8803 الكل و8743. الصحيح و160. الضعيف احصاء الذهبي وابن الجوزي لاحاديث المستدرك للحاكم

تعريف المستدركات وبيان كم حال أحاديث  مستدرك الحاكم النيسابوري إذ كل الضعيف160.حديثا وقد احصاها الذهبي فقال 100 حديث وذكر ابن الجوزي في الضعفاء له 60 حديثا أُخر فيكون  كل الضعيف في كل المستدرك 160 حديثا من مجموع 8803=الباقي الصحيح =8743.فهذه قيمة رائعة لمستدرك الحاكم

الحاكم النيسابوري جبل الحفظ ومصطلح الحديث

الاثنين، 22 أغسطس 2022

ج3.وج4.بغية الطلب في تاريخ حلب المؤلف : ابن العديم

 

3.  بغية الطلب في تاريخ حلب
المؤلف : ابن العديم

حدث بها عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي، وسمع منه بحلب القاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الصمد الطرسوسي، والحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي، وروى لنا عنه عمي أبو غانم مجمد بن هبة الله بن أبي جرادة، والشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله علوان الأسدي وولده القاضي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الطرسوسي الحلبي.
وذكر لي بعض الحلبيين أنه كان ينوب في كتابة الإنشاء في زمن نور الدين محمود بن زنكي في سنة أربعين وخمسمائة إلى أن توفي نور الدين.
وسمعت أبا الفضل هبة الله بن عبد القاهر بن الموصول يقول: كان أبو سالم بن الموصول مقداماً في الأمور، جسوراً على ما يفعله، وكان سني المذهب.
أخبرنا عمي أو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة، قراءة عليه بحلب، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الصمد بن الطرسوسي الحلبي بها قالا: أخبرنا أمين الدولة أبو سالم أحمد بن عبد القاهر بن أحمد بن الموصول - بقراءة الحافظ عبد القادر الرهاوي عليه ونحن نسمع - قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن اسماعيل بن أحمد بن الجلي الحلبي قال: أخبرنا أبو عبيد الله بن عبد السلام بن عبد الواحد القطبي قال: أخبرنا أبو بكر السبيعي قال: أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن بن مستفاض الفيريابي القاضي ببغداد قال: حدثنا أبو جعفر العقيلي قال: حدثنا كثير بن مروان المقدسي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عقبة بن وشاح عن عمران بن مصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يشار إليه بالأصابع قالوا يا رسول الله وإن كان خيرا؟ قال: وإن كان خيراً فهي مزلة إلا من رحم الله وإن كان شراً فهو شر.
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي وولده أبو عبد الله القاضي - بقراءتي عليهما بحلب منفردين - قالا: أخبرنا أمين الدولة أبو سالم أحمد بن عبد القاهر بن أحمد بن الموصول قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن اسماعيل بن أحمد الحلبي قال: أخبرنا عبد الرزاق بن أبي نمير العابد الأسدي قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن صالح قال: أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن أحمد بن يوسف الأودي الصيرفي الكوفي ابن كارد بالكوفة قال: حدثنا محمد بن حفص بن راشد أبو جعفر قال: حدثنا الحارث بن عمران عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يطوف بالبيت وهو يقول: اللهم اغفر لي ولأخي فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قلت؟ قال: يا رسول الله إن أخاً لي استودعني أن أدعو له في هذا المكان، فقال له رسول الله: قد غفر لك ولأخيك.
قرأت بخط بعض الحلبيين: لأمين الدولة أبي سالم بن الموصول، قال: وكتب بهذه الأبيات إلى قاضي الحكم بحلب يتضور من عمة، وكان اغتصب أكثر أملاكه.
يا حاكم الشرع إنّي أستغيث إلى ... حكم الشريعة تحكيما عليّ ولي
وإني واثقٌ من حسن رأيك لي ... أن لا يسوّغ ظلمي من عليّ ولي
سير إلي الشريف جمال الدين أبو المحاسن عبد الله بن محمد بن عبد الله الهاشمي بيتين من شعر أبي سالم أحمد بن عبد القاهر بن الموصول، وذكر أنه نقلها من خط والده أبي حامد محمد بن عبد الله
أشكو إليك زماناً ... قد ضاع فيه الصواب
يضمّني فيه قومٌ ... حاشى الكلاب كلاب
أنشدني الأمير بدران بين جناح الدولة حسين بن مالك بن سالم العقيلي الحلبي لجده لأمة أمين الدولة أبي سالم بن الموصول يهجو رجلاً من أهل حلب يلقب بالعفيف.
أعلن الدين مستغيثاً ينادي ... خلصوني وقعت وسط الكنيف
لعن اللّه دولةً أصبح الجامو ... س فيها ملقّباً بالعفيف
قال لي بدران بن حسين بن مالك: توفي جدي لأمي أبو سالم بن الموصول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وذكر غيره وفاته كانت سنة سبعين وخمسمائة، والله أعلم.
من اسم أبيه عبد الكريم من الأحمدين
أحمد بن عبد الكريم بن يعقوب الأنطاكي الحلبي:

أبو بكر المؤدب، معلم أبي عدنان، سمع بحلب أبا الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله الرافقي، وأبا عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي الأذني، وأبا حفص عمر بن سليمان الشرابي في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وحدث عنهم، وعن المنقري، روى عنه أبو المعمر المسدد بن علي الأملوكي الحمصي.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن عبد الله، قاضي اليمن، ومكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي، أبو الفضل، بحلب، وأبو عبد الله محمد ابن غسان بن غافل الأنصاري بدمشق قالوا: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن جعفر الحرستاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد قال: أخبرنا أبو المعمر المسدد بن علي الأملوكي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الكريم الحلبي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الرافقي قال: أخبرنا الفضل بن العباس بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا أبو معاوية عن اسماعيل بن مسلم عن حميد بن هلال عن أبي قتادة العدوي قال: أذن بلال بليل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصعد فينادي: إن العبد نام، قال: فصعد بلال وهو يقول: ليت بلالاً لم تلده أمه، وابتل من نضح دم جبينه، فصعد فنادى: إن العبد نام، فلما طلع الفجر أعاد الأذان.
حدث أبو بكر أحمد بن عبد الكريم بحمص في محرم سنة ثمان وستين وثلاثمائة، فقد توفي بعد ذلك.
أحمد بن عبد الكريم الأنطاكي:
روى عن ابن قتيبة، روى عنه أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني.
أحمد بن عبد اللطيف المعري:
شاعر كان بمعرة النعمان، ظفرت له بقطعة يرثى بها أبا صالح محمد بن المهذب، وأخشى أن يكون هو أحمد بن علي بن محمد بن عبد اللطيف بن زريق الآتي ذكره، وقد أسقط ذكر أبيه وحده، ونسبة إلى جده الأعلى، فإن بني زريق يعرفون ببني عبد اللطيف، فإن كان هو وإلا فهذا غيره، والأبيات مذكورة في مراثي بني المهذب، ووفاة أبي صالح كانت في سنة خمس وستين وأربعمائة، وهي:
أبني المهذب وجدكم وجدي به ... ومصابكم هذا الجليل مصابي
بي ما بكم من لوعةٍ لفراقه ... ولو استزدت لكنت غير محاب
يا وحشة الدنيا ووحشة أهلها ... لفراق هذا الصّالح الأوّاب
ماذا أعدّد من جميل جلاله ... ويسيرها يربي على إطنابي
أنا إن غدوت مقصّراً أو مقصراً ... فلما بقلبي منه من أوصاب
أبني عليّ بن المهذّب أصبحت ... موصولة بحبالكم أسبابي
فبما تأكّد من صفاء ودادنا ... ووشائج الأسباب والأنساب
كونوا لعذري باسطين فإنّه ... قصر الغرام إطالة الإسهاب
أحمد بن عبد المجيد بن اسماعيل بن محمد القيسي الحنفي:
قاضي ملطية، فقيه مذكور، أخذ الفقه عن والده أبي سعد عبد المجيد الحنفي، قاضي بلاد الروم، وسنذكر أباه إن شاء الله تعالى في بابه.
ذكر من اسم أبيه عبد الملك من الأحمدين
أحمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس:
أبو العباس بن أبي عبد الرحمن الهاشمي، كان بمنبج مع أبيه، وله ذكر في بني صالح.
قرأت في كتاب نسب بني صالح بن علي بخط القاضي أبي طاهر الحلبي الهاشمي قال: وكان أحمد بن عبد الملك عالماً بالطب والفلسفة، قد قرأ الكتب وطلبها، ولقي أهل المعرفة بهذا الفن وأخذ عنهم فكان يعد العلاجات والأدوية والأشربة التي لا توجد عند أحد إلا عنده ويعطيها في السبيل.
أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد بن عبد الصمد بن بكر المؤذن الحافظ:

أبو صالح النيسابوري، سمع بمنبج أبا علي الحسن بن الأشعث المنبجي، وبدمشق أبا القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز، وأبا عبد الله الحسين بن محمد ابن أحمد الحلبيين، ومسدد بن علي الأملوكي، ورشاء بن نظيف بن ما شاء الله، وبالموصل أبا الفرج محمد بن إدريس بن محمد وأخاه هبة الله بن إدريس، وبجرجان أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي، وبأصبهان أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وعبد الله بن يوسف بن باموية الأصبهانيين، وأبا بكر بن أبي علي وبهمذان أبا طالب علي بن الحسين الحسني، وببغداد أبا القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران، وأبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، وسمع أبا عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، وأبا نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري، وأبا الحسين محمد بن الحسين الحسيني العلوي، وأبا طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، وأبا زكريا يحيى ابن إبراهيم المزكى، وأبا بكر محمد بن زهير بن أخطل النسوي، وأبا سعيد محمد ابن موسى الصيرفي، وأبا سعد عبد الرحمن بن حمدان بن محمد الشاهد، وأبا عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وأبا الحسن علي بن محمد بن السقا، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبا بكر محمد بن الحسن بن فورك وجماعة غيرهم.
روى عنه ابنه أبو سعد اسماعيل بن أحمد، وأبو بكر الخطيب البغدادي، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وأبو القاسم زاهر، وأبو بكر وجيه ابنا طاهر بن محمد الشحاميان، وأبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن وابن أخيه أبو الأسعد هبة الرحمن بن أبي سعيد القشيريان، وأبو سعيد اسماعيل بن أبي القاسم الفوسنجي، وأبو علي الحسن ابن عمر بن أبي بكر الطوسي البياع وأبو القاسم عبد الكريم بن الحسين بن أحمد الصفار البسطامي، وأبو الحسن طريف بن محمد بن عبد العزيز الحيري، وعبد الغافر بن اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، وأبو الوفاء علي بن زيد بن شهريار، ومر بحلب مجتازا.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي - وهذا أول حديث سمعناه منه في مشيخته - قال: أخبرنا أبو محمد عبد الواحد بن عبد الماجد ابن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري - وهذا أول حديث سمعناه منه بجامع حلب في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من شهر الله الأصم رجب من سنة ست وخمسين وخمسمائة - قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي - وهذا أول حديث سمعته منه بقراءتي عليه، وأول حديث كتبته عنه.
وحدثنا عمر بن بدر بن سعيد الموصلي من لفظه وحفظه - وهو أول حديث سمعته منه قال: حدثنا أبو الغنائم شيرويه بن شهردار بن شيرويه الكيا الديلمي - وهو أول حديث سمعته من لفظه وحفظه بهمذان - قال: حدثنا أبو القاسم زاهر ابن طاهر بن محمد الشحامي - وهو أول حديث سمعته من لفظه وحفظه، قدم علينا همذان.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني الأموي من لفظه وحفظه - وهو أول حديث سمعناه منه - قال: أخبرنا أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن الأخوة البغدادي - وهو أول حديث سمعته منه - قال: حدثنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي - وهو أول حديث سمعته منه بأصبهان.
وحدثنا ابراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني - وهذا أول حديث سمعته من لفظه - قال: حدثنا أبو الفتوح محمد بن الجنيد الأصبهاني من لفظه بأصبهان - وهذا أول حديث سمعته منه.
وأنبأنا به أبو الفتوح الأصبهاني - وهذا أول حديث كتبناه عن كتابه - قال: حدثنا زاهر بن طاهر بن محمد - وهذا أول حديث سمعته منه من حفظه من لفظه قال: حدثنا الشيخ أبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي المؤذن - وهذا أول حديث سمعته منه - قال: حدثنا الإمام أبو طاهر محمد بن محمد بن محمد بن محمش الزيادي - وهذا أول حديث سمعته منه في شهر ربيع الأول من سنة سبع وأربعمائة - قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز - وهذا أول حديث سمعته منه - قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي وهو أول حديث سمعته منه - قال: حدثنا سفيان بن عيينة - وهو أول حديث سمعته منه - عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

وأخبرنا أبو الحسن علي بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي المصري الخطيب الفقيه المعروف بابن الجميزي بحلب قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أبو الحسن ظريف بن محمد بن عبد العزيز النيسابوري ببغداد، وأبو الوفاء علي ابن زيد بن شهريار الزعفراني بأصبهان قالا: أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك ابن علي المؤذن بنيسابور قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال البزاز قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي قال: حدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
قال عبد الرحمن: هذا أول حديث سمعته من سفيان، قال أبو حامد: هذا أول حديث سمعته من عبد الرحمن، قال أبو طاهر، هذا أول حديث سمعته من أبي حامد، قال أبو صالح: هذا أول حديث سمعته من أبي طاهر، قال ظريف وعلي: هذا أول حديث سمعناه من أبي صالح، قال الحافظ أبو طاهر: وهذا أول حديث سمعته من ظريف ببغداد، ومن علي قبله بأصبهان، قال شيخنا أبو الحسن: وهذا أول حديث سمعناه من الحافظ السلفي، قلت: وهذا أول حديث سمعناه من أبي الحسن بن الجميزي.
أخبرنا الشريف أبو الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن عمروك البكري الصوفي - قراءة عليه بدمشق غير مرة - قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد ابن عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: أخبرنا الشيخ أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن سنة تسع وستين وأربعمائة قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو علي الحسين ابن داوود البلخي - املاء - قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل سوقا من أسواق المسلمين فقال: لا إله إلا الله وحده، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحي عنه ألف ألف سيئة، وبنى له قصرا في الجنة.
أخبرنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي - في كتابه إلينا من نيسابور - قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الرحمن القشيري قال: أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن الأشعت المنبجي - بها - قال: حدثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الحمصي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز ابن مروان الحلبي قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: إذا قال لك الرجل: لم أذكر حاجتك فاعلم أنه لم يعنى بها.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا عبد الكريم ابن أبي بكر - اجازة إن لم يكن سماعا - قال: أنشدنا خره شير بن محمد بن عبد العزيز السهروردي قال: أنشدنا عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي املاء بنيسابور قال: أنشدنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك الحافظ قال: أنشدنا الشريف أبو الحسن عمران بن موسى المغربي لنفسه:
جزيت وفائي منك غدراً وخنتني ... كذاك بدور التم شيمتها الغدر
وحاولت عند البدر والشمس سلوة ... فلم يسلني يا بدر شمس ولا بدر
وفي الصدر مني لوعة لو تصورت ... بصورة شخص ضاق عن حملها الصدر
أمنت اقتدار البين من بعد بينكم ... فما لفراق بعد فرقتكم قدر
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي - اجازة - قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن صرما عن أبي بكر الخطيب البغدادي قال: أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد بن عبد الصمد بن بكر، أبو صالح المؤذن النيسابوري، قدم علينا حاجا وهو شاب في حياة أبي القاسم بن بشران ثم عاد إلى نيسابور، وقدم علينا مرة ثانية في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، فكتب عني في ذلك الوقت وكتبت عنه في القدمتين جميعا، وكان يروي عن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفرائيني، ومحمد بن الحسين العلوي الحسني، وأبي طاهر الزيادي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني، وأبي عبد الرحمن السلمي، ومن بعدهم.

وقال لي: أول سماعي في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكنت إذ ذاك قد حفظت القرآن، ولي نحو من تسع سنين، وكان ثقة.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي - قراءة عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني - اجازة إن لم يكن سماعا قال: أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد بن عبد الصمد بن بكر المؤذن، أبو صالح، من أهل نيسابور، الأمين المتقن الثقة المحدث، الصوفي، نسيج وحده في طريقته وجمعه وافادته، وكان عليه الاعتماد في الودائع من كتب الحديث المجموعة في الخزائن الموروثة عن المشايخ، والموقوفة على أصحاب الحديث، وكان يصونها ويتعهد حفظها، ويتولى أوقاف المحدثين من الخبز والكاغد، وغير ذلك، ويقوم بتفرقتها عليهم، وايصالها إليهم، وكان يؤذن على منارة المدرسة البيهقية سنين احتسابا، ووعظ المسلمين وذكرهم الاذكار في الليالي، وكان في أكثر الأوقات قبل الصبح إذا صعد يكرر هذه الآية ويقول: أليس الصبح بقريب؟ وكان يأخذ صدقات الرؤساء والتجار ويوصلها إلى المستحقين والمستورين من ذوي الحاجات والأرامل واليتامى، ويقيم مجالس الحديث، وتقرأ عليه، وكان إذا فرغ يجمع ويصنف ويقيد، وكان حافظا ثقة، دينا خيرا، كثير السماع، واسع الرواية، جمع بين الحفظ والافادة والرحلة، وكتبى الكثير بخطه.
سمع أبا نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري، وأبا الحسين محمد بن الحسين الحسني العلوي، وأبا محمد عبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني، وأبا طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي، وأبا بكر أحمد بن الحسن الحيري، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وأبا عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وأبا زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، وأبا بكر محمد بن الحسن بن فورك، وأبا عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ البيع، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وبجرجان أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي، وبأصبهان أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وأبا القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران الواعظ، وجماعة كثيرة من مشايخ جرجان، والري، والعراق، والحجاز، والشام، كما تنطق به تصانيفه، وما تفرغ إلى عقد الإملاء لكثرة ما هو بصدده من الاشتغال والقراءة عليه.
روى لنا عنه: أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي، وأبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري، وأبو سعيد إسماعيل بن أبي القاسم الفوسنجي، وأبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي، وأبو علي الحسن بن عمر بن محمد الطوسي، وجماعة سواهم.
صنف التصانيف، وجمع الفوائد، وعمل التواريخ منها التاريخ لبلدنا مرو، ومسودته عندنا بخطه، وصحب جماعة من الشايخ الكبار مثل: أحمد بن نصر الطالقاني، وأبي الحسن الجرجاني، وأبي علي الدقاق، وأبي سعيد بن أبي الحسن، وأبي القاسم القشيري، وغيرهم من مشايخ العراق والشام، وكان حسن السيرة، مليح المعاشرة، حسن النقل والضبط.
وقال: كان مولد أبي صالح المؤذن في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
أنبأنا أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو القاسم علي ابن الحسن الحافظ الدمشقي قال: أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد بن عبد الصمد بن بكر، أبو صالح المؤذن الحافظ، سمع بدمشق أبا القاسم بن الطبيز، وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد الحلبي ومسدد بن علي الأملوكي، ورشاء بن نظيف، وبخراسان أبا نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري، وأبا محمد عبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبا طاهر محمد بن محمش، وأبا زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، وأبا بكر محمد بن زهير بن أخطل النسوي، وأبا عبد الرحمن السلمي، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا الحسن علي بن محمد بن السقاء، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وأبا القاسم بن بشران ببغداد، وغيرهم.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وحدثنا عنه ابنه أبو سعد إسماعيل ابن أبي صالح، وأبو القاسم زاهر، وأبو بكر وجيه ابنا طاهر بن محمد الشحاميان وأبو علي الحسن بن عمر بن أبي بكر الطوسي البياع، وأبو القاسم عبد الكريم بن الحسن بن أحمد الصفار البسطامي، وكان ثقة خياراً.

أنبأنا زين الأمناء أبو البركات بن محمد قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: وفيما كتب إلي أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر يخبرني قال: أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد بن عبد الصمد، الشيخ الحافظ أبو صالح المؤذن الأمين المتقن المحدث الصوفي، نسيج وحده في طريقته وجمعه وافادته، وما رأينا مثله، حفظ القرآن، وجمع الأحاديث، وسمع الكثير وصنف الأبواب والمشايخ وسعى في الخيرات، وصحب مشايخ الصوفية، وأذن سنين حسبةً، ولو ذهبت إلى شرح ما رأيته منه من هذه الأخبار لسودت أوراقاً جمة، ولد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وتوفي يوم الإثنين التاسع من شهر رمضان سنة سبعين وأربعمائة.
وذكره أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو بن مندة في تاريخ أصبهان وقال: أبو صالح المؤذن قدم أصبهان وسمع من أبي نعيم، وأبي بكر بن أبي علي ومن في وقتهما حافظ للحديث، رحل وكتب الكثير وسمع.
أخبرنا أبو هاشم بن الفضل عن أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: سمعت أبا القاسم زاهر بن طاهر الشحامي بنيسابور يقول: خرج أبو صالح المؤذن ألف حديث من ألف شيخ له.
وأخبرنا أبو هاشم عن أبي سعد السمعاني قال: قرأت بخط أبي جعفر محمد بن أبي علي الحافظ بهمذان: سمعت الشيخ الزكي أبا بكر بن أبي اسحق المزكي يقول: ما يقدر أحد يكذب في الحديث في هذه البلدة - يعني نيسابور - وأبو صالح المؤذن حي، لأنه كان يذب الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وقرأت بخط أبي جعفر أيضاً: سمعت الشيخ الإمام أبا المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني المروزي يقول: إذا دخلتم على أبي صالح المؤذن فادخلوا بالحرمة يغفر لكم بغير مهلة، فإنه نجم الزمان وشيخ وقته في هذا الأوان.
قال: وقرأت بخطه أيضاً: سمعت الشيخ الصالح أبا الحسن بن أحمد الكوار البسطامي يقول: سألت الله أن أرى أبا صالح المؤذن في المنام، فرأيته ليلة على هيئة صالحة، فقلت له: أبا صالح أخبرني عن ما عندكم، فقال: يا حسن كنت من الهالكين لولا كثرة صلاتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين أنتم عن الرؤية واللقاء؟ فقال: هيهات قد رضينا منه بدون ذلك، فانتبهت ووقع علي البكاء.
أخبرنا أبو هاشم قال: أخبرنا أبو سعد - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: قرأت بخط والدي رحمه الله: سمعت أسعد بن حيان النسوي يحكي عن أبي صالح المؤذن أنه دخل على أحمد بن نصر الشبوي مع شاهفور، فقال الشيخ لفقير: خذ سلاحك، فأمر لشاهفور بسؤاله عن السلاح، فقال: هو الوضوء، ثم سأله عن الحديث، وأراد أن يقرأ عليه كتاب البخاري عن الشبوي فقال: ذكر في أوله الأعمال بالنية، وأنا ما سمعت هذا الكتاب لأحدث سمعته لأعمل به.
أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد بن الحسن - إذنا - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: سألت أبا سعد بن أبي صالح عن وفاة والده فقال: في سنة سبعين وأربعمائة، قيل: في أي شهر؟ فقال: في شهر رمضان، وذلك أنه كان قد سأل الله بمكة أن لا يقبضه إلا في شهر رمضان، فكان إذا دخل شهر رجب تفرغ للعبادة إلى أن يخرج شهر رمضان.
وقال الحافظ أبو القاسم: كتب إلي أبو نصر إبراهيم بن الفضل بن إبراهيم البار قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي قال: سنة سبعين وأربعمائة ورد الخبر بوفاة أبي صالح المؤذن الحافظ في رمضان، وكان مولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
أخبرنا أبو هاشم الحلبي عن أبي سعد السمعاني قال: قرأت بخط أبي جعفر محمد بن أبي علي الحافظ بهمذان: توفي الإمام الحافظ أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن يوم الاثنين بالباكر لتسع خلون من شهر رمضان سنة سبعين وأربعمائة، وقد بلغ خمسا وثمانين سنة من عمره رآه بعض الصالحين في تلك الليلة في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بيده وقال له: جزاك الله خيراً فنعم ما أقمت بحقي ونعم ما أديت من من قولي ونشرت من سنني.
من اسم أبيه عبد الواحد من الأحمدين
أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن منصور:

أبو العباس المقدسي، ويعرف بالبخاري الحنبلي، فقيه فاضل رحل رحلة واسعة إلى العراق، وخراسان، وما وراء النهر، ولحق الرضي النيسابوري وعلق عليه الخلاف ومهر فيه، وبرز على أقرانه، وعرف بالبخاري لطول مقامه ببخارى، وسمع الحديث الكثير بدمشق، وبالبلاد التي رحل إليها، روى لنا عنه أبو المحامد اسماعيل بن حامد القوصي، وأبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله المعروف بالرشيد العطار، واجتاز في طريقه بحلب.
ذكر لي ذلك شيخنا عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي وقال إن أصحابنا المقادسة الذين رحلوا دخلوا كلهم حلب، وكان قد تصدر بحمص لإفادة علم الحديث والفقه، ورتب له الملك المجاهد شيركوه صاحبها بها معلوما، وحدث بها وبغيرها من البلاد، وروى عنه أخوه الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد ابن أحمد، وذكر له ترجمة في جزء جمع فيه أخبار المقادسة ودخولهم إلى دمشق وقع إلي بخطه فنقلت ما ذكره على قضه نقلا من خطه، وقد أجاز لي رواية ذلك مع غيره.
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد وقال - ونقلته من خطه - : أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن منصور، أبو العباس أخي، يعرف بالبخاري، وهو ممن يشتغل بالعلم من صغره إلى كبره، وبرز على أقرانه، ودخل خراسان، وغزته، وما وراء النهر، وأقام مدة ببخارى، ولحق الرضي النيسابوري، وعلق عليه الخلاف، وكان قبل ذلك قد اشتغل ببغداد علي أبي الفتح بن المني رحمه الله، وسمع الحديث الكثير بدمشق، وبغداد، وواسط، وهمذان، ونيسابور، وهراة، وبخارى، فسمع بدمشق أبا المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر، وأبا الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز الأزدي المعروف بابن أبي العجائز، وأبا المجد الفضل بن الحسين بن البانياسي، وأبا طالب الخضر بن هبة الله بن طاوس، وعبد الرزاق النجار، ومحمد بن علي البحراني، وغيرهم، وببغداد سمع أبا الفتح عبيد الله بن عبد الله بن شاتيل، وعبد المغيث بن زهير، وأبا السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز، وغيرهم، وبنيسابور أبا البركات عبد المنعم الفراوي، وخلقاً كثيراً يطول ذكرهم، وأقام في سفره نحواً من أربع عشرة سنة، ورجع إلى وطنه، ووجد أصحابنا به راحة عظيمة من قضاء حوائجهم عند السلاطين والحكام والولاة، مع عفة ودين وأمانة، وقل من رآه وعرفه إلا أحبه من قريب أو بعيد حتى أني سمعت من بعض من يخالفنا أنه قال لشخص: لم لا تكون مثل البخاري الذي يدخل حبه على القلب بغير استئذان.
ومولده في سنة أربع وستين وخمسمائة في الشوال في العشر الآخر منه، ذكره لي والدي.
أخبرنا أبو المحامد اسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي قال: أخبرنا الفقيه الإمام شمس الدين أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي قراءة عليه بدمشق قال: أخبرنا الشيخ أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله الفراوي؛ قال القوصي: وأجازه لي عبد المنعم.
وأخبرناه عاليا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي القرطبي الدمشقي بالمسجد الحرام تجاه الكعبة شرفها الله، والإمام عبد المحسن بن أبي العميد بن خالد أبو طالب الأبهري الخفيفي بمسجد الخيف من منى، وأبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف القرطبي بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله الأنصاري بحماه وبحلب قالوا: أخبرنا أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال: أخبرنا أبو الحسن ظريف بن محمد بن عبد العزيز الحيري، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم، وأبو محمد عبد الرحمن بن محمد الحيزباراني قالوا: أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور قال: أخبرنا أبو عمر اسماعيل ابن نجيد بن أحمد السلمي قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله البصري قال: حدثنا أبو عاصم عن أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك، وكانوا يمشون أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا أبو الحسين يحيى بن علي الحافظ بمصر قال: أخبرنا أبو العباس أحمد ابن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن منصور المقدسي ثم الدمشقي الفقيه قال: أخبرنا أبو الفتح عبيد الله بن عبيد الله بن شاتيل الدباس قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: حدثنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح البزاز من لفظه قال: حدثنا محمد بن الفرج الأزرق قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا حنظلة عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلىء شعراً.
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد - ونقلته من خطه - قال: سمعت والدتي تقول: لما حملت بأخيك أحمد رأيت كأن لنا كبشاً له قرون، فأرسلت فأولته، فقيل: يولد لهم ولد يكون يدفع عنهم الخصوم، ولعمري إنه لكذلك، فإنه كان يمضي إلى المخالفين ويناظرهم ويظهر كلامه على كلامهم، ويدخل على القضاة، وإن كان لأحد حاجة أو حكومة هو يتولى ذلك حتى أنه أثبت كتباً عند الحاكم لم يكن غيره يقدر على اثباتها.
قال أبو عبد الله - ونقلته من خطه - : سمعت والدتي تقول: رأى أبوك قبل أن يولد أخوك أنه يبول في المسجد، قالت: فسألت عن تأويله، فقيل: يولد لك مولود يكون عالماً، أو ما هذا معناه.
وقال - ونقلته من خطه - : سمعت والدتي تقول: قال العز - يعني أبا الفتح محمد بن الحافظ عبد الغني - : كل من جاء منا ترك الاشتغال بالعلم غير فلان - يعني أخي - فإنه بعد مجيئه لم يترك الاشتغال بالعلم.
قال: وسمعت أخي أبا العباس يقول، وقد جاء من الغزاة، وكان غزا يافا فوقعت في فخذة نشابة جرخ، قال: لما وقعت في كنت أشتهي لو وقعت في هذا الموضع حتى تحصل لي الشهادة أي تقع في مقتل.
وقال: سمعت بعض أهلي يحكي أن جماعة من أصحابنا مضوا إلى زيادة امرأة صالحة متعبدة، وكان فيهم أخي، فقالت: في هذه الجماعة ثلاثة من الأبدال، فسمت أخي أحمد أحدهم.
قال: وسمعت أبا العباس أحمد بن سعيد يقول: سمعت في النوم قائلا يقول: ثلاثة من أهل الجنة، فسمى - يعني - أخي أحد الثلاثة.
وسمعت أحمد يقول: لما وضعت جنازته - يعني أخي - غفوت والإمام يخطب، وكأن قائلا يقول: لو كانوا وضعوا على جنازته إزاراً ثم وضعوا الإزار على الناس ليحصل لهم من بركته، أو ما هذا معناه.
قال: وتوفي رحمة الله عليه ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وستمائة بالجبل، ودفن بجنب قبر خاله الإمام موفق الدين رحمه الله.
وسمعت اختي قالتا: هلل الله قبل موته وأضاء وجهه وأسفر جداً، قالت أم محمد: وكان يهلل تهليلا فصيحاً.
وقال: سمعت الحافظ أبا موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني يقول: لما مات كافور الخادم المنتمي إلى ست الشام، رأيته تلك الليلة في المنام وهو في هيئة حسنة وعليه لباس حسن، فوقفت معه ساعة يحدثني، ثم عرفت أنه مات، فقلت: هل لقيت أصحابنا؟ فقال: نعم، فقلت: فمن فيهم أفضل، فقال: ما أعطي أحد مثل ما أعطي الشمس البخاري أو قال: ليس أحد مثل منزلة الشمس البخاري.
أخبرنا الحافظ رشيد الدين يحيى بن علي في معجمه قال: الشيخ أبو العباس هذا - يعني البخاري - من أهل دمشق، فقيه فاضل من فقهاء الحنابلة، ويعرف بالشمس البخاري، وأصلهم من البيت المقدس أو من أعماله.
حدث عن جماعة من شيوخ الشام والعراق، وكان مولده في العشر الآخر من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة، وتوفي ليلة الجمعة الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وستمائة. كتب إلي مولده ووفاته أخوه الحافظ أبو عبد الله.
وذكر الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في كتاب التكملة أنه ولي القضاء بحمص، وليس كذلك، وإنما ولي التحديث بحمص في أيام الملك المجاهد شيركوه بن محمد، أحضره إليها للتحديث، فظن الناقل أنه ولي القضاء، وكان قاضي حمص صالح بن أبي الشبل، قبل وصول البخاري إلى حمص، واستمر في قضائها إلى بعد وفاة البخاري ووفاة شيركوه.
أحمد بن عبد الواحد بن هاشم بن علي، أبو الحسين المعدل الأسدي الحلبي:

والد الخطيب أبي طاهر هاشم بن أحمد، سمع أبا محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن يحيى بن سنان الخفاجي الحلبي، وأخاه سعيد بن عبد الواحد بن هاشم، وأبا يعلى عبد الباقي، وأبا سعد عبد الغالب ابني عبد الله أبي حصين بن المحسن التنوخيين، وأبا الحسن علي بن مقلد بن منقد سديد الملك، وكان أميناً فاضلا، وتصرف في الديوان في الغربيات من عمل حلب؛ روى عنه ابنه الخطيب أبو طاهر هاشم بن أحمد خطيب حلب.
أنشدنا الخطيب أبو عبد الرحمن محمد بن هاشم بن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم قال: أنشدنا أبي الخطيب أبو طاهر هاشم بن أحمد بن عبد الواحد قال: أنشدني أبي أبو الحسين أحمد بن عبد الواحد بن هاشم قال: أنشدنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد الخفاجي الحلبي لنفسه.
أرأيت من داء الصبابة عائداً ... ووجدت في شكوى الغرام مساعدا
أم كنت تذكر بالوفاء عصابةً ... حتى بلوتهم فلم تر واحدا
تركوك والليل الطويل وعندهم ... سحرٌ يرد لك الرقاد الشاردا
وكأنما كانت عهودك فيهم ... دمناً حبسن على البلى ومعاهدا
يا صاحبي ومتى نشدت محافظاً ... في الودّ لم أزل المعنى الناشدا
أعددت بعدك للملامة وقرةً ... وذخرت عندك بالصبابة شاهدا
ورجوت فيك على النوائب شدّةً ... فلقيت منك نوائبا وشدائدا
أما الخيال فما نكرت صدوده ... عني وهل يصل الخيال الساهدا
سار تيمم جوشناً من حاجرٍ ... مرمىً كما حكم النوى متباعدا
كيف اهتديت له ودون مناله ... خرقٌ تجور به الرياح قواصدا
ما قصّرت بك في الزيادة نيةٌ ... لو كنت تطرق فيه جفناً راقدا
عجبت لا خفاق الرجاء وما درت ... أني ضربت به حديداً باردا
ما كان يمطره الجهام سحائباً ... تروى ولا يجد السراب مواردا
وإذا بعثت إلى السباخ برائدٍ ... يبغي الرياض فقد ظلمت الرائدا
كتب إلينا عبد الوهاب بن علي الأمين أن الخطيب أبا طاهر هاشم بن أحمد بن عبد الواحد أنشدهم قال: أنشدنا والدي قال: أنشدني أبو الحسن علي بن مقلد ابن منقذ لنفسه:
أحبابنا لو لقيتم في مقامكم ... من الصبابة ما لاقيت في ظعني
لأصبح البحر من أنفاسكم يبساً ... كالبرّ من أدمعي ينشق بالسفن
أنبأنا المؤيد بن محمد الطوسي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني - إجازه إن لم يكن سماعاً - قال: أنشدنا أبو طاهر هاشم بن أحمد بن عبد الواحد الأسدي إملاء من حفظه بحلب، وأنبأنا صقر بن يحيى بن صقر عن الخطيب هاشم قال: أنشدي والدي من لفظه قال: أنشدني القاضي أبو يعلى ابن أبي حصين لنفسه:
بانوا فجفن المستهام قريح ... يخفي الصبابة تارةً ويبوح
من طرفه وصلت جراحة قلبه ... وإليه فاض نجيعه المسفوح
لم يبق بعدهم له من جسمه ... شيٌ فواعجباه أين الروح
أحمد بن عبد الواحد المدروز العجمي:
شيخ كبير صالح، ورد حلب وأقام بها بمسجد السيدة علويه بنت وثاب بن جعبر النميريه والدة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس، بالقرب من تحت القلعة، وانضم إليه في المسجد جماعة من الفقراء الصالحين، وكان يخدمهم بنفسه ويدروز لهم في زنبيل كبير كان معه، ويمد لهم من ذلك سفرة في كل يوم، ولما شاخ واحد ودب وضعف عن حمل الزنبيل، كان يأخذ معه فقيراً من الفقراء يحمل الزنبيل معه، وكان يعرف بأحمد الزنبيل لذلك.
وكان حسن الأخلاق معروفاً بالخير والصلاح، صحب روزبهار وقضيب البان بالموصل وشاهدته وأنا صبي وقد انحنى واحد ودب، وقد حضر سماعاً مع الفقراء، وطاب فانتصب قائماً تام القامة، وكانت هذه عادته إذا طاب في السماع، وكان يحكى عن قضيب البان كرامات.

وأخبرني تاج الدين أحمد بن هبة الله بن أمين الدولة قال: سمعت الشيخ أحمد بن عبد الواحد المدروز يقول: إن سبب اشتغالي بالدروزة أنني كنت قد حجبت وزرت النبي صلى الله عليه وسلم، فبقيت بالمدينة ثلاثة أيام لا أطعم طعاماً، فجئت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجلست عنده وقلت: يا رسول الله أكون ضيفك ولي ثلاثة أيام لم أطعم طعاماً، قال: فهومت وانتبهت وفي يدي درهم كبير، فخرجت واشتريت به شيئاً أكلته، وشيئاً للبسي، ثم اشتغلت بعد ذلك بالدروزة.
قلت: وكان الملك الظاهر رحمه الله وأمراؤه يحترمونه ويكرمونه، وتوفي رحمه الله بحلب بمسجد السيدة في ثامن شوال من سنة سبع عشرة وستمائة، وكان قد ناهز مائة سنة، وصلي عليه بالمسجد الجامع، ودفن بمقام إبراهيم، ومروا بجنازته على باب داري وصعدت إلى غرفة في الدار مشرفة على الطريق، فوجدت زوجتي فيها نائمة، فنبهتها وقلت: اجلسي وانظري جنازة الشيخ أحمد المدروز، فانتبهت وقالت لي: الساعة رأيت في منامي جنازة تمر بين السماء والأرض، والميت مغطى بازار أبيض والهواء يهببه، وقد جاءوا بالجنازة إلى مشهد الملك رضوان خارج حلب فأدخلوا الجنازة إلى البستان إلى جانبه، وهو البستان المعروف بالجنينة.
قلت: وتبع جنازته جمع عظيم، رحمة الله عليه.
أحمد بن عبد الواحد بن مراء:
أبو العباس الحوراني القاضي، الملقب بالتقي الشافعي فقيه فاضل، أديب زاهد، شاعر، قدم حلب وأقام بها مدة وتفقه بها على شيخنا قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، وسمع منه الحديث ومن شيخنا الشريف أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي وغيرهما، وبرز في علم الفقه والأدب، ثم توجه من حلب إلى سنجار وولي بها القضاء، ثم انتقل عنها إلى بغداد وذكر بها مسألة فولي الإعادة بالمدرس المستنصرية من جهة الشافعية وسمع بها الحديث من ابن الخازن وغيره، ثم تزهد وانقطع عن الدنيا وجاور بمكة وبالمدينة.
وحدث بمكة وبسنجار عن أبي هاشم عبد المطلب الهاشمي بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عيسى الترمذي، وبمسند الإمام الشافعي رضي الله عنه عن ابن الخازن النيسابوري وعن غيرهما، وكان لي به اجتماع بحلب، وكان يسمع معنا الحديث، ثم قدم الديار المصرية من المدينة - على ساكنها الصلاة والسلام في ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين وستمائة رسولا من صاحبها إلى قطز المعزي، بعد أن استولى على مصر، وامتدت يده في الظلم، وقبض أوقاف المدينة بالديار المصرية، فوجده قد قتل وتولى قاتله الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، فاجتمع به، وقضى شغله وأطلق الوقف، وكنت إذ ذاك بمصر، فحضر إلي وعلقت عنه فوائد وشيئاَ من شعره، وسألته عن مولده، فقال: عمري الآن سبعة وسبعون سنة، وكان سؤالي إياه في رابع وعشرين من ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين وستمائة.
وأخبرني في ذلك اليوم قال: أخبرني هارون بن الشيخ عمر عن بعض الصلحاء المجاورين بمكة شرفها الله من أهل اليمن أنه رأى فيما يرى النائم كأنه قد نزل إلى البيت المعظم ليطوف به على جاري العادة، فلم يجده، فقال: ذهب الإسلام، راح الدين، فقيل له: مه كيف تقول هذا؟! قال: أين البيت الذي كان يطوف المسلمون، فقيل له الساعة يجىء، قال: من يجىء به؟ قيل: أهل مصر، أو أصحاب مصر، قال: متى يجىء؟ قال: لا تعجل الساعة يجىء فبينا هو كذلك إذ جاء البيت، وعاد في مكانه كهيئته الأولى لكنه لا كسوة عليه، فقال: أين كسوته؟ فقيل: الساعة تجىء فبينا هو كذلك إذ أفرغ على البيت المعظم الكريم كسوة بيضاء وانتبه.
قلت: فقدر الله تعالى أن التتار استولوا على الشام في سنة ثمان وخمسين، وخرج عسكر مصر ومن التجى إليهم من عسكر الشام مع قطز، والتقوا بعسكر التتار على عين جالوت فكسروا التتار ومضوا إلى الشام جميعه فاستولوا عليه، ونرجو من ألطاف الله أن الكسوة البيضاء تكون عمارة الشام وعود ما تشعث من مدنه وحصونه إن شاء الله تعالى.
وأخبرني أبو العباس الحوراني أن بعض الصالحين أخبره من فيه أنه رأى أنه فتح في السماء بابان، ونزل من أحدهما ملائكة خيالة على خيل، وسمع قائلا يقول: هؤلاء ملائكة قد نزلوا من السماء لنصرة الاسلام، وقيل للباب الآخر هذا الباب الآخر باب رحمة له سنين لم يفتح، وقد فتح الآن لتنزل منه الرحمة على الناس.

أخبرني أبو العباس بن عبد الواحد قال: أخبرني شخص من كبار الصالحين يعرف بعمر بن الزغب أنه كان مجاورا بالمدينة المقدسة، وأنه خرج في بعض السنين في يوم عاشوراء الذي تجتمع الإمامية فيه لقراءة المصرع إلى قبة العباس، فسأل شيئاً في محبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كما جرت عادة السؤال، فقال له رجل شيخ من الحاضرين: اجلس حتى نفرغ، فلما فرغوا أخذه إلى داره وسلط عبدين له عليه، فكتفاه وأوجعاه ضربا، ثم قطع لسانه، وقال: اخرج إلى الذي طلبت لأجله ليرد عليك لسانك، فجاء وهو مقطوع اللسان تجاه الحجرة المقدسة يستغيث ويقول: يا رسول الله تعلم ما قد جرى علي في محبة صاحبك، فإن كان صاحبك على حق أحب أن يرجع إلي لساني، فإن لم يرجع إلى لساني وإلا شككت في ايماني، قال: فبينما هو في أثناء الليل إذ استيقظ فوجد لسانه في فيه كما كان قبل قطعه، ثم عاد في مثل ذلك اليوم في العام المقبل إلى القبرة المذكورة، وقام وقال: أريد في محبة أبي بكر الصديق ديناراً مصرياً، فقال له حدث من الحاضرين اقعد حتى تفرغ، فلما فرغوا أتى به ذلك الحدث إلى تلك الدار التي قطع فيها لسانه فأدخله إليها وأجلسه في مكان مفروش وأحضر له طبق طعام وواكله واستزاده في الأكل حتى اكتفى، ثم رفع الطعام وفتح بيتاً، وجعل الفتى يبكي، فقام عمر المذكور لينظر سبب بكائه، فرأى قرداً مربوطاً عنده وهو ينظر إليه ويبكي، فسأله عن ذلك، فازداد بكاؤه وارتفع نحيبه، ثم سكنه حتى سكن، وسأله عن ذلك القرد ما هو، فقال لي: إن حلفت لي أنك لا تحكي هذه الحكاية في المدينة المقدسة أخبرتك، فحلف له بما استحلفه أنه لا يخبر بها أحد في المدينة النبوية، فقال له: اعلم أنه أتانا شخص في العام الماضي وطلب شيئاً في قبة العباس التي أتيت إلينا في العام فيها، وسأل شيئاً في محبة أبي بكر الصديق وكان والدي من فقهاء الإمامية وعلماء الشيعة ممن يرجع إلى فتياه وقوله في مذهبه، فسلط عليه عبدين له فكتفاه وأوجعاه ضرباً، ثم قطع لسانه وأخرجه وقال: اذهب إلى الذي طلبت لأجله ليرد عليك لسانك، فلما كان في أثناء الليل صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا لها فوجدناه قد مسخ قرداً، وهو هذا، فجددنا إسلامنا نحن، وتبرأنا من ذلك المذهب، وخطر لنا إظهار موته، فأظهرنا موته، وأخذنا خشبة نخل بالية تشبه الآدمي، ولففنا عليه خرقاً ودفناه، وكنت أظهرت أني حلفت أنه لا يتولى غسله إلا أنا ووالدتي لئلا يطلع أحد على شيء من ذلك.
قال: فقال له الشيخ عمر فأنا أزيدك في الحكاية زيادة، وهو أني أنا الشخص الذي قطع لساني، وقد عاد كما كان، فأكب عليه يقبل رأسه ويديه ويتبرك به، وأعطاه ديناراً وكساه ثوباً، وكان يتفقده مدة مقامه في المدينة النبوية على ساكنها السلام.
قال: وحكى لي هذه الحكاية بمنى أيام الموسم، وذكر أن اسم الممسوخ كان أحمد.
أنشدنا محمد بن أبي محمد بن الصفار السنجاري بها قال: أنشدني تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الواحد الحوراني المدرس الشافعي - ثم اجتمعت بأبي العباس أحمد فأنشدني - قال: أنشدني الشيخ موفق الدين أبو الثناء محمود بن أحمد الخجندي الفقيه الشافعي لنفسه بسنجار
وجالس للدروس يعمه في ... مسلك تيهٍ للأسد فرّاس
في جدرٍ ألفت مساكنها ... من غصب والٍ ومكس مكاس
ينهى عن الظلم في دراسته ... وأكله من مظالم الناس
فقف عليه وسل ملاءمةً ... بين نقيضي ذا الذاكر الناسي
تقطعه في معرك الجداب وما ... في طللٍ بالوقوف من باسي
أنشدني تقي الدين أبو العباس الحوراني بمصر لنفسه وقال لي: هذه الأبيات أنشدتها ببغداد حين استذللت في المسأله ومدحت بها المستنصر:
له شرف الخلافة من قريشٍ ... ومجدٌ من مساعيها العظام
له سرّ النبوة من معدٍ ... فهذا السر في هذا الإمام
فرأيٌ بين من واقتداءٍ ... وعزمٌ بين سرٍ وانتقام
أنشدنا أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن مراء لنفسه قراءة عليه وأنا أسمع:
دعها تسير من العراق سريعاً ... فلعلها ترد الحجاز ربيعا
أضحت تحنّ إلى العقيق صبابةً ... وتمد أعناقاً لهنّ خضوعا

وردت على ماء العذيب فسرّها ... ذاك الورود فنقطته دموعا
والله لولا حبّ من سكن الحمى ... ما كان قلبي للغرام مطيعا
أحمد بن عبد الوارث بن خليفة القلعي:
سمع بحلب الفقيه أبا علي عالي بن إبراهيم بن اسماعيل الغزنوي الحنفي، وحدث عنه بدمشق في شهر ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة فقد توفي بعد ذلك //الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
ذكر حرف الميم في آباء الأحمدين
ذكر من اسم أبيه محمد في آباء الأحمدين أحمد بن محمد بن متوية، أبو جعفر المروزي: المعروف بكاكو، سافر إلى الشام وجال في أقطارها، وسمع بها وبآمد وميافارقين، ففي تجواله بين هذه البلاد دخل حلب أو بعض عملها، إن لم يكن سمع بها.
ذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في تاريخ دمشق بما أخبرنا به ابن أخيه أبو البركات الحسن بن محمد إجازة قال: أخبرنا عمي قال: أحمد بن محمد بن متوية، أبو جعفر المروزي المعروف بكاكو، سمع أبا القاسم بن الطبيز بدمشق وأبا مسعود صالح بن أحمد بن القاسم الميانجي، وأبا محمد الحسن بن محمد بن أحمد بن حميد بصيدا، وأبا الحسن بن الترجمان بالرملة، وأبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف، وأبا عبد الله محمد بن الحسن بن عمر الصيرفي، وأبا محمد عبد الله بن أحمد بن محمد الحراني، وأبا علي الحسين بن ميمون بن حسون بمصر، وعبد الله بن يوسف بن عبد الله بن نصر البغدادي بتنيس، وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن سلمة المالكي بآمد، وأبا القاسم هبة الله بن سليمان بن داود الجزري، وأبا الطيب سلامة بن إسحق بن محمد بميافارقين.
روى عنه أبو محمد الحسن بن مسعود البغوي المعروف بالفراء، حدثنا عنه أبو القاسم وأبو بكر الشحاميان.
أحمد بن محمد بن محمود بن أحمد بن علي بن أحمد بن عثمان بن موسى المحمودي: أبو العباس بن أبي عبد الله بن أبي الفتح المعروف بابن الصابوني، من بيت الرواية والحديث، سمع جده الإمام أبا الفتح محموداً، وأباه أبا عبد الله محمداً، وأبا يعقوب يوسف بن الطفيل بمصر، والحافظ أبا طاهر السلفي بالاسكندرية، وابن شافع بدمشق، وأبا الفتح بن شاتيل ببغداد.
وأجاز له محمد بن عبد الرحمن المسعودي، وأبو الفرج الثقفي.
وحدث بدمشق، ومصر، ذكر لي ابن عمه جمال الدين أبو حامد محمد بن علي بن محمود بن الصابوني أنه دخل حلب مع والده أبي عبد الله محمد، وأنه توفي بمصر يوم الجمعة ثالث شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ودفن يوم السبت بسارية بسفح المقطم، بتربة جده رحمهما الله.
أنبأنا الحافظ عبد العظيم المنذري قال في ذكر من مات سنة إحدى وثلاثين وستمائة: وفي الثالث من شهر رمضان توفي الشيخ الأجل أبو العباس أحمد بن الشيخ الأجل الموفق أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الفتح محمود بن أحمد بن علي بن أحمد بن عثمان بن موسى المحمودي الصابوني الشافعي بمصر، ودفن إلى جانب جده بسفح المقطم.
سمع بالاسكندرية بإفادة أبيه من الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني، وببغداد من أبي الفتح عبيد الله بن عبد الله بن شاتيل.
وحدث بدمشق ومصر، سمعت منه بالقاهرة وسألته عن مولده فذكر ما يدل تقريباً أنه سنة تسع وستين وخمسمائة.
أحمد بن محمد بن محمود بن سعيد الغزنوي: الفقيه، المعروف بالتاج الحنفي، وقيل فيه أحمد بن محمود بن سعيد، وهو الصحيح، وسنعيد ذكره إن شاء الله تعالى.
كان فقيهاً فاضلاً من أصحاب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، أقام بحلب مدة معيداً بالمدرسة النورية المعروفة بالحلاويين في أيام ولاية الإمام علاء الدين أبي بكر الكاشاني، وانتفع به جماعة من الفقهاء، وصنف في الفقه وعلومه كتباً حسنة منها كتاب روضة العلماء في الفقه، ومقدمة في الفقه مختصرة، وكتاب في أصول الفقه وأصول الدين.
وسمعت والدي يثني عليه ثناءً حسناً، ومن جملة من انتفع بصحبته والقراءة عليه الفقيه الشريف عماد الدين أبو العباس أحمد بن يوسف الحسني نزيل حلب.
أنشدنا الفقيه برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمود قال: قرأت بخط جدي أحمد الغزنوي:
الرقص نقصٌ والسماع رقاعةٌ ... وكذا التواجد خفةٌ في الرأس

والله ما اجتمعوا لطاعة ربهم ... إلاّ لما طحنوه بالأضراس
توفي أحمد بن محمد الغزنوي بحلب حرسها الله في....... ودفن في مقابر الفقهاء قبلي مقام إبراهيم عليه السلام رحمه الله.
أحمد بن محمد بن المستنير المصيصي: حدث عن أبيه أبي الخصيب محمد بن المستنير، وسعيد بن المغيرة أبي عثمان الصياد المصيصي، وعبده بن سليمان، ويعقوب بن كعب.
روى عنه أبو بكر محمد بن أحمد بن المستنير، ويعقوب بن إسحق.
وقيل إنه يكنى الخصيب، والصحيح أنها كنية أبيه، والله أعلم.
أحمد بن محمد بن مسعر: ابن محمد بن يحيى بن الفرج بن أنس بن الواصل بن جهم بن عباد بن أنس ابن عباد بن مالك بن عمرو بن ساعدة بن نزار بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة، أبو الفضل بن أبي بكر التنوخي المعري، من أهل معرة النعمان، من بيت معروف بالرواية والشعر والأدب، وأبو الفضل هذا شاعر مجيد، روى الحديث عن أبيه أبي بكر محمد بن مسعر.
روى عنه أبو سعد السمان الحافظ، وخرج عنه حديثاً في معجم شيوخه.
أخبرتنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري النيسابورية في كتابها إلينا منها عن أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري قال: حدثني الاستاذ أبو الحسن علي بن الحسين بن مردك قال: أخبرنا أبو سعد السمان - إجازة - قال: حدثنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن مسعر بن محمد بن يحيى بن الفرج التنوخي بمعرة النعمان بقراءتي عليه قال: حدثنا أبي أبو بكر محمد بن مسعر قال: حدثنا محمد بن بركة القنسري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات.
قرأت في مراثي بني المهذب المعريين أبياتاً لأبي الفضل أحمد بن محمد بن مسعر يرثي بها الشيخ أبا القاسم جعفر بن علي بن المهذب، وهي على وزن قصيدة أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان وقافيتها رثى بها أبو العلاء جعفر المذكور، وقصيدة أبي العلاء.
أحسن بالواجد من وجده وقصيدة أبي الفضل بن مسعر:
يا سيداً غيّب في لحده ... جاز مصابي بك عن حده
بعد علي وابنه جعفر ... لا تلك الواجد في وجده
وما هما الدهر بخطب وقد ... كانا هما واسطتي عقده
رأيت هذا الدهر أحداثه ... تحلل المحكم من عقده
أي سرور لك لم تقصه ... وأي حزن لك لم تهده
وأي خطب بك لم تغره ... وأي أحبابك لم ترده
مالي على عدوانه ناصر ... ولا يد تدفع من أيده
كابدت مر الصبر من بعد من ... فقدت حلو العيش مع فقده
أضحت بي الأحزان ملتفة ... لما غدا قد لف في برده
ذممت دهري بعد فقدانه ... وكنت قد أطنبت في حمده
فالآن لا أصغي إلى عاذل ... يعذلني في الحزن من بعده
قد كان يخشى الله في هزله ... ويتقي الرحمن في جده
إن غاب عنا فله أنجم ... طالعة باليمن من سعده
ما منهم إلا فتى ماجد ... كالصارم المشهور من غمده
ما مات من خلف أمثالهم ... لكنه دان على بعده
فأمطر الله ثرى جعفر ... سحائب الغفران من عنده
توفي جعفر بن علي بن المهذب المرثي في ذي الحجة من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، فقد توفي أحمد بن محمد بن مسعر بعد ذلك.
أحمد بن محمد بن مسعود الانطاكي: حدث عن أبي غالب الأنطاكي، روى عنه أبو بكر أحمد بن محمد بن هرون الخلال.
أحمد بن محمد بن مفرح العشاب: أبو العباس بن أبي الخليل الأموي الأشبيلي النباتي، المعروف بابن الرومية، منسوب إلى معرفة العشب والنبات، وقفت على كتاب صنفه في الحشائش، ورتب أسماؤها على حروف المعجم، وهو كتاب حسن كثير الفائدة، ورحل إلى البلاد ودخل حلب في رحلته، وسمع الحديث ببلاد الأندلس وغيرها.

وقال لي رفيقنا أبو عبد الله محمد بن يوسف البرزالي: كان أبو العباس العشاب يعرف الحشائش معرفة جيدة، وكان رئيس الحزمية بإشبيلية، واعتنى بنفسه وطلب الحديث، وسمع بالأندلس وغيرها من البلاد، وسمع بدمشق الشيخ أبا القاسم بن الحرستاني، وداود بن ملاعب، وأبا العباس أحمد بن عبد الله العطار، وغيرهم واجتاز بحلب مرافقاً لابن عفير.
سمعت الوزير القاضي الأكرم أبا الحسن علي بن يوسف الشيباني يقول: لما ورد أحمد العشاب حلب اجتمعت به، وتفاوضنا في ذكر الحشائش فقلت له: قصب الذريرة قد ذكر في كتب الطب وذكروا أنه يستعمل منه شيء كثير، وهذا يدل على أنه كان موجوداً كثيراً، والآن فلا يوجد، ولا يخبر عنه مخبر، فقال: هو موجود وإنما لا يعلمون أين يطلبونه، فقلت له: وأين هو؟ فقال: بالأهواز منه شيء كثير.
أخبرني الحسن بن الحسن بن منصور الجنب التميمي المغربي قال: قرأت على أبي جعفر أحمد بن يوسف بن فرتون في كتابه الذي ذيل به الصلة لابن بشكوال، وكتبه لي بخطه بالقاهرة قال: أحمد بن محمد بن أبي الخليل مفرح الأموي، يعرف بابن الرومية، يكنى أبا العباس، من أهل مدينة إشبيلية، روى بالأندلس كثيراً عن اشياخ من أهلها، ورحل إلى المشرق، فجمع في رحلته، وروى عن خلق كثير عددهم بين رجال ونساء ضمنهم كتاب التذكرة له، وله مختصر كتاب الكامل لأحمد بن عدي في رجال الحديث، وله كتاب المعلم بما زاده البخاري على كتاب مسلم.
ويعرف أحمد هذا بالنباتي، لمعرفته به، ومولده في نحو إحدى وستين وخمسمائة، وتوفي رحمه الله بإشبيلية منسلخ شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وستمائة، عرفني بوفاته ولده الطيب أبو النور محمد.
وذكر الرواية المكثر والبحر المزخر أبو محمد عبد الله الحريري رحمه الله في جزء من تأليفه سماه بنثر النور والزهر في نشر أحوال الشيخ أبي العباس النباتي، أنه سأله عن مولده، فذكر أنه ولد في شهر الله المحرم سنة إحدى وستين وخمسمائة، وأنه توفي فجأة بين الظهر والعصر من يوم الاحد الموفى ثلاثين من ربيع الأول من العام المذكور في نفس هذا المجموع، وصلي عليه ضحى يوم الاثنين مستهل ربيع الآخر على مقربة من قبره الكدية بخارج إشبيلية، وحضره جمع كبير.
وقد رثاه أناس من تلاميذه كأبي محمد عبد الله هذا الحريري، وأبي آمنة إسماعيل بن عفير، وكأبي الأصبغ عبد العزيز الكبتوري، وأبي بكر محمد بن محمد بن جابر السقطي، وأبي العباس بن سليمان، وذكر جميعهم أبو محمد الحريري في المجموع المتقدم ذكره.
أنبأنا أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال: وفي أحد الربيعين، يعني، من سنة سبع وثلاثين وستمائة توفي الشيخ الأجل الفاضل أبو العباس أحمد ابن محمد بن مفرح الأموي الأندلسي، الإشبيلي، العشاب، الزهري، النباتي، الحزمي، المعروف بابن الرومية، بإشبيلية.
سمع من أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون، وأبي بكر بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد، وأبي محمد أحمد بن جمهور بن سعيد القيسي، وأبي بكر محمد بن علي بن خلف التجيبي، وغيرهم.
ورحل وسمع ببغداد من غير واحد، ولقيته بمصر بعد عوده من الرحله، وحدث بمصر أحاديث من حفظه، ثم توجه إلى الغرب، ولم يتفق لي السماع منه، وجمع مجاميع.
والعشاب: بالعين المهملة والشين المعجمة المشددة، وبعد الألف باء بواحدة، والزهري: بفتح الزاي وسكون الهاء، والنباتي: بفتح النون وبعدها باء بواحدة مفتوحة، وبعد الألف تاء ثالث الحروف، وكل ذلك نسبة إلى معرفة الحشيش والنبات، ويقال أنه كان مهاجراً في ذلك جداً، والحزمي بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي، نسبة إلى مذهب أبي محمد علي بن أحمد بن حزم.
أخبرني أبو جعفر أحمد بن محمد بن صابر قال: أخبرني من أثق به أن أحمد بن محمد بن المفرح بن الرومية كان جالساً في دكانه بإشبيلية يبيع الحشائش وينسخ، فاجتاز به الأمير أبو عبد الله بن هود، سلطان الأندلس، فسلم عليه، فرد عليه السلام، واشتغل بنساخته ولم يرفع إليه رأسه، فبقي واقفا ينتظر أن يرفع إليه رأسه ساعة طويلة، فلما لم يحفل به ساق فرسه ومضى.
قال لي ابن صابر: وكان رجلاً صالحاً زاهداً، وتوفي بإشبيلية سنة سبع وثلاثين وستمائة.

قال لي: وله كتابان حسنان في علم الحديث، أحديهما يقال له الحافل في تكملة الكامل لابن عدي مختصر من الأسانيد، وهو كتاب كبير، والآخر اختصر فيه الكامل لأبي أحمد ابن عدي.
أحمد بن محمد بن منصور الطرسوسي: أبو الحسن، حدث بدمشق عن أبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ الدمشقي، روى عنه أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني.
أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة الحموي، وعبد الرحيم بن يوسف ابن الطفيل وغيرهما قالوا: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني - قلت: ونقلته أنا من خط الحافظ - قال الحافظ: أخبرنا الشيخ الأمين - يعني أبا محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن الأكفاني - قال: حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن منصور الطرسوسي - قدم علينا - قال: حدثنا أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ الدمشقي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان المزني - وأنا سألته - قال: حدثنا عبيد بن أبي رجاء الشيرازي - من أصل كتابه - قال: حدثنا سعيد بن عيسى الكريزي قال: حدثنا أبو داود - هو سليمان بن داود - قال: حدثنا شعبة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
أحمد بن محمد بن ميمون بن ابراهيم: ابن كوثر بن حكيم بن أبان بن عبد الله بن العباس الهمداني أبو الميمون الحلبي المذحجي، من بيت الرواية والحديث، وسنذكر جد جده كوثر ابن حكيم في موضعه من كتابنا هذا ان شاء الله تعالى.
حدث أبو الميمون عن: أبي عبد الله محمد بن إسحق الضبي، المعروف بابن شبويه، ومؤمل بن يهاب، وإسحق بن إبراهيم الأحيل الحلبي، وإسحق بن الضيف.
روى عنه: أبو أحمد عبد الله بن عدي، والحاكم محمد بن محمد، الحافظان، وأبو حفص عمر بن علي العتكي.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد - فيما أذن لنا في روايته عنه - قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي - إجازة ان لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا أبو ميمون أحمد بن محمد بن ميمون بن إبراهيم بن كوثر بن حكيم الحلبي - بحلب - قال: حدثنا إسحق بن الضيف قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر.
وقال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت أبا الميمون أحمد بن محمد بن ميمون بن إبراهيم بن كوثر بن حكيم بن أبان بن عبد الله بن العباس الهمداني الحلبي - بحلب - هكذا نسب لي جد جده كوثراً، وقال لي: كنية كوثر أبو مخلد، وكان كوفياً.
أحمد بن محمد بن موسى، أبو بكر السوانيطي: سمع بالمصيصة أحمد بن محمد بن أبي رجاء، ويوسف بن سعيد بن مسلم المصيصيين.
روى عنه أبو حفص عمر بن شاهين، وموسى بن عيسي السراج.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل قال: أخبرنا علي بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الواحد بن محمد الفقيه قال: أخبرنا موسى بن عيسى بن عبد الله السراج قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى السوانيطي قال: حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم قال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سلام الطويل عن زياد بن ميمون عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله ليس بتارك أحدا من المسلمين صبيحة أول يوم من شهر رمضان إلا غفر له.
أخبرنا أبو اليمن الكندي - إذنا - قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن محمد بن موسى، أبو بكر المعروف بالسوانيطي.
حدث عن يوسف بن سعيد بن مسلم، وأحمد بن أبي رجاء المصيصي.
روى عنه: موسى بن عيسى السراج أحاديث عدة، سماه فيها أحمد بن محمد ابن موسى، وكذلك سماه ابن شاهين اذ روى عنه في الاخبار والنزه وسماه في غير ذلك محمد بن أحمد بن موسى، وروى عنه غيره فقال: محمد بن أحمد ابن موسى، وذاك أصح، وقد ذكرناه في جملة المحمدين.

قلت: روى أبو سعيد الحسن بن إسحق بن بلبل القاضي عن أبي عبد الله، وسماه محمد بن أحمد بن موسى السوانيطي، وكذلك محمد بن أحمد الزبيري، وأبو أحمد بن عدي، وأبو القاسم إسماعيل بن القاسم بن إسماعيل الحلبي وسماه كل منهم محمد بن أحمد بن موسى، وكناه أبا عبد الله، فاختلفت الكنيتان والاسمان، فيحتمل عندي أن يكون هذا غير هذا، وقد روى كل واحد منها جميعاً، وقد كانا في عصر واحد، ويعرفان جميعاً بالسوانيطي، فظنهما أبو بكر الخطيب واحداً، وهما اثنان، والله أعلم.
أحمد بن محمد بن نباته، أبو بكر البغدادي: حدث بمعرة النعمان عن......، روى عنه أبو زكرياء يحيى بن مسعر بن محمد التنوخي المعري.
أحمد بن محمد بن نصر الحداد: أبو جعفر بن أبي عبد الله البغدادي ثم الحلبي. حدث بحلب عن ابراهيم ابن مهدي المصيصي، ومحفوظ، وعفان بن مسلم، وفيض بن وثيق البصري، وسعداه.
روى عنه الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن إبراهيم الحلبي برداعس، وأبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت، وصالح بن الأصبغ المنبجي، وأبو جعفر الحضرمي مطين، وأبو الحسن علي بن سراج المصري.
أخبرنا القاضي شمس الدين أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن الشيرازي، وأبو الفضل مكرم بن أبي الصقر، والحرة أم الفضل كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر القرشي بدمشق، قالا: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي.
وأخبرنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي قالا: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد ابن أبي ثابت قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله الحداد الحلبي قال: حدثنا ابراهيم بن مهدي المصيصي قال: حدثنا أبو حفص الأبار عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول من صنع له الحمام سليمان بن داود، فلما وجد حره قال: أوه من قبل أن لا يكون أوه.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الجنزوي قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد السلمي قال: أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بركة بن إبراهيم الحلبي المعروف ببرداعس قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن نصر الحداد قال: سمعت عفان بن مسلم يقول: قال شعبة: من كتبت عنه أربعة أحاديث أم خمسة أحاديث، فأنا عبده حتى يموت.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد قال: أخبرنا أبو الحسن الغساني قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد السلمي بدمشق.
وأخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بن بنين بن خلف بالقاهرة قال: أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السبي قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الله بن طلحة التنيسي قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد قال: أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بركة بن إبراهيم المعروف ببرداعس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن نصر البغدادي بحلب وكان حاذقاً بالحديث قال: حدثنا عفان بن مسلم.
أنبأنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد زوريق قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر البغدادي قال: وأخبرنا علي بن أبي علي قال: قرأنا على الحسين بن هرون الضبي عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال: أحمد بن محمد بن نصر الحداد، بغدادي سمع عفان بن مسلم، والفيض بن وثيق ونحوهما وكان بحلب.
أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي فيما أذن لنا فيه، وقرأت عليه اسناده قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن محمد بن نصر الحداد، حدث عن عفان بن مسلم، وفيض بن واثيق البصري، روى عنه أبو جعفر الحضرمي مطين، ومحمد بن بركة، المعروف ببرداعس الحافظ.
أحمد بن محمد بن النعمان بن عبد الرحمن بن النعمان:

أبو العباس السميساطي، حدث ببالس عن أبي زرعة أحمد بن موسى المكي، روى عنه أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير الحافظ.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد الاصبهاني قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد قال: أخبرنا الحسين بن علي بن عبد الله الطناجيري قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير الحافظ قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن النعمان السميساطي ببالس قال: حدثنا أبو زرعة أحمد بن موسى المكي قال: حدثني أحمد بن محمد بن الصباح قال: حدثنا محمد بن الحكم بن موسى قال: حدثنا عبد الصمد بن حسان قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الاسناد سلاح كيف يقاتل الرجل بغير سلاح؟!.
أحمد بن محمد بن نفيس: أبو الحسن الملطي، الإمام الشاهد، حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب الحضائري، روى عنه أبو الحسن بن علي بن الأهوازي المقرئ، وعلي بن محمد الحنائي.
أخبرنا أبو نصر محمد بن هبة الله القاضي فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد الأهوازي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن نفيس الإمام قال: حدثنا أبو علي الحسن بن حبيب قال: حدثنا علان بن المغيرة بمصر قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا رشدين بن سعد عن جرير بن حازم عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جمع القرآن متعه الله تبارك وتعالى بعقله حتى يموت.
أنبأنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: قال لنا أبو محمد ابن الأكفاني: سنة أربع وأربعمائة، فيها توفي أبو الحسن الملطي.
أخبرنا أبو الفضل بن محمد في كتابه قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحسن قال: قرأت بخط أبي محمد عبد المنعم بن علي بن النحوي: مات أبو الحسن بن نفيس الملطي في يوم الجمعة لثلاث خلون من ذي الحجة سنة أربع وأربعمائة.
أحمد بن محمد بن هارون: أبو بكر الخلال الأنطاكي، صاحب التصانيف الواسعة، والمجاميع النافعة.
سمع بحلب: صالح بن علي النوفلي، وصالح بن عمرو بن الفضيل الحلبي، وصالح بن أحمد الحلبي، وبالمصيصة: الحسن بن علي بن عمر الفقيه، والحسن ابن سفيان المصيصي، وببالس إسحق بن خالد البالسي، وبطرسوس: الحسين بن الحسن الوراق، واسماعيل بن الفضل، وبأنطاكية أحمد بن محمد بن مسعود الأنطاكي ويحيى بن طالب الأنطاكي.
وروى عنهم، وعن أبي بكر أحمد بن محمد المروذي، ومحمد بن عوف الحمصي، والحسن بن عرفه، وسعدان بن نصر، وأحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة الحافظ، وعبد الله بن محمد بن سيار.
روى عنه صاحبه عبد العزيز بن جعفر الفقيه، ومحمد بن المظفر الحافظ، والحسن بن يوسف الصيرفي، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر النهاوندي.
وقدم الشام، ودخل الثغور الشامية مرتين، أحديهما في سنة سبعين، والثانية في سنة إحدى وسبعين.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد قبيس قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن محمد بن هرون، أبو بكر الخلال الحنبلي، سمع الحسن بن عرفه، وسعدان بن نصر، وأبا بكر المروذي ومحمد بن عوف الحمصي ومن في طبقتهم وبعدهم.
روى عنه عبد العزيز بن جعفر صاحبه، والحسن بن يوسف الصيرفي، ومحمد ابن المظفر، وكان ممن صرف عنايته إلى الجمع لعلوم أحمد بن حنبل وطلبها وسافر لأجلها، وكتبها عالية ونازلة، وصنفها كتباً، ولم يكن فيمن ينتحل مذهب أحمد أجمع منه لذلك.
وقال أبو بكر الخطيب: أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي عن عبد العزيز بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن بشار، والخلال بحضرته في مسجده وقد سئل عن مسألة، فقال: سلوا الشيخ، فكأن السائل أحب جواب أبي الحسن، فقال: سلوا الشيخ، هذا الشيخ - يعني الخلال - إمام في مذهب أحمد ابن حنبل، سمعته يقول هذا مراراً.
قال عبد العزيز: وسمعت أبا بكر محمد بن الحسين بن شهريار يقول: كلنا تبع للخلال لأنه لم يسبقنا إلى جمعه وعلمه أحد.

