ مَوتَهُ فَشَكَرَتِ الجِنُّة ذلِكَ لِلأَرضَةِ فَإنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَهَا بِالمَاءِ ) قال السدي : والطين ، ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فإنما هو مما تأتيها به الشياطين شكراً : قال وقدروا مقدار أكلها العصا فكان مقدار سنة .
وفي ) دَابَّةُ الأَرْضِ ( قولان :
أحدهما : الأرضة ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وقد قرىء دابة الأرض بفتح الراء وهو واحد الأرضة .
الثاني : أنها دابة تأكل العيدان يقال لها القادح ، قاله ابن زيد .
والمنسأة العصا ، قال الشاعر :
إذا دببت على المنسأة من هرم
فقد تباعد عنك اللهو والغزل
وأصلها مأخوذ من نسأت الغنم إذا سقتها ، وقال السدي هي العصا بلسان الحبشة .
وفي دلالتها للجنة على موته قولان :
أحدها : وهو المشهور المرفوع عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن سليمان وقف في محرابه يصلي متوكئاً على عصاه فمات وبقي على حاله قائماً على عصاه سنة والجن لا تعلم بموته ، وقد كان سأل الله أن لا يعلموا بموته حتى مضى عليه سنة .
واختلف في سبب سؤاله لذلك على قولين :
أحدهما : لأن الجن كانوا يذكرون للإنس أنهم يعلمون الغيب ، فسأل الله تعالى ذلك ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ، وهذا مأثور .
الثاني : لأن داود عليه السلام كان أسس بيت المقدس ثم مات فبناه سليمان بعده وسخر الجن في عمله ، وقد كان بقي من إتمامه بعد موته بناء سنة فسأل الله تعالى ألا يعلم الجن بموته حتى يتموا البناء فأتموه .
ثم دلتهم دابة الأرض في أكل منسأته على موته بعد سنة من موته لأنه سقط

صفحة رقم 442
عنها حين أكلتها الأرضة فعلمت الجن أنه قد مات .
والقول الثاني : ما حكاه ابن عباس أن الله تعالى ما قبض نبيه سليمان إلا على فراشه وكان الباب في وجهه مغلقاً على عادته في عبادته فلما كان بعد سنة أكلت الأرضة العتبة فخر الباب ساقطاً فتبينت الجن ذلك . قال : وكان سليمان يعتمد على العتبة إذا جلس . ) فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ ( والشياطين ومن كانوا مسخرين في العمل
. ) أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ( .
الثاني : تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سنة . وروى سفيان عن عمر وعن ابن عباس أنه كان يقرأ التلاوة : ) فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الإنسُ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ سَنَةً ( .
الثالث : أن الجن دخلت عليهم شبهة توهموا بها أنهم يعلمون الغيب لما خر تبينوا أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين .
وحكي أن سليمان عليه السلام ابتدأ بناء بيت المقدس في السنة الرابعة من ملكه واستكمل بناءه في السنة الحادية عشرة من ملكه وقرب بعد فراغه منه اثني عشر ألف ثور ومائة وعشرين ألف شاة ، واتخذ اليوم الذي فرغ من بنائه عيداً ، وقام على الصخرة رافعاً يديه إلى الله تعالى بالدعاء فقال اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان وقويتني على بناء هذا المسجد فأوزعني [ أن ] أشكرك على ما أنعمت علي ، وتوفني على ملتك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، اللهم إني اسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال : لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلا غفرت له وتبت عليه ، ولا خائف إلا أمنته ، ولا سقيم إلا شفيته ، ولا فقير إلا أغنيته ، والخامس ألا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه ، إلا من أراد إلحاداً أو ظلماً يا رب العالمين .
( سبأ : ( 15 - 17 ) لقد كان لسبإ . . . . .
" لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل

صفحة رقم 443
ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور " ( قوله عز وجل : ) لَقَدْ كَانَ لِسَبَإِ فِي مَسْكَنِهِمْ ( الآية . وقد ذكرنا اختلاف الناس في سبإ على قولين :
أحدهما : أنه اسم أرض باليمن يقال لها مأرب ، قاله سفيان .
الثاني : اسم قبيلة .
واختلف من قال بهذا هل هو اسم امرأة أو رجل على قولين .
أحدهما : أنه اسم امرأة نسبت القبيلة إليها لأنها أمهم .
الثاني : أنه رجل . روي أن فروة الغطيفي سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن سبأ ما هو ؟ أبلد أم رجل أم امرأة ؟ فقال : ( بَلْ رَجُلٍ وَلَدَ عَشْرَةً ، فَسَكَنَ اليَمَنَ مِنهُم سِتَّةٌ وَالشَّامَ أَرْبَعَةٌ أَمَّا اليَمَانِيُّونَ فَمَذْحَجٌ وَكِيْدَهٌ وَالأزد وَالأَشعَرِيُّونَ وَأَنَمَارُ وحِمْيَرُ وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ فَلَخْمٌ وَخِذَامُ وَغَسَّانُ وَعَامِلَةُ ) . وذكر أهل النسب أنه سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . قال السدي : بعث إلى سبأ ثلاثة عشر نبياً .
وأما ) جَنَّتَانِ ( فقال سفيان وجد فيهما قصران مكتوب على أحدهما : نحن بنينا سالمين ، في سبعين خريفاً دائبين ، وعلى الآخر : نحن بنينا صرواح ، مقيل ومراح ، وكانت إحدى الجنتين عن يمين الوادي والأخرى عن شماله .
وفي الآية التي لسبأ في مساكنهم قولان :
أحدهما : أنه لم يكن في قريتهم بعوضة قط ولا ذبابة ولا برغوث ولا حية ولا

صفحة رقم 444
عقرب وان الركب ليأتون في ثيابهم القمل والدواب فتموت تلك الدواب ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
الثاني : أن الآية هي الجنتان كانت المرأة تمشي فيهما وعلى رأسها مكتل فيمتلىء وما مسته بيدها ، قاله قتادة .
) كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبّكُمْ ( يعني الذي رزقكم من جنتكم
. ) وَاشْكُرُواْ لَهُ ( يعني على ما رزقكم
. ) بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ( قال مجاهد : هي صنعاء
. ويحتمل وجهين :
أحدهما : لأن أرضها وليست بسبخة .
الثاني : لأنها ليس بها هوام .
( سبأ : ( 18 - 19 ) وجعلنا بينهم وبين . . . . .
" وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " ( قوله عز وجل : ) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ( فيها قولان :
أحدهما : أنها بيت المقدس ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها الشام ، قاله مجاهد وقتادة .
) الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ( يعني بالشجر والثمر والماء . وقيل إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية .
ويحتمل أن يكون التي باركنا فيها بكثرة العدد .
) قُرىً ظَاهِرَةً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، قاله الحسن ، وأبو مالك .

صفحة رقم 445
الثاني : أنها العامرة .
الثالث : الكثيرة الماء .
الرابع : أن القرى الظاهرة هي القرى القريبة ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك .
وفيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها السروات ، قاله مجاهد .
الثاني : أنها قرى لصنعاء ، قاله ابن منبه .
الثالث : أنها قرى ما بين مأرب والشام ، قاله سعيد بن جبير .
) وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيرَ ( فيها ثلاثة أقاويل
: أحدها : قدرنا فيها المقيل والمبيت ، قاله الكلبي .
الثاني : أنهم كانوا يصبحون في قرية ويمسون في أخرى ، قاله الحسن .
الثالث : أنه قدر فيها السير بأن جعل ما بين القرية والقرية مقداراً واحداً ، قاله ابن قتيبة .
) سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً ءَامِنِينَ ( فيه قولان :
أحدهما : من الجوع والظمأ ، قاله قتادة . حتى أن المرأة تمشي وعلى رأسها مكتل فيمتلىء من الثمر .
الثاني : آمنين من الخوف قاله يحيى بن سلام ، كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضاً ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه .
قوله عز وجل : ) فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَرِنَا ( قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ) بَعِّد ( بغير ألف وبتشديد العين ، وقرأ الباقون ) بَاعِدْ ( بألف وبتخفيف العين وفيهما ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم قالوا ذلك لأنهم ملّوا النعم كما ملَّ بنو اسرائيل المن والسلوى ، قاله الحسن .
الثاني : أنهم قالوا لو كانت ثمارنا أبعد مما هي كانت أشهى في النفوس وأحلى ، قاله ابن عيسى ، وهو قريب من الأول لأنه بطر . فصار نوعاً من الملل .

صفحة رقم 446
الثالث : معناه زد في عمارتنا حتى تبعد فيه أسفارنا ، حكاه النقاش . وهذا القول منهم طلباً للزيادة والكثرة .
وقرأ بعض القراء ) بَعُد ( بضم العين وتخفيفها ، وهذا القول منهم شكوى لبعد سفرهم وتمني قصره .
) وَظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : ظلموها بقولهم باعد بين أسفارنا ، قاله بن زيد .
الثاني : بتكذيب الرسل وهم ثلاثة عشر نبياً . قال الكلبي : أنهم قالوا لرسلهم حين ابتلوا وهم مكذبون : وقد كنا نأبى عليكم وأرضنا عامرة خير أرض فكيف اليوم وأرضنا خراب شر أرض .
الثالث : أنهم ظلموا أنفسهم بالتغيير والتبديل بعد أن كانوا مسلمين ، قاله الحسن .
) فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ( أي يتحدث الناس بما كانوا فيه من نعيم وما صارواْ إليه من هلاك ، حتى ضرب المثل فقيل : تفرقوا أيدي سبأ ، ومنه قول الشاعر :
باد قوم عصف الدهر بهم
فرقوا عن صرفه أيدي سبأ
) وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ( فيه قولان :
أحدهما : أنهم فرقوا بالهلاك حتى صاروا تراباً تذروه الرياح ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : أنهم مزقوا بالتفريق والتباعد ، قاله قتادة .
حكى الشعبي قال : أما غسان فلحقوا بالشام ، وأما خزاعة فحلقوا بمكة ، وأما الأوس والخزرج فلحقوا بيثرب يعني المدينة ، وأما الأزد فلحقوا بعمان .
) إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : صبار على البلوى شكور على النعماء .
الثاني : صبور على أمر الله شكور في طاعة الله .

صفحة رقم 447
( سبأ : ( 20 - 21 ) ولقد صدق عليهم . . . . .
" ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ " ( قوله عز وجل : ) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنه لما أُهْبِطَ آدم من الجنة ومعه حواء ، وهبط إبليس ، قال إبليس أما إذ أصيب من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف وكان ظناً من إبليس ، فأنزل الله تعالى : ) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ ( قاله الحسن .
الثاني : أن إبليس إذ قال : خُلِقْتُ من نار وخلق آدم من طين والنار تحرق كل شيء ، لأحتنكن ذريته إلا قليلاً ، فصدق ظنه عليه ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه قال : يا رب أرأيت هؤلاء القوم الذين كرمتهم وشرفتهم وفضلتهم علىّ لا تجد أكثرهم شاكرين ، ظن منه فصدق عليهم ظنه ، قاله زيد بن أسلم .
الرابع : أنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضَلّهم أطاعوه فصدق ظنه فاتبعوه قاله الكلبي .
) فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَريقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ ( فيه وجهان
: أحدهما : فاتبعوا إبليس ، قاله الحسن .
الثاني : فاتبعوا ظنه ، قاله مجاهد .
( سبأ : ( 22 - 23 ) قل ادعوا الذين . . . . .
" قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير " ( قوله عز وجل : ) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( حكى الفراء فيه وجهين :
أحدهما : حتى يؤذن له في الشفاعة .

صفحة رقم 448
الثاني : حتى يؤذن له فيمن يشفع له ، ووجدت الأول قول الكلبي والثاني قول مقاتل .
) حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ( فيه ستة تأويلات
: أحدها : معناه خلي عن قلوبهم الفزع ، قاله ابن عباس ، وقال قطرب : أخرج ما فيها من الخوف .
الثاني : كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة ، قاله مجاهد .
الثالث : أنهم الشياطين فزع عن قلوبهم ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم ، قاله ابن زيد .
الرابع : أنهم دعوا فاستجابوا من قبورهم مأخوذ من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً ، قال زهير :
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم
طوال الرماح لا قصار ولا عُزْلُ
الخامس : أنهم الملائكة فزعوا عند سماع الوحي من الله تعالى لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، وكان لصوته صلصلة كوقع الحديد على الصفا ، فخرُّوا عنده سجوداً مخافة القيامة فسألوا فقالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق أي الوحي ، وهذا معنى قول كعب .
السادس : وهو تأويل قراءة الحسن : حتى فرغ عن قلوبهم بالغين معجمة يعني فرغ ما فيها من الشك والشرك .
) قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ( أي قال لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا .
) قَالُواْ الْحَقَّ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يجدوا ما وصفوه عن الله تعالى حقاً .
الثاني : أن يصدقوا بما قاله الله تعالى أنه حق .
) وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ( .

صفحة رقم 449
( سبأ : ( 24 - 27 ) قل من يرزقكم . . . . .
" قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم " ( قوله عز وجل : ) قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ( فيه وجهان
: أحدهما : أن رزق السموات المطر ورزق الأرض النبات ، قاله الكلبي .
الثاني : أن رزق السموات ما قضاه من أرزاق عباده ، ورزق الأرض ما مكنهم فيه من مباح . ) قُلِ اللَّهُ ( وهذا جواب قل من يزرقكم من السموات والأرض ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون للمشركين حين سئلوا عن ذلك لأنهم لا يجحدون أن الله رازقهم .
الثاني : أن يكون أمراً في أمر الله أي يجابوا به لأنهم لا يجحدونه لتقوم به الحجة عليهم .
) وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه : إننا نحن لعلى هدى وإنكم أنتم لفي ضلال مبين ، قاله عكرمة وأبو عبيدة وزياد بن أبي مريم . قال الفراء : أو بمعنى الواو .
الثاني : أن أحدنا لعلى هدى والآخر لفي ضلال مبين ، دفعاً لأنقصهما ، ومنعاً من أرذلهما كقول القائل : إن أحدنا لكاذب ، دفعا للكذب عن نفسه وإِضافته إلى صاحبه وإن أحدنا لصادق ، إضافة للصدق إلى نفسه ودفعاً عن صاحبه ، قاله مجاهد .
الثالث : معناه : الله رزقنا وإياكم لعلى هدى كنا أو في ضلال مبين حكاه النقاش .
قوله عز وجل : ) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ( يعني يوم القيامة .

صفحة رقم 450
) ثُمُّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ( أي يقضي بيننا لأنه بالقضاء يفتح وجه الحكم ، وقال السدي هي لغة يمانية .
قوله : ) بِالْحَقِّ ( قال مجاهد : بالعدل .
) وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَليمُ ( أي القاضي العليم وفيه ثلاثة أوجه
: أحدها : العليم بما يخفون ، قاله محمد بن إسحاق .
الثاني : العليم بالحكم ، قاله ابن زياد .
الثالث : العليم بخلقه ، قاله مقاتل .
( سبأ : ( 28 - 30 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون " ( قوله عز وجل : ) وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يعني أنه رسول إلى كافة الناس أي إلى جميعهم ، قال ابن عباس .
الثاني : معناه أنك رسول الله إلى جميع الناس وتضمهم ، ومنه كف الثوب لأنه ضم طرفيه .
الثالث : معناه إنا أرسلناك كافاً للناس أي مانعاً لهم من الشرك وأدخلت الهاء للمبالغة ، قاله ابن بحر .
( سبأ : ( 31 - 33 ) وقال الذين كفروا . . . . .
" وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل

صفحة رقم 451
مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " ( قوله عز وجل : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( يعني كفار العرب ، ) لَن نُّؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْءانِ وَلاَ بِالَّذي بَيْنَ يَدَيْهِ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : التوراة ، والإِنجيل ، قاله السدي .
الثاني : من الأنبياء والكتب ، قاله قتادة .
الثالث : من أمر الآخرة ، قاله ابن عيسى . قال ابن جريج : قائل ذلك أبو جهل ابن هشام .
قوله عز وجل : ) بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : معناه بل غركم اختلاف الليل والنهار ، قاله السدي .
الثاني : بل عملكم من الليل والنهار ، قاله سفيان .
الثالث : بل معصية الليل والنهار ، قاله قتادة .
الرابع : بل مر الليل والنهار ، قاله سعيد بن جبير .
الخامس : بل مكرهم في الليل والنهار ، قاله الحسن .
) إذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً ( فيه وجهان
: أحدهما : أشباهاً ، قاله سعيد بن جبير .
الثاني : شركاء ، قاله أبو مالك .
( سبأ : ( 34 - 39 ) وما أرسلنا في . . . . .
" وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا

صفحة رقم 452
معاجزين أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " ( قوله عز وجل : ) وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ( يعني من نبي ينذرهم بعذاب الله .
) إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا ( فيهم ثلاثة تأويلات
: أحدها : يعني جبابرتها ، قاله ابن جريج .
الثاني : أغنياؤها ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : ذوو النعم والبطر ، قاله ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وأَوْلاَداً ( قالوا ذلك للأنبياء والفقراء ويحتمل قولهم ذلك وجهين :
أحدهما : أنهم بالغنى والثروة أحق بالنبوة .
الثاني : أنهم أولى بما أنعم الله عليهم من الغنى أن يكونوا على طاعة .
) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أي ما عذبنا بما أنتم فيه من الفقر .
الثاني : أي ما أنعم الله علينا بهذه النعمة وهو يريد عذابنا ، فرد الله تعالى عليهم ما احتجوا من الغنى فقال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) .
) قُلْ إنَّ رَبِّي يُبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ ( أي يوسعه . ) وَيَقْدِرُ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن يقترعليه ، قال الحسن يبسط لهذا مكراً به ، ويقدر لهذا نظراً له .
الثاني : بنظره له ، رواه حصين بن أبي الجميل .
الثالث : بخير له ، رواه حارث بن السائب .
) وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( أن الله يوسع على من يشاء ويقتر على من يشاء .
قوله عز وجل : ) وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلاَدُكُمْ بالتَّي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى ( قال

صفحة رقم 453
مجاهد : أي قربى والزلفة القربة ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن أموالكم في الدنيا لا تدفع عنكم عذاب الآخرة .
الثاني : أن إنعامنا بها عليكم في الدنيا لا يقتضي إنعامنا عليكم بالجنة في الآخرة .
) إلاَّ مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ( روى ليث عن طاووس أنه كان يقول اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيْتَ ) وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بَالَّتِي تُقَرِّبْكْمُ عِندَنَا زُلْفَى إلاَّ مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ( .
) فَأُوْلئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ ( فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه أضعاف الحسنة بعشر أمثالها ، وأضعاف الدرهم بسبعمائة ، قاله ابن زيد .
الثاني : أن المؤمن إذا كان غنياً تقياً آتاه الله أجره مرتين بهذه الآية ، قاله محمد بن كعب .
الثالث : يعني فله جزاء مثل عمله لأن الضعف هو المثل ويقتضي ذلك المضاعفة ، قاله بعض المتأخرين .
) وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ ( يعني غرفات الجنة .
) ءَامِنُونَ ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : آمنون من النار ، قاله يحيى ابن سلام .
الثاني : من انقطاع النعم ، قاله النقاش .
الثالث : من الموت ، قاله مقاتل .
الرابع : من الأحزان والأسقام .
قوله عز وجل : ) وَمآ أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فهو يخلفه إن شاء إذا رأى ذلك صلاحاً كإجابة الدعاء ، قاله ابن عيسى .
الثاني : يخلفه بالأجر في الآخرة إذا أنفقه في طاعة ، قاله السدي .
الثالث : معناه فهو أخلفه لأنه نفقته من خلف الله ورزقه ، قاله سفيان بن الحسين .

صفحة رقم 454
ويحتمل رابعاً : فهو يعني عنه .
( سبأ : ( 40 - 42 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . .
" ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون " ( قوله عز وجل : ) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ( يعني المشركين ومن عبدوه من الملائكة .
) ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلآَئِكَةِ أَهَؤلآَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ( وهذا السؤال للملائكة تقرير وليس باستفهام ، وإن خرج مخرج الاستفهام .
) قََالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ( فيه وجهان
: أحدهما : أنت الذي توالينا بالطاعة دونهم .
الثاني : أنت ناصرنا دونهم .
) بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ( يعني أنهم أطاعوا الجن في عبادتنا ، وصاروا بطاعتهم عابدين لهم دوننا .
) أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ( أي جميعهم بهم مؤمنون ، وهذا خروج عن الظاهر .
( سبأ : ( 43 - 45 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
" وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير " ( قوله عز وجل : ) وََمَآ ءَاتَينَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ( يعني مشركي قريش ما أنزل الله تعالى عليهم كتاباً قط يدرسونه ، فيه وجهان :

صفحة رقم 455
أحدهما : فيعلمون بدرسه أن ما جئت به حق أم باطل ، قاله السدي .
الثاني : فيعلمون أن الله تعالى شريكاً على ما زعموه ، قاله ابن زيد .
) وَمَآ أَرْسَلْنَآ إلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ ( أي ما بعثنا إليهم رسولاً غيرك .
قوله عز وجل : ) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( يعني من قبل أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
) وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءاتَيْنَاهُمْ ( فيه أربعة
: أحدها : يعني أنهم ما عملوا معشار ما أمروا به ، قاله الحسن .
الثاني : أنه يعني ما أعطى الله سبحانه قريشاً ومن كذب محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) من أمته معشار ما أعطى من قبلهم من القوة والمال ، قاله ابن زيد .
الثالث : ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم ، حكاه النقاش .
الرابع : ما أعطى الله من قبلهم معشار ما أعطاهم من البيان والحجة والبرهان . قال ابن عباس فليس أمة أعلم من أمته ولا كتاب أبين من كتابه .
وفي المعشار ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه العشر وهما لغتان .
الثاني : أنه عشر العشر وهو العشير .
الثالث : هو عشير العشير ، والعشير عشر العشر ، فيكون جزءاً من ألف جزء ، وهو الأظهر ، لأن المراد به المبالغة في التقليل .
) فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( أي عقابي وفي الكلام إضمار محذوف وتقديره : فأهلكناهم فكيف كان نذير .
( سبأ : ( 46 ) قل إنما أعظكم . . . . .
" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ( قوله عز وجل : ) قُلْ إنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ( فيه قولان :
أحدهما : يعني بطاعة الله عز وجل ، قاله مجاهد .
الثاني : بالا إله إلا الله ، قاله السدي .
ويحتمل ثالثاً : بالقرآن لأنه يجمع كل المواعظ .
) أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ( يعني أن تقوموا لله بالحق ، ولم يُرد القيام على

صفحة رقم 456
الأرجل كما قال تعالى : ) وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسطِ ( " [ النساء : 127 ] .
وفي قوله : ) مَثْنَى وَفُرَادَى ( ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه جماعة وفرادى ، قاله السدي .
الثاني : منفرداً برأيه ومشاوراً لغيره ، وهذا قول مأثور .
الثالث : مناظراً مع غيره ومفكراً في نفسه ، قاله ابن قتيبة .
ويحتمل رابعاً : أن المثنى عمل النهار ، والفرادى عمل الليل ، لأنه في النهار . مُعانٌ وفي الليل وحيد .
) ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ( قال قتادة أي ليس بمحمد جنون . ) إنْ هُوَ إلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ( يعني في الآخرة ، قال مقاتل : وسبب نزولها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سأل كفار قريش ألا يؤذوه ويمنعوا منه لقرابته منهم حتى يؤدي رسالة ربه ، فسمعوه يذكر اللات والعزى في القرآن فقالوا يسألنا ألا نؤذيه لقرابته منا ويؤذينا بسبب آلهتنا فنزلت هذه الآية .
( سبأ : ( 47 - 50 ) قل ما سألتكم . . . . .
" قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب " ( قوله عز وجل : ) قُلْ مَا سأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ( فيه قولان :
أحدهما : من مودة قاله ابن عباس ، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سأل قريشاً أن يكفوا عن أذيته حتى يبلغ رسالة ربه .
الثاني : من جُعْل قاله قتادة ، ويشبه أن يكون في الزكاة .
ويحتمل ثالثاُ : أن أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي فهو لكم دوني .
) إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ ( أي ما ثوابي إلا على الله في الآخرة .
) وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : شهيد أن ليس بي جنون .

صفحة رقم 457
الثاني : شهيد أني لكم نذير بين يدي عذاب شديد .
قوله عز وجل : ) قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ( فيه تأويلان :
أحدهما : بالوحي ، قاله قتادة .
الثاني : بالقرآن ، رواه معمر .
وفي قوله : ) يَقْذِفُ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : يتكلم .
الثاني : يوحي .
الثالث : يلقي .
) عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ( قال الضحاك : الخفيات
. قوله عز وجل : ) قُلْ جَآءَ الْحَقُّ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بعثة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن زيد .
الثاني : القرآن ، قاله قتادة .
الثالث : الجهاد بالسيف ، قاله ابن مسعود .
) وَمَا يُبْدِيءُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : أن الباطل الشيطان . رواه معمر .
الثاني : أنه إبليس . رواه خليد .
الثالث : أنه دين الشرك ، قاله ابن بحر .
وفي إبداء الباطل وإعادته ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يخلق ولا يبعث ، قاله قتادة .
الثاني : لا يحيي ولا يميت ، قاله الضحاك .
الثالث : لا يثبت إذا بدا ، ولا يعود إذا زال ، قاله ابن بحر .
( سبأ : ( 51 - 54 ) ولو ترى إذ . . . . .
" ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويقذفون

صفحة رقم 458
بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب " ( قوله عز وجل : ) وَلَوْ تَرَى إذْ فِزَعُواْ ( في فزعهم خمسة أقاويل :
أحدها : فزعهم يوم القيامة ، قاله مجاهد .
الثاني : فزعهم في الدنيا حين رأو بأس الله عز وجل : قاله قتادة .
الثالث : هو الجيش الذي يخسف بهم في البيداء فيبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعوا فهذا هو فزعهم ، قاله سعيد بن جبير .
الرابع : هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم فلم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة ، قاله السدي .
الخامس : هو فزعهم في القبور من الصيحة ، قاله الحسن .
وفي قوله تعالى : ) فَلاَ فَوْتَ ( ثلاثة أوجه :
أحدها : فلا نجاة ، قاله ابن عباس .
الثاني : فلا مهرب ، وهو معنى قول مجاهد .
الثالث : فلا سبق ، قاله قتادة .
) وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ( فيه ستة أقاويل :
أحدها : من تحت أقدامهم ، قاله مجاهد .
الثاني : يوم بدر ، قاله زيد بن أسلم .
الثالث : هو جيش السفياني ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 459
الرابع : عذاب الدنيا ، قاله الضحاك .
الخامس : حين خرجوا من القبور ، قاله الحسن .
السادس : هو يوم القيامة ، قاله القاسم بن نافع .
ويحتمل سابعاً : في أسرِّ ما كانوا فيه نفوساً ، وأقوى ما كانوا عليه أملاً لأنه أقرب بلاء من نعمه .
قوله عز وجل : ) وَقَالُوا ءَامَنَّا بِهِ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني بالله ، قاله مجاهد .
الثاني : بالبعث ، قاله الحسن .
الثالث : بالرسل ، قاله قتادة .
) وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ ( وفي التناوش ثلاثة أقاويل
: أحدها : هو الرجعة ، قاله ابن عباس ومنه قول الشاعر :
تمنى أن تؤوب إليّ ميٌّ
وليس إلى تناوشها سبيل
الثاني : هو التوبة ، قاله السدي
. الثالث : هو التناول من قولهم نشته أنوشه نوشاً إذا تناوله من قريب ، وقد تناوش القوم إذا دنا بعضهم من بعض ولم يلتحم القتال بينهم ، قال الشاعر :
فهي تنوش الحوض نوشاً من علا
نوشاً به تقطع أجواز الفلا
) مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ ( فيه ثلاثة أقوايل :
أحدها : من الآخرة إلى الدنيا ، قاله مجاهد .
الثاني : ما بين الآخرة والدنيا ، رواه القاسم بن نافع .
الثالث : هو طلبهم الأمر من حيث لا ينال ، قاله الحسن .
ويحتمل قولاً رابعاً : بعيد عليهم لاستحالته عندهم .