وقال عبد العزيز: وسمعت أبا بكر الشيرجي يقول: الخلال قد صنف كتبه ويريد منا أن نقعد بين يديه ونسمعها منه، وهذا بعيد، فقال له أبو بكر بن شهريار: من طلب العلم يقابل أبا بكر الخلال، من يقدر على ما يقدر عليه الخلال من الرواية؟! قال عبد العزيز: وقد رسم في كتبه ومصنفاته إذا حدث عن شيوخه يقول: أخبرنا أخبرنا، فقيل له: انهم قد حكوا أنك لم تسمعها وإنما هي إجازة، قال: سبحان الله، قولوا في كتبنا كلها حدثنا.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني عبيد الله بن أبي الفتح عن طلحة بن محمد بن جعفر أن أبا بكر الخلال مات في سنة احدى عشرة وثلاثمائة.
قال أبو بكر: وقال لي أبو يعلى بن الفراء توفي أبو بكر الخلال يوم الجمعة قبل الصلاة ليومين خلوا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر وثلاثمائة، ودفن في يوم السبت إلى جنب أبي بكر المروذي، وصلى عليه أبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمي.
أحمد بن محمد هانيء الطائي وقيل هو كلبي، أبو بكر الأثرم الوراق الاسكافي، صحب أحمد بن محمد ابن حنبل، وسمع بطرسوس أبا توبة الربيع بن نافع الحلبي، وبالمصيصة سنيد ابن داود المصيصي، وحدث عنهما وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وعفان بن مسلم وأبي نعيم، والقعنبي وغيرهم، روى عنه أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد وموسى بن هرون.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو الحسن بن أحمد الغساني قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو بكر البرقاني قال: قرأت على بشر بن أحمد الأسفرائيني حدثكم عبد الله بن محمد بن سيار أبو محمد الفرهياني قال: سمعت عباساً العنبري يقول: ما قدم علينا مثل عمرو بن منصور، وأبي بكر الوراق، فقلت: من أبو بكر؟ قال: الأثرم، فقلت أناله: لا نرضى أن تقرن صاحبنا بالأثرم، أي بأن هذا فوقه.
قال أبو بكر الحافظ: حدثت عن عبد العزيز بن جعفر قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الخلال قال: وأخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت أبا القاسم بن الجبلى قال: قدم رجل فقال لي: أريد رجلاً يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة، قال: فقلنا - أو فقالوا - ليس لك إلا أبو بكر الأثرم، قال: فوجه إليه ورقاً، فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة، فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء.
أنبأنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن محمد بن هانيء، أبو بكر الطائي، ويقال الكلبي، الأثرم، صاحب أحمد بن حنبل.
سمع حرمي بن حفص، وعفان بن مسلم، ومعاوية بن عمرو، وسليمان بن حرب، وأبا الوليد الطيالسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وأبا توبة الربيع بن نافع، وسنيد بن داود، ونعيم بن حماد، وأبا بكر ابن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير.
وله كتاب في علل الحديث، ومسائل أحمد بن حنبل يدل على علمه ومعرفته.
روى عنه موسى بن هرون، ومحمد بن جعفر الراشدي، وعمر بن محمد بن عيسى الجوهري، ويحيى بن محمد بن صاعد وغيرهم، وكان الأثرم من أهل اسكاف بني الجنيد، وبها مات فيما ذكر لي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، وقال لي: حدثني من زار قبره هناك.
قال الخطيب: وكان الأثرم فيمن يعد في الحفاظ والأذكياء، حتى قال فيه يحيى ابن معين - ما حدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي قال: حدثنا أبو بكر أحمد ابن محمد بن هرون الخلال قال: أخبرني عبد الله بن محمد قال: سمعت سعيد بن عتاب يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: - كان أحد أبوي الأثرم جنياً.
وقال الخلال أيضاً: أخبرني أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة قال: سمعت أبا جعفر بن شكاب يقول: سمعت يحيى بن أيوب، وذكر الأثرم، فقال أحد أبويه جني.
وقال الخلال: أخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن.

قال الخلال: وكان عاصم بن علي بن عاصم لما قدم بغداد طلب رجلاً يخرج له فوائد يمليها، فلم يوجد له في ذلك الوقت إلا أبو بكر الأثرم، فكأنه لما رآه لم يقع منه موقع لحداثة سنه، فقال له أخرج كتبك، فجعل يقول له: هذا الحديث خطأ، وهذا الحديث كذا، وهذا غلط، وأشياء نحو هذا، فسر عاصم به، وأملى قريباً من خمسين مجلساً، فعرضت على أحمد بن حنبل فقال: هذه أحاديث صحاح.
وكان يعرف الحديث ويحفظه، ويعلم الأبواب والمسند، فلما صحب أحمد ابن حنبل ترك كل ذلك، وأقبل على مذهب أبي عبد الله.
فسمعت أبا بكر المروذي يقول: قال الأثرم: كنت أحفظ - يعني الفقه والاختلاف - فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذاك كله، وليس أخالف أبا عبد الله إلا في مسألة واحدة، ذكرها المروذي، قال: فقلت له: فلا تخالفه أيضاً في هذه المسألة، وكان معه تيقظ عجيب جداً.
أنبأنا عبد الصمد بن محمد قال: أخبرنا علي بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي المقريء قال: أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران قال: أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سمعت أبا علي صالح بن محمد البغدادي يقول: كان أصحابنا ينكرون على الأثرم كتاب العلل لأحمد بن حنبل.
وقال أحمد بن علي: أخبرنا أبو بكر البرقاني قال: أخبرنا الحسين بن علي التميمي قال: حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحق الاسفرائيني قال: حدثنا أبو بكر المروذي قال: وسألته - يعني أحمد بن حنبل - عن أبي بكر الأثرم، قلت: نهيت أن يكتب عنه، قال: لم أقل إنه لا يكتب عنه الحديث، إنما أكره هذه المسائل.
أحمد بن محمد بن همام: ابن عامر أبي شهاب بن عامر بن محارب بن نعيم بن عدي بن عمرو بن عدي ابن الساطع بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله، أبو العباس بن أبي حامد بن أبي الوليد، التنوخي المعري، رجل مشهور مذكور، وكانوا يقولون انه كان شيخ جند حمص.
قرأت في تاريخ جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب: فيها - يعني سنة أربع وستين ومائتين - ولد أحمد بن أبي حامد بن همام رحمه الله، وسمعت جماعة من شيوخ معرة النعمان يصفونه ويقولون: انه كان شيخ جند حمص.
وقرأت بخط أبي الحسين علي بن المهذب المعري في تعليق له: سنة أربع وستين فيها: ولد عمي أحمد بن أبي حامد رحمه الله لاحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، وست خلت من أيار، وجدت مولده بخط أبيه، جدي أبي حامد محمد بن همام.
وقرأت بخط أبي الحسين بن المهذب في هذا التعليق: سنة إحدى وثلاثين - يعني - وثلاثمائة فيها: توفي عمي أحمد رحمه الله، يوم الاثنين للنصف من شعبان.
وقرأت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب قال: سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة فيها: توفي أحمد بن أبي حامد بن همام.
قلت: اظن أن أحمد بن أبي حامد روى الحديث عن أبيه أبي حامد والله أعلم.
أحمد بن محمد بن يحيى: أبو الحسن العسكري الفقيه بالثغور الشامية، حدت بطرسوس عن أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، وإبراهيم بن راشد الادمي، وحميد بن الأصبغ، وإبراهيم بن دنوقا، وأبي سعيد بن عقيل الفريابي، والربيع بن سليمان، وأحمد بن طاهر بن حملة، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأحمد بن عبيد بن ناصح، وأبي علاثة أحمد بن عمرو بن خالد، وأحمد بن حازم ابن أبي غرزة وغيرهم.
روى عنه الحافظ أبو أحمد محمد بن محمد الحاكم، وأبوا بكر: محمد بن إبراهيم بن المقريء، ومحمد بن علي بن سويد المؤدب، وأبو الحسن: محمد بن الحسن الآبري، وعلي بن عمر بن محمد بن الحسن القزويني الحربي، وأبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله بحلب قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن الأخوة البغدادي وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسن بن محمد بن سليم قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي - وقالت عين الشمس: إجازة - قال: أخبرنا الشيخان: أبو منصور ابن الحسين، وأبو طاهر بن محمود الثقفي قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المقريء قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يحيى العسكري الفقيه بطرسوس قال: حدثنا حميد بن الأصبغ قال: حدثنا آدم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الآية كلمة طيبة كشجرة طيبة قال: هي النخلة، وتلا: كلمة خبيثة كشجرة خبيثة قال: هي الحنظل.
كتب إلينا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الحراني قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عمر بن أبي بكر الحازمي قال: أخبرنا عيسى بن شعيب ابن إسحق الصوفي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن بشرى الليثي قال: حدثنا الشيخ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم الآبري قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يحيى العسكري فقيه الثغور بطرسوس فيما قرأت عليه قال: حدثنا إبراهيم بن دنوقا قال: حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا خالد بن خداش قال: حدثنا سليمان بن عبد العزيز عن سيار بن سلامة عن أبي برزة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأمراء من قريش، الأمراء من قريش، لي عليهم حق، ولهم عليكم حق ما فعلوا ثلاثا: ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فوفوا.
وقال أبو الحسن الآبري: قرأت على أبي الحسن أحمد بن محمد بن يحيى العسكري بطرسوس رحمه الله، وكان من نبلاء الشافعيين، سنة أربع عشرة وثلاثمائة عن أحمد بن طاهر بن حرملة، فذكر حديثاً.
وتوفي أبو الحسن العسكري بعد هذا التاريخ.
أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك بن أبي عبيد الله بن المغيرة: أبو جعفر العدو المقرئ النحوي، المعروف جده بأبي محمد اليزيدي، عرف بذلك لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال المهدي.
سمع: أباه محمدا، وجده أبا محمد اليزيدي، وأبا سعيد الأصمعي، وأبا زيد الأنصاري.
روى عنه: ابناه أبو عيسى موسى، وأبو موسى عيسى، وأخواه عبيد الله والفضل ابنا محمد، وابن أخيه محمد بن العباس بن محمد اليزيديون، ومحمد بن عبد الملك الزيات، وعون بن محمد الكندي.
وكان أبو جعفر شاعراً مجيداً، عالماً بالقراءات والنحو، مدح المأمون، وقدم معه حلب حين قدمها، وكان في صحبته حين غزا الروم.
ذكر أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني في كتاب الأغاني قال: أخبرنا محمد ابن العباس - حدثني أبي عني أخيه أبي جعفر - قال: دخلت يوما على المأمون بقارا وهو يريد الغزو فأنشدته شعراً مدحته فيه أوله:
يا قصر ذا النخلات من بارا ... إني حننت إليك من قارا
أبصرت أشجاراً على نهرٍ ... فذكرت أنهاراً وأشجارا
لله أيامٌ نعمت بها ... بالقفص أحياناً وفي بارا
إذ لا أزال أزور غانيةٍ ... ألهو بها وأزور خمّارا
لا أستجيب لمن دعا لهدىً ... وأُجيب شطّاراً وذعّارا
أعصي النصّيح وكل عاذلةٍ ... وأُطيع أوتاراً ومزمارا
فغضب المأمون وقال: أنا في وجه غزو وأحض الناس على الغزو، وأنت تذكرهم نزهة بغداد؟ فقلت: الشيء بتمامه، ثم قلت:
فصحوت بالمأمون من سكري ... ورأيت خير الأمر ما اختارا
ورأيت طاعته مؤديّةً ... للفرض إعلانا وإسرارا
فخلعت ثوب الهزل عن عنقي ... ورضيت دار الخلد دارا
وظللت معتصماً بطاعته ... وجواره وكفى به جارا
إن حلّ أرضاً فهي لي وطنٌ ... وأسير عنها حيث ما سارا
فقال له يحيى بن أكثم: ما أحسن ما قال يا أمير المؤمنين، أخبر أنه كان في سكر وخمار، فترك ذلك وارعوى وآثر طاعة خليفته، وعلم أن الرشد فيها، فسكن وأمسك.

أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة، أبو جعفر العدوي النحوي، المعروف أبوه باليزيدي، كان من ندماء المأمون، وقدم معه دمشق، وتوجه منها غازيا للروم، وسمع أباه أبا محمد يحيى بن المبارك، وأبا زيد سعيد بن أوس الأنصاري، وكان مقرئاً.
روى عنه أخواه عبيد الله والفضل ابنا محمد وابن أخيه محمد بن العباس ابن محمد بن أبي محمد اليزيدي، وعون بن محمد الكندي، ومحمد بن عبد الملك الزيات.
قلت: كذا وقع السهو في كتاب الحافظ أبي القاسم في موضعين، في قوله المعروف أبوه باليزيدي، وإنما المعروف بذلك جده أبو محمد، وفي قوله سمع أباه أبا محمد يحيى بن المبارك، وإنما هو جده أيضاً.
نقلت من خط عبد السلام البصري المعروف بالواجكا: نسخت من آخر كتاب نوادر اليزيدي، كتاب الشيخ أبي سعيد - يعني السيرافي - من خط أبي بكر بن السراج قال لي أبو عبد الله اليزيدي أيده الله - يعني أبا عبد الله بن العباس بن محمد بن يحيى اليزيدي - : كان لأبي محمد يحيى بن المبارك العبدي - وهو المعروف باليزيدي، وإنما سمي اليزيدي لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال المهدي - من الذكور محمد، وهو أسنهم، وهو جد أبي عبد الله، وولد محمد من الذكور إثني عشر فأولهم أحمد، وعبد الله، وهو الغالب عليه اللقب عبدوس، والعباس أبو أبي عبد الله أسعده الله، وهؤلاء الثلاثة أوصياء أبيهم؛ وجعفراً، وعلياً، والحسن، والفضل، والحسين، وهما توأمان، وعيسى، وسليمان، وعبيد الله، ويوسف، فالبارع منهم أحمد، والعباس، وجعفر، والحسن والفضل، وسليمان، وعبيد الله، فمات أحمد قبل سنة ستين، ولم ينشى لهؤلاء كلهم ابن روى العلم غير أبي عبد الله أسعده الله، وابنين لأحمد بن محمد أحدهما موسى، ويكنى بأبي عيسى، وعيسى ويكنى بأبي موسى، وريا عن أبيهما، وعم أبيهما إبراهيم بن محمد، ما سمعا من أبي زيد والأصمعي.
هذا مما نقلته من خط عبد السلام في ذكره، وقد قيل إنهم من موالي بني عبد مناة بن تميم.
وقال أبو خاتم: اليزيدي مولى لبني عدي وليس منهم، ولكن كذا يقولون، كان نازلاً فيهم فنسب إلى آل يزيد، وكان مؤدباً ليزيد بن مزيد.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن - إذنا - قال: أخبرنا أبو منصور القزاز، وأنبانا أبو القاسم بن الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس، قالا: أخبرنا ابو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك، أبو جعفر اليزيدي، سمع جده يحيى بن المبارك، وأبا زيد سعيد بن أوس الأنصاري.
روى عنه أخوه عبيد الله وابن أخيه محمد بن العباس بن محمد اليزيدي، وعون بن محمد الكندي، وكان أديباً عالماً بالنحو، شاعراً مدح المأمون والمعتصم وغيرهما، ومات قبل سنة ستين ومائتين بمدة طويلة.
أحمد بن محمد بن يحيى بن صفوان الأنطاكي أبو بكر، قيل فيه هكذا، وقيل أحمد بن يحيى بن صفوان، وهو المعروف، وسيأتي ذكره فيمن اسم أبيه يحيى إن شاء الله تعالى.
أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم بن أبي الخناجر: أبو علي الأنصاري الأطرابلسي، سمع بطرسوس: بشير بن زاذان، وإسحق بن عيسى بن الطباع، وموسى بن داود قاضي طرسوس أبا عبد الله؛ وبالمصيصة: محمد بن كثير المصيصي؛ وروى عنهم وعن محمد بن مصعب القرقساني ومعاوية بن عمرو، ويحيى بن أبي بكير الكرماني، ومحمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن مصعب القرقساني، والعباس بن الوليد البصري، ومؤمل بن اسماعيل.
روى عنه: أبوا بكر: عبد الله بن محمد زياد النيسابوري، ومحمد بن عبد الله بن محمد الطائي الحمصي، وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي، وأبو علي محمد ابن محمد بن أبي حذيفة، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأحمد بن محمد بن نصر بن بحير، وأبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء، وأبو الجهم بن طلاب، وأبو المعمر الحسين بن محمد بن سنان الموصلي، والحسن بن حبيب، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن عدي، وأبو الطيب علي بن محمد بن أبي سليمان الصوري، وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وأبو الفضل أحمد بن عبد الله بن هلال السلمي، وعبد الملك بن عدي.

أخبرنا أبو هاشم الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد السمعاني قال: أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو زيد واقد بن الخليل بن عبد الله قال: أخبرنا والدي أبو يعلى الحافظ قال: حدثني أحمد بن محمد الزاهد قال: حدثنا عبد الملك بن عدي قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن يزيد بن أبي الخناجر الأطرابلسي قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا همام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وسفيان الثوري قالوا: حدثنا عطاء ابن السائب قال: حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً - أو قال: صباحاً - فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشربها فمثل ذلك، فإن عاد فشربها فمثل ذلك، فإن عاد فشربها الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين يوماً، فإن تاب لم يتب الله عليه، وكان حقاً على الله أن يسقيه. قال همام: من نهر الخبال، وقال حماد وسفيان: من طينة الخبال: قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار.
أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني - إذنا عن أبي محمد عبد الكريم بن حمزة - قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد قال: أخبرنا تمام بن محمد قال: حدثنا خيثمة ابن سليمان من حفظه قال: حدثنا ابن أبي الخناجر قال: كنت في مجلس يزيد بن هرون بواسط، فجاء أمير المؤمنين فوقف علينا في المجلس، وفي المجلس ألوف، فالتفت إلى أصحابه، فقال: هذا الملك.
أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو عبد الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر الحسين بن سلمة قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال ابن مندة: وأخبرنا حمد بن عبد الله - إجازة - قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم الأنصاري الأطرابلسي المعروف بابن أبي الخناجر، روى عن المؤمل بن اسماعيل، ويحيى بن أبي بكير، وموسى بن داود، كتبنا عنه، وهو صدوق.
أخبرنا عمر بن طبرزد - فيما أذن لنا فيه - عن أبي القاسم بن السمرقندي عن أبي طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر قال: أخبرنا الحسن بن محمد أحمد بن جميع قال: أخبرنا أبو يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة قال: سمعت محمد بن الحسن بن قتيبة يقول: ما كتبت في الإسلام عن شيخ أهيأ ولا أنبل منه - يعني الخليل بن عبد الله - ومن ابن أبي الخناجر أحمد بن محمد بن يزيد، أبو بكر النرسي: سمع بحلب أبا أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي، وحدث عنه ببغداد، روى عنه محمد بن جعفر المعروف بزوج الحرة.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل - فيما أذن لنا في روايته عنه - قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا عبد الله بن أبي بكر بن شاذان قال: حدثنا محمد جعفر، المعروف بزوج الحرة، املاء قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو أسامة الحلبي قال: حدثنا يعقوب بن كعب قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، ومغيرة عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف آخر الناس خروجاً من النار رجل يخرج منها زحفاً فيقال له: انطلق فادخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيقال له: تذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول: نعم فيقال له: تمن، فيتمنى، فيقال له: لك ما تمنيت وعشرة أضعاف ذلك، فيقول: أتسخر بي وأنت الملك، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
أحمد بن محمد بن يزيد، أبو سهل الفارسي حدث بالمصيصة عن أحمد بن شيبان الأحنف المصيصي، وأحمد بن حرب الطائي، روى عنه الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحق الحافظ، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد ابن عبد الرحيم بن الأخوة البغدادي وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسن قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، وقالت عين الشمس إجازة، قال: أخبرنا الشيخنا أبو الفتح منصور بن الحسين بن علي بن القاسم، وأبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المقرئ قال: حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد الفارسي بالمصيصة قال: حدثنا أحمد بن حرب قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي قال: حدثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: من كانت عنده شهادة، فلا يقول: لا أخبر بها إلا عند إمام، ولكن ليخبر بها لعله يرجع ويرعوي.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقير - كتابة - قال: أخبرنا أبو العلاء الهمذاني إجازة قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسن الهمذاني قال: أخبرنا أبو علي الصفار قال: أخبرنا أبو بكر بن منحوية قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد الحافظ قال: أبو سهل أحمد بن محمد بن يزيد الفارسي سكن المصيصة، سمع أحمد بن حرب الطائي، وأحمد بن شيبان الأحنف المصيصي.
أحمد بن محمد بن يعقوب بن أحمد أبي هزان الخثعمي الأنطاكي: أبو بكر، حدث بحلب عن أبي الفضل محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث، روى عنه أبو سعد السمان.
أخبرتنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري في كتابها إلينا من نيسابور عن أبي القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري قال: حدثني الاستاذ الأمين أبو الحسن علي بن الحسن بن مردك قال: أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل ابن علي بن الحسين الرازي - إجازة - قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يعقوب بن أحمد بن أبي هزان الخثعمي الأنطاكي بحلب بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث قال: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر وأبي الزبير عن جابر قال: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح حتى إذا بلغ الكديد أفطر وأفطر الناس.
أحمد بن محمد بن يعقوب بن عبد الله أبو الحسين الوراق البغدادي، المعروف بابن توتو.
حدث بحلب وغيرها عن أبي حفص بن حرب القصير وأبي النضر إسماعيل بن عبد الله، وأبي أحمد عبيد الله بن يزيد الطرسوسي، وعبيد الله بن الحسن بن عبد الرحمن الانطاكي، وجعفر بن محمد الخلدي، وأبي بكر المدبر بن الربيع البزاز، وأبي بكر محمد بن عمر الجعابي، ومحمد بن أحمد بن هرون العسكري وعمر بن يوسف، وأبي محمد عبد الرحمن بن المبارك بن محمد، وأبي بكر محمد ابن الحسن بن دريد الأزدي، وأبي محمد عبيد الله بن الحسن الأزدي وأبي بكر محمد بن ابراهيم بن عبد الله، وأبي كثير محمد بن ابراهيم بن محمد بن إسحق الشيباني، وأبي بكر محمد بن عبد الله الوراق، ومحمد بن الحسن الرافقي، وأبي بكر بن الأنباري، وأبي يعلى محمد بن زهير بن الفضل الايلي، وعبد الله بن ثابت المحاربي الكوفي، وأبي القاسم منصور بن الحسن بن مذحج الأزدي، وأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الطالقاني.
روى عنه: القاضي أبو طاهر صالح بن جعفر الهاشمي، وأبو بكر أحمد بن علي بن الفرج الصوفي المعروف بابن الحبال، الحلبيان، ومحمد بن أحمد الأشعري، وتمام بن محمد الرازي، ومحمد بن أحمد الأشعري.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي، وأبو عبد الله الحسين بن ابراهيم بن الحسين الإربلي قالا: أخبرنا بركات بن ابراهيم الخشوعي قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الاكفاني في يوم عيد الاضحى سنة عشرين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني قراءة علينا من لفظه في يوم عيد فطر أو عيد أضحى قال: حدثنا أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر ابن أحمد بن زياد الميداني في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثني أبو بكر أحمد بن علي بن الفرج الحلبي الصوفي المعروف بالحبال في يوم عيد فطر قال: حدثنا أبو الحسين أحمد الوراق بحلب في يوم عيد أضحى قال: حدثني أبو جعفر القصير يوم عيد فطر بين الصلاة والخطبة قال: حدثني أخي سليمان بن حرب في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثني بشر بن عبد الوهاب الكوفي في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثنا وكيع بن الجراح في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثنا سفيان الثوري في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثني ابن جريج في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثني عطاء بن أبي رباح في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: حدثني ابن عباس في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرا وأضحى، فلما صلى قال: " قد أصبتم خيراً فمن أحب أن يقعد فليقعد ومن أحب أن ينصرف فلينصرف " .
وقال أبو الحجاج: أخبرنا بركات الخشوعي في يوم عيد فطر من سنة ست وثمانين وخمسمائة بدمشق.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: أحمد بن محمد بن يعقوب ابن عبد الله، أبو الحسين الوراق البغدادي المعروف بابن توتو، حدث بدمشق عن محمد بن أحمد بن هرون العسكري، وجعفر بن محمد بن نصير الخلدي، روى عنه تمام بن محمد بن عبد الله الرازي.
أحمد بن محمد بن يعقوب بن أبي أحمد الطبري: أبو العباس بن أبي بكر، المعروف بابن القاص الفقيه القاضي من أهل طبرستان من كبار أصحاب الامام الشافعي رضي الله عنه.
صحب أبا العباس بن سريج وتفقه عليه، وتولى قضاء طرسوس، وكانت الفتوى إليه بها، وحدث بها عن: محمد بن عبد الله الحضرمي، وعبد الله بن غنام الكوفي، وأبي بكر محمد بن أحمد القاضي، وأحمد بن هاشم البغوي، ومحمد ابن عبيد الله، ومحمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ومحمد ابن صالح بن ذريح، ومحمد بن سعيد الأزرق، وأبي القاسم البغوي، ومحمد بن الفرج، وإسحق بن أحمد الخزاعي، والقاضي جعفر بن محمد الفريابي، وعبد الله ابن محمد، والحسن بن علي الطبري، وعلي بن مهروية القزويني، وأبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، والمفضل بن محمد الشعبي.
روى عنه: أبو عمرو عثمان بن عبد الله بن ابراهيم الطرسوسي القاضي، وأبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن منصور البيع العتيقي، وموسى بن ابراهيم الوراق، وأبو ذر الخضر بن أحمد الطبري.
وقال بعضهم: هو المعروف بالقاص.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل عن أبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل بن مطكود قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو علي الاهوازي قال: أخبرنا القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله بن ابراهيم الكرجي بالمعرة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر الفقيه بطرسوس قال: حدثنا أحمد بن هاشم قال: حدثنا رجاء بن محمد قال: حدثنا محمد بن عياد المهلبي قال: حدثنا صالح المري عن المغيرة بن حبيب عن مالك بن دينار عن الاحنف ابن قيس عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تكون قرية أو مدينة، أو مصر - يقال له البصرة أقوم الناس قبلة، وأكثره مؤذنون، يدفع الله عنهم ما يكرهون " .
أنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: وكان أبو العباس - يعني ابن القاص - فقيه أهل طرسوس ومفتيهم.

كتب الينا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني أن أباه الامام أبا سعد السمعاني أخبرهم - اجازة ان لم يكن سمعه منه - قال: والامام أبو العباس أحمد بن أبي أحمد القاص الطبري، امام عصره وصاحب التصانيف في الفقه والفرائض وأدب القاضي، ومعرفة القبلة وغيرها، تفقه على أبي العباس بن سريج، وبرع في الفقه وتلمذ له جماعة منهم: أبو علي الطبري المعروف بالبرجلاني.
وإنما قيل لأبي العباس القاص لدخوله ديار الديلم والجبل، وقود عساكر الجهاد بها منها إلى الروم بالوعظ والتذكير.
ومن أشهر مصنفاته كتابه الموسوم بالتلخيص، وهو أجمع كتاب في فنه للأصول والفروع على قلة عدد أوراقه وخفة محمله على أصحابه، وكتابه في أصول الفقه، وهو كتاب مقنع.
وكان من أخشع الناس قلباً إذا صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما يحكى أنه كان يقص على الناس بطرسوس فأدركته روعة ما كان يصف من جلاله وعظمته، وملكته خشية ما كان يذكر من بأسه وسطوته، فخر مغشياً عليه، وانقلب إلى الآخرة لاحقاً باللطيف الخبير.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو المعمر المبارك بن عبد العزيز الأنصاري قال: أخبرنا أبو إسحق الفيروزبادي قال: ومنهم أبو العباس بن أبي أحمد العروف بابن القاص الطبري، صاحب أبي العباس بن سريج، مات بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وكان من أئمة أصحابنا صنف المصنفات الكثيرة: المفتاح، وأدب القاضي والمواقيت، والتلخيص الذي شرحه أبو عبد الله ختن الإسماعيلي؛ وقال: تمثلت فيه بقوله الشاعر:
عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إنّ النساء بمثله عقم
قال: ومنه أخذ الفقه أهل طبرستان.
وأخبرنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي في كتابه عن كتاب أبي عبد الله محمد بن لعي العظيمي قال في تاريخه في حوادث سنه خمس وثلاثين وثلاثمائة: توفي أبو العباس أحمد بن أبي القاص الطبري بطرسوس.
قلت: هكذا ذكر أبو إسحق الفيروز بادي في طبقات الفقهاء وفاة أبي العباس ابن القاص وأبو عبد الله العظيمي في تاريخه في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وقد شاهدت بخط القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان في مواضع متعددة من مصنفاته: حدثنا أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري إملاء بطرسوس في المسجد الجامع سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فتكون وفاته في هذه السنة أو بعدها، وهو الصحيح فإن أبا عمرو الطرسوسي كان من أهل طرسوس، وكان ضابطاً، فهو أعلم بحياته، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة والله أعلم.
أحمد بن محمد بن يعقوب الأنطاكي: وليس بابن أبي هزان المقدم ذكره، سمع بالبصرة أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وحدث عنه بدمشق، روى عنه القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله ابن إبراهيم الطرسوسي، وهو شرط الحافظ أبي القاسم الدمشقي، ولم يذكره في تاريخ دمشق.
أحمد بن محمد بن يوسف: أبو العباس المؤدب المقرئ الأصبهاني، المعروف بابن مردة؛ قرأ القرآن العظيم بمنبج بقراءة أبي عمرو وابن عامر، وحمزة وعاصم، على أبي العباس أحمد ابن علي المنبجي المقرئ، وقرأ ببغداد على أبي حفص عمر بن إبراهيم الكتاني، وأبي القاسم بكر بن شاذان؛ وبدمشق علي أبي بكر محمد بن أحمد السلمي، وابن داود الداراني؛ وبالرقة علي أبي طاهر محمد بن أسيد بن هلال الأشناني الرقي؛ وبالكوفة على محمد بن عبد الله القاضي الجعفي، وسمع عبد الوهاب الكلابي، وأبا الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، وأبا أحمد عبد الله بن الطبراني، وأبا محمد عبد الله بن جعفر الطبري، وأبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس المكي، وأبا علي الحسن بن عبد الله بن سعيد البعلبكي، وعمران ابن الحسن بن يوسف الجبلي، وأبا بكر محمد بن أحمد بن أبي الحديد.
روى عنه: أبو بكر محمد بن الحسن بن سليم، وأبو المعمر شيبان بن عبد الله بن أحمد بن شيبان، وأبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، وأحمد بن الفضل الباطرقاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمد بن محمد بن يوسف بن أبي الحارث البزاز: أبو جعفر، سمع بالثغور الشامية حجاج بن محمد الأعور، وموسى بن داود الضبي قاضي المصيصة، والحسن بن موسى الأشيب قاضي الثغر، ومحمد بن مصعب القرقساني وغيرهم.

وذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، بما أخبرنا به القاضي جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل فيما أذن لنا ان نرويه عنه، قال: أخبرنا الحسن علي بن أحمد الغساني قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: أحمد بن محمد بن يوسف بن أبي الحارث أبو جعفر البزاز، سمع حجاج بن محمد الأعور، ومحمد بن مصعب القرقساني، وروح بن عبادة، والحسن بن موسى الأشيب، ويحيى بن يعلى المحاربي، ومعلى بن منصور الرازي، ويونس بن محمد المؤدب، وموسى بن داود الضبي.
روى عنه يحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن مخلد الدوري، وأبو الحسين بن المنادي، وأبو عوانة الإسفرائيني، وعلي بن إسحق البادرائي، وغيرهم؛ وكان ثقة.
قال أبو بكر الخطيب: أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن العباس قال: قرئ علي ابن المنادي وأنا أسمع قال: وتوفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الحارث في هذه الأيام، يعني في شهر ربيع الآخر من سنة سبعين ومائتين.
وقال أبو بكر: حدثني عبد العزيز بن أحمد بن علي الكتاني بدمشق قال: أخبرنا مكي بن محمد بن الغمر المؤدب قال: أخبرنا أبو سليمان محمد ابن عبد الله بن أحمد بن زبر قال: سنة سبعين قال أبي: فيها مات أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي الحارث يوم الأحد آخر جمادى الآخرة.
أحمد بن محمد بن أبي حمدان الأنطاكي الكوفي: أبو بكر نزيل أنطاكية، حدث عن: سهل بن صالح الأنطاكي، وجعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وجعفر بن محمد بن الحجاج، وأبي عياش أحمد بن عبد الله بن أبي حماد.
روى عنه: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن محمد عيسى بن يقطين اليقطيني.
أنبأنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا مسعود بن أبي منصور الجمال قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا منصور بن محمد بن الحسن الحذاء قال: حدثنا عبد الله بن أبي داود قال: حدثنا أيوب الوزان قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إبراهيم بن هراسة عن سفيان الثوري.
قال أبو نعيم: وحدثنا محمد بن الحسن اليقطيني قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي حمدان الأنطاكي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحجاج قال: حدثنا سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني قال: حدثنا إبراهيم بن هراسة قال: حدثنا سفيان الثوري عن معاوية بن قرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت عنده فارس فقال: فارس عصبتنا أهل البيت زاد جعفر، قيل لسعيد: ما معنى عصبتنا أهل البيت؟ قال: هم ولد إسحق عم ولد اسماعيل.
أنبأنا أبو حفص عمر بن علي بن قشام قال: أخبرنا أبو العلاء الحافظ الهمذاني إجازة قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي علي بن محمد قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن منجوية قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحق الحافظ قال: أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي حمدان الكوفي سكن أنطاكية، سمع سهل بن صالح الأنطاكي، وجعفر بن عبد الواحد الهاشمي.
أحمد بن محمد بن أبي الخصيب المصيصي: إن لم يكن ابن المستنير الذي قدمنا ذكره فهو غيره، وهو أبو بكر الحافظ من ولد شرحبيل بن حسنة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم؛ حدث عن موسى بن الحسن المصري، وأحمد بن صالح؛ روى عنه أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري.
كتب إلينا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي أن أبا الفتح محمد بن عمر بن أبي بكر الأنباري أخبرهم قال: أخبرنا عيسى بن شعيب السجزي قال: أخبرنا علي بن بشرى الليثي قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن أبي الخصيب الحافظ المصيصي من ولد شرحبيل بن حسنة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان أحفظ من بالثغور في زمانه - قال: سمعت موسى بن الحسن المصري بالمدينة قال: سمعت هرون بن سعيد يقول سمعت الشافعي يقول: شربت اللبان للحفظ، فأعقبني صب الدم.
أحمد بن محمد بن أبي سعدان: أبو بكر الشافعي الصوفي البغدادي، من كبار شيوخ الصوفية وعلمائهم، نزل طرسوس، وكان صحب الجنيد بن محمد، وأبا الحسين النوري، وصحبه أبو القاسم المصري، وروى عنه شياً من كلامه أبو القاسم جعفر بن أحمد الرازي.

أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي في كتابه إلينا منها قال: أخبرنا أبو الخير جامع بن عبد الرحمن بن إبراهيم السقاء الصوفي قراءة عليه بنيسابور قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار الصوفي قراءة عليه قال: أخبرنا ابو عبد الرحمن السلمي قال: ومنهم - يعني من مشايخ الصوفية - أبو بكر بن سعدان، وهو أحمد بن محمد بن أبي سعدان البغدادي من أصحاب الجنيد والنوري، وهو أعلم مشايخ الوقت بعلوم هذه الطائفة، وكان عالماً بعلوم الشرع متقدماً فيه ينتحل مذهب الشافعي، وكان استاذ أبي القاسم المصري رضي الله عنه، ويعرف من علوم الصنعة وغير ذلك، وكان ذا لسان وبيان، وبلغني أنه كان بطرسوس فطلب من يرسل به إلى الروم فلم يجدوا مثله في فضله وعلمه وفصاحته وبيانه ولسانه.
قال السلمي: سمعت الشيخ أبا القاسم جعفر بن أحمد الرازي يقول: سمعت أبا الحسن بن حريق، وأبا القاسم الفرغاني يقولان: لم يبق في هذا الزمان لهذه الطائفة إلا رجلان: أبو علي الروذباري بمصر، وأبو بكر بن أبي سعدان بالعراق، وأبو بكر أفهمها.
وقال: سمعت أبا القاسم الرازي يقول: سمعت أبا بكر يقول: من صحب الصوفية فليصحبهم بلا نفس ولا قلب ولا ملك، فمتى نظر إلى شيء من أسبابه قطعه ذلك عن بلوغ مقصده.
أحمد بن محمد بن أبي الوفاء بن أبي الخطاب بن محمد بن الهزير الربعي: أبو الطيب المعروف بابن الحلاوي الموصلي، شاعر مجيد فاضل حسن المفاكهة والأخلاق، قدم علينا حلب في أيام الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي، وامتدحه بها، وأقام بها مدة، وجالسته وسمعت شيئاً من شعره بحلب، وخرج عن حلب إلى بلده، وتوجه إلى بغداد وامتدح الامام المستنصر أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين رحمه الله، ثم عاد إلى الموصل وأقام بها، وأجرى له أميرها بدر الدين لؤلؤ جارياً حسناً، واجتمعت به فيها، وأنشدني مقاطيع من شعره، وكان حينئذ قد غير ملبوسه وتزيا بزي الأجناد، وكان اجتماعي به بالموصل بمشهد البرمة يوم التاسع من محرم سنة إحدى وخمسين وستمائة.
أنشدنا شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء المعروف بابن الحلاوي لنفسه بالموصل من لفظه.
حكاه من الغصن الرّطيب وريقه ... وما الخمر إلاّ وجنتاه وريقه
هلالٌ ولكن أُفق قلبي محلّه ... غزالٌ ولكن سفح عيني عقيقه
وأسمر يحكى الأسمر اللدن قّده ... غدا راشقاً قلب المحبّ رشيقه
على خدّه جمرٌ من الحسن مضرمٌ ... يشّب ولكن في فؤادي حريقه
أقرّ له من كلّ حسن جليله ... ووافقه من كلّ معنىً دقيقه
بديع التثني راح قلبي أسيره ... على أنّ دمعي في الغرام طليقه
على سالفيه للعذار جديده ... وفي شفتيه للسلاف عتيقه
يهددّ منه الطّرف من ليس خصمه ... ويسكر منه الريق من لا يذوقه
على مثله يستحسن الصّب فتكه ... وفي حبّه يجفو الصديق صديقه
من الترك لا يصبيه وجدٌ إلى الحمى ... ولا ذكر بانات الغوير يشوقه
ولا حلّ في حي تلوح قبابه ... ولا سار في ركب يساق وسيقه
ولا بات صّباً بالفريق وأهله ... ولكن إلى خاقان يعزى فريقه
له مبسم ينسي المدام بريقه ... ويخجل نوّار الأقاحي بريقه
تداويت من حرّ الغرام ببرده ... فأضرم من ذاك الحريق رحيقه
إذا خفق البرق اليمانّي موهناً ... تذكرّته فاعتاد قلبي خفوقه
حكى وجهه بدر السماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس هذا شقيقه
وأشبهت منه الخصر سقماً فقد غدا ... على عارضيه آسه وشقيقه
رآني خيالاً حين وافى خياله ... فأطرق من فرط الحياء طروقه
وأشبهت منه الخصر سقماً فقد غدا ... يحملني كالخصر ما لا أُطيقه
فما بال قلبي كلّ حبّ يهيجه ... وحتام طرفي كل حسنٍ يروقه
فهذا ليوم البين لم تطف ناره ... وهذا فبعد لابعد ما خّف موقه

وللهّ قلبي ما أشدّ عفافه ... وإن كان طرفي مستمراً فسوقه
أرى الناس أضحوا جاهليّة ودّه ... فما باله عن كل صبٍ يعوقه
فما فاز إلاّ من يبيت صبوحه ... شراب ثناياه ومنها غبوقه
وأنشدنا أبو الطيب بن الحلاوي لنفسه.
ألف الملال ومال عن ميثاقه ... رشأٌ فراق النفس دون فراقه
عذب اللمى حلو الخلال كأنما ... خلقت مراشف فيه من أخلاقه
جوّال حلى الخصر أخرس صّده ... عن ذكره السلوان نطق نطاقه
يفتر عن عذب المراشف واضحٍ ... مرّ الصبابة دون حلو مذاقه
يسقي لماه سليم عقرب صدغه ... فينوب منه الريق عن درياقه
دقّت معاني حسنه ولقدّه ... عبث الأنام القنا بدقاقه
وسنان يقلقني توعد طرفه ... ويودّه قلبي على اقلاقه
يهوى المطال ولو بأيسر موعدٍ ... ويصدّ حتى الطيف عن مشتاقه
وقف الجمال على محاسن وجهه ... حتى ظننا الحسن من عشّاقه
يا محرقاً قلباً أقام بديعه ... ألا كففت جفاك عن احراقه
رفقاً بصبّك إن أرتّ بقاءه ... يكفيه ما يلقاه من أشواقه
أطلقت أدمع عينه يوم النوّى ... وفؤاده أحكمت شدّ وثاقه
أسهرته وأسلت مقلته دماً ... أترى ذبحت النّوم في آماقه
وهذا المعنى سبقه به ابن قلاقس في قوله:
فليت شعري وقد بكيت دماً ... هل ذبح النّوم بين آماقي
وأنشدنا ابن الحلاوي أيضاً لنفسه:
تبدّت فأودى بالقضيب اعتدالها ... وأربى على نقص الهلال كمالها
وفاهت من الدرّ الثمين بمثله ... وأزرى على السّحر الحرام حلالها
فما الحسن إلاّ ما حواه لثامها ... وما الغصن إلا ما أراه اختيالها
من الترك في رشق السهام وإنها ... ليعزى إلى حيي هلالٍ هلالها
تصول بمّياد القوام بمثله ... تكر إلى قتل الرجال رجالها
وما الصّعدة السمراء إلاّ قوامها ... فصعبٌ على غير الجليد اعتقالها
نأت دارها عني وفي القلب شخصها ... فحمّلني ثقل الغرام احتمالها
ولو لم تكن بدر السماء لما غدا ... إلى القلب بعد الطرّف مني انتقالها
تذللت في حبي لها فتذللّت ... وآفة ذلي في الغرام دلالها
ومن عجبٍ أخشى مع الهجر بعدها ... وما كان يرجى في الدنو وصالها
وما هي إلا الشمس يدنو منارها ... ويبعد عن أيدي الرجال منالها
من البيض وافاها النعيّم فعمهّا ... وزيّنها في رتبة الحسن خالها
وأنشدنا لنفسه ثلاثة أبيات نظمها بحلب المحروسة وقد سئل أن ينظمها لتكتب على مشط للسلطان الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر رحمهما الله فقال:
حللت من الملك العزيز براحةٍ ... غدا لثمها عندي أجلّ الفرائض
وأصبحت مفترّ الثنايا لأنني ... حللت بكف بحرها غير غائض
وقبّلت سامي خدّه بعد كفه ... فلم أخل في الحالين من لثم عارض
وأنشدني لنفسه وقد سئل أن يحل هذا اللغز وهو في الشبابة بنظم يلغز فيه الشبابة.
وناطقةٍ خرساء بادٍ شجونها ... تكنّفها عشر وعنهنّ تخبر
يلذ إلى الأسماع رجع حديثها ... إذا سّد منها منخرٌ جاش منخر
فقال في الجواب:
نهاني النهى والحلم عن وصل مثلها ... فكم مثلها فارقتها وهي تصفر
وأنشدنا لنفسه أبياتاً كتبها إلى القاضي محيي الدين يحيى بن محيي الدين محمد بن الزكي يصف كتابه.
كتبت فلولا أن ذاك محّرمٌ ... وهذا حلالٌ قست خطّك بالسحر
فوالله ما أدري أزهر خميلةٍ ... بطرسك أم در يلوح على نحر
فإن كان زهراً فهو صنع سحابة ... وإن كان درّاً فهو من لجّة البحر

وأنشدنا لنفسه من أبيات يهنيء بها الأمير ركن الدين ابن قراطاي بعيد الفطر في سنة إحدى وأربعين وستمائة.
أتاك العيد مبتسما ولولا ... وجودك لم يكن منه ابتسام
وولى الصوم يشكر منك سعياً ... حميداً لا ينال ولا يرام
كلا الحالين فيه أجدت صنعا ... فمحمودٌ فطورك والصيام
على دار السلام وأنت فيها ... لأجلك دائماً مّنا السلام
بقربك لّذلي فيها مقامي ... ولولا الركن ما طاب المقام
وأنشدني لنفسه وكتب بها إلى أمين الدين ياقوت المعروف بالعالم، صاحب الأمير أمين الدين لؤلؤ، يطلب منه أن يطلب له من صاحبه أمين الدين لؤلؤ صايواناً وقد عزم على السفر إلى الشام من الغد.
عزمت رحيلاً في غدٍ غير جازع ... من البين إذ أنحى علىّ بثقله
وكيف يخاف البين من إلفه النوى ... وأهون شيءٍ عنده شت شمله
وقد عرضت لي حاجةٌ إن تقم بها ... فإنك أهلٌ للجميل وفعله
أريد من المولى الأمير الذي سرت ... مواهبه بين الورى سير عدله
أخا سفرٍ ما حلّت الشمس وجهةً ... من الأرض إلاّ صّدها قدر شكله
ذوائبه مستبشراتٌ لشّده ... إذا شئت أو مستسلماتٌ لحله
فكن مسعدي فيما طلبت فمقصدي ... بأنّي لا أنفكّ من تحت ظله
توفي أبو الطيب بن الحلاوي في شهور سنة ست وخمسين وستمائة.
أحمد بن محمد بن أبي يعقوب بن هرون الرشيد: ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، أبو الحسن الرشيدي الهاشمي، أمه أم ولد، وولي في أيام المقتدر أحكام المظالم والأمور الدينية، وكان من الأماثل الممدحين، ومدحه أبو بكر الصنوبري، وأبو أحمد ابن الزكورية الأنطاكي.
وحدث بحلب وأنطاكية عن: أبيه محمد بن أبي يعقوب، وأبي العباس محمد ابن الحسن بن إسماعيل الهاشمي، وأبي جعفر محمد بن علي الوراق حمدان، ومحمد بن غالب بن حرب تمتام، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، واسماعيل ابن عبد الله بن ميمون بن أبي الرجال العجلي الفقيه، والحسن بن عليل البصري، وعبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي، ويحيى بن أبي طالب الواسطي والحسن بن عرفة العبدي، والعباس بن عبد الله الترقفي، وأبي بكر عمرو ابن يحيى بن الحارث الزمجاري، وأبي إسماعيل الترمذي، وأحمد بن عبد الوهاب ابن نجدة الحوطي، وأبي الحسن علي بن أحمد السواق، وأبي موسى عمران ابن موسى، وأحمد بن الهيثم البزاز، وأبي عبادة الوليد بن عبيد البحتري وغيرهم.
روى عنه: أبو طالب علي بن الحسن بن إبراهيم بن سعد بن دينار الحلبي، وسمع منه بحلب، وأبو حفص عمر بن الحسن العتكي الأنطاكي، سمع منه بأنطاكية؛ وأبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي، وأبو علي منصور بن عبد الله الخالدي الهروي، وأبو الحسن إسماعيل بن أحمد بن أيوب ابن هرون البالسي، وأبو أحمد الحسن بن أحمد الامام، وأبو محمد الحسن بن محمد داود الثقفي المؤدب، وأبو الفتح محمود بن الحسين كشاجم، وأبو بكر محمد بن يحيى الصولي.
أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن المبارك الزبيدي البغدادي بمكة، وأبو سعد ثابت بن مشرف البناء البغدادي بحلب، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي قال: أخبرنا أبو عاصم الفضيل بن يحيى الفضيلي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري قال: حدثنا أبو أحمد الامام قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن هرون الرشيد أمير المؤمنين قال: حدثنا أبو موسى عمران بن موسى بالطبرية قال: حدثنا محمد بن أبي عمران بن أبي ليلى قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر ولما يفرغ منه، فاطلع فيه ثم قال: " أعوذ بالله من عذاب القبر " فعذنا بالله من عذاب القبر ثم اطلع ثانية ثم قال: أعوذ بالله من عذاب القبر فعذنا بالله من عذاب القبر، ثم اطلع ثلاثاً فقال: " أعوذ بالله من عذاب القبر " .
كذا قال في الاسناد: أحمد بن محمد بن هرون، فأسقط اسم جده أبي يعقوب، ونسبه إلى جد أبيه هرون الرشيد، وبه عرف بالرشيدي.

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي بها قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس بن المنجا بن كروس السلمي قال: حدثنا الشيخ الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي قال: أخبرنا أبو العمر مسدد بن علي بن عبد الله الأملوكي الحمصي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن علي بن الحسن بن إبراهيم العتكي الأنطاكي قال: حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد الرشيدي رحمنا الله وإياه بأنطاكية سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن علي الوراق أبو جعفر قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا مصعب ابن سليمان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم تمر فجعل يهديه، فرأيته يأكل مقعياً من الجوع.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن طاووس قال: أخبرنا حمزة ابن أحمد قال: أخبرنا أبو الفتح الفقيه قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن علي ابن إبراهيم بن يزداد الأهوازي بدمشق قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن قدامة الملطي المؤدب بأطرابلس قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الرشيدي الهاشمي قال: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب الحوطي وذكر حديثا يأتي ذكره في ترجمة علي بن عبيد الله الملطي إن شاء الله تعالى.
أخبرنا أبو القاسم الثعلبي قال: أخبرنا أبو يعلى السلمي قال: أخبرنا نصر ابن إبراهيم قال: أخبرنا المعمر الحمصي قال: أخبرنا عمر بن علي الأنطاكي قال: حدثنا أبو الحسن الرشيدي قال: سمعت العباس بن عبد الله الترقفي يقول: سمعت الفريابي ومحمد بن كثير قالا: سمعنا الأوزاعي قال: كان عندنا رجل صياد وكان يرى التخلف عن الجمعة، قال: فخرج يوماً كما يخرج فخسف به وببغلته، فما رأى منها إلا آذانها، قال ابن كثير والفريابي مررنا بذلك الموضع فرأيناه، قال العتكي: وقد رأيت ذلك الموضع.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ الدمشقي قال: أحمد بن محمد بن أبي يعقوب بن هرون الرشيد، أبو الحسن الرشيدي الهاشمي، سمع: بدمشق أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وأبا العباس محمد بن الحسن بن اسماعيل، وأحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي بجبلة، وأبا بكر عمرو بن يحيى بن الحارث الزمجاري بحمص، وبالعراق أبا جعفر محمد بن علي الوراق حمداناً، ومحمد بن غالب بن حرب تمتاماً، وأبا النضر إسماعيل بن عبد الله بن ميمون بن أبي الرجال العجلى الفقيه، والحسن بن عليل البصري بسر من رأى، وعبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي، ويحيى بن أبي طالب الواسطي، وأبا الحسن علي بن أحمد السواق، والعباس بن عبد الله الترقفي، والحسن بن عرفة العبدي، وأبا إسماعيل الترمذي وغيرهم.
روى عنه: أبو حفص عمر بن علي بن الحسن العتكي الأنطاكي، وأبو علي منصور بن عبد الله الخالدي الهروي، وأبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي.
قرأت في شعر أبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري الحلبي أبياتاً يمدح بها أبا الحسن الرشيدي، وقد أنشدنا بعض قوله ابن رواج قال: أنشدنا السلعي قال: أنشدنا أبو منصور بن النقور قال: أنشدنا القاضي أبو القاسم التنوخي قال: أنشدنا المعنوي قال: أنشدنا الصنوبري لنفسه، والأبيات قوله:
وأحللت همّاتي بنجم تجلّه ... نجوم قصيٍ عند غايتها القصوى
بمنتخب من هاشمٍ ضربت له ... قباب العلا منها على الذّروة العليا
بأبلج ينميه الرشيد إذا بدا ... رأيت لسيما المجد في وجهه سيما
بديهته تعلو روية غيره ... ويسرى يديّ معروفه أبداً يمنى
إذا لشيمة الحسنى أبا الحسن انتمت ... فإن إليكم منتمى الشيمة الحسنى
ألستم بني خير الأباطح أبطحاً ... وأعظم من صلّى إلى القبلة العظمى
توليتت أحكام المظالم والتقى ... على سنن منها البعيد وذو القربى
وقلدت أعواد المنابر فاكتست ... منابرها نور الطهارة والتقوى
رآك إمام المسلمين أجلّهم ... نهوضاً فلم ينهضك إلاّ إلى الجلى

إذا حضروا للإذن قدّمت قبلهم ... إلى رتبةٍ يدعونها الرتبة القدما
وإن رفع الأستار راعاك طرفه ... مراعاة بشرٍ في عواقبه بشرى
وقرأت في ديوان شعر أبي أحمد موسى بن أحمد الأنطاكي المعروف بابن الزكروية قال يمدح أبا الحسن أحمد بن محمد الرشيدي المقيم كان بحلب، من أبيات أولها:
رماني بالبعاد وبالصدود ... وفارقني فأشمت بي حسودي
طلبت فتى تليق به القوافي ... لأقصده فأمنحه قصيدي
فلم أر في جميع الأرض أهلاً ... لذاك سوى أبو الحسن الرشيدي
فتى عذبت خلائقه فعمت ... جميع الخلق من بيض وسود
رفيع المجد شهم هاشمي ... شريف في الأبوة والجدود
جواد في مذاهبه جميل ... سعيد حل في برج السعود
فلو حل السجود لوجه خلق ... نعظمه سوى الصمد المجيد
لكان لأحمد المحمود مني ... ركوعي ثم كان له سجودي
هو القيل المؤمل والمرجا ... مدى الدنيا لبأسٍ أو لجود
لقد أحيا أناسا بعد موت ... فعاش القوم في عيش رغيد
أنال المستحقين العطايا ... كذاك ينال في دار الخلود
وسد الثغر من بعد انثلام ... بأقوام كأمثال الأسود
ولو لم يأت تدبيرا وعرفاً ... يشيب لهوله رأس الوليد
لكان الروم يغشونا وكانت ... جموع جيوشهم في برقعيد
لقد منّ الإله على البرايا ... برأيك بل وبالعقل الحميد
لكم أصلحت ثلمة هدم ثغر ... وكم أنشأت من حصن جديد
وكم جسراً عقدت على طريق ... شققت بعقده بطن الحسود
بزائريك إذا ألموّا ... وتصغي للكلام وللنشيد
وتنثر بعد ذاك لهم حديثاً ... كنظم الدر في عقد وجيد
نقلت من خط أبي الحسين علي بن المهذب المعري في تعليق له في التاريخ، سنة أربع عشرة - يعني - وثلاثمائة، وفيها: توفي أبو الحسن الرشيدي بحلب.
وسير إلى بعض الشراف الهاشميين بحلب تاريخاً جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن المهذب فقرأت فيه، وفيها - يعني سنة أربع عشرة وثلاثمائة - : توفي أبو الحسن الرشيدي بحلب.
أحمد بن محمد اليشكري: قدم دابق على مسلمة بن عبد الملك، ودخل معه في غزاته المشهورة التي جهزه فيها أبوه عبد الملك بن مروان، وبلغ فيها إلى القسطنطينية، وكان اليشكري هذا أحد الفتية الذين تابوا بالمدينة وخرجوا إلى دابق لهذه الغزاة، وسنذكر خبرهم ان شاء الله تعالى فيما يأتي من هذا الكتاب.
أحمد بن محمد الحلبي: حدث عن محمد بن الحارث، روى عنه أبو بكر أحمد بن مروان المالكي. أخبرنا أبو بكر عتيق بن أبي الفضل بن سلامة السلماني قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ.
وحدثنا أبو الحسن بن أحمد بن علي من لفظه عن أبي المعالي عبد الله بن صابر قالا: أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي قال: أخبرنا رشاء بن نظيف بن ما شاء الله قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال: حدثنا أحمد بن محمد الحلبي قال: حدثنا محمد بن الحارث قال: حدثنا المدائني قال: تغدى أعرابي مع سليمان بن عبد الملك، وهو يومئذ ولي عهد، فقال له سليمان: كل من كليته فإنها تزيد في الدماغ، فقال: لو كان هذا هكذا لكان رأس الأمير مثل رأس البغل.
أحمد بن محمد الحلبي: حدث عن علي بن عبد العزيز صاحب أبي عبيد، روى عنه أحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي.

أنبأنا أبو الحسن بن المقير عن أبي الفضل محمد بن ناصر قال: أخبرنا أبو الفضل جعفر بن يحيى الحكاك المكي إجازة قال: أخبرنا أبو نصر عبد الله بن سعيد ابن حاتم الوائلي قال: أخبرنا أحمد بن الحاج قال: أخبرنا أحمد بن محمد الحلبي قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو أيوب الدمشقي عن محمد بن نمران عن سعيد بن بشير عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء قال: جزأ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء، فقال: قل هو الله أحد جزء منها.
أحمد بن محمد أبو بكر الحلبي: حدث عن يوسف بن موسى، روى عنه أبو حامد أحمد بن علي العطار.
أخبرنا الشيخ الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قراءة عليه بحلب عن أبي بكر محمد بن علي بن ياسر الحياني الحافظ قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد الشريك قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي المسكي، والشيخ مفتي بن مشكور قالا: أخبرنا أبو الفرج علي ابن عبد الرحمن - إملاءً - قال: أخبرنا الشيخ أبو حامد أحمد بن محمد بن علي العطار السرخسي رحمه الله بها، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد الحلبي قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا أبو التقى هشام بن عبد الملك قال: حدثنا محمد بن مخزوم بن سعدانة القرشي قال: حدثنا محمد بن داب عن بكر بن يونس الكوفي عن بعض أشياخه، وكانت له صحبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا ذات يوم بابن له، فقال له: يا بني لا تزهد في معروف، فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذوات نوائب على الشاهد والغائب، يا بني كم من راغب قد كان مرغوباً إليه، وطالب قد كان مطلوباً ما لديه، وأعلم أن الزمان ذو ألوان، ومن صحب الزمان يرى الهوان، وكن يا بني كما قال أخو بني الدئل:
أعدد من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب
فكل امرئ لا يرتجى الخير عنده ... يكن هيناً ثقلاً على من يصاحب
ولا تمنعن ذا حاجة جاء طالبا ... فانك لا تدري متى أنت راغب
أحمد بن محمد الرافقي: حدث بحلب عن عبد الله بن الحسن بن زيد الحراني، روى عنه أبو الحسن البصري.
نقلت من مجموع وقع إلي بماردين بخط بعض أهل الحديث لا أعرف كاتبه قال: وأخبرنا الشيخ الصالح الواعظ أبو حفص عمر بن محمد بن يحيى الزبيدي قال أخبرنا حسس بن غالب قال: أخبرنا أبو الحسن البصري قال: حدثنا أحمد ابن محمد الرافقي بحلب قال: حدثني عبد الله بن الحسن بن زيد الحراني قال: حدثنا يحيى بن إسحق بن يزيد الخطابي قال: رفع إلي عمر كتاباً، فقال: هذا كلام عمر بن عبد العزيز، فكان فيه: لقد لام الله العلماء على علمهم كما لام الجاهلين على جهلهم، فوضع الثواب والعقاب على فرائضه ومحارمه، كما وضعها على الإقرار والإنكار، وحاج العلماء على إقرارهم كما حاج الجهال على إنكارهم، والتمني على الله خدعة، والاعتلال عليه هلكة، واستصغار محارمه فرية عليه، وترك التوبة زهد فيما عنده، والبخل بحقه شك في وعده، وتتبع الشهوات إضرار، وتأميل البناء جهل، وبقدر الشغل بالدنيا يكون الفقر، وبقدر إيثار التقوى يكون العلم، ليس العلم بالرواية ولا الحكم بالظلامة، ولا معرفة الحكم بالحفظ، ولا حفظه بتلاوته دون العمل به والانتهاء إلى حدوده، وبتحريف الكتاب هلك الزائغون، وبإضاعة التأويل هلك العالمون، وبإصابة التأويل وحفظه يهتدي الراسخون في العلم.
وذكر بعده كلاما آخر اختصرته.
أحمد بن محمد الحلبي: روي عن سري السقطي، روي عنه علي بن محمد القصري. أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب قال: حدثنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا القاضي أبو محمد الحسن بن الحسن بن محمد بن رامين الأسترباذي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحميدي الشيرازي قال: حدثنا القاضي أحمد بن محمود بن خرزاد الأهوازي قال: حدثني علي بن محمد القصري قال: حدثني أحمد بن محمد الحلبي قال: سمعت سريا السقطي يقول: سمعت بشرا - يعني - ابن الحارث يقول: قال ابراهيم بن أدهم: وقفت على راهب في جبل لبنان فناديته، فأشرف علي، فقلت له: عظني، فأنشأ يقول:

خذ عن الناس جانباً ... كي يعدّوك راهبا
إنّ دهراً أظلّني ... قد أراني العجائبا
قلّب النّاس كيف شئ ... ت تجدهم عقاربا
قال بشر: فقلت لإبراهيم: هذه موعظة الراهب، فعظني أنت، فأنشأ يقول:
توحّش من الاخوان لا تبغ مؤنساً ... ولا تتخذ أخاً ولا تبغ صاحبا
وكن سامريّ الفعل من نسل آدم ... وكن أوحدياً ما قدرت مجانبا
فقد فسد الاخوان والحب والاخا ... فلست ترى إلا مذوقاً وكاذبا
فقلت ولو لا أن يقال مدهدةٌ ... وتنكر حالاتي لقد صرت راهباً
قال سري: فقلت لبشر: هذه موعظة إبراهيم لك، فعظني أنت، فقال: عليك بلزوم بيتك، فقلت: بلغني عن الحسن أنه قال: لو لا الليل وملاقاة الاخوان ما كنت أبالي متى مت، فأنشأ يقول:
يا من يسرّ برؤية الاخوان ... مهلاً أمنت مكائد الشيطان
خلت القلوب من المعاد وذكره ... وتشاغلوا بالحرص في الخسران
صارت مجالس من ترى وحديثهم ... في هتك مستور وخلق قران
قال الحلبي: فقلت لسري: هذه موعظة بشر لك، فعظني أنت، فقال: عليك بالاخمال، فقلت: إني لأحب ذلك، فأنشأ يقول:
يا من يريد بزعمه اخمالا ... إن كان حقاً فاستعد خصالا
ترك المجالس والتذاكر يا أخي ... واجعل دؤبك للصلاة خيالا
بل كن بها حياً كأنك ميت ... لا يرتجي منه القريب وصالا
قال علي بن محمد: قلت للحلبي: هذه موعظة سري لك، فعظني فقال لي: يا أخي أحب الأعمال إلى الله تبارك ما أصدر إليه من قلب زاهد في الدنيا، فازهد في الدنيا يحبك الله، ثم أنشأ وهو يقول:
أنت في دار شتات ... فتأهّب لستاتك
واجعل الدنيا كيوم ... صمته عن شهواتك
واجعل الفطر إذا ما ... صمته يوم مماتك
قال ابن خرزاد: فقلت لعلي: هذه موعظة الحلبي لك، فعظني فقال لي: احفظ وقتك واسخ بنفسك لله تعالى، وانزع قيمة الأشياء عن قلبك يصفو لذلك سرك، ويزكو بذلك ذكرك، ثم أنشدني:
حياتك أنفاس تعد فكلما ... مضى نفسٌ منها انتقصت به جزءا
فتصبح في نقص وتمسي بمثله ... وما لك معقول تحسّ به رزءا
تمسّك بما يحييك في كل ساعة ... ويحدك حاد ما يريدك الهزءا
قال أبو محمد: قلت لأحمد: هذه موعظة علي لك، فعظني فقال لي: يا أخي عليك بلزوم الطاعة وإياك أن تبرح من باب القناعة، واصلح مثواك، ولا تؤثر هواك واتبع آخرتك بدنياك، واشتغل بما يعنيك بترك ما لا يعنيك، ثم أنشدني:
ندمت على ما كان مني ندامةً ... ومن يتبع ما تشتهي النفس يندم
فخافوا لكيما تأمنوا بعد موتكم ... ستلقون رباً عادلاً ليس يظلم
فليس لمغرور بدنياه زاجرٌ ... ستندم إن زلّت النعل فاعلم
قال القاضي أبو محمد بن رامش قلت لأبي محمد: هذه موعظة أحمد لك فعظني أنت فقال: اعلم رحمك الله، إن الله جل ثناؤه ينزل العبيد حيث نزلت قلوبهم نحوها، فانظر أين أنزلت قلبك، واعلم أنه يقرب القلوب على حسب ما قرب إليها، فانظر من القريب من قلبك وأنشدني:
قلوب رجالٍ في الحجاب تزول ... وأرواحهم فيما هناك حلول
بروح نعيم الأنس في عز قربه ... بايراد توحيد المليك تجول
لهم بفناء القرب من محض برّه ... عوائد بدلٍ خطبهّن جليل
قال أبو بكر الخطيب: فقلت للقاضي أبي محمد بن رامين: هذه موعظة الحميدي لك فعظني فقال: إتق الله وثق به ولا تتهمه فإن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك، وأنشدني:
اتّخذ لله صاحباً ... وذر الناس جانباً
جرب الناس كيف ... شئت تجدهم عقاربا

قال أبو الفرج غيث الصوري: قلت للشيخ أبي بكر: هذه موعظة القاضي أبي محمد لك فعظني أنت فقال احذر نفسك التي هي أعدى أعدائك، إن تتابعها على هواها فذلك أعضل دائك، واستشعر الخوف من الله بخلافها، وكرر على قلبك ذكر نعوتها وأوصافها فإنها الأمارة بالسوء والفحشاء، والموردة من أطاعها موارد العطب والبلاء، واعتد في جميع أمورك أن تحرى الصدق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، وقد ضمن الله تعالى لمن خالف هواه أن يجعل دار الخلد قراره ومأواه، وأنشدني لنفسه:
إن كنت تبغي الرشاد محضاً ... في أمر دنياك والمعاد
فخالف النفس في هواها ... إنّ الهوى جامع الفساد
أحمد بن محمد أبو العباس النامي الدارمي المصيصي: شاعر مجيد من شعراء سيف الدولة أبي الحسن بن حمدان المقيمين بحلب في أيامه، وكان فاضلاً أديباً عارفاً بالأدب واللغة، وقفت له على أمالي أملاها بحلب، روى فيها عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفشى، وابن درستويه، وأبي عبد الله الكرماني، وأبي بكر الصولي، وإبراهيم بن عبد الرحيم العروضي، وأبيه محمد المصيصي، وطحال.
روى عنه: أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي أسامة الحلبي، وأبو الفرج الببغاء، وأبو الخطاب بن عون الحريري، وأبو بكر الخالدي، والقاضي أبو طاهر ابن جعفر الهاشمي الحلبي، وأبو الحسين أحمد بن علي بن أبي أسامة الحلبي.
ووقع إلي كتاب صنفه في العروض سماه المقنع وعليه خطه بقراءة أبي القاسم ابن أبي أسامة عليه.
وقيل إنه كان جزاراً بالمصيصة، وقرأت في أشعار السري الرفاء الموصلي يهجوه ويذكر أنه كان بالمصيصة جزاراً في موضع بها يقال له باب الشام:
أجزار باب الشام كيف وجدتني ... وأنت جزور بين نابي ومخلبي
أراك انتهبت الشعر ثم خبأته ... عن الناس فعل الخائف المترقب
تباعدتّ عن ياقوتة الثغر بالمدى ... إليه فلم تجرح ولم تتحوّب
ولما جرى الحذّاق في ضوء صبحه ... تعثّرت منه في ضبابة غيهب
حرمت من الايجاز أقرب مسلكٍ ... ومن ذهب الألفاظ أحسن مذهب
وتزعم أن الشعر عندك أعربت ... محاسنه عن ناطقٍ منك معرب
فما بال شعر الناس ملء عيوننا ... وشعري في الأشعار عنقاء مغرب
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل عن أبي القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن أحمد الأديب إجازة عن أبي منصور الثعالبي في يتيمة الدهر: أحمد بن محمد النامي شاعر مفلق من فحول شعراء العصر وخواص شعراء سيف الدولة وكان عنده تلو المتنبي في المنزلة والرتبة.
وذكر ابن فورجة في التجني على ابن جني قال: وكان على كثرة شعراء سيف الدين لا يتقي أبو الطيب المتنبي منهم غير أبي العباس أحمد بن محمد المصيصي المعروف بالنامي، وله يقول المتنبي:
والمدح لابن أبي الهيجاء تنجده ... في الجاهلية عين العي والخطل
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل
قال: وذلك أن النامي كثيراً ما يذكر في مدائحه أيام الجاهلية.
أخبرنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب في كتابه إلي من بغداد عن أبي بكر محمد ابن عبد الباقي الأنصاري قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي قال: أخبرنا أبو علي المحسن بن علي التنوخي قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الصقر الكاتب قال: وكان النامي بطيء الخاطر شديد القول، إذا أراد أن يعمل شعراً خلا خلوة طويلة أياماً وليالي، فإن نطقت في داره جارية أو غلام كاد أن يقتله، وانقطع خاطره، واذا أراد أن يعمل قصيدة جمع جميع ما للعرب والمحدثين من الشعر على وزن تلك القصيدة وجعله حواليه ونظر فيه حتى يقتدح به خاطره ويتجلب معانيه. قال: ورأيته يفعل ذلك.

وقال أبو علي التنوخي: وقد أخبرني أيضاً بهذا جماعة منهم أبو إسحق إبراهيم ابن علي النصيبي أنه شاهده، وأنه كانت ترتفع له القصيدة في سبعة أشهر، قالوا: فكانت تحدث الحادثة عند سيف الدولة من فتح، أو صفة لوقعة، أو تهنئة بعيد أو غير ذلك فيعمل فيها الشعراء وينشدونه في الحال، أو بعد يوم ويومين ولا ينشده هو شيئا، فإذا كان بعد سبعة أشهر أو ثلاثة أو أكثر من ذلك أو أقل على حسب ما ترتفع، جاء إليه فاستأذن في الانشاد وقال: قد ارتفعت لي قصيدة في الفتح الفلاني، أو القضية الفلانية التي كانت جرت في وقت كذا وكذا، فإن رأى مولانا أن يأذن في انشادها، قال: فيكايده سيف الدولة فيقول: في أي وقت وأي قصة؟ فلا يزال يريه أنه قد أنسي تلك الحال لبعدها توبيخاً له إلى أن يكاد يبكي فيقول: نعم نعم هاتها الآن؛ قال: وربما اغتاظ لطول العهد وخروج الزمان عن الحد فلا يأذن له في الانشاد.
قال أبو علي التنوخي: وأخبرني أبو عبد الله بن الصقر هذا قال: كنت قائماً بين يدي سيف الدولة وقد ولد له قبل ذلك بتسعة أشهر مولود، وهنأه الشعراء عليه، فجاء النامي واستأذنه في الانشاد يهنيه بالمولود، فقال له سيف الدولة: يا أبا العباس الصبي قد حان لنا أن نسلمه إلى الكتاب، تنشدنا تهنئة بولادته الآن، فما زال يتضرع حتى أذن له.
قال أبو علي: وأخبرني ابن الصقر هذا، قال: قال لي النامي يوماً: كنت البارحة أعمل شعراً فصعق ديك سمعت صياحه، فانقطع خاطري قال: فقلت له: لا يجب أن تخبر بهذا عن نفسك.
قرأت بخط محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتاب المفاوضة، وأنبأنا المؤيد بن محمد بن علي عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران - إجازة - قال: حدثنا محمد بن علي بن نصر قال: حدثني أبو الفرج الببغاء قال: قصدت يوماً أبا العباس النامي المصيصي بعد تأخره عن سيف الدولة لأجل ما كان تنجز بينهما في معنى المتنبي وتقديمه له عليه، فعرفته خبره، وتفاوضنا ما جرى مع سيف الدولة، فقال: يا أبا الفرج خدمته الدهر الأطول وما رعى، واستجمل أن يقول لي: قال المتنبي، وأنا الذي أقول:
له نظرة نحو الحمول بحومل ... وأخرى إلى ودّان صادقة الودّ
إلى ها هنا عهد الوداع الذي به ... عهدت وما لي بالتجلّد من عهد
فيا قلب أعوان عليك كثيرة ... وما لك صبر عليهن من بدّ
وشاةٌ وعذال وبرق ودمنة ... ألا قل ما أجدت عليك وما تجدي
قرأت في كتاب أدب الخواص تأليف الوزير أبي القاسم الحسين بن علي ابن الحسين بن المغربي قال: وأنشدنا يوماً - يعني سيف الدولة أبا الحسن بن حمدان - في مجلسه القافية التي أولها إن الخليط أجد البين فانفرقا...
يعني من شعر زهير بن أبي سلمى، فأبدى استحسانا لها، فقال له النامي المصيصي أبو العباس أحمد بن محمد الدارمي: أراك كلفاً بها، أفتحب أن أمدحك بخير منها؟ قال: نعم أشد الحب، فلما كان بعد ايام لقيه راكباً على نهر حلب المسمى قويق، قال: فترجل ووقف عليه سيف الدولة، وأخذ ينشد قصيدةً في غاية الحسن أولها:
ما أنت مني ولا الطيف الذي طرقا ... ردّ الكرى واسترد مني الأرقا
فأراد سيف الدولة كياده والعبث به، فأعرض عنه وأظهر استنقاصاً لشعره، فقطع الانشاد في وسط القصيدة، وركب ومضى - وسيف الدولة يراه - إلى شاطئ النهر فخرقها وغسلها فاحتمله سيف الدولة، ولم ينكر ما كان منه، ودرست آثار هذه القصيدة فليس توجد في ديوانه.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد المؤدب إذناًُ ومكاتبة عن أبي غالب بن البناء قال: أنبأنا أبو غالب بن بشران قال: حدثنا محمد بن علي بن نصر الكاتب: قال: وحدثني أبو القاسم علي بن محمد المنجم الرقي قال: كان جميع أصحاب سيف الدولة يغتاظون من المتنبي ويتعصبون عليه للنامي، فلما عمل في وقعة بني كلاب القصيدة الرائية التي أولها:
طوال قناً تطاعنها قصار.....
فعمل النامي قصيدة أولها:
أألبيض تعصي يا عقيل بن عامر ... وما تبر الأعمار مثل البواتر
كأن علياً والقنا في ظهورهم ... سماء رمتهم بالنجوم الزواهر
فولت تناجي بالنجاء خلالها ... وتجأر من أحكام سمر جوائر

قال: وتشاجر الناس في القصيدتين، وتقدم سيف الدولة بانفاذهما إلى بغداد وأن يكتب في معناهما إلى العلماء، فلم يحكم أحد بشيء إلا أن قصيدة النامي أعيدت وقد كتبت بالذهب، فعلم من هذا أنهم قد فضلوها.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي بحلب قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن المنصور السمعاني - إجازة ان لم يكن سماعاً - قال: أنشدني أبو القاسم إسماعيل بن أحمد الدمشقي الحافظ.
وأنبأنا به عاليا الخطيب أبو القاسم عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي قال: أخبرنا عمي عبد الرحمن بن أحمد بقراءتي عليه قالا: أنشدنا عبد المحسن بن محمد بن علي التاجر قال: أنشدنا أبو الفتح أحمد بن علي المدائني بحلب قال: أنشدنا أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي أسامة قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن محمد النامي لنفسه.
رأيت في الرأس شعرة بقيت ... سوداء عيني تحب رؤيتها
فقلت للبيض إذ تروعها ... بالله ألا رحمت غربتها
قالت رأيت السوداء في وطن ... تكون فيه البيضاء ضرتها
أنبأنا أحمد بن أزهر السباك عن أبي بكر الأنصاري قال: أنبأنا أبو غالب بن بشران قال: حدثنا محمد بن علي نصر قال: أبو الخطاب بن عون الحريري وحدثني عنه أبو القاسم الشاعر بذلك، وقد رأيته ولم أسمع منه هذه الحكاية قال: دخلت إلى أبي العباس النامي فوجدته جالسا ورأسه كالثغامة بياضا وفيه شعرة واحدة سوداء، قلت له: يا سيدي في رأسك شعرة سوداء، قال: نعم، هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها، ولي فيها شعر، قلت: أنشدنيه فأنشدني:
رأيت في الرأس شعرة بقيت ... سوداء تهوى العيون رؤيتها
فقلت للبيض إذ تروعها ... بالله ألا رحمت غربتها
وقلٌ لبث السوداء في وطنٍ ... تكون فيه البيضاء ضرتها
ثم قال: يا أبا الخطاب بيضاء واحدة تروع ألف سوداء، فكيف بسوداء بين بين ألف بيضاء؟! قرأت في نسخة قديمة من ديوان شعر أبي العباس النامي، وأظنها بخط جامع شعره، ما صورته: وكنت أنشدت في ليلة من الليالي سيف الدولة أبيات البحتري.
وأبت تركي الغديات والآ ... صال حتى خضبت بالمقراض
شعراتٌ أقصهن ويرجع ... ن رجوع السهام في الأغراض
فهل الحادثات يا بن عويف ... تاركاتي ولبس هذا البياض
فاستحسنها وقال للنامي: أعمل مثل هذا، فعمل قصيدة يمتدحه ويصف الشيب وفيها:
ولقد جارت النهى فتغاضيت ... لبيض نهين بعض التغاضي
ثم خفت انقراض ود الغواني ... فاستعرت الصبا من المقراض
خطوات الشباب عن شعرات ... أشعرت أنها بواق مواض
وقرأت في هذه النسخة المشار إليها، وقال لي أبو العباس النامي: أهديت إلى صديق لي سكينا عليها طائر مذهب وكتبت معها أبياتاً منها:
أوقد الصقل ماء إفرندها الجاري ... فجاءت كالنار ذات اشتعال
جو نور لم تخله بدعة الصنعة ... من طائر بديع المثال
عام في لؤلؤ ولكنه قد ... قام فيه مذهب السربال
أخبرنا أبو الحسن بن المقير فيما أذن لنا فيه قال: كتب الينا الفضل بن سهل الحلبي أن أبا بكر الثابتي أخبرهم إذناً قال: أنشدنا أبو الفتح أحمد بن علي بن النحاس بحلب قال: أنشدنا الحسين بن علي بن أبي أسامة قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن محمد النامي لنفسه يصف الشقائق.
وعذراء كالعذراء عاقصة الشعر ... بدت في وقايات لقامتها حمر
تنشر عنها معجزاً من زبرجد ... يد الشمس زرته عليها يد القطر
قرأت بخط بعض الفضلاء: مات النامي أبو العباس في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة عن سن عالية، وكان من شعراء سيف الدولة.
والصحيح ما أنبأنا به أبو اليمن الكندي عن محمد بن عبد الباقي الأنصاري عن التنوخي قال: مات أبو العباس أحمد بن محمد المصيصي الشاعر المعروف بالنامي الكبير بحلب في سنة سبعين أو احدى وسبعين وثلاثمائة عن سن عالية، وسمعت من يذكر أنه مات عن تسعين سنة أو نحوها.

وأخبرنا أبو محمد بن عبد الله الأسدي إذناً عن مسعود الثقفي قال: أنبأنا أبو بكر الخطيب قال في كتاب المؤتنف.
ونقلته من خط محمد بن سعدون العبدري مما أخرجه أبو عبد الله الحميدي من كتاب المؤتنف تكملة المؤتلف والمختلف لعبد الغني والدارقطني قال: وأما النامي بالنون فهو أحمد بن محمد أبو العباس المصيصي الشاعر المعروف بالنامي، ذكر لي أبو القاسم التنوخي أنه مات بحلب في سنة سبعين أو إحدى وسبعين وثلاثمائة، شك في ذلك.
؟أحمد بن محمد، أبو الحسن المعنوي: وبعضهم يسميه علي بن أحمد، والصحيح هو الأول، وهو شاعر مجيد كان في أواخر عصر سيف الدولة أبي الحسن بن حمدان.
سمع أبا عبد الله بن خالويه، وروى عن أبي بكر أحمد بن محمد الصنوبري، وأحمد بن علي الكاتب، روى عنه شيخه أبو عبد الله بن خالويه، وأبو القاسم عبد الصمد بن أحمد بن خنبش الخولاني، وأبو محمد الحسن بن علي الجوهري وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي.
أخبرنا أبو هاشم بن أبي المعالي الفقيه قال: أخبرنا الإمام أبو سعد بن أبي بكر المروزي إجازة ان لم يكن سماعاً - قال: أنشدنا محمد بن محمد السلال قال: أنشدنا أبو علي محمد بن وشاح بن عبد الله الزينبي مولاهم قال: أنشدنا أبو القاسم عبد الصمد بن أحمد بن خنبش الخولاني قال: أنشدنا أبو الحسن أحمد ابن محمد المعنوي قال: أنشدنا أبو بكر الصنوبري لنفسه.
إن كان في الصيف ريحان وفاكهة ... فالأرض مستوقد والجو تنور
وإن يكن في الخريف النخل محترقا ... فالأرض محسورة والجو مأسور
وإن يكن في الشتاء الغيث متصلا ... فالأرض عريانة والجو مقرور
ما الدهر إلاّ الربيع المستنير إذا ... جاء الربيع أتاك النور والنور
فالأرض ياقوتة والجو لؤلؤة ... والنبت فيروزج والماء بلور
ما يعدم النبت كأساً من سحائبه ... فالنبت ضربان: سكران ومخمور
فيه لنا الورد منضود مورده ... بين المجالس والمنثور منثور
ونرجس ساحر الأبصار ليس كما ... كانت له من عمى الأبصار مسحور
هذا البنفسج هذا الياسمين وذا ال ... نسرين قد قرنا بالحسن مشهور
فظل تنثر فيه السحب لؤلؤها ... والأرض ضاحكة والطير مسرور
حيث التفت فقمري وفاخته ... تغنيان وشفنين وزرزور
إذ الهزاران فيه صوتا فهما ... لحسن صوتيهما عود وطنبور
يطيب فيه الصحارى للمقيم بها ... كما يطيب له في غيره الدور
من شم ريح تحيات الربيع يقل ... لا المسك مسك ولا الكافور كافور
أخبرنا عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن منصور قال: أخبرنا أبو جعفر المهدي بن أبي حرب المرعشي في دارة بسارية قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن نصر بن المرهف القاضي بنهاوند قال: أنشدنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أنشدني أبو الحسن المعنوي قال: أنشدنا أحمد بن علي الكاتب:
يوم بدا في غاية الحسن ... تبكى سحائبه بلا جفن
فالأرض تضحك من بكا المزن ... والشمس تحت سرادق الدجن
وكأن دجلة في تموجها ... تختال بين مطارف دكن
أخبرنا أبو محمد عبد الوهاب بن رواج قراءة عليه ببركة الفيل بين مصر والقاهرة قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن أحمد بن محمد بن النقور قال: أنشدنا القاضي أبو القاسم التنوخي قال: أنشدنا السنوبري لنفسه.
أيها المغتدي من العرس غادت ... ك نحوس ما بعدهن نحوس
ما سمعنا والله فيما سمعنا ... بعروس تجلى عليها عروس
قرأت على ظهر كتاب معاني القرآن للفراء بخط أبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمذاني مكتوباً بخط بعض تلامذته، أظنه عمار بن الحسين بن علي ابن حماد الموصلي قال ابن خالويه: حضر ذات يوم عندي أبو إسحق بن شهرام، وأبو العباس ابن كاتب البكتمري، وأبو الحسن المعنوي، فأنشد عمار بيتاً على فص خاتمه وهو:

وكل مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
وسأل الجماعة إجازته، فقال أبو إسحق بن شهرام.
وكل مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
وقد قال لي قوم تبدل سواهم ... لعلك تسلو إنما الحب كالحب
ومن لي بسلوى عنهم لو أطقتها ... ولكن عذلي ليس يقبله قلبي
فيا حب لا تبخل علي بقبلة ... ترد بها نفسي فيغبطني صحبي
فإني وبيت الله فيك معذب ... الفؤاد عليل القلب مختلس اللب
ولي مثل قد قاله قبل شاعر ... إذا ازددت منه زدت ضرباً على ضرب
خرجت غداة النضر اعترض الدمى ... فلم أر أحلى منك في العين والقلب
فوالله ما أدري أحسناً رزقته ... أم الحب أعمى مثل ما قيل في الحب
وقال أبو العباس:
وكل مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
فيا أسفي لو كان يغني تأسف ... وواكربتي لو روحت شدة الكرب
شربت بكأس الهم خمر فراقهم ... فأصبحت سكران السرور بلا شرب
وقال أبو الحسن المعنوي:
وكل مصيبات الزمان وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
ولم أر هذا الدهر يملك صرفه ... سوى الرجل العلاّمة النجد الندب
ولست لصرف الدهر بالواهن الذي ... يروح على لوم ويغدو على عتب
ولست أنا معنويّ الشام قولاً وفطنةً ... ولست هبيريّ العلاقة والحب
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الامام قال: أنشدنا أبو الفضل بن ناصر السلامي قال: أنشدنا أبو الفضل ابن الحداد الفرضي الحداد قال: أنشدنا أبو محمد الجوهري.
قال أبو سعد: وقرأت على أبي منصور بن خيرون المقرئ الشاهد عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أنشدني أبو الحسن المعنوي لنفسه:
كأنما ما كان من ... آثارهم لم يبن
إلاّ بقايا دمن ... فديتها من دمن
ودع روحي بدني ... يوم وداع السفن
راحوا فراحوا معهم ... بكل شيء حسن
أحمد بن محمد أبو سهل الفارسي: حدث بالمصيصة عن أحمد بن حرب، روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد ابن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسن قالا أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي - قالت: إجازة - قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن الحسين قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقريء: حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد الفارسي بالمصيصة قال: حدثنا أحمد بن حرب قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي قال: حدثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده شهادة فلا يقول لا أخبر بها إلا عند إمام، ولكن ليخبر بها لعله يرجع ويرعوي.
أحمد بن محمد العباسي: حدث عن عبد الله حبيق الأنطاكي، روى عنه أبو بكر بن المقرئ.
أخبرنا أبو الحجاج بن خليل قال: أخبرنا أبو مسلم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج الصيرفي - قالت: إجازة - قال: أخبرنا أبو الطاهر وأبو الفتح قالا: أخبرنا أبو بن المقرئ قال: حدثنا أحمد بن محمد العباسي قال: حدثنا عبد الله بن حبيق قال: حدثنا يوسف بن أسباط قال: سئل الثوري عن مسألة وهو يشتري شيئاً، فقال: دعني فإن قلبي مع درهمي.
أحمد بن محمد الاذني: إن لم يكن ابن سعيد الراوي عن لوين فهو غيره، حدث عن إبراهيم بن حماد؛ روى عنه أبو عمران موسى بن سهل الجوني.

كتب إلينا أبو الفتوح داود بن معمر القرشي من أصبهان قال: أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد الواعظ عن أبي هاشم محمد بن الحسين الجرجاني قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن عبد الله البخاري قال: حدثنا محمد بن عمر بن القاسم أبو عبد الله الفقيه ببخارى قال: أخبرنا عمر بن محمد بن إبراهيم أبو بكر العطار ببغداد قال: حدثنا أبو عمران موسى بن سهل الجوني قال: حدثنا أحمد بن محمد الأذني قال: حدثنا إبراهيم بن حماد قال: حدثنا يوسف بن سوار قال: حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن محارب بن دثار عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يقال له سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن، فلما صار في الطريق إذا هو بسبع رابض وسط الطريق فخاف أن يجوز، فتقدم إليه فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ، وهذا كتاب رسول الله إلى معاذ فقام السبع فهرول قدامة غلوةً ثم همهم ثم صرخ ثم تنحى عن الطريق، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ ثم رجع بالجواب فإذا هو بالسبع فخاف أن يجوز فقال: أيها السبع إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ وهذا جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاذ، فقام السبع فصرخ، ثم همهم، ثم تنحى عن الطريق، فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تدري ما قال أول مرة؟ قال: كيف رسول الله وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وأما الثانية فقال: أقر رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسلمان وصهيباً وبلالاً مني السلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أحمد بن محمد العقيلي أمير شاعر مذكور، وقفت على ذكره في مختار من أخبار مصر تأليف الأمير مختار الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي وأورد له قصيدةً طردية على مذهب طردية أبي فراس، وصف فيها أياماً مرت له بحلب وناحيتها، وذكر فيها منازل من قرى حلب مر بها وهو في الصيد، وذكر وقعة جرت له مع الروم، وكان ذلك في دولة بني حمدان، والطردية قوله:
يا سائلي عن خبري وسني ... خذ وصف أيام السرور عني
ذاك هو العمر الذي يسر ... وما سوى ذاك فليس عمر
أيام للأمر نفاذ ومضا ... وللسرور لذة بلا انقضا
أحسن يوم مرّ لي من عمري ... لم أر يوما مثله في دهري
يوم سرور كان في أرض حلب ... طربت فيه طرباً على طرب
وذاك أني قمت نصف الليل ... مشارفاً لخدمي وخيلي
حين زقا الباز وصاح الصقر ... فقلت: يوم صيده يسر
هات إليّ يا غلام الطاهي ... قلت له لمّا أتى: بالله
أكثر لنا من الشواء المنضج ... ومن دجاج فائق ملهوج
واشو من الحملان ما يكفينا ... واختر هديت الفائق السمينا
وامل الصناديق من المصوص ... حتى تكون عدد الشّخوص
واصلح من القبج مطجنات ... ومن فراريج مبزرات
واحمل من المري وماء الحصرم ... والخل والزيت اللذيذ المطعم
للكردناج والشوى والمائدة ... فحمل ذا فيه جميعاً فائدة
وأصلح من البيض مشوشات ... ونرجسيات ومقلوات
وأصلح رقاقاً واسعاً نقياً ... يكون ان لقيته بهيا
حتى ترى اللفة في التدوير ... قائمة كعنق الطنبور
إن قطعت ووضعت في الجام ... رأيت زهرا حسن النظام
ملاك بزماوردك الدجاج ... والقبج والدرّاج والسكباج
بكثرة البقل وخل الدنّ ... والبيض والزيتون والجبن
والجوز أيضاً وقلوب الخسّ ... وكثرة النعنع والكرفس
واضم إلى الصعتر والهليون ... ما يفتق الشهوة من طرخون

والمسك والماورد يا عجيب ... به إذا طيبته يطيب
وإن لقيت أحداً بلفة ... فلتكن اللفة تملا كفه
أريده يوم سرور كاملاً ... والخير فيه للرجال شاملا
وخذ لنا من الجنوب والجدا ... ما تشتهيه النفس في وقت الغدا
ووفر الأوساط والذوائبا ... حتى ترى منا غدا عجائبا
وخذ من الحلوى السلال الوافرة ... فإن أيدينا لها مباشرة
قلت: الشرابي فقالوا: قد حضر ... قلت احمل الراح ووفر يا قمر
وامل الأواني والبلسقيات ... يكن للطالب بارزات
واحمل من المرواح في جراره ... يشربه من شاء باختياره
وخذ من المطبوخ والشمسي ... ري رجال حظهم في الريّ
وخذ لنا فاكهة ترضاها ... فأعين الناس غداً تراها
وقلت: أين البازيار جعفر؟ ... قيل: باب الدار قلت: يحضر
قلت له لما أتى: اسمع قولي ... ولا تخالفني تنل من نيلي
قم فاحمل الكرز والفطرافا ... والزرقين واحذر الخلافا
وزرقان فهو سبع القبج ... وهو كثير في نواحي الفج
واحمل مع الكرز باشقين ... فرخين إن شئت وكرزين
أربعة فيها لنا كفاية ... وهي لعمري تبلغ النهاية
تصيد ما طار من الفراخ ... أحسن من صيدك بالفخاخ
وخذ صقورا تسعة كباراً ... تأخذ ما دب لها أو طارا
وخذ شواهيناً جياداً فرها ... تأخذ طير الماء فيه كرها
ستاً وإن شئت فخذ ثمانية ... تدير منها ما تشا علانيه
وخذ لنا عشراً من الكلاب ... مختارة تمعن في الهراب
وخذ من الأكلب للعراض ... أربعة فهي القضاء الماضي
وخلها بالله بالنوائب ... فإنها تأخذ كل ذاهب
وخذ لنا بورجنا يفرج ... فإنه يخرج ما في البنج
ثم خذ الفهد فإني وامق ... لصيده إذا اغتدي يعانق
كأنه بلثم ما يصيد ... وضمه فإنه شديد
كعاشق فاز بمن يحب ... وهو به من قبل ذاك صب
وقل له واس أخي مفرج ... لست أحب اليوم صيد الزمج
لا الباز يصطاد ولا الصقور ... إذا رأته فوقها يدور
وقلت للغلمان في وسط السحر: ... قوموا اخرجوا فاليوم يوم مشتهر
ولا تريدوا معكم من قد عرف ... بالشؤم في الصيد ولكن ينصرف
قالوا: فمن نرد؟ قلت: ردوا ... ذاك وذا وذا وشدوا
لما رددت القوم طابت نفسي ... وسرت في عصابة من جنسي
كل كريم بطل محام ... مغاور منازل مقدام
أجرى من الليث إذا الليث زأر ... والبدر في الحسن إذا البدر بهر
سقياً لعجار وما ولاها ... طاب ثراها وشفى هواها
حتى إذا صرت ورا البستان ... وعين قنسرين في الجنان
رأى الغلام أرنباً في المجثم ... نائمة بحينها لم تعلم
فشكها بالآلة المباركة ... ونفسها مما دهاها هالكه
وانفتح الصيد لنا وطابا ... قلت: احفظوا ويحكم الكلابا
فلم نزل نطلبها في البقعة ... حتى أخذنا مائة وسبعه
وصاح طير الماء عن يميني ... كأنما دل على كمين

قلت: ذر الأصفر والملمعا ... حتى إذا ما استعليا دارا معا
كأن ذا يطلب ذا في الحرب ... والطير منها في أشد الكرب
لما نقرت الطبل طار الرف ... واستقبلته بالردى الأكف
فجدلت أربعة كبار ... كأنها من ثقلها أحجار
ثم تبعناه إلى أحد البرك ... وهو من الخوف كطير في شرك
فلم يطر حتى نقرنا الطبلا ... فازداد منا وحشة وخبلا
حتى إذا طارت طيور الماء ... والطائران فوق في الهواء
تصوبت كالنار لما اشتعلت ... فجدّلت أربعة وارتفعت
ثمت عادا فأجدا في الطلب ... فلحقا ما كان منها قد هرب
فصرعا أربعة وأربعه ... وهبت الريح فصارت زوبعة
وجاءني العبد بسلوتين ... كلاهما في ثقل وزتين
وجاء صياد بمخلاتي سملء ... قد صادها منفرداً وما ترك
ثم عدلنا نطلب الدراجا ... وكان من كثرته أزواجا
فلم نزل نأخذ ما يطير ... كبيرها المأخوذ والصغير
حتى أخذنا فوق تسعين عدد ... والباز قد أسرع فينا واجتهد
ملنا جميعا فإذا الكراكي ... طويلة الساقات والأوراك
لما رأى الباز أجد السيرا ... ولا ترى أخبث منه طيرا
حتى إذا قاربها تعلقا ... زاد علواً وسما وحلقا
ثم رمى بنفسه عليها ... فكان موتاً مسرعاً إليها
فلم يزل يضربها وينصرع ... وقد تحداها بموت وطمع
فعل الشواهين بطير الماء ... إذا رأته وهو في السماء
حتى لقد صاد الكريم تسعه ... وسبعة وسبعة وسبعه
صيداً ترى عدته في جمعه ... وذا من الباز لعمري بدعه
واتبع الغطراف طيراً قد هرب ... لكل حتف سبب من السبب
بينا نسير فإذا الحبارى ... واقفة كأنها حيارى
لما رآها الباز طابت نفسي ... أرسلته فانسل مثل النمس
يطير فوق الأرض لا يدرى به ... فأفرد البائس من أصحابه
لحقته وهو عليه ينتف ... والقلب من خوف عليه يرجف
قلت له اركب مسرعا فما ركب ... حتى نزلت والحبارى تضطرب
ثم إذا الغطريف فوق الثاني ... أراه من بعد ولا يراني
فصحت بالصياد خذه من يده ... فطيرنا مجتهد في طرده
وقلت للقوم وقد صاح الحجل ... مذكراً بنفسه لمن عقل
هذا لعمري وقت صيد الباشق ... والزرقان سلوة للوامق
كبارها نأخذها في البنج ... والفرخ تعليقاً ولما يدرج
حتى أخذنا مائة وأربعة ... رأيتها في موضع مجتمعه
فيا له من فرح على فرح ... تأخذ من طير الفلاة ما سنح
لما أتينا النهر نبغي الطردا ... نكد ما نبصر منه نكدا
إذا النعام والحمير والبقر ... في فيء زيتون وتين وشجر
قال لي الصياد: ذا يوم ظفر ... والصبر عقبى خيره لمن صبر
فابعث بخيل تأخذ المضائقا ... واختر من الخيل الطمر السابقا
ووصهم بصيده من الجبل ... فكلما عاد إلينا قد حصل
بعثت من عينته للوقت ... سبعاً وسبعاً وصلت بست
ثم عبرنا النهر بعد مرهم ... نسير سيراً ليناً في إثرهم

حتى إذا صرنا حذا الزيتون ... وقد قربنا من أصول التين
إذا الظباء جفلت تطير ... واتبعتها بعدها الحمير
ثم إذا سرب النعام والبقر ... نافرة قد طلبت منها الأثر
قلت لهم: خلو الكلاب طرا ... ولا تخلوا فوق كف صقرا
فأدبرت هاربة فرارا ... والموت قد حاصرها حصارا
قد أخذت طرق الفلا عليها ... وكلنا منكمش إليها
حتى استوينا وهي في البطحاء ... بأكلب شدت على الظباء
فكم مهاة هلكت بطعنة ... ورمية تمكنت في الثفنة
وكم حمار كسرته حذفه ... وضربة تقد منه كتفه
وكم غزال أخذته الخيل ... حل به منها هناك الويل
وثابت الأكلب والصقور ... والصيد قد لاح لها الكثير
قلت: اجمعوا الصيد وشدوه شلل ... مما أصبننا بالسيوف والأسل
فجمعوا ما صيد بالكلاب ... وبالصقور الفره في الشعاب
ثمت جاءوا بنعامتين ... أحسن مما أبصرته عيني
قد شدتا وسيقتا في حبل ... كعاشقين اجتمعا للوصل
رأيت صيداً لا يرى نظيره ... غزلانها تقدمها حميره
وبقرات حمل تساق ... كأنها في سيرها الرفاق
قلت اجمعوا صيدكم وسيروا ... فما لصيد يومكم نظير
سرنا وقد حان أوان الظهر ... حتى نزلنا فوق شط النهر
قلت استريحوا ثم صلوا وكلوا ... ثم اشربوا الراح هنيا وارحلوا
وأجج الطباخ نارا هائلة ... يقلي ويشوي والنفوس مائلة
إلى فراخ القبج والدراج ... والراح إذ تشرب في الزجاج
وكلنا يذكر ما قد كانا ... وما رأته عينه عيانا
قمنا جميعا كلنا قد هاله ... ما قد رأى وسره ما ناله
قالوا: كذا الاقبال يا مولانا ... بالله لا تعلم بذا سوانا
قلت كلوا أحويكم مشوية ... فإنها بنية سرية
وقلت: لما شربوها راحا ... وكلهم قد طاب واستراحا
سيروا بنا ندخل بالنهار ... لينظر الناس إلى استظهاري
سرت وسار القوم بالسرور ... نعيد ما كان من الطيور
حتى مررنا بشفير واد ... إذا بشبلين على ميعاد
قلت لوهّاق معي خذ الوهق ... وارم به إن كان في الحبل حلق
ثمت درنا حولها بالخيل ... فشدها الوهاق قبل الليل
ثم حملناها وسرنا نجري ... خوفاً من الليث لئلا يدري
حتى إذا صرنا إلى الزيتون ... إذا بخيل الروم في الكمين
وهو لعمري موضع محذور ... فيه اللصوص أبداً تدور
لما رأونا اجتمعوا وقالوا ... لنا: الأمان قلت: ذا محال
والله لا أومن إلا من نطق ... بالحق فيما قاله ومن صدق
قالوا: علينا لك صدق المنطق ... نحن تركنا عسكر الدمستق
ليلاً وقد مر على سرتين ... ثمت خلاها على اليمين
وعزمه أن ينزل البدريه ... ليلاً ومنها يخرج السرية
نعم ولا بد من الكمين ... في موضع يخفى عن العيون
فاستبقنا فكلنا ذو حال ... بالمال نفدى ثم بالرجال
قلت: لكم ما قد طلبتم مني ... والله لا يروى القبيح عني

فسرت بالقوم وقد طار الخبر ... وخرج الناس جميعاً للنظر
وافترق العسكر كل قد حمل ... مما أصبناه ومما قد قتل
وفرق الباقي على أهل البلد ... فعمهم طرا وزاد في العدد
فأي يوم مثل ذا تره ... يشهده من صاد أو يراه
فقل لمن صاد زمانا واجتهد ... هذا هو الصيد فمن شاء فليصد
أنا العقيلي وهذا صيدي ... يتلف من كايدني بكيدي
بادرت بالروم إلى الأمير ... وبالظبا والصد والحمير
قلت له: اسمع خبر الدمستق ... وسر فإني سائر كي نلتقي
عليه إن حلّ بأرض الجومة ... فهي عليه سفرة مشؤومة
فسار لما جاءه رسولي ... سير همام قائل فعول
لما اجتمعنا قال: قد صح الخبر ... قلت له: ابشر فلك اليوم الظفر
قالوا لنا: قد نزلوا بمشحلا ... قلت لهم: حل بهم منا البلا
حتى إذا ما انتشرت خيل العدى ... ونهبت بعض الضياع والقرى
سرنا وسيف الله في عدوه ... يفري ولا نفرق من نبوه
قال: اتبعوني قد رأيت الجنة ... مفتوحة وعلقوا الأعنه
فقاتلوا بالحق أهل الباطل ... والسيف في الأعداء خير فاصل
لما رأونا طلبوا منا الهرب ... وسار في إثرهم سير الطلب
لم ترعيني مثل ما رأيت ... هذا وقد قاسيت ما قاسيت
عشرين ألفاً هلكت نفوسهم ... وحملت في وقعة رؤوسهم
على دواب الروم والبغال ... تقودها الأسرى من الرجال
فكانت الأسرى فويق الألف ... ما فيهم متهم بضعف
ونهب الناس من الدواب ... ومن سلاح الروم والثياب
ما ليس يحصى بالحساب والعدد ... فكم فتىً لله شكراً قد سجد
وعاد ثاني يومه الأمير ... وما له ند ولا نظير
فالحمد لله على ما كان ... فكم رأيت ظفراً عيانا
كم وقعة بالروم والأعراب ... بني تميم وبني كلاب
ظفرت فيها بهم مرارا ... وكلهم يلتمس الفرارا
كم قد قتلت وسبيت الأرمنا ... والروم لكن ليس للروم فنا
والسعي قد قابلني بسعد ... يمشي مع الاقبال سعي العبد
والدهر لي غصن وغصني ناضر ... وطالب الدنيا إليّ ناظر
أعطي ولا يرجع عني من طلب ... إلاّ بما يهوى ولو كان السلب
سقياً لدهر مرّ لي ما أطيبه ... لا يحوج الرزق إلى أن أطلبه
والعز تربي والحسام خدني ... يقرب مني ما يغيب عني
فليت شعري كم بقي من عمري ... وما الذي يجري عليه أمري
قد قلت لما ضاقت المذاهب ... استغفر الله فإني تائب
ما تصلح الدنيا لخلق بعدي ... إلاّ لمن يزهد فيها زهدي
قد نلت منها كل ما أريد ... وعشت فيها وأنا سعيد
وكنت لا أعبا بذكر الموت ... أطلب ما أهوى حذار الفوت
فاليوم قد خفت وخافت نفسي ... من ضغطة القبر وضيق الرمس
يا رب فارحم ضعف عبد خاطي ... يخاف يوم البعث والصراط
أخاف ما أعرفه من جهلي ... ومن ذنوبي وقبيح فعلي
ما لي في يوم الحساب عذر ... ولا على نار الجحيم صبر
ذكري لما قد كان في الشبيبة ... يجدد الحسرة والمصيبة

الله حسبي وعليه أعتمد ... فقد زهدت والسعيد من زهد
قرأت في حوادث سنة خمس وثمانين وثلاثمائة من تاريخ مختار الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي قال: ولأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول توفي أحمد بن محمد العقيلي، وذكر له هذه المزدوجة.
أحمد بن محمد القاضي الحلبي: ان لم يكن ابن ماثل الذي قدمنا ذكره فهو غيره، حدث... روى عنه أبو سليمان محمد بن الحسين بن علي بن ابراهيم الحراني.
أحمد بن محمد السهلي أبو الحسن: وقيل أبو الحسين الخوارزمي، كان يؤدب بني عم الوزير أبي القاسم الحسين ابن علي المغربي بحلب، وسمع بها أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه سنة ست وستين وثلاثمائة، وقرأت سماعه عليه مع المذكورين بخط علي بن الحسين والد الوزير في هذا التاريخ، ثم ارتفع شأنه بعد ذلك، وصنف له أبو علي بن سيناء كتاب دفع المضار الكلية للأبدان، وقرأت في مقدمة هذا الكتاب من كلام الرئيس أبي علي قال: أما بعد فان الشيخ الجليل السيد أبا الحسن أحمد بن محمد السهلي، وهو من عرف بعلو الهمة وشرف الارومة ومحبة العلوم الحقيقية والأخذ منها بالحظ الوافر، وارتباط المبرزين فيها وتحصيلهم عنده من حيث كانوا واحدا بعد واحد، لما اصطنعني في عقد جملته، وضمني إلى زمرته، أمرني من الأوامر الحكمة أن أعمل كتابا في دفع المضار الكلية للأبدان الانسانية، اذ تأمل الكتب الطبية فوجدها قد صرف فيها أكثر العناية إلى تحذير الأمور الضارة وقصر فيها كل التقصير في تدارك الخطأ فيما يقع للمهورين الواقعين فيما حذروا والمخالفين لما أمروا به، فتلقيت أمره العالي بالطاعة بقدر الاستطاعة، ورجوت أن ننتج بركة طاعتي لولي نعمتي ضرورياً من التوفيق تقصر عنها ذات مقدرتي، واستعنت بالله تعالى، انه عز وجل نعم المعين.
أنبأنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد عن أبي القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن أحمد الأديب إجازة عن أبي منصور الثعالبي قال: أبو الحسين أحمد بن محمد السهلي هو وزير بن وزير.
ورث الوزارة كابرا عن كابر ... موصولة الاسناد بالاسناد
قال: وكان يجمع بين آلات الرئاسة والآداب والوزارة، ويضرب في العلوم والآداب بالسهام الفائزة، ويأخذ من الكرم وحسن الشيم بالحظوظ الوافرة، وله كتاب الروضة السهلية في الاوصاف والتشبيهات، وبأمره والتماسه صنف الحسن بن الحارث الحبوبي في المذهب كتاب السهلي يذكر فيه المذهبين: مذهب الشافعي والحنفي، وله شعر فمن ذلك، ولم يسبق إلى معناه.
ألا سقنا الصهباء صرفاً فإنها ... أعز علينا من عناق الترحّل
وإني لأقلي النقل حباً لطعمها ... لئلا يزول الطعم عند التنقل
وله في النجوم.
والشهب تلمع في الظلام كأنها ... شرر تطاير من دخان النار
فكأنها فوق السماء بنادق ... الكافور فوق صلاية العطار
قال: وله في النجوم أشعار منها في شعاع القمر على الماء.
كأنما البدر فوق الماء مطلعاً ... ونحن بالشط في لهو وفي طرب
ملك رآنا فأهوى للعبور فلم ... يقدر فمد له جسر من الذهب
قرأت بخط صديقنا الفاضل ياقوت بن عبد الله الحموي في كتاب معجم الأدباء: أحمد بن محمد أبو الحسين السهلي الخوارزمي، قال محمود بن محمد الاسلامي في تاريخ خوارزم: انه مات بسر من رأى في سنة ثمان عشرة وأربعمائة على ما نذكره وهو من أجله خوارزم وبيته بيت رئاسة ووزارة وكرم ومروة.
خرج السهلي من خوارزم في سنة أربع وأربعمائة إلى بغداد وتوطنها، وترك وزارة خوارزم شاه أبي العباس مأمون بن مأمون، خاف من شره، ولما قدم بغداد أكرمه فخر الملك أبو غالب محمد بن خلف وهو والي العراق يومئذ، وتلقاه بالجميل، فلما مات فخر الملك خرج من بغداد هاربا أيضاً حتى لحق بغريب بن متقن خوفا على ماله، وكان غريب صاحب البلاد العليا تكريت ودجيل وما لاصقها، فأقام عنده إلى أن مات، وخلف عشرين ألف دينار سلمها غريب إلى ورثته.
أحمد بن محمد الانطاكي: حدث عن أبي عياش أحمد بن عبد الله بن أبي حماد، روى عنه أبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي البخاري.

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة اذنا عن أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي قال: أخبرنا القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله السعدي قال: حدثني أبي محمد ابن عبد الله قال: حدثني أبي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أحمد قال: حدثني محمد بن الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن محمد الانطاكي قال: حدثنا أبو عياش أحمد بن عبد الله بن أبي حماد قال: حدثنا محمد بن بشير قال: حدثنا محمد بن حفص قال: قيل لداود الطائي: يا أبا سليمان لم لا تجالس الناس؟ فسكت، ثم أعاد عليه، فقال: اللهم غفراً إما صغير لا يوقرك وإما كبير يحصي عليك عيوبك.
أحمد بن محمد الانطاكي: حكى عن سليمة الأنطاكية زوج الهيثم بن جميل الأنطاكي حكاية موته، وقد ذكرناها في ترجمة الهيثم فيما يأتي من كتابنا هذا ان شاء الله تعالى، روى عنه أبو بكر أحمد بن مروان المالكي.
أحمد بن محمد الخزاعي المعروف بالخاقاني: له كتاب مصنف في التاريخ ذكره أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن عبد الله المسعودي في مقدمة كتاب مروج الذهب في تسمية من صنف كتابا في التاريخ أو الأخبار.
أحمد بن محمد أبو حامد الانطاكي المعروف بأبي الرقعمق: أحمق شاعر معروف يهزل في شعره ويحاكي فيه الطيور وغيرها، وأول من سبق بهذا الفن أبو أحمد بن الزكورية الأنطاكي وسنذكره إن شاء الله تعالى فيمن اسمه موسى، ثم تبعه أبو الرقعمق، ثم تبعهما القصار المعروف بالصريع، وكان أبو حامد الأنطاكي حسن الشعر في الجد والهزل، وسافر إلى الديار المصرية ومدح بها الحاكم الفاطمي، روى عنه شيئا من شعره صالح بن إبراهيم بن رشدين.
قرأت بخط صالح بن إبراهيم بن رشدين في مجموعه، أنشدني أبو حامد المعروف بأبي الرقعمق أحمق لنفسه:
إلى كم يا بن بطريق ... رجاي منك في ضيق
وكم أصبح من مطلك ... سكراناً على الريق
وما أنت أبا بكرٍ ... إلى جودٍ بمسبوق
ولكنك في أمري ... بلا ذرة توفيق
وكم تضرط في خلقي ... بوعدٍ غير مخلوق
ونقلت من خط صالح بن رشدين أيضاً قال: قال لي أبو حامد المعروف بأبي الرقعمق أحمق: هجوت أبا الحسن محمد بن هارون الأكثمي ببيت واحد وهو:
ومن هارون في الناس ... أنا اصفع هارونا
فصنعت بيتين أضفت البيت اليهما حنى كمل الشعر وهما:
أرى الناس مجانينا ... بزور القول يهذونا
يقولون ابن هارون ... وهم في ذاك يخطونا
ومن هارون في الناس ... أنا أصفع هارونا
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد عن أبي القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن أحمد الأديب إجازة عن أبي منصور الثعالبي قال في في اليتيمة: أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي المعروف بأبي الرقعمق نادرة الزمان وجملة الاحسان، ومن تصرف بالشعر الجزل في أنواع الجد والهزل، وأحرز قصب الخصل، وهو أحد المجيدين والفضلاء المحسنين، وهو بالشام كابن حجاج بالعراق.
قرأت في كتاب الأمير مختار الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي في التاريخ، وفيه - يعني ربيع الآخر من سنة تسع وتسعين وثلاثمائة - توفي أبو حامد الشاعر المعروف بأبي الرقعمق وكان مطبوع الشعر، يذهب بشعره مذهب ابن مهران الشاعر المصري، ومذهب ابن الحجاج الشاعر البغدادي، ويجيء مليحا.
وقرأت في مجموع وقع إلي يتضمن فوائد ووفيات بخط بعض المصريين ممن يعتني بالتاريخ، قال فيما علقه فيه من الفوائد: مات الشاعر المعروف بأبي الرقعمق، وهو أبو حامد أحمد بن محمد الأنطاكي في شهر رمضان سنة تسع وتسعين، وذكر أيضاً وفاته في موضع آخر من هذا المجموع، وقال: في يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان مات أبو حامد الشاعر المعروف بأبي الرقعمق أحمد بن محمد أبو عبد الله الواسطي الكاتب:

وبعضهم يسميه محمد بن أحمد، حدث عن: الهيثم بن سهل، وعاصم بن علي روى عنه: محمد بن حمدون بن خالد النيل، وأبو سليمان عوف بن إسماعيل وسنذكر حديثه فيمن اسمه محمد بن أحمد فيما يأتي من هذا الكتاب ان شاء الله تعالى، وكان شاعراً كاتباً، وكتب لأحمد بن طولون إلى أن مات، وتولى تدبير ولده خمارويه بن طولون بعده.
ثم ان خمارويه لما خاف من اضطراب الشام بعد موت أبيه نفذ اليه مع سعد الأيسر جيشاً، وأمده بأحمد بن محمد الواسطي لتدبير الجيش، وتولي النفقات واستكتب عوضه محبوب بن رجاء، فلم يقع ذلك بموقع يرضي أبا عبد الله الواسطي، فتغير الواسطي وفسد حاله معه، فكاتب أبا العباس أحمد بن الموفق يحثه على الوصول إلى مصر، وقال: أسست أمر أبي الجيش، والله لأهدمن ما كنت بنيته، فلما قرب أبو العباس سار إليه وسار في صحبته وهو متوجه إلى وقعة الطواحين، فلما تلاقي الجمعان بالطواحين من أرض الرملة، وانهزم ابن الموفق، هرب أبو عبد الله الواسطي إلى أنطاكية، وأقام بها إلى أن مات.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد اذنا قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي قال: قرأت بخط أبي الحسين الرازي قال: أحمد بن يوسف: اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي للغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لأبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فبدأوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس لأنه أخوه وأكبر منه سناً فوجهوا إليه عدةً من خواص خدم أبيه يستحضرونه لرأي رأوه، فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه، وصدروه وأبو الجيش داخل قاعد في صدر مجلس أبيه، فعزاه الواسطي وبكى وبكت الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك، فقال العباس: أبو الجيش فديته ابني وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحد أشفق عليه مني، فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحنة، أبو الجيش أميرك وسيدك ومن استحق بحسن طاعته له التقدم عليك، فلم يبايع العباس، فقام طبارجي وسعد الأيسر فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرة من الميدان، فلم يخرج منها إلا ميتاً، وبايع الناس كلهم لأبي الجيش وأعطاهم البيعة وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس، وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين.
قال: وهذا ما كتب به أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي الكاتب إلى أبي العباس أحمد بن الموفق بالله يستحثه على حرب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون والخروج إليه قبل وقعة الطواحين بأيام، وبعد انصراف إسحق بن كنداجيق، ومحمد بن أبي الساج، وجعفر بن يغامردي، والعساكر معه عنه:
يا أيها الملك المرهوب جانبه ... شمّر ذيول السرى فالأمر قد قربا
كم ذا الجلوس ولم يجلس عدوّكم ... عن النهوض لقد أصبحتم عجبا
لا تقعدن على التفريط معتكفا ... واشدد فقد قلل جلّ الناس: قد رهبا
ليس المريد لما أصبحت تطلبه ... إلا المشمّر عن ساق وإن لغبا
فان نصبت فعقبى ما نصبت له ... ملكٌ تشاد معاليه لمن نصبا
طال انتظاري لغوث منك آمله ... وما أرى منك ما أصبحت مرتقبا
ولو علمت يقين العلم من خبري ... وما نهضت له في الله محتسبا
لسرت نحو أمرئٍ قد جد مجتهدا ... حتى يكون لما تسعونه سببا
أجاد مروان في بيت أراد به ... عين الصواب وما أخطا وما كذبا
إذ قال حين رأى الدنيا تميد بهم ... بعد العدو وصار الحبل منقضبا
إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... فالملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
وله إليه أيضاً:
قل للأمير ابن الموفّق للهدى ... حتّام عن أهل الضلالة يطرق
جرد خيول العزم هذا وقتها ... وأخو العزيمة في الخطوب محقق
أصدق بني الأعداء ضرباً وقعه ... ينبي الطلا قدماً فمثلك يصدق
هذا وأنت أبو الفتوح وأمها ... وأخو الحروب غداة يحمى الفيلق
لا تجزعن فقد جرى لك سانحاً ... طير السعادة بالبشارة ينطق

ولقد هتكت جموعهم لك عنده ... وكشفت رأسي حين حان المصدق
وحسرت جلباب التستر ساحبا ... ذيل النصيحة والنصيح يصدق
وجمعت من صيد القبائل جحفلاً ... لو رام يأجوجاً إذا لتمزقوا
وأقمت سوقاً للضراب تجارها ... بيض الصفائح والوشيج الأزرق
فالبيض من ظمأ تعج ظباتها ... ولطالما ظلت بها لا تشرق
قد جردت للضرب دون موفق ... أعداؤه في نكثهم ما وفقوا
بيضاً مصقلة فليت متونها ... بدماء من نكث العهود تخلق
هذا ما ذكره في هذه الرواية، وذكر غيره أن الأبيات البائية كتبها مع كتاب، ووصل الكتاب إلى أحمد بن الموفق وهو بحلب، وبها كنداج وابن أبي الساج، فقال لهما: ما قعودكم؟! وضرب طبله وسار، وساروا معه فكبسوا أصحاب أبي الجيش بشيزر.
قرأت في سيرة خمارويه بن أحمد بن طولون في نسخة عتيقة، ولم يسم مؤلفها: إن خمارويه لما خاف أن يضطرب الشام أنفذ إليه جيشاً أمر عليه سعد الأيسر وأمده بأحمد بن محمد الواسطي كاتب أبيه ليدبر الجيش، ويتولى النفقات فيه، وكان الواسطي يطمع أن يدبر أمر خمارويه، وأنه يرد تدبير الأمر إليه، وقال: هذا صبي حدث أدبره كما أرى، فلما أخرجه إلى هذا الوجه واستكتب محبوب ابن رجاء بعده فسدت نيته، وقال: محبوب أحد كتابي يتصرف بين أمري ويهيئ، آل الأمر إلى أن صرت بعض خلفائه، فتغير على سعد، وافترقا، وتغير الواسطي وكتب إلى ابن الموفق كتابا يحثه على المسير إلى مصر وقال: أنا أسست أمر أبي الجيش، والله لأهدمن ما كنت بنيته وضمن الكتاب هذه الأبيات:
يا أيها الملك المرهوب جانبه ... شمر ذيول السرى فالنصر قد قربا
كم ذا القعود ولم يقعد عدوكم ... عن القتال لقد أصبحتم عجبا
ليس المريد لما أصبحت تطلبه ... ولا المشمر عن ساق وإن لغبا
لا تقعدن عن التفريط منعكفا ... واجدد فقد قال قوم: إنه رهبا
فأنت في غفلة يقظان ذو سنة ... وطالب الوتر ذو جد إذا طلبا
أجاد مروان في بيت أصاب به ... عين الصواب فما أخطا ولا كذبا
إذ قال لما رأى الدنيا تميد بهم ... بعد الهدو وعاد الحبل مضطربا:
إني أرى فتنه تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
فلما قرأ ابن الموفق كتاب الواسطي قال لابن كنداج وابن أبي الساج ما قعودكم، وضرب طبله وسار وساروا معه حتى كبسهم في شيزر، وقتل منهم مقتلة، عظيمة، وكان ابن الواسطي بالرملة يقطع الطريق فيما بين ابن أبا وسعد الأعسر وهما بدمشق، فسار أحمد بن الموفق إلى دمشق وكبسها على غرة، فانهزما إلى الكسوة وقتل من بقي من أصحابهما، ثم إنهم اجتمعوا وقصدوا ابن الواسطي فهزموه، وأخذ على طريق الساحل حتى لحق بأحمد بن الموفق، ودخل المصريون إلى الرملة فنهبوا دار الواسطي وخزائنه، ثم ذكر وصول أحمد بن الموفق وأنه لما أبصر عسكر أبي الجيش هاله وأكبره، وصغر جيشه في عينه، فشجعه الواسطي وضمن له النصرة عليه، وقال له: لا يغرك هذا فأكثرهم عامة، بقال وحائك وفاعل، فثق بالنصر ولا تجزع إلى أن التقى العسكران وكانت النصرة على أحمد بن الموفق، فركبا دواب الهزائم ومر كل واحد منهما على حدة، فأما ابن الموفق فلم يرد وجهه عن دمشق شيء، فلم يفتح له أهلها بابها ومنعوه من الدخول، فمر على طيته إلى طرسوس، وأما ابن الواسطي فأضر به الهرب إلى أنطاكية، فأقام بها مديدة، ومات كمدا.
قرأت في تاريخ الأمير مختار الملك محمد بن عبيد الله المسبحي في حوادث سنة اثنتين وسبعين ومائتين: وأبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي كاتب أحمد بن طولون في شعبان - يعني مات.
أحمد بن محمد الجمحي المصيصي: حدث عن إسحق بن إبراهيم الحنيني، روى عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد ابن أيوب الطبراني.

أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن هلالة الأندلسي بحلب، قال: أخبرنا أسعد بن أبي سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم الجوز دانية قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان ابن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا أحمد بن محمد الجمحي المصيصي قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم الحنيني قال: حدثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
قال الطبراني: لم يرو هذه اللفظة والنهار عن العمري غير الحنيني.
أحمد بن محمد الجوهري المصيصي المعروف بالحران: شاعر محسن أنشد له أبو علي الهائم أبياتاً لا أعلم هل هي من روايته عنه أم لا.
قرأت بخط أبي منصور محمد بن دلال الشيباني أخبرنا الشيخ أبو الحسين الصيرفي قال: أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي قال أنشدني أبو علي أحمد بن علي الهائم لأحمد بن محمد الجوهري المصيصي المعروف بالحران:
الخد ورد والثغر در ... والنشر مسك والريق خمر
والقد غصن والردف موج ... والشعر ليل والوجه بدر
له من الحسن بارعات ... لم يتعلق بهن فكر
مخففات مثقلات ... ألّف ما بينهن خصر
أنشدني أبو السعادات المبارك بن أبي بكر الموصلي لأحمد بن محمد الحران في المزملة:
بديعة جسمها زبرجدة ... خضراء حالت من دونها الحجب
كأنها في خفاء لبستها ... مقرورة والهجير يلتهب
مجروحة الخصر غير دامية ... كما تكون الجراح والندب
كأنما الماء حين تبعثه ... ذوب لجين ميزانه ذهب
أحمد بن محمد الخشاب أبو الحسن: حدث بطرسوس عن عتكل بن عبد الله الفرغاني؛ روى عنه أبو بكر محمد ابن يحيى بن محمد المصري، وعبد الله بن محمد بن ذكوان.
أخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله إجازة قال: أخبرنا مسعود بن أبي منصور الحمال قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن محمد وعبد الله بن محمد ابن ذكوان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الخشاب بطرسوس قال: حدثنا عتكل بن عبد الله الفرغاني قال: حدثنا عبد الرحمن بن واقد قال: حدثنا زهير بن محمد قال: حدثنا الربيع بن محمد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نظر إلى عورة أخيه متعمدا لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة.
أحمد بن محمد الزنجاني: نزيل طرسوس، حدث.....، روى عنه داود بن عمر بن حفص.
أحمد بن محمد أبو بكر الطرسوسي الصوفي: حدث بمكة، وكان شيخ الحرم وصحب إبراهيم بن شيبان وروى عنه.
روى عنه: أبو بكر أحمد بن موسى بن عمار القرشي الانطاكي، وأبو سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وأبو منصور معمر بن أحمد بن محمد بن زياد.
كتب إلينا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني من مرو أن أبا سعد محمد بن منصور الحرضي أخبرهم قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي إجازة قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أحمد بن محمد المعروف بأبي بكر الطرسوسي المقيم بالحرم، وهو اليوم شيخ الحرم، صحب إبراهيم بن شيبان وإليه ينتمي، وهو من أبها المشايخ وأورعهم، وأحسنهم استقامة، مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
قال أبو عبد الرحمن: سمعت أبا بكر بن الطرسوسي يقول: أبو سعيد الخراز قمر الصوفية.
أنبأنا عبد القادر بن عبد الله الرهاوي قال: أخبرنا رجاء بن حامد بن رجاء المعداني عن أبي عبد الله محمد بن علي العمري قال: أخبرنا أبو يعقوب إسحق ابن إبراهيم القراب قال: وسمعت أبا سعد يعني الماليني يقول: مات أبو بكر أحمد ابن محمد الطرسوسي بمكة في ذي القعدة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وصليت عليه.

أنبأنا أبو العباس الصيدلاني ومحمد بن مكي قال: أخبرنا إسماعيل بن غانم وأبو الفتح الخزفي، قال اسماعيل: أخبرنا، وقال أبو الفتح، أنبأنا أبو مطيع المصري، قال: أخبرنا أبو منصور معمر بن أحمد قال: أخبرني أبو بكر بن الطرسوسي قال: سمعت إبراهيم بن شيبان، فذكر كلاماً عنه ذكرناه في ترجمة إبراهيم بن شيبان.
أحمد بن محمد الجبلي: أبو بكر الطرسوسي، إن لم يكن المتقدم فهو غيره، حدث عن أبي الخير التيناتي، روى عنه أبو الحسن بن جهضم.
أنبأنا الحافظ عبد القادر بن عبد الله الرهاوي قال: أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر قال: أخبرنا عبد العزيز ابن علي الآزجي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم قال: حدثنا أحمد بن محمد الجبلي، هو أبو بكر الطرسوسي، قال: حدثني أبو الخير قال: جاورت بمكة سنة، ومر بها علي شدائد وآفات، فكلما هممت أن أخرج إلى السؤال هتف بي هاتف: أما تستحيي، الوجه الذي يسجد لي تبذله لغيري ! فأجلس.
أحمد بن محمد أبو العباس الخياط الاسبيجابي: أقام بالثغر الشامي، وصحب بالتينات أبا الخير التيناتي، وكان من متقدمي أصحاب ذي النون المصري، حكى عنه أبو علي بن خرشيد قولة الآصبهاني.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني في كتابه قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن منصور الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى المزكي - إجازة - قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أحمد بن محمد أبو العباس الخياط المقيم بمصر، وكان قبل ذلك مقيماً بالثغر.
صحب أبا الخير الأقطع ومن قبله من المشايخ، وكان لا يأكل إلا من كسب يده.
سمعت عمر بن عنبر يقول: كان أبو العباس يقول: إن أصله من اسبيجاب.
قال السلمي: سمعت محمد بن محمد بن توبة يقول: سمعت أبا علي بن خرشيد قولة الأصبهاني، يقول: كنت بمصر عند أبي العباس الخياط فقال لي ليلة: توفي الشيخ أبو عثمان المغربي بنيسابور، قال: فكتبت اليوم والليلة، ثم سألت بعد ذلك عن موته فإذا هو مات تلك الليلة.
قال السلمي: وسمعت أبا العباس النسوي يحكي عن أبي العباس الخياط هذه الحكاية.
قال السلمي: ومات أبو عثمان المغربي سنة تسع وسبعين، أو تسع وتسعين، وأظن أن موته في سنة تسع وتسعين أصح.
قلت: فقد توفي أبو العباس الاسبيجابي بعد موته.
أحمد بن محمد الملطي: روى عن أحمد بن محمد بن صالح بن عيسى عن الحسن بن علي بن جميل بن صالح عن موسى بن طريف عن عباد بن ربعي عن رفاعة بن شداد وصية لعلي عليه السلام كتبها إليه وقد أخرجه إلى الأهواز قاضياً، رواها عنه أبو القاسم الليث بن أحمد بن يعقوب البلخي.
أحمد بن محمد البشاري: كان مع أبي الحسن الآبري في الرحلة، وسمع معه في البلاد وورد معه منبج وطرسوس وغيرهما من مدن العواصم والثغور.
حدث عن زكريا بن يحيى وأحمد بن عبد الله الديبلي، روى عنه أبو الحسن الآبري وقال: وكان معنا في الرحلة.
أحمد بن محمد أبو الحسين المعري: المعروف بالقنوع هكذا اسماه ونسبه أبو منصور الثعالبي في تتمة اليتيمة وقد سماه غيره أحمد بن حمدون، وقد سبق ذكره وسماه آخرون محمد بن حمدون وسيأتي ذكره ان شاء الله في المحمدين، ويحتمل عندي أن أباه محمداً كان يعرف بحمدون مشتقاً من اسمه محمد، فإن العامة يطلقون كثيراً حمدون على محمد والله أعلم، وهو شاعر مذكور مشهور.
وقيل في كنيته أبو الحسن روى عنه أبو يعلى محمد بن الحسن البصري.
أنبأنا أبو حفص عمر بن طبرزد عن أبي القاسم بن السمرقندي قال: أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن أحمد الأديب إجازة عن أبي منصور الثعالبي قال: أبو الحسين أحمد بن محمد المعري وكان يلقب بالقنوع لأنه قال يوماً في كلام له: قد قنعت والله من الدنيا بكسرة وكسوة.
قال: ووصف بعض العمال فقال: ما هو إلا ماء كدر، وعود دعر، وقفل عسر.
قال وأنشدني أبو يعلى محمد بن الحسن البصري قال: انشدني القنوع لنفسه ملحاً وغرراً ونكتاً وطرفاً، وكان قد استكثر منه، وروى جل شعره عنه، فمن ذلك قوله:
ربّ همّ قطعته في دجى الليل ... بهجر الكرى ووصل الشراب
والثرياً قد غربت تطلب ... البدر بسير المروّع المرتاب

كزليخا وقد بدت كفها ... تطلب أذيال يوسفٍ بالباب
قال: وله في الغزل:
ومجردٍ أبدى على قل ... بي حسامي مقلتيه
جسمي على حالين من ح ... ذر مقيمٌ في يديه
فإذا أمنت الخوف منه ... بقيت في خوفٍ عليه
وله في رئيس جالس على رأس بركة:
قل للرئيس أبي الوضي محمد ... قول امرئ موليه حسن ولاء
من حول بركتك البهيّة سادة ال ... قراء والعلماء والشعراء
لو أنصفوك وهم قيام أشبهت ... أشخاصهم أمثالهم في الماء.
قرأت بخط صاعد بن عيسى بن سمان الكاتب الحلبي ما صورته: الوزير أبو القاسم بن المغربي ذكر أنه للقنوع:
ألف الهوى فالهجر منه نصيبه ... إن الهوى مستعذبٌ تعذيبه
وكأنّ نمنمة العذار بخدّه ... نحلٌ ولكن في القلوب دبيبه
أحمد بن محمد القرشي: أبو الحسن السرميني من أهل سرمين، مدينة من أعمال حلب وطرف جبل السماق، وقد ذكرناها في مقدمة كتابنا هذا، كتب عنه الحكيم أبو حليم ظافر بن جابر الحراني الطبيب.
قرأت بخط أبي حليم الطبيب أنشدني مولاي الشيخ الجليل أبو الحسن أحمد بن محمد القرشي السرميني لأبي الحسن بن تميم الرقي:
قلت لأمّي حين أمّ الشتا ... ببرد بردٍ وحذا طين
لو لم أكن مناظراً منطراً ... تشرين لي في كل تشرين
مارقّ بالرقة حالي ولي ... نصيب مالٍ بنصيبين
قومي فكدّي لي وكدّي معاً ... فأنت تسعين لتسعين
ولا يعل صبرك من عيلةٍ ... ما بين تشديدٍ وتليني
وانف الكرى عنك بعزل الكرى ... لتوجري في ستر مسكين
فأطرقت لا عن قلىً وابتدت ... تندبني حزناً وتبكيني
لا خير في مثلي بين الورى ... كذا بلا دنيا ولا دين
أحمد بن محمد الطرسوسي: حدث عن أبي الحسين عبيد الله بن أحمد بن البواب، ومحمد بن جعفر النجار؛ روى عنه أبو محمد عبد العزيز الكتاني الحافظ.
ذكر من اسم أبيه محمود ممن اسمه أحمد أحمد بن محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك بن زاذان بن شهريار: أبو نضر بن أبي الفتح الكاتب المعروف، والده بكشاجم، من ولد يزدجرد، وقيل اسمه محمد وقيل الفتح، شاعر بن شاعر، كان مع أبيه بحلب، وروى عن أبيه كشاجم؛ روى عنه عبد الله بن أحمد الفارسي، وسماه محمداً وصالح بن إبراهيم بن رشدين المصري، وسماه أحمد، واتفقا على الكنية.
وقرأت بخط أبي الحسن الشمشاطي ان كشاجم وغلامه أنشدا لكشاجم أبياتاً بحلب أنشداها بحلب أبا الصقر القبيصي، وأبا زكريا بن مبشر، وسنذكرها إن شاء الله في ترجمته في المحمدين.
نقلت من خط صالح بن إبراهيم بن رشدين في مجموعه: كتب أبو نصر أحمد ابن كشاجم الكاتب إلى أبي الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات بهذين البيتين على تفاحة، وأنفذها إليه بعد أن أنشدني إياهما:
إذا الوزير تجلى ... للنيل في الأوقات
فقد أتاه سميّاه ... جعفر بن الفرات
وسنذكره أيضاً فيمن اسمه محمد فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
قرأت في جزء من الأجزاء الأخبارية التي جمعها أبو علي صالح بن إبراهيم بن رشدين لنفسه من نسخة منقولة من خطه، قال أبو علي صالح بن رشدين: أنشدني أبو نصر أحمد بن كشاجم لنفسه:
فديت من رؤيته علتي ... وداء قلبي وهي الشّافيه
يمرضني حتى إذا عادني ... أعادني في حالة العافيه
وعلى آخر الأجزاء قال أبو علي بن رشدين: أنشدني أبو نصر أحمد بن كشاجم هذه القصيدة في سنة خمسين وثلاثمائه في أبي بكر صالح بن علي الروذباري يمدحه وليس فيها حرف ينقط:
هل ممسكٌ لومه امرؤٌ لاما ... أأسمع اللوم ساء ما ساما
لله در الدموع مسعدةً ... ودر عصر الوصال لو داما
كم لوعة أودع الصدود وكم ... مؤكد الود صار صرّاما
واهاً لروح له مطاوعة ... أسلمها للحمام إسلاما

والله لولا الأهواء ما أوطأ ... الأسد كرام الرؤوس آراما
آهلةً هللوا طرارهم ... وأودعوا حسرةً وآلاما
لولا هلال الأرواح مهملةً ... لما أرادوا راءً ولا لاما
أصاح حطّ الصدود كلكله ... وصار وصل الصدود إلماما
مهما عدا الدهر مدةً ولعاً ... لطالما الوصل دام أعواما
أعمل راحاً مع الملاح ولا ... أعدم آل الإكرام اكراما
لم أعص أهل الاسعاد مسألةً ... ولم أطع حاسداً ولوّاما
ما روح الروح كالمدام ولا ... أطار هما عراك دهّاما
دع مدحهم ما حموك ودهم ... وامدح هماماً سمحاً وكراما
ما أمّه آملٌ لمكرمةٍ ... إلاّ رآه للمال هدّاما
ولا دعاه داعٍ لملحمةٍ ... إلاّ دعا صارماً وصمصاما
اسمعه وارد السماح كما ... أصمّ سمع اللوّام صماما
وقرأت في الأجزاء الأخبارية المنقولة من خط صالح بن إبراهيم: هجا أبو الحسن محمد بن هارون الأكثمي أبا الفرج وأبا نصر عبيد الله وأحمد ابني كشاجم بهذه الأبيات ولم يجيباه:
ابني كشاجم أنتما ... مستعملان مجربان
لو تكتبان لذا الزمان ... أمتّماه بلا زمان
مات المشؤم أبوكما ... فخلفتماه على المكان
وقرنتما في عصرنا ... ففعلتما فعل القران
بغلاء أسعار الطعام ... وميتة الملك الهجان
يا طلعتي شؤم يظل ... الشوم منها في امتحان
فترجلا لا تقتلا بالش ... ؤم من لا تعرفان
توفي أبو نصر بعد موت كافور في حدود الستين والثلاثمائة.
أحمد بن محمود بن سعيد الغزنوي الفقيه الحنفي: هكذا رأيت نسبه بخطه في غير موضع، وهو الصحيح، كان فقيهاً فاضلاً، أقام بحلب مدة معيدا بالمدرسة النورية الحنفية المعروفه بالحلاويين في ولاية أبي بكر الكاشاني، وتفقه عليه جماعة، وصنف في الفقه وعلومه، والأصول كتباً مفيدة، منها: كتاب روضة العلماء في الفقه ومقدمة مختصرة، وكتاب في أصول الفقه وكتاب في أصول الدين وسمه بروضة المتكلمين وكتابا مختصراً منه وسمه بالمنتقى من روضة المتكلمين. وقع إلي بخطه وعليه مكتوب بخطه قال مؤلفه: جزى الله خيراً من تأمل صنعتي وقابل ما فيها من السهو بالعفو وأصلح ما أخطأت فيه بفضله وفطنته، وأستغفر الله من سهو.
توفي بعد سنة ثلاث وتسعين وخمسمائه بحلب، فانني شاهدت خطه في هذا التاريخ، ودفن في مقابر الفقهاء الحنفية قبلي مقام إبراهيم عليه السلام، وسمعت والدي يحسن الثناء عليه في العلم والدين.
أحمد بن محمود أبو بكر الرسعيني: سمع بحلب أبا عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي الأذين، وحدث عنه؛ روى عنه أبو الفرج محمد بن أحمد بن علي بن جعفر العين زربي، المعروف بابن الفاثوري، أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: أنبأنا أبو الحسين بن أبي الحديد عن جده أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن أحمد ابن علي بن جعفر المعروف بابن الفاثوري في داريا قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الفرج الحبال الصوفي، وأبو بكر أحمد بن محمود الرسعيني قالا: أخبرنا أبو عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي الأذني بحلب قال: حدثنا عمي أبو القاسم يحيى بن عبد الباقي قال حدثنا أبو عمير محمد بن النحاس الرملي قال: حدثنا سوار بن عمارة عن زهير بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقتلوا الفاعل والمفعول به.
من اسم أبيه مدرك ممن اسمه أحمد
أحمد بن مدرك بن الحسين بن حمزة بن الحسين بن أحمد بن محمد بن أحمد البهراني:

الحموي المعروف بابن حبيش القاضي من أكابر أهل حماه وأعيانهم، وكان محترماً عند الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، وكان يعتمد عليه فيما ينشئه من أبواب البر وسبل الخير والمعروف، سمع الإمام أبا الحسن علي بن محمد البلخي بحلب، روى لنا عنه ابنه أبو المشكور مدرك بن أحمد انشاداً سمعه من أبيه عن البلخي.
أنشدنا القاضي أبو مشكور مدرك بن أحمد بن مدرك بن الحسين بمدينة الكرك من البلقاء قال: أنشدني والدي قال: أنشدني برهان الدين على البلخي لشاعر أنشدها هارون الرشيد:
وآمرةٍ بالبخل قلت لها أقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل
أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له في العالمين خليل
وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل
وهذه الابيات لاسحاق بن ابراهيم الموصلي وستأتي في ترجمته ان شاء الله تعالى.
أحمد بن مدرك بن سعيد بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان: أبو المعالي التنوخي المعري القاضي قاضي معرة النعمان من ولد أبي المجد محمد أخي أبي العلاء أحمد ابني عبد الله بن سليمان، وكان القضاء بمعرة النعمان في سلفه، اجتمعت به بحلب ومعرة النعمان، وعلقت عنه فوائد عن المعريين وسمعت منه شيئا من الحديث وأشعاراً للمعريين.
روى لنا عن أبي طاهر الخشوعي وأبي جعفر محمد بن المؤيد بن حواري وسمع أيضاً عبد الملك بن ياسين الدولعي بدمشق.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد قاضي المعرة بحلب قال: أخبرنا أبو طاهر بركات بن ابراهيم بن طاهر القرشي المعروف بالخشوعي بدمشق قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس السلمي قال: أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد الحنائي السلمي قال: أخبرنا عبد الوهاب بن الحسن ابن الوليد بن موسى بن راشد الكلابي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير ابن يوسف بن جوصاء قال: حدثنا كثير بن عبيد المذحجي قال: حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع والبتع نبيذ العسل فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شراب أسكر فهو حرام.
أنشدنا القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد بن سليمان قال: أنشدني أبو جعفر محمد بن المؤيد بن حواري لنفسه من قصيدة يمدح بها الملك المنصور محمد بن عمر صاحب حماة أولها:
بانت سليمي فأقوت ساحة الدار ... منها وبدلت من عسر بايسار
تغشرمتها يد الآيام فاندملت ... آثارها ثم عفتها بآثار
منها في صفة الأسد والممدوح:
ما محذر ترهب الآساد صولته ... يدأى فيفرق منه كل زآر
غضنفر أهرت الشدقين ذو لبد ... شثن البراثن مرهوب السطا ضار
دامي البضيع شديد البأس ذو ذنب ... مثل الرشاء قليل اللبث في الدار
بقوت شبلين قد أودى الطوى بهما ... فيشكوان إليه من خواً طار
ما أن تأرض في أرض يروم بها ... صيداً فتسلم منها نفس سيار
حتى لو أن الردى صيداً وصادفه ... أرداه قسراً بأنياب وأظفار
إلا ويرعد خوفاً من سطاه إذا ... نودي بذكراه في يهماء مقفار
ولا الفرات إذا جاشت جوانبها ... يوماً فخلناه يماً ماؤه جار
وطبق الأرض حتى لا أرى علماً ... إلا وعممه منه بزخار
يوماً كنائل كفيه إذا زمر ال ... وفود لاذت به في عام إعصار
هذا ولا فرخ عصفور تعسفه ... طفل فأفلت منه بعد إضرار
وعاد من بعد سجن موحش حرج ... يروح ما بين جنات وأنهار
يوماً بأفرح مني عند رؤيته ... وقد تبدلت من عسر بأيسار
يا كعبة الجود إني قد حططت إلى ... فنائك الرحل شاك ثقل أوزاري
توفي القاضي أبو المعالي بن مدرك بمعرة النعمان في سنة خمس وخمسين وخمسمائة.