صفحة رقم 460
قوله عز وجل : ) وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم كفروا بالله تعالى ، قاله مجاهد .
الثاني : بالبعث ، قاله الحسن .
الثالث : بالرسول ، قاله قتادة .
) مِن قَبْلُ ( فيه وجهان
: أحدهما : في الدنيا ، قاله مجاهد .
الثاني : من قبل العذاب .
) وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : معناه يرجمون بالظن ويقولون في الدنيا لا بعث ولا جنة ولا نار ، قاله الحسن .
الثاني : أنه طعنهم في القرآن ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
الثالث : هو طعنهم في رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأنه شاعر أو ساحر ، قاله مجاهد ، وسماه قذفاً لخروجه عن غير حق .
قوله عز وجل : ) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ( يعني بالموت ، وفيه خمسة تأويلات : أحدها : حيل بينهم وبين الدنيا ، قاله مجاهد .
الثاني : بينهم وبين الإيمان ، قاله الحسن .
الثالث : بينهم وبين التوبة ، قاله السدي .
الرابع : بينهم وبين طاعة الله تعالى ، قاله خليد .
الخامس : حيل بين المؤمن وبين العمل ، وبين الكافر وبين الإيمان ، قاله يزيد بن أبي يزيد .
) كَمَا فُعِلَ بِأَشْياعِهِم مّن قَبْلُ ( فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم أوائلهم من الأمم الخالية ، قاله مقاتل .
الثاني : أنه أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة ، قاله الضحاك .
الثالث : هم أمثالهم من الكفار الذين لم يقبل الله سبحانه منهم التوبة عند المعاينة .
) إنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : لا يعرفون نبيهم ، قاله مقاتل .
الثاني : هو شكهم في وقوع العذاب ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 461
سورة فاطر
بسم الله الرحمن الرحيم
( فاطر : ( 1 ) الحمد لله فاطر . . . . .
" الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير " ( قوله عز وجل : ) الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ( والفطر الشق عن الشيء بإظهاره للحسن يقال فطر ناب الناقة إذا طلع ، وفطر دمه إذا أخرجه . قال ابن عباس : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأتها .
وفي تأويله ههنا وجهان :
أحدهما : خالق السموات والأرض ، قاله قتادة ، والكلبي ، ومقاتل .
الثاني : أنه شقها لما ينزل منها وما يعرج فيها .
) جَاعِلِ الْمَلآَئِكَةِ رُسُلاً ( فيه قولان
: أحدهما : إلى الأنبياء ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : إلى العباد رحمة أو نقمة ، قاله السدي .
) أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ( قال قتادة : بعضهم له جناحان ، وبعضهم ثلاثة ، وبعضهم أربعة . والمثنى والثلاث والرباع ما تكرر فيه الاثنان والثلاثة والأربعة .

صفحة رقم 462
) يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ ( فيه ثلاثة تأويلات
: أحدها : أنه حسن الصوت ، قاله الزهري وابن جريج .
الثاني : أنه الشعر الجعد ، حكاه النقاش .
الثالث : يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء ، قاله الحسن .
ويحتمل رابعاً : أنه العقل والتمييز .
ويحتمل خامساً : أنه العلوم والصنائع . ويكون معناه على هذين التأويلين :
كما يزيد في الخلق ما يشاء كذلك يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء .
( فاطر : ( 2 - 6 ) ما يفتح الله . . . . .
" ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " ( قوله عز وجل : ) مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ( فيه سبعة تأويلات :
أحدها : من خير ، قاله قتادة .
الثاني : من مطر ، قاله السدي .
الثالث : من توبة ، قاله ابن عباس .
الرابع : من وحي ، قاله الحسن .
الخامس : من رزق وهو مأثور .

صفحة رقم 463
السادس : من عافية ، قاله الكلبي .
السابع : من دعاء ، قاله الضحاك .
ويحتمل ثامناً : من توفيق وهداية .
( فاطر : ( 7 - 8 ) الذين كفروا لهم . . . . .
" الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون " ( قوله عز وجل : ) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنهم اليهود والنصارى والمجوس ، قاله أبو قلابة ، ويكون سوء عمله معاندة الرسول .
الثاني : أنهم الخوارج ، رواه عمرو بن القاسم ، ويكون سوء عمله تحريف التأويل .
الثالث : الشيطان ، قاله الحسن ويكون سوء عمله الإغواء .
الرابع : كفار قريش ، قاله الكلبي ، ويكون سوء عملهم الشرك .
وقيل إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب ، وقال غيره نزلت في أبي جهل بن هشام .
في قوله : ) فَرءَاهُ حَسَناً ( وجهان :
أحدهما : صواباً ، قاله الكلبي .
الثاني : جميلاً .
وفي الكلام محذوف اختلف فيه على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المحذوف منه : فإنه يتحسر عليه يوم القيامة ، قاله ابن عيسى .
الثاني : أن المحذوف منه : كمن آمن وعمل صالحاً لا يستويان ، قاله يحيى بن سلام .
الثالث : أن المحذوف منه : كمن عمل الحسن والقبح .
( فاطر : ( 9 - 11 ) والله الذي أرسل . . . . .
" والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد

صفحة رقم 464
موتها كذلك النشور من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير " ( قوله عز وجل : ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ( فيه قولان
: أحدهما : يعني بالعزة المنعة فيتعزز بطاعة الله تعالى ، قاله قتادة .
الثاني : علم العزة لمن هي ، فلله العزة جميعاً .
وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما رواه الحسن أن المشركين عبدوا الأوثان لتعزهم كما وصف الله تعالى عنهم في قوله : ) وَاتَّخَذُواْ مِن اللهِ دُونِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزّاً ( فأنزل الله تعالى : ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فِلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ( .
) إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ( فيه قولان
: أحدهما : أنه التوحيد ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : الثناء علىمن في الأرض من صالح المؤمنين يصعد به الملائكة المقربون ، حكاه النقاش .
) وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه أداء الفرائض .
الثاني : أنه فعل القرب كلها .
وفي قوله : ) يَرْفَعُهُ ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب ، قاله الحسن ، ويحيى بن سلام .
الثاني : أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ، قاله الضحاك وسعيد بن جبير .
الثالث : أن العمل يرفعه الله بصاحبه ، قاله قتادة ، السدي .
) وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ ( يعني يشركون في الدنيا

صفحة رقم 465
. ) لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ( يعني في الآخرة
. ) وَمَكْرُ أُوْلئِكَ هُوَ يَبُورُ ( فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يفسد عند الله تعالى ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : يبطل ، قاله قتادة .
الثالث : يهلك ، والبوار الهلاك ، قاله قطرب .
وفي المراد : ) أُوْلئِكَ ( قولان :
أحدهما : أهل الشرك .
الثاني : أصحاب الربا ، قاله مجاهد .
قوله عز وجل : ) وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ( يعني آدم .
) ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ( يعني نسله
. ) ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ( فيه وجهان :
أحدهما : أصنافاً ، قاله الكلبي .
الثاني : ذكراناً وإناثاً ، والواحد الذي معه آخر من شكله زوج والاثنان زوجان ، قال الله تعالى : ) وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينَ الذَّكَرَ والأُنْثَى ( " [ النجم : 45 ] وتأول قتادة قوله تعالى : ) ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ( أي زوّج بعضكم لبعض .
) وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ( يعني بأمره .
) وَمَا يَعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ منْ عَمُرِهِ . . ( الآية . فيه قولان :
أحدهما : ما نمد في عمر معمر حتى يصير هرماً . ولا ينقص من عمر أحد حتى يموت طفلاً إلا في كتاب .
الثاني : ما يعمر من معمر قدر الله تعالى مدة أجله إلا كان ما نقص منه بالأيام الماضية عليه في كتاب عند الله .
قال سعيد بن جبير : هي صحيفة كتب الله تعالى في أولها أجله ، ثم كتب في أسفلها ذهب يوم كذا ويوم كذا حتى يأتي على أجله ، وبمثله قال أبو مالك ، والشعبي .
وفي عمر المعمر ثلاثة أقاويل :
أحدها : ستون سنة ، قاله الحسن .

صفحة رقم 466
الثاني : أربعون سنة .
الثالث : ثماني عشرة سنة ، قاله أبو غالب .
) . . . إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( أي هين
. ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن إثبات ذلك على الله يسير .
الثاني : أن زيادة عمر المعمر ونقصان عمر الآخر عند الله تعالى يسير .
وللكلبي فيه ثالث : أن حفظ ذلك بغير كتاب على الله يسير .
( فاطر : ( 12 - 14 ) وما يستوي البحران . . . . .
" وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير " ( ) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : ما يستويان في أنفسهما .
الثاني : في منافع الناس بهما .
) هذَا عَذْبٌ فُراتٌ ( والفرات هو العذب وذكره تأكيداً لاختلاف اللفظين كما يقال هذا حسن جميل .
) سَآئَغٌ شَرَابُهُ ( أي ماؤه .
) وَهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ ( أي مُرٌّ مأخوذ من أجة النار كأنه يحرق من شدة المرارة ، قال الشاعر :
دُرَّةٌ في اليمين أخرجها الغا
ئص من قعر بحر ملح أجاج

صفحة رقم 467
) وَمِن كُلٍّ تَأكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً ( يعني لحم الحيتان مأكول من كلا البحرين
. ) وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ( اللؤلؤ والمرجان يستخرج من الملح ، ويكون المراد أحدهما وإن عطف بالكلام عليهما .
وقيل : بل هو مأخوذ منهما لأن في البحر عيوناً عذبة ، وما بينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج وقيل من مطر السماء .
ثم قال : ) تَلْبَسُونَهَا ( وإن لبسها النساء دون الرجال لأن جمالها عائد عليهم جميعاً .
) وَتَرى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ( فيه خمسة أوجه
: أحدها : مقبلة ومدبرة وريح واحدة ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : مواقر ، قاله الحسن . قال الشاعر :
تراها إذا راحت ثقالاً كأنها
مواخر فلك أو نعام حوافل
الثالث : معترضة ، قاله أبو وائل
. الرابع : جواري ، قاله ابن قتيبة .
الخامس : تمخر الماء أي تشقه في جريها شقاً ، قاله علي بن عيسى .
) لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ( قال مجاهد : التجاة في الفلك
. ويحتمل وجهاً آخر ما يستخرج من حليته ويصاد من حيتان .
) وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( [ فيه وجهان ] :
أحدهما : على ما آتاكم من نعمه .
الثاني : على ما آتاكم من فضله .
ويحتمل ثالثاً : على ما أنجاكم من هوله .
( فاطر : ( 15 - 18 ) يا أيها الناس . . . . .
" يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ولا تزر وازرة

صفحة رقم 468
وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير " ( قوله عز وجل : ) وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَى ( أي لا تحمل نفس ما تحمله نفس أخرى من ذنوبها ، ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال الملك بتدبيره .
) وَإن تَدَعُ مُثْقَلَةٌ إلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَل مِنْهُ شَيْءٌ ( قال مجاهد مثقلة بالذنوب ، ومعنى الكلام أن النفس التي قد أثقلتها ذنوبها إذا دعت يوم القيامة من يتحمل الذنوب عنها لم تجد من يتحمل عنها شيئاً من ذنوبها .
) وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ( ولو كان المدعو إلى التحمل قريباً مناسباً ، ولو تحمله عنها ما قُبل تحمله ، لما سبق من قوله تعالى : ) وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ( .
) إنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهَم بِالْغَيْبِ ( فيه وجهان
: أحدهما : في السر حيث لا يطلع عليه أحد ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : في التصديق بالآخرة ، حكاه ابن عيسى .
ويحتمل ثالثاً : يخشونه في ضمائر القلوب كما يخشونه في ظواهر الأفعال .
( فاطر : ( 19 - 26 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
" وما يستوي الأعمى

صفحة رقم 469
والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " ( قوله عز وجل : ) وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ . . ( الآية . فيه قولان
: أحدهما : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر ، كما لا يستوي الأعمى والبصير ، ولا تستوي الظلمات ولا النور ، ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر ، قاله قتادة .
الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ، ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ، ولا يستوي ظل الجنة وحرور النار ، قاله السدي .
والحرور الريح الحارة كالسموم ، قال الفراء : الحرور يكون بالليل والنهار ، والسموم لا يكون إلا بالنهار .
وقال الأخفش : الحرور لا يكون إلا مع شمس النهار ، والسموم يكون بالليل والنهار .
قال قطرب : الحرور الحر ، والظل البرد . ومعنى الكلام : أنه لا يستوي الجنة والنار .
قوله عز وجل : ) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر ، كما أنه لا يستوي الأحياء والأموات فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، قاله قتادة .
الثاني : أن الأحياء المؤمنون الذين أحياهم الإيمان . والأموات الكفار الذين أماتهم الكفر وهذا مقتضى قول السدي .
الثالث : أن الأحياء العقلاء ، والأموات الجهال ، قاله ابن قتيبة وفي ) لاَ ( في هذا الموضع وفيما قبله قولان :
أحدهما : أنها زائدة مؤكدة .
الثاني : أنا نافية لاستواء أحدهما بالآخر .
) إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ( أي يهدي من يشاء
. ) وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِِ ( فيه وجهان
: أحدهما : أنه مثل ضربه الله ، كما أنك لا تُسمع الموتى في القبور كذلك لا تسمع الكافر .
الثاني : أن الكافر قد أماته الكفر حتى أقبره في كفره فلذلك لا يسمع ، وقيل إن مراد الله تعالى بهذه الآية الإخبار أن بين الخير فروقاً ، كما أن بين الشر فروقاً ،

صفحة رقم 470
ليطلب من درجات الخير أعلاها ولا يحتقر من درجات الشر أدناها ، وهو الظاهر من قول علي ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) إنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ( أي بالقرآن بشرى بالجنة .
) وَنَذِيراً ( من النار . ) وَإن مَّنْ أُمَّةِ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ( أي سلف فيها نبي ، قال ابن جريج : إلا العرب .
( فاطر : ( 27 - 28 ) ألم تر أن . . . . .
" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور " ( قوله عز وجل : ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَنْا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ( وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها ، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها ) وَمِنَ الْجبَالَ جُدَدٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الجدد القطع مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ، حكاه ابن بحر .
الثاني : أنها الخطط واحدتها جُدة مثل مُدة ومدد ، ومنه قول زهير :
كأنه أسفع الخدين ذو جُدد
طاوٍ ويرتع بعد الصيف عريانا
) بِيضُ وَحُمرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ( والغربيب الشديد السواد الذي لونه كلون الغراب . ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الشَّيخَ الْغِرْبِيبَ ) يعني

صفحة رقم 471
الذي يخضب بالسواد ، قال امرؤ القيس :
العين طامعة واليد سابحة
والرجل لافحة والوجه غربيب
وقيل فيه تقديم وتأخير ، وتقديره سود غرابيب
. وفي المراد بالغرابيب السود ثلاثة أوجه :
أحدها : الجبال السود ، قاله السدي .
الثاني : الطرائف السود ، قاله ابن عباس .
الثالث : الأودية السود ، قاله قتادة .
) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوآبِّ وَالأَنعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلَوَانُهُ كَذلِكَ ( فيه وجهان
: أحدهما : كذلك مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود .
الثاني : يعني بقوله كذلك أي كما اختلف ألوان الثمار والجبال والناس والدواب والأنعام كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية .
ثم استأنف فقال : ) إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عَبَادِهِ الْعُلَمَآءُ ( يعني بالعلماء الذين يخافون .
قال الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم . قال ابن مسعود : المتقون سادة ، والعلماء قادة . وقيل : فاتحة الزبور الحكمة خشية الله .
( فاطر : ( 29 - 30 ) إن الذين يتلون . . . . .
" إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور " (

صفحة رقم 472
قوله عز وجل : ) يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ( يعني الجنة ، وفيها وجهان : أحدهما : لن تفسد ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : لن تكسد ، قاله علي بن عيسى والأول أشبه لقول الشاعر :
يا رسول المليك إن لساني
راتق ما فتقت إذا أنا بور
قوله عز وجل : ) لِيُوَفِّيهُمْ أُجُورَهُمْ ( يعني ثواب أعمالهم .
) وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يفسح لهم في قبورهم ، قاله الضحاك .
الثاني : يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا ، قاله أبو وائل .
الثالث : يضاعف لهم حسناتهم ، وهو مأثور .
الرابع : غفر الكثير والشكر اليسير ، قاله بعض المتأخرين .
ويحتمل خامساً : يوفيهم أجورهم على فعل الطاعات ويزيدهم من فضله على اجتناب المعاصي ) إنَّهُ غَفُورٌ ( للذنب .
) شَكُورٌ ( للطاعة . ووصفه بأنه شكور مجاز ومعناه أن يقابل بالإحسان مقابلة الشكور لأنه يقابل على اليسير بأضعافه .
( فاطر : ( 31 - 32 ) والذي أوحينا إليك . . . . .
" والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير " ( ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الكتاب هو القرآن ، ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم .
الثاني : أن إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث انتقال الشيء من قوم إلى قوم .

صفحة رقم 473
وفي ) الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبادِنَا ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الأنبياء ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : أنهم بنو إسرائيل لقوله عز وجل : ) إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً ( " [ آل عمران : 33 ] الآية . قاله ابن بحر .
الثالث : أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . قاله الكلبي .
) فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : أن قوله : ) فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ ( كلام مبتدأ لا يرجع إلى المصطفين ، وهذا قول من تأول المصطفين الأنبياء ، فيكون من عداهم ثلاثة أصناف على ما بينهم .
الثاني : أنه راجع إلى تفصيل أحوال الذين اصطفينا ، ومعنى الاصطفاء الاختيار وهذا قول من تأول المصطفين غير الأنبياء ، فجعلهم ثلاثة أصناف .
فأما الظالم لنفسه ها هنا ففيه خمسة أوجه :
أحدها : أنهم أهل الصغائر من هذه الأمة ، روى شهر بن حوشب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له .
الثاني : أنهم أهل الكبائر وأصحاب المشأمة ، قاله السدي .
الثالث : أنهم المنافقون وهم مستثنون .
الرابع : أنهم أهل الكتاب ، قاله الحسن .
الخامس : أنه الجاحد ، قاله مجاهد .
وأما المقتصد ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه المتوسط في الطاعات وهذا معنى حديث أبي الدرداء ، روى

صفحة رقم 474
إبراهيم عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قرأ هذه الآية فقال : ( أَمَّا السَّابِقُ فَيدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ ، وَأَمَّا المُقْتَصِدُ فَيُحَاسَب حِسَاباً يَسِيراً ، وَأمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فِيُحْصَرُ فِي طُولِ الحِبْسِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنهُ ) الثاني : أنهم أصحاب اليمين ، قاله السدي
. الثالث : أنهم أصحاب الصغائر وهو قول متأخر .
الرابع : أنهم الذين اتبعوا سنن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من بعده ، قاله الحسن .
) وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ( فيه أربعة أقاويل
: أحدها : أنهم المقربون ، قاله مجاهد .
الثاني : أنهم المستكثرون من طاعة الله تعالى ، وهو مأثور .
الثالث : أنهم أهل المنزلة العليا في الطاعات ، قاله علي بن عيسى .
الرابع : أنه من مضى على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فشهد له بالجنة .
روى عقبة بن صهبان قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية فقالت : كلهم من أهل الجنة ، السابق من مضى على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فشهد له بالحياة والرزق ، والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به ، والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا .
( فاطر : ( 33 - 35 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
" جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب " (

صفحة رقم 475
قوله عز وجل : ) وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ( فيه تسعة تأويلات :
أحدها : أنه خوف النار ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه حزن الموت ، قاله عطية .
الثالث : تعب الدنيا وهمومها ، قاله قتادة .
الرابع : حزن المنّة ، قاله سمُرة .
الخامس : حزن الظالم لما يشاهد من سوء حاله ، قاله ابن زيد .
السادس : الجوع حكاه النقاش .
السابع : خوف السلطان ، حكاه الكلبي .
الثامن : طلب المعاش ، حكاه الفراء .
التاسع : حزن الطعام ، وهو مأثور .
ويحتمل عاشراً : أنه حزن التباغض والتحاسد لأن أهل الجنة متواصلون لا يتباغضون ولا يتحاسدون .
وفي وقت قولهم لذلك قولان :
أحدهما : عند إعطاء كتبهم بأيمانهم لأنه أول بشارات السلامة ، فيقولون عندها : ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ( .
الثاني : بعد دخول الجنة ، قاله الكلبي ، وهو أشبه لاستقرار الجزاء والخلاص من أهوال القيامة فيقولون ذلك عند أمنهم شكراً .
قوله عز وجل : ) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمَقَامَةِ مِن فَضْلِهِ ( أي دار الإقامة وهي الجنة .
وفي الفرق بين المقامة بالضم والفتح وجهان :
أحدهما : أنها بالضم دار الإقامة ، وبالفتح موضع الإقامة .
الثاني : أنها بالضم المجلس الذي يجتمع فيه للحديث .
) لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : تعب ، قاله ابن عيسى .
الثاني : وجع ، قاله قتادة .
) وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ( فيه وجهان :

صفحة رقم 476
أحدهما : أنه العناء ، قاله أبو جعفر الطبري .
الثاني : أنه الإعياء ، قاله قطرب وابن عيسى .
( فاطر : ( 36 - 37 ) والذين كفروا لهم . . . . .
" والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " ( قوله عز وجل : ) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ( قال ابن جريج : وهم يستغيثون فيها ) َرَبَّنَآ أخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ( أي نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية .
) أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ( فيه خمسة تأويلات
: أحدها : أنه البلوغ ، قاله الحسن لأنه أول زمان التذكر .
الثاني : ثماني عشرة سنة .
الثالث : أربعون سنة ، قاله ابن عباس ومسروق .
الرابع : ستون سنة ، قاله علي بن أبي طالب مرفوعاً .
الخامس : سبعون سنة لأنه آخر زمان التذكر ، وما بعده هرم . روى أبو هريرة .
قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إلَى عَبدٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتّىَ بلَغَ سِتِيّنَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً ) . قوله عز وجل : ) وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن زيد .
الثاني : الشيب ، حكاه الفراء والطبري .
الثالث : الحمى .
الرابع : موت الأهل والأقارب .
ويحتمل خامساً : أنه كمال العقل .

صفحة رقم 477
( فاطر : ( 38 - 39 ) إن الله عالم . . . . .
" إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا " ( ) فَذُوقُواْ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : حسرة الندم .
الثاني : عذاب جهنم .
قوله عز وجل : ) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْض ( قال قتادة خلفاً بعد خلف قرناً بعد قرن ، والخلف هو الثاني للمتقدم ، ولذلك قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله ، فقال لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا راضٍ بذلك . وقال بعد السلف إنما يستخلف من يغيب أو يموت ، والله تعالى لا يغيب ولا يموت .
) فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ( أي فعليه عقاب كفره
. قوله عز وجل : ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دَونِ اللَّهِ ( فيه وجهان :
أحدهما : شركاءكم في الأموال التي جعلتم لهم قسطاً منها الأوثان .
الثاني : الذين أشركتموهم في العبادة .
( فاطر : ( 40 - 41 ) قل أرأيتم شركاءكم . . . . .
" قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا " ( ) أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ ( قاله السدي يعني في الأرض .
) أَمْ لَهُمْ شرْكٌ فِي السَّموَاتِ ( حتى صاروا شركاء في خلقها .
) أَمْ ءَآتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنهُ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أم أنزلنا عليهم كتاباً بأن لله تعالى شركاء من الملائكة والأصنام فيهم مستمسكون به ، وهذا قول ابن زياد .

صفحة رقم 478
الثاني : أم أنزلنا عليهم كتاباً بأن الله لا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به ، وهو معنى قول الكلبي .
) بَلْ إن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إلاَّ غُرُوراً ( فيه وجهان
: أحدهما : وعدوهم بأن الملائكة يشفعون .
الثاني : وعدوهم بأنهم ينصرون عليهم .
( فاطر : ( 42 - 43 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا " ( قوله عز وجل : ) وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ( هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله تعلى رسوله محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم ، فلعنوا من كذب نبيه منهم ، وحلفوا بالله جل اسمه يميناً .
) لَئِن جَآءَهُم نَذِيرٌ ( أي نبي .
) لَّيَكُوننَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَمْ ( يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب .
) فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
) مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً ( فيه وجهان :
أحدهما : نفوراً عن الرسول .
الثاني : نفوراً عن الحق .
قوله عز وجل : ) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ ( فيه وجهان :
أحدهما : استكباراً عن عبادة الله ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : استكباراً بمعاصي الله ، وهذا قول متأخر .
) وَمَكْرَ السَّيِّىءِ ( فيه وجهان
: أحدهما : الشرك بالله ، قاله يحيى .

صفحة رقم 479
الثاني : أنه المكر برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودينه كما قال تعالى : ) وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ ( " [ الأنفال : 30 ] الآية .
) وَلاَ يَحِيقُ الْمُكْرُ السَّيِّىءُ إلاَّ بِأَهْلِهِ ( فيه وجهان
: أحدهما : قاله الكلبي ، يحيق بمعنى يحيط .
الثاني : قاله قطرب ، يحيق بمعنى ينزل ، وأنشد قول الشاعر :
وقد دفعوا المنية فاستقلت
ذراعاً بعدما كادت تحيقُ
قال فعاد ذلك عليهم بقتلهم يوم بدر
. ) فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ ( يعني سنة الله في الأولين ، وفيها وجهان
: أحدهما : نزول العذاب بهم عند إصرارهم في التكذيب .
الثاني : لا تقبل منهم التوبة عند نزول العذاب .
( فاطر : ( 44 - 45 ) أو لم يسيروا . . . . .
" أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا " ( قوله عز وجل : ) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ ( يعني من الذنوب
. ) مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ( قال يحيى بن سلام بحبس المطر عنهم وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني جميع الحيوان مما دب ودرج ، قاله ابن مسعود ، قال قتادة : وقد فعل ذلك زمان نوح عليه السلام .
الثاني : من الإنس والجن دون غيرهما لأنهما مكلفان بالعقل ، قاله الكلبي .
الثالث : من الناس وحدهم ، قاله ابن جريج .