ذكر من اسم أبيه مروان ممن اسمه أحمد أحمد بن مروان بن دوستك أبو نصر نصر الدولة الكردي: وهو ابن أخي باد الكردي وكان من الأكراد الحميدية ويلقبون بالجهاربختية ملك ميافارقين وآمد بعد قتل أخيه أبي منصور سعد بن مروان بالهتاخ، وكان أبو نصر هذا قد ورد حلب مجتازاً إلى إنجاد يغيسغان ملك أنطاكية حين قصده الفرنج.
قرأت في كتاب عنوان السير تأليف ممد بن عبد الملك الهمذاني قال: بعد أن ذكر قتل أخيه أبي منصور سعد في الحصن المعروف بالهتاج في ليلة الخميس الخامس من جمادى الأول سنة إحدى وأربعمائة قال: وولى أخوه أبو نصر أحمد بن مروان ولقبه القادر بالله نصر الدولة وعدل في رعيته وتنعم تنعما لم يسبق إليه وملك خمسمائة سرية سوى خدمهن وتوابعهن، وكان معروفاً بكثرة الأكل والشرب والنكاح، وتزوج بنات ملوك الأطراف وكان يجمع في مجلس لذته من الأواني ما تزيد قيمته على مئتي ألف دينار، وكان يصدق بالصدقات الكثيرة، ووقع وباء في بلاده وكفن في سنة واحدة أربعة عشر ألف انسان، وكان لأهل الدين والعلم عنده مقدار عظيم، والتمس مائة ألف دينار يصرفها في بعض حروبه، فأحضر له وزيره توزيعا على أرباب الاموال بها، فقال: لو أردت أموال الناس لعولت على صاحب الشرط وإنما أريد ذلك من أموال المتاجرة، فأتاه تاجر بألف دينار وقال: أسألك يا مولانا قبولها في هذا البيكار فإني اكتسبت أمثالها في بعض الايام فقال: خذها ولا حاجة لي فيها وأمر أن يتصدق من خزانته بألف دينار شكراً لله تعالى على عمارة بلده، وكان بآمد في أيامه أربع عشرة داراً للمرابطين وعشرة آلاف رجل من المجاهدين وسلاح عظيم وذلك في وزارة فخر الدولة أبي نصر محمد بن جهير لابن مروان، وتوفي في شوال سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وعمره ست وسبعون سنة وثمانية أشهر، وإمارته ثلاث وخمسون سنة تنقص شهرا واحدا، وولي بعده ابنه نظام الدين أبو القاسم نصر.
وروي له شعر قرأته في مجموع لابن نوين المعري قال: للملك ابن مروان مالك ديار بكر:
يا ويح بيت ما له أصحاب ... بيت يدبره نجا وشراب
فشراب إن ظفرت بشيء لبوة ... ونجا لما تحوي يداه عقاب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي نقلت من كتاب الربيع تأليف غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال ابن المحسن بن ابراهيم بن هلال المعروف بابن الصابيء، وأنبأنا به أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقير عن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي قال: أنبأنا أبو عبد الله الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة أبو الحسن، قال: وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر قال: حدثني نصر الدولة أبو نصر بن مروان صاحب آمد وميافارقين وتلك الثغور، وكان ناظراً له إلى حين وفاته، قال: كان بعض متقدمي الأكراد معي على الطبق فأخذت حجلة مشوية مما كان بين يدي فأعطيته إياها، فأخذها وضحك فقلت: مم تضحك؟ فقال: خير فظننت أنه قد عاب علي ذلك فألححت عليه ودافع عن الجواب حتى رفعت يدي وقلت لا آكل شيئا حتى تعرفني سبب ضحكك ما هو، فقال: شيء ذكرتنيه الحجلة وذاك أنني كنت أيام الشباب والجهالة قد أخذت بعض التجار في طريق وما كان معه من المتاع وقربته إلى لحف جبل، فأردت قتله خوفا على نفسي منه وأن يعرفني من بعد ويطالبني ويعرضني للقبيح وتعترضني، فقال: يا هذا قد أخذت مالي وأفقرتني وأولادي فدعني أرجع إلى عيلتي فأكد عليهم ولا تحرمهم مالي ونفسي وبكى وسألني وتضرع إلي، فلم أرق له شرها إلى ما كان معه، فلما أيس من الحياة التفت إلى حجلتين على جبل وقال لهما: أشهدا لي عليه عند الله تعالى أنه قاتلي ظلما، وقتلته فلما رأيت الحجلة الآن ذكرت ذلك الرجل وحمقه في استشهاده الحجل علي، قال ابن مروان: فحين سمعت قوله اهتززت حتى لم أملك نفسي وتقدمت بأخذه وكتفه ثم ضرب رقبته بين يدي، فلم آكل حتى رأيت رأسه مبرأً بين يديه بعد أن قلت له: قد والله شهدت الحجلتان عليك عند من أقادك بالرجل وأخذ له بحقه منك.

قال: وحدثني - يعني - الوزير فخر الدولة قال: كان لبعض الأكراد المتوجهين فرس أعطي به ألف دينار وجعلها ابن مروان ألف دينار وضيعة فلم يبعه ولا طابت نفسه بمفارقته، وركب يوما ابن مروان إلى الصيد فقيل له ايها الأمير نفق البارحة الفرس الفلاني فاغتم به وحزن عليه: وأحضر صاحبه إليه وعزاه به لعظيم ما كان عنده منه، فوجده لا يقبل العزاء وعنده من الأسف على المال لا على الفرس ما غاظه، فقال له: يا هذا مالك وما فرس حتى يلحقك هذا الأمر العظيم عليه ولعل الله تعالى قد دفع عنك ما هو أعظم من ذهاب ثمنه منك، فقال: أهي فرس أيها الأمير هي ألف دينار، فقال له: تأخذ ألف دينار وتجعل ثواب الفرس لي؟ فقال: نعم فتقدم باطلاقها له، وحضرني وتقدمت بتسليمها إليه وانصرف بها فلم يصبح إلا أعمى يتلمس الحيطان وجاءنا الخبر فعجب الامير والناس أجمعون مما جرى في ذاك، ووقع للأمير أن الله تعالى قد دفع عنه بالألف دينار ما نزل بمن أخذها وسر بذاك.
وقال حدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير قال: حدثني نصر الدولة أبو نصر بن مروان صاحب ديار بكر عند خدمتي له وقد جرى حديث أبي القاسم ابن المغربي قال: لما خدمني عند مجيئه من مصر وما جرى له مع الحاكم جاءني يوماً ومعه سدس كاغد فقال لي: قد أثبت في هذا السدس أسماء أصحابك الذين قد أخذوا أموالك وأخلوا خزانتك من مال يعد فيها لحاجة أو شدة ما قيمته ثلاثمائة وسبعون ألف دينار - شك الوزير في ذاك - وقال: إذا أخذت هذا القدر منهم لم تجحف بأموالهم وكان كل منهم مرتباً في خدمته ومركزه وولايته وتكون قد نقصت من أموالك التي احتجنوها ما جعلته لك خزانة وعدة، فقلت له: يا هذا إنما نصبتك وزيراً لتعطيني وتعطي أصحابي بعمارة بلادي وتوفير أموالي، فأما مصادرة أصحابي فلو أردت هذا لأخذت أنا أضعافه وكفاني فيك مهدك صاحبي هذا الذي هو أهون وأدون من يخدمني، ولم أكن محتاجاً فيه إلى مثلك، فقال لي إذا كان هذا رأيك فأحرسني من أصحابك ولا تطلعهم على ما قلته في معناهم فتفسد ما بيني وبينهم، فقلت: أفعل وتركني مديدة قريبة، وقال لي: قد جرى في الجزيرة خلف بين الضامن لها وبين فلان وتفاقم الأمر فيه إلى أن احتاج إلى مشارفتي له واصلاحه بنفسي، فتأذن في الإنحدار إلى هناك فمدة الغيبة عشرون يوماً، وأعود وقد حسمت مادة ربما طمحت إلى حد يشغل قلبك، فعلمت أنه يريد المضي إلى الموصل وقرواش بن المقلد أمير بني عقيل لما لم ير لشره عندي نفاذاً، ولا علي نفاقاً، ولم يكن يحسن غيره، فقلت له: افعل ما ترى، وتشاغل بإصلاح أمره للانحدار فجاءني موسك خالي وقال لي: عرفت أن أبا القاسم بن المغربي على الانحدار إلى الجزيرة، وكذب فإنه بنية المضي إلى الموصل فقلت: قد عرفت ذلك وعلمته ودعه يمضي إلى اللعنة فما في مقامه ها هنا لكم فائدة، وكان موسك ممن سعى ابن المغربي به، وأراد مصادرته، وأخذ المال منه، قال: وتدعه يمضي وقد أخذ أموالك وسرقها وحصلها، واحتجنها، ولم لا تقبض عليه وتأخذ ما أخذ ثم تصرفه إلى اللعنة وسوء المنقلب؟ فضحكت منه وقلت: ليس كل من يأخذ مالي أرتجعه منه، ولعمري إنه خدمنا وانتفع منا وكسب معنا، وأخذ ذلك منه لؤم، فأمسك، وانحدر ابن المغربي إلى الجزيرة ومنها إلى الموصل وخدمة قرواش، ثم انحدر إلى بغداد وخدمة الملك مشرف الدولة أبي علي بن بويه في سنة خمس عشرة وأربعمائة.
أحمد بن مروان بن محمد:

أبو بكر الدينوري المالكي القاضي، سمع الحديث الكثير، وروى عن الجم الغفير، فحدث عن أحمد بن خليد الحلبي، وأحمد بن محمد الحلبي وأحمد بن ابراهيم المصيصي، وأحمد بن محمد الأنطاكي، وعلي بن الحسن الأنطاكي، وموسى ابن طريف، وأحمد بن علي الوراق، وأبي داود سليمان بن الأشعث، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن إسحق الأصبهاني، ومحمد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، وإبراهيم بن حبيب الهمداني، وزيد بن إسماعيل الواسطي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعلي بن عبد العزيز، وعباس بن محمد الدوري، واسماعيل بن أبي أويس، ومحمد بن سنان، ومحمد بن يزيد الوراق، وبشر بن موسى، ويحيى بن المختار، وإبراهيم بن نصر النهاوندي، ويحيى بن أبي طالب البغدادي، وجعفر بن محمد الصايغ، واسماعيل بن إسحق القاضي، وابراهيم بن عبد الله المروزي، وابراهيم بن دازيل الهمذاني، ومحمد بن يوسف الرزاز، ونعيم بن حماد، وأحمد بن عباد التميمي، وزكريا بن عبد الرحمن البصري، ومحمد بن يونس القرشي، ومحمد بن علي بن مهران الوراق، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة، وأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، وعبد الله بن روح المدائني، ومعاذ بن المثنى العنبري، وأحمد بن عبد الله الخزاز، وجعفر بن محمد المستملي، وأبي قلابة، وأبي بكر بن أبي خيثمة، والحسين بن الحسن السكري، وجماعة غيرهم يطول ذكرهم ويصعب حصرهم.
روى عنه: أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب، وأبو حفص عمر بن محمد ابن عراك الحضرمي، وصالح بن علي بن محمد الحصني.
ودخل حلب، وحدث بها في شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثمائة، ثم نزل مصر، وحدث بها. وأخبرني الوزير القاضي الأكرم علي بن يوسف الشيباني أنه شاهد على ظهر كتاب اصلاح الغلط لابن قتيبة ما كتبه لي وسيره إلي، وصورته: قريء لي جميع ما في هذا الجزء على أبي بكر أحمد بن مروان المالكي بحلب، وكان الفراغ منه في شهر ربيع الأول من سنة ثنتين وثلاثمائة، سمع علي بن الحسين القاضي جميع ما فيه.
وجمع كتاب المجالسة وضمنه من نخب الأحاديث والأخبار ومحاسن النوادر والآثار ومنتقى الحكم والأشعار ما يشهد له بحسن التأليف والاختيار، وولي فضاء أسوان.
أخبرنا أبو بكر عتيق بن أبي الفضل بن سلامة السلماني، وأبو الحسن محمد ابن أحمد بن علي قراءة علينا من لفظه، قال أبو بكر: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، وقال أبو الحسن: أنبأنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن ابن صابر قالا: أخبرنا الشريف النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني قال: أخبرنا رشاء بن نطيف بن ما شاء الله.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمود بن عبد الله بن محمد المعروف بابن الملثم قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن سعود البوصيري، وأبو عبد الله محمد بن حميد بن حامد الأتراحي قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء، قال الأرتاحي: إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز ابن الحسن بن إسماعيل الضراب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري قال: حدثنا أحمد بن خليد قال: حدثنا سعيد أبو عثمان الصياد عن عطاء ابن مسلم عن العلاء بن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث: بسبح اسم ربك، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وكان يقنت قبل الركوع.
أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز بن داود بن عزون بالقاهرة، وأبو محمد يونس بن خليل بن عبد الله الدمشقي بحلب، والحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي بمصر، قالوا: أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن صالح بن ياسين المقريء قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن هاشم المصري بمصر قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل بن محمد الضراب قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد المالكي الدينوري قال: حدثنا يحيى بن المختار قال: حدثنا بشر بن الحارث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول ما أحد من أهل العلم إلا وفي وجهه نضرة لقوله عليه السلام: نضر الله إمرءاً سمع منا حديثاً

أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري بالقاهرة قال: أخبرنا هبة الله بن علي الأنصاري، وأبو عبد الله بن حمد قالا: أخبرنا علي ابن الحسين، قال ابن حمد: إجازة، قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسن قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي قال: أخبرنا أحمد بن عباد قال: حدثنا أبو عثمان المازني قال: حدثنا الأصمعي عن أبي سفيان بن العلاء قال: قيل للأحنف بن قيس: من حلمك؟ قال: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم المنقري، لقد اختلفت إليه في الحلم كما يختلف إلى الفقهاء في الفقه، بينا نحن عند قيس بن عاصم وهو قاعد بفنائه محتب بكسائه أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف، فقيل: هذا ابنك قتله ابن أخيك قال: فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ابن له في المسجد فقال: قم فأطلق عن ابن عمك، ووار أخاك، واحمل إلى أمه مائة من الإبل فانها غريبة، وأنشأ يقول:
إني إمرؤٌ لا شائن حسبي ... دنس يغيره ولا أفن
من منقر في بيت مكرمةٍ ... والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه أعفةٌ لسن
لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم بحسن جواره فطن
قرأت في كتاب قضاة مصر تأليف أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق الذي وصل به كتاب أبي عمر الكندي في ذكر القاضي أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة بن مسلم الدينوري وذكر أنه كان يحفظ كتب أبيه.
قال: وكان مجلسه محشواً من عيون الناس، فكان يرد اللفظه والشكلة وما معه نسخة، وذكر أن أباه حفظه كتبه في اللوح.
قال: وكان أحمد بن مروان المالكي القاضي قد قدم إلى مصر قديماً فحدث بكتب ابن قتيبة في جملة ما حدث، ثم سافر إلى أسوان، فأقام بها سنين كثيرة، وحدث عنه الناس بالكتب قال: فحدثني أحمد بن مروان في سنة ثمان وعشرين قال: ولي ابن قتيبة قضاء مصر، وبلغني ذلك فجاءني كتاب أبي الذكر محمد بن يحيى ابن مهدي يقول لي فيه: خاطبت القاضي في أمرك - يعني ابن قتيبة - فوعدني بانفاذ العهد إليك، فلما ذكرت له أنك تروي كتب أبيه بدا له، فقال: أنا أعرف كل من سمع من أبي، وما أعرف هذا الرجل، فان كانت عندك علامة فاكتب إلي بها، فقال لي أحمد بن مروان: فكتبت إليه بعلامات يعلمها سخمت وجهه من فوق إلى أسفل، وكان فيما قاله أحمد بن مروان أنه كتب إليه أنه يعرف أحمد بن عبد الله ابن مسلم صبيا في حياة أبيه يمشي حافيا يلعب بالحمام مع العيارين، قال: ولقد رأيته يوما ونحن عند أبيه وقد أقبل حافي، وهو في يده حمام، فأطلقه ونحن نراه، فلما وصلت العلامات إليه كتب إلي ما عرفتك، وأنفذ الي العهد.
أحمد بن مروان المصيصي: حدث عن.......، روى عنه أبو عمران موسى بن هشام بن أحمد الوراق الدينوري.
أحمد بن مسعود بن شداد بن خليفة: أبو العباس الصفار الموصلي، الملقب بالذكي، شيخ حسن دمث الاخلاق، سمع بالموصل أبا جعفر أحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاص، وأبا بكر يحيى ابن سعدون بن تمام القرطبي المقريء، وقدم حلب مراراً عدة، وسكنها بالآخرة إلى أن توفي بها، وسمعت منه في هذه النوبة جزءاً من أمالي أبي سهل القطان وغيره وسألته عن مولده، فقال لي: في سلخ جمادى الولى ليلة الأربعاء من سنة خمس وأربعين وخمسمائة.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن مسعود بن شداد الموصلي قراءة عليه بحلب سنة ثمان وستمائة قال: أخبرنا أحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاص بالموصل سنة ثلاث وستين وخمسمائة قال: أخبرنا الرئيس أبو علي محمد بن سعيد بن إبراهيم ابن نبهان الكاتب قراءة عليه قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز قراءة عليه قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو سلمة قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وعلي بن زيد وسعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي أن أبا موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما دنونا من المدينة كبر الناس ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصماً ولا غائبا، إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حول ولا قوة إلا بالله.

شابكت الشيخ أبا العباس أحمد بن مسعود بن شداد وقال لي: شابكت الشيخ علي بن محمد الباجباري النساج وقال لي: شابكت الخطيب علي بن عمر الباعوزي خطيب باجبارا وقال لي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال: يا علي شابكني فشابكته، ثم قال: من شابكني دخل الجنة، ومن شابك من شابكني دخل الجنة، ومن شابك من شابك من شابكني دخل الجنة إلى سبعة.
سمعت الشيخ أبا عبد الله محمد بن علي بن العربي المغربي الحاتمي بحلب قبل اجتماعي بشيخننا أبي العباس أحمد بن مسعود وقد شابكني وروى لي هذا المنام عنه، قال: تم لي في هذا المنام عجيبة وذلك أني كنت ببلاد الروم وغيرها من المدن وكنت أهم بمشابكة جماعة من الناس فكأن الله يمنعني من ذلك، وكان ثم إنسان أجعله أبداً على خاطري لأُشابكه، فلم يتيسر ذلك لي.
أنشدني أحمد بن مسعود الموصلي، قال: أنشدني فارس من فرسان الفرنج بأنطاكية.
بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعلّ العتب يعطفه
وعرّضابي وقولا في حديثكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه
وإن بدا لكما من سيد غضبٌ ... فغالطا بي وقولا ليس نعرفه
وأنشدني أبو العباس بن مسعود لبعضهم:
ورأيته في اللوح يكتب مرةً ... غلطاً ويمحو خطّه برضابه
فوددت أني في يديه صحيفةٌ ... ووددته لا يهتدي لصوابه
مات شيخنا أبو العباس أحمد بن مسعود بن شداد الصفار بحلب في سنة ثلاث عشرة وستمائة رحمه الله.
أحمد بن مسعود بن محمد أبو العباس الأنصاري الخزرجي القرطبي الشافعي: تفقه على مذهب الشافعي، وكان متفننا في عدة من العلوم، عارفا بالحساب والفرائض عالماً بتفسير القرآن العزيز والقرآن والحديث والأصول واللغة والنحو والعروض وأنواع الأدب، وكان ينظم شعراً جيداً، وسافر إلى بلاد الهند، وجال في الأقطار، وقدم حلب سنة ستمائة، ثم سكن دنيسر ودرس بها الفقه على مذهب الشافعي رضي الله عنه بالمدرسة الشهابية، وأقام بها إلى أن مات، وكان له مصنفات حسنة مفيدة منها كتاب في علم الأصول في ثماني مجلدات سماه تقريب المطالب، وكتاب القوانين في أصول الدين، وكتاب في النحو، وكتاب سماه الاختيار في علم الأخبار.
روى عنه شيئا من شعره أبو الفتح مسعود بن أبي الفضل النقاش الحلبي الشاعر وكان بينهما مقارضة بالشعر، وأنشده بحلب، وأبو الحسن علي ابن يوسف بن محمد الصفار المارديني الشاعر، وأبو حفص عمر بن أحمد بن أللمش الدنيسري.
قال أبو الفتح مسعود بن أبي الفضل النقاش الحلبي الشاعر - ونقلته من خطه ومن خط من نقله عنه - : أنشدني أحمد بن مسعود الخزرجي لنفسه في يوم الخميس الحادي عشر من ربيع الآخر سنة ستمائة بظاهر حلب:
أُعانقه غصناً وألثمه بدراً ... وأرشف وهناً من لما فمه خمرا
وأهصر منه حين تثنيه نشوةٌ ... تهادت به تيهاً وماست به سكرا
بتمثال نورٍ في ظلام ذوائبٍ ... إذا ما توارت شمسه أطلع البدرا
ومنها:
ونمت بنا في الليل أنوار وجهه ... فمد علينا من ذوائبه سترا
ومن شعره ما قرأته في ديوان شعر أبي الفتح النقاش الحلبي قال: وكتب إليه الشيخ وجيه الدين أبو العباس أحمد بن مسعود بن محمد الأنصاري عند قدومه من الهند ونزوله بظاهر حلب بعد اقامته أياما لا يراه لاشتغاله بتجارته في سنة ستمائة هذه الأبيات:
أبا الفتح تاج الدين لا تنسى ودّنا ... هلمّ نجدد بالتذكر عهدنا
فقد كاد قلبي أن يطير بقالبي ... إليك اشتياقاً فاشف بالوصل وجدنا
وإن لم تكن في الوصل شمسا لعائق ... فكن فيه بدراً واطلع الليل عندنا
فقال في جوابه، ولم يذكر الابيات: أنشدني أبو السعادات المبارك بن حمدان الموصلي قال: أنشدني أبو الحسن علي بن يوسف بن محمد الصفار الكاتب الشاعر الماردي بإربل قال: أنشدني أبو العباس الخزرجي لنفسه:
وفي الوجنات ما في الروض لكن ... لرونق زهرها معنىً عجيب
وأعجب ما التعجب منه أني ... أرى البستان يحمله قضيب
وأنشدني أبو السعادات قال: أنشدني أبو الحسن قال: أنشدني أبو العباس من شعره:

يا ظبي سنجار أما ترثي لمن ... قد صار من أجلك في كف الأجل
قد كان مشغولاً بدرس علمه ... فاليوم لا علم بقي ولا عمل
ومن جيد شعره قوله، ورواه النقاش عنه:
راضٍ بحكم هواك واجد ... فعلام أنت عليّ واجد
ما كان لي ذنب سوى ... أني سهرت وأنت راقد
نقلت من خط أبي حفص عمر بن الخضر بن أللمش بن الدرمش التركي المتطبب الدنيسري في كتابه الذي وسمه بحلية السريين من خواص الدنيسرين قال في ذكر أبي العباس الخزرجي: هو أول من درس بالمدرسة الشهابية بدنيسر فقيه فاضل مفنن، عارف بكثير من علوم الأصول والفقه والنحو وسائر الآداب، شهد له بذلك جماعة من العلماء.
قال: قال لي أبو محمد بن عربد النحوي: كان أبو العباس رحمه الله حديد النظر، سديد الفكر، عجيب الفقر، عجيب السير، حسن التبحر في العلوم، سليم التصور فيما يبدي من المنثور والمنظوم، جيد الفكاهة، متزيد النزاهة، لطيف الشمائل، طريف المخايل، لم أر في علماء عصره ومعشره أتم من بحثه ولا أدق من نظره، وله تصانيف في فنون كثيرة، ولم يظهر له عندنا سماع حديث على طريق الرواية البتة، بل كان يذكر لنا أن له سماعات كثيرة، وقد أنشدني كثيرا من شعره ثم قال: وتوفي رحمه الله تعالى في سنة احدى وستمائة بدنيسر، ودفن بالمقبرة القبلية بها.
أحمد بن مسعود بن النضر الساجي: أبو بكر الوزان البغدادي ثم الحلبي أصله من بغداد، وسكن حلب وحدث بها عن سهل بن صالح الأنطاكي، والحسن بن عرفه، وأبي محمد عبد الله بن أيوب المخرمي، وزيد بن إسماعيل الصايغ، وسعيد بن يزيد الخلال، وعبد الرزاق ابن منصور البندار، وإبراهيم بن الوليد، وعبد الله بن جرير بن جبلة، وعبد الله بن محمد بن ثمامة الأنصاري قاضي حلوان الأزدي، ومشرف بن سعيد، وأيوب بن إسحق الفلوسي، روى عنه أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، ومحمد بن جعفر بن أبي الزبير قاضي منبج، وأبو القاسم عبد الرحمن بن منصور بن سهل، وأبو الحسين محمد بن العباس بن يحيى بن العباس الحلبيان، وأبو الحسين محمد ابن أحمد بن عبد الرحمن الملطي، وأبو علي الحسين بن علي بن دحيم الحلبي، ومحمد بن أحمد الهاشمي المصيصي، وأبو النضر شافع بن محمد بن أبي عوانة الأسفرائيني، والحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق الحافظ، وأبو الحسين علي بن الحسين الفرغاني، وأبو شاكر عثمان بن محمد بن الحجاج الشافعي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل قراءة عليه بالمسجد الجامع بدمشق قال: أخبرنا الفقيه أبو الحسن علي بن المسلم بن الفتح السلمي قال: أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع قال: حدثنا أحمد بن مسعود بحلب قال: حدثنا الحسن بن عرفه قال: حدثنا القاسم بن مالك المزني عن المختار فلفل عن أنس بن مالك قال: غفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أغمي إغماءةً، فرفع رأسه متبسماً، فإما سألوه وإما أخبرهم عن ابتسامه، فقال: غني أنزلت علي آنفاً سورة قال: فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد قال: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، قالت: إجازة، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن الحسين قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مسعود الوزان الحلبي قال: حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا عبد الله الأشجعي عن مسعر بن كدام عن الأعمش عن أبي صالح قال: صرير الباب تسبيح.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي: أبو بكر أحمد بن مسعود بن نضر الوزان، روى عن عبد الله بن محمد بن ثمامة الأنصاري قاضي حلوان وغيره؛ روى عنه الحسين بن علي بن دحيم أبو علي بمصر، وكتب عنه بحلب.
أحمد بن مسعود المقدسي: أبو الحسن سمع بالثغور والعواصم الهيثم بن جميل الأنطاكي، وأبا يوسف محمد بن كثير المصيصي.
أحمد بن مسلم بن عبد الله أبو العباس الحلبي:

مولى بني العجمي، وكان ينتسب: أحمد بن مسلم بن أبي الفتح بن الحبلي، وسبب ذلك أن أبا الفتح بن الحبلي باع أمةً له من بني العجمي، فظهر بها حمل، وادعت أنه من مولاها أبي الفتح، فولدت عند بني العجمي ولداً سموه مسلماً وعتق بعد ذلك، فكان ينتسب إلى ابن الحلبي لذلك.
وكان أبو العباس رجلاً حسناً من أهل الستر والصيانة، سمع بحلب أبا الفرج يحيى بن محمود الثقفي، وحدث بها عنه، وذكر أن مولده بحلب سنه سبع وستين وخمسمائة، وتوفي ليلة السبت رابع شعبان بعد المغرب من سنة تسع وأربعين وستمائة، ودفن يوم السبت ضحوة النهار بالجبيل خارج باب الأربعين.
أحمد بن المسيب بن طعمة الحلبي: حدث عن أبي خيثمة مصعب بن سعيد المصيصي، روى عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني.
حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي قال: أخبرنا أسعد ابن أبي سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية.
وأخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر الأصبهاني قال أخبرتنا خجمته بنت علي بن أبي ذر الصالحانية وفاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم قالت: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة.
وأخبرنا أبو الحجاج قال: أخبرنا أبو سعيد خليل بن بدر بن ثابت الصوفي قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قالا: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا أحمد بن المسيب بن طعمة الحلبي قال: حدثنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد قال: حدثنا موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه.
قال الطبراني: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الاسناد، تفرد به موسى بن أعين الجزري الحراني.
أحمد بن مطهر البغدادي ثم المصيصي: نزل المصيصة فنسب إليها، حدث عن: روح بن أسلم، ويزيد بن أبي حكيم العدني، ومحمد بن القاسم الأسدي، ويزيد بن هرون، وصالح بن بنان الثقفي، وأبي سفيان الحميري، وبريك ومؤمل.
روى عنه: علان بن عبد الصمد الطيالسي، وأبو بكر محمد بن عمر بن الحسين، وأبو بكر بن أبي شيبة أحمد بن شبيب البغدادي، وأبو العباس عبد الله ابن السقر بن نصر السكري، وإسحق بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو يعقوب البزاز، وأبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، وأحمد بن الحسن الصباحي، ومحمد بن محمد الباغندي.
أخبرنا أبو اليمن الكندي فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو منصور بن محمد بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عبد كونه الإمام بأصبهان قال: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا علان بن عبد الصمد الطيالسي قال: حدثنا أحمد بن مطهر المصيصي قال: حدثنا صالح بن بنان الثقفي.
قال الطبراني: وحدثنا إبراهيم بن محمد الستري الدستوائي قال: حدثنا سليمان بن الربيع النهدي قال: حدثنا همام بن مسلم قالا: حدثنا سفيان عن أبي عبيدة.
قال الخطيب: وحدثني الحسن بن أبي طالب، واللفظ له، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم قال حدثنا جعفر بن أحمد بن يحيى المروزي المؤذن قال: حدثنا سليمان بن الربيع قال: حدثنا همام بن مسلم قال: سمعت سفيان يقول: حدثنا أبو عبيدة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبنى مدينة بين دجلة ودجيل لهي أسرع ذهابا في الأرض من وتد الحديد في الأرض رخوة.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الغساني قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو إسحق بن أبي بكر قال: أخبرنا عبد الملك بن الحسن المعدل قال: حدثنا عبد الله بن الصقر.
قال الخطيب: وأخبرنا محمد بن إسماعيل بن عمر البجلي قال: أخبرنا عمر ابن أحمد الواعظ قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قالا: حدثنا أحمد بن مطهر المصيصي.

وأخبرنا عبد البر بن الحسن بن أحمد قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي قال: أخبرنا أبو القاسم الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي قال: أخبرنا عبد الله بن عدي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة البغدادي واسمه أحمد بن شبيب قال: حدثنا أحمد بن مطهر المصيصي قال: حدثنا روح بن أسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي هاشم الروماني عن إبراهيم، وفي حديث الباغندي قال: حدثنا إبراهيم بن ميمون الصائغ عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الضبع صيد، وفيه جزاء كبش مسن، إذا أصابه المحرم، ويؤكل أيضاً، وقال الباغندي: إذا أصابها المحرم قال: وتؤكل.
قال أبو بكر الخطيب: إنما نسبا - يعني عبد الله بن الصقر والباغندي - في حديث رواه عنهما، عنه أحمد بن المطهر، إلى المصيصة، لأن أحمد سكنها، ولعله بها مات، وأظنه قدم من المصيصة إلى بغداد، فسمع منه بها البغداديون والله أعلم.
أنبأنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن المطهر البغدادي نزل المصيصة وحدث بها عن محمد بن القاسم الأسدي، ويزيد بن أبي حكيم العدني وصالح بن بنان الساحلي، وروح بن أسلم البصري؛ روى عنه علي بن عبد الصمد الطيالسي وعبد الله بن الصقر السكري، ومحمد بن الباغندي وغيرهم.
مات أحمد بن المطهر سنة ست وخمسين ومائتين، أو بعدها، فان أبا بكر محمد بن عمر بن الحسين سمع منه في هذه السنة.
أحمد بن المظفر بن المختار أبو العباس الرازي: القاضي فقيه أديب شاعر حنفي المذهب، تولى القضاء ببعض بلاد الروم، وذكره لي رفيقنا أبو الفتح نصر الله بن أبي العز الشيباني وقال: إنه اجتاز بحلب في طريقه من دمشق إلى بلد الروم.
أنشدنا أبو الفتح بن الصفار قال: أنشدنا الامام بدر الدين أبو العباس أحمد بن المظفر بن المختار الرازي لنفسه، وكان حنفي المذهب تولى القضاء ببعض بلاد الروم، وشرح المقامات وأخذ على شراحها مثل البندهي وغيره ما أخذ:
تفقد السّادات خّدامهم مك ... رمة لا تنقص السؤددا
هذا سليمان على ملكه قد قال: ... مالي لا أرى الهدهدا
أحمد بن المفرج......
أحمد بن المفضل بن عبد الرحمن: نزل طرسوس، حدث عن داود بن الزبرقان، روى عنه عبد الله بن بشر ابن صالح، قاله أبو عبد الله بن مندة، وأخبرنا به عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني إذنا قال: أخبرنا أبو المحاسن البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا أبو عبد الله بن مندة.
أحمد بن مقاتل أبو الحسن الخطيب: حدث بالمصيصة عن الربيع بن سليمان، روى عنه أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة قراءة عليه، وعيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي في كتابه إلينا من الاسكندرية قالا: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي، قال ابن رواحة: إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد المصيصي من كتابه قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن مقاتل الخطيب بالمصيصة قال: حدثنا الربيع بن سليمان صاحب الشافعي قال: كان للشافعي في كل يوم عيد قوم يتغدون عنده من جيرانه، فجاءه رجل في ليلة العيد فقال: يأبا عبد الله ولدت امرأتي الساعة ولم يكن معي ما أنفق عليها وعلى من قام بأمرها - يعني القابلة - فأدخل الشافعي يده إلى جيبه فأخرج صرةً فيها ثلاثون ديناراً ذهباً وقال: خذ هذه فأنفقها واعذرني، فلما كان أول الليل رأى أمير مكة في المنام النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إذهب الساعة إلى محمد بن إدريس الشافعي فادفع إليه من رزقه ثلاثين ديناراً، فجاء أمير مكة فدق الباب، فقال الشافعي: من؟ قال من تعرفه إذا رأيته، فلما رأى الأمير، قال: أصلح الله الأمير ما جاء بك؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذهب إلى محمد ابن إدريس الشافعي فادفع إليه ثلاثين ديناراً من رزقه، فجزاه الشافعي خيراً.
أحمد بن المكين الأنطاكي:

قال أبو بكر الخلال: عنده عن أبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - مسائل حسان سمعتها منه في قدمتي الثانية إلى الثغور، وكان رجلاً كما يجب إن شاء الله، ذكر ذلك أبو الحسين محمد أبي يعلى بن الفراء في ذكر أصحاب أحمد ابن حنبل، وأنبأنا به أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو محمد فارس بن أبي القاسم بن فارس قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء.
ذكر من اسم أبيه منصور ممن اسمه أحمد أحمد بن منصور بن محمد: أبو العباس الشيرازي، سمع بطرسوس أبا تراب محمد بن الحسين، روى عنه أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عمرو الرحبي.
ذكره أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي، في تاريخ دمشق، بما أخبرنا به أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن إذنا قال: أخبرنا عمي أبو القاسم قال: أحمد بن منصور بن محمد أبو العباس الشيرازي الحافظ، قدم دمشق وحدث بها عن: أحمد بن جعفر بن سليمان القزاز الفسوي، والحسن بن أحمد بن المبارك الطوسي، والقاسم بن القاسم بن سيار السياري، والحسين بن عمران المروزي، وبندار بن يعقوب، وأبي جعفر محمد بن عبد الله الفرغاني، والحسن بن عبد الرحمن بن خلاد، ومحمد بن عبد الله بن الجنيد، وأبي تراب محمد بن الحسين الطرسوسي، وأبي الحسين عبد الواحد بن الحباب، وعبد الله بن عدي الجرجاني، وأبي الحسين محمد بن أحمد بن محمد البغدادي نزيل الأبلة.
روى عنه: تمام الرازي، وأبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عمرو الرحبي، وأبو نصر محمد بن أحمد الإسماعيلي الجرجاني، وأبو علي الحسن بن حفص الأندلسي، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد ابن بختويه الصوري.
أنبأنا عبد الصمد بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد قال: أخبرنا تمام بن محمد الرازي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور بن محمد الشيرازي الحافظ، قدم دمشق، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن سليمان القزاز الفسوي قال: حدثنا إسحق بن عبد الله الدامغاني قال: حدثنا الحسين بن عبد الله - وصوابه ابن عيسى - البسطامي قال: حدثنا عبد الله بن موسى عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يأنف من ثلاث فهو مؤمن حقا: خدمة العيال، والجلوس مع الفقراء، والأكل مع خادمه، هذه الأفعال من علامة المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه - أولئك هم المؤمنون حقا - .
أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم السلمي - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد ابن أبي الحديد قال: أخبرنا أبو المعمر المسدد بن علي بن عبد الله قال: حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن عمرو الرحبي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور بن محمد الشيرازي قال: سمعت أبا تراب محمد بن الحسين بطرسوس يقول: سمعت محمد بن المنذر بن سعيد النيسابوري يقول: حضرت عند داود بن علي فذكر مسألة، فقيل له: يا أبا سليمان هذا قول من هو؟ قال: هذا قول مطلبينا الذي علاهم بنكته، وقهرهم بأدلته، وباينهم بشهامته، التقي في دينه، الفاضل في نفسه، المتمسك بكتاب الله، المقتدي قدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الماحي آثار - يعني - المبتدعين، الذاهب بخيرهم، الطامس لشرهم، فأصبحوا كما قال الله: هشيماً تذروه الرياح.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن أبي الفضل عن زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسن الدارقطني وذكر أحمد بن منصور الشيرازي فقال: يتفرد إلي بكتب يكتبها، وقد أدخل بمصر وأنا بها أحاديث على جماعة من الشيوخ.

أخبرنا أبو بكر عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عمر في كتابيهما قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي والحيري، وأبوا عثمان الصابوني والبحيري قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: أحمد بن منصور بن الحافظ، أبو العباس الشيرازي الصوفي، وكان أحد الرحالة في طلب الحديث، المكثرين من السماع والجمع، ورد علينا نيسابور سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وأقام عندنا سنين وكنت أرى معه مصنفات كثيرة في الشيوخ والأبواب، ورأيت له الثوري، وشعبة في ذلك الوقت؛ ثم خرج إلى هراة إلى الحسن بن عمران وانحدر منها إلى أبي أحمد بن قريش بمرو الروذ، ودخل مرو وجمع من الحديث ما لم يجمعه غيره، والذي أتوهمه أنه دخل العراق بعد منصرفه من عندنا فإنه دخلها ودخل الشام، ثم انصرف إلى شيراز، وصار في القبول عندهم بحيث يضرب به المثل، وكانت كتبه إلي متواترة، إلى أن ورد علي كتاب أبي علي الحسن بن أحمد بن الليث المقرئ الشيرازي بخط يده مع أبي الحسن الشيرازي يعزيني بوفاة أحمد بن منصور، فسألت أبا الحسن فذكر أنه توفي في شعبان سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وأنه حضر تجهيزه والصلاة عليه، ووصف أبو الحسن من حرقة أهل شيراز وتفجعهم عليه ما يطول شرحه، وذكر أنه توفي وهو ابن ثمان وستين سنة.
أحمد بن منصور الخزيمي: حدث بحلب عن أبي كريب، روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد ابن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي وأبو الفتح منصور بن الحسين قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الخزيمي بحلب قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا معاوية بن هشام عن عمران بن أنس المكي عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم.
أحمد بن منصور البخاري الحاكم: سمع بمنبج موسى بن إبراهيم الأطروش، روى عنه علي بن عبد الله البلخي.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي والحافظ أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن المبارك بن الأخضر قالا: أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن محمد الكروخي قال: أخبرنا الامام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا علي بن عبد الله البلخي قال: أخبرنا أحمد بن منصور البخاري قال: حدثنا موسى بن إبراهيم الأطروش بمنبج قال: حدثنا أبو الخير فضل بن منيع المنبجي قال: حدثنا زكريا بن الحكم قال: حدثنا خالد بن يزيد قال: حدثنا مروان ابن محمد عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن زرير عن علي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأبدال فقال: هم ستون رجلاً، ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبدعين ولا بالمتععنين، لم ينالوا ما نالوه بصلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسلامة القلوب وسخاء الأنفس والنصيحة لأمتهم فهم يا علي في أمتي أقل من الكبريت الأحمر.
أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الاطرابلسي الشاعر: كان كثير التردد إلى حلب والإقامة بها، وبها مات، ومدح ملوكها وأمراءها ورؤساءها، وكان شاعراً مجيداً حسن النظم كثير الهجاء والفحش، وذكره أبو يعلي بن القلانسي في تاريخه الذيل في تاريخ دمشق وذمه، فقال في ذمه: كان يصله بهجائه ما لا يصله بمدحه وثنائه.
وكان ابن منير عارفاً باللغة، وبلغني أنه كان يحفظ الجمهرة لأبي بكر بن دريد حفظاً جيداً، روى عنه الأمير أبو الفضل إسماعيل بن سلطان بن منقذ، وأبو عبد عبد الله الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة، والخطيب أبو طاهر هاشم بن أحمد بن هاشم، وأبو القاسم عيسى بن أحمد المعروف بالحنيك وكان راوية شعره، وابنه الوجيه بن الحنيك، وعلي بن الحكم الحلبي، ويحيى بن سعد ابن ثابت الحلبي المعروف بابن المراوي، وأبو الحسن علي بن ابراهيم بن نجا الدمشقي، ومجد العرب العامري، وروى لنا عنه شيئا من شعره الحكيم نافع بن أبي الفرج الحلبي، وكان شيخاً كبيراً مولعاً بشعره مفتوناً به وجمع أشتات شعره، وكان يخدمه أيام شبابه.

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحميري الكاتب أن مولد أبي الحسين بن منير سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة بأطرابلس.
أنبأنا أبو المحاسن سليمان بن الفضل بن الحسين بن إبراهيم بن سليمان بن البانياسي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الأطرابلسي الشاعر الرفاء، كان أبوه منير منشدا ينشد أشعار العوني في أسواق أطرابلس ويغني، ونشأ أبو الحسين وحفظ القرآن وتعلم اللغة والادب، وقال الشعر وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضيا خبيثا، يعتقد مذهب الإمامية وكان هجاءً خبيث اللسان يكثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الألفاظ العامية، فلما كثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق في السجن مدة، وعزم على قطع لسانه، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب جرمه، فوهبه له، وأمر بنفسه من دمشق، فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق، ثم تغير عليه إسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه، وأراد صلبه، فهرب واختفى في مسجد الوزير أياما، ثم خرج عن دمشق ولحق بالبلاد الشمالية ينتقل من حماة إلى شيزر، وإلى حلب، ثم قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملك العادل لما حاصر دمشق الحصر الثاني، فلما استقر الصلح دخل البلد، ورجع مع العسكر إلى حلب فمات، رأيته غير مرة ولم أسمع منه.
أخبرني نافع بن أبي الفرج بن نافع الحلبي، وكان أحد غلمان أبي الحسين بن منير، أن ابن منير انهزم من أتابك طغتكين إلى بغداد، وهربه الحاجب يوسف بن فيروز، وكان سبب ذلك أنه شبب في قصيدة له ببعض أقارب طغتكين، وكان صبيا أمرد، وهو حسام الدين دلق بن أبق، والقصيدة هي التي أولها:
من ركّب البدر في صدر الرديني....
قال: وأركبه الحاجب يوسف علي خيل البريد فهرب إلى بغداد.
وحكى لي القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قاضي العسكر، أن سبب طلب صاحب دمشق ابن منير واستتاره منه وخروجه من دمشق أن ابن منير مدحه بقصيدة فيها بيت أوله:
مني ومنك استفاد ما كسبوا....
وكان ابن منير كثير الأعداء عنده، فقال له بعض الأعداء عنده بعد خروج ابن منير: انظر أيها الأمير إلى قول ابن منير لك يهددك في هذا البيت مني ومنك وكان رجلا تركيا، وقد سمع الناس يقولون عند تهديد بعضهم بعضا مني ومنك فوقع ذلك في نفسه وغضب وطلبه، فاختفى وخرج عن دمشق، هذا معنى ما حكى لي قاضي العسكر، ويحتمل أن يكون خوفه واختفاؤه لمجموع الأمرين والله أعلم.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني المعروف بالعماد الكاتب في كتاب خريدة القصر وجريدة العصر قال: المهذب أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي كان شاعرا مجيدا مكثراً هجاءً، معارضاً للقيسراني في زمانه، وهما كفرسي رهان، وجوادي ميدان، وكان القيسراني سنيا متورعاً وابن منير مغالياً متشيعاً، سمعت الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ بدمشق سنة احدى وسبعين وهو يذكره، وجرى حديث شعر ابن مكسنة المصري وقوله:
لا تخدعنك وجنة محمرة ... رقت ففي الياقوت طبع الجلمد
فقال: من هذا أخذ ابن منير حيث يقول:
خدع الخدود تلوح تحت صفائها ... فحذارها إن موهت بحيائها
تلك الحبائل للنفوس وإنما ... قطع الصوارم تحت رونق مائها
فقلت له: هذا شعر جيد، وأنت لأهل الفضل سيد، فاحكم لنا كيف كان في الشعر، وهل كان قادرا على المعنى البكر؟ فقال: كان مغواراً على القصائد يأخذها ويعول في الذب عنها على ذمه للناقد أو للجاحد.

قال: وسمعت زين الدين ابن نجا الواعظ الدمشقي يذكره ويفضله ويقرظه ويبجله، ويقول: ما كان أسمح بديهته، وأوضح طريقته، وأبرع بلاغته، وأبلغ براعته ورأيته يستجيد نثره ويستطيب ذكره، ويحفظ منه رسائل مطبوعة، يتبع له في الاحسان طرائق متبوعة، ويقول كانت الجمهرة على حفظه، وجمة المعاني تتوارد من لفظه، ويصف ترفعه على القيسراني، واستنكافه في الوقوع في مرعى مناقضته، ولقد كان مقيما بدمشق إلى أن أحفظ أكابرها، وكدر بهجوه مواردها ومصادرها، فأوى إلى شيزر، وأقام بها وروسل مرارا بالعودة إلى دمشق، فضرب بالرد وجه طلبها وكتب رسائل في ذم أهلها، وبين عذره في تنكب سبلها، واتصل في آخر عمره بخدمة نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله، ووافى إلى جلق رسولا من جانبه قبل استيلائه عليها، وتملكه لها، وارتدى عنده من الوجاهة والكرامة حللها، ومحاسن أبي الحسين بن منير منيرة، وفضائله كثيرة، وذكر مجد العرب العامري بأصفهان لما سألته عن شعراء الشام فقال: ابن منير ذو خاطر منير، وله شعر جيد لطيف، لولا أنه يمزجه بالهجو السخيف قال: وأنشدني يوما قصيدة له، فما عقدت خنصري الا على هذا البيت.
أنا حزب والناس والدهر حزب ... فمتى أغلب الفريقين وحدي
شعره ككنيته حسن، ونظمه كلقبه مهذب، أرق من الماء الزلال، وأدق من السحر الحلال وأطيب من نيل الأمنية، وأعذب من الأمان من المنية، وقع القيسراني في مباراته ومعارضته ومجاراته في مضمار القريض ومناقضته، فكأنهما جرير العصر وفرزدقه، وهما مطلع النظم ومشرقه، وشى بالشام عرفهما، وفشا عرفهما، وكثر رياشهما وتوفر معاشهما، وعاشا في غبطة ورفعة وبسطة، وكنت أبا بالعراق أسمع أخبارهما، ثم اتفق انحداري إلى واسط سنه اثنتين وخمسين وخمسمائة فانحدر بعض الوعاظ الشاميين اليها طالبا منتجعا جدوى أعيانها، راغبا في احسانها، فسألته عنهما، فأخبر بغروب النجمين وأفول الفرقدين في أقرب مدة من سنتين، قال: واتفق انتزاح ابن منير من دمشق بسبب خوفه من رئيسها ابن الصوفي، ومقامه بشيزر عند بني منقذ.
قأت بخط مؤيد الدولة أبي المظفر أسامه بن مرشد بن علي بن منقذ في جزء كتبه لابن الزبير بأسماء جماعة من الشعراء، سأله عنهم ليودع ذكرهم كتابه المعروف بجنان الجنان ورياض الأذهان قال: ومنهم شرف الأدباء أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي، أوحد عصره، ولسان دهره، تأخر زمانه وتقدم فضله وبيانه، فهو زهير الفصاحة، وابن حجاج الملح والطرافة، في أشعاره لطافة تستخف القلب، وتملك السمع وكل فن من فنون الشعر يقصده يستولي على محاسنه وفنونه، ويحرز أبكار معانيه وعونه، فمن شعره في الغزل.
يا غريب الحسن ما أغ ... ناك عن ظلم الغريب
أترى الافراط في حب ... بك أضحى من ذنوبي
حل بي من حبك ... الخطب الذي لا كالخطوب
وعجيب أن ترى فع ... لك بي غير عجيب
لا تغالطني فما تخ ... فى أمارات المريب
أين ذاك البشر يا مو ... لاي من هذا القطوب
يا هلالاً يلبس ... الارض نقابا من شحوب
ما بدا إلاّ ونادى ... وجهه يا شمس غيبي
أيها الظبي الذي مر ... تعه أرض القلوب
والذي قادني الحي ... ن له قود الجنيب
سقمي من سقم جف ... نيك وفي فيك طبيبي
وسنا وجهك مص ... باحي وأنفاسك طيبي
أنا خير الناس إذ ... كنت من الناس نصيبي
عشقوا قبلي ولكن ... ما أحبوا كحبيبي
بأبي برد ثناياك ... وإن أذكى لهيبي
لا بلاك الله إن أح ... ببت يوماً بالذي بي

أنشدني القاضي أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد الخشاب الحلبي قال: أنشدني الوجيه بن أبي القاسم الحنيك بحلب قال: أنشدني ابن منير لنفسه، وقد اجتمعت بالوجيه ابن الحنيك في دار قاضي العسكر محمد بن يوسف بن الخضر وهو يذاكره بأقطاع من شعر ابن منير، فلا أتحقق هل كانت هذه الأبيات فيها أم لا، وهذه الأبيات مدح بها ابن منير نور الدين محمود بن زنكي، وقد كسر عسكر الفرنج بالروج وقتل ملكهم البرنس:
صدم الصليب على صلابة عوده ... فتفرقت أيدي سبا خشباته
وسقى البرنس وقد تبرنس ذلة ... بالروج ممقر ما جنت غدراته
تمشي القناة برأسه وهو الذي ... نظمت مدار النيرين قناته
قال لي القاضي أبو محمد: قال لي ابن الحنيك حين أنشدني هذه الأبيات: ما يقدر ابن عويدان السقاء يقول مثل هذا - يعني أبا الطيب المتنبي.
حدثني الحكيم نافع بن أبي الفرج بن نافع الحلبي وكان شيخاً مسناً قال: كنت يوماً مع أبي الحسين بن منير وقد مر به غلام حسن الصورة يقال له عمر بوبلة، وكان من أحسن الناس وجهاً، وأدركته أنا وقد هرم وهو يستعطي، قال: فناوله ابن بوبلة وردة ومضى، قال: فارتجل أبو الحسين بن منير:
كأنما قطفت من خد مهديها ... كأنما قطفت من حد مهديها
رقت فراقت فأحيت قلب ناشقها ... كأن عبقة فيه أفرغت فيها
وأنشدنا نافع بن أبي الفرج قال: أنشدني ابن منير لنفسه:
أصغى لهينمة الواشي فقال: سلا ... وكاذب في الهوى من يحتوي العذلا
كان الصبا مزنة هبت عليه صباً ... هز الصلا مرها ثم استحال صلا
وتمامها نذكره ان شاء الله تعالى في ترجمة الحكيم نافع.
أنشدني الرئيس بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب قال: أنشدنا الشيخ الرئيس أبو زكرى يحيى بن سعد بن ثابت الحلبي قال: أنشدني مهذب الملك أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الأطرابلسي لنفسه في سنة ست وأربعين وخمسمائة:
جعل القطيعة سلماً لعتابه ... متجرم جان على أحبابه
ما زال يضمر غدره متعللا ... بوشاته متسترا بكذابه
حتى تحدث ناظراه فحللا ... ما كان أوثق من عرى أعتابه
والله لولا ما يقوم بنصره ... من نار وجنته وماء شبابه
لأبحت ما حظر الهوى من هجره ... ليصح أو حرمت حل رضا به
ولكان من دين المروءة تركه ... فالصبر أعذب من أليم عذابه
حتام أقبل وهو ثان عطفه ... والحب يحملني على استجذابه
وأقول: غرّ ظن غي وشاته ... رشداً فأرجو أن يضيق لما به
وإذا تغيره لمعنى باطن ... لا خوف عاتبه ولا مغتابه
يا ظالماً أعطى مواثق عهده ... بوفائه والغدر ملء ثيابه
زينت لي وجه الغرور بموعد ... كذب فوا ظمأي للمع سرابه
ونبذتني نبذ الحصاة مضيعا ... وداً بخلت به على خطابه
ما كان وصلك غير هجعة ساهر ... غض الجفون فريع في أهبابه
آهاً لهذا القلب كيف خدعته ... متصنعا فسكنت سر حجابه
ولناظر كتبت إليك جفونه ... خبراً فما أحسنت رد جوابه
هذا هواك محكما ما ضره ... ما قطع الحساد من أسبابه
ومكانك المأهول لم يحلل به ... أحد سواك ولا أقام ببابه
وأنا الذي جربته فوجدته ... ماءً تقرّ النّفس باستعذابه
فإن استقمت فأنت أنت وإن تزغ ... فالبغي مصرعه على أربابه
أنشدني الحسن بن أبي طاهر الحلبي قال: أنشدني يحيى بن سعد الحريري قال: أنشدني أحمد بن منير لنفسه:
إذا غضب الأنام وأنت راضٍ ... علي فما أبالي من جفاني
وكيف أذمّ للأيام فعلاً ... وقد وهبتك يا كل الأماني
فقل للحاسدين ثقوا بكبت ... يقودكم إلى درك التفاني

صفا ورد الصفاء ورق روح ال ... وفاء وأينعت ثمر التداني
وواصل من أحبّ فبتّ منه ... أرود اللحظ في روض الجنان
ويا عين الرقيب سخنت عيناً ... فما أغنى سهادك إذ رعاني
وصلت إلى مناي وأنت عبرى ... تضللك المدامع عن مكاني
فمن لقي الزمان بوجه سخط ... فإني قد رضيت على الزمان
قرأت بخط أبي الحسين أحمد بن منير في رقعة كتبها إلى جدي أبي الفضل هبه الله بن محمد بن أبي جرادة يقتضيه موعده بإعارة كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي أبي الحسن الجرجاني:
يا حائزاً غاي كل فضلٍ ... تضلّ في كنهه الإحاطه
ومن ترقى إلى محلّ ... أحكم فوق السها مناطه
إلى متى أوسط التمني ... ولا ترى المنّ بالوساطه
أخبرني تاج الدين أبو المعالي الفضل بن عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الوجيه بن أبي القاسم الحنيك يحكي قال: كان ابن منير مقيماً بشيزر في جوار صاحبها أبي العساكر سلطان بن منقذ، فخلع عليه ابنه يوماً ثوباً فاخراً، واتفق أنه دخل ذلك اليوم مع أبي العساكر إلى الحمام فأخذ رجله يحكها، فدخل عليه حاجبه وقال له: الأمير فلان ولدك يطلب منك الثوب الفلاني وأشار إلى ثوب فاخر له، فقال له: أعطه، وقل له: لا تعطه لنحس آخر، ثم ارتأى على نفسه ورأى ابن منير فاعتذر إليه وقال له: والله ما خطر لي أنك ها هنا، فرمى برجله وقال: والله إنك أمير نحس، فاحتملها ابن منقذ منه ولم يبد له ما يكره.
سمعت والدي رحمه الله يقول: كان بلغ نور الدين محمود بن زنكي أن ابن منير يسب الصحابة، فقال له يوماً: ما تقول في الشيخين؟ فقال: مدبران ساقطان سفلتان، فقال نور الدين وقد غضب: من هما ويلك؟ قال: أنا والقيسراني، فسري عنه وضحك.
ذكر أبو يعلى بن القلانسي في تاريخه المذيل به على تاريخ دمشق، أن ابن منير توفي في جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
وأنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: وبلغني أن أبا الحسين بن منير مات بحلب في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة في جمادى الآخرة.
ووقع إلي نسخة من شعر ابن منير بخط أبي المكارم عبد الوهاب بن سالم بن أبي الحسن وبخطه، في آخره وجدت على ظهر الأصل المنقول منه هذا الديوان أن الشيخ أبا الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح مرض بحلب في دار ابن عمرو، يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بالمائتنرا، وكان سببه أنه أكل تيناً أخضر وجلس في الشمس ففصد في الحال، وورم وجهه وبقي إلى يوم الأربعاء العشرين من جمادى، وتوفي إلى رحمة الله وصلي عليه بالجامع، ودفن بظاهر باب قنسرين بالقرب من تربه مشرق رحمه الله.
قلت يعني مشرق بن عبد الله العابد، ورأيت قبر ابن منير من قبلي قبر مشرق وبينهما بعد، وعلى قبره بيتان من شعر ذكر لي أنه قالهما حين احتضر، وأوصى أن يكتبا على قبره فنقشا على أحجار قبره وهما:
من زار قبري فليكن موقناً ... أن الذي ألقاه يلقاه
فيرحم الله إمرأً زارني ... وقال لي يرحمك الله
ولما حرر السلطان الملك الظاهر رحمه الله خنادق حلب ووضع ترابها على المقابر القريبة منها خارج باب قنسرين خاف الحكيم نافع بن أبي الفرج ابن نافع أن يوضع التراب على قبر ابن منير فيمحى ويدرس أثره، فنبشه ونقل عظامه وحول قبره إلى سفح جبل جوشن بالقرب من مشهد الحسين، وقبره الآن ظاهر هناك، وكان في تربة بني الموصول بالقرب من قبر ابن أبي نمير العابد.

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال: قرأت بخط صديقنا أبي إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد القيسي وكان صديقا لابن منير وعنده اختفى لما اختفى بمسجد الوزير قال: حدثني الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر بن عبد العزيز خطيب حماة قال: رأيت أبا الحسين بن منير الشاعر في النوم بعد موته وأنا على قرنة بستان مرتفعة، فسألته عن حاله وقلت له: اصعد إلى عندي فقال: ما أقدر من رائحتي، فقلت: تشرب الخمر؟ قال: شر من الخمر يا خطيب، فقلت: ما هو؟ فقال: تدري ما جرى علي من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس؟ فقلت له: ما جرى عليك منها؟ فقال: لساني قد طال وثخن وصار مد البصر، وكلما قرأت قصيدة منها قد صارت كلاباً يتعلق في لساني، وأبصرته حافياً عليه ثياب رثة إلى غاية، وسمعت قارئاً يقرأ من فوق: لهم من فوقهم ظلل من النار الآية، ثم انتبهت مرعوباً.
حكى لي أبو طالب القيم، وكان شيخاً مسناً عندنا بحلب، وكان أولاً قيماً بالمسجد الجامع بحلب، ثم صار قيماً بمدرسة شاذبخت النوري رحمه الله، والعهدة عليه، قال: لما مات ابن منير خرجنا جماعة من الأحداث نتفرج بمشهد الحف فقال بعضها لبعض: قد سمعنا أنه لا يموت من كان يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما إلا ويمسخه الله في قبره خنزيراً، ولا نشك أن ابن منير كان يسبهما، وأجمع رأينا على أن نمضي إلى قبره تلك الليلة وننبشه لنشاهده، قال لي: فمضينا جميعا ونبشنا قبره فوجدنا صورته صورة خنزير ووجهه منحرف عن القبلة إلى جهة الشمال وكان معنا ضوء فأخرجناه على شفير قبره ليشاهده الناس، ثم بدا لنا فأحرقناه ووضعناه في القبر وأعدنا التراب عليه، هذا معنى ما حكاه لي أبو طالب القيم والله أعلم.
وقال شيخنا بدر الدين يونس بن محمد بن محمد بن محمد الفارقي بدمشق: مات ابن منير سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وهذا وهم اشتبه عليه ما قبل الخمسين بسنتين بما بعدها بثلاث والصحيح ما ذكرناه أولاً أن وفاته كانت في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
ذكر من اسم أبيه موسى ممن اسمه أحمد أحمد بن موسى بن الحسين بن علي أبو بكر بن السمسار: سمع بحلب أو عملها أبا بكر محمد بن بركه بن الفرداج القنسريني الحافظ، والعباس بن الفضل الدباج، وعلي بن محمد بن كاس النخعي القاضي بالعواصم والثغور.
وذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بما أنبأنا به الفقيه الإمام أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم قال: أحمد بن موسى ابن الحسين بن علي أبو بكر بن السمسار، أخو أبي العباس، وأبي الحسن، حدث عن أبي الحسن بن عمارة، وأبي بكر بن خريم، وأبي الجهم بن طلاب، وإبراهيم ابن عبد الرحمن بن مروان، وأبي الحسن بن جوصاء، وعبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي، وعلي بن محمد بن كاس النخعي، وأبي الدحداح، وأبي العباس بن ملاس ومحمد بن إسماعيل بن البصال، ومكحول البيروني، وأبي عمرو أحمد بن علي بن حميره، وعبد الغافر بن سلامة، ومحمد بن بركة، وعباس بن الفضل الدباج، ومحمد بن عبد الله بن محمد الكندي المعروف بالمنجع، وأبي بكر الخضر بن محمد ابن غويث، وزكريا بن أحمد البلخي، وأبي بكر الخرائطي، وأحمد بن إبراهيم ابن عبادل، ومحمد بن يوسف الهروي، وأبي باسم بن عليل الإمام.
روى عنه: أبو الحسن محمد بن عوف، ومكي بن محمد بن الغمر، وعبد الوهاب بن الميداني، وأخوه أبو الحسن بن السمسار.
أخبرنا أبو نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي القاضي فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو الفتح نصر الله ابن محمد الفقيه قال: حدثنا نصر بن إبراهيم المقدسي.