صفحة رقم 480
) وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ( فيه قولان
: أحدهما : الأجل المسمى الذي وعدهم في اللوح المحفوظ ، قاله مقاتل .
الثاني : إلى يوم القيامة ، قاله يحيى .
) فَإذَا جَآءَ أَجَلُهُم ( فيه قولان
: أحدهما : نزول العذاب .
الثاني : البعث في القيامة .
) فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ( يحتمل وجهين
: أحدهما : بصيراً بأجلهم .
الثاني : بصيراً بأعمالهم ، والله أعلم .

صفحة رقم 5
سورة يس
مكية في قول الجميع ، إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا إلا آية منها وهي قوله : ) وإذا قيل لهم أنفقوا ( [ يس : 47 ] الآية . ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
( يس : ( 1 - 7 ) يس
" يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " ( قوله عز وجل : ) يس ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة .
الثاني : أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنه فواتح من كلام الله تعالى افتتح به كلامه ، قاله مجاهد .
الرابع : أنه : يا محمد ، قاله محمد بن الحنفية ، وروى علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّانِي في القُرآنِ بِسَبْعَةِ أَسْمَاءَ : مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَطه وَيس وَالمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَعَبدَ اللَّهِ ) . الخامس : أنه يا إنسان : قاله الحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، وسعيد ابن جبير . ثم اختلفوا فيه فقال سعيد بن جبير وعكرمة هي بلغة الحبشة . وحكى الكلبي

صفحة رقم 6
أنه بالسريانية وقال الشعبي : هو بلغة طيىء . وقال آخرون : هي بلغة كلب .
ويحتمل سادساً : يئس من كذب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكون مؤمناً بالله ، نفياً للإيمان أن يكون إلا بالشهادتين ، واليأس أبلغ في النفي من جميع ألفاظه ، ثم أثبت رسالته بقسَمه فقال :
) وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ . إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : على شريعة واضحة .
الثاني : على حجة بينة .
قوله عز وجل : ) لِّتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولم ينذر آباؤهم من قبلهم ، قاله قتادة .
الثاني : أنه عام ومعناه لتنذر قوماً كما أنذر آباؤهم ، قاله السدي . ) فَهُمْ غَافِلُونَ ( يحتمل وجهين
: أحدهما : عن قبول الإِنذار . الثاني : عن استحقاق العذاب .
قوله عز وجل : ) لَقَدْ حَقَّ الْقَولُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه لقد وجب العذاب على أكثرهم ، قاله السدي .
الثاني : لقد سبق علم الله في أكثرهم ، قاله الضحاك .
وفي هذا القول الذي حق عليهم وجهان :
أحدهما : أنه الوعيد الذي أوجبه الله تعالى عليهم من العذاب .
الثاني : أنه الإِخبار عنهم بأنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم .
) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( يعني الأكثرية الذين حق القول عليهم ، وهم الذين عاندوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كفار قريش ، وأكثرهم لم يؤمنوا فكان المخبر كالخبر .
( يس : ( 8 - 12 ) إنا جعلنا في . . . . .
" إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء

صفحة رقم 7
عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين " ( قوله عز وجل : ) إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِِهِمْ أَغْلاَلاً ( فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لهم في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول من التصرف ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : ما حكاه السدي أن ناساً من قريش ائتمروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجاءوا يريدون ذلك فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً .
الثالث : أن المراد به جعل الله سبحانه لهم في النار من الأغلال في أعناقهم ويكون الجعل ها هنا مأخوذاً من الجُعالة التي هي الأجرة كأن جعالتهم في النار الأغلال ، حكاه ابن بحر .
وفي قوله : ) فِي أَعْنَاقِهِمْ ( قولان :
أحدهما : في أيديهم ، فكنى بالأعناق عن الأيدي لأن الغُل يكون في الأيدي ، قاله الكلبي ، وحكى قطرب أنها في قراءة ابن عباس : ) إنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِم أَغْلاَلاً (
الثاني : أنها في الأعناق حقيقة ، لأن الأيدي تجمع في الغل إلى الأعناق ، قاله ابن عباس ) فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ ( فيه وجهان :
أحدهما : إلى الوجوه فكنى عنها بالأذقان لأنها منها ، قاله قتادة ، أي قد غلت يده عند وجهه .
الثاني : أنها الأذقان المنحدرة عن الشفة في أسفل الوجه لأن أيديهم تماسها إذا علت .
) فَهُم مُّقْمَحُونَ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : رفع رؤوسهم ووضع أيديهم على أفواههم ، قاله مجاهد .
الثاني : هو الطامح ببصره إلى موطىء قدمه ، قاله الحسن . الثالث : هو غض الطرف ورفع الرأس مأخوذ من البعير المقمح وهو أن يرفع

صفحة رقم 8
رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء كريهاً ، حكاه النقاش . وقال المبرد ، وأنشد قول الشاعر :
ونحن على جوانبها قعود
نغض الطرف كالإبل القماح
الرابع : هو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه مأخوذ من القمح وهو رفع الشيء إلى الفم ، حكاه عليّ بن عيسى وقاله أبو عبيدة .
قوله عز وجل : ) وَجَعَلْنَا مِن بَينِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني ضلالاً ، قاله قتادة .
الثاني : سداً عن الحق ، قاله مجاهد .
الثالث : ظلمة سدت قريشاً عن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين ائتمروا لقتله قاله السدي . قال عكرمة : ما صنع الله تعالى فهو السُدُّ بالضم ، وما صنع الإنسان فهو السد بالفتح .
) فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : فأغشيناهم بظلمة الكفر فهم لا يبصرون الهدى ، قاله يحيى بن سلام ، ومعنى قول مجاهد .
الثاني : فأغشيناهم بظلمة الليل فهم لا يبصرون محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) حين ائتمروا على قتله ، قاله السدي ، ومحمد بن كعب .
قوله عز وجل : ) إِنَّمَا تُنذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكرَ ( يعني القرآن . ) وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ( فيه وجهان :
أحدهما : ما يغيب به عن الناس من شر عمله ، قاله السدي .
الثاني : ما غاب من عذاب الله وناره ، قاله قتادة .
) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ( لذنبه .
) وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ( لطاعته ، وفيه وجهان :

صفحة رقم 9
أحدهما : أنه الكثير . الثاني : الذي تنال معه الكرامة . قوله عز وجل : ) إنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ( فيه وجهان :
أحدهما : نحييهم بالإيمان بعد الكفر ، قاله الضحاك .
الثاني : بالبعث للجزاء ، قاله يحيى بن سلام .
) ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ ( فيه تأويلان : أحدهما : ما قدموا هو ما عملوا من خير أو شر ، وآثارهم ما أثروا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم ، قاله سعيد بن جبير .
الثاني : ما قدموا : أعمالهم ، وآثارهم : خطاهم إلى المساجد ، قاله مجاهد .
روى سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد ، فنزلت : ) إنَّا نَحْنُ نُحِيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ ( وقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إن آثَارَكُمْ تُكْتَبُ فَلَمْ يَنتَقِلُوا ) . ويحتمل إن لم يثبت نقل هذا السبب تأويلاً ثالثاً أن آثارهم هو أن يصلح من صاحبهم بصلاحهم ، أو يفسد بفسادهم .
) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ ( فيه وجهان :
أحدهما : علمناه .
الثاني : حفظناه .
) في إمَامٍ مُّبِينٍ ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدهما : اللوح المحفوظ ، قاله السدي . الثاني : أم الكتاب قاله مجاهد .
الثالث : معناه طريق مستقيم ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 10
( يس : ( 13 - 17 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
" واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين " ( قوله عز وجل : ) وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( هذه القرية هي أنطاكية من قول جميع المفسرين .
) إذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا ( اختلف في اسميهما على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهما شمعون ويوحنا ، قاله شعيب .
الثاني : صادق وصدوق ، قاله ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه .
الثالث : سمعان ويحيى ، حكاه النقاش .
) فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فشددنا ، قاله مجاهد .
الثاني : فزدنا ، قاله ابن جريج .
الثالث : قوينا مأخوذ من العزة وهي القوة المنيعة ، ومنه قولهم : من عز وبز : واختلف في اسمه على قولين :
أحدهما : يونس قاله شعيب .
الثاني : شلوم ، قاله ابن عباس وكعب ووهب . وكان ملك أنطاكية أحد الفراعنة يعبد الأصنام مع أهلها ، وكانت لهم ثلاثة أصنام يعبدونها ، ذكر النقاش أن أسماءها رومس وقيل وارطميس .
واختلف في اسم الملك على قولين :
أحدهما : أن اسمه أنطيخس ، قاله ابن عباس وكعب ووهب .
الثاني : انطرا ، قاله شعيب .
قوله عز وجل : ) مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ( وهذا القول منهم إنكار لرسالته ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أنكم مثلنا غير رسل وإن جاز أن يكون البشر رسلاً .

صفحة رقم 11
الثاني : إن مثلكم من البشر لا يجوز أن يكونوا رسلاً .
) وَمَآ أَنزَلَ الرَّحْمنُ مِن شَيْءٍ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك منهم إنكاراً للرحمن أن يكون إلهاً مرسلاً .
الثاني : أن يكون ذلك إنكاراً أن يكونوا للرحمن رسلاً .
) إنْ أَنتُمْ إِلاَّ تُكْذِبُونَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : تكذبون في أن لنا إلهاً .
الثاني : تكذبون في أن تكونوا رسلاً .
قوله عز وجل : ) قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( فإن قيل يعلم الله تعالى أنهم لا تكون حجة عند الكفار لهم .
قيل يحتمل قولهم ذلك وجهين :
أحدهما : معناه ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون بما يظهره لنا من المعجزات ، وقد قيل إنهم أحيوا ميتاً وأبرؤوا زمِناً .
الثاني : أن تمكين ربنا لنا إنما هو لعلمه بصدقنا .
واختلف أهل العلم فيهم على قولين :
أحدهما : أنهم كانوا رسلاً من الله تعالى إليهم .
الثاني : أنهم كانوا رسل عيسى عليه السلام من جملة الحواريين أرسلهم إليهم فجاز ، لأنهم رسل رسول الله ، أن يكونوا رسلاً لله ، قاله ابن جريج .
) وَمَا عَلَيْنَآ إلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ( يعني بالإعجاز الدال على صحة الرسالة أن الذي على الرسل إبلاغ الرسالة وليس عليهم الإجابة ، وإنما الإجابة على المدعوين دون الداعين .
( يس : ( 18 - 19 ) قالوا إنا تطيرنا . . . . .
" قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون " ( قوله عز وجل : ) قَالُواْ إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تشاءَمنا بكم ، وعساهم قالوا ذلك لسوء أصابهم ، قاله يحيى بن سلام . قيل إنه حبس المطر عن أنطاكية في أيامهم .

صفحة رقم 12
الثاني : معناه إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم ، قاله قتادة : تحذيراً من الرجوع عن دينهم .
الثالث : استوحشنا منكم فيما دعوتمونا إليه من دينكم .
) لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ( فيه ثلاثة أوجه : أحدها : لنرجمنكم بالحجارة ، قاله قتادة .
الثاني : لنقتلنكم ، قاله السدي .
الثالث : لنشتمنكم ونؤذيكم ، قاله النقاش .
) وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه القتل .
الثاني : التعذيب المؤلم قبل القتل .
قوله عز وجل : ) قَالُواْ طَآئِرَكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُمْ ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن أعمالكم معكم أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا ، قاله قتادة .
الثاني : أن الشؤم معكم إن أقمتم على الكفر إذا ذكرتم ، قاله ابن عيسى .
الثالث : معناه أن كل من ذكركم بالله تطيرتم به ، حكاه بعض المتأخرين .
الرابع : أن عملكم ورزقكم معكم ، حكاه ابن حسام المالكي .
) بَل أَنتُمْ قومٌ مُّسْرفُونَ ( فيه وجهان :
أحدهما : في تطيركم ، قاله قتادة .
الثاني : مسرفون في كفركم ، قاله يحيى بن سلام . وقال ابن بحر : السرف ها هنا الفساد ومعناه بل أنتم قوم مفسدون ، ومنه قول الشاعر :
إن امرأ سرف الفؤاد يرى
عسلاً بماءِ غمامة شتمي
وقيل : إن شمعون من بينهم أحيا بنت ملك أنطاكية من قبرها ، فلم يؤمن أحد منهم غير حبيب النجار فإنه ترك تجارته حين سمع بهم وجاءهم مسرعاً فآمن ، وقتلوا جميعاً وحبيب معهم ، وألقوا في بئر . قال مقاتل : هم أصحاب الرس : ولما عرج بروح حبيب إلى الجنة تمنى فقال ) يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بَمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (

صفحة رقم 13
( يس : ( 20 - 25 ) وجاء من أقصى . . . . .
" وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون " ( قوله عز وجل : ) وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى ( اختلف فيه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كان إسكافاً ، قاله عمربن عبد الحكيم .
الثاني : أنه كان قصاراً ، قاله السدي .
الثالث : أنه كان حبيب النجار ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد .
) قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ ( وفي علمه بنبوتهم وتصديقه لهم قولان :
أحدهما : لأنه كان ذا زمانة أو جذام فأبرؤوه ، قاله ابن عباس .
الثاني : لأنهم لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً ؟ قالوا لا ، فاعتقد صدقهم وآمن بهم ، قاله أبو العالية .
قوله عز وجل : ) اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قال ذلك تنبيهاً على صدقهم .
الثاني : أن يكون قال ذلك ترغيباً في أجابتهم .
) وُهُم مُّهْتَدُونَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : مهتدون لهدايتكم .
الثاني : مهتدون فاهتدوا بهم .
قوله عز وجل : ) وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ( أي خلقني ) وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ (

صفحة رقم 14
أي تبعثون . فإن قيل : فلم أضاف الفطرة إلى نفسه والبعث إليهم وهو معترف أن الله فطرهم جميعاً ويبعثهم إليه جميعاً ؟
قيل : لأنه خلق الله تعالى له نعمة عليه توجب الشكر ، والبعث في القيامة وعيد يقتضي الزجر ، فكان إضافة النعمة ، إلى نفسه إضافة شكر ، وإضافة الزجر إلى الكافر أبلغ أثراً .
قال قتادة : بلغني أنهم لما قال لهم : وما لي لا أعبد الذي فطرني وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول : يا رب اهدِ قومي ، أحسبه قال : فإنهم لا يعلمون .
قوله عز وجل : ) إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبِّكُم فَاسْمَعُونِ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه خاطب الرسل بذلك أنه يؤمن بالله ربهم ) فَاسْمَعُونِ ( أي فاشهدوا لي ، قاله ابن مسعود .
الثاني : أنه خاطب قومه بذلك ، ومعناه إني آمنت بربكم الذي كفرتم به فاسمعوا قولي ، قاله وهب بن منبه .
( يس : ( 26 - 27 ) قيل ادخل الجنة . . . . .
" قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " ( قوله عز وجل : ) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ( فيه قولان :
أحدهما : أنه أمر بدخول الجنة .
الثاني : أنه أخبر بأنه قد استحق دخول الجنة لأن دخولها يستحق بعد البعث .
) قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ( في هذا التمني منه قولان :
أحدهما : أنه تمنى أن يعلموا حاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته .
الثاني : أنه تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله . قال ابن عباس : نصح قومه حياً وميتاً .
ويحتمل قوله : ) وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرَمِينَ ( وجهين :
أحدهما : ممن أكرمه بقبول عمله . الثاني : ممن أحله دار كرامته .

صفحة رقم 15
( يس : ( 28 - 32 ) وما أنزلنا على . . . . .
" وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وإن كل لما جميع لدينا محضرون " ( قوله عز وجل ) وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء ( فيه قولان : أحدهما : معنى جند من السماء أي رسالة ، قاله مجاهد ، لأن الله تعالى قطع عنهم الرسل حين قتلوا رسله .
الثاني : أن الجند الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء ، قاله الحسن .
) وما كنا منزلين ( أي فاعلين .
) إن كانت إلا صيحة واحدةً ( فيها قولان :
أحدهما : أنَّ الصيحة هي العذاب .
الثاني : أنها صيحة من جبريل عليه السلام ليس لها مثنوية ، قاله السدي .
) فإذا هم خامدون ( أي ميتون تشبيهاً بالرماد الخامد .
قوله عز وجل : ) يا حسرةً على العباد ما يأتيهم ( فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يا حسرة العباد على أنفسها ، قال قتادة ، وحكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم في بعض القراءات متلوٍّا .
الثاني : أنها حسرتهم على الرسل الثلاثة ، قاله أبو العالية .
الثالث : أنها حسرة الملائكة على العباد في تكذيبهم الرسل ، قاله الضحاك .
وفيه وجه رابع : عن ابن عباس أنهم حلوا محل من يتحسر عليهم .
) ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءُون ( الاستهزاء منهم قبل العذاب .
وفي الحسرة منهم قولان :
أحدهما : بعد معاينة العذاب .
الثاني : في القيامة ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 16
قوله عز وجل : ) وإن كلُّ لما جميعٌ ( يعني الماضين والباقين .
) لدينا محضرون ( فيه وجهان :
أحدهما : معذبون ، قاله السدي .
الثاني : مبعثون ، قاله يحيى بن سلام .
( يس : ( 33 - 36 ) وآية لهم الأرض . . . . .
" وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون " ( قوله عز وجل : ) وفجرنا فيها مِن العيون ليأكلوا من ثمَرِه وما عَمِلتْهُ أيديهم ( فيه وجهان :
أحدهما : أنها إثبات وتقديره : ومما عملته أيديهم ، قاله الكلبي والفراء وابن قتيبة .
والوجه الثاني : أنها جحد وفيها على هذا القول وجهان :
أحدهما : وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله سبحانه لهم . قال الضحاك يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ ونيل مصر .
الثاني : وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم .
قوله عز وجل : ) سبحان الذي خَلَق الأزواج كلها ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني الأصناف كلها ، قاله السدي .
الثاني : يعني من النخل والشجر والزرع كل صنف منه زوج .
) ومن أنفسهم ( وفي ذلك دليل على مشاكلة الحيوان لهم في أنها زوج ذكر وأنثى .
) ومما لا يَعْلمون ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني الروح التي يعلمها الله ولا يعلمها غيره .
الثاني : ما يرى نادراً من حيوان ونبات .

صفحة رقم 17
ويحتمل ثالثاً : مما لا تعلمون من تقلب الولد في بطن أمه .
( يس : ( 37 - 40 ) وآية لهم الليل . . . . .
" وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " ( قوله عز وجل : ) وآيةٌ لهم الليل نسلخ منه النهار ( أي نخرج منه النهار يعني ضوءه ، مأخوذ من سلخ الشاة إذا خرجت من جلدها .
) فإذا هم مظلمون ( أي في ظلمة لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضىء ، فإذا خرج منه أظلم .
) والشمس تجري لمستقر لها ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : لوقت واحد لا تعدوه ، قاله قتادة .
الثالث : أي أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع إلى أدنى منازلها ، قاله الكلبي . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأها : والشمس تجري لا مستقر لها . وتأويل هذه القراءة أنها تجري في الليل والنهار ولا وقوف لها ولا قرار .
وقوله عز وجل : ) والقمر قدرناه منازل ( فيه وجهان :
أحدهما : جعله في كل ليلة على مقر له ، يزيد في كل ليلة من أول الشهر حتى يستكمل ثم ينقص بعد استكماله حتى يعود كما بدأ ، وهو محتمل .
الثاني : أنه يطلع كل ليلة في منزل حتى يستكمل جميع المنازل في كل شهر ، ولذلك جعل بعض الحساب السنة الشمسية ثلاثة عشر شهراً قمرياً .
) حتى عَادَ كالعرجون القديم ( فيه قولان :

صفحة رقم 18
أحدهما : أنه العذق اليابس إذا استقوس ، وهو معنى قول ابن عباس ، ومنه قول أعشى قيس :
شرق المسك والعبير بها
فهي صفراء كعرجون القمر
الثاني : أنه النخل إذا انحنى مائلاً ، قاله الحسن .
) لا الشمس ينبغي لها أن تُدْرِك القَمر ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر ، قاله مجاهد .
الثاني : لا يجتمع ضوء أحدهما مع ضوء الآخر ، لأن ضوء القمر ليلاً وضوء الشمس نهاراً ، فإذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر ، قاله قتادة .
الثالث : معناه أنهما إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها ، قاله ابن عباس .
الرابع : أنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، قاله الحسن .
الخامس : أنه لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها ، حكاه يحيى بن سلام .
) ولا الليلُ سابق النهار ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني أنه لا يتقدم الليل قبل استكمال النهار وهو معنى قول يحيى بن سلام .
الثاني : أنه لا يأتي ليل بعد ليل متصل حتى يكون بينهما نهار منفصل ، وهو معنى قول عكرمة .
ومن الناس من يجعل هذا دليلاً على أن أول الشهر النهار دون الليل ، لأنه إذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما وجب أن يكون النهار سابقاً . وهذا قول يدفعه الشرع ويمنع منه الإجماع .
) وكلٌّ في فلك يسْبَحون ( قال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملتصقة بالسماء ، ولو كانت ملتصقة ما جرت .
وفي قوله تعالى : ) يسبحون ( ثلاثة أقاويل :
أحدها : يجرون ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 19
الثاني : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة ، قاله عكرمة ومجاهد .
الثالث : يعملون ، قاله الضحاك .
( يس : ( 41 - 44 ) وآية لهم أنا . . . . .
" وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين " ( قوله عز وجل : ) وآية لهم ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عبرة لهم لأن في الآيات اعتباراً .
الثاني : نعمة عليهم لأن في الآيات إنعاماً .
الثالث : إنذار لهم لأن في الآيات إنذاراً .
) أنَّا حَملْنا ذُرّيتَهم في الفلك المشحون ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الذرية الآباء حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام ، قاله أبان بن عثمان ، وسمى الآباء ذرية لأن منهم ذرء الأبناء .
الثاني : أن الذرية الأبناء والنساء لأنهم ذرء الآباء حملوا في السفن ، والفلك هي السفن الكبار ، قاله السدي .
الثالث : أن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك المشحون ، قاله عليّ رضي الله عنه .
وفي ) المشحون ( قولان :
أحدهما : الموقر ، قاله ابن عباس .
الثاني : المملوء ، حكاه ابن عباس أيضاً .
) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( فيه أربعة تأويلات : أحدها : أنه خلق مثل سفينة نوح مما يركبونها من السفن ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنها السفن الصغار خلقها لهم مثل السفن الكبار ، قاله أبو مالك .
الثالث : أنها سفن الأنهار خلقها لهم مثل سفن البحار ، قاله السدي .

صفحة رقم 20
الرابع : أنها الإبل خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر ، قاله الحسن وعبد الله بن شداد . والعرب تشبه الإبل بالسفن ، قال طرفة :
كأنَّ حدوج المالكية غدوةً
خلايا سَفينٍ بالنواصِف من رَدِ
ويجيء على مقتضى تأويل عليّ رضي الله عنه في أن الذرية في الفلك المشحون هي النطف في بطون النساء . قولٌ خامس في قوله : ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( :
أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الأزواج ، لكن لم أره محكياً .
قوله عز وجل : ) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ( فيه وجهان :
أحدهما : فلا مغيث لهم ، رواه سعيد عن قتادة .
الثاني : فلا منعة لهم ، رواه شيبان عن قتادة .
) ولا هم ينقذون ( فيه وجهان :
أحدهما : من الغرق .
الثاني : من العذاب .
) إلا رحمة منا ( فيه وجهان :
أحدهما : إلا رحمتنا ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : إلا نعمة منا ، قاله مقاتل .
) ومتاعاً إلى حين ( فيه وجهان :
أحدهما : إلى الموت ، قاله قتادة .
الثاني : إلى القيامة ، قاله يحيى .
( يس : ( 45 - 47 ) وإذا قيل لهم . . . . .
" وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين وإذا قيل لهم أنفقوا من ما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين " (

صفحة رقم 21
قوله عز وجل : ) وإذا قيل لهم اتَّقوا ما بين أيديكم وما خلْفكم ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : ما بين أيديكم ما مضى من الذنوب ، وما خلفكم ما يأتي من الذنوب ، قاله مجاهد .
الثاني : ما بين أيديكم من الدنيا ، وما خلفكم من عذاب الآخرة ، قاله سفيان .
الثالث : ما بين أيديكم عذاب الله لمن تقدم من عاد وثمود ، وما خلفكم من أمر الساعة ، قاله قتادة .
ويحتمل تأويلاً رابعاً : ما بين أيديكم ما ظهر لكم ، وما خلفكم ما خفي عنكم .
) لعلكم ترحمون ( معناه لكي ترحموا فلا تعذبوا . ولهذا الكلام جواب محذوف تقديره : إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه .
قوله عز وجل : ) وما تأتيهم مِن آيةٍ مِنْ آيات ربِّهم ( فيها ثلاثة تأويلات :
أحدها : من آية من كتاب الله ، قاله قتادة .
الثاني : من رسول ، قاله الحسن .
الثالث : من معجز ، قاله النقاش .
ويحتمل رابعاً : ما أنذروا به من زواجر الآيات والعبر في الأمم السالفة .
قوله عز وجل : ) وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم اللهُ قال الذين كفروا ( الآية . فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ) أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ( قال الحسن .
الثاني : أنهم الزنادقة أمروا فقالوا ذلك ، قاله قتادة .
الثالث : أنهم مشركو قريش جعلوا لأصنامهم في أموالهم سهماً فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك ، قاله النقاش .
ويحتمل هذا القول منهم وجهين :
أحدهما : إنكارهم وجوب الصدقات في الأموال .
الثاني : إنكارهم على إغناء من أفقره الله تعالى ومعونة من لم يعنه الله تعالى .
) إن أنتم إلا في ضلال مبين ( فيه قولان :

صفحة رقم 22
أحدهما : أنه من قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام ، قاله قتادة .
الثاني : أنه من قول الله تعالى لهم حين ردوا بهذا الجواب ، حكاه ابن عيسى .
( يس : ( 48 - 50 ) ويقولون متى هذا . . . . .
" ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " ( قوله عز وجل : ) ويقولون متى هذا الوعدُ إن كنتم صادقين ( فيه وجهان :
أحدهما : ما وعدوا به من العذاب ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : ما وعدوا به من الظفر بهم ، قاله قتادة .
قوله عز وجل : ) ما ينظرون إلا صيحةً واحدة تأخذهم ( قال السدي : هي النفخة الأولى من إسرافيل ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين ، وروى نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم ، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم ) . ) وهم يخصمون ( فيه وجهان :
أحدهما : يتكلمون في معايشهم ومتاجرهم ، قاله السدي .
الثاني : يخصمون في دفع النشأة الثانية ، حكاه ابن عيسى .
) فلا يستطيعون توصية ( أي يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما في يديه من حق .
ويحتمل وجهاً ثانياً : أنه لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضاً بالتوبة والإقلاع .
) ولا إلى إهلهم يرجعون ( أي إلى منازلهم ، قال قتادة لأنهم أعجلوا عن ذلك .