قال الحافظ: وأخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد قالا: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عوف بن أحمد المزني قال: قرئ على أبي العباس محمد بن موسى، وأحمد بن موسى بن السمسار قالا: حدثنا أبو بكر محمد بن خريم بن عبد الملك بن مروان قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز الخزاعية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الغلام شاتان مكافاتان وعن الجارية شاة.
أنبأنا سليمان بن الفضل بن الحسين قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد قال: حدثني أبو الحسين بن الميداني قال: توفي أبو بكر أحمد بن موسى بن السمسار أخو أبي العباس في ذي القعدة سنة خمس وستين.
قال عبد العزيز: حدث بشيء يسير، انتقى عليه أخوه، حدث عن ابن خريم وابن جوصاء وغيرهما، حدثنا عنه أبو بكر محمد بن عوف، وأخوه أبو الحسن علي بن موسى وغيرهما.
أحمد بن موسى بن عمار: أبو بكر القرشي الأنطاكي القاضي، روى عن: أبوي بكر أحمد ابن محمد الطرسوسي، ومحمد بن إبراهيم بن هرون الهمذاني، وأبوي الحسن علي ابن هرون البغدادي، وعلي بن إبراهيم الصوفي الحصري، وعيسى بن أبي الخير التيناتي.
روى عنه: أبو سعد الحسين بن عثمان بن أحمد الشيرازي، وأبو عبد الله محمد بن الحسين بن علي الجراحي.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: حدثنا أبو سعد الحسين بن عثمان بن أحمد الشيرازي قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن موسى بن عمار الأنطاكي الصوفي بالدينور قال: سمعت أبا الحسين علي إبراهيم الحصري يقول: كل من كان له غالب كانت غفلاته ترفغه إلى ذلك الغالب، وكان غالبي في بدأتي قراءة القرآن، فكنت أجهد أن لا أقرأ، وكنت إذا غفلت قرأت، فأقرأ ثلاثين آية أربعين آية، فإذا ذكرت سكت، وإذا غفلت قرأت، فكانت هذه حالي.
قال: وسمعته يقول: كنت في بدأتي نحواً من خمس عشرة سنة أجلس بالليل على رجلي معلقاً، فإذا حملني النوم سقطت، فأقول: الله، فيقول الجيران: الله قتلك، الله أبادك، الله أراحنا منك حتى أصابني علة في رجلي فعجزت عن ذلك.
أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أحمد بن موسى بن عمار، أبو بكر القرشي الأنطاكي، سمع بدمشق عيسى بن أبي الخير التيناتي وبغيرها أبا الحسن علي بن هرون البغدادي، وأبا بكر محمد بن إبراهيم بن هرون الهمذاني بها، وأبا بكر أحمد بن محمد الطرسوسي بمكة وأبا الحسن علي إبراهيم الحصري الصوفي، روى عنه: أبو عبد الله محمد ابن الحسين بن علي الجراحي، وسمع منه في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
أحمد بن موسى الأردستاني: أبو بكر إمام جامع طرسوس، روى عن: عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي روى عنه: أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحافظ سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، فأخرج جيشاً مع جيوش ما وراء النهر، كان يحكي لنا عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، كتبنا عنه الحكايات عنه.
أحمد بن موسى الطرسوسي: حدث عن: علي بن نصر البصري، روى عنه: علي بن أبي الأزهر.
أحمد بن مؤنس الراغبي: مولى راغب الموفقي، ساكن طرسوس، كان من أهل الحديث والورع فإنني قرأت بخط أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي بعد أن ذكر راغبا مولى الموفق بالله قال: ومن مواليه أحمد بن مؤنس الراغبي، صاحب حديث ودين وستر وصلاح وعفة.
ذكر من اسم أبيه مهدي أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني: أبو جعفر المديني، رحل في طلب الحديث، ودخل الشام والجزيرة ومصر والعراق، وسمع بحلب الحجاج بن يوسف بن أبي منيع الرصافي، وبحمص أبا اليمان، وبدمشق هشام بن عمار، وحدث عنهم وعن سعيد بن أبي مريم، ونعيم بن حماد، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي وأبي عبيد القاسم بن سلام وغيرهم.
روى عنه: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، وأبو جعفر أحمد بن جعفر بن معبد، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى الخشاب، وأبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن يوسف.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله فيما أذن فيه قال: أخبرنا مسعود بن أبي منصور الجمال قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن جعفر بن معبد قال: حدثنا أحمد بن مهدي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، قال أنس: فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعوداً، فقال حين سلم: إنما الإمام ليؤتم به، فإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: حدثنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الدوري بأصبهان قال: أخبرنا أبو الفتح منصور بن الحسين الرهاوي يقول: سمعت أحمد بن مهدي يقول: أردت أن أكتب كتاب الأموال لأبي عبيد، فخرجت لأشتري ماء الذهب، فلقيت أبا عبيد، فقلت: يا أبا عبيد رحمك الله أريد أن أكتب كتاب الأموال بماء الذهب، قال: اكتبه بالحبر فإنه أبقى.
أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن مميل الشيرازي إجازة وقدس معت منه غيره، قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أحمد بن مهدي بن رستم، أبو جعفر الأصبهاني المديني أحد الثقات الأثبات، رحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق هشام بن عمار، وبحمص أبا اليمان وحجاج بن أبي منيع، وبمصر عبد الله بن صالح، وعبد الغفار بن داود، وسعيد بن أبي مريم، ونعيم بن حماد، وأحمد بن صالح، وبحران عبد الله بن محمد النفيلي، وبالكوفة أبا نعيم وقبيصة وثابت بن محمد الزاهد، ويحيى بن عبد الحميد الحماني، وأحمد بن عبد الله بن يونس وأبا بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن سعيد بن الأصبهاني وغيرهم، وبالبصرة عبد الله بن مسلمة القعنبي، ومسدداً وأبا الربيع الزهراني، ومعلى بن أسد، ومسلم بن إبراهيم، وأبا معمر عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجني، وعثمان بن طالوت بن عباد، وبواسط سعيد بن سليمان، وعمرو بن عون، وببغداد أبا عبيد القاسم بن سلام، وعلي بن الجعد وبأصبهان محمد بن بكير الحضرمي وغيرهم.
روى عنه: أبو جعفر أحمد بن جعفر بن معبد، وأحمد بن إبراهيم بن يوسف وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى بن مزيد الخشاب، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار الزاهد.
أنبأنا يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا مسعود بن أبي منصور قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: أحمد بن مهدي بن رستم أبو جعفر المديني توفي في شوال سنة اثنتين وسبعين ومائتين، وقيل لعشر مضين من رمضان.
كان ظاهر الثروة، صاحب ضياع، لم يحدث في وقته من الأصبهانيين أوثق منه، وأكثر حديثاً، صاحب الكتب والأصول الصحاح، أنفق عليها نحواً من ثلاثمائة ألف درهم.
قال أبو محمد بن حيان: قال محمد بن يحيى بن مندة: لم يحدث ببلدنا منذ أربعين سنة أوثق من أحمد بن مهدي، صنف المسند، كتب بالشام، ومصر، والعراقين.
روى عن: أبي اليمان، وسعيد بن أبي مريم، وعبد الله بن صالح، وحجاج ابن أبي منيع، ونعيم بن حماد، وعن أبي نعيم، وقبيصة.
ولم يعرف له فراش منذ أربعين سنة، صاحب صلاة واجتهاد، افتقد من كتبه كتاب قبيصة، ثم رد عليه فترك قراءته.
وقال يوسف بن خليل: أخبرنا أبو المحاسن محمد بن الحسن بن الأصفهبذ قال: أخبرنا جعفر بن عبد الواحد الثقفي.
قال يوسف: وأخبرنا أبو عبد الله الكراني قال: أخبرنا أبو طاهر بن الراشتيناني قالا: حدثنا أبو القاسم بن أبي بكر قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان يقول: سمعت أحمد بن محمود بن صبح يقول: مات أحمد بن عصام سنة اثنتين وسبعين ومائتين، وفيها مات أحمد بن مهدي بن رستم في شوال.
أحمد بن مهدي بن سليمان أبو نصر السربجي المقريء:

جال الأقطار وتخلل الديار في طلب الشيوخ وسماع الآثار، ودخل حلب في رحلته، وسمع بها أبا الحسن علي بن محمد بن أحمد الطيوري الحلبي، وبمكة شرفها الله أبا بكر محمد بن منصور بن حميل الشهرزوري الفقيه، وبالبيت المقدس أبا عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى النيسابوري وبعسقلان أبا بكر محمد بن جعفر ابن علي الميماسي، وبحران الشريف أبا القاسم علي بن محمد بن علي الزبيدي، وبصيدا الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن جميع الغساني المعروف بسكن، وبمصر محمد بن الفضل الفراء، وأبا محمد إسماعيل بن عمرو بن راشد، وأبا عبد الله محمد بن الحسن بن عمر الصيرفي، وبالموصل أبا الفرج محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس الموصلي، وبآمد أبا الفتح أحمد بن محمد بن ياسين المؤدب العقبي، وأبا يعلى حمزة بن أحمد بن محمد الصفار النصيبي، وبدمياط أبا عبد الله الحسين بن المحسن بن علي، وبتنيس أبا محمد عبد الله بن يوسف بن نصر البغدادي، وجماعة غير هؤلاء من شيوخ البلاد يطول ذكرهم، ويكثر تعدادهم.
روى عنه ابنه أبو منصور محمد بن أحمد بن مهدي.
نقلت من خط الإمام الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي، وأخبرنا به إجازة عنه أبو القاسم عبد اللهب ن الحسين بن رواحة الحموي، وعبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل وجماعة غيرهما، قال: أخبرنا الإمام المقريء أبو منصور محمد ابن أحمد بن مهدي بن سليمان السربجي بنصيبين قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الطيوري بحلب قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن الحسين بن عبد الرحمن الصابوني القاضي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: أخبرنا مالك بن الخير الريادي أن مالك بن سعد التجيبي حدثه أنه سمع عبد الله بن عباس يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد ان الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها وسمتقاها.
وأخبرنا بهذا الحديث عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قراءة عليه قال: أخبرنا والدي القاضي أبو الفضل هبة الله قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن الحلي الحلبي قال: أخبرنا أبو الحسن بن الطيوري باسناده مثله سواءً.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر: سمعته - يعني أبا منصور - يقول: سمعت أبي يقول: كتبت عن أربعمائة شيخ اسمه محمد في سفري وحضري.
سمعته يقول: فقد والدي في طريق الموصل سنة تسع وخمسين - يعني وأربعمائة - ولم ير بعد ذلك لا حياً ولا ميتاً.
أحمد بن ملاعب بن عبد الله: أبو الحسن الحلبي، قرأ على أبي الحسن أحمد بن الحسن بن عبد الله الملطي قرأ عليه أبو العز محمد بن الحسين الواسطي.
أنبأنا أبو حفص عمر بن قشام الفقيه قال: كتب إلينا أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني أنه قرأ القرآن أجمع على أبي العز محمد بن الحسين الواسطي، وأخبره أنه قرأ على أبي الحسن أحمد بن ملاعب بن عبد الله الحلبي، وأخبره أنه قرأ على أبي الحسن أحمد بن الحسن بن عبد الله الملطي وأخبره أنه قرأ على أبي الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ، وأخبره أنه قرأ على أبي محمد عبد الله بن سليمان بن محمد بن عثمان الرقي، وأخبره أنه قرأ على أبي زيد عمر بن شبة بن عبيدة النميري، وأخبره أنه قرأ على أبي أحمد جبلة بن مالك ابن جبلة بن عبد الرحمن البصري، وأخبره أنه قرأ على المفضل، وأخبره أنه قرأ على عاصم.
أحمد بن ميمون بن عبد الله الخشاب: أبو الحسين القاضي، حدث بحلب عن أبي الحسن علي بن عبد الحميد الغضائري، روى عنه أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن سلمة بن عبد الله المالكي الربعي.

قرأت بخط نصر بن محمد بن أحمد بن صفوان القطان الموصلي قال: أخبرنا الشيخ أبو الفتح المفضل بن الحسن بن علي بن الطيان قال: حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن سلمة بن عبد الله المالكي الربعي قال: حدثنا القاضي أبو الحسين أحمد بن ميمون بن عبد الله الخشاب بحلب قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان الغضائري سنة ثمان وثلاثمائة قال: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا، فقال: يا عمر ما لي وللدنيا وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.
حرف النون في آباء الأحمدين
أحمد بن ناصح: أبو عبد الله المصيصي، حدث عن هشيم بن بشير، وعبد العزيز الدراوردي روى عنه النسائي، وقال: صالح، وقال في موضع آخر: ليس به بأس.
أحمد بن نجم بن عبد الوهاب: ابن عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن يعيش بن سعيد بن سعد بن عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي الدمشقي، أبو العباس المعروف بابن الحنبلي، أخو شيخنا ناصح الدين عبد الرحمن.
سافر إلى بغداد في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع بها انشاد الحيص بيص، وروى عنه عند عوده، واجتاز بحلب في ممره وعوده.
أنشدنا عنه نجيب الدين أبو الفتح بن الصفار، وروى عنه أبو حامد القوصي وخرج عنه في معجم شيوخه شيئا من شعر الحيص بيص رواه عنه.
أنشدنا أبو الفتح بن الصفار قال: أنشدنا بهاء الدين أحمد بن نجم بن الحنبلي قال: أنشدني الحيص بيص لنفسه، قال لي ابن الصفار: وذكر لي ابن الحنبلي أنه دخل حلب:
لا تضع من عظيم قدر وإن ... كنت مشاراً إليه بالتعظيم
فالعظيم الخطير يصغر قدراً ... بالتعدّي على الخطير العظيم
ولع الخمر بالعقول رمى ... الخمر تنجيسها وبالتحريم
قرأت بخط أبي حامد القوصي في معجمه، وناولني إياه وأجاز لي روايته فيما أجازه: هذا الأجل بهاء الدين كان من العدول المميزين، والأمناء المأمونين، وفرعاً طيباً تفرع من شجرة الأنصاريين رحمة الله عليهم أجمعين.
قال: ومولده بدمشق في شهور سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
ذكر من اسم أبيه نصر من الأحمدين أحمد بن نصر بن بجيز: وهو أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير، أبو العباس، وقد تقدم ذكره؛ نسبه بعضهم إلى جده مع اسقاط اسم أبيه لشهرته به، فنبهنا على ذلك لكيلا يظن أننا أغفلناه.
أحمد بن نصر بن الحسين البازيار: أبو علي الكاتب، وإليه ينسب درب البازيار بحلب، كان أبوه من أهل سامراء، وانتقل هو إلى حلب وسكنها، واتصل بخدمة الأمير سيف الدولة بن حمدان، وحظي عنده، وكان كاتباً فاضلاً أديباً.
حدث عن أبي أحمد عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم بن علي الحسيني.
روى عنه القاضي أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبيد الله بن الحسين الحسيني.
نقلت من كتاب نزهة عيون المشتاقين تأليف أبي الغنائم عبد الله بن الحسن الزيدي قال: حدثني القاضي أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبيد الله الحسيني بدمشق قال: حدثني أبو علي أحمد بن نصر البازيار قال: حدثني جدك - يعني أبا أحمد عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم بن علي - قال: حدثني أبي الحسين بن إبراهيم بن علي بن عبيد الله بن الحسين الأصغر عليه السلام عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه موسى عن جده عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: كنت جالسا بحضرة أمير المؤمنين علي عليه السلام إذ جاء أعرابي فشكا إليه حاله وزعم أنه ليس في عشيرته أفقر منه، فقال له أمير المؤمنين: يا أعرابي عليك بالاستغفار.
ذكر الوزير أبو القاسم الحسين بن علي بن المغربي في كتاب المأثور من ملح الخدور ورأيته بخطه في حكاية حكاها عن أبي الهيجاء بن حمدان قال: وحدثت عن أبي علي أحمد بن نصر المعروف بابن البازيار الأديب الكاتب الظريف وكان قد صحب سيف الدولة رحمه الله دهرا فذكر الحكاية.

نقلت من كتاب الفهرست لمحمد بن إسحق النديم، من خط مظفر الفارقي، وذكر أنه نقله من خط محمد بن إسحق النديم قال: ابن البازيار، أبو علي أحمد بن نصر بن الحسين البازيار، وكان نديما لسيف الدولة، وكان أبوه نصر بن الحسين من ناقلة سامراء. واتصل بالمعتضد وخدمه، وخف على قلبه، وأصله من خراسان وكان يتعاطى لعب الجوارح، فرد إليه المعتضد نوعاً من أنواع جوارحه، وتوفي أبو علي بحلب في حياة سيف الدولة، وله من الكتب كتاب تهذيب البلاغة.
قرأت في كتاب معرفة شرف الملوك، تصنيف أبي الحسين أحمد بن علي بن أبي أسامة، وقال أبو القاسم بن الأبيض العلوي رحمه الله: كان سيف الدولة رضي الله عنه كثيراً ما يترحم على أبي علي أحمد بن نصر البازيار، ويقول: رحمك الله يا أبا علي، كان يقول لي، وأنا أفوض إلى نجا، وأعطيه، وأرفع منزلته،: أيها الأمير إنك تعقد عقداً فانظر كيف تحله، فلما عصى وخرج إليه سيف الدولة رحمه الله كان يذكر قوله.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي قال: أخبرنا زاهر ابن طاهر إذنا قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن البندار إجازة عن أبي أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم المقرئ قال: أخبرنا أبو بكر الصولي إجازة في كتاب الأوراق قال في حوادث سنة ثلاثين وثلاثمائة: وقلد أحمد بن نصر البازيار أبا علي زمام السواد إلى ما كان قلده إياه أحمد بن علي الكوفي من ديوان المغرب، يعني أبا إسحق القراريطي، قلد أحمد بن نصر لما استوزر.
قرأت في كتاب لوامع الأمور تأليف أبي إسحق السقطي: ذكر في حوادث سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة في ذكر من مات فيها: وأبو علي أحمد بن نصر البازيار ابن أخت أبي القاسم بن الحواري، وحمل تابوته إلى بغداد.
وقرأت بخط ثابت بن سنان في جزء جمع فيه الوفاآت مجرداً عن غيره أن أبا علي أحمد بن نصر بن البازيار مات بالاشم، يعني في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.
أحمد بن نصر بن شاكر بن عمار: أبو الحسن بن أبي رجاء المقرئ المؤدب، سمع بالثغور والعواصم المسيب بن واضح، وابراهيم بن سعيد الجوهري، وروى عنهما، وعن مؤمل بن إهاب، وأيوب ابن محمد الوزان، وعبد الوهاب بن الضحاك العرضي، ويعقوب الدورقي، وهشام ابن عمار، ومحمود بن خداش، وإبراهيم بن هشام بن يحيى، والوليد بن عتبة، ويوسف بن موسى القطان، وإسحق بن سعيد بن الأركون، وهشام بن خالد، ودحيم، وأحمد بن محمد بن عمر اليمامي، وعمرو بن الغار، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب، ومحمد بن الخليل الخشني، ويحيى بن عثمان بن سعيد، وأحمد بن منيع، والفتح بن سلومة الحمراني، وعبد الوهاب بن الحكم الوراق، ومحمد بن مسعدة البيروتي، ومحمد بن يزيد الآدمي، وأبي سالم العلاء بن مسلمة ابن عثمان، وأبي هشام الرفاعي، وسعيد بن يحيى الأموي، وصفوان بن صالح ومحمد بن سهل بن عسكر، وإسحق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل.
روى عنه أبو طاهر محمد بن سليمان بن ذكوان، وأبو عبد الرحمن النسائي وأبو بكر أحمد بن محمد بن فطيس، ويحيى بن عبد الله بن الحارث، وحثمة بن سليمان، وأبو الميمون بن راشد، ومحمد بن أحمد بن الوليد بن أبي هشام، وأبو القاسم بن أبي العقب، وأبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء، وأبو أحمد بن محمد بن الناصح، وأبو علي بن شعيب، وأبو الحسن بن شنبوذ، والحسن بن حبيب، وأبو القاسم عبد الله بن عبدان الغنوي، وعبد الله بن عبد الصمد المهتدي وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل القاضي بدمشق قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم قال: أخبرنا أبو نصر بن طلاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن نصر بن أبي رجاء المقريء قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: حدثنا يوسف بن أسباط عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة بحمله على عاتقه.

أنبأنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن نصر بن شاكر بن عمار. وهو أحمد بن أبي رجاء، أبو الحسن المقرئ المؤدب، قرأ القرآن على الحسين بن علي العجلي عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم، وعن الوليد بن عتبة الأشجعي، وقرأ الوليد على أيوب بن تميم، وقرأ أيوب على يحيى بن الحارث، وقرأ يحيى على ابن عامر، وقرأ عليه بحرف عاصم أبو القاسم بن أبي العقب، وبحرف ابن عامر أبو الحسن أحمد بن محمد بن شنبوذ، وأبو القاسم عبد الله بن عبدان الداودي المعروف بالغنوي، وروى عن الوليد بن عتبة، وعبد الوهاب بن الضحاك، ويوسف بن موسى القطان، وأحمد بن محمد بن عمر اليمامي، وهشام بن عمار، وإبراهيم بن هشام بن يحيى، وإسحق بن سعيد بن الأركون، وعمرو بن الغار، ودحيم، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب، والفتح بن سلومة الحمراني، وأبي سالم العلاء ابن مسلمة بن عثمان بن محمد بن إسحق، وهشام بن خالد، وعبد الوهاب بن الحكم الوراق، وأيوب بن محمد الوزان، وأبي هشام الرفاعي، والمسيب بن واضح، ومؤمل بن إهاب وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ومحمد بن الخليل الخشني البلاطي، ومحمد بن يزيد الآدمي وسعيد بن يحيى الأموي، ومحمد بن سهل بن عسكر، وصفوان بن صالح، ومحمد بن مسعدة البيروتي، ويحيى بن عثمان بن سعيد ويعقوب الدورقي، ومحمود بن خداش.
روى عنه أبو الميمون بن راشد، وأبو بكر أحمد بن محمد بن سعيد بن فطيس الوراق، وأبو بكر يحيى بن عبد الله بن الحارث، وأبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن مروان، وأبو القاسم بن أبي العقب، وأبو علي شعيب، وأبو الحسن بن جوصاء، وأبو طاهر محمد بن سليمان بن ذكوان، وإبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان، والحسن بن حبيب، وأبو أحمد عبد الله بن محمد بن الناصح المفسر، وخثمة بن سليمان، وأبو عبد الرحمن النسائي، ومحمد بن أحمد بن الوليد ابن أبي هشام، وعبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله.
قال: وذكر ابن الناصح المفسر أن أحمد بن أبي رجاء مات في المحرم سنة اثنتين وتسعين ومائتين.
أحمد بن نصر بن طالب: أبو طالب الحافظ البغدادي، سمع بحلب جعفر بن محمد بن موسى الأعرج الحافظ، وبأنطاكية أبا عمرو عثمان بن عبد الله بن خرزاد الأنطاكي، وروى عنهما، وعن علي بن إبراهيم بن عبد المجيد الواسطي، وعمر بن ثور، وهلال بن العلاء، وأبي الوليد عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي البصري، والعباس بن محمد الدوري، وإبراهيم بن محمد بن برة، وإسحق بن إبراهيم الدبري الصنعانيين، واسماعيل بن عبد الله بن ميمون العجلي، وأحمد بن أصرم المغفلي، وأحمد بن المعلى بن يزيد الأسدي، ومحمد بن أحمد بن إبراهيم بن عيسى ابن أبي حبيب وعثمان بن محمد بن بلج البصري، وسليمان بن عبد الحميد البهراني وجعفر بن محمد القلانسي، وسليمان بن أيوب بن حذلم، وحويت ابن أحمد بن أبي حكيم، وأبي زرعة البصري، ويزيد بن محمد بن عبد الصمد، ويحيى بن عثمان بن صالح.
وروى عنه الحفاظ أبو الحسين بن المظفر، وأبو الحسين الدارقطني، وأبو الفتح الأزدي الموصلي، وأبو حفص بن شاهين، وأبو أحمد بن عدي، وأبو بكر ابن المقرئ وابن شاذان، وأبو طاهر المخلص، وأبو الحسين محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، وأبو عمر بن حيوية، وأبو محمد عبد الله بن زيدان البجلي، وعبد الله بن موسى الهاشمي.
أخبرنا الشيخ العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن لعي بن أحمد المقرئ قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن النقور قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين بن أخي ميمي قال: حدثنا أبو طالب أحمد ابن نصر بن طالب قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن عبد المجيد قال: حدثنا يعقوب بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عمر بن أبي سلمة قال: حدثنا أبي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه إلى طعام فقال: تعال كل مما يليك وكل بيمينك واذكر اسم الله عز وجل.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل قال: أخبرنا أبو مسلم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعد قالا: أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء، قالت: إجازة، قال: أخبرنا أبو طاهر الثقفي وأبو الفتح بن الحسين، قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا أبو طالب الحافظ أحمد بن نصر بن طالب قال: حدثنا جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي قال: حدثنا إسحق بن محمد الفروي عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدبا والمزفت.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو المظفر بن القشيري كتابة عن محمد بن علي بن محمد قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سألته يعني الدارقطني - عن ابن طالب الحافظ، فقال: حافظ متقن.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أحمد ابن علي البغدادي قال: سمعت البرقاني يقول: كان الدارقطني يقول: أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ أستاذي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي الغساني قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الخطيب قال: أحمد بن نصر بن طالب، أبو طالب الحافظ، سمع العباس ابن محمد الدوري، واسماعيل بن عبد الله بن ميمون العجلي، وعثمان بن محمد ابن بلج البصري، وأحمد بن أصرم المغفلي، وسليمان بن عبد الحميد البهراني، ويحيى بن عثمان بن صالح المصري، وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني، وإسحق ابن إبراهيم الدبري.
روى عنه أبو عمر بن حيوية الخزاز، وعبد الله بن موسى الهاشمي، ومحمد بن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، وكان ثقة ثبتاً.
أنبأنا أبو المحاسن سليمان بن الفضل بن الحسين قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ قال: أحمد بن نصر بن طالب، أبو طالب البغدادي الحافظ، سمع بدمشق أبا زرعة البصري، وسليمان بن أيوب بن حذلم، ويزيد بن محمد بن عبد الصمد، وحويت بن أحمد بن أبي حكيم، وجعفر ابن محمد القلانسي، وأحمد بن المعلى بن يزيد الأسدي، وبحمص سليمان بن عبد الحميد البهراني، وبأنطاكية عثمان بن خرزاد، وبمصر يحيى بن عثمان بن صالح، وأحمد بن أصرم المغفلي، وبالعراق العباس بن محمد الدوري، واسماعيل بن عبد الله بن ميمون العجلي، وعثمان بن محمد بن بلج البصري، وباليمن أبا زيد محمد بن أحمد بن إبراهيم بن عيسى بن أبي حبيب، وإسحق بن إبراهيم الدبري، وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعانيين.
روى عنه أبو الحسن الدارقطني، وأبو عمر بن حيوية، وأبو الحسين بن المظفر، وأبو حفص بن شاهين، وعبد الله بن موسى بن إسحق الهاشمي، وأبو بكر ابن شاذان، وأبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الموصلي الحافظ، وأبو محمد عبد الله بن زيدان البجلي الكوفي، وهو أكبر منه، وأبو طاهر المخلص وهو آخر من حدث عنه.
أنبأنا أبو القاسم القاضي قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال: قال لنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا الأزهري قال: حدثنا أبو بكر بن شاذان قال: سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فيها توفي أبو طالب الحافظ.
قال الخطيب: وحدثني عبيد الله بن أبي الفتح عن طلحة بن محمد بن جعفر.
قال: وأخبرنا السمسار قال: أخبرنا الصفار قال: حدثنا ابن قانع أن أبا طالب أحمد بن نصر الحافظ مات في شهر رمضان من سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
قال: وأخبرنا أحمد بن أبي جعفر قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله الشاهد قال: توفي أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ في شوال سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
أحمد بن نصر بن أبي القاسم بن الحسن القميرة الأزجي البغدادي التاجر: أبو العباس بن أبي السعود، أخو شيخنا المؤتمن، قدم حلب تاجراً، أخبرني بعض أهل الحديث عنه بذلك.
حدث عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن النرسي، وسئل عن مولده فقال: في ثالث ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بباب الأزج، وتوفي ببغداد في أوائل سنة تسع وأربعين وستمائة.
أحمد بن نصر، أبو العباس الأنطاكي: حدث بأنطاكية عن سليم بن منصور بن عمار، روى عنه جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام المعروف بابن بنت عدبس، وأحمد بن محمد بن جعفر البزاز.

أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة قال: حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني قال: حدثنا أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر ابن هشام الكندي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن نصر بأنطاكية، قال: حدثنا سليم بن منصور بن عمار: قال: حدثنا أبي قال: حدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مزيد بن عبد الله البرتي عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون لأصحابي من بعدي زلة يغفرها الله عز وجل بسابقتهم معي، يعمل بها قوم من بعدهم يكبهم الله عز وجل في النار على مناخرهم.
أحمد بن نصر النيسابوري: سمع بأنطاكية عبد الله بن السري الأنطاكي.
أحمد بن نصر، أبو العشائر: ...، ولاه المكتفي ثغر طرسوس وما يليه من الثغور الشامية في سنة تسعين ومائتين.
وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في حوادث سنة تسعين ومائتين قال: ولإحدى عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر خلع على أبي العشائر أحمد بن نصر، وولي طرسوس، وعزل عنها مظفر بن جاخ لشكاية أهل الثغور إياه.
قال: ولعشر خلون من جمادى الآخرة شخص أبو العشائر إلى عمله بطرسوس وخرج معه جماعة من المطوعة للغزو، ومعه هدايا من المكتفي إلى ملك الروم.
قال: وفي المحرم منها - يعني سنة اثنتين وتسعين ومائتين - أغار أندرونقس الرومي على مرعش ونواحيها، فنفر أهل المصيصة وأهل طرسوس، فأصيب أبو الرجال بن أبي بكار مع جماعة من المسلمين.
قال: وفيها كان الفداء بن المسلمين والروم، وكان عهد الفداء والهدنة من أبي العشائر والقاضي ابن مكرم، فلما كان من أمر أندرونقس ما كان من غارته على أهل مرعش وقتله أبا الرجال وغيره، عزل أبو العشائر، وولي رستم، فكان الفداء علي يديه.
أحمد بن النضر بن بحر السكري: أبو جعفر العسكري، من عسكر مكرم دخل الشام والعواصم والثغور، وسمع بحلب أبا محمد عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد بن أخي الإمام الحلبي الأسدي، وبمنبج بن سلام المنبجي، وبالمصيصة أبا خيثمة مصعب بن سعيد المصيصي، وأحمد بن النعمان الفراء المصيصي، ومحمد بن آدم المصيصي، وأبا جعفر المغازلي المصيصي، وعبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي، وبطرسوس حمزة بن سعيد المروزي، وأبا موسى بن يونس الطرسوسي، وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي، وحدث عنهم سعيد بن حفص النفيلي وهشام بن عمار، ويحيى بن رجاء بن أبي عبيدة الحراني الحصني، والعباس بن الوليد بن صبح الخلال، ومحمد بن مصفى الحمصي، وحامد بن يحيى البلخي.
روى عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وعبد الله بن إسحق المدائني، وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وعبد الباقي بن قانع القاضي، واسماعيل بن علي الخطبي، ومحمد علي بن سهل الإمام، وأبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي، وأبو علي الحسن بن هشام بن عمرو البلدي.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي قال: أخبرنا أسعد بن أبي سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد الجوزدانية قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان ابن أيوب الطبراني قال: حدثنا أحمد بن النضر بن بحر العسكري قال حدثنا أبو خيثمة مصعب بن سعيد المصيصي قال: حدثنا عيسى بن يونس بن عوف الأعرابي عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على حي من بني النجار فإذا جوار يضربن بالدف ويقلن:
نحن فتيّات من بني النجّار ... فحبّذا محّمدٌ من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله يعلم أن قلبي يحبكم.
قال الطبراني: لم يروه عن عوف إلا عيسى بن يونس، تفرد به مصعب بن سعيد.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل قال: أخبرنا أبو الحسن ابن قبيس قال: قال لنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب: أحمد بن النضر ابن بحر، أبو جعفر السكري، من أهل عسكر مكرم، قدم بغداد وحدث بها عن: سعيد بن حفص النفيلي، ومصعب بن سعيد المصيصي، ويحيى بن رجاء بن أبي عبيدة الحراني، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، وحامد بن يحيى البلخي، ومحمد بن مصفى الحمصي.

روى عنه: عبد الله بن إسحق المدائني، واسماعيل بن علي الخطبي، وعبد الباقي بين قانع القاضي، ومحمد بن علي بن سهل الإمام.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فيما أذن لنا فيه، وقد سمعت منه بالبيت المقدس، وبدمشق قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله قال: أحمد بن النضر بن بحر، أبو جعفر العسكري السكري قرأ القرآن بدمشق عن هشام بن عمار بحرف ابن عامر، قرأ عليه أبو بكر النقاش.
وحدث ببغداد عن هشام بن عمار، والعباس بن الوليد بن صبح الخلال، ومحمد بن سلام المنبجي، وسعيد بن حفص النفيلي، ومصعب بن سعيد المصيصي، ويحيى بن رجاء بن أبي عبيدة الحراني الحصني، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي، ومحمد بن مصفى الحمصي، وحامد بن يحيى البلخي.
روى عنه أبو محمد بن صاعد، وعبد الله بن إسحق المدائني، واسماعيل بن علي الخطبي، وسليمان بن أحمد الطبراني، وعبد الباقي بن قانع، ومحمد بن علي بن سهل الإمام، وأبو علي الحسن بن هشام بن عمرو البلدي، وأبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا السمسار قال: أخبرنا الصفار قال: حدثنا ابن قانع أن أحمد بن النضر بن بحر مات في سنة تسعين ومائتين.
قال: وأخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن العباس قال: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع قال: وجاءنا الخبر بموت أبي جعفر أحمد بن النضر العسكري، عسكر مكرم، خرج من عندنا إلى الرقة فمات بها ليومين خلوا من ذي الحجة سنة تسعين.
كان من ثقات الناس وأكثرهم كتابا، وقيل لنا - ولم نسمع هذا منه - أن جده لأمه سهل بن محمد بن الزبير العسكري أحمد بن النعمان الفراء: أبو جعفر المصيصي، حدث عن زهير بن معاوية، يعرف بالأبح، وعنبسة بن عبد الواحد، وأبي خالد الأحمر، وأسباط بن محمد، ويحيى بن يعلى الأسلمي، وعبد الله بن خراش.
روى عنه: يوسف بن سعيد بن مسلم، ومحمد بن حماد بن المبارك، ومحمد ابن ادريس بن مطيب المصيصيون، وموسى بن محمد الأنصاري، والحسين بن إسحق التستري، وأبو جعفر أحمد بن النضر العسكري.
أخبرنا الشريف أبو حامد محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني الحلبي قال: أخبرنا عمي أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة الحسيني قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة قال: أخبرنا ابو الفتح عبد الله بن إسماعيل ابن الجلي قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا موسى بن محمد الأنصاري قال: حدثنا أحمد بن النعمان عن أسباط بن محمد عن طعمة بن غيلان يرفعه إلى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول هذه الأمة وروداً علي الحوض أولها إسلاماً علي بن أبي طالب.
أحمد بن نهيك الكاتب: كاتب عبد الله بن طاهر بن الحسين، قدم معه حلب سنة ثمان ومائتين حين قدم الشام، وهدم بيعة معرة النعمان وغير ذلك من حصون الشام، وكان خصصيا به وعبد الله محسناً إليه.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس.

وأنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال ابن قبيس حدثنا، وقال القزاز: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: حدثني الجوهري قال: حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: حدثنا أبو الحسين عبد الله ابن أحمد بن أبي طاهر قال: حدثني أبي أن عبد الله بن طاهر لما خرج إلى المغرب كان معه كاتبه أحمد بن نهيك، فلما نزل دمشق أهديت إلى أحمد بن نهيك هدايا كثيرة في طريقه وبدمشق، وكان يثبت كل ما يهدى إليه في قرطاس ويدفعه إلى خازن له، فلما نزل عبد الله بن طاهر دمشق أمر أحمد بن نهيك أن يغدو عليه بعمل كان أمره أن يعمله، فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاساً فيه العمل الذي أمر باخراجه يضعه في المحراب بين يديه لئلا ينسى وقت ركوبه في السحر، فغلط الخازن فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه فوضعه في المحراب فلما صلى أحمد ابن نهيك الفجر أخذ القرطاس من المحراب فوضعه في خفه، فلما دخل على عبد الله بن طاهر سأله عما تقدم إليه من إخراجه العمل الذي أمره به فأخرج الدرج من خفة فدفعه إليه، فقرأه عبد الله من أوله إلى آخره وتأمله، ثم أدرجه ودفعه إلى أحمد بن نهيك وقال: ليس هذا الذي أردت، فلما نظر أحمد بن نهيك فيه أسقط في يديه، فلما انصرف إلى مضربه وجه إليه عبد الله بن طاهر يعلمه أنه قد وقف على ما في القرطاس فوجده سبعين ألف دينار، وأعلم أنه قد لزمك مؤونة عظيمة غليظة في خروجك، ومعك زوار وغيرهم، وإنك محتاج إلى برهم، وليس مقدار ما صار إليك يفي بمؤونتك، وقد وجهت اليك مائة ألف درهم لتصرفها في الوجوه التي ذكرتها.
حرف الواو في أسماء آباء الأحمدين
من اسم أبيه الوليد أحمد بن الوليد بن محمد بن برد بن يزيد بن سخت بن سميع: أبو الوليد الأنطاكي، وقيل في جد أبيه برد بن ذي شجب، وأظنه لقبا لقب به سميع.
حدث عن عبد الله بن ميمون القداح، وأبي عصام رواد بن الجراح العسقلاني ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وأبي عبد الله بشر بن بكير.
روى عنه ابنه أبو الوليد محمد وأحمد بن عمير بن جوصاء، وابراهيم بن متويه ومحمد بن الحسن بن قتيبة، وأبي عمرو عثمان بن عبد الله بن عفان، وأسامة ابن الحسن بن عبد الله بن سلمان، وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، وأبو بكر محمد بن إدريس بن الحجاج الأنطاكي، ومحمد بن عبد الله بن محمد ابن أعين، وأبو يعقوب إسحق بن إبراهيم بن يونس، وأبو بكر محمد بن تمام ابن صالح البهراني، وابراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني، وجعفر بن درستويه وكان شاعراً فقيهاً.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن بن نصر البسطامي ببلخ، قال: أخبرنا أبو القاسم عزيز بن عبد الرحمن المركب قال: أخبرنا أحمد بن محمود بن أحمد الأصبهاني قال: أخبرنا محمد بن ابراهيم بن علي قال: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، وأبو عمرو عثمان بن عبد الله بن عفان قالا: حدثنا أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن شبل بن العطاء عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حق المؤمن على المؤمن ست قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فأصحبه.
أنبأنا عبد الجليل الأصبهاني قال: أخبرنا أبو المحاسن البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا أبو عبد الله بن مندة قال: أحمد بن الوليد بن محمد ابن برد بن سميع الأنطاكي حدث عن: ابن أبي فديك وعبد الله بن ميمون القداح، روى عنه إبراهيم بن متويه، وابن جوصاء.
قرأت في كتاب معجم الشعراء للمرزباني وأنبأنا به أبو اليمن الكندي عن أبي بكر بن عبد الباقي عن أبي محمد الجوهري عنه قال: أحمد بن الوليد بن برد الشامي الفقيه الأنطاكي، كان الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي يهوى جارية أخيه عبيد بن صالح فسقى الفضل أخاه سما فقتله، وتزوجها، فقال أحمد بن الوليد - وكان الفضل قد ظلمه في شيء:
لئن كان فضل بزني الأرض ظالماً ... لقبلي ما أذرى عبيد بن صالح
سقاه نشوعياً من السم ناقعاً ... ولم يتئيب من مخزيات الفضائح

حوى عرسه من بعده وتراثه ... وغادره رهن الثرى والصفائح
قال: وله في رجل أنشده شعرا رديئا:
قد جاءني لك شعر لم يكن حسناً ... ولا صوابا ولا قصداً ولا سددا
وجدت فيه عيوباً غير واحدة ... ولم أزل لعيوب الشعر منتقدا
كأن ذا خبرة بالشعر جمعه ... ثم انتقى لك منه شر ما وجدا
إني نصحتك فيما قد أتيت به ... من الفضائح نصح الوالد الولدا
فعد عن ذاك وادفنه كما دفنت ... هرٌ خروءاً ولم تعلم به أحدا
أنبأنا حسن بن أحمد بن الأوقي قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن بن قشيش الحربي قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال: أخبرنا عبد الباقي بن قانع قال: سنة ست وخمسين ومائتين، أحمد بن برد الأنطاكي، يعني مات.
أحمد بن الوليد، أبو جعفر: سمع بطرسوس أحمد بن أزداد، وروى عنه، حدث عنه أبو بكر بن أبي الدنيا القرشي.
أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني عن أبي محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي قال: أخبرنا الخطيب أبو بكر قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن هبة الله بن الشرابي قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن صفوان قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أبي الدنيا القرشي.
أحمد بن وهب بن سلمان بن أحمد بن عبد الله بن أحمد: المعروف بابن الزنف، أبو الحسين بن الفقيه أبي القاسم السلمي الدمشقي.
حدث بحلب عن أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، والحافظ أبي الحسن علي بن سليمان المرادي، وكان صحبه بحلب وتفقه عليه وعلى أبي الدر ياقوت بن عبد الله مولى ابن البخاري، وحدث عنه بدمشق عن أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي، وأبي القاسم نصر بن مقاتل بن مطكود، وأبي الفتح ناصر ابن محمد النجار، ونصر الله بن محمد المصيصي، ومحمد بن يحيى بن علي القرشي القاضي، وحضر مجلس يحيى بن بطريق.
روى عنه القاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الصمد بن الطرسوسي والشيخ أبو يعلى عبد المنعم بن هبة الله بن الرعباني المعروف بابن أمين الدولة الحلبيان.
وحدثا عنه أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي، وأبو المحامد إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي، وخرج كل واحد منهما عنه حديثا في معجم شيوخه.
وكان أميناً عدلاً، شاعراً، فقيهاً.
وقال أبو الحجاج يوسف بن خليل فيما نقلته من خطه: وسألته عن مولده، فقال: يوم الأحد تاسع صفر سنة ثلاثين وخمسمائة.
وقال عبد العظيم المنذري: شاهدت بخطه: ومولدي يوم الأحد عاشر صفر سنة ثلاثين.
أخبرنا أبو المحامد إسماعيل بن حامد القوصي قراءة عليه بدمشق قال: أخبرنا الشيخ الأمين زين الأئمة أبو الحسين أحمد بن الفقيه أبي القاسم وهب بن سلمان ابن أحمد السلمي المعروف بابن الزنف أبو الحسين، بقراءتي عليه بمنزله بدمشق في ثاني شوال سنة خمس وتسعين وخمسمائة قال: أخبرنا المشايخ الثلاثة: القاضي الإمام، قاضي القضاة منتخب الدين أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي، وأبو القاسم نصر بن مقاتل ابن مطكود السوسي، وأبو الفتح ناصر بن محمد النجار قالوا: أخبرنا أبو القاسم بن أبي عبد الله قال: أخبرنا أبو محمد بن عثمان المعدل قال: قال أخبرنا أبو إسحق بن أبي عبد الله بن أحمد قال: حدثنا عبد الحميد قال: حدثنا المعافى قال: حدثنا موسى عن إسماعيل بن عياش قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منس بح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد ثلاثا وثلاثين، وكبر ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، غفر له ما عمل وان كان مثل زبد البحر.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قراءة عليه وأنا أسمع بحلب قال: أخبرنا القاضي الإمام أبو الحسين أحمد بن وهب بن سلمان بن أحمد السلمي قراءة عليه وأنا أسمع بدمشق، قيل له: أخبركم أبو الدر ياقوت بن عبد الله مولى ابن البخاري قراءة عليه وأنت تسمع، فأقر به، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الخطيب قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قراءة عليه وأنا أسمع قال: حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرنا فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أُمامة الباهلي رحمة الله عليه قال: قيل يا رسول الله ما كان بدو أمرك؟ قال: دعوة أبي ابراهيم عليه السلام، وبشرى عيسى عليه السلام، ورأت أمي خرج منها نور أضاءت له قصور الشام.
قرأت بخط أبي الحسين أحمد بن الزنف الفقية أبياتاً من شعره كتبها إلى أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن سليمان أولها:
ما جميل فيك عذل ... كل جور فيك عدل
كل ما يستصعب العشا ... ق عندي فيك سهل
والذي أصبح مراً ... عندهم لي منك يحلو
إن يكن يرضيك إعرا ... ضك عني فهو وصل
وإذا ما العشق أضحى ... ضد قولي فهو جهل
ما لمن يعشق أو يش ... كو من المعشوق عقل
كيف أشكوك وقلبي ... ليس من حبيك يخلو
وغزال أكحل ما ... جال في جفنيه كحل
لا يظن عذو لي ... أن قلبي عنه يسلو
لا ومن قدر أن ليس ... له في الحسن مثل
أنبأنا عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال: وفي العشر الوسط من ذي الحجة يعني من سنة خمس وتسعين وخمسمائة توفي الشيخ أبو الحسين أحمد بن الفقيه الأجل أبي القاسم وهب بن سلمان بن أحمد السلمي الدمشقي المعروف بابن الزنف بدمشق ودفن من الغد.
وشاهدت بخطه: ومولدي يوم الأحد عاشر صفر سنة ثلاثين وخمسمائة.
حضر أبا القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى الطرسوسي، وسمع من أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي القرشي، وأبي الفتح نصر الله بن محمد، وأبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل، وأبي الدر ياقوت بن عبد الله التاجر وغيرهم، وحدث وأجاز لي إجازة مطلقة من دمشق في شوال سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وأبوه الفقيه المقرئ أبو القاسم وهب بن سلمان، سمع من غير واحد، وحدث وأقرأ، والزنف بفتح الزاي وسكون النون وآخره فاء.
أخبرني أبو المحامد إسماعيل بن حامد القوصي أن أبا الحسين أحمد بن وهب ابن الزنف الدمشقي، توفي بها يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وخمسمائة.
وقرأت بخط يوسف بن خليل: توفي ليلة الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة.
حرف الهاء في أسماء آباء الأحمدين
من اسم أبيه هارون من آباء الأحمدين أحمد بن هارون بن آدم المصيصي: حدث عن الحارث بن عطية، ومحمد بن حمير، وأبي عبد الصمد المعلى بن بركة، وأبي سعد.
روى عنه أبو عبد الرحمن النسائي، وولده أبو بكر محمد بن أحمد بن هارون وأبو يوسف محمد بن سفيان بن موسى الصفار.
أحمد بن هارون بن روح البرديجي: أبو بكر البرذعي الحافظ، وبرديج من أعمال برذعه بينهما مقدار أربعة عشر فرسخا، وهو حافظ معروف رحل وطاف وسمع بالمصيصة يوسف بن سعيد ابن مسلم المصيصي، واجتاز في طريقه بحلب.
وذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي بما أخبرنا به ابن أخيه أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن اذنا قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم عمي قال: أحمد بن هارون بن روح، أبو بكر البرذعي البرديجي الحافظ من أهل برديج من أعمال برذعة من أعمال أرمينية، سمع العباس بن الوليد بن مزيد العذري ببيروت، ويزيد بن محمد بن عبد الصمد، وأبا زرعة بدمشق، ومحمد بن عوف بحمص، والربيع بن سليمان وبحر بن نصر، وعلي بن عبد الرحمن علاناً وسليمان ابن شعيب الكتاني بمصر، وسليمان بن سيف بحران، ويوسف بن سعيد بن مسلم بالمصيصة، وأبا سعيد الأشج، وهرون بن إسحق الهمداني، وعمرو بن عبد الله الأودي والحسن بن علي بن عفان، وبالكوفة أبا بكر محمد بن إسحق الصغاني، وعلي بن الحسين بن إشكاب ببغداد، ومحمد بن يحيى بن كثير بحران، ومحمد ابن عبد الملك الدقيقي.

روى عنه أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، وأبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم العسال الأصبهاني، وسليمان بن أحمد الطبراني، وأبو أحمد بن عدي الجرجاني، وأبو بكر الشافعي، وعلي بن محمد بن لؤلؤ.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد قراءة مني عليه بحلب قال: أخبرنا أبو القاسم بن الحصين قال: أخبرنا أبو طالب بن غيلان: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا أحمد بن هارون البرديجي الحافظ قال: حدثنا ابراهيم بن الحسين قال: حدثنا إسحق بن محمد قال: حدثنا علي بن أبي علي عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامه بن زيد قال: جاء علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بموت أبي طالب فقال: اذهب فاغسله ثم إئتني لا تحدث حدثا حتي تأتيني فغسله وواراه، ثم أتاه، فقال: اذهب فاغتسل.
أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى الهمداني قال: حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: أحمد بن هرون بن روح، أبو بكر، ويعرف بالبرذعي صدوق من الحفاظ.
أخبرنا أبو حفص المؤدب البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن طراد الزيبني قراءة عليه وأنا أسمع، وأخبرنا أبو القاسم عن السمرقندي وأبو السعود بن المجلي - إجازة ان لم يكن سماعا منهما أو من أحدهما - قالوا: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف قال: سألت أبا الحسن علي بن عمر الحافظ عن أبي بكر البرديجي؟ فقال: ثقة مأمون جبل.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر الغزال قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي عن أبي بكر البيهقي وأبي عثمان الصابوني وأبو بكر الحيري وأبي عثمان البحيري قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: أحمد بن هرون البرديجي أبو بكر البرذعي الحافظ سمع نصر بن علي الجهضمي وأقرانه من الشيوخ، روى عنه جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي والمتقدمون من الشيوخ، ورد نيسابور على محمد بن يحيى فاستفاد وأفاد، وكتب عنه مشايخنا في ذلك العصر.
قرأت بخط أبي عمرو المستملي سماعه من أحمد بن هرون البرذعي الحافظ في مسجد محمد بن يحيى في صفر سنة خمس وخمسين ومائتين.
وقد سمع شيخنا أبو علي من أبي بكر البرديجي بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة، وأظنه جاور بمكة، وبها مات رحمه الله، فاني لا أعرف إماماً من أئمة عصره في الآفاق إلا وله عليه انتخاب يستفاد.
قلت: أبو علي شيخ الحاكم، هو الحسين بن علي الحافظ، وأبو بكر البرديجي مات ببغداد لا بمكة.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد إذناً قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن هرون بن روح، أبو بكر البرذعي، ويعرف بالبرديجي، سكن بغداد، وحدث بها عن أبي سعيد الأشج، وهرون ابن إسحق الهمداني، ويوسف بن سعيد بن مسلم، وعمرو بن عبيد الله الأودي، ومحمد بن حمدون الكرماني، وعلي بن الحسين بن اشكاب، ومحمد ابن إسحق الصنعاني، وبحر بن نصر المصري وغيرهم.
روى عنه أبو بكر الشافعي، وأبو علي بن صواف، وعلي بن محمد بن لؤلؤ وكان ثقة، فاضلا، فهما، حافظا.
قلت: وحكى أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي عن أبي عبد الله الحسين ابن أحمد بن عبد الله بن بكير الحافظ قال: عرفت أن بعض الحفاظ أنكر أن يكون أحمد بن هرون برذعياً، وهو برذعي برديجي، حدث عنه جماعة فقالوا: البرذعي، منهم: أبو شيخ الأصبهاني وغيره.
وسمعت أبا بكر محمد بن علي الصابوني البرذعي يقول: وسألته عن برذعة وبرديج؟ فقال: من برذعة إلى برديج أربعة عشر فرسخاً، وبرديج حواليها الماء يدور في نهر يقال له الكزة، كبير مثل الدجلة ببغداد.
أنبأنا يوسف بن خليل الآدمي قال: أخبرنا أبو مسعود الحمال قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: أحمد بن هرون بن روح الحافظ أبو بكر البرديجي، قدم أصبهان مرتين، يروي عن العراقيين والمصريين، حدث عنه عبد الله بن محمد بن عمران المعدل، توفي ببغداد سنة احدى وثلاثمائة.

أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: وأخبرنا الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال: توفي أحمد بن هرون البرديجي في شهر رمضان من سنة احدى وثلاثمائة، وكان من حفاظ الحديث المذكورين بالحفظ والثقة، ولم يغير شيبة.
أخبرنا أبو الحجاج بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو المحاسن ابن الأصفهبذ قال: أخبرنا أبو الفضل بن عبد الواحد الثقفي.
قال يوسف: وأخبرنا أبو عبد الله بن أبي زيد الكراني قال: أخبرنا إسحق بن أحمد بن محمد الراشتيناني، قالا: أخبرنا أبو القاسم بن أبي بكر قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان قال: سينة احدى وثلاثمائة، فيها مات أحمد بن هرون بن روح البرديجي ببغداد.
أحمد بن هارون بن محمد بن الحسن بن الزباب الحلبي: أبو العباس، وأظنه منسوبا إلى بيع الزبيب، حدث بحلب عن: أبي محمد بن جعفر بن أحمد الوزان، وعلي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد بن عبدة بن حرب القاضي.
روى عنه: أبو عبد الله بن باكوية، وأبو الفتح الفضل، وأبو النضر عبد الكريم ابنا جعفر بن علي بن المهذب المعريان، وأبو عمرو عثمان بن عبد الله بن ابراهيم الطرسوسي قاضي معرة النعمان، وأبو أسامة عبد الله بن أحمد بن علي ابن عبيد الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي، وأبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن سلمة بن عبد الله الربعي المالكي قاضي قضاة ديار بكر، وأبو طاهر محمد بن الحسن المقريء الأنطاكي.
وكان مولده في حدود الثلاثمائة.
أخبرنا المؤيد بن محمد بن علي في كتابه الينا من نيسابور قال: أخبرنا محمد بن كامل بن ديسم اجازة عن أبي صالح محمد بن المهذب...
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي وأجازه لنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله وغيره عنه: أحمد بن هرون بن محمد المعروف بابن الزيات الحلبي، روى بحلب عن علي بن عبد الحميد الغضائري وغيره.
كتب عنه بها أبو طاهر محمد بن الحسن المقرئ الأنطاكي، وروى بالقدس عنه. كذا ضبطه الحافظ السلفي الزيات في موضعين، والصحيح الزباب بباءين.
توفي أبو العباس أحمد بن هرون بن الزباب الحلبي في سنة احدى وثمانين وثلاثمائة أو بعدها، فان أبا الفتح وأبا النضر ابني جعفر بن المهذب سمعا منه في هذه السنة، وكان سماعه من جعفر الوزان سنة ثمان وثلاثمائة.
أحمد بن هرون بن معاوية الاشعري: أبو عبيد الله المصيصي، حدث عن أبيه هرون بن أبي عبيد الله معاوية المصيصي.
روى عنه: أحمد بن عمير بن جوصاء، وهو ابن عم معاوية بن صالح بن معاوية الأشعريِ.
أنبأنا سليمان بن الفضل بن البانياسي قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أنبأنا أبو محمد بن طاوس قال: أخبرنا أبو الحسن عبد الباقي بن أحمد ابنة هبة الله قال: أخبرنا أبو علي الأهوازي قال: أخبرنا عبد الوهاب الكلابي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء قال: حدثنا أحمد بن هرون قال: حدثنا هرون بن أبي عبيد الله.
قال: وحدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله عن هرون بن معاوية قال: حدثنا عبد الغني بن عبد الله بن نعيم القيني عن أبيه عن سليمان بن سعد قال: دخلت على عبد الملك حين أتاه وفاة عبد العزيز بن مروان من مصر، وكان مروان قد عقد لعبد العزيز بعد عبد الملك، فعزيته، ثم قلت: انكم أردتم بعبد العزيز أمرا أراد الله غيره، وقد رد الله ذلك اليك يا أمير المؤمنين لتعمل فيه بالحق، الحكاية بطولها في مبايعة عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان بالعهد.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمد بن هرون المصيصي: يقال إن اسمه حميد بن هرون، وأظن تصغيراً لاسمه أحمد على غير وضع التصغير الصحيح، تقوله العامة كذلك على وجه اللقب، حدث عن حجاج بن محمد، ومحمد بن كثير.
روى عنه عبد الله بن محمد بن مسلم، وعمر بن القاسم بن بندار السباك.

أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي القبيطي في كتابه إلينا من بغداد قال: أخبرنا أبو الحسن بن الأبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم قال: حدثنا أحمد بن هرون المصيصي قال: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة وزيد بن خالد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مس فرجه فليتوضأ.
وقال أبو القاسم السهمي: أخبرنا ابن عدي قال: أحمد بن هرون، ويقال حميد، المصيصي، يروي مناكير عن قوم ثقات لا يتابع عليه.
من اسم أبيه هاشم من الأحمدين أحمد بن هاشم بن الحكم بن مروان الأنطاكي أبو بكر الأشل، نزيل أذنه، حدث عن: أحمد بن حنبل، وقطبة بن العلاء، والفيض بن إسحق، وعبد الله بن السري الأنطاكي، وعثمان بن سعيد بن قرة والحجاج بن أبي منيع نزيل حلب، ومحمد بن حسان، ورجاء بن محمد وداود بن منصور، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وعمر بن إبراهيم بن خالد القرشي.
روى عنه: الحافظان أبو عوانة، وأبو بكر محمد بن بركة برداعس، وأبو بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن فيل الأنطاكي، وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي، وأبو إسحق ابراهيم بن محمد بن يوسف بن حبيبة الأنطاكي، وأبو العباس أحمد ابن أبي أحمد بن القاص، وعبد الله بن ابراهيم بن العباس، وأبو بكر أحمد بن محمد الخلال، وأبو هريرة الأنطاكي، وأبو علي الحسن بن علي بن محمد الرافقي.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الدمشقي بها قال: أخبرنا ابو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس بن المنجا بن كروس السلمي قال: حدثنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي قال: أخبرنا أبو المعمر مسدد بن علي بن عبد الله الأملوكي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن علي بن الحسن بن ابراهيم العتكي الأنطاكي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن فيل بأنطاكية قال: حدثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي قال: حدثنا عثمان ابن سعيد بن قرة المكفوف قال: حدثنا مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من السنة الغسل يوم الجمعة.
أخبرنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قراءة عليه بدمشق قال: أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل القيسي قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان ابن القاسم بن أبي نصر قال: حدثنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة قال: حدثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي قال: حدثنا قطبة بن العلاء قال: حدثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرحم أمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرأهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم.
أنبأنا يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو محمد فارس بن أبي القاسم ابن فارس الحيري قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلي محمد بن الحسين بن الفراء قال: أحمد بن هاشم بن الحكم بن مروان الأنطاكي، ذكره أبو بكر الخلال فقال: شيخ جليل متيقظ رفيع القدر، سمعنا منه حديثا كثيراً، ونقل عن أحمد مسائل حساناً سمعناها منه.
كتب الينا جعفر بن أبي الحسن بن أبي البركات الهمداني قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: أخبرنا جعفر السراج قال: أخبرنا أبو محمد الخلال في تسمية الذين حدثوا عن أحمد بن حنبل رحمه الله بحديث أو حكاية أو مسألة، قال: أحمد بن هاشم من أذنه.
ذكر عبد الباقي بن قانع في تاريخ الوفاآت: سنة خمس وسبعين ومائتين: أحمد بن هاشم الأنطاكي، يعني مات.

أخبرنا بذلك أبو علي حسن بن أحمد الأوقي في كتابه قال: أخبرنا الحافظ السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن الحربي قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال: أخبرنا ابن قانع: أحمد بن هاشم، وقيل هشام، ابن عمرو بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله، أبو جعفر بن أبي هشام الحميري البعلبكي، سمع بطرسوس أبا أيمة محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي وحدث عنه وعن جده لأمه محمد بن هاشم وأحمد بن عيسى الخشاب التنيسي، وسليمان بن عبد الرحمن الحراني، ومحمد بن سويد.
روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ الحافظ، والحافظ أبو أحمد ابن عدي، ومحمد بن إبراهيم بن أسد الصوري، وكان أحمد يلقب بندار.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد ابن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسن قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي، قالت: إجازة، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن الحسين، قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن هاشم بن عمرو بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله الحميري بن بنت محمد بن هاشم البعلبكي ببعلبك قال: حدثنا محمد بن هاشم قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز قال: حدثنا الوضين بن عطاء عن شداد بن أوس قال: زوجوني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تلقى الله عز وجل وأنت أيم.
قال ابن المقرئ: حدثنا أحمد قال: حدثنا محمد بن سويد عن حصين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون قال: مقذفون في النار.
من اسم أبيه هبة الله من الأحمدين أحمد بن هبة الله بن أحمد بن علي بن الحسين بن محمد بن جعفر بن عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق: وقيل: مصعب بن طلحة بن زريق بن أسعد بن زاذان، أبو الرضا الخزاعي، المعروف بابن قرناص الحموي من بيت الرئاسة والتقدم والفضل بحماه، قدم حلب وسمع بها أبا الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي وسمع ببغداد أبا منصور موهوب بن أحمد الجواليقي، وأبا الفضل محمد بن ناصر السلامي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
روى عنه: ابنه الشيخ أبو البركات هبة الله.
وكان فاضلاً، شاعراً، رئيساً، صنف له محمد بن أبي محمد بن ظفر كتاباً وسمه بخير البشر بخير البشر ذكر فيه فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومولده، وقال في مقدمته: أما بعد فإن لله سبحانه ضنائن من عباده حلى بهم عواطل بلاده فجعلهم رحمة مهداة، ونعمة مسداة، ومنة معادة مبداة، همهم أن يجيروا من لهافة الغل أسيراً، ويجبروا من زمانة القل كسيرا، ويصونوا عن خسف الغير وجيها، ويعينوا على كلف المروءة نبيها.
وإن من أرفعهم نفسا وقوما، وأنفعهم أمسا ويوما أخي ووليي في الله سبحانه الشيخ الأجل الرئيس الحسيب، العالم الحبر، الفاضل، صفي الدين أبو الرضا أحمد بن هبة الله بن أحمد بن علي بن قرناص، فهو المتوحد في العصبية للعصبة العلمية، والفئة الأدبية، في عصر صحت سماؤهم، وكشطت أسماؤهم، وأوسعوا جفاً وخسرا، وأرهقوا من أمرهم عسرا.
فهو المهدي إلى نفائس الصنائع، المعني بتوضيع المتكبر، وتكبير المتواضع، فأجزل الله له المواهب، وأحمد العواقب، وصرف عن علائه الشوائب، ووقاه مكروه النوائب.
وإني لما هاجرت من المغارب القصية إلى حرم المملكة النورية، أهابت بي الأقدار إلى معاسف أوسعتني بهرا وأرتني السهى ظهرا، فبتنا أحن إثر الصبر المزايل وأنوء تنواء الفصال الهزايل، تداركني الله، وله الحمد، من أخي ووليي في الله، الحبيب الرئيس الحبر صفي الدين بمظنة مرتاد، وأظفرني بقرة عين وطمأنينة فؤاد وأضافني إلى جار كأبي دؤاد، فرأيت أن أتحفه بهذا الكتاب المطرز بحميد ذكره، الخطيب بارتفاع دره واتساع فخره.
قرأت بخط أبي الرضا أحمد بن هبة الله بن قرناص: ولدت يوم الخميس عاشر ذي القعدة من سنة عشر وخمسمائة.
أنشدني الشيخ الزاهد أبو الفضل محمد بن هبة الله بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن قرناص إملاء من لفظة قال: أنشدنا والدي أبو البركات هبة الله قال: أنشدني أبي أحمد بن هبة الله لنفسه أبياتا كتبها إلى عز الدين بن عبد السلام:

إن أكن مهملا لما هو فرض ... من موالاة خدمة أو كتاب
فلما قد لقيته من زمان ... لم يزل بي مقصراً عن طلابي
واعتمادي فيه على حسن ظن ... في الموالاة بي وفي الأغباب
وعلى ما يجنه القلب من صدق ... ولاءٍ معول الأحباب
أخبرني أبو الفضل بن أبي البركات بن أبي الرضا بن قرناص قال: أخبرني أبي أبو البركات قال: أنشدني أبي لنفسه أبياتاً نظمها لتكتب على أبواب دار لتاج الدولة ابن منقذ بشيزر وكان بينهما مودة: فما كتب على بابكم لمجلس يشاهده الداخل إذا دخل:
أهلا وسهلا بك من واقف ... في مجلس عار من العاب
صفه ولا تذممه شيئا فإن ... خالفت فانظر ما على الباب
قال: فإذا التفت إلى الباب الآخر وجد عليه مكتوبا:
يا واقفا يفكر في زلة ... يأخذها طعنا على الصانع
أي أنني ممن له خبرة ... غض فما طرفك بالنافع
أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عامر أبي جرادة بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل: أبو الحسن العقيلي، عم جدي، كان يؤم بالمسجد الجامع بحلب، ويخطب على منبره، وينوب في القضاء عن أخيه جد أبي، أبي غانم محمد بن هبة الله؛ وكان دينا ورعاً.
حدث بحلب عن أبيه، وعن الشيخ الإمام العابد أبي محمد عبد الله بن شافع بن مرزوق المقرئ التيني، وعن جمال العلماء أبي حامد التفليسي، ومشرق ابن عبد الله العابد، وسمع انشاد أبي الفتيان بن حيوس، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي، وأبي نصر محمد بن الحسن بن النحاس الكاتب.
وكان مولده في سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وتوفي سنة أربع عشرة وخمسمائة نقلت ذلك من خط حفيده أبي المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة، ودفن خارج باب قنسرين في التربة التي كانت تعرف بسلفنا، وكانت موضع المسجد الذي جدده سيف الدين علي بن سليمان بن جندر بالقرب من خان السلطان في السوق، حين عفيت تلك المقابر، ونقل هو وجماعة بني أبي جرادة الذين كانوا بالتربة إلى سفح جبل جوشن، وكان رحمه الله حنفي المذهب.
أحمد بن هبة الله بن سعد الله بن سعيد بن سعد بن مقلد الجبراني: ابن أحمد بن صالح بن مقلد بن عامر بن علي بن أحمد بن يحيى ابن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن حنتم بن أبي حارثة ابن جدي بن تذول بن بحتر بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعال بن عمرو بن الغوث بن جلهمة، وهو طيء بن أُدد بن زيد بن يثجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبرة، أبو القاسم بن أبي منصور البحتري الطائي الحلبي المعروف بابن الجبراني، القارئ، النحوي، اللغوي، وجد أبي جده مقلد بن أحمد هو المعروف بالجبراني، وكان من أهل جبران قورسطايا.
أخبرني بذلك، وقد سألته عن هذه النسبة، وجبرين قورسطايا قرية كبيرة من ناحية بلد عزاز، قال لي: وهذه النسبة من شواذ النسب.
وجدهم الأعلى يحيى بن عبيد أخو أبي عبادة البحتري الشاعر؛ وأبو القاسم هذا رجل فاضل مقرئ مجود، عارف بعلوم القرآن واللغة والنحو معرفة جيدة قرأ القرآن على شيخنا أبي القاسم علي بن قاسم بن الزقاق الاشبيلي المقرئ وغيره، وقرأ اللغة على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، والنحو على أبي الرجاء محمد بن حرب النحوي الحلبي، وسمع الحديث من أبي منصور أبيه، ومحمد بن أسعد الجواني، وأبي الفرج يحيى بن أبي الرجاء بن سعد الثقفي، وله شعر.
تصدر بالمسجد الجامع لإفادة علوم القرآن واللغة والنحو سنين عدة، وكان له حلقة به إلى أن مات، كتبت عنه شيئا من شعره، وسمعت منه جزءا من الحديث، وعلقت عنه فوائد عن شيوخه، وسألته عن مولده، فقال: في سنة إحدى وستين وخمسمائة، ثم قرأت بخط والده أبي منصور: مولد أبي القاسم أنشأه الله صالحاً، آخر الساعة الثالثة من نهار يوم الاربعاء ثاني عشرين شوال سنة إحدى وستين وخمسمائة موافق أول يوم من أيلول سنة يونانية.

أخبرنا أبو القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد الله الحلبي قراءة عليه بها قال: أخبرنا أبو الفرج يحيى بن أبي الرجاء بن سعد الثقفي الأصبهاني بحلب قال: حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قراءة عليه وأنا حاضر قال: حدثنا الشيخ الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى المعروف بابن أبي العزائم قال: حدثنا أبو عمرو أحمد بن حازم بن أبي غرزة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك.
أنشدنا تاج الدين أبو القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد الله الحلبي النحوي لنفسه يمدح الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب:
لقد سمت ما لا أستطيع من الأمر ... رويدك إن اللوم لي بالهوى يغري
فلو ذقت ما قد ذقت من لذة الهوى ... تيقنت أن العذل ضرب من الهجر
سقاني الصبى كاس الهوى ثم علني ... وجرعني من حلوه ومن المر
بنفسي التي أودى هواها بمهجتي ... وأصبح قلبي عندها موثق الأسر
إذا سمتها تعجيل حلو وصالها ... يكلفني صبراً أمر من الصبر
وترنو بطرف كلما طرفت به ... تقلب قلبي في كي من الجمر
فتحسب هاروتا وما روت إذ رنت ... لدى الرأي في ألبابنا نافثي سحر
لقد منعت يقظى لذيذ وصالها ... وفي النوم حتى صدت الطيف أن يسري
ولو أنها تستطيع بخلاً بذكرها ... لصدته أن يجري ويخطر في فكري
عديه وصالاً منك يشفيه إنه ... أضربه الهجران يا ضرة البدر
جوانحه تأتج ناراً من الأسى ... وأجفانه قرحى وأدمعه تجري
لك الله من قد رشيق وطلعة ... لقد أزريا بالبدر والغصن النضر
تعطر نادي الحي إذ خطرت به ... ولم تمسس الأردان شيئاً من العطر
ولم أنسها يوم الوداع وقد سبت ... فؤادي وغالت ما ادخرت من الصبر
بدرين منثورين لفظ وأدمع ... ودرين منظومين في الفم والنحر
لأزمع لما أن رحلت ترحلاً ... رقادي عن عيني وقلبي عن صدري
قفي زوديني نظرة منك علني ... أعيش بها يا عز واغتنمي أجري
ولا تجمعي هجراً وبيناً فلم أكن ... لأقوى على بين الأحبة والهجر
رأت شيب رأسي الغانيات فعفنني ... وكنت أرى ما بين سحر إلى نحر
مضت لي أيام الشباب حميدة ... ولم يبق من عصر الشباب سوى الذكر
وأقبل عصر الشيب بالكره مؤذناً ... بتصيرم أيام بقين من العمر
كأن شبابي كان ليلة وصلها ... فلم تدج حتى روعت بسنا الفجر
كأن سواد الشعر سود مطالبي ... يبيضها غاز بأفعاله الغر
أنشدنا أبو القاسم ابن الجبراني لنفسه من قصيدة:
ملك إذا ما السلم شتت ماله ... رد الهياج عليه ما قد فرقا
وأكفه تكف الندى فبنانه ... لو لامس الصخر الأصم لأورقا
قال لي أبو القاسم أحمد بن هبة الله النحوي: عمل أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في لزوم ما لا يلزم في النون الساكنة مع الباء والذال وواو الردف وأول السريع:
كل واشرب الناس على خبرة ... فهم يمرون ولا يعذبون
ولا تصدقهم إذا حدثوا ... فإنني أعهدهم يكذبون
وإن أروك الود عن حاجة ... ففي حبال لهم يجذبون
قال: وقيل لا يقدر شاعر أن يأتي ببيت رابع لهذه الأبيات الثلاثة، فزاد فيها ابن منير أبو الحسين بيتاً رابعا وهو قوله:
قزم إذا سيلوا وإن أطعموا ... رأيتهم من طمع يهذبون
يعني يسرعون، قال لي أبو القاسم: فزدت أنا بيتا خامسا وهو قولي:
ليس يرجى خيرهم آمل يوما ... ولا عن لاجئ يشذبون
يعني يذبون.

قلت فزدت أنا بيتا سادساً وهو قولي:
لا يصدفون النفس عن شرها ... كلا ولا عن سوءة يعذبون
أي يمنعون.
قال لي أبو القاسم بن الجبراني: كان أبو محمد القاسم بن علي الحريري عمل بيتين وقد أوردهما في المقامات، وقال الناس: لا ثالث لهما وهما قوله:
لا تسأل المرء من أبوه ورز ... خلاله ثم صله أو فاصرم
فما يشين السلاف حين حلا ... مذاقها كونها ابنة الحصرم
قال: فعملت بيتاً ثالثا وهو قولي:
وإن غدا راقياً مراتب ذي ... أصل عريق فلا تقل حص رم
قلت: وبيتا الحريري أخبرني بهما الشيخ العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قراءة مني عليه بدمشق قال: أخبرنا جماعة منهم: الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي، مجد الاسلام عبيد الله بن القاسم بن علي.
وأخبرنا ضياء الدين الحسن بن هبة الله بن عمرو الموصلي قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي العراقي، وسعيد بن المبارك بن علي بن الدهان.
وأخبرنا عبد اللطيف بن يوسف بن علي البغدادي وأبو بكر عبد الله بن عمر ابن علي القرشي قالا: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن النقور قالوا كلهم: أنشدنا أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري، فذكر البيتين.
توفي أبو القاسم أحمد بن هبة الله بن الجبراني الطائي بحلب يوم الاثنين سابع شهر رجب من سنة ثمان وعشرين وستمائة، ودفن في سفح جبل جوشن.
أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة: أبو الحسن بن أبي الفضل بن أبي غانم بن أبي الفضل بن أبي الحسن الحلبي، القاضي العقيلي، والدي، وتمام نسبه قد ذكرناه في ترجمة عم أبيه أبي الحسن أحمد بن هبة الله بن أحمد.
ولي القضاء بحلب وأعمالها في سنة خمس وسبعين وخمسمائة في دولة الملك الصالح إسماعيل بن محمود بن زنكي، ومن بعده في دولة عز الدين مسعود بن مودود، ودولة عماد الدين زنكي بن مودود، وصدراً من دولة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، فانتقلت المناصب الدينية بحكم المذهب من الحنفية إلى الشافعية، فعزل والدي عن القضاء في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، ووليه القاضي محي الدين محمد بن علي قاضي دمشق.
وكان عمي أبو غانم إذ ذاك مجاوراً بمكة حرسها الله، فحج والدي تلك السنة، واجتمع به بمكة، وعاد إلى حلب.
وكان والدي قبل ولايته القضاء قد ولي الخطابة بقلعة حلب في أيام نور الدين محمود بن زنكي، وخطب بالمسجد الجامع بحلب في أيام ولده الملك الصالح إسماعيل نيابة عن أخيه أبي غانم، وولي أيضاً قبل ولايته القضاء في أيام الملك الصالح خزانة بيت المال.
وكان رحمه الله حسن السيرة في أحكامه، جاريا فيها على أحسن قانون، متحرياً في قضاياه، مقيما لناموس الشريعة المطهرة؛ وكان رحمه الله يقول لي: يا بني والله ما أوثر لك أن تتولى القضاء، فإن عرض عليك لا تتوله فإنني ما استرحت منذ وليته حتى تركته، ولكني أوثر أن تكون مدرساً، وأن تتولى مدرسة الحلاويين، فقدر الله تعالى أن وفقني لما كان يؤثره لي بعد وفاته.
وكان رحمه الله قد سمع أباه القاضي أبا الفضل هبة الله بن محمد بن أبي جرادة، وأبا المظفر سعيد بن سهيل بن محمد الفلكي وزير خوارزم، والشيخ أبا زكريا يحيى ابن المنصور الزاهد المغربي، وأبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن جزي الأندلسي والشيخ محمد بن علي بن محمد الترمذي؛ وحدث عن هؤلاء، وسمع جماعة من شيوخنا مثل: يحيى بن عقيل بن شريف بن رفاعة السعدي، وأبي اليمن الكندي، وأبي علي الأوقي، وأبي عبد الله الدربندي، وجماعة غيرهم، وكان يحضر قراءتي عليهم.
وأخبرني أن مولده بحلب سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
قال لي عمي أبو غانم: مما أذكره لك من فضل والدك أنني كنت مجاوراً بمكة وبها الشيخ ربيع بن محمود المارديني، فقال لي في بعض الايام: يا أخي قد ألهمني الله تعالى أن أمضي كل ليلة، أو قال: كل يوم، إلى الملتزم، وأدعو الله تعالى أن يخلص أخاك أبا الحسن من القضاء، فقدر الله تعالى أن استجاب من الشيخ ربيع، وترك والدك القضاء، وحج من عامه ذلك، وجاء إلينا إلى مكة في الموسم.

ذكر لي عمي عندما توفي والدي في معرض عناية الله تعالى به حيث ألهم الشيخ ربيع بن محمود الدعاء له، واستجيب له، وكان الشيخ ربيع أحد الأولياء الظاهرة كرامتهم، واجتمعت به بحلب، ودعا لي في حياة والدي رحمهما الله.
أخبرنا والدي أبو الحسن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قراءة عليه بحلب حرسها الله قال: أخبرنا أبو المظفر سعيد بن سهل بن محمد الفلكي إملاءً بالمدرسة النوريه بحلب في يوم الأربعاء الحادي عشر من شوال سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة قال: حدثنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبيد الله المديني إملاءً بنيسابور قال: أخبرنا القاضي الجليل أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحيري قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا عبد الرحيم بن منيب المروزي قال: حدثنا يزيد بن هرون قال: أخبرنا حميد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له فإن العامل يعمل زمانا من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العامل ليعمل زمانا من عمره بعمل سيء لو مات عليه لدخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، فإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله قبل موته؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه.
توفي والدي رحمه الله ليلة الجمعة لثلاث بقين من شعبان سنة ثلاث عشرة وستمائة بمرض التراقي، وهو طلوع ظهر في ظهره بين كتفيه على محاذاة القلب، ويقال له الشقفه، ودفن يوم الجمعة بعد الصلاة في التربة المختصة بأهلنا بالقرب من مقام إبراهيم عليه السلام.
وكان رحمه الله في مرضه ذلك يطلب مني أن أقرأ له شيئا في كتاب أدب المريض والعائد لأبي شجاع البسطامي، ويسألني أن أورد له أشياء وردت في الصبر وما ينبغي للمريض أن يقوله ويدعو به مما ينفعه لآخرته، وكان إذا قال له أحد من الجماعة: أبشر بالعافية يقول: والله إني لا أكره الموت، من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وأوصى بإخراج شيء من ماله وافر يتصدق به على الفقراء والمساكين، ولما أحس بالموت جعل يقول في تلك الليلة التي توفي فيها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أعني على سكرات الموت ثم استدعى بسواك فاستاك به، وسمعه من كان يتولى تمريضه من جماعتنا وهو يقول: هذا ذو الكفل يصلي، وقال: أعطوني سبحة الشيخ أبي الحسن - يعني - الفاسي، وكان من أولياء الله تعالى وكبار الزهاد؛ ثم إنه طلبني، وكنت في ناحية الدار، فحضرت إليه، فالتفت فرآني واستدعاني إليه، ثم قبل فمي، فوجدت شفتيه قد بردتا، فعلمت أنه في النزع، ولما احتضر جعلت أنا وعمي أبو غانم نلقنه الشهادة وهو يتشهد معنا، وقرأنا سورة الإخلاص فجعل يقرأها معنا إلى أن مات، وعرق جبينه عرقاً بارداً طيب الرائحة، ودمعت عينه، وظهر له من أمارات الخير عند موته ولله الحمد ما طيب القلوب لفقده، وكان قد سأل في الليلة التي توفي فيها: ما هذه الليلة؟ فقيل له: ليلة الجمعة، فقال: غدا أفارقكم، فمات في تلك الليلة، ودفن يوم الجمعة.
ومن عجائب ما اتفق أنه كان يجتهد في تزويجي يحثني عليه، ويقول: أشتهي أن أرى لأبي القاسم ولداً يمشي بين يدي، فاتفق أن زوجني، فولد لي ولدي أحمد الذي قدمت ذكره، فسماه والدي باسمه، وتكمل له من العمر سنة، ومرض والدي، فلما كان يوم الخميس الذي أعقبه ليلة الجمعة التي توفي فيها جئت إلى جنب الدار، فرأيت أحمد وهو يمشي خطوات أول مشيه وله سنة وشهر، فحملته وجئت إلى والدي وقلت له: يا مولاي هذا أحمد قد مشى، فنظر إليه وهو على جنبه فاستدعاه إليه فمشى إليه من باب المجلس إلى صدره، فأخذه وقبل وجهه، ودمعت عينه، وتوفي تلك الليلة، وقد أدرك ما تمناه رحمه الله.
أحمد بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد:

أبو المعالي المدائني، ويسمى أيضاً القاسم، شيخ حسن فاضل فقيه أديب شاعر، قدم إلى حلب وأقام بها مدة في مدرسة شيخنا قاضي القضاة، ثم سافر إلى بغداد، وكتب بها الإنشاء في ديوان الخليفة المستعصم، وسمعت من ينشد مدائح المستعصم التي نظمها في ذلك الوقت، وهو حاضر لأنه كان يترفع عن الانشاد لكنه كان دمث الأخلاق، حسن المحاضرة، طيب المفاكهة، اجتمعت به في مجلس الوزير أبي طالب بن العلقمي، وجرى بيني وبينه مباحثة في الفقه.
وسأذكر ترجمته في حرف القاف، وأورد شيئا من شعره الذي سمعته منه، لأن القاسم أشهر اسميه، لكني لا أخلي هذه الترجمة من شيء من محاسن شعره، فمن ذلك ما أنشدني رضي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن فلاح الهيتي الناظر بها بهيت، قال: أنشدني موفق الدين بن أبي الحديد لنفسه، وكتبها إلى أخيه عبد الحميد بن أبي الحديد وقد وضع كتابا يرد فيه على ضياء الدين نصر الله بن الأثير في كتابه الموسوم بالمثل السائر وسمى كتابه الفلك الدائر على المثل السائر:
المثل السائر يا سيدي ... صنفت فيه الفلك الدائرا
لكن هذا فلك دائر ... تصير فيه المثل السائرا
وقرأت من شعره بخطه في الموجه:
عجبوا من عذاره بعد حولين ... وما طال وهو غض النبات
كيف يزكو زرع بخديه ... والناظر وسنان فاتر الحركات
وقرأت بخطه: ولما رتب بعض أصحابنا عارضاً للجيش ودخل بالخلعه قمت إليه وقبلته ودعوت له، وقلت ارتجالا:
لما بدا رائق التثني ... وهو بأثوابه يميد
قبلته باعتبار معنى ... لأنه عارض جديد
توفي ابن أبي الحديد ببغداد بعد استيلاء التتار عليها في شهور سنة ست وخمسين وستمائة، وكان قد سلم من القتل، وكتب لهم الإنشاء إلى البلاد على عادته.
من اسم أبيه هشام من الأحمدين أحمد بن هشام بن عمرو بن أبي هشام: وقد تقدم ذكره، والصحيح أن اسم أبيه هاشم.
أحمد بن هشام بن فرخسرو المروزي القائد: وهو أخو علي والحسين بن هشام الخراسانيين، كان في صحبة عبد الله المأمون حين خرج إلى بلاد الروم غازياً، وقدم معه حلب، حكى عن المأمون، روى عنه بعض ولده، وكان شاعرا حسن الشعر.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن فيما أذن لنا أن نرويه عنه عن أبي المعمر المبارك بن أحمد بن عبد العزيز الأنصاري قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن محمد بن زيد الوقاياتي قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد العكبري.
وأنبأنا أبو حفص المؤدب قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أخبرنا أبو منصور.
وأخبرنا أبو الحسن إذناً قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن الزاعوني قال: أخبرنا أبو منصور بن العكبري إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم آدم بن محمد المعدل قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حبيش التمار رحمه الله قال: حدثنا أبي عن بعض ولد أحمد بن هشام عن أبيه قال: كنت في جمله المأمون حيث خرج إلى بلد الروم، فدخل وأنا معه إلى كنيسة قديمة البناء بالشام عجيبة الصور، فلم يزل يطوفها، فلما أراد الخروج قال لي: إن من شأن الغرباء وذوي الأسفار، من نزحت داره عن إخوانه وأترابه إذا دخل موضعاً مذكوراً، ومشهدا مشهورا أن يجعل لنفسه فيه أثراً، تبركا بدعاء ذوي الغربة، وأهل الانقطاع والسياحة وقد أحببت أن أدخل في الجملة، فابغ لي دواة أكتب بها حضوري في موضع من هذه الكنيسة، فاستدعيت دواة، فكتب على ملبن المذبح هذه الأبيات:
يا معشر الغرباء رّد شتيتكم ... ولقيتم الأحباب عن قرب
قلبي عليكم مشفقٌ حدبٌ ... فشفى الإله بحفظكم قلبي
إني كتبت لكي أساعدكم ... فإذا قرأتم فاعرفوا كتبي
وذكر المرزباني في معجم الشعراء فقال: أحمد بن هشام بن فرخسرو المروزي القائد من أبناء خراسان وأخوه علي بن هشام القائد أقدمهما المأمون معه من خراسان، وأحمد هو القائل، وله فيهما لحن في طريقة الثقيل الأول:
إلام وكم تعد لي الذنوب ... ألم تر مذنباً قبلي يتوب

أؤمل أن تداركني بعفوٍ ... وتقسم من لقائك لي نصيب
قال: وله:
تمنع من شفعت به إليه ... فزادك منعه أسفاً عليه
خذوا بدمي محاسنه وخصوا ... مقّبله وبرد ثنيتيه
أحمد بن هشام بن الليث الفارسي أبو عبد الله: سمع المسيب بن واضح التلمسي بها، أو بحلب، أو ببعض عملها، وحدث عنه بصور؛ روى عنه أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه قال: أخبرنا أبو نصر بن طلاب قال: أخبرنا أبو الحسين بن جميع قال: حدثنا أحمد بن هشام بن الليث بصور قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن طلحة عن عثمان بن يحيى عن ابن عباس قال: أول ما سمع بالفالوذج أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمتك ستفتح لهم الأرض، وما نكر عليهم من الدنيا حتى أنهم ليأكلون الفالوذج، قال النبي صلى الله عليه وسلم وما الفالوذج؟ قال: يخلطون العسل والسمن جميعا، قال: فشهق النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك شهقة.
من اسم أبيه الهيثم من الأحمدين أحمد بن الهيثم بن حفص أبو بكر القاضي: قاضي طرسوس، كان قاضيا بها في أيام المتوكل.
سمع موسى بن داود، والحسين بن حميد العكي، وأبا عثمان سعيد بن محمد الخولاني الخصيب المؤذن، والقاضي عبد الله بن محمد القزويني ومحمد ابن أبي غالب، وإبراهيم بن مهدي.
روى عنه أحمد بن شعيب النسائي، وأبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن ابن الجلي الطرسوسي، وأبو الحسن أحمد بن محمد الرشيدي، والحسن بن مهران الأصبهاني.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحافظ قال: أخبرنا أبو طالب عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي النرسي قال: أخبرنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن العلوي قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن محمد المرهبي قال: حدثنا الحسن بن مهران الأصبهاني قال: حدثنا أحمد بن الهيثم قاضي طرسوس قال: حدثنا إبراهيم بن مهدي قال: حدثنا أبو حفص الأبار عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من صنعت له الحمام سليمان بن داود، فلما وجد حرها قال: أوه من عذاب الله، أوه قبل أن لا يكون أوه.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ التغلبي قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس بن المنتجا بن كروس السلمي قال: حدثنا الفقيه الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي قال: أخبرنا أبو المعمر مسدد بن علي بن عبد الله الأملوكي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن علي الأنطاكي قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الرشيدي بأنطاكية قال: حدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا محمد بن أبي غالب قال: أخبرنا هشيم عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال: رأيت في المنام كأنه أورد بي على نهر فقيل لي اشرب واسق من شئت لما صبرت وكنت من الكاظمين.
أحمد بن الهيثم بن حديدة الحلبي: حدث عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي، وأحمد بن محمد.
روى عنه أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الموصلي الحافظ.
أخبرنا أبو الخطاب عمر بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي بدمشق، وعبد الرحمن بن أبي القاسم بن الصوري بحلب قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري.

وأخبرنا أبو بكر عبد الله بن الحسن بن الحسن الأنصاري من لفظه، وأبو إسحق إبراهيم بن عثمان بن علي الحنفي، وأبو منصور يونس بن محمد بن محمد بن محمد الفارقي بدمشق، وأبو العباس عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون بحلب قالوا: أخبرنا جدنا للأم أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الفتح بن عبد الله بن فرغان قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الله بن بريدة الحافظ قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن حديدة الحلبي قال: حدثنا عبيد بن هشام الحلبي قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي قال: حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن سليمان عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اعتكف عشرا في رمضان عدل بحجتين وعمرتين.
حرف الياء في آباء الأحمدين
أحمد بن ياسين بن أبي تراب: حدث بطرسوس عن عبد الله بن يوسف المدائني؛ روى عنه أبو الحسن علي ابن أحمد بن قرقور التمار.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا أبو محمد يحيى بن علي بن محمد بن الطراح قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد الخياط قال: حدثنا أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الفقيه الشافعي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن قرقور التمار بهمذان قال: حدثنا أحمد بن ياسين المعروف بابن أبي تراب بطرسوس قال: حدثنا عبد الله بن يوسف المدائني قال: حدثني يونس بن عطاء، من ولد زياد الصدائي، عن سفيان الثوري عن أبيه عن جده عن زياد الصدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب العلم تكفل الله له برزقه.
ذكر من اسم أبيه يحيى من الأحمدين أحمد بن يحيى بن جابر بن داود، أبو بكر: وقيل أبو جعفر، وقيل أبو الحسن، البلاذري البغدادي الكاتب، كاتب، أديب، شاعر، مصنف، له كتب حسنة منها كتاب أنساب الأشراف وهو كتاب ممتع كثير الفائدة والنفع ومات ولم يتمه؛ وكتاب البلدان وفتوحها وأحكامها وهو أيضاً كتاب كثير الفوائد.
ودخل حلب ومنبج وأنطاكية والثغور، وكان شاعراً مجيداً، راوية للأخبار والأدب، سمع بأنطاكية أحمد بن الوليد بن برد، ومحمد بن عبد الرحمن الأنطاكيين، وروى عنهما وعن هشام بن عمار، وأبي حفص عمر بن سعيد الدمشقيين، ومحمد بن مصفى الحمصي، وعفان بن مسلم، وأحمد بن إبراهيم الدرقي، ومحمد بن الصباح الدولابي، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، وعبد الأعلى بن حماد، ومحمد بن حاتم السمين، وعباس بن هشام، وعباس بن الوليد النرسي، وأبي الحسن علي بن محمد المدائني، وشيبان بن فروخ، وعبد الواحد بن غياث، وعثمان بن أبي شيبة، والحسين بن علي بن الأسود العجلي، وعلي بن المديني، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وعمرو الناقد، ومصعب الزبيري، وعبد الله بن صالح العجلي، وإسحق بن أبي إسرائيل، وأبي الربيع الزهراني، وخلف البزاز.
روى عنه: محمد بن خلف، وأحمد بن عمار، وأبو يوسف يعقوب بن نعيم ابن قرقارة الأرزني، ويحيى بن البريم، وعبد الله بن أبي سعد.
وكان المتوكل قد جعله من ندمائه أخيراً، وكان يعلم عبد الله بن المعتز.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحمن بن الحسن بن علي بن بصلاء البندقجي الصوفي وأبو جعفر يحيى بن جعفر الدامغاني البغداديان بحلب.
قال ابن بصلاء: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي، وأبو القاسم يحيى بن ثابت بن بندار.
وقال ابن الدامغاني: أخبرتنا عمتي تركناز بنت عبد الله بن محمد الدامغاني.

قالوا كلهم: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي قال: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي قال: حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني أحمد بن يحيى بن جابر قال: حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال: استسقى عمر بالعباس عام الرمادة فقال: اللهم إن هؤلاء عبادك وبنو إمائك أتوك راغبين متوسلين إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم، فاسقنا سقيا نافعة تعم البلاد وتحيي العباد، اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم، ونستشفع إليك بشيبته، فسقوا، ففي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز وأهله ... عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغباً ... إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسول الله فينا تراثه ... فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر
قرأت بخط أبي علي المحسن بن علي التنوخي، وأنبأنا به أبو جعفر أحمد بن الأزهر بن السباك عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري عن أبي القاسم علي بن أبي علي عنه. قال: وأخبرني - يعني - أبا الحسين عبد الله بن سلمان البصير باسناد ذكر أنه غاب عنه أن البلاذري كان ينفق دائما ولا يجتدي، ولا يحترف، فقيل له في ذلك؟ فقال: دخلت مع الشعراء يوماً إلى المستعين، فقال لنا: من كان قد قال في مثل قول البحتري في عمي المتوكل.
ولو أن مشتاقاً تكلف فوق ما ... في وسعه لمشى إليك المنبر
وإلا فلا ينشدني شيئاً، قال: فقلنا ما فينا من قال فيك مثل هذا، وانصرفنا، فلما كان بعد أيام عدت إليه، فقلت: يا أمير المؤمنين قد قلت فيك أحسن مما قال البحتري في عمك، فقال: إن كان كذلك أسنيت جائزتك، فهات، فقال:
ولو أن برد المصطفى إذ حويته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه
وقال وقد أعطيته فلبسته: ... نعم هذه أعطافه ومناكبه
فقال: أحسنت، انصرف إلى منزلك، وانتظر رسولي، ففعلت، فجاءني رسوله برقعة بخطه فيها: قد أنفذت إليك سبعة آلاف دينار، وأنا أعلم أنك ستجفى بعدي، وتطرح وتجتدي فلا يجدى عليك، فاحفظ هذه الدنانير عندك، فإذا بلغت بك الحال إلى هذا فأنفق منها، ولا تتعرض لأحد ليبقى ماء وجهك عليك، ولك علي أن لا تحتاج ما عشت إلى شيء من أمر دنياك كبير ولا صغير على حسب حكمك وشهوتك.
قال: ثم أجرى لي الجرايات والأرزاق السنية، وتابع جوائزه، فما احتجت منذ ذلك وإلى الآن إلى غير جوائزه والسبعة الآلاف، فأنا أنفق من جميع ذلك، ولا أخلق نفسي بالتعرض وأترحم عليه.
أنبأنا أحمد بن عبد الله بن علوان عن أبي القاسم بن أبي محمد الشافعي قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن إبراهيم الجرجاني المعروف بالدامغاني الصوفي قال: أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم الجلابي الجرجاني قال: أخبرتنا فاطمة المعروفة ببيبي بنت أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الطلقي قالت: حدثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ قال: أخبرنا محمد بن خلف قال: أخبرني أحمد بن يحيى البلاذري قال: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى لك ذكره، ويزول عنك إثمه، فقلت:
استعدي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تبينت أنه ليس للحي ... خلود ولا من الموت بد
إنما أنت مستعيرة ما سوف ... تردين والعواري ترد
أنت تسهين والحوادث لا ... تسهو وتلهين والمنايا تجدّ
أي ملكٍ في الأرض أو أي حظ ... لإمريء حظه من الأرض لحد
لا ترجي البقاء في معدن الموت ... وارٍ حتوفها لك ورد
كيف يهوى إمرؤٌ لذاذة أيامٍ ... عليه الأنفاس فيها تعدّ
أخبرنا أبو منصور بن محمد الفقيه إذناً قال: أخبرني عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: بلغني أن البلاذري كان أديباً راوية له كتب جياد، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل، وتوفي في أيام المعتمد، ووسوس في آخر عمره وهو القائل:
ما من روى أدباً ولم يعمل به ... فيكفّ عادية الهوى بأديب

حتى يكون بما تعلم عاملاً ... من صالح فيكون غير معيب
ولقل ما تجدي إصابة صائبٍ ... أعماله أعمال عير مصيب
أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد ابن أبي جرادة: أبو الحسن بن أبي جعفر القاضي العقيلي، وتمام نسبه إلى عقيل قد ذكرناه في ترجمة ابن ابنه أحمد بن هبة الله.
وهذا أبو الحسن هو جد جد أبي، وأول من ولي القضاء بحلب من بني أبي جرادة، وتولى القضاء بعد الثلاثين والأربعمائة، ورأيت كتاباً مسجلاً عليه مؤرخاً بجمادى الآخر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
وكان فقيها، فاضلاً أديباً، قرأ الفقه على القاضي أبي جعفر محمد بن أحمد السمناني بحلب، وسمع الحديث من عمه أبي الفضل عبد الصمد بن زهير بن هرون، والقاضي أبي الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي أسامة.
وروى عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن سعد النحوي الحلبي عن أبي الطيب المتنبي جميع ديوان شعره.
وأمه قرة العين ابنة محمد بن بكير بن العباس، وولد بحلب في غداة يوم الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة سنة ثمانين وثلاثمائة.
روى عنه ابنه القاضي أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن أبي جرادة قاضي حلب.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي طاهر بن سعد بن محمد الميهني الصوفي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله القرشي في كتابة قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة الحلبي قال: قرئ على القاضي أبي الفضل هبة الله بن أحمد بن أبي جرادة، وأنا أسمع، فأقر به وأجازه، قال: حدثني أبي القاضي أبو الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة في العشر الأواخر من صفر من سنة تسع وعشرين وأربعمائة قال: حدثني عمي أبو الفضل عبد الصمد بن زهير بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو نصر إسحق بن إبراهيم بن معروف البستي بمكة في المسجد الحرام قال: حدثنا أبو إسحق إبراهيم ابن عبد الله بن عثمان بن بكر الكوفي قال: حدثنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه.
أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي وزيد بن الحسن بن زيد الكندي قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة في كتابه إلينا من حلب قال: أخبرنا القاضي أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى قال: حدثني أبي القاضي أبو الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة قال: حدثني عمي أبو الفضل قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محبوب بن سليمان قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض.
قرأت بخط أبي المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة في جزء خرجه من حديثه، وروى فيه حديثاً عن أبي الحسن علي ابن عبد الله بن أبي جرادة عن أبي الفضل هبة الله بن أحمد عن أبيه أحمد بن يحيى، وتكلم على رجال الحديث وقال في ذكر أحمد بن يحيى: ولي القضاء بحلب، وكان موفقاً في تنفيذ الأحكام واستنباط القضايا المعضلات، وقرأ الفقه على القاضي الفقيه أبي جعفر محمد بن أحمد السمناني، وعلق عليه بحلب التعليق المنسوب إليه على مذهب الإمام أبي حنيفة، وجمع جميع كتبه في الفقه؛ وألف كتاباً في الفقه ذكر فيه الخلاف بين أصحاب أبي حنيفة، وما تفرد به عنهم.

حدثني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله، ووالدي أبو الحسن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قالا: أخبرنا والدنا القاضي أبو الفضل هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن أبي جرادة عن أبيه عن جده قال: كان القاضي أبو الحسن أحمد بن يحيى يقرأ الفقه بحلب على القاضي أبي جعفر السمناني، وهو إذ ذاك صبي، والقاضي أبو جعفر إذ ذاك قاض بحلب، فحضر شاهدان من عدول حلب ليؤديا شهادة عند السمناني، فاشتغل بتدريس الحسن عن استماع شهادتهما حتى فرغ أبو الحسن من درسه، فشق على ذينك الشاهدين ذلك، وقالا في أنفسهما: يقدم هذا الصبي علينا ويؤخرنا فيما حضرنا فيه عنده حتى يفرغ، ففطن أبو جعفر السمناني لذلك منهما، فالتفت اليهما بعد الفراغ وقال لهما: لعلكما شق عليكما اشتغالي بهذا الصبي عنكما، والله ان دام على ما هو عليه لتشهدان بين يديه فقدر الله تعالى أن أبا الحسن تفقه وكبر، وزوجه أبو جعفر السمناني بابنته، وتوفي السمناني، وولي أبو الحسن أحمد بن أبي جرادة القضاء بحلب وأتى الشاهدان المشار اليهما وشهدا بين يديه.
أنشدني والدي لجد أبيه القاضي أبي الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى يذكر أباه ويفتخر به، وكتب الينا بهذه الابيات أبو اليمن الكندي عن أبي الحسن بن أبي جرادة قال: أنشدنا القاضي أبو الفضل لنفسه:
أنا ابن مستنبط القضايا ... وموضح المشكلات حلاّ
وابن المحاريب لم تعطّل ... من الكتاب العزيز يتلى
وفارس المنبر استكانت ... عيدانه من حجاه ثقلا
قرأت بخط أبي المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن أبي جرادة في بعض تخاريجه، وذكر القاضي أبا الحسن أحمد بن يحيى فقال: وتوفي في أواخر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة بحلب بعد نزوله من القلعة بها في الثامن من شعبان من هذه السنة، لأن معز الدولة أبا علوان ثمال بن صالح بن مرداس صاحب حلب لما خاف من ناصر الدولة أمير الجيوش أبي علي الحسن بن حمدان أن يقصده، وقد عصى على المستنصر صاحب مصر، وكانت اليه ولاية حلب، قبض أماثل الحلبيين واعتقلهم في القلعة، والقاضي في جملتهم، لئلا يسلموا البلد إلى ابن حمدان، وذلك في العاشر من شهر ربيع الآخر من سنة أربعين وأربعمائة.
قرأت بخط القاضي أبي الفضل هبة الله بن القاضي أبي الحسن، أبو بخط غيره، على ظهر كتاب شعر المتنبي، نسخة القاضي أبي الحسن التي قرأها على محمد بن عبد الله بن سعد، وخطه عليها، ما صورته: صعد القاضي خلصه الله إلى القلعة يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الآخر سنة أربعين وأربعمائة، ونزل بحمد الله ومنه يوم الاربعاء الثامن من شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، ولله على ذلك الحمد وخالص الشكر.
أحمد بن يحيى بن سند: أبو العباس، شاعر كان بمعرة النعمان، وفقت على أبيات من شعره في مراثي بني المهذب المعريين، يرثي بها أبا عبد الله الحسين بن إسماعيل بن جعفر بن علي المهذب وهي قوله:
فؤاد عراه حزنه فتصدعا ... وقلب براه وجده فتقطعا
ونائبةٌ عمّ البريّة خطبها ... فلم تلق إلا موجعاً أو مفجعا
لفقد حسين قرة العين والذي ... أتته المنايا بغتتة حين أيفعا
أأنساه بين الأهل ملقى وكلهم ... لفقدانه يبدي أسى وتوجعا
وقد سألوه كيف أنت فلم يحر ... جواباً وأضحى بالبنان مودعا
فيا سيداً أودى بصبري مصابه ... لقد خانك الدهر الخؤون فأسرعا
ولو كان بالانصاف يحكم لم يكن ... عجيباً بأن تبقى لنا وتمتّعا
فبالرغم مني يا حسين تحكمت ... بجسمك أيدي الدهر حتى تضعضعا
وبالرغم مني أن توسّد مفرداً ... ويصبح بعد الأنس بيتك بلقعا
وبالود مني صحبتك في الثرى ... وصيرت من حزني بقربك مضجعا
وفاضت دماً عيني عليك فإنني ... لأعذل أجفاني إذا فضن أدمعا
وقرأت في هذا الجزء له أبياتا يرثي بها أبا الحسن المهذب بن علي بن المهذب، وتوفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة:
دنياك هذي بالأنام تقلب ... وصروفها فيهم تجيء وتذهب

والدهر فيهم قد أجدّوا كلهم ... يلهو عن الدهر المجد ويلعب
لم ينج من صرف الردى ذو نمرة ... غمرٌ ولا فطنٌ له يتهيّب
عتبي على الدهر الخؤون مجدد ... أبداً لو أن الدهر ممن يعتب
إلاّ يشب رأسي لعظم مصابه ... بالأكرمين فإن قلبي أشيب
أحمد بن يحيى بن سهل بن السري الطائي: أبو الحسين المنبجي الشاهد المقرئ النحوي الأطروشي، سمع بحلب ومنبج أبا سلمة عمر بن عبد الرحمن الإمام الحلبي، وأبا الحسن نظيف بن عبد الله المقرئ الحلبي، وأبا عبد الله محمد بن ابراهيم بن مروان، وأبا العباس أحمد بن فارس الأديب المنبجي، وأبا الحسين محمد بن جعفر بن أبي الزبير المنبجي، وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه اللغو.
روى عنه عبد الوهاب الميداني، وعلي بن الخضر بن سليمان بن سعيد السلمي، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وأبو بكر مكي بن جابار الدينوري، وأبو سعد إسماعيل بن علي الرازي السمان، وعلي بن محمد الحنائي، وعلي بن محمد بن شجاع الربعي، وأبو الغنائم عبد الله بن القاضي الحسن بن محمد الزيدي النسابة، وأبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الدمشقي فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا علي بن أبي محمد بن الأكفاني قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني قال: حدثنا أبو الحسين أحمد بن يحيى المنبجي الأديب قال: حدثنا أبو الحسن نظيف بن عبد الله المقرئ قال: حدثنا أبو علي محمد بن معاذ دران قال: حدثنا أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي قال: حدثنا هشام قال: حدثنا قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير، وكان إذا بعث رجلاً سأل عن اسمه فإن أعجبه اسمه فرح لذلك، ورؤي في وجهه البشر، وان كره اسمه رؤي كراهة ذلك في وجهه، واذا دخل عن القرية سأل عن اسمها فان أعجبه اسمها فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه، وان كره رؤي كراهة ذلك في وجهه.
أنبأنا أبو المحاسن سليمان بن الفضل بن الحسين البانياسي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي قال: أحمد بن يحيى بن سهل بن السري، أبو الحسين الطائي المنبجي الشاهد، المقرئ، النحوي، سكن دمشق، وكان وكيلاً في الجامع.
روى عن: أبي عبد الله بن مروان، وأبي العباس أحمد بن فارس الأديب، وأبي الحسن نظيف بن عبد الله المقرئ، وأبي الحسين محمد بن جعفر بن أبي الزبير، وعمر بن عبد الرحمن الإمام الحلبي.
روى عنه: عبد الوهاب الميداني، وهو من أقرانه، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وعلي بن محمد الحنائي، وعلي بن الخضر السلمي، وأبو بكر مكي بن جابار الدينوري، وعلي بن محمد بن شجاع الربعي، وأبو سعد إسماعيل بن علي الرازي السمان.
أنبأنا أبو نصر محمد بن هبة الله القاضي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو محمد الأكفاني قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد قال: توفي شيخنا أبو الحسن أحمد بن يحيى المنبجي الأطروش سنة خمس عشرة وأربعمائة.
حدث عن نظيف الحلبي وغيره، وكان يحفظ من أخبار أبي عبد الله ابن خالويه. وكان ثقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أحمد بن يحيى بن صفوان الانطاكي: أبو بكر الإمام، وقيل فيه: أحمد بن محمد بن يحيى بن صفوان، ويعرف بقرقرة الفقيه.
حدت بأنطاكية عن: عبد الله بن نصر الأنطاكي، وأبي خيثمة مصعب بن سعيد المصيصي، وهشام بن عمار، وسعيد بن منصور، وكثير بن عبيد الحذاء، ومحمد ابن مصفى الحمصي، ويعقوب بن حميد بن كاسب، وابن أبي كريمة.
روى عنه: أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد، وأبو القاسم عبد الله ابن محمد بن اليسع القارئ الأنطاكي، وسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، وأبو محمد عبد الرحمن بن المبارك الأنطاكي، والقاضي أبو الحسن سليمان بن محمد التنوخي المعري.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي قراءة عليه بحلب قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن الحسن المعروف بابن سوسن التمار قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي السمسار قال: حدثنا أحمد ابن سلمان الفقيه قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن صفوان الأنطاكي قال: حدثنا سعيد ابن منصور قال: حدثنا مالك بن أبي سعد الدمشقي قال: سمعت حيان أبا النضر قال: سمعت جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا عبادة قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وان أخذوا مالك وضربوا ظهرك، ما لم تكن معصية بواحاً.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن هلالة قال: أخبرنا اسعد بن أبي سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية قال: أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبد الله بن ريذة الضبي قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا أحمد بن يحيى الأنطاكي قرقرة قال: حدثنا عبد الله بن نصر الأنطاكي قال: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكاة الجنين ذكاة أمه.
قال الطبراني: لم يروه مرفوعاً عن عبيد الله إلا أبو أسامة، تفرد به عبد الله ابن نصر.
نقلت من كتاب الألقاب تأليف الحافظ أبي الفضل علي بن الحسين الهمداني قرقرة: أحمد بن يحيى بن صفوان، أبو بكر الفقيه الأنطاكي، روى عنه ابن أبي كريمة، روى عنه عبد الرحمن بن المبارك أبو محمد الأنطاكي.
أحمد بن يحيى بن عوف: أبو المكارم القرشي الكاتب، كان من أصحاب الملك الناصر يوسف بن أيوب، وكتابه، قدم معه حلب، وكان فاضلاً، حسن البديهة والروية، وله نثر حسن، وشعر جيد.
روى عنه من شعره أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن المعدل بالاسكندرية.
أنشدنا أبو محمد عبد الرحمن بن شحانة الحراني برابغ قال: أنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن المعدل بالاسكندرية قال: أنشدني أبو المكارم أحمد بن يحيى القرشي الكاتب لنفسه:
خبرت أنك قد عثرت فلم أزل ... مغرى بفيض مدامعٍ ونحيب
بأبي علام تركت شعرك مسبلاً ... حتى عثرت بفضله المسحوب
أخبرني أبو محمد بن شحانة قال: أخبرني أبو القاسم قال: قال لي أبو المكارم القرشي: كنت بالبيت المقدس مع السلطان الملك الناصر، فرأى جاريةً من بنات الروم حسنة الوجه تصلي إلى الشرق، فقال لي: قل فيها شيئاً، فقلت:
وغادةٍ تعزى إلى قيصر ... حل عزائي عقد زنارها
صلت إلى الشرق وأولى بها ... لو أنها صلت إلى دارها
قال لي أبو محمد: قال لي أبو القاسم: قال لي أبو المكارم أنه رأى ببيت المقدس جارية حسنة الوجه فسألها السلطان الملك الناصر أن تسقيه، فقال: قل فيها شيئا، فقلت:
تروم من ظبيات الروم سفك دمي ... هيفاء عاقدة في الخصر زنارا
شربت من يدها ماءً وذا عجب ... كيف استحال بقلبي ماؤها نارا
أحمد بن يحيى بن النعمان أبو العباس: حدث ببالس عن عمر بن سعيد بن يوسف المنبجي؛ روى عنه أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الماسرجسي.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي في كتابه منها عن أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبو سعد أحمد بن إبراهيم بن موسى المقرئ قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الماسرجسي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن النعمان ببالس قال: حدثنا عمر بن سعيد بن يوسف المنبجي قال: حدثنا علي بن عبد الله أبو الحسن النصري في دار النصريين قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار المهمداني قال: حدثنا عثمان بن زفر قال: حدثنا محمد ابن زياد عن ابن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة، فلم يصل عليها، فقلت: يا رسول الله لم تركت الصلاة عليه؟ قال: لأنه كان يبعض عثمان أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة:

أبو العباس القاضي، قاضي دمشق المعروف بابن سني الدولة التغلبي، كان أبوه قاضي دمشق، وتولى ابنه هذا القضاء نيابة عن ابن الزكي، ولما ملك الملك الصالح، أيوب بن الملك الكامل دمشق ولاه القضاء استقلالا، ودام فيه في دولته ودولة أبيه، ودولة الملك الناصر إلى أن استولى التتار على دمشق، فسار إلى حلب إلى ملك التتار هلاكو بهدية، فولى القضاء محي الدين يحيى بن محمد بن الزكي، وجعله نائبا في القضاء عن ابن الزكي، وعاد فتوفي في طريقه ببعلبك، وكان مولده سنة تسعين وخمسمائة.
أخبرنا القاضي صدر الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن سني الدولة الدمشقي بها قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو الحسن عبد اللطيف بن إسماعيل بن أحمد الصوفي قال: أخبرنا أبو منصور علي بن علي بن عبيد الله الأمين.
وأنبأنا عاليا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي قال: أخبرنا والدي أبو منصور المذكور قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمر الصريفيني الخطيب قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن إسحق بن سليمان ابن حبابة البزاز قال: حدثنا عبد الله - هو - البغوي قال: حدثنا علي قال: أخبرنا شعبة عن سيار أبي الحكم عن ثابت البناني عن أنس أنه مر على صبيان فسلم عليهم، ثم حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبيان فسلم.
رواه البخاري عن علي بن الجعد.
سمع القاضي أبو العباس أبا طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي، وعبد اللطيف بن إسماعيل بن أحمد الصوفي، ونعمة بنت الطراح، وشيخنا أبو اليمن الكندي، وأبا الفضل بن محمد بن الحرستاني، ومحمد بن علي بن يحيى القرشي القاضي، وعمر بن إيلملك بن الأردعانسي، وحدث عنهم، وتوفي ببعلبك عند عوده من حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة.
أحمد بن يحيى أبو عبد الله بن الجلاء: وقيل فيه محمد بن يحيى، والصحيح، الأول؛ صحب أباه يحيى الجلاء، وذا النون المصري، وأبا عبيد البسري، وحكى عنهم، وصحب أيضاً أبا تراب النخشبي.
روى عنه: أبو بكر الدقي، ومحمد بن عبد الله بن الجلندى، ومحمد بن الحسن بن علي اليقطيني، وأبو إسحق الأذرعي، وأبو عمر محمد بن سليمان بن أبي داود اللباد، وأبو العباس الدمشقي الوراق، وإبراهيم بن المولد الرقي، وأبو محمد بن ياسين، وأبو الفضل عبد الله بن عبيد الله.
وحكى أبو الخير التيناتي أنه رآه بالتينات ثغر من الثغور الشامية، قد ذكرناه.
وكان بغداديا دخل الشام وسكن الرملة ودمشق، وهو من كبار شيوخ الصوفية، وله أحوال وكرامات ظاهرة.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الغساني قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن يحيى أبو عبد الله المعروف بابن الجلاء من كبار مشايخ الصوفية، انتقل من بغداد فسكن الشام.
سمعت أبا نعيم الحافظ يقول: أبو عبد الله أحمد بن يحيى، بغدادي سكن الرملة، وصحب ذا النون، وأبا تراب، وأبوه يحيى بن الجلاء، أحد الأئمة، له النكت اللطيفة.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حمويه.
وأنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذياخي.
وأنبأنا أبو النجيب إسماعيل بن عثمان بن إسماعيل القارئ قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: ومنهم - يعني من مشايخ الصوفية - أبو عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء، بغدادي الأصل، أقام بالرملة ودمشق، من أكابر مشايخ الشام، صحب أبا تراب، وذا النون، وأبا عبيد البسري، وأباه يحيى الجلاء.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة، وأبو عبد الله محمد بن أبي نصر زيد بن عبد الله بن رواحة الأنصاريان قالا: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: قرئ على أبي الفضل محمد بن الحسن بن الحسين السلمي وأنا أسمع بدمشق عن أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ الأهوازي قال: حدثنا محمد عبدان بن عمر بن الحسن المنبجي الطائي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي قال: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء، وقد قيل له: أكان أبوك يجلو المرايا والسيوف، فسمي الجلاء؟ قال: لا ولكن كان إذا تكلم على قلوب المؤمنين جلاها.
أخبرنا أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في كتابه قال: أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن احمد الخطيب قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر بن يوسف قال: اخبرنا عبد العزيز بن علي الآزجي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم قال: حدثني أبو عبد الله الفرغاني ساكن دمشق قال: سمعت أبا الخير يقول: كنت جالساً ذات يوم في موضعي هذا على باب المسجد، فرفعت رأسي، فرأيت رجلا في الهواء، وبيده ركوة، فأومى إلي، فقلت له: انزل، فأبى ومر في الهواء، فسئل الشيخ أبو الخير: عرفت الرجل؟ فقال: أبو عبد الله بن الجلاء.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد الأوقي قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين الطريثيثي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا أبو سعد الماليني قال: سمعت أبا أحمد عبد الله بن بكر الطبراني يقول: سمعت أبا إسحق الأذرعي يقول: سمعت أبا عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء يقول: قدمت على أبي عبيد البسري، فأخلى لي بيتاً فكان يأتيني بعد صلاة العشاء الآخرة، فيقف على الباب فيقول: ما أظن أن أبا عبد الله يعدل بالوحدة شيئاً؟ فأقول: إلا منك، فيقول: إلا مني؟ فأقول: نعم، فيدخل، فيذاكرني إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر، فيخرج ويصلي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد إذناً قال: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس قال أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثنا عبد العزيز بن علي بالوراق قال: سمعت علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني يقول: سمعت محمد بن داود يقول: ما رأت عيناي بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بالجبل مثل أبي عبد الله بن الجلاء، وكان في ممشاذ خمس خصال لم تكن واحدة منها في الجلاء.
قال الخطيب: أخبرني أحمد بن علي بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري قال: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول: كان يقال إن في الدنيا ثلاثة من أئمة الصوفية لا رابع لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد ببغداد، وأبو عبد الله الجلاء بالشام.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله قال: أخبرنا أبو الفتوح حمويه.
وأخبرتنا زينب بنت عبد الرحمن في كتابها قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذ ياخي.
وأنبأنا أبو النجيب بن عثمان قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قال: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: وكان يقال في الدنيا ثلاثة لا رابع لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد ببغداد، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام.
قلت: أبو عثمان هو سعيد بن إسماعيل الحيري.
أنبأنا عبد القادر بن عبد الله الرهاوي قال: أخبرنا الخطيب أبو الفضل قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: سمعت عبيد الله بن إبراهيم يقول: سئل أبو بكر بن الزانيار عن ابن الجلاء؟ فقال: مؤتمن على سر الله عز وجل.
أخبرنا أبو منصور بن محمد فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أنبأنا أبو محمد الأكفاني قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الطالقاني بدمشق قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي ومنهم: أبو عبد الله بن الجلاء واسمه أحمد بن يحيى بن الجلاء، ويقال: محمد بن يحيى، وأحمد أصح؛ كان أصله بغدادي، أقام بالرملة ودمشق، وكان من جلة مشايخ الشام، صحب أباه يحيى الجلاء، وأبا تراب النخشبي، وذا النون المصري وأبا عبيد البسري، وكان أستاذ محمد بن داود الدقي، وكان عالماً ورعاً.

كتب إلينا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني من مرو أن أبا سعد محمد بن منصور بن عبد الرحيم الحرضي أخبرهم قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي إجازةً قال: أخبرنا ابو عبد الرحمن السلمي قال: محمد بن يحيى، ويقال: أحمد بن يحيى، وأحمد أصح، أبو عبد الله بن الجلاء، كان أصله بغدادياً، أقام بالرملة وبدمشق، وكان من جلة المشايخ وأئمة القوم، صحب أبا تراب النخشبي، وسافر معه.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا عمي أبو القاسم الحافظ قال: أحمد بن يحيى أبو عبد الله الجلاء أحد مشايخ الصوفية الكبار، صحب أباه، وذا النون بن إبراهيم المصري، وأبا تراب النخشبي، وحكى عنهم.
حكى عنه أبو عمر محمد بن أبي سليمان بن أبي داود اللباد، وأبو بكر محمد ابن داود الدقي وأبو العباس الوراق الدمشقي، وأبو جعفر محمد بن الحسن بن علي اليقطيني، ومحمد بن عبد الله الجلندي المقرئ.
أخبرنا عمي أبو غانم بن هبة الله بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حمويه.
وأنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري قالا: أخبرنا أبو الفتوح بن شاه الشاذ ياخي.
وأنبأنا أبو النجيب القارئ قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن عبد العزيز الطبري يقول: سمعت أبا عمر الدمشقي يقول: سمعت ابن الجلاء يقول: قلت لأبي وأمي: أحب أن تهباني لله عز وجل فقالا: قد وهبناك لله، فغبت عنهما مدة، فلما رجعت كانت ليلة مطيرة، فدققت الباب، فقال أبي: من ذا؟ قلت: ولدك أحمد، قال: كان لنا ولد فوهبناه لله، ونحن من العرب لا نسترجع ما وهبنا، ولم يفتح الباب.
قال: وقال ابن الجلاء: من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلها من الله فهو موحد.
أنبأنا أبو القاسم بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو المظفر القشيري إجازة قال: أخبرنا أبي قال: وقال ابن الجلاء: كنت أمشي مع أستاذي، فرأيت حدثاً جميلا، فقلت: يأستاذ يعذب الله هذه الصورة؟ فقال: أفنظرت سترى غبة، قال: فنسيت القرآن بعده بعشرين سنة.
أنبأنا إبراهيم بن عثمان الكاشغري قال: أخبرنا أبو الفتح بن البطي قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الآزجي قال: حدثنا علي ابن عبد الله بن جهضم قال: حدثنا محمد بن الحسن بن الجلندي المقرئ قال: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول: كنت واقفاً أنظر إلى غلام حسن الوجه، فمر بي أبو عبد الله البلخي فقال: إيش وقوفك؟ فقلت: يا عم ما ترى، هذه الصورة تعذب بالنار؟ فضرب بيده بين كتفي وقال: لتجدن غبها بعد أربعين سنة، قال: فأنسيت القرآن بعد أربعين سنة.
قال علي: سألت محمد بن داود، فقلت له: حكاية بلغتني عن ابن الجلاء، قال: ما هي؟ فذكرت له هذه الحكاية، فقال: صحيحة.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة قال: أخبرنا أبو الفتح بن حمويه.
وأنبأتنا زينب الشعرية قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذ ياخي.
وأنبأنا أبو النجيب القارئ قال: أخبرنا أبو الاسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا محمد بن ياسين يقول: سمعت ابن الجلاء، وقد سألته عن الفقر، فسكت حتى خلا، ثم ذهب ورجع عن قريب ثم قال: كان عندي أربعة دوانيق فاستحيت من الله أن أتكلم في الفقر، فذهبت وأخرجته، ثم قعد وتكلم في الفقر.
قال القشيري: سمعته - يعني محمد بن الحسين - يقول: سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول: سمعت إبراهيم بن المولد يقول: سألت ابن الجلاء متى يستحق الفقير اسم الفقر؟ فقال: إذا لم تبق عليه بقية منه، فقلت: كيف ذاك؟ فقال: إذا كان له فليس له، وإذا لم يكن له فهو له.

أنبأنا أبو القاسم الأنصاري قال: أخبرنا أبو الحسن الغساني قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أحمد بن علي المحتسب قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت أبا عمر الدمشقي يقول: قال أبو عبد الله بن الجلاء: لا تضيعن حق أخيك إتكالا على ما بينك وبينه من المودة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقاً لا يضيعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن حمويه.
وأنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري قالا: أخبرنا الشاذ ياخي.
وأنبأنا أبو النجيب القارش قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قال: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت الحسين بن أحمد بن جعفر يقول: سمعت محمد بن داود الدينوري يقول: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول: أعرف من أقام بمكة ثلاثين سنة لم يشرب من ماء زمزم إلا ما استقاه بركوته ورشاه، ولم يتناول من طعام جلب من مصر.
أخبرنا أبو اليمن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني عبد العزيز بن أحمد الكتاني بدمشق قال: أخبرنا مكي بن محمد بن الغمر المؤدب قال: أخبرنا أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر قال: قال أبو يعقوب الأذرعي توفي أبو عبد الله بن الجلاء يوم السبت لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة ست وثلاثمائة.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله قال: أخبرنا أبو الفتح بن حموية.
وأنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذ ياخي.
وأنبأنا أبو النجيب القارئ قال: أخبرنا أبو الأسعد قالا: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: ولما مات ابن الجلاء نظروا إليه وهو يضحك، فقال الطبيب: إنه حي، ثم نظر إلى مجسته فقال: إنه ميت، ثم كشف عن وجهه فقال: لا أدري هو ميت أم حي، وكان في داخل جلده عرق على شكل لله.
أحمد بن يحيى أبو غانم القاضي: قاضي حران، حدث بحلب سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة عن: أبيه يحيى، وعلي بن أحمد بن بسطام، والحسن بن المثنى، ومحمد بن أحمد بن إسماعيل بن ماهان الأبلي، ومحمد بن مرداس الأبلي، وموسى بن الحسين بن موسى، وإبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي موسى بن عبد الحميد الجوني، ومحمد ابن الحسين بن مكرم البزاز البغدادي، وسمعهما بالبصرة، واحمد بن عبد الرحيم ابن موسى، والنعمان بن أحمد الواسطي، وأبي بكر محمد بن عبد السلام السلمي، وأحمد بن منصور الرماذي، وهرون بن محمد الحارثي، والحسن بن محمد السكوني، وأبي بكر محمد بن إبراهيم حموية الطيالسي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، وإبراهيم بن زكريا الأيلي، وأبي بكر أحمد بن القاسم بن نصر بن زياد البغدادي، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، وعبد الله بن أحمد بن موسى عبدان، وزكريا بن يحيى الساجي، وعبد الله بن حمدان الصائغ، ومحمد بن سعيد ابن زكريا، وأبي محمد القاسم بن عباد القزاز، والحسن بن محمد السكوني، وأبي بكر أحمد بن مقبل، ومحمد بن علي بن حاتم، وأبي أيوب سليمان بن الحسن العطار، وأبي عثمان سعيد بن هليبة العباداني، وأبي عثمان عمرو بن أبي سويد، ومحمد بن سعيد بن مهران، ومحمد بن حبان المازني، وأبي بكر أحمد بن حيان، وأبي الحسن علي بن الحسن بن مهدي، وعلي بن الحسن بن صدقة ومحمد بن زهير بن الفضل، وأحمد بن القاسم البغدادي، وخرج فوائد من حديثه، وأملاها بحلب في التاريخ المذكور.
وهو في غالب ظني ممن انتقل من حران إلى حلب في أيام سيف الدولة بن حمدان بعدما هجمها الروم في سنة احدى وخمسين، وقتلوا أكثر أهلها.
روى عنه: الشيخ أبو عبيد الله عبد الرزاق بن عبد السلام، وأبي نمير العابد، واسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن أبي عيسى الجلي الحلبيان.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي قال: أخبرنا عمي أبو المكارم حمزة بن علي بن علي بن زهرة قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن ابي جرادة الحلبي قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل بن أحمد ابن الجلي قال: حدثنا الشيخ الزاهد أبو عبيد الله بعد الرزاق بن عبد السلام بن عبد الواحد الاسدي القطبي قال: حدثنا أبو غانم أحمد بن يحيى القاضي بحلب سنة احدى وخمسين وثلاثمائة إملاءً قال: حدثنا علي بن أحمد بن بسطام قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن مسلم بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما أفضل منهما.
أحمد بن يحيى المصيصي: حدث عن الوليد بن مسلم، روى عنه عمران بن عبد الرحيم الأصبهاني أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو الحسن مسعود بن أبي منصور بن محمد بن الحسن الخياط الجمال قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: أخبرت عن عمران بن عبد الرحيم قال: حدثنا أحمد بن يحيى المصيصي قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه إلا جعل إليه شيئاً من حوائج الناس، فان تبرم بهم فقد عرض تلك النعمة للزوال.
أخبرنا عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني فيما أذن لنا فيه، وسمعت منه بدمشق قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو ابن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله محمد بن إسحق بن مندة قال: أحمد بن يحيى المصيصي، حدث عن الوليد بن مسلم بمناكير، روى عنه عمران بن عبد الرحيم الأصبهاني.
أخبرنا يوسف بن خليل قال: أخبرنا أبو الحسن الجمال قال: أخبرنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ في تاريخ أصبهان قال: أحمد بن يحيى المصيصي، قدم أصبهان، حدث عن الوليد بن مسلم.
أحمد بن يد غباش التركي القائد: هو أحمد بن دغباش، وقد قدمنا ذكره وأنه ولى حلب، وذكره الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بما أخبرنا ابن أخيه أبو البركات الحسن بن محمد اجازة قال: أخبرنا عمي أبو القاسم قال: أحمد بن يد غباش التركي كان أبوه أهداه ملك الترك إلى المعتصم، وكان يدير أمر دمشق لما وليها علي بن أماجور بعد موت أبيه في خلافة المعتمد على الله لصغر علي بن أماجور.
ثم وليها خلافة لأحمد بن طولون، فلما مات أحمد بن طولون أظهر مخالفة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، وموافقة أبي أحمد الموفق، فلما وصل المعتضد بن الموفق إلى دمشق ووقعت الوحشة بينه وبين إسحق بن كندا جيق فارقه ابن يد غباش وصار حيز ابن كندا جيق.
قلت: وكان ابن كندا جيق لما وقعت الوحشة بينه وبين المعتضد عاد هو وابن أبي الساج وجعفر البغماردي إلى حلب وابن يد غباش معهم، وجبوا أموالها.
ذكر أحمد بن يوسف بن ابراهيم الكاتب قال: حدثني أحمد بن خاقان قال: استخلف أحمد بن طولون على دمشق أحمد بن يد غباش، وسار إلى حمص وإلى أنطاكية والثغر في سنة أربع وستين ومائتين، ثم ورد عليه بالثغر خلاف ابنه العباس في سنة خمس وستين فانكفأ مسرعا إلى مصر.
قال: ولما مات أحمد بن طولون أظهر أحمد بن يد غباش بدمشق الدعوة لأحمد ابن الموفق، وخلع أبا الجيش، فلم يزل على دمشق إلى أن قدم المعتضد بالله أحمد ابن الموفق، وهو ولي عهد المعتمد اذ ذاك، إلى دمشق، ثم خرج عنها إلى ناحية الرملة، فالتقى هو وأبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون بالطواحين من الرملة فهزم كل واحد منهما صاحبه، ورجع أحمد إلى العراق، وصار أبو الجيش إلى دمشق فملكها.
قلت: قوله إلى أن قدم المعتضد بالله أحمد بن الموفق وهو ولي عهد المعتمد، يريد أن الموفق ولي عهد المعتمد اذ ذاك لأن المعتضد ولي عهد المعتمد في محرم سنة تسع وسبعين ومائتين بعد أبيه الموفق، والله أعلم.
أحمد بن برنقش بن عبد الله العمادي:

أبو العباس، الامير ناصر الدين بن الأمير مجاهد الدين، كان أبوه يرنقش من مماليك عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي صاحب سنجار، وولد ابنه أحمد هذا بسنجار، وتقدم وصار أستاذ دار قطب الدين بن عماد الدين، وكان أميراً مكملا، فاضلاً، شاعراً، حسن الأخلاق، طيب المعاشرة، وكان متمولاً وله أملاك كبيرة بسنجار، ووجاهة عظيمة، فتغير عليه قطب الدين بن عماد الدين مولاه وقبض عليه وعذبه بالجوع والعطش، وأخذ جميع ماله وحبسه حتى مات.
وكان قد قدم علينا حلب قبل ذلك في أيام الملك الظاهر، وأقام بها مدة وسكن بدرب العدول، ثم عاد إلى سنجار.
روى لنا عنه أبو المجاهد إسماعيل بن حامد القوصي، وأبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن دبابة الحنفي السنجاري، وأخبرني ابن دبابة أن أحمد بن يرنقش كان في صدر عمره مسرفاً على نفسه، وأنه أقلع، وتاب توبة حسنة. قال: وكان يصوم الهواجر، ويقوم الليل.
أنشدني أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن دبابة السنجاري بها قال: أنشدني ناصر الدين أحمد بن مجاهد الدين يرنقش بن عبد الله العمادي لنفسه.
مشيب الرأس حين بدا ... يقول دنا الذي بعدا
فقم بادر إلى عمل ... يسرك أن تراه غدا
فيومك ذا إذا ما فا ... ت ليس بعائد أبدا
وأنشدني أبو الحسن بن دبابة قال: أنشدني أحمد بن يرنقش لنفسه:
تقول وقد ودعتها ودموعها ... على نحرها من خشية البين تلتقي
مضى أكثر العمر الذي كان نافعا ... رويدك فاعمل صالحاً في الذي بقي
أنشدنا أبو المحامد القوصي قال: أنشدني الأمير ناصر الدين أبو العباس أحمد ابن الأمير مجاهد الدين يرنقش أستاذ دار الملك المنصور قطب الدين صاحب سنجار رحمه الله، وذلك حين مقدمي إلى سنجار رسولاً عن الملك العادل رحمه الله في شهور سنة ستمائة، لأبي عبد الله بن شرف الشاعر وقد شكرت مخدومه، وأثنيت عليه بكثرة حوائج الناس اليه، هذين البيتين:
لملتمسي الحاجات جمع ببابه ... فهذا له فن وهذا له فن
فللخامل العليا وللمعدم الغنى ... وللمذنب الرحمن وللخائف الأمن
قال القوصي: وأنشدني رحمه الله، وقد حرضته على فعل الخير، متمثلاً
للخير أهل ما تزال ... وجوهم تدعو إليه
طوبى لمن جرت الأمور ... الصالحات على يديه
قال: وحرضته يوما على الاحسان وبذل الجاه للاحوان فأنشدني هذين البيتين
فأحسن إلى الاخوان تملك رقابهم ... فخير تجارات الكريم اكتسابها
وأدّ زكاة الجاه واعلم بأنها ... كمثل زكاة المال تم نصابها
قال لنا أبو المحامد القوصي: هذا الأمير ناصر الدين رحمه الله كان عارفاً بأحوال الملك، ناصحاً لسلطانه، ثم وشى به أعداؤه حسداً على علو شأنه، فنكبه سلطانه نكبة استأصل فيها شأفته وشأفة أتباعه، وقبض على جميع أمواله وحواصله ورباعه، وتوفي محبوساً.
أخبرني القاضي أبو علي الحسن بن محمد القيلوي قال: أخبرني بعض أهل سنجار أن ناصر الدين ابن المجاهد كتب على حائط المكان الذي مات فيه في محبسه بخطه:
حالى عجب وفي حديثي عبر ... في أغفل ما كنت أتاني القدر
أخبرني جماعة من أهل سنجار أن أحمد بن يرنقش مات في حبس قطب الدين صاحب سنجار بعد أن قبض على جميع ماله ومنعه من الطعام والشراب، فبلغ من من أمره أن أكل قلنسوته وأكمامه لشدة الجوع.
وأنشدني غير واحد من أهل سنجار الدويتي الذي أنشدناه أبو علي اليلوي، وفيه زيادة على ما أنشدناه أبو علي، وذكروا أنه نظمه في السجن بسنجار، وقد منع الماء والطعام.
حالي عجب وفي حديثي عبر ... أشكو ظمأ وعبرتي تنحدر
في صفو زماننا أتاني الكدر ... يا من ظلموا تفكروا واعتبروا

وأخبرت بسنجار أنه مات في حبس قطب الدين بعد أن قبض على جميع ماله ومنعه الطعام والشراب، ودخل اليه بعض من كان يشرف على حاله من أصحاب قطب الدين فقال له: قل لقطب الدين: يطعمني ويسقيني وأنا أعطيه ألف دينار لم يبق لي غيرها، قال: فمضى ذلك الانسان، وأخبر قطب الدين بما ذكره، فسير اليه طعاما وماء بثلج، وقال للرسول: أدخله اليه ولا تمكنه منه حتى يعطيك الذهب فلما دخل به اليه نظر اليه، فقال له الرسول: لا سبيل لك إليه إلا بعد أداء ما ذكرت فقال: والله ما بقي لي شيء والذي لي قد قبض جميعه، وإنما قلت لتطعموني وتسقوني، فردوا الطعام والماء، ولم يتناول منه شيئا، وخرجوا من عنده، فنام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فناوله شيئا أكله، فزال عنه الجوع والعطش، فدخلوا عليه بعد ذلك فرأوه قائما يصلي، فلما فرغ من صلاته أخبرهم بما رأى، فلما بلغ قطب الدين اتهم والدته أم قطب الدين بأنها أنفذت إليه مأكولاً ومشروبا، ولم يزل على ذلك إلى أن مات رحمه الله.
وحكى لي بعض أهل سنجار أن صاحب سنجار سير إلى أحمد بن يرنقش جماعة خنقوه وهو في السجن.
وقال لي بعض من أدركه من أهل سنجار من فقهائنا الحنفية: انه لم يبق أحد ممن تولى خنقه إلا ابتلي ببلية، فمنهم من لازمه الصرع إلى أن مات، ومنهم من افتقر واحتاج بعد الغنى إلى مسألة الناس.
وحكى لي غيره أن قطب الدين صاحب سنجار لما احنضر ودنت وفاته جعل يشكو العطش، ويسقى فلا يروى، ويذكر ابن المجاهد كثيرا، ويردد اسمه على لسانه إلى أن مات.
وقال لي علي بن الحسين بن دبابة السنجاري: ان أحمد بن يرنقش توفي بسنجار سنة خمس عشرة وستمائة، في حبس قطب الدين صاحبها، ممنوعا من الطعام والشراب.
قال: وبلغني أنه أتي بماء ليشربه فرده وقال: لا حاجة لي فيه، فاني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فشكوت إليه العطش، فناولني فص خاتمه، فمصصته فزال عني العطش.
من اسم أبيه يزيد من الأحمدين أحمد بن يزيد بن ابراهيم: أبو بكر البجلي، امام المسجد الجامع بمعرة النعمان، حدث عن أبي بكر أحمد بن إسحق، روى عنه أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي: كان قائداً من قواد طاهر بن الحسين، وكان في صحبته حين خرج إلى الشام، وقدم معه إلى ناحية حلب، وحكى عنه، روى عنه محمد بن أبي شيخ الرقي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري قال: أخبرنا أبو محمد بن سهل قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا سلامة بن الحسين المقرئ قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني هرون بن ميمون الخزاعي قال: حدثنا محمد بن أبي شيخ من أهل الرقة قال: حدثني أحمد بن يزيد ابن أسيد السلمي قال: كنت مع طاهر بن الحسين بالرقة، وأنا أحد قواده، وكانت لي به خاصية أجلس عن يمينه، فخرج علينا يوما راكبا، ومشينا بين يديه وهو يتمثل:
عليكم بداري فاهدموها فانها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا
إذا هم ألقى بين عينيه وعزمه ... وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
سأرحض عني العار بالسيف جالباً ... عليّ قضاء الله ما كان جالبا
فدار حول الرافقة، ثم رجع فجلس مجلسه، فنظر في قصص ورقاع، فوقع فيها صلات أحصيت ألف ألف وسبعمائة ألف، فلما فرغ نظر إلي مستطعما للكلام، فقلت: أصلح الله الأمير، ما رأيت أنبل من هذا المجلس، ولا أحسن، ودعوت له، ثم قلت: لكنه سرف، فقال: السرف من الشرف، فأردت الآية التي فيها والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا فجئت بالأخرى التي فيها إن الله لا يحب المسرفين فقال: صدق الله، وما قلنا كما قلنا.
أحمد بن يزيد بن خالد: حدث بحلب عن يوسف بن يونس أبي يعقوب الأفطس الطرسوسي روى عنه عصمة بن بجماك.
أنبأنا أبو الفرج محمد بن علي بن حمزه القبيطي قال: أخبرنا أبو الكرم الشهرزوي عن أبي القاسم الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي قال: اخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: وحدثني عصمة بن بجماك قال: حدثني أحمد بن يزيد بن خالد بحلب.