صفحة رقم 23
( يس : ( 51 - 54 ) ونفخ في الصور . . . . .
" ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " ( قوله عز وجل : ) ونفخ في الصور ( وهذه هي النفخة الثانية للنشأة وقيل إن بينهما أربعين سنة . روى المبارك بن فضالة عن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بين النفختين أربعون : الأولى يميت الله سبحانه بها كل حي ، والآخرة يحيي الله بها كل ميت ) والنفخة الثانية من الآخرة . وفي الأولى قولان : أحدهما : أنها من الدنيا ، قاله عكرمة .
الثاني : أنها من الآخرة ، قاله الحسن .
) فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ( والأجداث القبور ، وأحدها جدث . وفي قوله تعالى ) ينسلون ( ثلاثة تأويلات :
أحدها : يخرجون ، قاله ابن عباس وقتادة ، قال الشاعر :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
الثاني : يسرعون ، كقول الشاعر :
عسلان الذئب أمسى قاربا
بَرَدَ الليلُ عليه فنسل
الثالث : يتخلصون من السلو ، قاله ابن بحر .
قوله عز وجل : ) قالوا يا ويلنا من بعثنا مِن مَرقدنا ( قال قتادة : هي النومة بين النفختين لا يفتر عنهم عذاب القبر إلا فيها . وفي تأويل هذا القول قولان :
أحدهما : أنه قول المؤمنين ثم يجيبون أنفسهم فيقولون :

صفحة رقم 24
) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( حكاه ابن عيسى .
الثاني : أنه قول الكفار لإنكارهم البعث فيقال لهم : ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( .
وفي قائل ذلك لهم قولان :
أحدهما : أنه قول المؤمنين لهم عند قيامهم من الأجداث معهم ، قاله قتادة .
الثاني : أنه قول الملائكة لهم ، قاله الحسن .
وفي ) هذا ( وجهان :
أحدهما : أنه إشارة إلى المرقد تماماً لقوله تعالى ) من بعثنا من مرقدنا هذا ( وعليه يجب أن يكون الوقف .
الثاني : أنه ابتداء ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( فيكون إشارة إلى الوعد ويكون الوقف قبله والابتداء منه .
( يس : ( 55 - 58 ) إن أصحاب الجنة . . . . .
" إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم " ( قوله عز وجل : ) إن أصحاب الجنة اليوم في شُغُل فاكهون ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : في افتضاض الأبكار ، قاله الحسن وسعيد بن جبير وابن مسعود وقتادة .
الثاني : في ضرب الأوتار ، قاله ابن عباس ومسافع بن أبي شريح .
الثالث : في نعمة ، قاله مجاهد .
الرابع : في شغل مما يَلقى أهل النار ، قاله إسماعيل بن أبي خالد وأبان بن تغلب . وروي بضم الغين وقرىء بتسكينها وفيها وجهان :

صفحة رقم 25
أحدهما : أن الشغل بالضم المحبوب .
الثاني : الشغل بالإسكان يعني المروة ، فعلى هذا لا يجوز أن يقرأ بالإسكان في أهل الجنة ولا يقرأ بالضم في أهل النار .
) فاكهون ( ويقرأ : فكهون ، بغير ألف . وفي اختلاف القراءتين وجهان :
أحدهما : أنها سواء ومعناهما واحد يقال فاكه وفكه كا يقال حاذر وحذر قاله الفراء .
الثاني : أن معناهما في اللغة مختلف فالفكه الذي يتفكه بأعراض الناس . والفاكه ذو الفاكهة ، قاله أبو عبيد وأنشد :
فكه إلى جنب الخوان إذا عدت
نكْباء تقلع ثابت الأطنابِ
وفيه ها هنا أربعة تأويلات :
أحدها : فرحون ، قاله ابن عباس .
الثاني : ناعمون ، قاله قتادة .
الثالث : معجبون ، قاله مجاهد .
الرابع : ذو فاكهة كما يقال شاحم لاحم أي ذو شحم ولحم ، وكما قال الشاعر :
89 ( وغررتني وزعمت أنَّك لابنٌ بالصيف تامر ) 89
أي ذو لبن وتمر .
قوله عز وجل : ) هم وأزواجُهم في ظلال ( فيه وجهان :
أحدهما : وأزواجهم في الدنيا من وافقهم على إيمانهم .
الثاني : أزواجهم اللاتي زوّجهم الله تعالى بهن في الجنة من الحور العين .
) في ظِلال ( يحتمل وجهين :

صفحة رقم 26
أحدهما : في ظلال النعيم .
الثاني : في ظلال تسترهم من نظر العيون إليهم .
قوله عز وجل : ) لهم فيها فاكهةٌ ولهُم ما يَدَّعون ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ما يشتهون ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : ما يسألون ، قاله ابن زياد . الثالث : ما يتمنون ، قاله أبو عبيدة .
الرابع : ما يدعونه فيأتيهم ، قاله الكلبي قال الزجاج : وهو مأخوذ من الدعاء .
ويحتمل خامساً : ما يدّعون أنه لهم فهو لهم لا يدفعون عنه ، وهم مصروفون عن دعوى ما لا يستحقون .
قوله عز وجل : ) سلامٌ قولاً مِن رَبِّ رحيم ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه سلام الله تعالى عليهم إكراماً لهم ، قاله محمد بن كعب .
الثاني : أنه تبشير الله تعالى لهم بسلامتهم .
( يس : ( 59 - 62 ) وامتازوا اليوم أيها . . . . .
" وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون " ( قوله عز وجل : ) وامتازوا اليوم أيُّها المجرمون ( فيه وجهان :
أحدهما : قاله الكلبي ، لأن المؤمنين والكفار يحشرون مع رسلهم فلذلك يؤمرون بالامتياز .
الثاني : يمتاز المجرمون بعضهم من بعض ، فيمتاز اليهود فرقة ، والنصارى فرقة ، والمجوس فرقة ، والصابئون فرقة ، وعبدة الأوثان فرقة ، قاله الضحاك .
فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الامتياز عند الوقوف .
الثاني : عند الانكفاء إلى النار .

صفحة رقم 27
قال دواد بن الجراح : فيمتاز المسلمون من المجرمين إلا صاحب الهوى فيكون مع المجرمين .
قوله عز وجل : ) ولقد أَضَلَّ منكم جبلاً كثيراً ( فيه ثلاثة أوجه : أحدها : جموعاً كثيرة ، قاله قتادة .
الثاني : أمماً كثيرة ، قاله الكلبي .
الثالث : خلقاً كثيراً ، قاله مجاهد ومطرف . وحكى الضحاك أن الجِبِلّ الواحد عشرة آلاف ، والكثير ما لا يحصيه إلاّ الله تعالى .
( يس : ( 63 - 67 ) هذه جهنم التي . . . . .
" هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون " ( قوله عز وجل : ) اليوم نختم على أفواههم ( فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون منعها من الكلام هو الختم عليها .
الثاني : أن يكون ختماً يوضع عليها فيرى ويمنع من الكلام .
وفي سبب الختم أربعة أوجه :
أحدها : لأنهم قالوا ) والله ربنا ما كنا مشركين ( " فختم الله تعالىعلى أفواههم حتى نطقت جوارحهم ، قاله أبو موسى الأشعري .
الثاني : لِيَعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم ، قاله ابن زياد .
الثالث : لأن إقرار غير الناطق أبلغ في الإلزام من إقرار الناطق لخروجه مخرج الإعجاز وإن كان يوماً لا يحتاج فيه إلى الإعجاز .
الرابع : ليعلم أن أعضاءه التي كانت لهم أعواناً في حق نفسه صارت عليه شهوداً في حق ربه .

صفحة رقم 28
) وتُكلِّمنا أيديهم وتشهدُ أرجلهم بما كانوا يكسبون ( وفي كلامها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه يظهر منها سِمة تقوم [ مقام ] كلامها كما قال الشاعر :
وقد قالت العينان سمعاً وطاعة
وحَدَّرنا كالدر لما يثَقّبِ
الثاني : أن الموكلين بها يشهدون عليها .
الثالث : أن الله تعالى يخلق فيها ما يتهيأ معه الكلام منها . روى الشعبي عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( يقال لأركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بُعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل ) . فإن قيل فلم قال ) وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم ( فجعل ما كان من اليد . كلاماً ، وما كان من الرجل شهادة ؟
قيل لأن اليد مباشرة لعمله والرجل حاضرة ، وقول الحاضر على غيره شهادة ، وقول الفاعل على نفسه إقرار ، فلذلك عبّر عما صدر من الأيدي بالقول ، وعما صدر من الأرجل بالشهادة . وقد روى شريح بن عبيد عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل اليسرى ) . فاحتمل أن يكون تقدم الفخذ بالكلام على سائر الأعضاء لأن لذة معاصيه يدركها بحواسه التي في الشطر الأعلى من جسده ، وأقرب أعضاء الشطر الأسفل منها الفخذ ، فجاز لقربه منها أن يتقدم في الشهادة عليها ، وتقدمت اليسرى لأن الشهوة في

صفحة رقم 29
ميامن الأعضاء أقوى منها في مياسرها ، فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها .
قوله عز وجل : ) ولو نشاءُ لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصِّراطَ ( فيه وجهان :
أحدهما : لأعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرون عقوبة لهم ، قاله قتادة .
الثاني : لأعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلم يهتدوا إليه ، قاله ابن عباس .
قال الأخفش وابن قتيبة : المطموس هو الذي لا يكون بين جفنيه شق مأخوذ من طمس الريح الأثر .
) ولو نشاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ( فيه ثلاث تأويلات :
أحدها : لأقعدناهم على أرجلهم ، قاله الحسن وقتادة .
الثاني : لأهلكناهم في مساكنهم ، قاله ابن عباس .
الثالث : لغيّرنا خلْقهم فلا ينقلبون ، قاله السدي .
) فما استطاعوا مُضِيّاً ولا يرجعون ( فيه وجهان :
أحدهما : فما استطاعوا لو فعلنا ذلك بهم أن يتقدموا ولا يتأخروا ، قاله قتادة .
الثاني : فما استطاعوا مُضِيّاً في الدنيا ، ولا رجوعاً فيها ، قاله أبو صالح .
( يس : ( 68 - 70 ) ومن نعمره ننكسه . . . . .
" ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " ( قوله عز وجل : ) ومَن نعمِّره ننكِّسهُ في الخَلْق ( في قوله ) نعمره ( قولان :
أحدهما : بلوغ ثمانين سنة ، قاله سفيان .
الثاني : هو الهرم ، قاله قتادة . وفي قوله تعالى ) ننكِّسْه ( تأويلان :
أحدهما : نردُّه في الضعف إلى حال الضعف فلا يعلم شيئاً ، قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 30
الثاني : نغير سمعه وبصره وقوته ، قاله قتادة .
و ) في الخلق ( وجهان :
أحدهما : جميع الخلق ويكون معناه : ومن عمرناه من الخلق نكسناه في الخلق .
والوجه الثاني : أنه عنى خلقه ، ويكون معنى الكلام : من أطلنا عمره نكسنا خلقه ، فصار مكان القوة الضعف ، ومكان الشباب الهرم ، ومكان الزيادة النقصان .
) أفلا تعقلون ( أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم .
قوله عز وجل : ) وما علّمْناه الشِّعر وما ينبغي له ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أي ليس الذي علمناه من القرآن شعراً .
الثاني : أي لم نعلم رسولنا أن يقول الشعر .
) وما ينبغي له ( يحتمل وجهين :
أحدهما : وما ينبغي له أن يقول شعراً .
الثاني : وما ينبغي لنا أن نعلمه شعراً .
) إنْ هو لا ذكر وقرآن مُبين ( يحتمل وجهين :
أحدهما : إنْ علّمناه إلا ذكراً وقرآناً مبيناً .
الثاني : إنْ هذا الذي يتلوه عليكم إلا ذكر وقرآن مبين .
قوله عز وجل : ) لينذر من كان حَيّاً ( فيه قولان :
أحدهما : لتنذر يا محمد من كان حياً ، وهذا تأويل من قرأ بالتاء .
الثاني : لينذر القرآن من كان حياً ، وهو تأويل من قرأ بالياء .
وفي ) مَن كان حَيّاً ( ها هنا أربعة تأويلات :
أحدها : من كان غافلاً ، قاله الضحاك .
الثاني : من كان حي القلب حي البصر ، قاله قتادة .
الثالث : من كان مؤمناً ، قاله يحيى بن سلام .

صفحة رقم 31
الرابع : من كان مهتدياً ، قاله السدي .
) ويحِقَّ القَوْل على الكافرين ( معناه : ويجب العذاب على الكافرين .
( يس : ( 71 - 73 ) أو لم يروا . . . . .
" أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون " ( قوله عز جل : ) أو لم يروا أَنا خلقنا لهم مما عَمِلتْ أيدينا أنعاماً ( فيه وجهان :
أحدهما يعني بقوتنا : قاله الحسن كقوله تعالى ) والسماء بنيناها بأيد ( " [ الذاريات : 47 ] أي بقوة .
الثاني : يعني من فعلنا وعملنا من غير أن نكله إلى غيرنا ، قاله السدي . والأنعام : الإبل والبقر والغنم .
) فهم لها مالكون ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ضابطون ، قاله قتادة ، ومنه قول الشاعر :
أصبحت لا أحمل السِّلاح ولا
أملِك رأس البعير إن نَفَرا
الثاني : مطبقون رواه معمر .
الثالث : مقتنون وهو معنى قول ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) وذللناها لهم ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وطيبناها لهم ؛ قاله ابن عيسى .

صفحة رقم 32
الثاني : سخرناها لهم ، قاله ابن زيد .
الثالث : ملكناها لهم .
) فمنها ركوبُهم ( والركوب بالضم مصدر ركب يركب ركوباً ، والركوب بالفتح الدابة التي تصلح أن تركب .
) ومنها يأكلون ( يعني لحوم المأكول منها .
) ولهم فيها منافع ( قال قتادة : هي لبس أصوافها .
) ومشارب ( يعني شرب ألبانها ) أفلا يشكرون ( يعني رب هذه النعمة بتوحيده وطاعته .
( يس : ( 74 - 76 ) واتخذوا من دون . . . . .
" واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون " ( قوله عز وجل : ) . . . وهم لهم جندٌ محضرون ( يعني أن المشركين لأوثانهم جند ، وفي الجند ها هنا وجهان :
أحدهما : شيعة ، قاله ابن جريج .
الثاني : أعوان .
) محضرون ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : محضرون عند الحساب ، قاله مجاهد .
الثاني : محضرون في النار ، قاله الحسن .
الثالث : محضرون للدفع عنهم والمنع منهم ، قاله حميد . قال قتادة : يغضبون لآلهتهم ، وآلهتهم لا تنصرهم .
( يس : ( 77 - 80 ) أو لم ير . . . . .
" أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها

صفحة رقم 33
أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " ( قوله عز وجل : ) أو لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نفطةٍ ( فيه قولان :
أحدهما : أنها نزلت في أبيّ بن خلف الجمحي أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يجادله في بعث الموتى ، قاله عكرمة ومجاهد والسدي .
الثاني : أنها نزلت في العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : أيحيي اللَّه هذا بعدما أرمّ ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( نعم ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم ) فنزلت هذه الآيات فيه ، قاله ابن عباس .
) فإذا هو خصيمٌ مبينٌ ( أي مجادل في الخصومة مبين للحجة ، يريد بذلك أنه صار بعد أن لم يكن شيئاً خصيماً مبيناً ، فاحتمل ذلك أمرين :
أحدهما : أن ينبهه بذلك على نعمه عليه .
الثاني : أن يدله بذلك على إحياء الموتى كما ابتدأه بعد أن لم يكن شيئاً .
قوله عز وجل : ) وضَرب لنا مثلاً ونَسي خلقه ( وهو من قدمنا ذكره ويحتمل وجهين :
أحدهما : أي ترك خلقه أن يستدل به .
الثاني : سها عن الاعتبار به .
) قال مَن يُحْيِ العظَامَ وهي رَميمٌ ( استبعاداً أن يعود خلقاً جديداً . فأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيبه بما فيه دليل لأولي الألباب .
) قل يحييها الذي أنشأها أول مَرَّة ( أي من قدر عل إنشائها أول مرة من غير شيءٍ فهو قادرعلى إعادتها في النشأة الثانية من شيء .
) وهو بكل خَلقٍ عليم ( أي كيف يبدىء وكيف يعيد .

صفحة رقم 34
قوله عز وجل : ) الذي جَعَلَ لكم مِنَ الشجر الأخضر ناراً ( الآية أي الذي جعل النار المحرقة في الشجر الرطب المَطفي وجمع بينهما مع ما فيهما من المضادة ، لأن النار تأكل الحطب ، وأقدركم على استخراجها هو القادر على إعادة الموتى وجمع الرفات .
ويحتمل ذلك منه وجهين :
أحدهما : أن ينبه الله تعالى بذلك على قدرته التي لا يعجزها شيء .
الثاني : أن يدل بها على إحياء الموتى كما أحييت النار بالإذكاء .
قال الكلبي : كل الشجر يقدح منه النار إلا العناب .
وحكى أبو جعفر السمرقندي عن أحمد بن معاذ النحوي في قوله تعالى ) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ( يعني به إبراهيم ، ) ناراً ( أي نوراً يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
) فإذا أنتم منه توقِدون ( أي تقتبسون الدين .
( يس : ( 81 - 83 ) أو ليس الذي . . . . .
" أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون " ( قوله عز وجل : ) إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ( فيه وجهان :
أحدهما : معناه أن يأمر فيوجد .
الثاني : ما قاله قتادة أنه ليس شيء أخف في الكلام من ) كن ( ولا أهون على لسان العرب من ذلك ، فجعله الله تعالى مثلاُ لأمره في السرعة .
) فسبحان الذي بيده ملكوت كلِّ شيءٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : خزائن كل شيء .
الثاني : ملك كل شيء إلا أن فيه مبالغة .

صفحة رقم 35
) وإليه ترجعون ( يعني يوم القيامة ، فيجازي المحسن ويعاقب المسيء .
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إن لكل شيءٍ قلْباً وإنَّ قلْبَ القرآن يس ، ومن قرأها في ليلة أعطي يُسْر تلك الليلة ، ومن قرأها في يوم أعطي يُسْرَ ذلك اليوم ، وإنّ أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فلا يقرأون منه شيئاً إلا طه ويس ) .

صفحة رقم 36
سورة الصافات
بسم الله الرحمن الرحيم
( الصافات : ( 1 - 5 ) والصافات صفا
" والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق " ( قوله عز وجل : ) والصافات صفّاً ( فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم الملائكة ، قاله ابن مسعود وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة .
الثاني : أنهم عبّاد السماء ، قاله الضحاك ورواه عن ابن عباس .
الثالث : أنهم جماعة المؤمنين إذا قاموا في صفوفهم للصلاة ، حكاه النقاش لقوله تعالى ) صفّاً كأنهم بنيان مرصوص ( " [ الصف : 4 ] .
ويحتمل رابعاً : أنها صفوف المجاهدين في قتال المشركين .
واختلف من قال الصافات الملائكة في تسميتها بذلك على ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأنها صفوف في السماء ، قاله مسروق وقتادة .
الثاني : لأنها تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله تبارك وتعالى بما يريد ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم ، قاله الحسن .
قوله عز وجل : ) فالزاجرات زجراً ( فيه ثلاثة أقاويل :

صفحة رقم 37
أحدها : الملائكة ، قاله ابن مسعود ومسروق وقتادة وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد .
الثاني : آيات القرآن ، قاله الربيع .
الثالث : الأمر والنهي الذي نهى الله تعالى به عباده عن المعاصي ، حكاه النقاش .
ويحتمل رابعاً : أنها قتل المشركين وسبيهم .
واختلف من قال إن الزاجرات الملائكة في تسميتها بذلك على قولين :
أحدهما : لأنها تزجر السحاب ، قاله السدي .
الثاني : لأنها تزجر عن المعاصي قاله ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) فالتاليات ذكراً ( أي فالقارئات كتاباً ، وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : الملائكة تقرأ كتب الله تعالى ، قاله ابن مسعود والحسن وسعيد بن جبير والسدي .
الثاني : ما يتلى في القرآن من أخبار الأمم السالفة ، قاله قتادة .
الثالث : الأنبياء يتلون الذكر على قومهم ، قاله ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) إنَّ إلهكم لواحد ( كل هذا قَسَم أن الإِله واحد ، وقيل إن القسم بالله تعالى على تقدير ورب الصافات ولكن أضمره تعظيماً لذكره .
ثم وصف الإله الواحد فقال :
) رب السموات والأرض وما بينهما ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : خالق السموات والأرض وما بينهما ، قاله ابن إسحاق .
الثاني : مالك السموات والأرض وما بينهما .
الثالث : مدبر السموات والأرض وما بينهما .
) ورب المشارق ( فيه وجهان :
الأول : قال قتادة : ثلاثمائة وستون مشرقاً ، والمغارب مثل ذلك ، تطلع الشمس كل يوم من مشرق ، وتغرب في مغرب ، قاله السدي .
الثاني : أنها مائة وثمانون مشرقاً تطلع كل يوم في مطلع حتى تنتهي إلى آخرها ثم تعود في تلك المطالع حتى تعود إلى أولها ، حكاه يحيى بن سلام ، ولا يذكر

صفحة رقم 38
المغارب لأن المشارق تدل عليها ، وخص المشارق بالذكر لأن الشروق قبل الغروب .
( الصافات : ( 6 - 10 ) إنا زينا السماء . . . . .
" إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " ( قوله عز وجل : ) إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب ( يحتمل تخصيص سماء الدنيا بالذكر وجهين :
أحدهما : لاختصاصها بالدنيا .
الثاني : لاختصاصها بالمشاهدة ، وقوله بزينة الكواكب لأن من الكواكب ما خلق للزينة ، ومنها ما خلق لغير الزينة .
حكى عقبة بن زياد عن قتادة قال : خلقت النجوم لثلاث : رجوماً للشياطين ونوراً يهتدى به ، وزينة لسماء الدنيا .
) وحفظاً مِن كُلِّ شيطان مارِدٍ ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني من الكواكب حفظاً من كل شيطان ، قاله السدي .
الثاني : أن الله سبحانه حفظ السماء من كل شيطان مارد ، قاله قتادة .
وفي المارد ثلاثة أوجه :
أحدها : الممتنع ، قاله ابن بحر .
الثاني : العاتي مأخوذ من التمرد وهو العتو .
الثالث : أنه المتجرد من الخير ، من قولهم شجرة مرداء ، إذا تجردت من الورق .
قوله عز وجل : ) لا يسمعون إلى الملإِ الأعلى ( فيه قولان :
أحدهما : أنهم منعوا بها أن يسمعوا أو يتسمعوا ، قاله قتادة .
الثاني : أنهم يتسمعون ولا يسمعون ، قاله ابن عباس .
وفي الملإ الأعلى قولان :
أحدهما : السماء الدنيا ، قاله قتادة .

صفحة رقم 39
الثاني : الملائكة ، قاله السدي .
) ويُقذفون من كل جانب ( قال مجاهد : يرمون من كل مكان من جوانبهم ، وقيل من جوانب السماء .
) دُحوراً ( فيه تأويلان :
أحدهما : قذفاً في النار ، قاله قتادة .
الثاني : طرداً بالشهب ، وهو معنى قول مجاهد .
قال ابن عيسى : والدحور : الدفع بعنف .
) ولهم عذابٌ واصبٌ ( فيه وجهان :
أحدهما : دائم .
الثاني : أنه الذي يصل وجعه إلى القلوب ، مأخوذ من الوصب .
قوله عز وجل : ) إلا من خَطِفَ الخطفَة ( فيه تأويلان :
أحدهما : إلا من استرق السمع ، قاله سعيد بن جبير ، مأخوذ من الاختطاف وهو الاستلاب بسرعة ، ومنه سمي الخطاف .
الثاني : من وثب الوثبة ، قاله علي بن عيسى . ) فأتبعه شهابٌ ثاقب ( فيه وجهان :
أحدهما : أنه الشعلة من النار .
الثاني : أنه النجم .
وفي الثاقب ستة أوجه :
أحدها : أنه الذي يثقب ، قاله زيد الرقاشي .
الثاني : أنه المضيء ، قاله الضحاك .
الثالث : أنه الماضي ، حكاه ابن عيسى .
الرابع : أنه العالي ، قاله الفراء .
الخامس : أنه المحرق ، قاله السدي .
السادس : أنه المستوقد ، من قولهم : اثقب زندك أي استوقد نارك ، قاله زيد بن أسلم والأخفش ، وأنشد قول الشاعر :
بينما المرء شهابٌ ثاقب
ضَرَبَ الدَّهر سناه فخمد

صفحة رقم 40
و ) إلا ( ها هنا بمعنى لكن عند سيبويه . وقيل : إن الشهاب يحرقهم ليندفعوا عن استراق السمع ولا يموتون منه . ( الصافات : ( 11 - 19 ) فاستفتهم أهم أشد . . . . .
" فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل نعم وأنتم داخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون " ( قوله عز وجل : ) فاستفتهم أهم أشد خلقاً ( فيه وجهان :
أحدهما : فسلهم قال قتادة ، مأخوذ من استفتاء المفتي .
الثاني : فحاجِّهم أيهم أشد خلقاً ، قاله الحسن .
) أم مَنْ خلقنا ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : من السموات والأرض والجبال ، قاله مجاهد .
الثاني : من الملائكة ، قاله سعيد بن جبير .
الثالث : من الأمم الماضية فقد هلكوا وهم أشد خلقاً منهم ، حكاه ابن عيسى .
) إنَّاخلقناهم مِن طينٍ لازبٍ ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لاصق ، قاله ابن عباس منه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
تعلم فإن الله زادك بسطة
وأخلاق خير كلها لك لازب
الثاني : لزج ، قاله عكرمة .
الثالث : لازق ، قاله قتادة .
والفرق بين اللاصق واللازق أن اللاصق هو الذي قد لصق بعضه ببعض ، واللازق هو الذي يلزق بما أصابه .

صفحة رقم 41
الرابع : لازم ، والعرب تقول طين لازب ولازم ، وقال النابغة :
ولا تحسبون الخير لا شر بعده
ولا تحسبون الشر ضربة لازب
نزلت هذه الآية في ركانة بن زيد بن هاشم بن عبد مناف وأبي الأشد ابن أسيد بن كلاب الجمحي .
قوله عز وجل : ) بل عجبت ويسخرون ( وفي ) عجبت ( قراءتان :
إحداهما : بضم التاء ، قرأ بها حمزة والكسائي ، وهي قراءة ابن مسعود ، ويكون التعجب مضافاً إلى الله تعالى ، وإن كان لا يتعجَّبُ من شيء لأن التعجب من حدوث العلم بما لم يعلم ، واللَّه تعالى عالم بالأشياء قبل كونها .
وفي تأويل ذلك على هذه القراءة وجهان :
أحدهما : يعني بل أنكرت حكاه النقاش .
الثاني : هو قول علي بن عيسى أنهم قد حلّوا محل من يتعجب منه .
والقراءة الثانية : بفتح التاء قرأ بها الباقون ، وأضاف التعجب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأنه قال : بل عجبت يا محمد ، قاله قتادة .
وفيما عجبت منه قولان :
أحدهما : من القرآن حين أعطيه ، قاله قتادة .
الثاني : من الحق الذي جاءهم به فلم يقبلوه ، وهو معنى قول ابن زياد . وفي قوله ) وتسخرون ( وجهان :
أحدهما : من الرسول إذا دعاهم .
الثاني : من القرآن إذا تلي عليهم .
قوله عز وجل : ) وإذا ذكِّروا لا يذكرون ( فيه وجهان :
أحدهما : وإذا ذكروا بما نزل من القرآن لا ينتفعون ، وهو معنى قول قتادة .
والثاني : وإذا ذكروا بمن هلك من الأمم لا يبصرون ، وهو معنى ما رواه سعيد .

صفحة رقم 42
قوله عز وجل : ) وإذا رأوا آيةً يَسْتَسْخِرُونَ ( وفي هذه الآية قولان : أحدهما : أنه انشقاق القمر ، قاله الضحاك .
الثاني : ما شاهدوه من هلاك المكذبين ، وهو محتمل .
وفي قوله ) يستسخِرون ( وجهان :
أحدهما : يستهزئون ، قاله مجاهد .
الثاني : هو أن يستدعي بعضهم من بعض السخرية بها لأن الفرق بين سخر واستسخر كالفرق بين علم واستعلم .
وقيل إن ذلك في ركانة بن زيد وأبي الأشد بن كلاب .
قوله عز وجل : ) فانما هي زجرةٌ واحدةٌ ( أي صيحة واحدة ، قاله الحسن : وهي النفخة الثانية وسميت الصيحة زجرة لأن مقصودها الزجر .
) فإذا هم ينظرون ( يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : البعث الذي كذبوا به .
الثاني : ينظرون سوء أعمالهم .
الثالث : ينتظرون حلول العذاب بهم ، ويكون النظر بمعنى الانتظار .
( الصافات : ( 20 - 26 ) وقالوا يا ويلنا . . . . .
" وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون " ( قوله عز وجل : ) وقالوا يا ويلنا هذا يومُ الدين ( الآية . فيه وجهان :
أحدهما : يوم الحساب ، قاله ابن عباس .
الثاني : يوم الجزاء ، قاله قتادة .
) هذا يوم الفصل ( الآية . فيه وجهان :
أحدهما : يوم القضاء بين الخلائق ، قاله يحيى .
الثاني : يفصل فيه بين الحق والباطل ، قاله ابن عيسى .

صفحة رقم 43
قوله عز وجل : ) احشروا الذين ظلموا ( الآية . فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : المكذبون بالرسل .
الثاني : هم الشُرَط ، حكاه الثوري .
الثالث : هم كل من تعدى على الخالق والمخلوق .
وفي ) وأزواجهم ( أربعة أوجه :
أحدها : أشباههم فيحشر صاحب الزنى مع صاحب الزنى ، وصاحب الخمر مع صاحب الخمر ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
الثاني : قرناؤهم ، قاله ابن عباس .
الثالث : أشياعهم ، قاله قتادة ، ومنه قول الشاعر :
فكبا الثور في وسيل وروض
مونق النبت شامل الأزواج
الرابع : نساؤهم الموافقات على الكفر ، رواه النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
) وما كانوا يعبدون من دون الله ( وفيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : إبليس ، قاله ابن زياد .
الثاني : الشياطين ، وهو مأثور .
الثالث : الأصنام ، قاله قتادة وعكرمة .
) فاهدُوهم إلى صراط الجحيم ( أي طريق النار .
وفي قوله تعالى : ) فاهدوهم ( ثلاثة أوجه :
أحدها : فدلوهم ، قاله ابن .
الثاني : فوجهوهم ، رواه معاوية بن صالح .
الثالث : فادعوهم ، قاله السدي .
قوله عز وجل : ) وقفُوهم إنَّهم مسئولون ( أي احبسوهم عن دخول النار .

صفحة رقم 44
) إنهم مسئولون ( فيه ستة أوجه :
أحدها : عن لا إله إلا الله ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : عما دعوا إليه من بدعة ، رواه أنس مرفوعاً .
الثالث : عن ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حكاه أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري .
الرابع : عن جلسائهم ، قاله عثمان بن زيادة .
الخامس : محاسبون ، قاله ابن عباس .
السادس : مسئولون .
) ما لكم لا تناصرون ( على طريق التوبيخ والتقريع لهم ، وفيهم ثلاثة أوجه :
أحدها : لا ينصر بعضكم بعضاً ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : لا يمنع بعضكم بعضاً من دخول النار ، قاله السدي .
الثالث : لا يتبع بعضكم بعضاً في النار يعني العابد والمعبود ، قاله قتادة .
فإن قيل : فهلا كانوا مسئولين قبل قوله ) فاهْدوهم . . . ( الآية ؟
قيل : لأن هذا توبيخ وتقريع فكان نوعاً من العذاب فلذلك صار بعد الأمر بالعذاب .
قال مجاهد : ولا تزول من بين يدي الله تعالى قدم عبد حتى يُسأل عن خصال أربع : عمره فيهم أفناه ، وجسده فيم أبلاه ، وماله مم اكتسبه وفيم أنفقه ، وعلمه ما عمل فيه .
( الصافات : ( 27 - 37 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
" وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين

صفحة رقم 45
فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين " ( قوله عز وجل : ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( فيهم قولان :
أحدهما : أنه أقبل الإنس على الجن ، قاله قتادة .
الثاني : بعضهم على بعض ، قاله ابن عباس .
ويحتمل ثالثاً : أقبل الاتباع على المتبوعين .
وفي ) يتساءلون ( وجهان :
أحدهما : يتلاومون ، قاله ابن عباس .
الثاني : يتوانسون ، وهذا التأويل معلول لأن التوانس راحة ، ولا راحة لأهل النار .
ويحتمل ثالثاً : يسأل التابع متبوعه أن يتحمل عنه عذابه .
قوله عز وجل : ) إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ( وفي تأويل ذلك قولان :
أحدهما : قاله الإنس للجن . قاله قتادة .
الثاني : قاله الضعفاء للذين استكبروا ، قاله ابن عباس .
وفي قوله : ) تأتوننا عن اليمين ( ثمانية تأويلات :
أحدها : تقهروننا بالقوة ، قاله ابن عباس ، واليمين القوة ، ومنه قول الشاعر :
اذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ
تَلقاها عَرابةُ باليمين
أي بالقوة والقدرة .
الثاني : يعني من قبل ميامنكم ، قاله ابن خصيف .
الثالث : من قبل الخير فتصدوننا عنه وتمنعوننا منه ، قاله الحسن .
الرابع : من حيث نأمنكم ، قاله عكرمة .
الخامس : من قبل الدين أنه معكم ، وهو معنى قول الكلبي .

صفحة رقم 46
السادس : من قبل النصيحة واليمين ، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين ويجعلونه من دلائل الخير ويسمونه السانح ، وتتطير بما جاء عن الشمال ويجعلونه من دلائل الشر ويسمونه البارح ، وهو معنى قول عليّ بن عيسى .
السابع : من قبل الحق أنه معكم ، قاله مجاهد .
الثامن : من قبل الأموال ترغبون فيها أنها تنال بما تدعون إليه فتتبعون عليه ، وهو معنى قول الحسن .
( الصافات : ( 38 - 49 ) إنكم لذائقوا العذاب . . . . .
" إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون " ( قوله عز وجل : ) يُطاف عليهم بكأسٍ من مَعينٍ ( أي من خمر معين وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الجاري ؛ قاله الضحاك .
الثاني : الذي لا ينقطع ، حكاه جويبر .
الثالث : أنه الذي لم يعصر ، قاله سعيد بن أبي عروبة .
ويحتمل رابعاً : أنه الخمر بعينه الذي لم يمزج بغيره .
وفي المعين من الماء خمسة أوجه :
أحدها : أنه الظاهر للعين ، قاله الكلبي .
الثاني : ما مدّته العيون فاتصل ولم ينقطع ، قاله الحسن .
الثالث : أنه الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه .
الرابع : أنه الكثير مأخوذ من المعين وهو الشيء الكثير .

صفحة رقم 47
الخامس : أنه المنتفع به مأخوذ من الماعون ، قاله الفراء .
) بيضاء لذَّةٍ للشاربين ( يعني أن خمر الجنة بيضاء اللون ، وهي في قراءة ابن مسعود صفراء .
ويحتمل أن تكون بيضاء الكأس صفراء اللون فيكون اختلاف لونهما في منظرهما قال الشاعر :
فكأن بهجتها وبهجة كأسها
نار ونور قيّدا بوعاء .
قوله عز وجل : ) لا فيها غَوْلٌ ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أي ليس فيها صداع ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .
الثاني : ليس فيها وجع البطن ، قاله مجاهد .
الثالث : ليس فيها أذى ، قاله الفراء وعكرمة وهذه الثلاثة متقاربة لاشتقاق الغول من الغائلة .
الرابع : ليس فيها إثم ، قاله الكلبي .
الخامس : أنها لا تغتال عقولهم ، قاله السدي وأبو عبيدة ، ومنه قول الشاعر :
وهذا من الغيلة أن
يصرع واحد واحدا
) ولا هم عنها ينزفون ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لا تنزف العقل ولا تذهب الحلم بالسكر ، قاله عطاء ، ومنه قول الشاعر :
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتُم
لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
الثاني : لا يبولون ، قاله ابن عباس ، وحكى الضحاك عنه أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، فذكر الله تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال .
الثالث : أي لا تفنى مأخوذ من نزف الركية ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، ومنه قول الشاعر :

صفحة رقم 48
دعيني لا أبا لك أن تطيقي
لحاك الله قد أنزفت ريقي
وقد يختلف هذا التأويل باختلاف القراءة ، فقرأ حمزة والكسائي ، ينزفون بكسر الزاي ، وقرأ الباقون يُنزَفون بفتح الزاي ، والفرق بينهما أن الفتح من نزف فهو منزوف إذا ذهب عقله بالسكر ، والكسر من أنزف فهو منزوف إذا فنيت خمره ، وإنما صرف الله تعالى السكر عن أهل الجنة لئلا ينقطع عنهم التذاذ نعيمهم .
قوله عز وجل : ) وعندهم قاصِراتُ الطّرفِ عينٌ ( يعني بقاصرات الطرف النساء اللاتي قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم مأخوذ من قولهم : قد اقتصر على كذا إذا اقتنع به وعدل عن غيره ، قال امرؤ القيس :
من القاصرات الطرف لو دب مُحولٌ
من الذّرّ فوق الخد منها لأثّرا
وفي العين وجهان :
أحدهما : الحسان العيون ، قاله مجاهد ومقاتل .
الثاني : العظام الأعين ، قاله الأخفش وقطرب .
) كأنهن بيضٌ مكنون ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني اللؤلؤ في صدفه ، قاله ابن عباس ، ومنه قول الشاعر :
وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغوا
ص ميزت من جوهر مكنون
الثاني : يعني البيض المعروف في قشره ، والمكنون المصون .
وفي تشبيههم بالبيض المكنون أربعة أوجه :
أحدها : تشبيهاً ببيض النعام يُكنّ بالريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة ، قاله الحسن .
الثاني : تشبيهاً ببطن البيض إذا لم تمسه يد ، قاله سعيد بن جبير .

صفحة رقم 49
الثالث : تشبيهاً ببياض البيض حين ينزع قشرة ، قاله السدي .
الرابع : تشبيهاً بالسحاء الذي يكون بين القشرة العليا ولباب البيض ، قاله عطاء .
( الصافات : ( 50 - 61 ) فأقبل بعضهم على . . . . .
" فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون " ( قوله عز وجل : ) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( يعني أهل الجنة كما يسأل أهل النار .
) قال قائلٌ منهم ( يعني من أهل الجنة .
) إني كان لي قرين ( يعني في الدنيا ، وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الشيطان كان يغويه فلا يطيعه ، قاله مجاهد .
الثاني : شريك له كان يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه ، قاله ابن عباس .
الثالث : أنهما اللذان في سورة الكهف ) واضرب لهم مثلاً رجلين ( إلى آخر قصتهما ، فقال المؤمن منهما في الجنة للكافر في النار .
) يقول أئنك لمن المصدقين ( يعني بالبعث .
) أئذا مِتْنَا وكُنَّا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون ( فيه تأويلان :
أحدهما : لمحاسبون ، قاله مجاهد وقتادة والسدي .
الثاني : لمجازون ، قاله ابن عباس ومحمد بن كعب من قوله : كما تدين تدان .
قوله عز وجل : ) قال هل أنتم مطلعون ( وهذا قول صاحب القرين للملائكة وقيل لأهل الجنة ، هل أنتم مطلعون يعني في النار . يحتمل ذلك وجهين :
أحدهما : لاستخباره عن جواز الاطلاع .

صفحة رقم 50
الثاني : لمعاينة القرين .
) فاطّلَعَ ( يعني في النار . ) فرآه ( يعني قرينه ) في سواءِ الجحيم ( قال ابن عباس في وسط الجحيم ، وإنما سمي الوسط سواءً لاستواء المسافة فيه إلى الجوانب قال قتادة : فوالله لولا أن الله عَرّفه إياه ما كان ليعرفه ، لقد تغير حبْرُهُ وسبرُه يعني حسنه وتخطيطه .
قوله عز وجل : ) قال تالله إن كِدْتَ لتُرْدين ( هذا قول المؤمن في الجنة لقرينه في النار ، وفيه وجهان :
أحدهما : لتهلكني لو أطعتك ، قاله السدي .
الثاني : لتباعدني من الله تعالى ، قاله يحيى .
) ولولا نعمة ربي ( يعني بالإيمان ) لكنت من المحْضَرين ( يعني في النار ، لأن أحضر لا يستعمل مطلقاً إلا في الشر .
( الصافات : ( 62 - 74 ) أذلك خير نزلا . . . . .
" أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إلا عباد الله المخلصين " ( قوله عز وجل : ) أذلك خيرٌ نزلاً أم شجرة الزقوم ( والنُّزل العطاء الوافر ومنه إقامة الإنزال ، وقيل ما يعد للضيف والعسكر . وشجرة الزقوم هي شجرة في النار يقتاتها أهل النار ، مرة الثمر خشنة اللمس منتنة الريح .
واختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التي يعرفها العرب أولا ؟ على قولين :

صفحة رقم 51
أحدهما : أنها معروفة من شجر الدنيا ، ومن قال بهذا اختلفوا فيها فقال قطرب : إنها شجرة مرّة تكون بتهامة من أخبث الشجر ، وقال غيره بل كل نبات قاتل .
القول الثاني : أنها لا تعرف في شجر الدنيا ، فلما نزلت هذه الآية في شجرة الزقوم قال كفار قريش : ما نعرف هذه الشجرة ، فقال ابن الزبعرى : الزقوم بكلام البربر : الزبد والتمر فقال أبو جهل لعنه الله : يا جارية ابغينا تمراً وزبداً ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يخوفنا به محمد يزعم أن النار تنبت الشجر ، والنار تحرق الشجر .
) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( فيه قولان :
أحدهما : أن النار تحرق الشجر فكيف ينبت فيها الشجر وهذا قول أبي جهل إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه فكان هذا هو الفتنة للظالمين ، قاله مجاهد .
الثاني : أن شدة عذابهم بها هي الفتنة التي جعلت لهم ، حكاه ابن عيسى .
قوله عز وجل : ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( فكان المقصود بهذا الذكر أمرين :
أحدهما : وصفها لهم لاختلافهم فيها .
الثاني : ليعلمهم جواز بقائها في النار لأنها تنبت من النار .
قال يحيى بن سلام : وبلغني أنها في الباب السادس وانها تحيا بلهب النار كما يحيا شجركم ببرد الماء .
) طلعها كأنه رؤُوس الشياطين ( يعني بالطلع الثمر ، فإن قيل فكيف شبهها برؤوس الشياطين وهم ما رأوها ولا عرفوها ؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة :
أحدها : أن قبح صورتها مستقر في النفوس ، وإن لم تشاهد فجاز أن ينسبها بذلك لاستقرار قبحها في نفوسهم كما قال امرؤ القيس :
ايقتُلني والمشرفيّ مضاجعي
ومسنونةٍ زُرقٍ كأنياب أغوال

صفحة رقم 52
فشببها بأنياب الأغوال وإن لم يرها الناس .
الثاني : أنه أراد رأس حية تسمى عندالعرب شيطاناً وهي قبيحة الرأس .
الثالث : أنه أراد شجراً يكون بين مكة واليمن يسمى رؤوس الشياطين ، قاله مقاتل .
قوله عز وجل : ) ثم إنّ لهم عليها لشوباً من حميم ( يعني لمزاجاً من حميم والحميم الحار الداني من الإحراق قال الشاعر :
كأن الحميم على متنها
إذا اغترفته بأطساسها
جُمان يجول على فضة
عَلَتْه حدائد دوّاسها
ومنه سمي القريب حميماً لقربه من القلب ، وسمي المحموم لقرب حرارته من الإحراق ، قال الشاعر :
أحم الله ذلك من لقاءٍ
آحاد آحاد في الشهر الحلال
أي أدناه فيمزج لهم الزقوم بالحميم ليجمع لهم بين مرارة الزقوم وحرارة الحميم تغليظاً لعذابهم وتشديداً لبلاتهم .
قوله عز وجل : ) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ( فيه أربعة أوجه : أحدها : يعني بأن مأواهم لإلى الجحيم ، قاله عبد الرحمن بن زيد .
الثاني : أن منقلبهم لإلى الجحيم ، قاله سفيان .
الثالث : يعني أن مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم ، قاله ابن زياد .
الرابع : أنهم فيها كما قال الله تعالى ) يطوفون بينها وبين حميم آن ( ثم يرجعون إلى مواضعهم ، قاله يحيى بن سلام .
( الصافات : ( 75 - 82 ) ولقد نادانا نوح . . . . .
" ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين " (

صفحة رقم 53
قوله عز وجل : ) ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ( أي دعانا ، ودعاؤه كان على قومه عند إياسه من إيمانهم ، وإنما دعا عليهم بالهلاك بعد طول الاستدعاء لأمرين :
أحدهما : ليطهر الله الأرض من العصاة .
الثاني : ليكونوا عبرة يتعظ بها من بعدهم من الأمم .
وقوله : ) فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : فلنعم المجيبون لنوح في دعائه .
الثاني : فلنعم المجيبون لمن دعا لأن التمدح بعموم الإجابة أبلغ .
) ونجيناه وأهله ( قال قتادة : كانوا ثمانية : نوح وثلاثة بنين ونساؤهم ، أربعة [ أي ] رجال وأربعة نسوة .
) من الكرب العظيم ( فيه وجهان :
أحدهما : من غرق الطوفان ، قاله السدي .
الثاني : من الأذى الذي كان ينزل من قومه ، حكاه ابن عيسى .
) وجعلنا ذريته هم الباقين ( قال ابن عباس : والناس كلهم بعد نوح من ذريته وكان بنوه ثلاثة : سام وحام ويافث ، فالعرب والعجم أولاد سام ، والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان من أولاد حام ، قال الشاعر :
عجوز من بني حام بن نوح
كأن جبينها حجر المقام
قوله عز وجل : ) وتركنا عليه في الآخرين ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أبقى الله الثناء الحسن في الآخرين ، قاله قتادة .
الثاني : لسان صدق للأنبياء كلهم ، قاله مجاهد .
الثالث : هو قوله سلام عل نوح في العالمين ، قاله الفراء .
( الصافات : ( 83 - 87 ) وإن من شيعته . . . . .
" وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه

صفحة رقم 54
وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين " ( قوله عز وجل : ) وإن من شيعته لإبراهيم ( فيه وجهان :
أحدهما : من أهل دينه ، قاله ابن عباس .
الثاني : على منهاجه وسنته ، قاله مجاهد .
وفي أصل الشيعة في اللغة قولان :
أحدهما : أنهم الأتباع ومنه قول الشاعر :
قال الخليط غداً تصدُّ عَنّا
أو شيعَه أفلا تشيعنا
قوله أو شيعه أي اليوم الي يتبع غداً ، قاله ابن بحر .
الثاني : وهو قول الأصمعي الشيعة الأعوان ، وهو مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار الذي يوضع مع الكبار حتى يستوقد لأنه يعين على الوقود .
ثم فيه قولان :
أحدهما : إن من شيعة محمد لإبراهيم عليهما السلام ، قاله الكلبي والفراء .
الثاني : من شيعة نوح لإبراهيم ، قاله مجاهد ومقاتل .
وفي إبراهيم وجهان :
أحدهما : أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثرين .
الثاني : مشتق من البرهمة وهي إدّامة النظر .
قوله عز وجل : ) إذ جاء ربّه بقَلْب سليم ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : سليم من الشك ، قاله قتادة .
الثاني : سليم من الشرك ، قاله الحسن .
الثالث : مخلص ، قاله الضحاك .

صفحة رقم 55
الرابع : ألا يكون لعاناً ، قاله عروة بن الزبير .
ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين :
أحدهما : عند دعائه إلى توحيده وطاعته .
الثاني : عند إلقائه في النار .
( الصافات : ( 88 - 98 ) فنظر نظرة في . . . . .
" فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين " ( قوله عز وجل : ) فنظر نظرة في النجوم ( فيها أربعة تأويلات :
أحدها : أنه رأى نجماً طالعاً ، فعلم بذلك أن له إلهاً خالقاً ، فكان هذا نظره في النجوم ، قاله سعيد بن المسيب .
الثاني : أنها كلمة من كلام العرب إذا تفكر الرجل في أمره قالوا قد نظر في النجوم ، قاله قتادة .
الثالث : أنه نظر فيما نجم من قولهم ، وهذا قول الحسن .
الرابع : أن علم النجوم كان من النبوة ، فلما حبس الله تعالى الشمس على يوشع بن نون أبطل ذلك ، فنظر إبراهيم فيها [ كان ] علماً نبوياً ، قاله ابن عائشة .
وحكى جويبر عن الضحاك أن علم النجوم كان باقياً إلى زمن عيسى ابن مريم عليه السلام حتى دخلوا عليه في موضع لا يطلع عليه فقالت لهم مريم من أين

صفحة رقم 56
علمتم موضعه ؟ قالوا : من النجوم ، فدعا ربه عند ذلك فقال : اللهم فوهمهم في علمها فلا يعلم علم النجوم أحد ، فصار حكمها في الشرع محظوراً وعلمها في الناس مجهولاً . قال الكلبي وكانوا بقرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمزجرد وكانوا ينظرون في النجوم .
) فقال إني سقيم ( فيه سبعة تأويلات :
أحدها : أنه استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه .
الثاني : سقيم بما في عنقي من الموت .
الثالث : سقيم بما أرى من قبح أفعالكم في عبادة غير الله .
الرابع : سقيم لشكه .
الخامس : لعلمه بأن له إلهاً خالقاً معبوداً ، قاله ابن بحر .
السادس : لعلة عرضت له .
السابع : أن ملكهم أرسل إليه أن غداً عيدنا فاخرج ، فنظر إلى نجم فقال : إن ذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي ، فتولوا عنه مدبرين ، قاله عبد الرحمن بن زيد قال سعيد بن المسيب : كابد نبي الله عن دينه فقال إني سقيم . وقال سفيان : كانوا يفرون من المطعون فأراد أن يخلوا بآلهتهم فقال : إني سقيم أي طعين وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وروى أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( لم يكذب إبراهيم غير ثلاث : ثنتين في ذات الله عز وجل قوله إني سقيم ، وقوله بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله في سارة هي أختي ) . ) فراغ إلى ءَالَهِتِهِمْ ( فيه أربعة أوجه :

صفحة رقم 57
أحدها : ذهب إليهم ، قاله السدي .
الثاني : مال إليهم ، قاله قتادة .
الثالث : صال عليهم ، قاله الأخفش .
الرابع : أقبل عليهم ، قاله الكلبي وقطرب ، وهذا قريب من المعنيين المتقدمين .
) فقال ألا تأكلون ( فيه قولان :
أحدهما : أنه قال ذلك استهزاء بهم ، قاله ابن زياد .
الثاني : أنه وجدهم حين خرجوا إلى عيدهم قد صنعوا لآلهتهم طعاماً لتبارك لهم فيه فلذلك قال للأصنام وإن كانت لا تعقل عنه الكلام احتجاجاً على جهل من عبدها . وتنبيهاً على عجزها ، ولذلك قال :
) ما لكم لا تنطقون ( . ) فراغ عليهم ضرباً باليمين ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يده اليمنى . قاله الضحاك ، لأنها أقوى والضرب بها أشد .
الثاني : باليمين التي حلفها حين قال ) وتالله لأكيدن أصنامكم ( حكاه ابن عيسى .
الثالث : يعني بالقوة ، وقوة النبوة أشد ، قاله ثعلب .
) فأقبلوا إليه يزفون ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يخرجون ، قاله ابن عباس .
الثاني : يسعون ، قاله الضحاك .
الثالث : يتسللون ، حكاه ابن عيسى .
الرابع : يرعدون غضباً ، حكاه يحيى بن سلام .
الخامس : يختالون وهو مشي الخيلاء ، وبه قال مجاهد ، ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها ، وقال الفرزدق :
وجاء قريع الشول قَبل إفالها
يزفّ وجاءت خَلْفه وهي زفّف
قوله عز وجل : ) والله خلقكم وما تعملون ( فيه وجهان :
أحدهما : أن الله خلقكم وخلق عملكم .

صفحة رقم 58
الثاني : خلقكم وخلق الأصنام التي عملتموها .
) فأرادوا به كيداً ( يعني إحراقه بالنار التي أوقدوها له .
) فجعلناهم الأسفلين ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : الأسفلين في نار جهنم ، قاله يحيى .
الثاني : الأسفلين في دحض الحجة ، قال قتادة : فما ناظروه بعد ذلك حتى أهلكوا .
الثالث : يعني المهلكين فإن الله تعالى عقب ذلك بهلاكهم .
الرابع : المقهورين لخلاص إبراهيم من كيدهم . قال كعب : فما انتفع بالنار يومئذٍ أحد من الناس وما أحرقت منه يومئذٍ إلا وثاقه .
وروت أم سبابة الأنصارية عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدثها أن ( إبراهيم لما ألقي في النار كانت الدواب كلها تطفىء عنه النار إلا الوزغة فإنها كانت تنفخ عليها ) فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتلها .
( الصافات : ( 99 - 113 ) وقال إني ذاهب . . . . .
" وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين " (

صفحة رقم 59
) وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( وفي زمان هذا القول منه قولان :
أحدهما : أنه قال عند إلقائه في النار ، وفيه على هذا القول تأويلان :
أحدهما : إني ذاهب إلى ما قضى به عليّ ربي .
الثاني : إني ميت كما يقال لمن مات قد ذهب إلى الله تعالى لأنه عليه السلام تصور أنه يموت بإلقائه في النار على المعهود من حالها في تلف ما يلقى فيها إلى أن قيل لها كوني برداً وسلاماً ، فحينئذٍ سلم إبراهيم منها .
وفي قوله : ) سيهدين ( على هذا القول تأويلان :
أحدهما : سيهدين إلى الخلاص من النار .
الثاني : إلى الجنة .
فاحتمل ما قاله إبراهيم من هذا وجهين :
أحدهما : أن بقوله لمن يلقيه في النار فيكون ذلك تخويفاً لهم .
الثاني : أن بقوله لمن شاهده من الناس الحضور فيكون ذلك منه إنذارً لهم ، فهذا تأويل ذلك على قول من ذكر أنه قال قبل إلقائه في النار .
والقول الثاني : أنه قاله بعد خروجه من النار .
) إني ذاهب إلى ربي ( وفي هذا القول ثلاثة تأويلات :
أحدها : إني منقطع إلى الله بعبادتي ، حكاه النقاش .
الثاني : ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي ، قاله قتادة .
الثالث : مهاجر إليه بنفسي فهاجر من أرض العراق . قال مقاتل : هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة .
وفي البلد الذي هاجر إليه قولان :
أحدهما : إلى أرض الشام .
الثاني : إلى أرض حران ، حكاه النسائي .
وفي قوله : سيهدين على هذا القول تأويلان :
أحدهما : سيهدين إلى قول : حسبي الله عليه توكلت ، قاله سليمان .
الثاني : إلى طريق الهجرة ، قاله يحيى .

صفحة رقم 60
واحتمل هذا القول منه وجهين :
أحدهما : أن بقوله لمن فارقه من قومه فيكون ذلك توبيخاً لهم .
الثاني : أن بقوله لمن هاجر معه من أهله فيكون ذلك منه ترغيباً .
قوله عز وجل : ) فبشرناه بغُلام حليم ( أي وقور . قال الحسن : ما سمعت الله يحل عباده شيئاً أجل من الحلم .
وفي قولان :
أحدهما : أنه إسحاق ، ولم يثن الله تعالى على أحد بالحلم إلا على إسحاق وإبراهيم قاله قتادة .
الثاني : إسماعيل وبشر بنبوة إسحاق بعد ذلك ، قاله عامر الشعبي . قال الكلبي وكان إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة .
قوله عز وجل : ) فلما بلغ معه السعي ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : يمشي مع أبيه ، قاله قتادة .
الثاني : أدرك معه العمل ، قاله عكرمة .
الثالث : أنه سعي العمل الذي تقوم به الحجة ، قاله الحسن .
الرابع : أنه السعي في العبادة ، قاله ابن زيد .
قال ابن عباس : صام وصلى ، ألم تسمع الله يقول ) وسعى لها سعيها ( " [ الإسراء : 19 ] قال الفراء والكلبي ، وكان يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة .
) قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحُك ( فروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( رؤيا الأنبياء في المنام وحي ) . ) فانظُرْ ماذا تَرَى ( لم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله سبحانه ، وفيه ثلاثة أوجه :

صفحة رقم 61
أحدها : أنه قاله إخباراً بما أمره الله تعالى به ليكون أطوع له .
الثاني : أنه قاله امتحاناً لصبره على أمر الله تعالى .
الثالث : أي ماذا تريني من صبرك أو جزعك ، قاله الفراء .
) قال يا أبت افْعَلْ ما تؤمرُ ( الآية . فيه وجهان :
أحدهما : على الذبح ، قاله مقاتل .
الثاني : على القضاء ، حكاه الكلبي ، فوجده في الامتحان صادق الطاعة سريع الإجابة قوي الدين .
قوله عز وجل : ) فلما أسْلَما ( فيه وجهان :
أحدهما : اتفقا على أمر واحد ، قاله أبو صالح .
الثاني : سلما لله تعالى الأمر ، وهو قول السدي .
قال قتادة : سلم إسماعيل نفسه لله ، وسلم إبراهيم ابنه لله تعالى .
) وتله للجبين ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه صرعه على جبينه ، قاله ابن عباس ، والجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها ، قال الشاعر :
وتله أبو حكم للجبين
فصار إلى أمِّه الهاوية
الثاني : أنه أكبَّه لوجهه ، قاله مجاهد .
الثالث : أنه وضع جبينه على تل ، قاله قطرب .
وحكى مجاهد عن إسحاق أنه قال : يا أبت اذبحني وأنا ساجد ، ولا تنظر إلى وجهي فعسى أن ترحمني فلا تذبحني .
) وناديناه أن يا إبراهيم قد صَدَّقْتَ الرؤيا ( أي عملت ما رأيته في المنام ، وفي الذي رآه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الذي رآه أنه قعد منه مقعد الذابح ينتظر الأمر بإمضاء الذبح .
الثاني : أن الذي رآه أنه أمر بذبحه بشرط التمكين ولم يمكن منه لما روي أنه كان كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجعل على حلقه صفيحة من نحاس .
الثالث : أن الذي رآه أنه ذبحه وقد فعل ذلك وإنما وصل الله تعالى الأوداج بلا فصل .

صفحة رقم 62
) إنا كذلك نجزِي المحسنين ( بالعفو عن ذبح ابنه .
وفي الذبيح قولان مثل اختلافهم في الحليم الذي بشر به .
أحدهما : أنه إسحاق ، قاله علي رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وكعب الأحبار وقتادة والحسن . قال ابن جريج ذبح إبراهيم ابنه إسحاق وهو ابن سبع سنين وولدته سارة وهي بنت تسعين سنة .
وفي الموضع الذي أراد ذبحه فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : بمكة في المقام .
الثاني : في المنحر بمنى .
الثالث : بالشام ، قاله ابن جريج وهو من بيت المقدس على ميلين . ولما علمت سارة ما أراد بإسحاق بقيت يومين وماتت في اليوم .
القول الثاني : أنه إسماعيل ، قاله ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب ، وأنه ذبحه بمنى عند الجمار التي رمى إبليس في كل جمرة بسبع حصيات حين عارضه في ذبحه حتى جمر بين يديه أي أسرع فسميت جماراً .
وحكى سعيد بن جبير أنه ذبحه على الصخرة التي بأصل ثبير بمنى :
قوله عز وجل : ) إنَّ هذا لهو البلاءُ المبين ( فيه وجهان :
أحدهما : الاختبار العظيم ، قاله ابن قتيبة . الثاني : النعمة البينة ، قاله الكلبي ومقاتل وقطرب وأنشد قول الحطيئة :
وإن بلاءهم ما قد علمتم
على الأيام إن نفع البلاءُ
قوله عز وجل : ) وفديناه بذبح عظيم ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه فدى بوعل أنزل عليه من ثبير ، قاله ابن عباس ، وحكى عنه سعيد ابن جبير أنه كبش رعي في الجنة أربعين خريفاً .
الثاني : أنه فدي بكبش من غنم الدنيا ، قاله الحسن .
الثالث : أنه فدي بكبش أنزل عليه من الجنة وهو الكبش الذي قربه هابيل بن

صفحة رقم 63
آدم فقيل منه . قال ابن عباس حدثني من رأى قرني الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام معلقين بالكعبة . والذبح بالكسر هو المذبوح ، والذبح بالفتح هو فعل الذبح .
وفي قوله : ) عظيم ( خمسة تأويلات :
أحدها : لأنه قد رعى في الجنة ، قاله ابن عباس .
الثاني : لأنه ذبح بحق ، قاله الحسن .
الثالث : لأنه عظيم الشخص .
الرابع : لأنه عظيم البركة .
الخامس : لأنه متقبل ، قاله مجاهد .
قوله عز وجل : ) وتركنا عليه في الآخِرين ( فيه قولان :
أحدهما : الثناء الحسن ، قاله قتادة .
الثاني : هو السلام على إبراهيم ، قاله عكرمة .
( الصافات : ( 114 - 122 ) ولقد مننا على . . . . .
" ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين " ( قوله عز وجل : ) ولقد مننا على موسى وهارون ( فيه قولان :
أحدهما : بالنبوة ، قاله مقاتل .
الثاني : بالنجاة من فرعون ، قاله الكلبي .
) ونجيناهما ( الآية . فيه قولان :
أحدهما : من الغرق .
الثاني : من الرق .
( الصافات : ( 123 - 132 ) وإن إلياس لمن . . . . .
" وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا

صفحة رقم 64
وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين " ( قوله عز وجل : ) وإن إلياس لمن المرسلين ( فيه قولان :
أحدهما : أنه إدريس قاله ابن عباس وقتادة ، وهي قراءة ابن مسعود : وابن إدريس .
الثاني : أنه من ولد هارون ، قاله محمد بن إسحاق ، قال مقاتل : هو إلياس بن بحشر ، وقال الكلبي هو عم اليسع . وجوز قوم أن يكون هو إلياس بن مضر .
وقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل بعد حزقيل بعث الله إليهم إلياس عليه السلام نبياً ، وتبعه اليسع وآمن به ، فلما عتا عليه بنو إسرائيل دعا ربه أن يقبضه إليه ففعل وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وصار مع الملائكة إنيساً ملكياً ، أرضياً سماوياً ، والله أعلم .
قوله عز وجل : ) أتدعون بعلاً ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني ربّاً ، قاله عكرمة ومجاهد . قال مقاتل هي لغة أزد شنوءة ، وسمع ابن عباس رجلاً من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال : من بعل هذه أي ربها ، ومنه قول أبي دؤاد :
ورأيت بعلك في الوغى
متقلداً سيفاً ورمحا
الثاني : أنه صنم يقال له بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعلبك ، قاله الضحاك وابن زيد وقال مقاتل : كسره إلياس وذهب .
الثالث : أنه اسم امرأة كانوا يعبدونها ، قاله ابن شجرة .

صفحة رقم 65
) وتذرون أحْسَنَ الخالقين ( فيه وجهان :
أحدهما : من قيل له خالق .
الثاني : أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون .
قوله عز وجل :
) سلامٌ على إِلْ يَاسِينَ ( قرأ نافع وابن عامر : سلامٌ على آل ياسين بفتح الهمزة ومدها وكسر اللام ، وقرأ الباقون بكسر الهمزة وتسكين اللام ، وقرأ الحسن : سلام على ياسين بإسقاط الألف واللام ، وقرأ ابن مسعود : سلام على ادراسين ، لأنه قرأ وإن إدريس لمن المرسلين .
فمن قرأ الياس ففيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع يدخل فيه جميع آل إلياس بمعنى أن كل واحد من أهله يسمى الياس .
الثاني : أنه إلياس فغير بالزيادة لأن العرب تغير الأسماء الأعجمية بالزيادة كما يقولون ميكال وميكاييل وميكائين . قال الشاعر :
يقول أهل السوق لما جينا
هذا وربِّ البيت إسرائينا
ومن قرأ آل ياسين ففي قراءته وجهان :
أحدهما : أنهم آل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنهم آل إلياس .
فعلى هذا في دخول الزيادة في ياسين وجهان :
أحدهما : أنها زيدت لتساوي الآي ، كما قال في موضع طور سيناء ، وفي موضع آخر طور سينين ، فعلى هذا يكون السلام على أهله دونه وتكون الإضافة إليه تشريفاً له .
الثاني : أنها دخلت للجمع فيكون داخلاً في جملتهم ويكون السلام عليه وعليهم .
( الصافات : ( 133 - 138 ) وإن لوطا لمن . . . . .
" وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين

صفحة رقم 66
ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون " ( ) إلا عجوزاً في الغابرين ( فيها أربعة أوجه :
أحدها : الهالكين ، قاله السّدي .
الثاني : في الباقين من الهالكين ، قاله ابن زيد .
الثالث : في عذاب الله تعالى ، قاله قتادة .
الرابع : في الماضين في العذاب ، حكاه مقاتل .
( الصافات : ( 139 - 148 ) وإن يونس لمن . . . . .
" وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين " ( قوله عز وجل : ) وإن يونس لمن المرسلين ( قال السدي : يونس بن متى نبي من أنبياء الله تعالى بعثه إلى قرية يقال لها نينوى على شاطىء دجلة : قال قتادة : وهي من أرض الموصل .
) إذ أبق إلى الفُلك المشحون ( والآبق الفارّ إلى حيث لا يعلم به ، قال الحسن : فر من قومه وكان فيما عهد إليهم أنهم إن لم يؤمنوا أتاهم العذاب ، وجعل علامة ذلك خروجاً من بين أظهرهم ، فلما خرج عنه جاءتهم ريح سوداء فخافوها فدعوا الله بأطفالهم وبهائمهم فأجابهم وصرف العذاب عنهم فخرج مكايداً لقومه مغاضباً لدين ربه حتى أتى البحر فركب سفينة وقد استوقرت حملاً ، فلما اشتطت بهم خافوا الغرق .
وفيما خافوا الغرق به قولان :
أحدهما : أمواج من ريح عصفت بهم قاله ابن عباس .

صفحة رقم 67
الثاني : من الحوت الذي عارضهم ، حكاه ابن عيسى ، فقالوا عند ذلك : فينا مذنب لا ننجو إلا بإلقائه ، فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فألقوه ، وهو معنى قوله تعالى :
) فساهَم ( أي قارع بالسهام ، قاله ابن عباس والسدي .
) فكان من المدحضين ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من المقروعين ، قاله ابن عباس ومجاهد .
الثاني : من المغلوبين ، قاله سعيد بن جبير ، ومنه قول أبي قيس :
قتلنا المدحضين بكل فج
فقد قرت بقتلهم العيون
الثالث : أنه الباطل الحجة ، قاله السدي مأخوذ من دحض الحجة وهو بطلانها فلما ألقوه في البحر آمنوا .
قوله عز وجل : ) فالتقمه الحوت وهُو مليم ( قال ابن عباس : أوحى الله تعالى إلى سمكة يقال لها اللخم من البحر الأخضر أن شقي البحار حتى تأخذي يونس ، وليس يونس لك رزقاً ، ولكن جعلت بطنك له سجناً ، فلا تخدشي له جلداً ولا تكسري له عظماً ، فالتقمه الحوت حين ألقي .
وفي قوله : ) وهو مليم ( ثلاثة تأويلات :
أحدها : أي مسيء مذنب ، قاله ابن عباس .
الثاني : يلوم نفسه على ما صنع ، وهو معنى قول قتادة .
الثالث : يلام على ما صنع ، قاله الكلبي .
والفرق بين الملوم والمليم أن المليم اذا أتى بما يلام عليه ، والملوم إذا ليم عليه .
) فلولا أنه كان مِن المسبحين ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : من القائلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، قاله الحسن .
الثاني : من المصلين قاله ابن عباس .
الثالث : من العابدين ، قاله وهب بن منبه .

صفحة رقم 68
الرابع : من التائبين ، قاله قطرب . وقيل تاب في الرخاء فنجاه الله من البلاء .
) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( قال قتادة : إلى يوم القيامة حتى يَصير الحوت له قبراً ، وفي مدة لبثه في بطن الحوت أربعة أقاويل :
أحدها : بعض يوم ، قال الشعبي : التقمه ضحى ولفظه عشية .
الثاني : ثلاثة أيام ، قاله قتادة .
الثالث : سبعة أيام ، قاله جعفر .
الرابع : أربعون يوماً ، قاله أبو مالك ، وقيل إنه سار بيونس حتى مر به إلى الإيلة ثم عاد في دجلة إلى نينوى . ) فنبذناه بالعراء ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : بالساحل ، قاله ابن عباس .
الثاني : بالأرض ، قاله السدي ، قال الضحاك : هي أرض يقال لها بلد .
الثالث : موضع بأرض اليمن .
الرابع : الفضاء الذي لا يواريه نبت ولا شجر ، قال الشاعر :
ورفعت رِجْلاً لا أخاف عثارها
ونبذت بالبلد العراء ثيابي
) وهو سقيم ( فيه وجهان :
أحدهما : كهيئة الصبي ، قاله السدي .
الثاني : كهيئة الفرخ الذي ليس له ريش ، قاله ابن مسعود لأنه ضعف بعد القوة ، ورق جلده بعد الشدة .
قوله عز وجل : ) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ( فيها خمسة أقاويل :
أحدها : أنه القرع ، قاله ابن مسعود .
الثاني : أنه كل شجرة ليس فيها ساق يبقى من الشتاء إلى الصيف ، قاله سعيد بن جبير .
الثالث : أنها كل شجرة لها ورق عريض ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 69
الرابع : أنه كل ما ينبسط على وجه الأرض من البطيخ والقثاء ، رواه القاسم بن أبي أيوب .
الخامس : أنها شجرة سماها الله تعالى يقطيناً أظلته رواه هلال بن حيان . وهو تفعيل من قطن بالمكان أي أقام إقامة زائل لا إقامة راسخ كالنخل والزيتون ، فمكث يونس تحتها يصيب منها ويستظل بها حتى تراجعت نفسه إليه ، ثم يبست الشجرة فبكى حزناً عليها ، فأوحى الله تعالى إليه : أتبكي على هلاك شجرة ولا تبكي على هلاك مائة ألف أو يزيدون ؟ حكاه ابن مسعود .
وحكى سعيد بن جبير أنه لما تساقط ورق الشجر عنه أفضت إليه الشمس فشكاه فأوحى الله تعالى إليه : يا يونس جزعت من حر الشمس ولم تجزع لمائة ألف أو يزيدون تابوا إليّ فتبت عليهم .
قوله عز وجل : ) وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون ( فيهم قولان :
أحدهما : أنه أرسل إليهم بعدما نبذه الحوت ، قاله ابن عباس ، فكان أرسل إلى قوم بعد قوم .
الثاني : أنه أرسل إلى الأولين فآمنوا بشريعته ، وهو معنى قول ابن مسعود .
وفي قوله : ) أو يزيدون ( ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه للإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين .
الثاني : أنه على شك المخاطبين .
الثالث : أن معناه : بل يزيدون ، قاله ابن عباس وعدد من أهل التأويل ، مثله قوله فكان قاب قوسين أو أدنى يعنى بل أدنى ، قال جرير :
أثعلبة الفوارس أو رباحاً
عدلت بهم طهية والخشابا
والمعنى أثعلبة بل رباحاً .

صفحة رقم 70
واختلف من قال بهذا في قدر زيادتهم على مائة ألف على خمسة أقاويل :
أحدها : يزيدون عشرين ألفاً ، رواه أُبي بن كعب مرفوعاً .
الثاني : يزيدون ثلاثين ألفاً ، قاله ابن عباس .
الثالث : يزيدون بضعة وثلاثين ألفاً ، قاله الحكم .
الرابع : بضعة وأربعين ألفاً رواه سفيان بن عبد الله البصري .
الخامس : سبعين ألفاً ، قاله سعيد بن جبير .
( الصافات : ( 149 - 160 ) فاستفتهم ألربك البنات . . . . .
" فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين " ( قوله عز وجل : ) أم لكم سلطان مبين ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عذر مبين ، قاله قتادة .
الثاني : حجة بينة ، قاله ابن قتيبة .
الثالث : كتاب بيّن ، قاله الكلبي .
قوله عز وجل : ) وجعلوا بينه وبين الجِنة نسباً ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه إشراك الشيطان في عبادة الله تعالى فهو النسب الذي جعلوه ، قاله الحسن .
الثاني : هو قول يهود أصبهان أن الله تعالى صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم ، قاله قتادة .
الثالث : هو قول الزنادقة : إن الله تعالى وإبليس أخوان ، وأن النور والخير

صفحة رقم 71
والحيوان النافع من خلق الله ، والظلمة والشر والحيوان الضار من خلق إبليس ، قاله الكلبي وعطية العوفي .
الرابع : هو قول المشركين ، إن الملائكة بنات الله فقال لهم أبو بكر : فمن أمهاتهم ؟ قالوا : بنات سروات الجن ، قاله مجاهد .
وفي تسمية الملائكة على هذا الوجه جنة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنهم بطن من بطون الملائكة يقال لهم الجنة ، قاله مجاهد .
الثاني : لأنهم على الجنان ، قاله أبو صالح .
الثالث : لاستتارهم عن العيون كالجن المستخفين .
قوله عز وجل : ) ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( وفي الجنة قولان :
أحدهما : أنهم الملائكة ، قاله السدي .
الثاني : أنهم الجن ، قاله مجاهد .
وفيما علموه قولان :
أحدهما : أنهم علموا أن قائل هذا القول محضرون ، قاله علي بن عيسى .
الثاني : علموا أنهم في أنفسهم محضرون ، وهو قول من زعم أن الجنة هم الجن .
وفي قوله محضرون تأويلان :
أحدهما : للحساب ، قال مجاهد .
الثاني : محضرون في النار ، قاله قتادة .
( الصافات : ( 161 - 169 ) فإنكم وما تعبدون
" فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين " (

صفحة رقم 72
قوله عز وجل : ) فإنكم وما تعبدون ( يعني المشركين وما عبدوه من آلهتهم .
) ما أنتم عليه بفاتنين ( أي بمضلين ، قال الشاعر :
فرد بنعمته كيده
عليه وكان لها فاتناً
) إلا من هو صالِ الجحيم ( فيه وجهان :
أحدهما : إلا من سبق في علم الله تعالى أنه يصلى الجحيم ، قاله ابن عباس .
قوله عز وجل ) وما مِنّا إلا له مقامٌ معلوم ( فيه قولان :
أحدهما : ما منا ملك إلا له في السماء مقام معلوم ، قاله ابن مسعود وسعيد بن جبير .
الثاني : ما حكاه قتادة قال : كان يصلي الرجال والنساء جميعاً حتى نزلت ) وما منا إلا له مقام معلوم ( قال فتقدم الرجال وتأخر النساء .
ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل .
ثالثاً : وما منا يوم القيامة إلا من له فيها مقام معلوم بين يدي الله عز وجل .
قوله عز وجل : ) وإنا لنحن الصّافون ( فيه قولان :
أحدهما : أنهم الملائكة يقفون صفوفاً في السماء ، قيل حول العرش ينتظرون ما يؤمرون به ، وقيل في الصلاة مصطفين . وحكى أبو نضرة أن عمر رضي الله كان إذا قام إلى الصلاة قال : يريد ، الله بكم هدى الملائكة ) وإنا لنحن الصافون ( تأخر يا فلان ، ثم يتقدم فيكبر .
الثاني : ما حكاه أبو مالك قال كان الناس يصلون متبددين فأنزل الله عز وجل ) وإنا لنحن الصافون ( فأمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يصطفوا
. وقوله عز وجل : ) وإنا لنحن المسبحون ( فيه قولان :

صفحة رقم 73
أحدهما : المصلّون ، قاله قتادة .
الثاني : المنزِّهون الله عما أضافه إليه المشركون أي فكيف لا تعبدونه ونحن نعبده . ( الصافات : ( 170 - 179 ) فكفروا به فسوف . . . . .
" فكفروا به فسوف يعلمون ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون " ( قوله عز وجل : ) ولقد سبقت كلمتُنا لعبادنا المرسلين ( فيه قولان :
أحدهما : سبقت بالحجج ، قاله السدي .
الثاني : أنهم سينصرون ، قال الحسن : لم يقتل من الرسل أصحاب الشرائع أحد قط .
) إنهم لهم المنصرون ( فيه قولان :
أحدهما : بالحجج في الدنيا والعذاب في الآخرة ، قاله السدي والكلبي .
الثاني : بالظفر إما بالإيمان أو بالانتقام ، وهو معنى قول قتادة .
قوله عز وجل : ) فتولَّ عنهم حتى حين ( فيه أربعة أقاويل :
أحدها : يوم بدر ، قاله السدي .
الثاني : فتح مكة ، حكاه النقاش .
الثالث : الموت ، قاله قتادة .
الرابع : يوم القيامة ، وهو قول زيد بن أسلم .
وفي نسخ هذه الآية قولان :
أحدهما : أنها منسوخة ، قاله قتادة .
الثاني : أنها ثابتة .
قوله عز وجل : ) وأبْصِر فسوف يبصرون ( فيه أربعة أوجه :
أحدها : أبصر ما ضيعوا من أمر الله فسوف يبصرون ما يحل بهم من عذاب الله وهو معنى قول ابن زيد .

صفحة رقم 74
الثاني : أبصرهم في وقت النصرة عليهم فسوف يبصرون ما يحل لهم ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة .
الرابع : أعلمهم الآن فسوف يعلمونه بالعيان وهو معنى قول ثعلب .
( الصافات : ( 180 - 182 ) سبحان ربك رب . . . . .
" سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " ( قوله عز وجل : ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( روى الشعبي قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( من سرَّه أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم : ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين ( ) . قوله تعالى : ) رب العزة ( يحتمل وجهين :
أحدهما : مالك العزة .
الثاني : رب كل شيء متعزز من مالك أو متجبر .
) وسلامٌ على المرسلين ( يحتمل وجهين :
أحدهما : سلامه عليهم إكرماً لهم .
الثاني : قضاؤه بسلامتهم بعد إرسالهم فإنه ما أمر نبي بالقتال إلا حرس من القتل .
) والحمد لله رب العالمين ( يحتمل وجهين :
أحدهما : على إرسال الأنبياء مبشرين ومنذرين .
الثاني : على جميع ما أنعم به على الخلق أجمعين .

صفحة رقم 75
سورة ص
مكية في قول جميعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
( ص : ( 1 - 3 ) ص والقرآن ذي . . . . .
" ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص " ( قوله عز وجل : ) ص ( فيه تسعة تأويلات :
أحدها : أنه فواتح الله تعالى بها القرآن ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة .
الثالث : أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به ، قاله ابن عباس .
الرابع : أنه حرف هجاء من أسماء الله تعالى ، قاله السدي .
الخامس : أنه بمعنى صدق الله ، قاله الضحاك .
السادس : أنه من المصادة وهي المعارضة ومعناه عارض القرآن لعلمك ، قاله الحسن .
السابع : أنه من المصادة وهي الاتباع ومعناه اتبع القرآن بعلمك ، قاله سفيان .
) والقرآن ذي الذكر ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ذي الشرف ، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي .
الثاني : بالبيان ، قاله قتادة .
الثالث : بالتذكير ، قاله الضحاك .
الرابع : ذكر ما قبله من الكتب ، حكاه ابن قتيبة . قال قتادة : ها هنا وقع القسم .

صفحة رقم 76
واختلف أهل التأويل في جوابه على قولين :
أحدهما : أن جواب القسم محذوف وحذفه أفخم له لأن النفس تذهب فيه كل مذهب . ومن قال بحذفه اختلفوا فيه على قولين :
أحدهما : أن تقدير المحذوف منه لقد جاء الحق .
الثاني : تقديره ما الأمر كما قالوا .
والقول الثاني : من الأصل أن جواب القسم مظهر ، ومن قال بإظهاره اختلفوا فيه على قولين :
أحدهما : قوله تعالى ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( قاله الفراء .
الثاني : من قوله تعالى ) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ( وهو قول مقاتل .
أحدها : يعني في حمية وفراق ، قاله قتادة .
الثاني : في تعزز واختلاف ، قاله السدي .
الثالث : في أنفة وعداوة .
ويحتمل رابعاً : في امتناع ومباعدة .
) كم أهلكنا مِن قَبْلِهم ( يعني قبل كفار هذه الأمة .
) من قرن ( فيه قولان :
أحدهما : يعني من أمة ، قاله أبو مالك .
الثاني : أن القرن زمان مقدور وفيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه عشرون سنة ، قاله الحسن .
الثاني : أربعون سنة ، قاله إبراهيم .
الثالث : ستون سنة ، رواه أبو عبيدة الناجي .
الرابع : سبعون سنة ، قاله قتادة .
الخامس : ثمانون سنة ، قاله الكلبي .
السادس : مائة سنة ، رواه عبد الله بن بشر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .

صفحة رقم 77
السابع : عشرون ومائة سنة ، قاله زرارة بن أوفى .
قوله عز وجل : ) فنادوا ولات حين مناص ( يحتمل وجهين :
أحدهما : استغاثوا .
الثاني : دعوا . ولات حين مناص التاء من لات مفصولة من الحاء وهي كذلك في المصحف ، ومن وصلها بالحاء فقد أخطأ . وفيها وجهان :
أحدها : أنها بمعنى لا وهو قول أبي عبيدة .
الثاني : أنها بمعنى ليس ولا تعمل إلا في الحين خاصة ، قال الشاعر :
تذكر حب ليلى لات حيناً
وأضحى الشيب قد قطع القرينا
وفي تأويل قوله تعالى ) ولات حين مناص ( خمسة أوجه :
أحدها : وليس حين ملجأ ، قاله زيد بن أسلم .
الثاني : وليس حين مَغاث ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، ومنه قول علي رضي الله عنه في رجز له :
لأصبحنّ العاصي بن العاصي
سبعين ألفاً عاقِدي النواصي
قد جنبوا الخيل على الدلاصِ
آساد غيل حين لا مناص
الثالث : وليس حين زوال ، وراه أبو قابوس عن ابن عباس ، ومنه قول الشاعر :
فهم خشوع لدية لا مناص لهم
يضمهم مجلس يشفي من الصيد
الرابع : وليس حين فرار ، قاله عكرمة والضحاك وقتادة قال الفراء مصدر من ناص ينوص . والنوص بالنون التأخر ، والبوص بالباء التقدم وأنشد قول امريء القيس :
أمِن ذكر ليلى إن نأتك تنوص
فتقصر عنها خطوة وتبوص

صفحة رقم 78
فجمع في هذا البيت بين البوص والنوص فهو بالنون التأخر وبالباء التقدم .
الخامس : أن النوص بالنون التقدم ، والبوص بالباء التأخر ، وهو من الأضداد ، وكانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض : مناص : أي حملة واحدة ، فينجو فيها من نجا ويهلك فيها من هلك ، حكاه الكلبي : فصار تأويله على هذا الوجه ما قاله السدي أنهم حين عاينوا الموت لم يستطيعوا فراراً من العذاب ولا رجوعاً إلى التوبة .
( ص : ( 4 - 11 ) وعجبوا أن جاءهم . . . . .
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب " ( قوله عز وجل : ) أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ( أمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله أيسع لحاجَاتنا جميعاً إله واحد إن هذا لشيء عجاب بمعنى عجيب كما يقال رجل طوال وطويل ، وكان الخليل يفرق بينهما في المعنى فيقول العجيب هو الذي قد يكون مثله والعجاب هو الذي لا يكون مثله ، وكذلك الطويل والطوال .
قوله عز وجل : ) وانطلق الملأ منهم ( والانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه وفي الملأ منهم قولان :
أحدهما : أنه عقبة بن معيط ، قاله مجاهد .
الثاني : أنه أبو جهل بن هشام أتى أبا طالب في مرضه شاكياً من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه ، قاله ابن عباس .
) أَنِ امشوا واصبروا على آلهتكم ( فيه وجهان :

صفحة رقم 79
أحدهما : اتركوه واعبدوا آلهتكم .
الثاني : امضوا على أمركم في المعاندة واصبروا على آلهتكم في العبادة ، والعرب تقول : امش على هذا الأمر ، أي امض عليه والزمه .
) إن هذا لشيء يراد ( فيه وجهان :
أحدهما : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم وقوي به الإسلام شق على قريش فقالوا إن الإسلام عمر فيه قوة للإسلام وشيء يراد ، قاله مقاتل .
الثاني : أن خلاف محمد لنا ومفارقته لديننا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا .
قوله عز وجل : ) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ( فيه أربعة أقويل :
أحدها : في النصرانية لأنها كانت آخر الملل ، قاله ابن عباس وقتادة والسدي .
الثاني : فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، قاله الحكم .
الثالث : في ملة قريش ، قاله مجاهد .
الرابع : معناه أننا ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا ، قاله الحسن .
) إن هذا إلا اختلاق ( أي كذب اختلقه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
قوله عز وجل : ) أم عندهم خزائن رحمة ربك ( قال السدي مفاتيح النبوة فيعطونها من شاؤوا ويمنعونها من شاءُوا .
قوله عز وجل : ) فليرتقوا في الأسباب ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : في السماء ، قاله ابن عباس .
الثاني : في الفضل والدين ، قاله السدي .
الثالث : في طرق السماء وأبوابها ، قاله مجاهد .
الرابع : معناه فليعلوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة ، وهو معنى قول أبي عبيدة .

صفحة رقم 80
قوله عز وجل : ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( قال سعيد بن جبير : هم مشركو مكة و ) ما ( صلة للتأكيد ، تقول : جئتك لأمر ما . قال الأعشى :
فاذهبي ما إليك ادركني الحلم
عداني عن هيجكم أشغالي
ومعنى قوله جند أي أتباع مقلِّدون ليس فيهم عالم مرشد .
) مهزوم من الأحزاب ( يعني مشركي قريش أنه أحزاب إبليس وأتباعه وقيل لأنهم تحازبوا على الجحود لله ولرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) . قال قتادة : فبشره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويلها يوم بدر .
( ص : ( 12 - 16 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
" كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب " ( قوله عز وجل : ) كذبت قبلهم قوم نوح ( ذكر الله عز وجل القوم بلفظ التأنيث ، واختلف أهل العربية في تأنيثه على قولين :
أحدهما : أنه قد يجوز فيه التأنيث والتذكير .
الثاني : أنه مذكر اللفظ لا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على العشيرة فيغلب في اللفظ حكم المعنى المضمر تنبيهاً عليه كقوله تعالى ) كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره ( ولم يقل ذكرها لأنه لما كان المضمر فيه مذكوراً ذكره وإن كان اللفظ مقتضياً للتأنيث .
) وعادٌ ( وهم قوم هود كانوا بالأحقاف من أرض اليمن ، قال ابن اسحاق : كانوا أصحاب أصنام يعبدونها ، وكانت ثلاثة يقال لأحدها هدر وللآخر صمور للآخر الهنا ، فأمرهم هود أن يوحدوا الله سبحانه ولا يجعلوا معه إِلهاً غيره ويكفوا عن ظلم الناس ولم يأمرهم إلا بذلك .

صفحة رقم 81
) وفرعون ذُو الأوتاد ( وفي تسميته بذي الأوتاد أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كان كثير البنيان ، والبنيان يسمى أوتاداً ، قاله الضحاك .
الثاني : أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب عليها ، قاله ابن عباس وقتادة .
الثالث : لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد ، قاله السدي .
والرابع : أنه يريد ثابت الملك شديد القوة كثبوت ما يشج بالأوتاد كما قال الأسود بن يعفر :
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة
في ظل ملك ثابت الأوتاد
) وثمود ( وهم عرب وحكى مقاتل أن عاداً وثمود أبناء عم ، وكانت منازل ثمود بالحجر بين الحجاز والشام منها وادي القرى ، بعث الله إليهم صالحاً ، واختلف في إيمانهم به ، فذكر ابن عباس أنهم آمنوا ثم مات فرجعوا بعده عن الإيمان فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فكذبوه وقالوا قد مات صالح فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين فأتاهم الله الناقة ، فكفروا وعقروها ، فأهلكهم الله .
وقال ابن إسحاق : إن الله بعث صالحاً شاباً فدعاهم حتى صار شيخاً ، فقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا .
) وقوم لوط ( لم يؤمنوا حتى أهلكهم الله تعالى . قال مجاهد : وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة . وقال عطاء ما من أحد من الأنبياء إلا يقوم معه يوم القيامة قوم من أمته إلا آل لوط فإنه يقوم القيامة وحده .
) وأصحاب الأيكة ( بعث الله إليهم شعيباً . وفي ) الأيكة ( قولان :
أحدهما : أنها الغيضة ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه الملتف من النبع والسدر قاله أبو عمرو بن العلاء . قال قتادة : بعث شعيب إلى أمتين من الناس إلى أصحاب الإيكة وإلى مدين ، وعذبتا بعذابين .
) أولئك الأحزاب ( يحتمل وجهين :
أحدهما : أحزاب على الأنبياء بالعداوة .
الثاني : أحزاب الشياطين بالموالاة .

صفحة رقم 82
قوله عز وجل : ) وما ينظر هؤلاء ( يعني كفار هذه الأمة .
) إلا صيحة واحدة ( يعني النفخة الأولى .
) ما لها من فواق ( قرأ حمزة والكسائي بضم الفاء ، والباقون بفتحها ، واختلف في الضم والفتح على قولين :
أحدهما : أنه بالفتح من الإفاضة وبالضم فُواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين تقديراً للمدة . الثاني : معناهما واحد ، وفي تأويله سبعة أقاويل :
أحدها : معناه ما لها من ترداد ، قاله ابن عباس .
الثاني : ما لها من حبس ، قاله حمزة بن إسماعيل .
الثالث : من رجوع إلى الدنيا ، قاله الحسن وقتادة .
الرابع : من رحمة . وروي عن ابن عباس أيضاً .
الخامس : ما لها من راحة ، حكاه أبان بن تغلب .
السادس : ما لها من تأخير لسرعتها قال الكلبي ، ومنه قول أبي ذؤيب :
إذا ماتت عن الدنيا حياتي
فيا ليت القيامة عن فواق
السابع : ما لهم بعدها من إقامة ، وهو بمعنى قول السدي .
قوله عز وجل : ) وقالوا ربنا عَجَّل لنا قِطنا . . . ( الآية . فيه خمسة تأويلات :
أحدها : معنى ذلك عجل لنا حظنا من الجنة التي وعدتنا ، قاله ابن جبير .
الثاني : عجل لنا نصيبنا من العذاب الذي وعدتنا استهزاء منهم بذلك ، قاله ابن عباس .
الثالث : عجل لنا رزقنا ، قاله إسماعيل بن أبي خالد .
الرابع : أرنا منازلنا ، قاله السدي .
الخامس : عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة وهو قوله ) فأما من أوتي كتابه بيمينه . . . وأما من أوتي كتابه بشماله ( استهزاء منهم بذلك . وأصل القط القطع ، ومنه قط القلم وقولهم ما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه وأطلق على النصيب .

صفحة رقم 83
والكتاب والرزق لقطعه من غيره إلا أنه في الكتاب أكثر استعمالاً وأقوى حقيقة ، قال أمية بن أبي الصلت :
قوم لهم ساحة العراق وما
يجبى إليه والقط والقلح
وفيه لمن قال بهذا قولان :
أحدهما أنه ينطلق على كل كتاب يتوثق به .
الثاني : أنه مخص بالكتاب الذي فيه عطية وصلة ، قاله ابن بحر .
( ص : ( 17 - 20 ) اصبر على ما . . . . .
" اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " ( قوله عز وجل : ) اصبر على ما يقولون ( يعني كما صبر أولو العزم من الرسل لا كمن لم يصبر مثل يونس .
) واذكر عبدنا داود ( أي فإنا نحسن إليك كما أحسنا إلى داود قبلك بالصبر .
) ذا الأيد ( فيه قولان :
أحدهما : ذا النعم التي أنعم الله بها عليه لأنها جمع يد حذفت منه الياء ، واليد النعمة .
الثاني : ذا القوة ، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد ، ومنه ) والسماء بنيناها بأيد ( أي بقوة . وفيما نسب داود إليه من القوة قولان :
أحدهما : القوة في طاعة الله والنصر في الحرب ، قاله مجاهد .
الثاني : ذا القوة في العبادة والفقه في الدين قاله قتادة . وذكر أنه كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر .

صفحة رقم 84
) إنه أواب ( فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه التواب ، قاله مجاهد وابن زيد .
الثاني : أنه الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها ، حكاه ابن زيد .
الثالث : أنه المسبح ، قاله الكلبي .
الرابع : أنه الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها ، قاله المنصور .
قوله عز وجل : ) وشَدَدنا ملكه ( فيه وجهان :
أحدهما : بالتأييد والنصر .
الثاني : بالجنود والهيبة . قال قتادة : باثنين وثلاثين ألف حرس .
) وآتيناه الحكمة ( فيها خمسة تأويلات :
أحدها : النبوة ، قاله السدي .
الثاني : السنّة ، قاله قتادة .
الثالث : العدل ، قاله ابن نجيح .
الرابع : العلم والفهم ، قاله شريح .
الخامس : الفضل والفطنة .
) وفصل الخطاب ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : على القضاء والعدل فيه ، قاله ابن عباس والحسن .
الثاني : تكليف المدعي البينة والمدعَى عليه اليمين ، قاله شريح وقتادة .
الثالث : قوله أما بعد ، وهو أول من تكلم بها ، قاله أبو موسى الأشعري والشعبي .
الرابع : أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود .
الخامس : أنه الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني .
( ص : ( 21 - 25 ) وهل أتاك نبأ . . . . .
" وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه

صفحة رقم 85
وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ( قوله عز وجل : ) وهل أتاك نبأ الخَصْم ( والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر .
) إذ تسوروا المحراب ( ومعنى تسوروا أنهم أتوه من أعلى سورة وفي المحراب أربعة أقاويل :
أحدها : أنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد ، قاله أبو عبيدة .
الثاني : مجلس الأشراف الذي يتحارب عليه لشرف صاحبه ، حكاه ابن عيسى .
الثالث : أنه المسجد ، قاله يحيى بن سلام .
الرابع : أنه الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها .
) إذ دخلوا على داود ففزع منهم ( وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى : إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم ، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك ، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه ، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها ، قال السدي فوقعت

صفحة رقم 86
في قلبه ، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله ، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا ، فقدمه فيهم فقتل ، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده ، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه .
وفي فزعه منهما قولان :
أحدهما : لأنهم تسوروا عليه من غير باب .
الثاني : لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر .
) قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض ( وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين ، ولا يأتي منهما كذب ، وتقدير كلامها : ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض .
وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال : ) وهل أتاك نبأ الخصم ( لأن جملتهم جمعت ، وهم فريقان كل واحد منهما خصم .
) فاحكم بيننا بالحق ( أي بالعدل .
) ولا تشطط ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لا تملْ ، قاله قتادة .
الثاني : لا تَجُر ، قاله السدي .
الثالث : لا تسرف ، قاله الأخفش .
وفي أصل الشطط قولان :
أحدهما : أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت ، قال الشاعر :
تشطط غداً دار جيراننا
والدار بعد غد أبعد
الثاني : الإفراط . قال الشاعر :
ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي
وزعمن أن أودى بحقّي باطلي

صفحة رقم 87
) واهدِنا إلى سواءِ الصراط ( فيه وجهان :
أحدهما : أرشدنا إلى قصد الحق ، قاله يحيى .
الثاني : إلى عدل القضاء ، قاله السدي .
) إن هذا أخي ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني على ديني ، قاله ابن مسعود .
الثاني : يعني صاحبي ، قاله السدي . ) له تسع وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ ( فيها وجهان :
أحدهما : أنه أراد تسعاً وتسعين امرأة ، فكنى عنهن ، بالنعاج ، قاله ابن عيسى . قال قطرب : النعجة هي المرأة الجميلة اللينة .
الثاني : أنه أراد النعاج ليضربها مثلاً لداود ، قاله الحسن .
) فقال أكفلنيها ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ضمها إليَّ ، قاله يحيى .
الثاني : أعطنيها ، قاله الحسن .
الثالث : تحوّل لي عنها ، قاله ابن عباس وابن مسعود .
) وعزّني في الخطاب ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أي قهرني في الخصومة ، قاله قتادة .
الثاني : غلبني على حقي ، من قولهم من عزيز أي من غلب سلب ، قاله ابن عيسى .
الثالث : معناه إن تكلم كان أبين ، وإن بطش كان أشد مني ، وإن دعا كان أكثر مني ، قاله الضحاك .
قوله عز وجل : ) قال لقد ظَلَمَكَ بسؤال نعجتِك إلى نعِاجه ( فإن قيل فكيف يحكم لأحد الخصمين على الآخر بدعواه ؟ ففيه جوابان :
أحدهما : أن الآخر قد كان أقر بذلك فحكم عليه داود عليه السلام بإقراره ، فحذف اكتفاء بفهم السامع ، قاله السدي .

صفحة رقم 88
الثاني : إن كان الأمر كما تقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .
) وإنَّ كثيراً من الخُلَطاءِ ( يحتمل وجهين :
أحدهما : الأصحاب .
الثاني : الشركاء .
) لَيَبْغِي بعضهم على بعض ( أي يتعدى .
) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( تقديره فلا يبغي بعضهم على بعض ، فحذف اكتفاء بفهم السامع .
) وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ( فيه وجهان :
أحدهما : وقليل ما فيه من يبغي بعضهم على بعض ، قاله ابن عباس .
الثاني : وقليل من لا يبغي بعضهم على بعض ، قاله قتادة .
وفي ) ما ( التي في قوله ) وقليل ما هم ( وجهان :
أحدهما : انها فضلة زائدة تقديره : وقليل هم .
الثاني : أنها بمعنى الذي : تقديره : وقليل الذي هم كذلك .
) وظن داود أنما فتناه ( قال قتادة أي علم داود أنما فتناه وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : اختبرناه ، قاله ابن عباس .
الثاني : ابتليناه ، قاله السدي .
الثالث : شددنا عليه في التعبد ، قاله ابن عيسى .
) فاستغفر ربَّه ( من ذنبه . قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك ، فلما تبين له الذنب استغفر ربه .
واختلف في الذنب على أربعة أقاويل :
أحدها : أنه سمع من أحد الخصمين وحكم له قبل سماعه من الآخر .

صفحة رقم 89
الثاني : هو أن وقعت عينه على امرأة أوريا بن حنان واسمها اليشع وهي تغتسل فأشبع نظره منها حتى علقت بقلبه .
الثالث : هو ما نواه إن قتل زوجها تزوج بها وأحسن الخلافة عليها ، قاله الحسن .
وحكى السدي عن علي كرم الله وجهه قال : لو سمعت رجلاً يذكر أن داود قارف من تلك المرأة محرَّماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحد الأنبياء ستون ومائة ، حَدّان .
) وخَرّ راكعاً وأناب ( أي خرّ ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع ، قال الشاعر :
فخر على وجهه راكعاً
وتاب إلى الله من كل ذنب
قال مجاهد : مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينه فغطى رأسه إلى أن قال الله تعالى :
) فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( أي مرجع . في الزلفى وجهان :
أحدهما : الكرامة ، وهو المشهور .
الثاني : الرحمة قاله الضحاك . فرفع رأسه وقد قرح جبينه .
واختلف في هذه السجدة على قولين :

صفحة رقم 90
أحدهما : أنها سجدة عزيمة تسجد عند تلاوتها في الصلاة وغير الصلاة ، قاله أبو حنيفة .
الثاني : أنها سجدة شكر لا يسجد عند تلاوتها لا في الصلاة ، ولا في غير الصلاة وهو قول الشافعي .
قال وهب بن منبه : فمكث داود حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه ، ولا يأكل طعاماً إلا بلّه بدموعه ، ولا ينام على فراش إلا غرقه بدموعه . وحكي عن داود أنه كان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بواد إلا قال : اللهم اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم .
( ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . .
" يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " ( قوله عز وجل : ) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ( فيه وجهان :
أحدهما : خليفة لله تعالى وتكون الخلافة هي النبوة .
الثاني : خليفة لمن تقدمك لأن الباقي خليفة الماضي وتكون الخلافة هي الملك .
) فاحكم بين الناس بالحق ( فيه وجهان :
أحدهما : بالعدل .
الثاني : بالحق الذي لزمك لنا .
) ولا تتبع الهوى ( فيه وجهان :
أحدهما : أن تميل مع من تهواه فتجور .
الثاني : أن تحكم بما تهواه فتزلّ .

صفحة رقم 91
) فيضلك عن سبيل الله ( فيه وجهان :
أحدهما : عن دين الله .
الثاني : عن طاعة الله .
) إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نَسُوا يوم الحساب ( فيه وجهان :
أحدهما : بما تركوا العمل ليوم الحساب ، قاله السدي .
الثاني : بما أعرضوا عن يوم الحساب ، قاله الحسن .
( ص : ( 27 - 33 ) وما خلقنا السماء . . . . .
" وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق " ( قوله عز وجل : ) إذ عُرِض عليه بالعشي الصافنات الجياد ( الخيل وفيه وجهان :
أحدهما : أن صفونها قيامها ومنه ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ( من سره أن يقوم الرجال له صفوفاً فليتبوأ مقعده من النار ) أي يديمون له القيام حكاه قطرب وأنشد قول النابغة :
لنا قبة مضروبة بفنائها
عتاق المهاري والجياد الصوافن

صفحة رقم 92
الثاني : أن صفونها رفع احدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث كما قال الشاعر :
ألف الصفون فما يزل كأنه
مما يقوم على الثلاث كسيرا
وفي ) الجياد ( وجهان :
أحدهما : أنها الطوال العناق مأخوذ من الجيد وهو العنق لأن طول أعناق الخيل من صفات فراهتها .
الثاني : أنها السريع ، قاله مجاهد واحدها جواد سمي بذلك لأنه يجود بالركض .
قوله عز وجل : ) فَقَالَ إِني أحببت حُبَّ الخَيْرِ ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حب المال ، قاله ابن جبير والضحاك .
الثاني : حب الخيل قاله قتادة والسدي . ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة ) وفي قراءة ابن مسعود : حب الخيل .
الثالث : حب الدنيا ، قاله أسباط .
وفي ) أحببت حب الخير ( وجهان :
أحدهما : أن فيه تقديماً وتأخيراً تقديره : أحببت الخير حباً فقدم ، فقال : أحببت حب الخير ثم أضاف فقال أحب الخير ، قاله بعض النحويين .
الثاني : أن الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم ولا تأخير ، وتأويله : آثرت حب الخير .
) عَن ذِكر ربي ( فيه وجهان :
أحدهما : عن صلاة العصر ، قاله علي رضي الله عنه .
الثاني : عن ذكر الله تعالى ، قاله ابن عباس .

صفحة رقم 93
وروى الحارث عن علي كرم الله وجهه قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصلاة الوسطى فقال : ( هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه السلام ) . ) حتى توارت بالحجاب ( فيه قولان :
أحدهما : حت توارت الشمس بالحجاب ، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق ، قاله قتادة وكعب .
الثاني : توارت الخيل بالحجاب أي شغلت بذكر ربها إلى تلك الحال ، حكاه ابن عيسى .
والحجاب الليل يسمى حجاباً لأنه يستر ما فيه .
قوله عز وجل : ) رُدُّوها عليَّ ( يعني الخيل لأنها عرضت عليه فكانت تجري بين يديه فلا يستبين منها شيء لسرعتها وهو اللهم أغضَّ بصري ، حتى غابت الحجاب ثم قال ردوها عليّ .
) فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ( فيه قولان :
أحدهما : أنه من شدة حبه لها مسح عراقيبها وأعناقها ، قاله ابن عباس .
الثاني : أنه لما رآها قد شغلته عن الصلاة ضرب عراقيبها وأعناقها ، قاله الحسن وقتادة .
ولم يكن ما اشتغل عنه من الصلاة فرضاً بل كان نفلاً لأن ترك الفرض

صفحة رقم 94
عمداً فسق ، وفعل ذلك تأديباً لنفسه . والخيل مأكولة اللحم فلم يكن ذلك منه إتلافاً يأثم به .
قال الكلبي : كانت ألف فرس فعرقب تسعمائة وبقي منها مائة . فما في أيدي الناس من الخيل العتاق من نسل تلك المائة .
( ص : ( 34 - 40 ) ولقد فتنا سليمان . . . . .
" ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ( قوله عز وجل : ) ولقد فتنا سُليمان ( فيه وجهان :
أحدهما : يعني ابتليناه قاله السدي .
الثاني : عاقبناه ، حكاه النقاش .
وفي فتنته التي عوقب بها ستة أقاويل :
أحدهما : أنه كان قارب بعض نسائه في بعض الشيء من حيض أو غيره قاله الحسن .
الثاني : ما حكاه ابن عباس قال كانت لسليمان امرأة تسمى جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فاختصموا إلى سليمان ففصل بينهم بالحق ولكنه ود أن الحق

صفحة رقم 95
كان لأهلها فقيل له إنه سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أمن الأرض يأتيه البلاء أم من السماء .
الثالث : ما حكاه سعيد بن المسيب أن سليمان احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد ولم ينصف مظلوماً من ظالم فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم .
الرابع : ما حكاه شهر بن حوشب أن سليمان سبى بنت ملك غزان في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون ، فألقيت عليه محبتها وهي معرضة عنه تذكر أمر أبيها لا تنظر إليه إلا شزراً ولا تكلمه إلا نزراً ، ثم إنها سألته أن يضع لها تمثالاً على صورته فصنع لها فعظمته وسجدت له وسجد جواريها معها ، وصار صنماً معبوداً في داره وهو لا يعلم به حتى مضت أربعون يوماً وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره وحرقه ثم ذراه في الريح .
الخامس : ما حكاه مجاهد أن سليمان قال لآصف الشيطان كيف تضلون الناس ؟ فقال له الشيطان أعطني خاتمك حتى أخبرك ، فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه .

صفحة رقم 96
السادس : ما حكاه أبان عن أنس أن سليمان قال ذات ليلة : والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة وهن ألف امرأة كلهن تشتمل بغلام ، كلهم يقاتل في سبيل الله ، ولم يستثن . قال أنس سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( والذي نفس محمد بيده لو استثنى لكان ما قال ) فما حملت له تلك الليلة إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان .
) وألقينا على كُرْسيِّه جسداً ( فيه قولان :
أحدهما : معناه وجعلنا في ملكه جسداً ، والكرسي هو الملك .
الثاني : وألقينا على سرير ملكه جسداً .
وفي هذا الجسد أربعة أقاويل :
أحدها : أنه جسد سليمان مرض فكان جسده ملقى على كرسيه ، قاله ابن بحر .
الثاني : أنه ولد له ولد فخاف عليه فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة ، وفي الجمعة كالشهر وفي الشهر كالسنة ، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتاً ، قاله الشعبي .
الثالث : أنه أكثر من وطء جواريه طلباً للولد ، فولد له نصف إنسان ، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه ، حكاه النقاش .
الرابع : أن الله كان قد جعل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا أجنب أو ذهب للغائط خلعه من يده ودفعه إلى أوثق نسائه حتى يعود فيأخذه ، فدفعه مرة إلى بعض نسائه وذهب لحاجته فجاء شيطان فتصور لها في صورة سليمان فطلب الخاتم منها فأعطته إياه ، وجاء سليمان بعده فطلبه ، فقالت قد أخذته فأحس سليمان . واختلف في اسم امرأته هذه على قولين :

صفحة رقم 97
أحدهما : جرادة ، قاله ابن عباس وابن جبير .
الثاني : الأمينة ، قاله شهر بن حوشب .
وقال سعيد بن المسيب : كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته . وقال مجاهد : بل أخذه الشيطان من يده لأن سليمان سأل الشيطان كيف تضل الناس ؟ فقال الشيطان : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه ، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان متشبهاً بصورته داخلاً على نسائه ، يقضي بغير الحق ويأمر بغير صواب . واختلف في إصابته النساء ، فحكي عن ابن عباس : أنه كان يأتيهن في حيضهن . وقال مجاهد : منع من إتيانهن ، وزال عن سليمان ملكه فخرج هارباً إلى ساحل البحر يتضيف الناس ويحمل سموك الصيادين بالأجرة ، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه ، فجلس الشيطان على سريره ، وهو معنى قوله تعالى وألقينا على كرسيه جسداً .
واختلف في اسم هذا الشيطان على أربعة أقاويل :
أحدها : أن اسمه صخر ، قاله ابن عباس .
الثاني : آصف ، قاله مجاهد .
الثالث : حقيق ، قاله السدي .
الرابع : سيد ، قاله قتادة .
ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد قيل إنه استطعمها ، وقال ابن عباس أخذها أجراً في حمل حوت حمله ، فلما شق بطنه وجد خاتمه فيها ، وذكل بعد أربعين يوماً من زوال ملكه عنه ، وهي عدة الأيام التي عُبد الصنم في داره . قاله مقاتل وملك أربعين سنة ، عشرين سنة قبل الفتنة وعشرين بعدها . وكانت الأربعون يوماً التي خرج فيها عن ملكه ذا القعدة وعشراً من ذي الحجة ، فسجد الناس له حين عاد الخاتم إليه وصار إلى ملكه .

صفحة رقم 98
وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعاً لله .
قال ابن عباس : ثم إن سليمان ظفر بالشيطان فجعله في تخت من رخام وشده بالنحاس وألقاه في البحر . فهذا تفسير قوله تعالى ) وألقينا على كرسيه جسداً ( .
) ثم أناب ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ثم رجع إلى ملكه ، قاله الضحاك .
الثاني : ثم أناب من ذنبه ، قاله قتادة .
الثالث : ثم برأ من مرضه ، قاله ابن بحر .
قوله عز وجل : ) قال ربِّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ( فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ليكون ذلك معجزاً له يعلم به الرضا ويستدل به على قبول التوبة .
الثاني : ليقوى به على من عصاه من الجن ، فسخرت له الريح حينئذٍ .
الثالث : لا ينبغي لأحد من بعدي في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه ، قاله الحسن . ) إنك أنت الوهاب ( أي المعطي ، قال مقاتل : سأل الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلى ، وقال الكلبي حكم سليمان في الحرث وهو ابن إحدى عشرة سنة ، وملك وهو ابن اثنتي عشرة سنة .
قوله عز وجل : ) فسخرنا له الريح ( أي ذللناها لطاعته .
) تجري بأمره ( يحتمل وجهين :
أحدهما : تحمل ما يأمرها .
الثاني : تجري إلى حيث يأمرها .

صفحة رقم 99
) رخاء ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : طيبة ، قاله مجاهد .
الثاني : سريعة ، قاله قتادة .
الثالث : مطيعة ، قاله الضحاك .
الرابع : لينة ، قاله ابن زيد .
الخامس : ليست بالعاصفة المؤذية ولا بالضعيفة المقصرة ، قاله الحسن .
) حيث أصاب ( فيه وجهان :
أحدهما : حيث أراد ، قاله مجاهد وقال قتادة : هو بلسان هجر . قال الأصمعي : العرب تقول أصاب الصواب فأخطأ الجواب ، أي أراد الصواب .
الثاني : حيث ما قصد مأخوذ من إصابة السهم الغرض المقصود .
قوله عز وجل : ) والشياطين كلَّ بناءٍ وغواص ( يعني سخرنا له الشياطين كل بناء يعني في البر ، وغواص يعني في البحر على حليّه وجواهره .
) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في السلاسل : قاله قتادة .
الثاني : في الأغلال ، قاله السدي .
الثالث : في الوثاق ، قاله ابن عيسى ، قال الشاعر :
فآبُوا بالنهابِ وبالسبايا
وأبنا بالملوك مُصَفّدينا
قال يحيى بن سلام : ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفرهم ، فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم . ووجد على سور مدينة سليمان عليه السلام :
لو أن حيّاً ينال الخُلد في مهل
لنال ذاك سليمان بن داوِد
سالت له العين عين القطر فائضة
فيه ومنه عطاءٌ غير موصود
لم يبق من بعدها في الملك مرتقياً
حتى تضمن رمْساً بعد أخدود
هذا التعْلَم أنّ الملك منقطع
إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود

صفحة رقم 100
قوله عز وجل : ) هذا عطاؤنا . . . ( في المشار إليه بهذا ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين .
فعلى هذا في قوله ) فامنن أو أمسك بغير حساب ( وجهان :
أحدهما : امنن على من شئت من الجن بإطلاقه ، أو امسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم ، قاله قتادة والسدي .
الثاني : اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم .
) بغير حساب ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى .
الثاني : بغير حرج ، قاله مجاهد .
الثالث : بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة ، قاله سعيد بن جبير .
قال الحسن : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول : ) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ) هذا عطاؤنا ( الآية . قال سليمان عليه السلام : أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة ، والقصد في الغنى والفقر ، وكلمة الحق في الرضا والغضب . والقول الثاني : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك ، فعلى هذا في قوله فامنن أو أمسك وجهان :
أحدهما : بغير جزاء .
الثاني : بغير قلة .
والقول الثالث : إن هذا إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ما حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأته وسبعمائة سرية فقال الله تعالى

صفحة رقم 101
) هذا عطاؤنا ( يعني الذي أعطيناك من القوة على النكاح ) فامنن ( بجماع من تشاء من نسائِك ) أو أمسك ( عن جماع من تشاء من نسائِك . فعلى هذا في قوله بغير حساب وجهان :
أحدهما : بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو عزلت .
الثاني : بغير عدد محصور فيمن استبحت أو نكحت . وهذا القول عدول من الظاهر إلى ادعاء مضمر بغير دليل لكن قيل فذكرته .
( ص : ( 41 - 44 ) واذكر عبدنا أيوب . . . . .
" واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب " ( قوله عز وجل : ) واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصبٍ وعذابٍ ( قيل هو أيوب بن حوص بن روعويل وكان في زمن يعقوب بن إسحاق ، وتزوج بنته إليا بنت يعقوب وكانت أمّه بنت لوط عليه السلام ، وكان أبوه حوص ممن آمن بإبراهيم عليه السلام .
وفي قوله ) مسني الشيطان ( وجهان :
أحدهما : أن مس الشيطان وسوسته وتذكيره بما كان فيه من نعمة وما صار إليه من محنة ، حكاه ابن عيسى .
الثاني : الشيطان استأذن الله تعالى أن يسلطه على ماله فسلطه ، ثم أهله وداره فسلطه ، ثم جسده فسلطه ، ثم على قلبه فلم يسلطه ، قال ابن عباس فهو قوله : ) مسني الشيطان ( الآية .
) بنصب وعذاب ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني بالنصب الألم وبالعذاب السقم ، قاله مبشر بن عبيد .
الثاني : النصب في جسده ، والعذاب في ماله ، قاله السدي .
الثالث : أن النصب العناء ، والعذاب البلاء .

صفحة رقم 102
قوله عز وجل : ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشرابٌ ( قال قتادة هما عينان بأرض الشام في أرض يقال لها الجابية . وفيهما قولان :
أحدهما : أنه اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه ، قاله الحسن .
الثاني : أنه اغتسل من إحداهما فبرىء ، وشرب من الأخرى فروي ، قاله قتادة .
وفي المغتسل وجهان :
أحدهما : أنه كان الموضع الذي يغتسل منه ، قاله مقاتل .
الثاني : أنه الماء الذي يغتسل به ، قاله ابن قتيبة .
وفي مدة مرضه قولان :
أحدهما : سبع سنين وسبعة أشهر ، قاله ابن عباس .
الثاني : ثماني عشرة سنة رواه أنس مرفوعاً .
قوله عز وجل : ) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم ( وفيما أصابهم ثلاثة أقويل :
أحدها : أنهم كانوا مرضى فشفاهم الله .
الثاني : أنهم غابوا عنه فردهم الله عليه ، وهذا القولان حكاهما ابن بحر .
الثالث : وهو ما عليه الجمهور أنهم كانوا قد ماتوا .
فعلى هذا في هبتهم له ومثلهم معهم خمسة أقاويل :
أحدها : أن الله تعالى رد عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم ، لأنه تعالى أماتهم قبل آجالهم ابتلاء ووهب له من أولادهم مثلهم ، قاله الحسن .
الثاني : أن الله سبحانه ردهم عليه بأعيانهم ووهب له مثلهم من غيرهم قاله ابن عباس .
الثالث : أنه رد عليه ثوابهم في الجنة ووهب له مثلهم في الدنيا ، قاله السدي .
الرابع : أنه رد عليه أهله في الجنة ، وأصاب امرأته فجاءته بمثلهم في الدنيا .
الخامس : أنه لم يرد عليه منهم بعد موتهم أحداً وكانوا ثلاثة عشرا ابناً فوهب الله

صفحة رقم 103
تعالى له من زوجته التي هي أم من مات مثلهم فولدت ستة وعشرين ابناً ، قاله الضحاك .
) رحمة منا ( أي نعمة منا .
) وذكرَى لأولي الألباب ( أي عبرة لذوي العقول .
قوله عز وجل : ) وخُذْ بيدك ضِغْثاً فاضرب له ولا تحنثْ ( كان أيوب قد حلف في مرضه على زوجته أن يضربها مائة جلدة . وفي سبب ذلك ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما قاله ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب ، فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت نعم ، فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها .
الثاني : ما حكاه سعيد بن المسيب أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه به من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها .
الثالث : ما حكاه يحيى بن سلام أن الشيطان أغواها على أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برىء أيوب وعلم الله تعالى بإيمان امرأته أمره رفقاً بها وبراً له يأخذ بيده ضغثاً .
وفيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه أشكال النخل الجامع لشماريخه ، قاله ابن عباس .
الثاني : الأثل ، حكاه مجاهد وقاله مجاهد .
الثالث : السنبل ، حكاه يحيى بن سلام .
الرابع : الثمام اليابس ، قاله سعيد بن المسيب .
الخامس : الشجر الرطب ، قاله الأخفش .
السادس : الحزمة من الحشيش ، قاله قطرب وأنشد قول الكميت :
تحيد شِماساً إذا ما العسيفُ
بضِغثِ الخلاء إليها أشارا
السابع : أنه ملء الكف من القش أو الحشيش أو الشماريخ ، قاله أبوعبيدة .

صفحة رقم 104
) فاضرب ( فاضرب بعدد ما حلفت عليه وهو أن يجمع مائة من عدد الضغث فيضربها به في دفعة يعلم فيها وصول جميعها إلى بدنها فيقوم ذلك فيها مقام مائة جلدة مفردة .
) ولا تحنث ( يعني في اليمين وفيه قولان :
أحدهما : أن ذلك لأيوب خاصة ، قاله مجاهد .
الثاني : عام في أيوب وغيره من هذه الأمة ، قاله قتادة . والذي نقوله في ذلك مذهباً : إن كان هذا في حد الله تعالى جاز في المعذور بمرض أو زمانة ولم يجز في غيره ، وإن كان في يمين جاز في المعذور وغيره إذا اقترن به ألم المضروب ، فإن تجرد عن ألم ففي بره وجهان :
أحدهما : يبر لوجود العدد المحلوف عليه .
الثاني : لا يبر لعدم المقصود من الألم .
) إنا وجدناه صابراً ( يحتمل وجهين :
أحدهما : على الطاعة .
الثاني : على البلاء .
) نِعم العبد ( يعني نعم العبد في صبره .
) إنه أوّاب ( إلى ربه .
وفي بلائه قولان :
أحدهما : أنه بلوى اختبار ودرجة ثواب من غير ذنب عوقب عليه .
الثاني : أنه بذنب عوقب عليه بهذه البلوى وفيه قولان :
أحدهما : أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكراً فسكت عنه .
الثاني : أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه .
( ص : ( 45 - 48 ) واذكر عبادنا إبراهيم . . . . .
" واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار " (

صفحة رقم 105
قوله عز وجل : ) واذكُرْ عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن الأيدي القوة على العبادة ، والأبصار الفقه في الدين ، قاله ابن عباس .
الثاني : أن الأيدي القوة في أمر الله ، والأبصار العلم بكتاب الله ، قاله قتادة .
الثالث : أن الأيدي النعمة رواه الضحاك ، والأبصار العقول ، قاله مجاهد .
الرابع : الأيدي القوة في أبدانهم ، والأبصار القوة في أديانهم ، قاله عطية .
الخامس : أن الأيدي العمل والأبصار العلم ، قاله ابن بحر .
قال مقاتل : ذكر الله إبراهيم واسحاق ويعقوب ولم يذكر معهم إسماعيل لأن إبراهيم صبر على إلقائه في النار ، وصبر إسحاق على الذبح ، وصبر يعقوب على ذهاب بصره ولم يبتل إسماعيل ببلوى .
قوله عز وجل : ) إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدار ( فيه خمسة أوجه :
أحدها : نزع الله ما في قلوبهم من الدنيا وذكرها ، وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها ، قاله مالك بن دينار .
الثاني : اصطفيناهم لأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم ، قاله ابن زياد .
الثالث : أخلصناهم بخالصة الكتب المنزلة التي فيها ذكرى الدار الآخرة ، وهذا قول مأثور .
الرابع : أخلصناهم بالنبوة وذكرى الدار الآخرة ، قاله مقاتل .
الخامس : أخلصناهم من العاهات والآفات وجعلناهم ذاكرين الدار الآخرة ، حكاه النقاش .
( ص : ( 49 - 54 ) هذا ذكر وإن . . . . .
" هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب وعندهم قاصرات الطرف أتراب هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " (

صفحة رقم 106
قوله عز وجل : ) وعندهم قاصرات الطرف أتراب ( يعني قاصرات الطرف على أزواجهم .
) أتراب ( فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أقران ، قاله عطية .
الثاني : أمثال ، قاله مجاهد .
الثالث : متآخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ، حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم .
الرابع : مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين قاله يحيى بن سلام .
الخامس : أتراب أزواجهن بأن خلقهن على مقاديرهم ، وقال ابن عيسى : الترب اللدة وهو مأخوذ من اللعب بالتراب .
( ص : ( 55 - 64 ) هذا وإن للطاغين . . . . .
" هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " ( قوله عز وجل : ) هذا فليذوقوه حميمٌ وغساق ( أي منه حميم ومنه غساق والحميم الحار ، وفي الغساق ستة أوجه :
أحدها : أنه البارد الزمهرير ، قاله ابن عباس فكأنهم عذبوا بحارّ التراب وبارده .
الثاني : أنه القيح الذي يسيل من جلودهم ، قاله عطية .
الثالث : أنه دموعهم التي تسيل من أعينهم ، قاله قتادة .
الرابع : أنها عين في جهنم تسيل إليها حِمة كل ذي حِمة من حية أو عقرب ، قاله كعب الأحبار .

صفحة رقم 107
الخامس : أنه المنتن ، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً .
السادس : أنه السواد والظلمة وهو ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته ، قاله ابن بحر .
وفي هذا الاسم وجهان :
أحدهما : حكاه النقاش أنه بلغة الترك .
الثاني : حكاه ابن بحر وابن عيسى أنه عربي مشتق واختلف في اشتقاقه على وجهين :
أحدهما : من الغسق وهو الظمة ، قاله ابن بحر .
الثاني : من غسقت القرحة تغسق غسقاً . إذا جرت ، وأنشد قطرب قول الشاعر :
فالعين مطروقة لبينهم
تغسق في غربة سرها
وإليه ذهب ابن عيسى .
وفي ) غساق ( قراءتان بالتخفيف والتشديد وفيها وجهان :
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد ، قاله الأخفش .
الثاني : معناهما مختلف والمراد بالتخفيف الاسم وبالتشديد الفعل وقيل إن في الكلام تقديماً وتأخيراً ، وتقديره : هذا حميم وهذا غساق فليذوقوه .
قوله عز وجل : ) وآخر مِنْ شكله أزواج ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : وآخر من شكل العذاب أنواع ، قاله السدي .
الثاني : وآخر من شكل عذاب الدنيا أنواع في الآخرة لم تر في الدنيا ، قاله الحسن .
الثالث : أنه الزمهرير ، قاله بن مسعود .
وفي الأزواج هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : أنواع .
الثاني : ألوان .
الثالث : مجموعة .

صفحة رقم 108
قوله عز وجل : ) هذا فوج مقتحم معكم . . . ( فوج بعد فوج أي قوم بعد قوم ، مقتحمون النار أي يدخلونها . وفي الفوج قولان :
أحدهما : أنهم بنو إبليس .
والثاني : بنو آدم ، قاله الحسن .
والقول الثاني : أن كلا الفوجين بنو آدم إلى أن الأول الرؤساء والثاني الأتباع . وحكىالنقاش أن الفوج الأول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر ، والفوج الثاني أتباعهم ببدر .
وفي القائل ) هذا فوجٌ مقتحم معكم ( قولان :
أحدهما : الملائكة قالوا لبني إبليس لما تقدموا في النار هذا فوج مقتحم معكم إشارة لبني آدم حين دخلوها . قال بنو إبليس ) لا مرحَباً بهم إنهم صالوا النار قالوا ( أي بنو آدم : ) بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ( .
والقول الثاني : أن الله قال للفوج الأول حين أمر بدخول الفوج الثاني : ) هذا فوج مقتحم معكم ( فأجابوه ) لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار ( فأجابهم الفوج الثاني ) بل أنتم مرحباً بكم أنتم قدمتموه لنا ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معناه أنتم شرعتموه لنا وجعلتم لنا إليه قدماً ، قاله الكلبي .
الثاني : قدمتم لنا هذا العذاب بما أضللتمونا عن الهدى ) فبئس القرار ( أي بئس الدار النار ، قاله الضحاك .
الثالث : أنتم قدمتم لنا الكفر الذي استوجبنا به هذا العذاب في النار ، حكاه ابن زياد . ) قالوا ربنا من قدم لنا هذا ( الآية . يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه قاله الفوج الأول جواباً للفوج الثاني .
الثاني : قاله الفوج تبعاً لكلامهم الأول تحقيقاً لقولهم عند التكذيب .
وفي تأويل ) من قدم لنا هذا ( وجهان :
أحدهما : من سنه وشرعه ، قاله الكلبي .
الثاني : من زينه ، قاله مقاتل . والمرحب والرحب : السعة ومنه سميت الرحبة

صفحة رقم 109
لسعتها ومعناه لا اتسعت لكم أماكنكم ؛ وأنشد الأخفش قول أبي الأسود .
اذا جئت بوّاباً له قال مرحباً
ألا مَرْحباً واديك غير مضيق
قوله عز وجل : ) وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً . . . ( الآية . قال مجاهد هذا يقوله أبو جهل وأشياعه في النار : ما لنا لا نرى رجلاً كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار لا نرى عماراً وخباباً وصهيباً وبلالاً .
) أتخذناهم سخرياً ( قال مجاهد اتخذناهم سخرياً في الدنيا فأخطأنا .
) أم زاغت عنهم الأبصار ( فلم نعلم مكانهم . قال الحسن : كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم . وقال أبو عبيدة من كسر ) سخرياً ( جعله من الهزء ، ومن ضمه جعله من التسخير ) أم زاغت عنهم الأبصار ( يعني أهم معنا في النار أم زاغت أبصارنا فلا نراهم وإن كانوا معنا .
( ص : ( 65 - 70 ) قل إنما أنا . . . . .
" قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين " ( قوله عز وجل : ) قُلْ هو نبأ عظيم ( فيه قولان :
أحدهما : أنه القيامة لأن الله تعالى قد أنبأنا بها في كتبه .
والقول الثاني : هو القرآن ، قاله مجاهد والضحاك والسدي .
) أنتم عنه معرضون ( قال الضحاك أنتم به مكذبون . قال السدي : يريد به المشركين .
وفي تسميته نبأ وجهان :
أحدهما : لأن الله أنبأ به فعرفناه .
الثاني : لأن فيه أنباء الأولين .
وفي وصفه بأنه عظيم وجهان :
أحدهما : لعظم قدره وكثرة منفعته .

صفحة رقم 110
الثاني : لعظيم ما تضمنه من الزواجر والأوامر .
قوله عز وجل : ) ما كان لي من عِلم بالملإِ الأعلى ( قال ابن عباس يعني الملائكة .
) إذ يختصمون ( فيه وجهان :
أحدهما : في قوله تعالى للملائكة : ) إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها ( الآية . فهذه الخصومة ، قاله ابن عباس .
الثاني : ما رواه أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( سألني ربي فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ قلت في الكفارات والدرجات ، قال وما الكفارات ؟ قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات ، وإسباغ الوضوء في السبرات ، والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات بعد الصلوات . قال وما الدرجات ؟ قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بليل والناس نيام ) . ( ص : ( 71 - 88 ) إذ قال ربك . . . . .
" إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني

صفحة رقم 111
إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين " ( قوله عز وجل : ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خَلَقْتُ بيديَّ ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بقوتي ، قاله علي بن عاصم .
الثاني : بقدرتي ، ومنه قول الشاعر :
تحملت من عفراء ، ما ليس لي به
ولا للجبال الراسيات يدان
الثالث : لما توليت خلقه بنفسي ، قاله ابن عيسى .
) أستكبرت ( أي عن الطاعة أم تعاليت عن السجود ؟
قوله عز وجل : ) قال فالحق والحق أقول ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنا الحق ، وأقول الحق ، قاله مجاهد .
الثاني : الحق مني والحق قولي ، رواه الحكم .

صفحة رقم 112
الثالث : معناه حقاً لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين ، قاله الحسن .
قوله عز وجل : ) قل ما أسألكم عليه من أجْر ( فيه وجهان :
أحدهما : قل يا محمد للمشركين ما أسألكم على ما أدعوكم إليه من طاعة الله أجراً قاله ابن عباس .
الثاني : ما أسألكم على ما جئتكم به من القرآن أجراً ، قاله عطاء .
) وما أنا من المتكلفين ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وما أنا من المتكلفين لهذا القرآن من تلقاء نفسي .
الثاني : وما أنا من المتكلفين لأن آمركم بما لم أؤمر به .
الثالث : وما أنا بالذي أكلفكم الأجر وهو معنى قول مقاتل .
قوله عز وجل : ) ولتعلَمُنَّ نبأه بَعْد حين ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : نبأ القرآن أنه حق .
الثاني : نبأ محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه رسول .
الثالث : نبأ الوعيد أنه صدق .
) بعد حين ( فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : بعد الموت ، قاله قتادة . وقال الحسن : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين .
الثاني : يوم بدر ، قاله السدي .
الثالث : يوم القيامة ، قاله ابن زيد وعكرمة ، والله أعلم .

صفحة رقم 113
سورة الزمر
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، وقال ابن عباس إلا آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما ) الله نزل أحسن الحديث ( ، والأخرى ) قل يا عبادي الذين أسرفوا ( الآية وقال آخرون إلا سبع آيات من قوله تعالى ) قل يا عبادي الذين أسرفوا ( إلى آخر السبع .
بسم الله الرحمن الرحيم
( الزمر : ( 1 - 4 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " ( قوله عز وجل : ) تنزيل الكتاب ( والكتاب هو القرآن سمي بذلك لأنه مكتوب .
) من الله العزيز الحكيم ( فيه وجهان :
أحدهما : العزيز في ملكه الحكيم في أمره .
الثاني : العزيز في نقمته الحكيم في عدله . قوله عز وجل : ) فاعبد الله مخلصاً له الدين ( فيه وجهان :

صفحة رقم 114
أحدهما : أنه الإخلاص بالتوحيد ، قاله السدي .
الثاني : إخلاص النية لوجهه ، وفي قوله ) له الدين ( وجهان :
أحدهما : له الطاعة ، قاله ابن بحر .
الثاني : العبادة .
) ألا لله الدين الخالص ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : شهادة أن لا إله إلا الله ، قاله قتادة .
الثاني : الإسلام ، قاله الحسن .
الثالث : ما لا رياء فيه من الطاعات .
) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( يعني آلهة يعبدونها .
) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( قال كفار قريش هذه لأوثانهم وقال من قبلهم ذلك لمن عبدوه من الملائكة وعزير وعيسى ، أي عبادتنا لهم ليقربونا إلى الله زلفى ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الزلفى الشفاعة في هذا الموضع ، قاله قتادة .
الثاني : أنها المنزلة ، قاله السدي .
الثالث : أنها القرب ، قاله ابن زيد .
( الزمر : ( 5 - 6 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
" خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون " ( قوله عز وجل : ) يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل ( فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يحمل الليل على النهار ، ويحمل النهار على الليل ، قاله ابن عباس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة الكتب وورد

    ·          كتب علوم الحديث العلل الصغير للترمذي الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ألفية العراقي في علوم الحديث الإلماع إل...