قال ابن عدي وحدثنا ابن شبيب قال: حدثنا محمد بن يزيد الكندي قالا: حدثنا يوسف بن يونس أبو يعقوب الأفطس قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يدعو يوم القيامة بعبد من عبيده فيوفقه بين يديه فيسائله عن جاهه كما يسائله عن ماله.
من اسم أبيه يعقوب من الأحمدين أحمد بن يعقوب بن أحمد بن أبي عبيدة: محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي الصالحي الحلبي، حدث عن محمد بن عزيز الأبلي، وأبي سليمان الكيساني.
روى عنه ابنه القاضي محمد بن أحمد بن يعقوب المصيصي.
أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار بن بغاطر: ابن مصعب بن سعيد بن مسلة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو بكر القرشي الأموي الجرجاني رحل وطاف البلاد، ودخل العراق والشام والجزيرة ومصر، وسمع بدمشق وحران، ففي ما بين دمشق حران دخل حلب أو بعض عملها.
ذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي في تاريخ دمشق بما أخبرنا ابن أخيه أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن إذناً قال: أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار بن بغاطر بن مصعب بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو بكر القرشي الأموي الجرجاني، رحل وسمع بدمشق وبطبرية الفضل بن صالح بن بشر بن سلمة، وبحران أبا العباس محمد بن أحمد بن سلم وبغيرها عبد الله بن محمد بن خلاد، وعبد الله بن محمد بن سليمان السعدي المروزي، وبمصر أبا دجانة سفيان بن محمد بن هبة الله الخولاني، وأبا بكر محمد بن أحمد بن نصر العطار البغدادي، وعبدان بن أحمد الجواليقي.
روى عنه: أبو بكر محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان الطرازي، وأبو الحسن محمد بن القاسم الفارسي وأبو سعيد أحمد بن محمد بن إبراهيم الجوري النيسابوري، وأبو الفضل محمد بن أحمد الزهري، وأبو عمرو أحمد بن أبي الفراتي الاستوائي، وأبو حازم عمر بن إبراهيم الحافظ العبدري وهو نسيبه، وأبو سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبوا بكر: أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، وأحمد بن محمد بن ابراهيم المروزي الصدفي، وأبو الفضل نصر بن أبي نصر العطار الطوسي، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن علي البيهقي، الخسرو جردي.
أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل في كتابه قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي سماعاً، أو إجازة، قال: أخبرنا أبو سعد الخنزرودي قال: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن إبراهيم الفقيه قال: حدثنا أحمد بن يعقوب قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن عمرو بن جبلة قال: حدثتنا نسعة بنت شعبة الطائية قالت: سمعت أمي حفصة بنت عمر الطائية أنها سمعت عائشة تقول: قال لي سول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أردت أن يذرك الله عنده فأكثري من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

أنبأنا أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو القاسم ابن أبي محمد الشافعي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد، وأبو بكر عمر ابنا محمد بن محمد بن باذوية السهلكي البسطامي بقراءتي عليها ببسطام قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد البسطامي السهلكي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفارسي قال: سمعت أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار القرشي يقول: دخلت مع خالي بغداد سنة ثلاث وثلاثمائة، وبغداد تغلي بالعلماء، والأدباء، والشعراء، وأصحاب الحديث، وأهل الأخبار، والمجالس عامرة، وأهلها متوافرون، فأردت أن أطوف المجالس كلها، وأخبر أخبارها فيل لي: إن ها هنا شيخاً يقال له أبو العبرطن أملح الناس، يحدث بالأعاجيب، فقلت لخالي: مر بنا ندخل على الشيخ، فقال: إنه مهوس يضحك منه الناس، فارتحلنا من بغداد، ولم ندخل عليه، وكنت أجد في القلب من ذلك ما أجد، حتى إذا كان انحداري من الشام بعد طول من المدة وامتداد من الأيام والأعوام، وتوفي خالي فلما دخلت بغداد فأول من سألت عنه سألت عن أبي العبرطن، فقيل: يعيش وله مجلس، فقمت وعمدت إلى الكاغد والمحبرة، وقصدي الشيخ، فإذا الدار مملوءة من أولاد الملوك والأغنياء، وأولاد الهاشميين بأيديهم الأقلام يكتبون، وإذا مستمل قائم في صحن الدار، وإذا شيخ في صدر الدار، ذو جمال وهيئة، قد وضع في رأسه طاق خف مقلوب، واشتمل بفرو أسود قد جعل الجلد مما يلي بدنه، فجلست في أخريات القوم، وأخرجت الكاغد، وانتظرت ما يذكر من الاسناد، فلما فرغوا قال الشيخ: حدثنا الأول عن الثاني عن الثالث أن الزنج والزط كلهم سود؛ وحدثني خرباق عن نياق قال: مطر الربيع ماء كله، وحدثني دريد عن رشيد قال: الضرير يمشي رويداً.
قال أبو بكر أحمد بن يعقوب: فبقيت أتعجب من أمر الشيخ، فطلبت منه خلوةً في أيام، أعود إليه كل يوم فلا أصل إليه، حتى كانت الليلة التي يخرج الناس فيها إلى الغدير اجتزت بباب داره فإذا الدار ليس فيها أحد، فدخلت فإذا الشيخ وحده جالس في صدر الدار فدنوت منه وسلمت عليه، فرحب بي وأدناني، وجعل يسألني، فرأيت منه من جميل المحيا والعقل والأدب والظرافة واللباقة ما تحيرت فقال لي: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، قال: وما هي؟ قلت قد تحيرت من أمر الشيخ، وما هو مدفوع إليه مما لا يليق بعقله وحسن أدبه وبيانه وفصاحته، فتنفس نفساً شديداً، ثم قال: إن السلطان أرادني على عمل لم أكن أطيقه وحبسني في المطبق أيام حياته، فلما ولي ابنه عرض علي ما عرض علي أبوه فأبيت، فحبسني وردني إلى أسوأ ما كنت فيه، وذهب من يدي ما كنت أملكه، واخترت سلامة الدين، ولم أتعرض لشيء من الدنيا بشيء من دين، وصنت العلم علما لا يليق به، ولم أجد وجهاً لخلاصي، فتحامقت ونجوت، فها أنذا في رغد من العيش.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم الحافظ قال: كتب إلي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي البيهقي قال: قال لنا أبو بكر البيهقي: أحمد بن يعقوب، كان يعرف بابن بغاطرة القرشي الأموي، له من أمثال هذا، يعني حديثاً ذكره، أحاديث موضوعة لأستحل رواية شيء منها.
أحمد بن يعقوب الانطاكي: روى عن عبد الله بن محمد البلوي، روى عنه جعفر بن محمد بن سوار أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد الشافعي بدمشق قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: حدثنا أبو عبد الله الفراوي قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عثمان عيد بن محمد بن عبدان النيسابوري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن المؤمل قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال: أخبرني أحمد بن يعقوب الأنطاكي عن عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثنا البراء بن بن سعيد بن سماعة بن محمد بن عبد الله بن البراء بن مالك الأنصاري عن أبيه أن قدامه بن عقيل الغطفاني أخبره عن جمعة أو جميعة بنت ذابل بن طفيل بن عمرو عن أبيها ذابل بن طفيل بن عمرو الدوسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد في مسجده منصرفه من الأباطيل فقدم عليه خفاف بن نضلة بن عمرو بن بهدلة الثقفي، فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كم قد تحطمت القلوص بي الدجى ... في مهمهٍ قفر من الفلوات
فل من التوريس ليس نقاعةٍ ... نبت من الأسبات والأزمات

إني أتاني في المنام مساعد ... من جن وجرة كان لي وسواتي
يدعو إليك ليالياً وليالياً ... ثم اخزاك وقال لست بآتي
فركبت ناحيةً أضر بنيها ... جمرٌ يخبّ به على الأكمات
حتى وردت إلى المدينة جاهداً ... كيما أراك فتفرج الكربات
قال: فاستحسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر كالحكم أحمد بن يعقوب القائد: كان من قواد خمارويه بن طولون، ولاه حلب وأنطاكية وقنسرين سنة أربع وسبعين ومائتين بعد أن هزم خماويه بن طولون محمد بن ديوداد الأفشين بالثنية، واستأمن إليه جماعة من عسكره، وولى الأفشين هاربا.
فكتب أحمد بن يعقوب إلى خمارويه يسأله أن يرد إليه ما كان يتولاه من أعمال المعاون بأنطاكية وناحيتها، فأجابه إلى ذلك، ثم كتب له تقليدا بالصلاة بأهل أنطاكية وساحل جند حمص، وأهل كورة قنسرين والمعاون والأحداث بهذه البلاد بأسرها. قرأت ذلك في سيرة خمارويه.
أحمد بن يعقوب أبو الحسين الكفرطابي: شاعر مجيد مذكور من أهل كفر طاب.
قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن يوسف الحالي الكفرطابي المعروف بابن المنيرة في كتاب له سماه البديع في نقد الشعر، فذكر في باب تجنيس التركيب منه قال: وشعر أبي الفتح البستي أكثره من هذا الباب، وقد تبعه الناس في ذلك، فقال شاعرنا أحمد بن يعقوب الكفرطابي:
وأهيف الخصر مثل الليل طرته ... وصدغه خزريّ الجنس أولاني
أوليت وصلاً فأولاني قطيعته ... بئس الجزاء بما أوليت أولاني
قرأت بخط أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن منفذ في تاريخه، وذكر وفاة جد أبيه أبي المتوج مقلد بن نصر بن منقذ قال: ورثاه الشيخ أبو الحسن أحمد بن يعقوب بقصيدة أولها:
لا تصحب الدّهر عزماً واصحب الجزعا ... ولا تطع زاجراً عنه وإن وزعا
أتابعٌ أنا من لم يدر ما كمدي ... وقد رأيت الفتى من كان متبعا
لو قلبه بين أحشائي إذاً لرأى ... قلباً تقطعه أيدي الجوى قطعا
ويح الردى رامياً لم تشو أسهمه ... وفاجع الخطب لم يعلم بمن فجعا
أمخلص الدولة اعتاقت حبائله ... لا حبذا بك من ناعٍ إليّ نعا
قال في آخرها يخاطب أبا الحسن عليا ولده:
ما جارحكم الليّالي عن سجيتهّ ... ولا استسنّ الردى فيكم ولا ابتدعا
هذي سبيل الردى من قبلنا سلفوا ... وسوف نمضي علي آثارهم تبعا
لو خلّدوا لم تكن هذي منازلنا ... ولم نجد معهم في الأرض متّسعا
فعشتم يا بني نصرٍ ولا سلب ... الرحمن أنعمه عنكم ولا نزعا
كانت وفاة مقلد بن نصر في ذي الحجة سنة احدى وخمسين وأربعمائة، فقد توفي أحمد بن يعقوب بعد ذلك.
أحمد بن يمن بن همام بن أحمد بن أحمد بن الحسين، أبو العباس العرضى: من أهل عرض، بلدة من المناظر من عمل قنسرين، والقرب من رصافة هشام انتقل إلى دمشق وسكنها، واكتسب بها أموالا، وحصل بها أملاكا، وكان له شعر حسن، روى لنا عنه شيئا من شعره شهاب الدين أبو المحامد القوصي.
أنشدنا أبو المحامد إسماعيل بن حامد القوصي، ونقلته من خطه، قال: أنشدني الأجل الرئيس نجيب الدين أبو العباس أحمد بن يمن بن همام بن أحمد ابن أحمد بن الحسين العرضي بدمشق لنفسه:
يقولون لي أفنيت دمعك فاقتصد ... فمن لي بعين لا تجف غروبها
ولي آنّةٌ تبري الضلوع من الجوى ... ولي كبد لم أدر ماذا يذيبها
قال لي: وأنشدني لنفسه في الشيب:
ما كان أسرع ما ولى الشباب وما ... جاء المشيب بجيش الوهن والهرم
وما تذكرت أياماً مضين به ... إلاّ بكيت على ساعاتها بدمي
قال لي: وأنشدني لنفسه في الشيب أيضا:
لا أبعد الله الشباب فإنه ... عون على السراء والضراء
ولطالما قد كنت فيه منعماً ... ما بين غانية إلى حسناء
واليوم مذ وخط المشيب بعارضي ... متوقع لشماتة الأعداء

قال أبو المحامد القوصي: ونقلته من خطه وأجازه لي، وأنشدته يوما هذه الأبيات الرائية على سبيل المذاكرة:
حاشى لفضلك أن تنيل مطالبي ... قوماً سبقتهم إليك تخيرّا
ويكون حظي في العناء مقدماً ... عنهم وحظي في العطاء مؤخرا
هطلت عليهم من نداك سحابةٌ ... تروي البلاد ولا تبل لي الثرى
وسريت قبلهم إلى أكنافها ... قيد الصباح وما حمدت له السرى
قال: فأنشدني لنفسه على وزنها ورويها:
ولقد سألت عن الكرام فلم أجد ... سمعاً يحسّ بهم ولا عيناً ترى
فسريت ألتمس الغنى حتى بدا ... ضوء الصباح فما حمدت له السرى
آه على موتٍ يريح لو أنه ... مما تباع به النفوس ويشترى
من اسم أبيه يوسف من الأحمدين أحمد بن يوسف بن اسباط بن واصل الشيباني: كان مع أبيه بشيح الحديد من عمل حلب وكورة أنطاكية، روى عن أبيه يوسف بن اسباط، روى عنه عبد الله بن خبيق الأنطاكي، وسعدان بن يزيد.
أخبرنا الشريف افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشاهد قال: أخبرنا أبو أحمد عبد الرحمن بن إسحق العامري قال: أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفراتي قال: أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى قال: حدثنا محمد بن المسيب قال: حدثنا عبد الله بن خبيق الأنطاكي قال: حدثني أحمد بن يوسف بن أسباط قال: سمعت أبي يقول: ما أبالي سألت صاحب بدعة عن ديني أو زنيت.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن أبي الفضل الأنصاري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الغساني قال: أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد قال: أخبرنا جدي أبو بكر قال: أخبرنا أبو بكر الخرائطي قال: حدثنا سعدان بن يزيد قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن أسباط عن أبيه قال أبي: مكثت دهراً وأنا أظن أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الدعاء دعاء غائب لغائب أنه إذا كان غائباً، ثم نظرت فيه فإذا هو لو كان على المائدة ثم دعا له وهو لا يسمع كان غائباً.
أحمد بن يوسف بن إسحق: وقيل أبي إسحق، يعقوب المنبجي، أبو بكر الطائي، حدث عن: أبي سعيد سهل بن صالح، وعبد الله بن خبيق الأنطاكيين، وحاجب بن سليمان المنبجي، وعبد الله بن عبد الرحمن، وأحمد بن سعيد بن شاهين، ومحمد بن شعبة، وسفيان ابن عينية.
روى عنه: أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ، ومحمد بن جعفر بن أبي الزبير قاضي منبج، وأبو عثمان محمد بن أحمد بن حمدان، وعبد الرحمن بن عيسى بن محمد المنبجي، ومحمد بن محمد بن مقبل البغدادي، وأبو محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن زيد العدل، وأبو علي محمد بن علي بن الحسين الاسفرائيني المعروف بابن السقاء، وأبو الفرج محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان ابن صاحب المصلى، وأبو الفضل نصر بن أبي نصر الحافظ، وأحمد بن حرب الطائي، وأبو شاكر عثمان بن محمد بن حجاج النيسابوري الفقيه، وأبو القاسم فرج بن إبراهيم ابن عبد الله النصيبي، وأبو الفضل نصر بن محمود بن أحمد العطار الصوفي الطوسي.
أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد قال: أخبرنا الفقيه أبو الحسن علي بن المسلم قال: أخبرنا أبو نصر الحسين بن طلاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي قال: أخبرنا أحمد بن يوسف بمنبج قال: حدثنا سهل بن صالح قال: حدثنا عبدة بن سليمان قال: حدثنا علي بن صالح عن أشعت بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الأخوة قال: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي.

قال أبو الحجاج: وأخبرتنا عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسين بن محمد ابن سليم قالت: أخبرنا أبو الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو منصور بن الحسين قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن إسحق المنبجي بمنبج قال: حدثنا شعيب بن حرب عن يحيى التيمي عن ادريس الأودي عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى القبور قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين إنا إن شاء الله بكم لاحقون، وانتم لنا فرط ونحن لكم تبع، ونسأل الله عز وجل لنا العافية.
قال ابن المقرئ: قال أبو بكر: قطعوا الورقه التي فيه هذا الحديث من كتابي.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: أخبرنا أبو الحسن بن أبي جرادة العقيلي بقراءتي عليه بحلب قال: أخبرنا أبو الفتح بن الجلي قال: حدثني أبي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن أبي الزبير قاضي منبج قال: حدثنا أحمد بن يوسف قال: حدثنا عبد الله بن خبيق قال: سمعت سقلاب بن خزيمة يقول: مكتوب في التوراة يا بن آدم خوفناك فلم تخف، وشوقناك فم تشتق، يا بن الأربعين مهلاً يا بن الخمسين لا عذر لك، يا بن الستين قددنا الحصاد، يا بن السبعين هلم إلى الحساب.
أحمد بن يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان: أبو العباس الملقب بالملك المحسن يمين الدين بن الملك الناصر صلاح الدين رحمهما الله، وأمه أم ولد.
أخبرني أن مولده في شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدمشق، وذكر العضد مرهف بن أسامة في تعليق له، ونقلته من خطه، أن مولده بمصر.
ونقلت من خط أبي المحامد القوصي، وذكر وقال: ومولده بالقاهرة المعزية في شهور سنة سبع وسبعين وخمسمائة، قال: أخبرنا بذلك شيخنا الوزير، ذو البلاغتين، عماد الدين الأصبهاني الكاتب.
اشتغل الملك المحسن بالعلم، وخرج عن لبس الأجناد، وتزيا بزي أهل العلم، واشتغل بالحديث وسماعه، والاستكثار منه، وتحصيل الأصول الحسنة بخطوط المشايخ، وسمع بالديار المصرية أبا القاسم البوصيري، وأبا عبد الله محمد بن حمد ابن حامد الأرتاحي وغيرهما، وسمع بدمشق أبا عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن الحراني، وشيوخنا: أبا اليمن الكندي، وأبا القاسم بن الحرستاني وأبا القاسم العطار، وداود بن ملاعب، وغيرهم، وسير إلى بغداد وحمل منها أبا الحفص بن طبرزد، وحنبل بن عبد الله المكبر، وسمع منهما عامة حديثهما، وأفاد الناس بالشام حديثهما.
ثم قدم علينا حلب وافداً إلى أخيه الملك الظاهر رحمه الله، فأكرمه وأحسن إليه، وملكه قرية من بلد حلب يقال لها قذاران، وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قصيدته الرائية، وسمع بحلب من شيخنا إفتخار الدين أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي، وشيخنا أبي بكر بن روزبه البغدادي.
وحج إلى مكة مرتين فسمع بمكة أبا الفرج يحيى بن ياقوت بن عبد الله الفراش نزيل مكة، وبالمدينة أبا محمد عبد الرحيم بن المفرج بن علي بن مسلمة؛ وعاد في الحجة الثانية على طريق بغداد، فسمع بها من جماعة من الشيوخ الذين أدركهم.
ووصل إلى حلب وأقام بها إلى أن مات، وحدث بها عن أبي عبد الله محمد بن علي الحراني، وسمعت منه عنه، وكان يميل أولاً إلى مذهب أهل الظاهر، ثم مال إلى التشيع عند مقامه بحلب رحمه الله.
أخبرنا الملك المحسن أبو العباس أحمد بن الملك الناصر يوسف بن أيوب بحلب بالمسجد الجامع بين يدي المحراب قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن الحراني قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد ابن محمد الفراوي قال: أخبرنا أبو يعلى إسحق بن عبد الرحمن الواعظ قال: أخبرنا أبو سعيد بن محمد الصوفي قال: أخبرنا محمد بن أيوب البجلي قال: أخبرنا مسلم قال: حدثنا هشام قال: حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي ما لم تتكلم به ولم تعمل به أو ما حدثت به أنفسها.

توفي الملك المحسن أحمد بن يوسف بحلب يوم الأحد الخامس والعشرين من محرم سنة أربع وثلاثين وستمائة وقت الظهر، وأوصى أن يصلي عليه القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان قاضي حلب، فصلى عليه بالجامع بحلب؛ وأوصى أن يحمل إلى الرقة ويدفن بها بالقرب من عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمل إليها بعد أن صلي عليه وحضرت الصلاة عليه ودفن إلى جانب قبر عمار رضي الله عنه، لما مررت بالرقة وزرت بها عمارا، رأيت قبره إلى جانبه رحمه الله وإيانا.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أحمد بن يوسف بن الحسين أبو العباس الكواشي: وكواشا قلعة حصينة من قلاع الموصل، رجل من الصالحين الأخيار، والأولياء الأبرار، عالم فاضل، فقيه كامل، عارف بالنحو والتفسير، وسمع الحديث اليسير.
وحدث عن شيخنا أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير، وقرأ النحو على والده يوسف، وشيخنا أبي الحرم مكي بن ريان الماكسيني، وقدم علينا حلب، وأقام بالمسجد المنسوب إلينا، واجتمعت به ولم اسمع منه شيئاً لنزول سنده، وعاد من حلب إلى الموصل، وانقطع إلى الله في دويرة الصوفية بالجامع العتيق، لزم العبادة بها، وصنف للقرآن تفسيرين مطولاً ومختصراً، وقفت على المختصر منهما، وهو حسن مفيد.
وقدمت الموصل رسولاً وزرته بالدويرة المذكورة، وجددت العهد برؤيته، وطلبت أن أسمع منه حديثاً فلم يكن عنده شيء من أصوله، فذكر لي حديثاً من حفظه، رواه عن شيخنا ابن الأثير من كتاب الترمذي باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره مقطوعاً، وأجاز لي ولولدي رواية جميع ما يروى عنه؛ ثم قدمت الموصل مرة أخرى في شهور سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وجددت العهد بزيارته، والتبرك به، فاجتمعت به بالجامع العتيق بعد صلاة الجمعة وقد أضر، ووجدت بين يديه على سجادته منديلاً قد وضعه وهو يسجد عليه، فلما فرغ من صلاته قال لي معتذراً: هذا المنديل أضعه بين يدي في الصلاة، وأسجد عليه خوفاً من أن أميل عن القبلة في حالة السجود.
أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية: أبو الحسن السلمى، وقيل الأزدي النيسابوري، ويعرف بحمدان، وكان إماماً في الحديث، واسع الرحلة، دخل الشام والجزيرة، واجتاز بحلب في طريقه ما بين الشام والجزيرة، أو ببعض عملها.
ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور بما أنبأنا به أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحصري، وأبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، وأبو بكر أحمد بن الحسين ابن علي البيهقي، وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الحيري إجازة منهم قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: أحمد بن يوسف بن خالد بن سلم، أبو الحسن السلمي النيسابوري، أحد أئمة الحديث، كبير الرحلة، واسع الفهم، مقبول عند الأئمة في أقطار الأرض، وهو خواص يحيى بن يحيى، ومن المصاهرين له على أقاربه ويقال على ابنته.
سمع بخراسان: حفص بن عبد الرحمن، وحفص بن عبد الله، ويحيى بن يحيى، والجارود بن يزيد النيسابوري، وعلي بن الحسين بن شقيق، وعبد الرحمن ابن علقمة، وعبدان بن عثمان المروزي وطبقتهم.
وبالري من عيسى بن جعفر القاضي، وسليمان بن داود القزاز، ومحمد بن يحيى بن الضريس وطبقتهم.
وبمدينة السلام من: أبي النضر، ومحمد بن جعفر المدائني، وموسى بن داود الضبي، ومنصور بن سلمة الخزاعي وطبقتهم.
وبالكوفة من: يعلى ومحمد ابني جنيد، وجعفر بن عون، وعبيد الله ابن موسى، وطبقتهم.
وبالبصرة من: أبي عامر العقدي، وصفوان بن عيسى القاضي، وعمر بن يونس اليمامي وطبقتهم.
وبالحجاز من: النضر بن محمد الجرشي، ومؤمل بن إسماعيل، والمنقري.
وباليمن من: عبد الله بن سلام، وإسماعيل بن عبد الكريم وعمر بن يزيد وطبقتهم.
وبالشام من: محمد بن يوسف الفريابي، ورواد بن الجراح العسقلاني، وعبد الأعلى بن مسهر، ومحمد بن المبارك الصوري وطبقتهم.
وبالجزيرة من: محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني وطبقته.

روى عنه: يحيى بن يحيى التميمي، ومحمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج في الصحيحين وأكثر إبراهيم بن أبي طالب، ومحمد بن إسحق بن خزيمة وكافة أئمتنا الرواية عنه.
قال الحاكم: سمعت أبا العباس الأصم يقول: كنت سمعت من أحمد بن يوسف السلمي قبل خروجنا إلى مصر، فانصرفت فلم أجد سماعي منه.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن إذناً قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد بن البغدادي قالت: أخبرنا سعد بن أحمد العبار قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد الخفاف قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي قال: حدثنا أحمد ابن يوسف السلمي ومحمد بن عقيل، وأحمد بن حفص قالوا: حدثنا حفص - هو ابن عبد الله - قال: حدثني إبراهيم بن طهمان عن شعبة بن الحجاج عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفعت إلى السدرة فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران فالنيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنه، وأتيت بثلاثة أقداح، قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن، فقيل لي أصبت الفطرة، وأمسك.
أنبأنا أبو حفص عمر بن قشام الحلبي عن الحافظ أبي العلاء الهمذاني قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي علي بن محمد الهمذاني قال: أخبرنا أبو علي الصفار قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الحاكم قال: أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية الأزدي السلمي النيسابوري، كان أبوه ينسب إلى الأزد، وأمه إلى سليم.
سمع عبد الرزاق، والنضر بن محمد؛ روى عنه مسلم بن الحجاج؛ كناه لنا أبو النضر بكر بن محمد بن إسحق السلمي.
أخبرنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك الكرماني، وأبو الحسن مكي بن أبي طالب البروجردي قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف: قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا علي بن عيسى الحيري قال: حدثنا الحسين بن محمد بن زياد القبابي قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية الأزدي بالبصرة، وهو حمدان السلمي.
قال: وحدثنا أبو عبد الله بن الأخرم قال: حدثنا أحمد بن سلمة قال: حدثنا أحمد بن يوسف الأزدي.
قال: وسمعت أبا أحمد يقول: سمعت مكي بن عبدان يقول: قال لنا أحمد ابن يوسف: أنا أزدي، وكانت أمي سلمية.
قال: وسألت الشيخ الصالح أبا عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي عن السبب فيه؟ فقال: كانت امرأته أزدية فعرف بذلك.
أنبأنا أبو الفتوح الحصري، وأبو محمد الرهاوي قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر عن أبوي بكر البيهقي والحيري، وأبو عثمان الصابوني والبحيري قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا عمرو إسماعيل بن نجيد قال: سمعت أحمد بن يوسف السلمي يقول: كان جدي أزدي الأب سلمي الأم فغلب عليه السلمي.
وقال أبو عبد الله: سمعت محمد بن حامد البزاز يقول: سمعت بعض مشايخنا يحكى عن أحمد بن يوسف السلمي: أما أنا لست بسلمي، أنا أزدي وعيالي سلمية.
أنبأنا أبو القاسم بن محمد الأنصاري عن أبي المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري عن أبي بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستلمي: سمعت حمدان السلمي، وقالوا له: أسمعنا، فقال: لا يمكنني أنا ابن ثمانين سنة، وذلك يوم الخميس بعد العصر لخمس عشرة ليلة خلت من شوال سنة اثنتين وستين ومائتين.
قلت: فيكون مولده على هذا في سنة اثنتين وثمانين ومائة، والله أعلم.
قال أبو المظفر القشيري: أخبرنا محمد بن علي بن محمد إذنا قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: وسألته - يعني الدارقطني - عن أحمد بن يوسف السلمي؟ فقال: ثقة نبيل.
أخبرنا نصر بن أبي الفرج، وعبد القادر بن عبد الله في كتابيهما قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا أبو القاسم الشحامي عن البيهقي والحيري والصابوني والبحيري قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو محمد بن جعفر عن مكي بن عبدان قال: سألت مسلم بن الحجاج عن أحمد بن يوسف السلمي؟ فقال: ثقة، وأمرني بالكتابة عنه.

أنبأنا أبو الحسن بن المقير عن أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي عن أبي الفضل الحكاك قال: أخبرنا عبيد الله بن سعيد بن حاتم قال: أخبرنا الخصيب بن عبد الله بن محمد قال: أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن قال: أخبرني أبي قال: أحمد بن يوسف السلمي نيسابوري ليس به بأس.
أخبرنا عبد الصمد بن محمد الأنصاري فيما أذن لنا فيه قال: كتب إلينا أبو المظفر القشيري عن أبي بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني محمد بن إبراهيم المؤذن قال: حدثنا مكي بن عبدان قال: سمعت أحمد ابن يوسف السلمي يقول: كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية أبو الحسن السلمي النيسابوري المعروف بحمدان، أحد الثقات الأثبات، رحل في طلب الحديث، وسمع بالشام والعراق وخراسان واليمن، وحدث عن عبد الأعلى بن مسهر، ومحمد بن المبارك الصوري، ومعمر بن يعمر، وصفوان بن صالح، ويحيى ابن أبي بكير، وعمرو أبي سلمه التنيسي، ومحمد بن يوسف الفريابي، ورواد بن الجراح العسقلاني، وأبي النضر هاشم بن القاسم، ومحمد بن جعفر المدائني، وموسى بن داود الضبي، ومنصور بن سلمة الخزاعي، ويعلى ومحمد ابني عبيد، وجعفر بن عون، وعبيد الله بن موسى، وأبي عامر العقدي، وصفوان بن عيسى، وحفص بن عبد الله، وحفص بن عبد الرحمن، ويحيى بن يحيى، والجارود بن يزيد، وعلي بن الحسن بن شقيق، وعبدان بن عثمان، ومحمد بن يحيى بن الضريس، وسليمان بن داود القزاز الرازيين، وعبد الرزاق بن همام، واسماعيل ابن عبد الكريم، والنضر بن محمد الحرشي، وعمر بن عبد الله بن رزين وأبي عبد الرحمن المقرئ، وأبي حذيفة النهدي وغيرهم.
روى عنه يحيى بن يحيى، وهو من مشايخه، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، وإبراهيم بن أبي طالب، وأبو بكر بن خزيمة، وأبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه، وأبو محمد الحسن بن محمد بن جابر، وجعفر بن محمد بن موسى الحافظ، وإبراهيم بن عبد الله بن أحمد الحيري، وأبو العباس السراج، وأبو عبد الرحمن النسائي، والحسين بن محمد بن زياد النيسابوري القتابي.
قلت: هكذا قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي في ترجمة أحمد بن يوسف السلمي: روى عنه يحيى بن يحيى وهو من مشايخه وذكر بعده الحديث الذي أوردناه، ثم قال بعده.
أنبأنا أبو نصر بن القشيري قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت محمد بن حامد البزاز يقول: سمعت مكي بن عبدان يقول: سمعت أحمد بن يوسف السلمي يقول: سألت يحيى بن يحيى عن حديثي عن حفص ابن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان عن شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما رفعت إلى السدرة المنتهى، إذا نهران ظاهران الحديث فسمعه مني.
وروى ذلك عن أبي نصر عن البيهقي عن أبي عبد الله الحاكم.
وقال أبو عبد الله الحاكم في ترجمته التي ذكرناها من تاريخ نيسابوري: روى عنه يحيى بن يحيى التميمي.
فإن كان اعتمادهما في قولهما روى عنه يحيى بن يحيى على ما روياه من قول أحمد بن يوسف السلمي: فسمعه مني فليس هذا برواية عنه، وإنما يكون رواية عنه إذا حدث به عنه، أو ذكره في فوائد خرجها، أو مصنف جمعه، أما مجرد السماع، لا يقال فيه: روى عنه، وإنما يقال فيه: كتب عنه، أو سمع منه، أو استفاده، والله أعلم.
أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد في كتابه عن أبي القاسم الشحامي قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي إجازة قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو محمد عبد الله بن أحمد الشعراني قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول: مات أحمد ابن يوسف السلمي سنة أربع وستين ومائتين.
وأخبرني أبو سعد المؤذن عن أبيه قال: مات السلمي سنة ثلاث وستين ومائتين.
أحمد بن يوسف بن عبد الواحد بن يوسف: أبو الفتح الأنصاري الحلبي الحنفي الصوفي، الملقب شهاب الدين، كان أبوه دمشقياً وانتقل إلى حلب، وولى بها خانقاه سنقرجا النوري، وسنذكر ترجمته إن شاء الله.

وولد أحمد ابنه بحلب، واشتغل بالفقه بها، وسافر إلى الموصل وتفقه بها على الجلال الرازي، وبرع في علم النظر والخلاف، وتولى الإعادة بالمدرسة النورية الحلاوية بحلب في أيام شيخنا افتخار الدين أبي هاشم، وكان ولي مشيخة الصوفية برباط سنقرجا بعد موت والده، ثم استدعي إلى بغداد ليدرس بالمدرسة المستنصرية، فتوجه إليها في أيام الإمام المستنصر بالله رحمه الله، وولي بها تدريس الفرقه الحنفية، وأقام على ذلك مدة، ثم ضجر الإقامة ببغداد والتقيد بما عليه أوضاعهم بها، فاستأذن في العود إلى وطنه فأذن له في ذلك، فعاد إلى حلب والمدرسة المقدمية خالية من مدرس، فقلد التدريس بها، ثم مات المدرس بمدرسة الحدادين، فأضيف تدريسها إليه أيضا.
وكان قد سمع الحديث من أبيه ومن شيخنا أبي هاشم الهاشمي وغيرهما، وسمعت منه شيئاً يسيراً عن والده، وأدركت والده ولم أكتب عنه، وحكى عنه شيخنا ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي في كتاب الاستسعاد بمن لقي من صالحي العباد في البلاد مناماً أخبره به سنذكره في ترجمة أبيه يوسف إن شاء الله تعالى.
أخبرنا الفقيه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف الأنصاري بحلب قال: أخبرنا أبي فخر الدين يوسف بحلب قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني بحلب قال: أخبرنا أبو المكارم محمد بن عمر بن أميرجه قال: قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن أبي منصور الطبسي قال: أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم المليحي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن علي الطويسي يقول: سئل أبو الحسن الحصري: هل يحتشم المحب أو يفزع؟ فقال: لا، الحب استهلاك لا يبقى معه صفة، وأنشد:
قالت: لقد سؤتنا في غير منفعةٍ ... بقرعك الباب والحجاب ما هجعوا
ماذا يريبك في الظلماء تطرقنا؟ ... قلت: الصبابة هاجت ذاك والطمع
قالت: لعمري لقد خاطرت ذا جزعٍ ... حتى وصلت وألا عاقك الجزع
توفي شهاب الدين أحمد بن يوسف الأنصاري بحلب يوم الخميس في السادس عشر من شعبان قبل العصر من سنة تسع وأربعين وستمائة، وبلغتني وفاته وأنا بدمشق، ثم وصل ابنه فأخبرني أنه توفي في هذا التاريخ رحمه الله.
أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن الحسين بن أبي بكر البغدادي: المعروف بابن القرميسيني، سمع ببغداد أبا الكرم الشهرزوري، وأبا الفتح بن البطي، وأبا الفضل الأرموي، وأبا الفرج إبراهيم بن سليمان الضرير، وسمع بمرو عبد الرحمن بن محمد الكشمهني، وبنيسابور أبا الأسعد القشيري، وحدث بشيء من حديثه، وطاف البلاد الواسعة، ودخل الجزيرة والشام واجتاز بحلب.
أنبأنا أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي قال في كتاب التكملة لوفيات النقلة: وفي أواخر جمادى الأولى توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن الحسين بن أبي بكر البغدادي المعروف بابن القرميسيني بالموصل ودفن بها.
ومولده ببغداد يوم عاشوراء سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، سمع ببغداد من القاضي أبي الفضل محمد بن عمر الأرموي، وأبي الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري، وأبي الفرج إبراهيم بن سليمان الضرير، وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد وغيرهم، وسمع بنيسابور من أبي الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري، وبمرو من عبد الرحمن بن محمد الكشمهني، وسافر الكثير، وطاف ما بين الحجاز، واليمن، والشام، وديار مصر، وخراسان، وما وراء النهر، وقطعة من بلاد الترك، وغزنة، وبلاد الهند، وجزائر البحر، وكان يذكر عجائب رآها في أسفاره، وحدث.
أحمد بن يوسف بن علي: أبو العباس الشريف العلوي الحسني، الملقب عماد الدين الموصلي الفقيه الحنفي، كان فقيها، حسنا، صالحا، ورعا، زاهدا، فاضلا، سكن حلب وتفقه بها على تاج الدين أحمد بن محمد بن محمود الغزنوي الحنفي، ثم صحب موفق الدين محمود بن هبة الله بن النحاس، ولزم درسه بمدرستي شاذ بخت النوري، والحدادين، وسافر معه إلى العجم حين توجه إليها رسولا، وعاد إلى حلب فأقام بمدرسة الحدادين مشتغلا بالفقه والعبادة واجتهد في عمارة المدرسة، ولم يتعرض لمنصب، وسمع معي الحديث على شيخنا افتخار الدين أبي هاشم الهاشمي، وشيخنا بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم.

ثم خرج من حلب إلى مصر حين وصل التتار إلى بلاد الروم سنة أربعين وستمائة وكنت بمصر في هذه السنة، وهو بها، وحدث بها عن شيخنا أبي هاشم المذكور، وعدت إلى حلب وهو بالديار المصرية، فأضر بها، وعاد إلى حلب وقد ذهبت عيناه وهو صابر محتسب، فلزم مدرسة الحدادين إلى أن مات في بعض شهور سنة ثمان وأربعين وستمائة، وكان حسن العقيدة والمذهب رحمه الله.
أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب: أبو جعفر، كاتب أديب، ناظم ناثر مجيد فيهما؛ حكى عن عبد الحميد بن يحيى الكاتب، وعن عبد الله المأمون، وقدم حلب صحبته، وكان يلي له ديوان المشرق، وديوان الرسائل، ووزر له ونادمه، وكان خصيصاً به؛ روى عنه ابنه محمد بن أحمد بن يوسف، وأبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، وأحمد بن أبي سلمة، وأبو سعيد البصري، وأبو هفان.
وذكره محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة فقال: أحمد بن يوسف الكاتب، يكنى أبا جعفر، كاتب أديب شاعر، رقيق الشعر، تقلد ديوان الرسائل للمأمون وغيره من أعمالهم.
وقال الصولي في كتاب الأوراق، في ذكر كتاب المأمون، قال: جعل ديوان المشرق إلى عبد الرحمن بن علي الكلبي ثم مات فجعله إلى أحمد بن يوسف، ولم تزل له خاصية منه.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس الغساني قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب، مولى بني عجل، كان من أفاضل كتاب المأمون وأذكاهم وأفطنهم، وأجمعهم للمحاسن، وكان جيد الكلام، فصيح اللسان، حسن اللفظ والخط، يقول الشعر في الغزل والمديح والهجاء، وله أخبار مع إبراهيم بن المهدي، وأبي العتاهية، ومحمد بن بشير، وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، أبو جعفر الكاتب، أصله من الكوفة، ولي ديوان الرسائل للمأمون، يقال إنه من بني عجل.
وكان له أخ يقال له القاسم بن يوسف كان شاعراً كاتباً، وهما وأولادهما جميعا أهل أدب وطلب للشعر والبلاغة.
حكى أحمد بن يوسف عن المأمون، وعبد الحميد بن يحيى الكاتب؛ حكى عنه محمد بن أحمد بن يوسف، وأحمد بن أبي سلمة كاتب عياش بن القاسم صاحب شرطة المأمون، وعلي بن سليمان الأخفش، وقدم دمشق في صحبة المأمون.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن أبي علي المعدل قال: أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال: حدثنا علي بن سليمان الأخفش قال: قال أحمد بن يوسف الكاتب: رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطاً رديئاً، فقال لي: إن أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها، ثم قال:
إذا جرح الكتاب كان قسيهم ... دوايا وأقلام الدوي لهم نبلا
قال الأخفش: قوله جلفتك أراد فتحه رأس القلم.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو سعد بن بوش قال: أخبرنا أبو العز بن كادش قال: أخبرنا محمد بن الحسن الجازري قال: أخبرنا المعافى بن زكرياء قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن علي بن أبي حمزة الهاشمي قال: حدثني علي بن إبراهيم بن حسن قال: أخبرني موسى بن عبد الملك قال: جاء أبو العتاهية يريد الدخول على أحمد بن يوسف، فمنعه الحاجب فكتب إليه:
ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى ... وأن الغنى يخشى عليه من الفقر
قال: فقلت له: لا تتعرض له، وأسكته عنك، فوجه إليه بخمسة آلاف درهم.
قال علي بن إبراهيم: فأعلمت ذلك علي بن جبلة، فقال: بئس ما صنع، كان ينبغي له أن يقول له:
أأحمد إن الفقر يرجى له الغنى ... ..................
فيشيد باسمه.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال. أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: سمعت أبا بكر محمد بن الحسين بن أبي القاسم الآملي يقول: سمعت أبا عبد الله إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي بنيسابور يقول: سمعت أبا القاسم علي بن عبد الغافر الفارسي يقول سمعت أبا عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي يقول: سمعت أبا سعيد أحمد بن محمد بن زكريا يقول: سمعت أبا سعيد البصري يقول: أنشدنا أحمد بن يوسف قول أبي تمام:
قدك أتئب أربيت في الفلواء ... كم تعذلون وأنتم سجرائي
فقال: يا غلام اصفع أبا تمام عني، فأنشد البيت الثاني:
لا تسقني ماء الملام فإنني ... صبّ قد استعذبت ماء بكائي
فقال: يا غلام انقلب واصفعني عن أبي تمام.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن داود بن عثمان الدربندي في تربة الخليل عليه السلام بحبرى، وأبو علي حسن بن إبراهيم بن محمد بن دينار بالقاهرة قالا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا الرئيس أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد بن محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغضائري قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني أحمد بن العباس النوفلي قال: حدثني أبو الحارث النوفلي، قال الصولي: وقد رأيت أبا الحارث هذا وكان رجل صدق، قال: كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه، فلما مات أخوه الحسن قلت على لسان ابن بسام:
قل لأبي القاسم المرجى ... قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن وكان زيناً ... وعاش ذو الشين والمعائب
حياة هذا بموت هذا ... فليس نخلو من المصائب
قال أبو بكر الصولي: وانما أخذه من قول أحمد بن يوسف الكاتب لبعض اخوانه من الكتاب، وقد ماتت له ببغاء، وكان له أخ يضعف، فكتب إليه:
أنت تبقى ونحن طراً فداكا ... أحسن الله ذو الجلال عزاكا
فلقد جل خطب دهر أتانا ... بمقادير أتلفت ببغاكا
عجباً للمنون كيف أتتها ... وتخطت عبد الحميد أخاكا
كان عبد الحميد أصلح للموت ... من الببغا وأولى بذاكا
شملتنا المصيبتان جميعاً ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا
قال أبو بكر الصولي: وإنما أخذه أحمد بن يوسف الكاتب من قول أبي نواس في التسوية وزاد في المعنى إرادة وكراهة، قال أبو نواس لما مات الرشيد، وقام الأمين، يعزي الفضل بن الربيع:
تعز أبا العباس عن خيرها لك ... بأكرم حي كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها ... لهن مساو مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى ... فلا أنت مغبون ولا الموت غابن
أخبرنا أبو هاشم بن الفضل الصالحي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر بن أبي المظفر المروزي قال: أخبرنا أبو طالب المبارك بن علي بن خضير الصيرفي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن المظفر بن الحسن بن المظفر الهمذاني قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد الفرضي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن إبراهيم الصولي النديم قال: وقال أحمد بن يوسف الكاتب - يعني - في وصف الليل:
كمم ليلة فيك لا صباح لها ... أفنيتها قابضا على كبدي
قد غصّت العين بالدموع وقد ... وضعت خدي على بنان يدي
قلت: نقلت هذين البيتين بهذا الاسناد من خط أبي أسعد بن أبي بكر.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي قراءة عليه بحلب قال: أخبرتنا الكاتبة شهدة بنت أحمد بن الفرج الآبري قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله ابن محمد بن يوسف الحنائي قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك قال: حدثنا أبو القاسم بن إبراهيم بن سنين الختلي قال: أنشدني جعفر بن أبي رجاء لأحمد بن يوسف:
يزين الشعر أقواماً إذا نطقت ... بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه
قد يرزق المرء لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي

ما مسني من غنىً يوماً ولا عدمٍ ... إلاّ وقولي عليه الحمد لله
قال: وحدثنا إسحق بن ابراهيم قال: وحدثني محمد بن مزيد قال: هذه الأبيات لأحمد بن يوسف:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه ... فإن نعم دين على الحر واجب
وإلاّ فقل لا تسترح وأرح بها ... لكيلا يقول الناس إنك كاذب
قال أبو القاسم إسحق بن إبراهيم: وأنشدني أيضاً لأحمد في إفشاء السر.
إذا المرء أفشى سره بلسانه ... فلام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي استودعته السر أضيق
أخبرنا عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا تاج الاسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا أبو الكرم الشهرزوري بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن الأمين قال: حدثنا أبو علي الحسن بن أبي بكر بن شاذان الفارسي قال: حدثنا أبو بكر بن كامل القاضي قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم النحوي قال: حدثنا أبو هفان عن أحمد بن يوسف أنه أهدى إلى المأمون يوم نيروز، أو مهرجان، هدية وكتب إليه:
على العبد حق فهو لا بد فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنىً فهو قابله
ولو كان يهدى للمليك بقدره ... لقصر علّ البحر عنه وناهله
ولكننا نهدي إلى من نجّله ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله
وذكر أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري له في كتاب الوزراء.
صدّ عني محمد بن سعيد ... أحسن العالمين ثاني جيد
صدّ عني لغير جرم إليه ... ليس إلاّ لحسنه في الصدود
قال: ومن مليح قوله:
قلبي يحبك يا منى ... قلبي ويبغض من يحبك
لأكون فرداً في هواك ... فليت شعير كيف قلبك
أنبأنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن بن المقير عن أبي الفضل محمد بن ناصر قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد البندار - إذناً - قال: أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم المقرئ إجازة عن أبي بكر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن القاسم ابن يوسف قال: حدثني نصر الخادم مولى أحمد بن يوسف قال: كان أحمد بن يوسف يتبنى مؤنسة جارية المأمون، فجرى بينها وبين المأمون بعض ما جرى، فخرج إلى الشماسية وخلفها، فجاء رسولها إلى أحمد بن يوسف مستغيثة به، فدعا بدابته، ثم مضى فلحق المأمون بالشماسية، فقال للحاجب: أعلم أمير المؤمنين أن أحمد بن يوسف بالباب وهو رسول، فأذن له، فدخل فسأله الرسالة فاندفع ينشد:
قد كان عتبك مرة مكتوما ... فاليوم أصبح ظاهراً معلوما
نال الأعادي سؤلهم لا هنئوا ... لما رأونا ظاعنا ومقيما
هبني أسأت فعادة لك أن ترى ... متفضلاً متجاوزاً مظلوماً
فقال: قد فهمت الرسالة، كن الرسول بالرضا، يا ياسر امض معه، قال: فحملها ياسر إليه.
أنبأنا عمر بن طبرطزد عن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران - إجازة - قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء الواسطي قال: أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ووقع أحمد بن يوسف الكاتب عن المأمون إلى عامل: أنا لك حامد فاستدم حسن ما أنت عليه يدم لك أحسن ما عندي، وأعلم أن كل شيء لم يزد فيه إلى نقص، والنقصان وان قل ممحق للكثير، كما تنمي الزيادة على القليل.

قرأت في كتاب الوزراء والكتاب لأبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري قال: أحمد بن يوسف بن صبيح، اختص بالمأمون، وكان نبيلاً بليغا، وقلده ديوان المشرق وبريد خراسان، وكان ديوان الرسائل إلى عمرو بن مسعدة، وكان المأمون لعلمه بتقدم أحمد في البلاغة إذا احتاج إلى كتاب يشهر، أمر أحمد بن يوسف أن يكتبه، فأمر المأمون أحمد بن يوسف بكتاب عنه إلى جميع الأمصار باقامة زيت المصابيح في جميع المساجد والاستكثار منها، قال: فلم أدر ما أقول، ولم يكن أحد سبق من الكتاب في ذلك فأسلك طريقته، فنمت في وقت القائلة وأنا مشغول القلب فرأيت قائلاً يقول لي: اكتب فإن في ذلك أنساً للسابلة، واضاءة للمتهجدة، ومنعاً لمكامن الريب، وتنزيها لبيوت الله عز وجل وجل من وحشة الظلم.
قال الجهشياري: ثم قلده المأمون ديوان الرسائل، فلم يزل عليه إلى أن سخط عليه فمات في سخطه، وكانت وفاته في سنة أربع عشرة ومائتين.
قال: وكان سبب سخط المأمون على أحمد بن يوسف أنه جلس يوما وبحضرته أصحابه، فقال: نجلس غدا مجلسا فلا يكون عندنا من نتحشمه، ثم أقبل على أحمد بن يوسف فقال: كن المختار لنا من يجالسنا وأنت معنا، قال أحمد: أنا وأبو سمير؟ قال: نعم، قال أحمد: قلنا على أمير المؤمنين أن لا يجلس معنا غيرنا، قال: نعم.
وبكروا وحجب الناس، واستأذن الحسن بن سهل، فأمر بالدخول، وكان اصطنع أحمد، فقال: يا أمير المؤمنين هذا خلاف ما ضمنت، قال: فأبو محمد يحجب؟! فدخل وعليه سواده، فقال: يا أبا محمد هذا مجلس اقتضيناه على غير موعد، لولا ذلك لبعثت اليك، فأقم عندنا، فقال: يا أمير المؤمنين تمم الله لك السرور، عبدك يجد شيئا يمنعه من خدمته، فان رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي، فألح عليه في المسألة والجلوس، فلم يفعل، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين ما اعتذرت إلى الحسن، قال: ليس هو اعتذار، قال: بلى، قال: لا ولكنه شبيه بالاعتذار، قال أحمد: نرضى بإبراهيم حكما بيننا؟ قال المأمون، رضيت، قال ابراهيم: لم يكن اعتذارا مصرحا ولكنه مثله، وأقبل يعين أحمد ويسيغ قوله، فقال المأمون لأبي سمير: والله لقد شاورت الناس فيك فكلهم أشاروا بقتلك وما منعني من ذلك إلا أبو محمد، فوالله ما كافأته على ذلك، ثم التفت إلى أحمد وقال: أو تقول هذا لأبي محمد وهو أجلسك هذا المجلس، فاذا لم تشكره فأنت أحرى أن لا تشكر غيره، والله لا جلست مجلسك هذا أبدا، فألزمه منزله حتى مات.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل قال: أخبرنا أبو الحسن ابن قبيس قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل قال أخبرنا الحسن بن صفوان البرذعي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثنا الحسين بن عبد الرحمن قال: أشرف أحمد بن يوسف وهو بالموت على بستان له على شاطئ دجلة، فجعل يتأمله ويتأمل دجلة، ثم تنفس وقال متمثلاً:
ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئت من عيب لعائبه
قال: فما أنزلناه حتى مات.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: بلغني أن أحمد بن يوسف الكاتب مات سنة ثلاث عشرة ومائتين أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن قال: بلغني أن أحمد بن يوسف توفي سنة أربع عشرة ومائتين، وهو في سخط المأمون.
وقد ذكرنا مثل ذلك عن الجهشياري وهو أشبه بالصحة.
أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني إذناً عن أبي بكر بن المزرفي قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد العكبري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت قال: حدثنا أبو الفرج الأصبهاني قال: حدثني جعفر بن قدامة قال: حدثني ميمون بن مهران قال: كان لأحمد بن يوسف جارية مغنية شاعر يقال لها نسيم، وكان لها من قلبه مكان، فلما مات أحمد قالت ترثيه:
ولو أن ميتاً هابه الموت قبله ... لما جاءه المقدار وهو هيوب
ولو أن حياً صانه الردى ... إذاً لم يكن للأرض فيه نصيب
قال أبو القاسم جعفر بن قدامة: وقالت ترثيه:
نفسي فداؤك لو بالناس كلهم ... ما بي عليك تمنوا أنهم ماتوا
وللورى موتة في الدهر واحدة ... ولي من الهم والأحزان موتات

قال أبو القاسم: وهي القائلة وقد غضب عليها:
غضبت بلا جرم علي تجرماً ... وأنت الذي تجفو وتهفو وتغدر
سطوت بعز الملك في نفس خاضع ... ولولا خضوع الرق ما كنت أصبر
فإن تتأمل ما فعلت تقم به ال ... مقادير أو تظلم فإنك تقدر
أحمد بن يوسف بن نصر بن عبد الرزاق بن الخضر بن عجلان: أبو الحسين البالسي ثم الجعبري، أصله من بالس وهو من قلعة جعبر، وهو أخو الجعبري والي قلعة دمشق، له شعر جيد.
أحمد بن يوسف الاستاذ أبو نصر المنازي السليكي الوزير: من أهل منازكرد، وكان وزيراً للمروانية ملوك ديار بكر، وسيره نصر الدولة أحمد بن مروان رسولاً عنه إلى مصر، فقدم حلب وتوفي له ولد بها، واجتمع بأبي العلاء بن سليمان بمعرة النعمان، وجرت بينهما مذاكرات، وكان شاعراً مجيداً كاتباً فاضلاً أديباً.
روى عنه أبو محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي، وابن أخته أبو الحسن المرجى بن نصر الكاتب، والوزير فخر الدولة أبو نصر محمد بن جهير، وحكى عنه الفقيه سليم الرازي وأثنى عليه، وأبو الحسين علي بن عبد السلام الأرمنازي، وقرأ عليه سعيد بن عبد الله بن بندار الشاتاني والد العلم الشاتاني.
أخبرنا شرف الدين إسماعيل بن أبي سعد الآمدي، المعروف بابن التيتي قال: نقلت في دمشق أنه وجد في مسودة تاريخ صور لغيث بن علي الأرمنازي قال غيث بن علي الأرمنازي، قال: حدثني والدي أبو الحسن علي بن عبد السلام قال: ولما وصل المنازي إلى صور خرج القاضي أبو محمد وجماعة من بياض الصوريين وكنت معهم، فلما لقيه رأى موكباً حسناً فقال: أيكم القاضي، فإني أرى جماعة كل واحد منهم يصلح أن يكون القاضي، فتبسم منه، وتقدم إليه، فسلم عليه.
قال: وسمعت أبا الفتح نصر بن إبراهيم الزاهد يقول: لما وصل المنازي إلى ها هنا كان الفقيه سليم يمضي إليه ويذاكره، فسألته هل كان يفقه شيئاً؟ فقال: نعم كان له يد في الفقه واللغة والشعر، أو كما قال.
قرأت في كتاب الهفوات تأليف الرئيس غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن ابن إبراهيم الصابيء قال: وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير قال: حضر رسل نصر الدولة أبي نصر بن مروان الكردي أمير آمد وميا فارقين وأعمالهما عند معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلد أمير بني عقيل يستحلفونه على معاهدة بنيت، ومعاقدة قررت، المنازي الشاعر، فلما حلف معتمد الدولة أنشد المنازي:
كلّفوني اليمين فارتعت منها ... كي يغّروا بذلك الارتياع
ثم أرسلتها كمنحدر السي ... ل تهادى من المكان اليفاع
فقال له قرواش: يا ويلك قبحك الله وقبح ابن مروان، ما هذا الكلام؟ وبدا الشر في وجهه، وكاد يكون ذلك اليوم آخر أيام المنازي من عمره، فبدأ المنازي باليمين الغموس أنه أنشد ما أنشد عن سهو لا روية، وباتفاق سوء، لا قصد ونية، وتحقق قرواش قوله لأنه مما لا يقدم عليه مثله فأغضى وعفا عما غلط فيه وهفا.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي - إجازة إن لم يكن سماعاً.
وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز الأندلسي أن أبا طاهر السلفي أخبرهم قراءة عليه وهو يسمع قال: سمعت أبا طاهر إبراهيم بن سعيد بن عبد البر البدليسي بثغر بدليس يقول: سمعت أبا الحسن المرجى بن نصر الكاتب يقول: سمعت خالي الوزير أبا نصر أحمد بن يوسف المنازي يقول: بعثني نصر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان سنةً من ميافارقين إلى مصر رسولا، فدخلت معرة النعمان، واجتمعت بأبي العلاء التنوخي، وجرت بيننا فوائد، فقال أصحابه فينا قصائد ومن جملتها هذه الأبيات:
تجمّع العلم في شخصين فاقتسما ... على البرية شطريه وما عدلا
جاءا أخيري زمانٍ ما به لهما ... مماثلٌ وصل الحّد الذي وصلا
أبو العلا وأبو نصر هما جمعا ... علم الورى وهما للفضل قد كملا
هذا كما قد تراه رامحٌ علمٌ ... وذاك أعزل للدنيا قد اعتزلا
هما هما قدوة الآداب دانيةً ... طوراً وقاصيةً إن مثّلا مثلا

لولاهما لتفّرى العلم عن علم ... أو لافترى صاحب التمويه ان سئلا
يا طالب الأدب اسأل عنهما وأهن ... إذا رأيتهما أن لا ترى الأُولا
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... فطلعة البدر تغني أن ترى زحلا
قرأت في جزء وقع إلي من رسائل إبراهيم بن أحمد بن الليث، في رسالة له كتبها إلى بعض اخوانه، قال فيها في ذكر أبي نصر المنازي: وأما أبو نصر فعترة الخطابة، وعدة الكتابة، ومنبع العلم، ومعدن الحلم، خدم السلطان في ميعة الصبى وريعان الشبيبة، فعفت عن الدنيا طعمته، وتنزهت عن الرذائل همته، ثم انتقل إلى خدمة مولاه فأدى حجة وقضى حقه، وأحرز من رضاه حظه، فعل من هدي الطريق، وأوتي التوفيق.
قرأت بخط مؤيد الدولة أبي المظفر أسامه بن مرشد بن منقذ في كتابه الذي علقه لابن الزبير من الشعراء الذين سأله عنهم ليودعهم في كتابه المسمى جنان الجنان ورياض الأذهان، فكتب له ما حضر عنده عنهم، وزاد فيه ذكر جماعة غيرهم وقال فيه - وأنبأنا به أبو الحسن بن أحمد بن علي القرطبي عنه - : ومن الشعراء المذكورين أبو نصر المنازي حسن الشعر، سهل الألفاظ، صحيح المعاني، مستعذب القول، من حقه أن يتميز عن هذه الطبقة، فمن شعره:
أظاهر بالعتبى إذا أضمرت عتبا ... وأسأل غفراناً ولم أعرف الذنبا
وأصدق ما نبيت أني بلوتها ... فما سالمت سلماً ولا حاربت حربا
هي الشمس حالت دونها حجب خدرها ... ولو برزت كان الضياء لها حجبا
إذا جهزت ألحاظها قصد غافلٍ ... أغارت على قلبٍ أو استهلكت لبا
ألم يأن في حكم الهوى أن ترّق لي ... من المدمع الرّيان والكبد اللهبا
ومن زفرة حرّى إذا ما تقطعت ... شعاعاً تدّمي الجفن أو تحرق الهدبا
شجتني ذات الطوق عجماء لم تبن ... وشيمة عجم الطير أن تشجو العربا
دنا إلفها واختلّ أطراف عيشها ... فهاجت لي البلوى وقد هدلت عجبا
هفا بك متن الغصن لو أنّ قدرةً ... سلبتك حلى الطوق والغصن الرّطبا
ولكنّ إخواناً أعّد فراقهم ... خساراً ولو سافرت أقتنص الشهبا
وخلفت قلبي بالعراق رهينةٌ ... لقصد بلادٍ ما اكتسبت بها قلبا
وإني ليحييني على بعد داره ... نسيم نعاماه ولو حملت تربا
ومن شيمتي أن استمد له الصّبا ... وأستسيغ النعمى واستمطر السحبا
وأعمّر من ذكراه كلّ مفازة ... وألهي بعلياه الركائب والرّكبا
وأذكره بالصيف إن جاء طارقاً ... وبالطيف إن أسرى وبالسّيف إن هبا
وبالبدر إن أوفى وبالليث إن سطا ... وبالغيث إن أروى وبالبحر إن عبا
وأشتاق أياماً تقضّت كأنما ... أسرت عن الأيام أو أدركت غصبا
نحن حنين البعد والشمل جامعٌ ... ونزداد حباً كلما لم نزر غبا
إخاءٌ تعالى أن يكون أخّوةً ... وقربى ودادٍ لا تقاس إلى قربى
أنشدني بعض البغداديين لأبي نصر المنازي يخاطب أبا العلاء بن سليمان ببغداد حين قدمها أبو العلاء وقد فاوضه في شيء فأعجبه كلامه.
لله لؤلؤ ألفاظ تساقطها ... لو كنّ للغيد ما استأنسن بالعطل
ومن عيون معانٍ لو كحلن بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل
سحرٌ من اللفظ لو دارت سلافته ... على الزمان تمشّي مشية الثمل
قال: فقال له أبو العلاء إدن مني فإني أشم منك ريح السعادة، فقدر الله تعالى له أن وزر بعد ذلك للمروانية.
قرأت بخط الفقيه نصر بن الفقيه معدان بن كثير البالسي للمنازي أيضا، وقد وصل الشام واجتاز بوادي بزاعا، وأنشدني البيتين الأولين، أو الأبيات جميعها الشريف محي الدين أبو حامد محمد بن عبد الله الهاشمي الحلبي بحران، وذكر أنه سمعها من عبد القاهر بن علوي المعري، قاضي معرة مصرين للمنازي.
وقانا لفحة الرمضاء وادٍ ... غذاه مضاعف الظلّ العمم

حللنا دوحه فحنا علينا ... حنّو الوالدات على اليتيم
وأرشفنا على ظمأ زلالاً ... ألذ من المدامة للنديم
تروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم
يصّد الشمس أنىّ واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنّسيم
وبلغني أن المنازي عمل هذه الأبيات ليعرضها على أبي العلاء بن سليمان إذا وصل إليه وقد عزم على قصد المعرة لزيارة أبي العلاء، فلما اجتمع بأبي العلاء وذاكره أنشده هذه الأبيات فجعل المنازل كلما أنشده المصراع الأول من كل بيت سبقه أبو العلاء إلى تمام البيت كما نظمه، ولما أنشده قوله: نزلنا دوحة فحنا علينا..
قال أبو العلاء: حنو الوالدات على الفطيم، فقال المنازي: إنما قلت: حنو الوالدات على اليتيم، فقال أبو العلاء: الفطيم أحسن.
قرأت بخط الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي على ظهر كتاب وقع إلي بحران: للمنازي الاستاذ أبي نصر أحمد بن يوسف في ولده أبي الوفاء عند وفاته بحلب وما كان له ولد غيره، وكان أحسن الناس صورة وأدباً، فلم ير أصبر منه على الرزية به:
أطاقت يد الموت انتزاعك من يدي ... ولم يطق الموت انتزاعك من صدري
لئن كنت مبثوث المحاسن في الحشا ... فإنك ممحوّ المحاسن في القبر
فلا وصل إلاّ بيني عينيّ والبكا ... ولا هجر إلاّ بين قلبي والصبر
ووقع إلى بعد ذلك بيت بعد البيت الثاني وهو:
رجوتك طفلاً فوق ما يرتجي الفتى ... كذاك هلال الشهر أرجى من البدر
ونقلت من خط الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي رحمه الله على ظهر كتاب وجدته بآمد في خزانة الكتب بجامع آمد حرسه الله، وقد دخلت إليها في يوم الخميس لثمان بقين من صفر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، كتاباً فيه قطعة من رسائل أبي الفضل ابن العميد، وعليه مكتوب بخط أبي القاسم الحسين بن علي المغربي، وقال أبو نصر المنازي أيده الله يوم انتقال عابد عند الله احتسبه وهو الاثنين الثامن من صفر سنة ثمان وأربعمائة:
يا من إذا افتدي الكرام بمنفسٍ ... فلتمض أنفسهم فداء خياله
هّزتك حادثة الزمان فلم تجد ... لين المهّزة في أرقّ نصاله
وهو الزمان إذا تغطرس صرفه ... أهدى الكسوف لشمسه وهلاله
أيسوم حلمك وهو خير حباله ... شركاً مع الهضبات في زلزاله
وقد امتراك فما سمحت بدمعةٍ ... لمفجرّ الجلمود عن سلساله
إن تصطبر فالمجد أول جازع ... أو تسل فالعلياء آخر واله
وعلى النجوم كآبةٌ من فقدها ... قمراً أضرّ بهنّ قبل كما له
جذلت به الأحساب قبل رضاعه ... ورجاه قول الفصل قبل فصاله
وتخيرّت فقر الكلام نفوسها ... رصداً لبدع مقاله وفعاله
أملٌ فجعت به وينفق حازمٌ ... أيامه سرفاً على آماله
ورزيت علق مضنةٍ لو أنه ... للّدهر ما خطر السلوّ بباله
مضت الملوك وخلفتكم في العلى ... عقباً يسوء الليث في أشباله
وإذا انتميت فكم صريحة ماجد ... تبدي بطون الأرض من أوصاله
لا تبدل الموتى شريف جواره ... بالعيش مؤتنفاً رفيف ظلاله
وقال أبو محمد الخفاجي: أنشدنا الاستاذ أبو نصر المنازي لنفسه، وقدم حلب في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة:
لقد عرض الحمام لنا بسجع ... إذا أصغى له ركب تلاحى
صحا قلب الخليّ فقال: غنيّ ... وبرّح بالشجيّ فقال: ناحا
وكم للشوق في أحشاء صّبٍ ... إذا اندملت أحدّ لها جراحا
ضعيف الصّبر فيك وإن تقاوى ... وسكران الفؤاد وإن تصاحى
كذاك بنو الهوى سكرى صحاةٌ ... كأحداق المها سكرى صحاحا
وقرأت بخط المفضل بن مواهب الفارزي الحلبي لأبي نصر أحمد بن يوسف المنازي رحمه الله - وينتمي إلى سليك - في الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي، أنشده إياها بميافارقين سنة ست وأربعمائة:

اصفح لطرف الصبّ عن نظراته ... إن كنت آخذه بما لم ياته
سقيا لوجهك فهو أول روضةٍ ... زهرت أقاحيه أمام نباته
لما خططت مثاله في ناظري ... مدّ الحجاب عليه من عبراته
حالت حماتك دون ورد غديره ... وشميم زهرته ورشف قلاته
الماء يلمع في أريض جنابه ... والنار تسفع من ضلوع رعاته
وإذا ادّعى بدر التمام بهاءه ... وأنار للسّارى قلا زعماته
ومنها في المدح:
ولئن جزت نعم الحسين محامدٌ ... فلتجزينّ الغيث عن هطلاته
أفنى وأغنى فانقلبت ولي به ... شغلان بين صفاته وصلاته
حاولت عدّ خلاله فوجدتها ... يشقى الرواة بها شقاء عداته
أبصرت سبل المجد من لحظاته ... وأفدت حسن القول من لفظاته
وأرى الفصاحة والسماحة والغنى ... ومكارم الأخلاق بعض هباته
ورث المعالي عن عليّ وابتنى ... رتبأ مشيّدةً إلى رتباته
وكذاك لابن القيل إرث علائه ... فرضاً ولابن القين إرث علاته
أخبرنا أبو القاسم عبد المحسن بن عبد الله بن أحمد بن الطوسي في كتابه غير مرة قال: أخبرنا عمي القاضي أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد إجازة قال: أخبرنا أبي أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر بقراءتي عليه: أنشدني الأخ الجليل أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الصقر السر من رأى الدوري قال: أنشدنا للمنازي.
لو قيل لي وهجير الصيف متقّدٌ ... وفي فؤادي جوىً بالحرّ يضطرم
أهم أحبّ إليك اليوم تشهدهم ... أم شربةٌ من زلال الماء قلت هم
أنشدني شهاب الدين ياقوت بن عبد الله مولى الحموي الأديب لأبي نصر المنازي:
غزالٌ قّده قدٌ عجيبٌ ... تليق به المدائح والنسيب
جهدت وما أصبت رضاه يوماً ... وقالوا: كل مجتهد مصيب
قرأت بخط نصر بن معدان بن كثير البالسي الفقيه لأبي نصر المنازي
يثنيّ عطفه هفوات دلّ ... إذا لم يثنه هفوات راح
يميل مع الوشاة وأي غصنٍ ... رطيبٍ لا يميل مع الرياح
قال لي ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي ثم البغدادي: مات المنازي في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
كتب إلي ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي أن عماد الدين محمد بن محمد بن حامد الكاتب أخبرهم عن العلم الشاتاني الحسن ابن سعيد الديار بكري قال: ومات - يعني - المنازي سنة سبع وثلاثين، وكان عظيم الشأن.
أحمد بن يوسف الثقفي: سمع بأنطاكية عبد الله بن خبيق الأنطاكي؛ روى عنه إبراهيم بن أحمد الآملى، وعبد السلام بن محمد البغدادي، وأظنه من أهل أنطاكية.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي - سماعاً أو إجازة - قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: حدثنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد قال: أخبرنا أحمد بن أبي عمران الحديثي بمكة قال: أخبرني عبد السلام بن محمد البغدادي قال: حدثنا أحمد بن يوسف قال: حدثنا عبد الله بن خبيق قال: سمعت شعيب بن حرب يقول: ذكر عن إبراهيم بن أدهم قال: لا تجعل فيما بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد النعمة عليك من غير الله مغرماً.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد - إذناً - قال: أخبرنا علي بن أبي محمد الدمشقي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد البروجردي قال: أخبرنا أبو سعد علي بن عبد الله الحيري قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن باكويه قال: أخبرنا عبد العزيز بن الفضل قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد الآملي قال: حدثنا أحمد بن يوسف الثقفي قال: حدثنا عبد الله بن خبيق الأنطاكي قال: حدثني موسى بن طريف قال: ركب إبراهيم بن أدهم البحر فأخذتهم ريح عاصف وأشرفوا على الهلكة فلف ابراهيم رأسه في عباءة ونام، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدة؟ فقال: ليس ذا شدة، قالوا: ما الشدة؟ قال: الحاجة إلى الناس، ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك، فصار البحر كأنه قدح زيت.
أحمد بن يوسف:

رجل كان بأنطاكية، وحكى عن بعض العباد كلاماً تكلم به، إن لم يكن الثقفي الذي قدمنا ذكره فهو غيره.
وقع إلي مجموع بخط بعض الفضلاء يقال له أبو علي المحسن بن مهبروذ فنقلت منه، قال أحمد بن يوسف: لقيت بعض العباد بأنطاكية فسألته عن مسائل فأجابني ثم قال لي: يا أحمد لقد سمعت من راهب حكمة لم أسمع مثلها، قال: قلت: فتخبرني، قال: قلت له: يا راهب ما معبودك؟ قال: الله الذي خلقني وخلقك، قال: قلت: فأين الله من قلوب العارفين؟ قال: قلوب العارفين لا تحول عن الله طرفة عين، قال: قلت: يا راهب ألكم عيد؟ قال: نعم، قلت: فأي يوم هو؟ قال: يوم نصبح ونمسي لا يكتب علينا فيه خطيئة، قال: قلت: لم جلستم في الصوامع؟ قال: نفرة الأكياس من فخ الدنيا، لأن الدنيا شوكة أخشى أن أطأ عليها فتدخل في قدمي، قلت: لم لبستم المسوح والسواد؟ قال: لأن الدنيا مأتم، قال: قلت: أستغفر الله، قال: فنظر إلي، وقال: يا فتى أستغفر الله توبة الكاذبين، فكم مستغفر بلسانه معاد لله بقلبه يقاد غدا إلى عذاب السعير، قال قلت له: يا تيني بقيت واحدة قال: سل، قال: قلت: من أين المطعم والمشرب؟ قال: فنظر إلي نظرة احمرت حماليق عينيه ثم قال: ويحك لم تنتفع بالموعظة بعد.
أحمد بن يوسف أبو العباس التيفاشي القاضي: تيفاش قرية من قرى قفصة إحدى بلاد إفريقية، وكان أبو العباس قاضي قفصة، وكان شيخاً حسناً فاضلاً، عارفا بالأدب وعلوم الأوائل، وله شعر حسن، ونثر جيد، ومصنفات حسنة في عدة فنون كثيرة الفائدة.
اجتمعت به بالقاهرة، وقد توجهت إليها رسولاً، فوجدته شيخاً كيساً، ظريفاً، حريصاً على الاستفادة لما يورده في تصانيفه ويودعه مجاميعه وأوقفني علي شيء من تصانيفه الحسان، وأهدى إلي بخطة منها كتاباً وسمه بالدرة الفائقة في محاسن الأفارقه، وأنشدني مقاطيع من شعره.
وذكر لي أنه ولد بقفصة من بلاد إفريقية، وأنه خرج وهو صبي، واشتغل بالديار المصرية على شيخنا أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، ورحل إلى دمشق وقرأ بها على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأحب المقام بها ثم إن نفسه اشتاقت إلى الوطن، فعاد إلى قفصة، ثم إنه حن إلى المشرق وطالبته نفسه بالمقام بدمشق، فباع أملاكه وما يثقل عليه حمله، وأخذ معه أولاده وزوجه وماله، وركب البحر في مركب اتخذه لنفسه، فغرق أهله وأولاده، وخلص بحشاشة نفسه، وخلص عرب برقة بعض متاعه، فخرج معهم متفكراً خوفاً منهم أن يهلكوه بسبب أخذ متاعه، وسبقهم إلى الاسكندرية، وتوصل بعمل مقامة يذكر فيها ما جرى له في طريقه، وعرف الملك الكامل أبو المعالي محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ملك الديار المصرية بذلك فكتب له إلى الاسكندرية بتخليص ماله، فخلص له منه جملة، ثم إنه لما رحل الملك الكامل إلى آمد وافتتحها، توجه إلى دمشق، ومنها إلى حلب، ومنها إلى آمد، فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية، فعاد معه إليها، وسكن بها.
وذكر لي أن مولده بقفصة في سنة ثمانين وخمسمائة، وأن ولايته القضاء كانت بعد رجوعه من المشرق إليها، وحكى لي غيره أن سبب عزله عن القضاء أنه وجد في داره خمر، فعزل بسبب ذلك.
وسمعت صاحبنا نور الدين أبا الحسن علي بن موسى بن محمد بن سعيد يحكى أن أبا العباس التيفاشي لما حصل مع عرب برقة وخاف منهم، كتم نفسه، وسألوه من هو، ومن أين هو، وما صنعته؟ فقال لهم: أنا قواد، فقالوا: الله الأحد، وأنفوا منه، وكان ذلك سبب خلاصه منهم.
أنشدني شرف الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي بالقاهرة في أبي الحسن علي بن موسى بن سعيد الغرناطي، يشير إلى كتاب أبي الحسن الذي جمعه في محاسن المغرب وسماه المغرب:
سعد الغرب وازدهى الشرق عجباً ... وابتهاجاً بمغرب ابن سعيد
طلعت شمسه من الغرب تحلا ... فأقامت قيامة التفنيد
لم يدع للمؤرخين مقالاً ... ولا ولا للرواة بيت نشيد
إن تلاه على الحمام تغّنت ... ما على ذا في حسنه من مزيد
وأنشدني أبو العباس التيفاشي لنفسه فيه:
يا طيب الأصل والفرع الزكي كما ... يبدو وجنا ثمر من أطيب الشجر
ومن خلائقه مثل النسيم إذا ... يهفو على الزهر حول النهر في السحر

ومن محياه والله الشهيد إذا ... يبدو إلى بصري أبهى من القمر
أثقلت ظهري ببرٍ لا أقوم به ... لو كنت أتلوه قرآنا مع السور
أهديت لي الغرب مجموعاً بعالمه ... في قاب قوسين بين السمع والبصر
كأنني الآن قد شاهدت أجمعه ... بكل من فيه من بدوٍ ومن حضر
نعم ولاقيت أهل الفضل كلهم ... في مّدتي هذه والأعصر الأخر
إن كنت لم أرهم في الصدر من عمري ... فقد رددت عليّ الصدر من عمري
وكنت لي واحداً فيه جميعهم ... ما يعجز اللهّ جمع الخلق في بشر
جزيت أفضل ما يجزى به بشرٌ ... مفيد عمر جديد الفضل مبتكر
بلغني أن أبا العباس التيفاشي نزل الماء إلى عينيه فعمي، فقدحهما وأبصر، وكتب وعوفي من ذلك، ثم شرب مسهلاً وأعقبه بآخر فمات لذلك، يوم السبت ثالث عشر محرم سنة احدى وخمسين وستمائة بالقاهرة.
ذكر من يعرف أبوه بالكنية من الأحمدين أحمد بن أبي المعالي بن أحمد البكراني: أبو الفضل، شيخ كتب عنه الحافظ أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن صصرى الدمشقي، وخرج عنه انشاداً في معجم شيوخه.
أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن صصرى التغلبي قال: أنشدنا أخي أبو المواهب الحسن، قال أحمد بن أبي المعالي بن أحمد البكراني: أنشدنا الأجل أبو الفضل الفقيه بحلب في ظاهرها حين عزمت على العود إلى دمشق، حالة التوديع لبعضهم:
إذا ما وصلتم سالمين فبلغوا ... تحية من قد ظن أن لا يرى نجدا
وإن سألوكم كيف حالي بعدهم ... فقولوا لهم: والله ما نقض العهدا
هم جعلوا ديني لهم نسية ... ودينهم عندي أعجله نقدا
أحمد بن أبي السري الغزاء: ويعرف بذلك لغزوه إلى بلاد الروم، سمع بالمصيصة يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي، روى عنه أبو حامد الأشعري.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي - إذناً - قال: أخبرنا أبو الحسن مسعود بن أبي منصور الجمال قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد ابن الحسن الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن الفضل قال: حدثنا أبو حامد الأشعري قال: حدثنا أحمد بن أبي السري الغزاء قال: حدثنا يوسف بن سعيد بالمصيصة قال: حدثنا يحيى بن عنبسة قال: حدثنا حميد قال: حدثنا أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن الشعر مال، وحسن الوجه مال، وحسن اللسان مال.
أحمد بن أبي الكرم بن هبة الله الفقيه: أبو... الحنفي، كان فقيها حسنا، دينا ورعا، كثيرة التلاوة للقرآن، ولي التدريس بالموصل في المدرسة... ومشيخة الرباط... وروى الحديث.
وقدم حلب مراراً رسولاً من بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، واجتمعت به بدمشق، وقد وردها رسولاً إلى الملك الناصر في سنة ثمان وأربعين وستمائة، وببغداد في هذه السنة، وقد وصلها رسولاً، ولم يتفق لي سماع شيء منه.
وتوفي بالموصل في شوال سنة خمسين وستمائة، وبلغتني وفاته وأنا ببغداد في هذا التاريخ.
بسم الله الرحمن الحريم
وبه توفيقي أحمد بن أبي الوفاء بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد البغدادي: المعروف بابن الصائغ الحنبلي، فقيه الحنابلة وإمامهم، قدم حلب، وفوض إليه التدريس بالزاوية الموقوفة على الحنابلة بالمسجد الجامع بحلب، التي وفقها نور الدين محمود بن زنكي، فأقام بها مدة، وحدث بها، ثم انتقل إلى حران ودرس بالمدرسة النورية بها، واشتهر اسمه، وقصده الناس للاشتغال عليه.
وكان قد سمع أبا الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، وأبا القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزاز، وأبا الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الهروي، وأبا محمد القاسم بن علي الحريري، وغيرهم.
سمع منه جماعة من الشيوخ الحفاظ مثل: الحافظين أبي يعقوب يوسف بن أحمد البغدادي، والقاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي، وأبي المواهب الحسن بن هبة الله بن صصرى التغلبي الدمشقيين، وخرجا عنه في معجم شيوخهما وأبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الصمد الطرسوسي الحلبي، وغيرهم.

روى لنا عنه الشيخ الامام أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي وأبو العز يوسف بن عبيد بن سوار السلمي البلوي.
وأخبرني أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن شحانة أن مولد أحمد بن أبي الوفاء بن عبد الرحمن المعروف بابن الصائغ في سنة تسعين وأربعمائة ببغداد.
أخبرنا الشيخ الصالح العابد أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي بحلب - قراءة عليه - قال: أخبرنا أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن عبد الرحمن البغدادي، إمام الحنابلة - بحلب - قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد ابن بيان الرزاز قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد قال: أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار قال: حدثنا الحسن بن عرفة أبو علي العبدي قال: حدثنا أبو معاوية محمد بن حازم الضرير عن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: إئتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه بعدي، قالت: فلما قام عبد الرحمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر الصديق.
أخبرنا أبو العز يوسف بن سوار بن عبيد السلمي بحلب قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن عبد الرحمن بن الصائغ بحران قال: أخبرنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني قال: أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن حيويه الخزاز قال: قرئ على أبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان بن بسام قال: حدثنا أبو العباس المروزي قال: حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال: حدثنا ابن الصلت عن الحكم بن هشام عن عبد الملك ابن عمير عن طلحة بن عبيد الله أنه قال: مجلس الرجل ببابه مروءة.
أهدى إلي الخطيب سيف الدين أبو محمد عبد الغني بن محمد الحراني، المعروف بابن تيمية، جزءاً بخطه فيه تاريخ لأبي المحاسن بن سلامة بن خليفة الحراني جعله تكملة لتاريخ حران الذي ألفه حماد الحراني، وذكر لي أنه نقله من خط أبي المحاسن المذكور، فقرأت فيه: حدثني الشيخ أبو الحسن علي بن عمر السعردي رحمه الله قال: انقطع الشيخ أبو الفتح البغدادي عن المدرسة بحران شهراً بسبب مرض أصابه، فحمل إليه قيم المدرسة واجب الشهر، فقال له الشيخ: يا بني ما ألقيت في هذا الشهر درساً، ولا لي فيه واجب، ردها لي الخزانة، فردها ولم يأخذها.
قال أبو المحاسن: وكان - يعني الفقيه أبا الفتح - يدخل على أبي يزوره، وكان أبي يزوره، وكان أبي فقيراً، وكان الفقيه يريد بذلك وجه الله، وابتغاء مرضاته، تبركاً بالفقراء وتواضعاً لهم، وحسن ظن فيهم مع جلالة قدره وعلمه، وكان كلما دخل على أبي ينشده:
يا بومة القبة الخضراء قد أنست ... روحي بروحك إذ يستبشع البوم
زهدت في زخرف الدنيا فأسكنك ... الزهد الخراب فمن يذممك مذموم
قال أبو المحاسن: وحدثني عنه رجل من فقهاء بغداد قال: سافر الشيخ أبو الفتح في طلب العلم إلى خراسان سفرة طويلة، ثم رجع إلى بغداد وليس معه غير كتبه وثيابه، فوضعها في بيت من الخان، ثم دخل إلى شارعهم فدخل الدرب الذي كان أهله فيه، فجلس في مسجد وسأل عن أهله، فأخبروه أنه لم يبق منهم في ذلك الدرب أحد، فجال مع الفقيه الذي هو قاضي الشارع فتكلما في مسألة، واختلفا فيها، فلما رأى خصمه على نفسه الغلبة، وقهره الشيخ أبو الفتح بالحجة قال: والله لو أنك أبو الفتح ابن الصائغ ما سلمت اليك، فقال: يا أخي أنا أبو الفتح ابن الصائغ فقام إليه واحترمه.
توفي أبو الفتح ابن أبي الوفاء إمام الحنابلة بحران في سنة خمس وسبعين وخمسمائة، نقلت ذلك من خط الخطيب عبد الغني بن تيميه، وذكر لي أنه نقله من خط أبي المحاسن بن سلامة بن غرير الحراني.
أحمد بن أبي يحيى، أبو بكر الفقيه: حدث بأنطاكية عن أبي الأخيل خالد بن عمر السلفي روى عنه إسماعيل بن يحيى الحراني.

أنبأنا أبو محمد عبد البر بن أبي العلاء الهمذاني قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي قال: أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي قال: أخبرنا أبو عبد الله بن عدي قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى الحراني بمصر قال: حدثنا أحمد بن أبي يحيى أبو بكر الفقيه بأنطاكية قال: حدثنا أبو الأخيل خالد بن عمر الحمصي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: مداراتك الناس صدقة.
ذكر من لم ينته الينا اسم أبيه من الأحمدين أحمد العجيفي: قائد مشهور مذكور، وأظنه منسوباً إلى عجيف بن عنبسة القائد، وسنذكره في حرف العين إن شاء الله تعالى.
وهذا أحمد له غزوات مذكورة، وآثار في قتال الروم مأثورة، دخل سنة ثمان وسبعين ومائتين طرسوس، فغزا مع يا زمار الصائفة، فبلغ سمندو، ومات يا زمار في هذه الغزاة، وتولى أحمد العجيفي طرسوس، وغزا غزوات كان له بها الأثر الجميل، والذكر الحسن.
أحمد المولد: قائد معروف، له ذكر، من قواد بني العباس، ورد حلب في فتنة المستعين من قبل المعتز بالله بن المتوكل، فعصا أهلها عليه، فحصرها.
وقرأت بخط القاضي أبي طاهر صالح بن جعفر الهاشمي الحلبي، في نسب بني صالح بن علي: وقدم في فتنة المستعين أحمد المولد محاصراً لأهل حلب، فلم يجيبوه إلى ما أراد، وكان السفير بينه وبينهم الحسين بن محمد بن صالح بن عبد الله بن صالح، أبا عبد الله، فلما بايعوا بعد ذلك للمعتز، وانقضى أمر المستعين، ولاه أحمد الملود جند قنسرين.
وذكر أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق، سنة تسع وخمسين ومائتين فيها عقد لأحمد المولد على ديار ربيعة من قبل موسى بن بغا في المحرم نقلت من كتاب الأحداث تأليف أبي جعفر محمد بن الأزهر لأبي نصر الطائي، في سنة خمسين، قال: وكان أحمد الملود وجه من سر من رأى في جماعة من الأتراك لمعاونة أيوب بن أحمد عند محاربته محمد بن خالد بالسكير، وأتبع بسيما أخي مفلح، وكان مقداماً سفاكاً للدماء، فملئا أيديهما من أموال محمد بن خالد وغيره من أموال بني المعمر، ثم كتب إليهما فلحقا صفوان، فأقام سيما معه، ومضى أحمد المولد إلى قنسرين وحمص.
وقتل أحمد الملود في طريقه خلقاً كثيراً، ثم وافى حمص، وبايع مؤمل وغطيف المعتز، فأقام أياماً بحمص، ثم اغتال غطيفاً فضرب عنقه صبراً، ووجه برأسه إلى سر من رأى، وورد الخبر على المعتز بفتوح أحمد المولد، وتوجه في طريقه إلى الشام ومعه صفوان بن إسحق إلى باجدا فأقام عليهم وحاصرهم حتى دخلوا في طاعة المعتز وبايعوا، وتوجه إلى حران فأقام عليها ثلاثا وناوشوه شيئاً من القتال ثم فتحت، فبايعوا المعتز ووجه صفوان بن إسحق بن العوفية إلى بالس ففتحها، وبايع أهلها للمعتز، وتتبع كور قنسرين كورة كورة يفتحها ويبايع أهلها للمعتز خلا حلب ومنبج وأنطاكية فانهم أقاموا على طاعة المستعين مع محمد بن هارون بن العوفية، فقتل منهم ابن العوفيه مقتلة عظيمة ثم دخل أحمد المولد البلد فبايعه أهلها.
أحمد الشيخ أبو العباس خطيب تل اعرن: ويقال فيها تل عرن.
وجدت ذكره في كتاب الاستسعاد بمن لقت من صالحي العباد في البلاد جمع شيخنا ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد الحنبلي، ونقلته من خطه، فقال في ذكره: فممن لقيته بحلب الشيخ أبو العباس أحمد ابن.. خطيب تل أعرن، وتل أعران قرية من قرى حلب قريبة من حلب، فيها أشجار وفواكه، وكان هذا الشيخ أحمد رجلا صالحاً، حافظاً لكتاب الله ينظر في كتب الحديث، وتفسير القرآن.
وكان من أصحاب الشيخ أبي المعالي بن الحداد، ويصلي به إماماً، وبقي إلى أن قدمت إلى حلب سنة ثلاث وستمائة، وكنت رأيته قبل ذلك بدمشق يلازم المدرسة الشرقية الحنبلية وأصله من العراق.
آخر ذكر من اسمه أحمد أحمد شاه التركي: مقدم الأتراك بحلب، وقيل انه شيباني، كان يسكن مع الأتراك بالحاضر السليماني، وكان مطاعا مذكورا شجاعا، له مواقف حسنة مع الفرنج.

وهو الذي استعاد منبج من أيدي الروم في سنة ثمان وستين، بعد أن كان ميخائيل ابن أخت أرمانوس الرومي، استولى عليها في ثامن محرم سنة ستين وأربعمائة، ففتحها أحمد شاه، وصاحب حلب اذ ذاك نصر بن محمود، في يوم الاحد لعشر خلون من صفر سنة ثمان وستين وأربعمائة.
ولما أفضى الامر بحلب إلى نصر بن محمود بن نصر بن صالح قبض على أحمد شاه واعتقله بقلعة حلب في عيد الفطر من سنة ثمان وستين وأربعمائة، وشرب نصر إلى العصر، وحمله السكر على الخروج إلى الأتراك إلى الحاضر بظاهر حلب، فحمل عليهم، فرماه تركي بسهم فقتله، وزحف الاتراك إلى البلد يطلبون أحمد شاه، وكان والي القلعة ورد، وعنده الامير أبو الحسن بن منقذو جماعة من الخواص، فلما أحسوا بذلك استدعوا بسابق بن محمود من البلد إلى القلعة، ونادوا بشعاره، وأشاروا عليه باطلاق أحمد شاه، فأطلقه في الحال وخلع عليه، ونزل أحمد شاه إلى العسكر بالحاضر، فسكن النائرة وأخمد الفتنة، فكان سابق بن محمود بعد ذلك يعين الاتراك ويقربهم ويحسن اليهم، ويقدمهم على أهله بني كلاب وينصرهم عليهم.
قرأت بخط أبي غالب عبد الواحد بن مسعود بن الحصين: استولى على البلد - يعني حلب - أحمد شاه التركي، وفي كفالته سابق بن محمود بن نصر.
وقرأت بخط منصور بن تميم بن الزنكل السرميني أنه لما ملك سابق اجتمعت بنو كلاب إلى أخيه وثاب، وعولوا على معونته عليه وأخذ حلب له من أخيه سابق، فلما تحقق سابق ذلك استدعى أحمد شاه أمير الأتراك - وكانوا ألف فارس - وشاوره، فأنفذ أحمد شاه إلى رجل من الأتراك يعرف بمحمد بن دملاج، وكان نازلاً في طريق بلد الروم في خمسمائة فارس، وضمن له مالاً كثيراً، فوصله محمد ابن دملاج في يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة من سنة ثمان وستين، وتحالفوا وخرجوا إلى بني كلاب المجتمعين مع وثاب في غداة يوم الخميس مستهل ذي الحجة من سنة ثمان وستين وأربعمائة، وكان بنو كلاب في جمع عظيم ما اجتمعوا قط في مثله، يقال إنهم كانوا يقاربون سبعين ألف فارس وراجل، فعند معاينتهم الأتراك انهزموا من غير قتال، وخلفوا حللهم وكلما كانوا يملكونه، وأهاليهم وأولادهم.
فغنم أحمد شاه وأصحابه ومحمد بن دملاج وأصحابه كلما كان لبني كلاب، فيقال إنهم أخذوا لهم مائة ألف جمل، وأربعمائة ألف شاة، وسبوا من حرمهم الحرائر جماعة كثيرة، ومن امائهم أكثر، وكلما كان في بيوتهم، وعفوا عن قتل عبيدهم المقاتلة، وكانوا يزيدون عن عشرة آلاف عبد مقاتل، ولم يقتلوا أحداً منهم وكان الذي غنمه الغز من العرب في ذلك اليوم ما لا يحصى كثرة.
وبعد انهزام العرب بثلاثة عشر يوما دعا محمد بن دملاج التركي أحمد شاه، فخرج إليه وكان نازلاً شمالي حلب، فلما أكلوا وشربوا قبض محمد بن دملاج على أحمد شاه وأسره، وكان في نفر قليل، فأقام في أسره تسعة أيام، ثم ان سابق ابن محمود اشترى أحمد شاه من محمد بن دملاج بعشرة آلاف دينار، وعشرين فرسا، يوم السبت.
ووجدت بعض التواريخ يقول جامعة فيه، سنة سبعين وأربعمائة، فيها: حصر تاج الدولة تتش حلب، ورحل عنها، وعاد إليها، وخرج منها أحمد شاه وكبس العسكر، وعاد.
ثم قال: سنة احدى وسبعين وأربعمائة، قتل أحمد شاه.
وذكر أبو يعلى حمزة بن أسد بن القلانسي قال في حوادث سنة احدى وسبعين وأربعمائة: وفي هذه السنة قتل أحمد شاه مقدم الأتراك في الشام.
أحمديل بن إبراهيم، صاحب مراغة: قيل كان اقطاعه في كل سنة أربعمائة ألف دينار، وجنده خمسة آلاف فارس.
سيره السلطان محمد بن ملكشاه إلى الشام مع سكمان القطبي، ومودود بن التورتكين صاحب الموصل، ومودود مقدم العساكر، في سنة خمس وخمسمائة، في عسكر عظيم لقتال الفرنج، واجتازوا على بالس، ومضوا بالعساكر، وافتتحوا حصونا كثيرة، وقصدوا حلب فغلقت أبواب المدينة في وجوههم.
ومرض سكمان بن التورتكين، وعاد فمات ببالس، ثم تفرقوا بعد ذلك، وعاد أحمديل إلى بغداد.
وفي المحرم من سنة عشر وخمسمائة كان أحمديل في مجلس السلطان محمد، فجاءه رجل ومعه قصة يشكو فيها الظلم وهو ينتحب، وسأله أن يوصل قصته إلى السلطان، فتناولها منه فضربه بسكين كانت معدةً، فوثب عليه الأمير مودود فتركه تحته، فجاء آخر فضرب مودوداً، وجاء ثالث فتممه.

وهذا ممدود ليس بابن التورتكين، لأن ذلك قتل بدمشق في سنة ست وخمسمائة، على ما نذكره في ترجمته ان شاء الله تعالى.
الاحنف بن قيس السعدي التميمي: أبو بحر البصري، اشتهر بذلك لأنه كان أحنف الرجل، واختلف في اسمه فقيل صخر، وقيل الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة بن النزال ابن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم أبو بحر بن أبي مالك وأمه من باهله واسمها حبى بنت قرط بن ثعلبة ابن قرواش من بني زافر بن أود بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان وقال ابن قتيبة: هي حبى بنت عمرو بن ثعلبة من أود من باهلة.
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم على عهده ولم يره، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذر الغفاري، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم، وشهد صفين مع علي عليه السلام.
روى عنه حميد بن هلال، والحسن البصري، وعبد الله بن عميرة، وكهمس ابن الحسن، وسعد بن وابصة، وأبو تميمة السلمي، ومالك بن دينار، ومحمد بن سيرين، وطلق بن حبيب.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر المؤدب البغدادي قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا أبو الوليد محمد بن برد الأنطاكي قال: حدثنا موسى بن داود قال: حدثني قيس بن الربيع.
قال: وحدثنا الشافعي قال: وحدثني محمد بن بشر بن مطر قال: حدثنا محمد ابن العلاء وكريب قال: حدثنا الحسن بن عطية قال: حدثنا قيس بن الربيع عن يونس بن عبيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فالتفت اليها فقال: إن الله قد برأ هذه الجزيرة من الشرك، ولكن أخاف أن تضلهم النجوم قال: ينزل الله عز وجل الغيث فيقولون مطرنا بنوء كذا وكذا.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن موهوب بن جامع البغدادي المعروف بابن البناء بدمشق، وأبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي بحلب قالا: حدثنا أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد السلامي من لفظه قال: أخبرنا الشيوخ الثقات: أبو الفضل بن خيرون، وأبو الحسين بن الطيوري، وأبو الغنائم بن النرسي الكوفي - قراءة عليهم مفردين - قالوا: أخبرنا أبو أحمد الغندجاني.
وزاد ابن خيرون قال: وأخبرنا أبو الحسين بن أبي علي الأصبهاني قال: أخبرنا أحمد بن عبدان الحافظ قال: حدثنا محمد بن سهل البصري المقرئ قال: حدثنا أبو عبد الله البخاري قال: قال لنا حجاج: حدثنا حماد عن علي بن زيد عن الحسن البصري أنه قال له الأحنف: بينا أنا أطوف بالبيت زمن عثمان رضي الله عنه أخذ بيدي رجل من بني ليث فقال: ألا أبشرك؟ قلت: نعم، قال: أما تذكر اذ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعد فجعلت أعرض عليهم الاسلام وقلت: انه يدعو إلى خير، ويأمر بالخير، فبلغت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم أغفر للأحنف؟ فقال: قال الأحنف: ما عمل أرجى إلي منه.
أخبرنا محمد بن ابراهيم بن مسلم الإربلي قال: أخبرنا أبو العز محمد بن محمد الخراساني قال: أخبرنا أبو العز بن المختار قال: أخبرنا أبو علي بن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثني عبد الله بن عمر قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأحنف فذكره بخير.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الواحد أبو عبيدة الحداد قال: حدثنا عبد الملك بن معن عن جبر بن حبيب أن الأحنف بلغه رجلان أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فسجد.

أخبرنا أبو البركات داود بن ملاعب البغدادي قال: أخبرنا القاضي أبو الفضل الأرموي قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضوان الله فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف اني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وانما كنا نتحدث انما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم الإربلي قال: أخبرنا أبو العز محمد بن محمد بن الخراساني قال: أخبرنا أبو العز محمد بن المختار قال: أخبرنا أبو علي بن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثني أبو عامر العدوي قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاحتبسني عنده حولاً، ثم قال: يا أحنف اني قد بلوتك وخبرتك فوجدتك علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث أن مما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم، ثم كتب إلى أبي موسى الأشعري أن أدن الأحنف منك واسمع منه وشاوره.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا عبد الله بن بكر المزني عن مروان الاصغر قال: كان الأحنف بن قيس يقول: اللهم ان تعذبني فأنا أهل ذاك، وان تغفر لي فأنت أهل ذاك.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قال: حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري الخراساني من كتابه - قال أبي: وكان ثقة وزيادة، وأثنى عليه أبي خيراً - قال: حدثنا حماد بن زيد عن زريق بن رديح عن سلمة بن منصور قال: اشترى أبي غلاما كان للأحنف فأعتقه، فأدركته شيخا كبيرا يحدثنا أن عامة صلاة الأحنف بالليل كان الدعاء، وكان المصباح قريباً منه فيضع اصبعه عليه فيقول حس يا أحنف ما حملك على ما صنعت يوم كذا وكذا، يعني كذا وكذا.
أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بن بنين قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي قال: أخبرنا أبو الحسن الفراء في كتابه عن أبي إسحق الحبال، وخديجة المرابطة - قال الحبال: أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار ابن أحمد قال: أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسين بن بندار، وقالت خديجة: أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أحمد بن علي قال: حدثني جدي علي بن الحسين بن بندار - قالا: حدثنا محمود بن بن محمد الأديب قال: حدثنا عبد الله بن الهيثم قال: حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا صالح المري عن علي بن زفر السعدي قال: مرت بالأحنف جنازة فقال: رحم الله عبدا أجهد نفسه لمثل هذا.
وكان يطيل الصوم في الحر الشديد ويقول: أعده لطول عطش القيامة، وكان يصلي من الليل ثم يقدم اصبعه من السراج، فاذا وجد حره قال أوه يا أحنف أوه ما تذكر يوم كذا وكذا، ما تذكر ليلة كذا.
أخبرنا أبو عبد الله بن ابراهيم بن مسلم الإربلي قال: أخبرنا أبو العز محمد بن محمد الخراساني قال: أخبرنا أبو العز محمد بن المختار قال: أخبرنا أبو علي بن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي قال: حدثنا عبد الله ابن أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن عبد الملك قال: حدثنا عارم أبو النعمان قال: حدثنا سعيد بن زيد قال: سمعت أبي يقول: قيل للأحنف بن قيس: انك شيخ كبير وان الصيام يضعفك، قال: أعده لشر طويل.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبي قال: حدثنا إسماعيل قال: أخبرنا يونس قال: أخبرني مولى للأحنف بن قيس قال: كان الأحنف قل ما خلا إلا دعا بالمصحف.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني عبد الله بن عمر مسكدانه قال: حدثني حسين الجعفي عن زائدة عن هشام عن الحسن قال. كن النمل قد آذين الأحنف، فأمر بكرسي فوضع على حجرهن ثم حمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال: إنكن قد آذيتمونا فاكففن والا آذيناكن، قال: فكففن وذهبن.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا الخطيب أبو بكر محمد بن نصر بن منصور بن علي العامري بسمرقند قال: حدثنا أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد الحسيني البغدادي - املاء بسمرقند - قال: أخبرنا عبد الغفار بن محمد المؤدب في كتابه قال: أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ قال: حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبو عبد الله الكواز قال: حدثتني مولاة الأحنف بن قيسي أنها رأت الأحنف ورآها تقتل نملة فقال: لا تقتليها، ثم دعا بكساء فجلس عليه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اين أحرج عليكن لما خرجتن من داري فاني أكره أن تقتلن في داري، قالت: فخرجن فلم يبق شيء منهن بعد ذلك اليوم ولا واحدة.
قال عبد الله: ورأيت أبي يفعل مثل ذلك، فرأيت النمل قد خرجن بعد ذلك نمل كبار سود، ولم أرهم بعد ذلك.
أخبرنا أبو عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو العز بن الخراساني قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا القطيعي قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال: حدثنا عبد الملك بن المتعال بن طالب قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن سعد بن مسعود قال: قيل للأحنف ابن قيس، وكان سيد قومه، ألا يضرب عليك سرادق؟ قال: ما سمعت بالسرادق إلا في النار، والله لا يضرب على سرادق أبدا، قال: فما كان بيته الا خص من قصب، حتى لقي الله عز وجل.
وقال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبو عمرو الأزدي نصر بن علي قال: حدثنا نوح بن قيس قال: حدثنا عون العقيلي أن رجلاً قال للأحنف: ما يمنعك أن تتخذ سرادقاً؟ قال: لأني سمعت ربي يقول: ناراً أحاط بهم سرادقها.
وقال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن رحمه الله قال: قدم الأحنف بن قيس من سفر وقد غيروا سقف بيته أو قد حمروا السفاسق وخضروها، فقالوا له: ما ترى إلى سقف بيتك؟ قال: معذرة اليكم اني لم أره، لا أدخله حتى تغيروه.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد ابن الفضل بن محمد العراقي، وأبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي، والشيخ أبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي قالوا: أخبرنا أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمد الشقاني - قال أبو بكر: قراءة عليه، وقالا: إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه قال: أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي قال: حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي قال: حدثنا الرياشي العباس بن الفضل قال: حدثنا الأصمعي عن نافع بن أبي نعيم قال: قيل للأحنف بن قيس: من أين أتيت ما أتيت في الحلم والوقار؟ فقال: لكلمات سمعتهن من عمر بن الخطاب، سمعت عمراً يقول: يا أحنف من فرح استخف به، ومن ضحك قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري قال: أخبرنا أبو الحسين ابن الطيوري قال: أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي قال: حدثنا سهل قال: حدثنا الصولي قال: حدثنا أبو عمر سعيد بن عمرو بن محمد بن عبد الله اليمني قال: قال رجل لأبي بحر الأحنف بن قيس: يا أبا بحر إني أتيتك في حاجة لا تنكئك ولا ترزؤك، إذاً لا تقضى، أمثلي يؤتي في حاجة لا تنكأه ولا ترزؤه؟!.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن مسلم قال: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرنا أبو العز بن المختار قال: أخبرنا أبو علي بن المذهب قال: أخبرنا القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا عرعرة بن البرند قال: حدثنا ابن عون عن الحسن قال: قال لأحنف بن قيس: إني لست بحليم ولكني أتحالم.
قال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبو موسى العنزي قال: حدثنا عرعرة بن البرند الشامي فذكره.

وقال: حدثنا عبد الله قال: قرأت على أبي إبراهيم بن إسحق الطالقاني قال: حدثنا الحارث بن عمير عن رجل من أهل البصرة قال: قيل للأحنف: مالك لا تمس الحصا؟ فقال: ما في مسه أجر ولا في تركه وزر مع أني في خلتين: لا أغتاب جليسي إذا قام من عندي، ولا أدخل في أمر قوم لم يدخلوني معهم.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي - بقراءتي عليه بنابلس - قال: أخبرنا تجني بنت عبد الله الوهبانية، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين ابن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن الحسن بن المنذر قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثني أبي قال: أخبرنا الأصمعي عن معتمر بن سليمان عن حزم القطعي عن سليمان التيمي قال: قال الأحنف بن قيس ما ذكرت أحداً بسوء بعد أن يقوم من عندي.
وقال: حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا الأصمعي عن أبيه قال: كان الأحنف بن قيس إذا ذكر عنده رجل قال: دعوه يأكل رزقه، ويأتي عليه أجله.
وقال عن غير أبيه: إن الأحنف قال: دعوه يأكل رزقه ويكفى قرنه.
وقال: حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا قال: حدثنا أحمد بن جميل المروزي قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا سفيان عن أبي حيان عن أبي الزنباع عن أبي الدهقان قال: صحب الأحنف بن قيس رجل فقال: ألا تميل فنحملك وتفعل، قال: لعلك من العراضين؟ قال: وما العراضون؟ قال الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، قال: يا أبا بحر ما عرضت عليك حبي، قال يا بن أخي إذا عرض لك الحق فاقصد له، واله عما سوى ذلك.
أخبرنا قنور بن ابراهيم قال: أخبرنا محمد بن الخراساني قال: أخبرنا ابن المختار قال: أخبرنا أبو علي: أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان عن أبي الزنباع قال: كان شاب يمشي مع الأحنف بن قيس فمر بمنزله فعرض عليه الشاب فقال: يا بن أخي لعلك من العارضين، قال: يا أبا بحر وما العارضون؟ قال: الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، يا بن أخي إذا عرض لك الحق فاقصد واله عما سوى ذلك.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي قال: أخبرتنا تجني الوهبانية قالت: أخبرنا أبو عبد الله النعالي قال: أخبرنا أبو القاسم بن المنذر قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثني محمد بن الحسين عن عبيد الله بن محمد التيمي قال: قيل للأحنف بن قيس يوم قطري: تكلم قال: أخاف ورطة لساني.
وقال: حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا قال: حدثني داود بن عمرو الضبي قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا ابن عون عن الحسن قال: كانوا يتكلمون عند معاوية والأحنف ساكت، فقالوا: مالك لا تكلم يا أبا بحر؟ قال: أخشى الله إن كذبت، وأخشاكم إن صدقت.
أخبرنا أبو عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرنا ابن الخراساني قال: أخبرنا ابن المختار قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني عبيد الله بن عمر قال: حدثنا سليم بن أخضر قال: حدثنا ابن عون قال: أنبأني الحسن قال: تكلموا عند معاوية والأحنف ساكت، فقال له معاوية: مالك لا تكلم؟ قال: أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت.
وقال: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: وحدثني موسى قال: حدثني ابن أبي عدي عن ابن عون عن الحسن قال: تكلموا عند معاوية والأحنف ساكت، فقال: مالك يا أبا بحر لا تكلم؟ قال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت.
أخبرنا أبو محمد المقدسي قال أخبرنا تجني الوهبانية قالت: أخبرنا أبو عبد الله قال: أخبرنا أبو القاسم قال: أخبرنا أبو علي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا داود بن عمرو الضبي قال: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي عتبة قال: حدثنا سلامة بن منيح قال: قال الأحنف بن قيس: ما كذبت منذ أسلمت إلا مرةً واحدة، فإن عمر رضي الله عنه سألني عن ثوب: بكم أخذته؟ فأسقطت ثلثي الثمن.

أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن بن المقير البغدادي بالقاهرة المعزية قال: أنبأنا أبو الفضل محمد بن ناصر قال: أخبرنا إبراهيم بن سعيد إذنا قال: أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن القاسم قال: أخبرنا صالح بن محمد بن علي الحصيني قال: حدثنا ابن قتيبة قال: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا عطاف عن عبد العزيز بن قرير أن الأحنف قيل له: يا أبا بحر ما رأينا أشد أناة منك ! فقال: قد عرفت في عجلة في أمور ثلاثة، فقالوا: وما هي؟ قال: الصلاة إذا حضرت حتى أوديها، وأيمي إذا خطبها كفؤها حتى أزوجها، وجنازتي إذا توفيت حتى أواريها.
أخبرنا أبو عبد الله الإربلي قال: أخبرنا أبو العز بن الخراساني قال: أخبرنا ابن المختار قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا القطيعي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني فضيل بن سهل قال: حدثني عفان قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن كهمس عن الأحنف قال: في كل شيء أناة إلا في ثلاث: الصلاة إذا حضرت، وأيم إذا وجدت لها كفؤاً والجنازة إذا حضرت.
وقال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا محمد بن بكار قال: حدثنا عطاف بن خالد قال: حدثني عبد العزيز بن قرير قال: قيل للأحنف بن قيس: يا أبا بحر ما رأينا رجلاً أشد أناة منك ! قال: قد عرفت مني عجلة في أمور ثلاث، قالوا: ما هي؟ قال: الصلاة إذا حضرت حتى أوديها، وأيمي إذا خطبها كفؤها حتى أزوجها، وجنازتي إذا توفيت حتى ألحقها بحفرتها.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة قال: شكا ابن أخي الأحنف بن قيس إلى الأحنف بن قيس وجع ضرسه، فقال له الأحنف بن قيس: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة فما ذكرتها لأحد.
أخبرنا عتيق بن أبي الفضل قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن.
وحدثنا أبو الحسن بن أبي جعفر القرطبي قال: أنبأنا أبو المعالي بن صابر قالا: أخبرنا أبو القاسم النسيب قال: أخبرنا رشاء بن نظيف.
وأخبرنا عبد الغني بن سليمان بن بنين قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد الأرتاحي قال: أخبرنا أبو الحسن الفراء إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل قالا: أخبرنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب قال: حدثنا أبو بكر المالكي قال: حدثنا أحمد بن داود قال: حدثنا المازني عن الأصمعي قال: قال هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان: أخبرني عن الأحنف بن قيس، قال: إن شئت يا أمير المؤمنين أخبرتك عنه في ثلاث، وإن شئت باثنتين، وإن شئت بواحدة، قال: فأخبرني عنه بثلاث، قال: كان لا يحرص ولا يجهل ولا يدفع الحق إذا نزل به، وخضع لذلك؛ قال: فأخبرني - عنه باثنتين، قال: كان يؤتي الخير ويتوقى الشر قال: فأخبرني عنه بواحدة، قال: كان أعظم الناس سلطانا على نفسه.
أخبرنا عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي قال: أخبرنا أبو القاسم الشروطي أن شيخ السنة أبا بكر أخبرهم قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحق قال: حدثني خالي - يعني أبو عوانة - قال: حدثنا ابن الفرج قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة قال: شكا ابن أخ الأحنف بن قيس وجعاً بفرسه، فقال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة فما ذكرتها لأحد.
قال أبو شجاع البسطامي: كذا في أصلي وأظنه بضرسه.
أخبرنا محمد بن إبراهيم قال: أخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الآبري قالت: أخبرنا أبو عبد الله بن طلحة النعالي قال: أخبرنا أبو سهل بن عمر قال: أخبرنا علي ابن الفرج العكبري قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا خالد بن خداش قال: حدثنا حماد بن زيد عن عامر بن عبيدة عن رجل قال: كنت أسير في جوف الليل فإذا خلفي رجل أظنه الأحنف، فسمعته يقول: اللهم هب لي يقيناً تهون به علي مصيبات الدنيا.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر السمعاني إجازة إن لم يكن سماعاً قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ إملاء بأصبهان قال أخبرنا القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله البصري في كتابه قال: حدثنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: أخبرنا المرزباني قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا العلاء بن حريز عن أبيه قال: قال الأحنف بن قيس: ثلاثة مجالس لا عيب على الرجل أن يجلسها: انتظار العلم، وانتظار إذن السلطان، وانتظار الجنازة؛ وثلاثة لا عيب فيهن: أن يخدم الرجل أباه، وضيفه وفرسه.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بنابلس قال. أخبرتنا تجني بنت عبد الله الوهبانية قالت: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد النعالي قال: أخبرنا أبو القاسم بن المنذر قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبيد الله بن العيزار عن صاحب له عن أبي تميمة السلمي قال: سمعت الأحنف بن قيس يقول: قال الله عز وجل: عن اليمين وعن الشمال قعيد فصاحب اليمين يكتب الخير، وهو أمير على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال: أمسك، فإن استغفر الله نهاه أن يكتبها، وإن أبى إلا أن يصر كتبها.
أخبرنا شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين الإربلي قال: أخبرنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن مكي ابن عثمان قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال شبيب بن شيبة: قال الأحنف ابن قيس: رأس الأدب آلة النطق، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا في منظر إلا بمخبر، ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في فقه الا بورع، ولا في صدقة الا بنية، ولا في حياة الا بأمن وصحة.
أخبرنا الشيخ العلامة أبو اليمن زيد الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد المقرئ قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد ابن الحسين بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان البيع.
قال أبو منصور: وحدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن علي بن أيوب الشافعي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي قال: وقال الأخنف: الملول ليس له وفاء، والكذاب ليس له حياء، والحسود ليس له راحة، والبخيل ليست له مروءة، ولا يسود سيء الخلق.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقير البغدادي - قراءة عليه عن أبي الفضل محمد بن ناصر - قال: أنبأنا إبراهيم بن سعيد قال: أخبرنا أبو الحسين بن محمد بن القاسم قال: أخبرنا علي بن الحسن بن بندار قاضي أذنه قال: حدثنا محمود بن محمد قال: حدثني ثمامة بن عتبة عن عبد الرحمن بن صخر الوابصي قال: حدثني يحيى بن أيوب، وعمرو بن أبي إياس عن عبد الرحمن بن سعد ابن وابصة عن أبيه سعد قال: سمعت الأحنف يقول: ثلاث لا أفعلهن أبداً، لا أزوج رجلاً ثم أخاصمه، ولا أقاول من لا كفاء له، ولا أبارز السلطان فإنه من سلطان الله، أخاف أن يغلبني بسطوته.
أخبرنا أبو عبد الله بن إبراهيم قال: أخبرنا محمد بن مواهب قال أخبرنا أبو العز قال: أخبرنا أبو علي قال: أخبرنا أبو بكر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد قال: حدثنا شيخ من بني تميم قال: قال الأحنف بن قيس: إنه ليمنعني كثيراً من الكلام مخافة الجواب.
وقال حدثنا عبد الله قال: حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني ابن شبوية قال: حدثني سليمان قال: حدثني ابن مبارك قال: قال قائل للأحنف: بأي شيء سودك قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني هرون بن معروف قال: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال: قال الأحنف بن قيس: عرضت نفسي على القرآن فلم أجد نفسي بشيء أشبه مني بهذه الآية: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم.

وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو معاوية الغلابي قال: حدثني رجل من بني تميم قال: قال الأحنف: لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود ولا خلة لبخيل، ولا سؤدد لسيء الخلق، ولا إخاء لملول.
وقال: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا محمد - يعني ابن طلحة - عن الهجيع بن قيس قال: قال الأحنف بن قيس: ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم.
وقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد ابن شبويه قال: حدثني سليمان - وهو سلمويه من أصحاب ابن المبارك - قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن خزيمة بن خازم قال: أخبرني محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب أن أم الأحنف كانت امرأة من بني زافر من باهلة وأنها كانت ترتجز وهو في حجرها:
والله لولا حنفٌ في رجله ... ما أدرك في ولدانكم من مثله
أنبأنا أبو العلاء أحمد بن شاكر بن عبد الله بن سليمان عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: حدثنا أبو الحسن بن ننجاب قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثنا إبراهيم بن الجراح عن أبي يوسف عن أبي حمزة الثمالي قال: لما بويع معاوية وفد عليه الأحنف ابن قيس وأبو الأسود الدؤلي في أهل البصرة، فقال معاوية للأحنف حين دخل عليه: أنت القاتل أمير المؤمنين - يريد عثمان - والخاذل أمير المؤمنين ومقاتلنا بصفين، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين لا تردد الأمور على أدبارها فإن القلوب التي أبغضناك بها في صدورنا، والسيوف التي قاتلناك بها في عواتقنا، فلا تمد لنا شبراً من الغدر إلا مددنا لك باعاً من الختر، وإن كنت يا أمير المؤمنين لجدير أن تستصفي كدر قلوبنا بفضل حلمك، فقال: إني فاعل إن شاء الله.
أخبرنا عتيق بن أبي المفضل قال: أخبرنا علي بن الحسن.
وحدثنا محمد بن أحمد بن علي قال: أنبأنا أبو المعالي بن صابر قالا: أخبرنا أبو القاسم النسيب قال: أخبرنا رشاء بن نظيف قال: حدثنا أبو محمد بن إسماعيل الضراب قال: حدثنا أحمد بن مروان قال: حدثنا أحمد بن داود قال: حدثنا الزيادي عن الأصمعي قال: حدثنا معمر بن حيان عن هشام بن عقبة أخي ذي الرمة الشاعر قال: شهدت الأحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دم فتكلم فيه فقال: احكموا، فقالوا: نحكم ديتين، فقال: ذاك لكم، فلما سكتوا قال: أنا أعطيكم ما سألتم غير أني قائل لكم شيئاً: إن الله عز وجل قضى بدية واحدة وإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية واحدة، وان العرب تعاطي بينها دية واحدة، وأنتم اليوم تطالبون، وأخشى أن تكونوا غداً مطلوبين فلا يرضى الناس منكم إلا بمثل الذي سننتم على أنفسكم، قالوا: فردها إلى دية واحدة، فحمد الله وأثنى عليه وركب.
وقال: حدثنا أحمد بن مروان قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا ابن عائشة قال: سمعت أبي يقول: سئل الأحنف بن قيس: ما المروءة؟ فقال: كتمان السر والتباعد من الشر.
قال ابن مروان: حدثنا يعقوب بن يوسف المطوعي قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد قال: قال رجل للأحنف بن قيس: بم سدت قومك - وأراد عيبه؟ فقال الأحنف: بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك؛ وجاء في غير هذه الرواية أنه قال له: بم سدت قومك وأنت أحنف أعور؟ وقال: حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الاحنف بن قيس: ما دخلت بين اثنين قط حتى يكونا هما يدخلاني في أمرهما، ولا أقمت من مجلس قط، ولا حجبت عن باب قط. يقول: لا أجلس مجلساً أعلم أني أقام عن مثله ولا أقف على باب أخاف أن أحجب عن صاحبه.
قال الأصمعي: وقال: إني ما رددت عن حاجة قط، قيل له: ولم؟ قال: لأني لا أطلب المحال.
قال الأصمعي: قيل للأحنف: إنك تطيل الصيام، قال: إني أعده لسفر طويل.
نقلت من خط ابن الحداد صاحب ثعلب على ظهر كتاب ببغداد فيه أخبار الحارث المخزومي قال أبو هفان: يروى أن الأحنف لم يقل غير هذين البيتين:
فلو أنّ مالي مالٌ كثيرٌ ... لجدت وكنت له باذلا
فإنّ المروءة لا تستطاع ... إذا لم يكن مالها فاضلا

أخبرنا أبو جعفر يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الدامغاني الصوفي قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن سوار قال: أخبرنا أبو الحسين بن رزمة قال: أخبرنا أبو سعيد السيرافي قال: حدثني محمد بن منصور قال: حدثني الزبير - يعني ابن بكار - قال: قال الأحنف بن قيس:
وكائن ترى من صامتٍ لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ... فلم تبق إلاّ صورة اللحم والدّم
قال الزبير: إنما قال الأحنف هذا لأنه كان يجلس إليه رجل فأعجبه ما رأى من صمته إلى أن قال له يوماً: يا بن أخي والله إن المائة الألف درهم لمحروص عليها، ولكني قد كبرت وما أقوى على القيام على هذه الشرفة، وقام الفتى، فلما ولى قال الأحنف هذين البيتين.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم قال: أخبرتنا الكاتبه شهدة بنت أحمد بن الفرج قالت: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد بن يوسف الحنائي قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك قال: حدثنا أبو القاسم إسحق بن إبراهيم بن سنين الختلي قال: حدثني محمد بن مزيد قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: قال رجل للأحنف: أنت أبي بحر، فقال الأحنف: الرجل مخبوء تحت لسانه، ثم أنشأ يقول:
وكائن ترى من معجبٍ لك صامتاً ... زيادته أو نقصه في التكلّم
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ... فلم تبق إلاّ صورة اللحم والدم
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي بحلب قال: أخبرنا أبو الحسن مسعود بن أبي منصور بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن إسماعيل الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين بن فادشاه قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا أبو شعيب الحراني قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا علي بن محمد المدائني عن سحيم بن حفص قال: كانت امرأة من بني عامر عند الأحنف بن قيس فطلقها فخلف عليها بدر بن أحمد الضبي، فأتاها الأحنف يوماً فدخل عليها، فأرسل إليه بدر بن أحمر ابنه وقال للرسول: قل له:
لا يشغلنّك عن شيءٍ هممت به ... إنّ الغزال الذي ضيّعت مشغول
فقال الأحنف: قل له:
إن كان ذا شغلٍ فالله يحفظه ... فقد لهونا به والحبل موصول
ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب البيان والتبيين قال: وروى الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال: قدم علينا الأحنف ابن قيس الكوفة مع المصعب بن الزبر فما رأيت خصلة تذم إلا وقد رأيتها فيه، كان صعل الرأس متراكب الأسنان، أشدق مائل الذقن، ناتئ الوجه، باحق العين، خفيف العارضين أحنف الرجل، ولكنه كان إذا تكلم جلا عن نفسه.
وزعم يحيى بن نجيم بن ربيعة أحد رواة أهل البصرة قال: قال يونس بن حبيب في تأويل الأحنف بن قيس وقال:
أنا ابن الزافرية أرضعتني ... بثديٍ لا أحذّ ولا وخيم
أتمّتني فلم تنقص عظامي ... ولا صوتي إذا اصطكّ الخصوم
قال: إنما عنى بقوله: عظامي أسنانه التي في فيه، وهي التي إذا تمت تمت الحروف، وإذا نقصت نقصت الحروف.
قال يونس: وكيف يقول مثله: أتمتني فلم تنقص عظامي، وهو أحنف من رجليه جميعاً مع قول الحباب له: والله إنك لضئيل، وإن أمك لورهاء، وكان أعرف بمواقع العيوب وأبصر بدقيقها وجليلها، وكيف يقول ذلك وهو نصب عيون الأعداء وشعراء الأعداء، وهو أنف مضر الذي تعطس به وابن العرب والعجم قاطبة.
أخبرنا حسن بن أحمد الأوقي فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا الحافظ السلفي - إجازه إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا ثابت بن بندار قال: أخبرنا الحسين بن جعفر قال: أخبرنا الوليد بن بكر قال: حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد العجلي قال: حدثني أبي قال: والأحنف بن قيس بصري تابعي ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور أحنف، دميماً قصيراً، كوسحاً له بيضة واحدة، قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ويحك يا أحنف لما رأيتك أرديتك، فلما نطقت فقلت لعله منافق صنع اللسان، فما إختبرتك أحمدتك، ولذلك حبستك - حبسه سنة يختبره، فقال عمر: هذا والله السيد.

أخبرنا عتيق بن أبي الفضل السلماني قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن.
وحدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أنبأنا أبو المعالي بن صابر قالا: أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب قال: أخبرنا رشاء بن نظيف قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب قال: حدثنا أحمد بن مروان قال: حدثنا إبراهيم بن إسحق الحربي وأحمد بن عبادة قالا: حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف مع مصعب بن الزبير، فما رأيت خصلة تذم إلا رأيتها فيه، كان ضئيلا، صعل الرأس، متراكب الأسنان مائل الذقن، ناتئ الوجه، باحق العين، خفيف العارضين، أحنف الرجلين، فكان إذا تكلم جلا عن نفسه.
وفي نسخة: كان ضئيلاً، صعيل الرأس؛ قال إبراهيم: وذكر الهيثم أنه كان أعور العين ذهبت بسمرقند، وولد ملتزق الاليتين فشق باثنين.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المفضل عن خلف بن عبد الملك بن بشكوال قال: أخبرنا أبو محمد بن عتاب وأبو عمران بن أبي تليد - إجازة - قال: أخبرنا أبو عمر النمري قال: أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال: أخبرنا أبو علي بن السكن قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن زهير قال: حدثنا سليمان ابن أبي شيخ قال: كان أحنف الرجلين جميعا ولم يكن له إلا بيضة واحدة، وكان اسمه صخر بن قيس أحد بني سعد، وأمه امرأة من باهلة، وكانت ترقصه وتقول:
لولا حنّفٌ برجله
وقلّة أعرفها من نسله
ما كان في فتيانكم من مثله
قال ابن المسكر: وأحنف بن قيس السعدي، أبو بحر واسمه الضحاك، سكن البصرة، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال اسمه صخر بن قيس.
كتب إلينا أبو الفتوح نصر بن علي الحصري من مكة أن الحافظ أبا محمد عبد الله بن محمد الأشيري أخبرهم قال: أخبرنا أبو الوليد بن الدباغ قال: أخبرنا أبو محمد الخطيب قال: أخبرنا أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري قال: الأحنف بن قيس العدي التميمي، يكنى أبا بحر، واسمه الضحاك ابن قيس، وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميمم، وأمه من باهلة، كان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ودعا له النبي عليه السلام، فمن هناك ذكرته في أصحابه لأنه أسلم على عهد النبي عليه السلام.
كان الأحنف أحد الجلة الحلماء الدهاة الحكماء العقلاء، يعد في كبار التابعين بالبصرة، وتوفي الأحنف بن قيس بالكوفة في إمارة مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، ومشى مصعب في جنازته.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن موهوب بن البناء، وأبو سعد ثابت ابن مشرف بن أبي سعد البناء البغداديان قالا: حدثنا أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد اسلامي من لفظه قال: - وذكر - الأحنف بن قيس السعدي البصري، واسمه الضحاك، أدرك أيام النبي صلى الله عليه وسلم وسمع عمر بن الخطاب، وعثمان وعلياً رضي الله عنهم، وكان حليماً وقوراً عاقلاً، وكان شيخ بني تميم وعالمهم أجمع، وكان يتبعه منهم عشرة آلاف فارس، وشهد قتال المختار بن أبي عبيد مع مصعب بن الزبير وكان معه، وتوفي بالكوفة من قبل قتل مصعب، ومشى مصعب في جنازته بغير رداء، وذلك في سنة إحدى وسبعين من الهجرة، أخرج البخاري ومسلم عن الأحنف في كتابيهما.
أخبرنا الأوقي حسن بن أحمد إذنا قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن بن قشيش قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال أخبرنا عبد الباقي بن قانع قال: سنة سبع وستين، والأحنف بن قيس أبو بحر بالكوفة - يعني مات - وصلى عليه مصعب بن الزبير، وقال: سنة إحدى وسبعين، والأحنف بن قيس أبو بحر - يعني قيل إنه توفي فيها - .

قرأت في تاريخ محمد بن أحمد بن مهدي، مما كتب لخزانة أمير المؤمنين القادر، في حوادث سنة ثمان وستين قال: وفيها مات أبو بحر الأحنف بن قيس بالكوفة، واسمه صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن عبادة بن نزال بن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وكان قيس أبوه يكنى أبا مالك، وقتلته بنو مازن في الجاهلية، ورهطه بنو مرة بن عبيد بعثوا بصدقاتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عكراش بن ذؤيبة؛ وأم الأحنف حبى بنت عمرو بن علقمة من بني أود من باهلة، ولدته ملتصق الاليتين حتى شق وكان أعور ذهبت عينه بسمرقند، ويقال بل ذهبت بالجدري، وكان أحنف الرجل متراكب الأسنان، صعل الرأس، مائل الذقن، خفيف العارضين، وشهد مع علي عليه السلام صفين، ولم يشهد الجمل مع أحد الفريقين، ودفن بالكوفة عند قبر زياد بن أبيه بالتوبة، وخرج في جنازته مصعب بن الزبير وهو أمير العراقين ماشياً، وطرح رداءه، فطرح الأشراف أرديتهم، فكان أول من فعل من الأشراف ذلك في جنازته إعظاما لمصابه، وبلغ من السن سبعين سنة، وله وفادة على عمر بن الخطاب رحمه الله، وكان له ابن يقال له بحر، وكان مضعوفاً، حكي أنه قيل له: ما يمنعك أن تتقيل بعض أخلال أبيك؟ قال: الكسل، ولم يكن له عقب.
أخبرنا أبو القاسم عبد الغني بن سليمان بن بنين قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي قال: أخبرنا أبو الحسن الفراء في كتابه عن أبي إسحق الحبال وخديجه المرابطة - قال الحبال: أخبرنا أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد قال: أخبرنا أبو بكر الحسن بن الحسين بن بندار، وقالت خديجة: أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أحمد بن علي قال: حدثني جدي علي بن الحسين بن بندار - قالا: حدثنا محمود بن محمد الأديب قال: حدثنا عبد الله هلال بن العلاء قال: حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا معتمر عن قرة بن خالد وغيره قال: رأيت مصعب بن الزبير يمشي في جنازة الأحنف بغير رداء، وكان أول من تسلب على ميت.
ذكر من اسمه أحوص
الأحوص، واسمه عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري: قدم خناصرة وافداً على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والأحوص لقب اشتهر به، وسنذكره في العبادلة في حرف العين من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
الأحوص الدفافي الشاعر: ويلقب المحترز، وينسب إلى دفافة العبسي، وكان يصحب بعض بني صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بحلب، وهو شاعر لم أظفر إلى الآن بشيء من شعره وله ذكر يأتي في أثناء هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وكان معاصراً لديك الجن عبد السلام بن رغبان الحمصي، وتوفي في حياة ديك الجن، فرثاه ديك الجن بأبيات أولها:
عزاءً وتسليماً على الرغم والصغر ... فما الدهر أنساناك بل وارث الدهر
وأنساك بل أسلاك بل أجد الكرى ... فأعطيك صبري لاحمدت إذاً أمري
مضى فارس الآداب والمجد والشعر ... وقسورة الأبطال والورق والتبر
منها:
أأحوص دعوى لو تجلاك طيفها ... لرواك من ذكرٍ تنفق من شكر
ثناً نظمته تحت أجنحة الدجى ... أنامل صدرٍ فيك ملآن من جمر
فوافى شروقٌ كالقداح إذا انبرت ... صحائفها خدي وكاتبها شفري
منها:
أتدرين من بات الصعيد ضجيعه ... برغمي ومن نالته قاصمة الظهر
فتىً كان لم يحبب حياة معمرٍ ... فتىً في الوغى إلاّ أحبّ انقضاء العمر
ولا رمقته العين في جنح عارض ... من الموت إلاّ عمن في عارض الذعر
فتى ما تراءته الكماة ولو غدت ... ذوي عددٍ إلاّ رأت جحفلاً يسري
علواً وإسلاماً وبأساً ونائلاً ... غداة الندى والدين والبأس والفخر
ذكر من اسمه أخنس
الأخنس بن العيزار الطائي: كان ممن شهد صفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم رجع عنه بعد التحكيم، وصار من الشراة، وقاتل علياً يوم النهروان مع الخوارج فقتله علي رضي الله عنه، وكان شاعراً.

قرأت في كتاب الفتوح تأليف أبي محمد أحمد بن أعثم الكوفي في قصة أهل النهروان قال: وتقدم رجل من الشراة يقال له الأخنس بن العيزار الطائي حتى وقف بين الجمعين، وكان من أشد فرسان الخوارج، وكان ممن شهد صفين فقاتل فيها، فلما كان ذلك اليوم تقدم بين الجمعين وأنشأ يقول:
ألا ليتني في يوم صفين لم أؤب ... وغودرت في قتلى بصفين ثاويا
وقطعت آراباً وألقيت جيفةً ... فأصبحت ميتاً لا أجيب المناديا
ولم أر قتلى سنبس ولقتلهم ... أشاب غداة الدهر مني النواصيا
ثمانون من حزبي جديلة قتلوا ... على النهر كانوا يخضبون العواليا
ينادون لا لا حكم إلاّ لربنا ... حنانيك فاغفر حوبنا والمساويا
هم فارقوا من جار في الله حكمه ... فكل عن الرحمن أصبح راضيا
ولا وإله الناس ما هاب معشري ... على النهر في الله الحتوف القواضيا
شهدت لهم عند الإله بفلجهم ... ألا صالح الأقوام خاف المخازيا
أنابوا إلى التقوى ولم يتبعوا الهوى ... فلا يبعدن الله من كان ساريا
قال: ثم حمل على أصحاب علي رحمة الله عليه، فشق الصفوف، وقصده علي فالتقيا بضربتين ضربه علي ضربة ألحقه بأصحابه.
ذكر من اسمه إدريس
إدريس بن الحسن بن علي بن عيسى بن علي: ابن عيسى بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الإدريسي الحسني، أبو الحسن بن أبي علي الاسكندراني، من أبناء الأكابر، ونجل الأمراء بالمغرب، وكان فاضلاً أديباً شاعراً مجيداً بصيراً بالحكمة وعلوم الأوائل، عارفاً بالأدب، قيما بعلم النسب، عالماً بأيام العرب، قيما بالتاريخ والأخبار، راوية للدواوين والأشعار، له مصنفات عديدة ومجاميع في الأنساب والتواريخ مفيدة.
سمع من الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، وابنه أبي محمد القاسم بن علي، وأبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر السلمي والقاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني وغيرهم.
دخل حلب مراراً متعددة وقطنها بالأخرة إلى أن مات بها، وحدث بها ببعض كتاب النسب للزبير بن بكار بروايته عن الحافظ أبي القاسم الدمشقي.
روى عنه العماد أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد في كتاب الخريدة، وروى لنا عنه شيئاً من شعره القاضي أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب، والشريف أبو المحاسن عبد الله بن محمد بن عبد الله الهاشمي الحلبيان.
وكان فاسقاً مدمناً لشرب الخمر، منهمكاً في الخلاعة فأعرض الناس عن السماع علي لذلك، أدركته بحلب ولم يتفق لي الاجتماع به البته، وكان أول دخلوه إلى حلب على ما قرأته بخطه في بعض تعاليقه في جمله الملك العادل محمود ابن زنكي بن آق سنقر في المحرم سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
وسمعت الصدر القاضي بهاء الدين أبا محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب الحلبي يقول: ورد الشريف الادريسي إلى حب بعد الستين والخمسمائة، وأقام بها واختلط بأهلها، وهو على طريقة حسنة من التزمت والوقار.
قال: وغلب عليه في آخر عمره حب الخمر والتهتك فيه ومعاشرة الأراذل والسفلة.
قال لي: وكنت إذا اجتمعت به أو لقيته ألومه على ذلك، وأعنفه فيقول لي: إن هؤلاء اللفيف الأخساء إذا جلست معهم لا أعبأ بهم، ولا أتحفظ منهم، وتحصل لي الراحة بصغر أقدارهم واطراحهم، وأنا فمكب على النسخ، متى جلست معهم لا أكلمهم ولا يكلمونني، ولا يكلفوني شططاً.
وقد ذكر قصته معهم في قصيدته الرائية التي نظمها بعد الستمائة، وهي مشهورة يعرض فيها بالمباحية وغيرهم، أولها:
أعلي إن خلعت فيك العذارا ... حسبةً أو لزمت فيك الوقارا
وأعرضت عن ذكر القصيدة، وإن كانت من لطيف الشعر، لما فيها من السخف والخلاعة وذكر ما لا يليق ذكره بأهل العلم.

قال لي القاضي أبو محمد: وبالجملة فقد كان عنده من القناعة وقلة الطمع فيما يرغب الناس فيه جملة كافية صانت ماء وجهه على فقره وفاقته، فإنه أكثر أيامه كان يورق بالإجرة وكان أبوه وخاله من الأمراء المشهورين بالديار المصريه بفضيلتي السيف والقلم، إلا أنه محا ذكرهم بما اشتهر عنه من هذه السيرة الذميمة، وقبح المقالة.
وأنشدنا القاضي أبو محمد عنه شيئاً من شعر خاله، أنشده إياه عنه، نذكره في ترجمة خاله إن شاء الله تعالى.
وولد الإدريسي هذا بالديار المصرية سنة خمس وأربعين وخمسمائة، ونقلت ذلك من خطه عفا الله عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أنشدني بهاء الدين أبو محمد الحسن بن أبي طاهر بن الخشاب بضمير، ونحن متوجهون إلى دمشق قال: أنشدني الشريف أبو الحسن الإدريسي لنفسه بحلب:
يا سادتي مالي على هجركم ... صبر وهل يصبر مهجور
أنلتم الحاسد فيه المنى ... فهو بما أحزن مسرور
إن يك ذنبٌ أن بكى فهو في ... شريعة العشاق مغفور
عودوا إليه بالرضا قبل أن ... يقول من يعذل معذور
قرأت بخط بعض الأدباء بحلب للشريف إدريس بن حسن بن علي بن عيسى بن علي الإدريسي الحسني، وكان مولده بمصر سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وكان عند تقي الدين صاحب حماه، وقد ورد إليه مغنيان لقب أحدهما البدر والآخر الشمس، وكانا بديعين في الحسن فاتفق أن الشمس زار الإدريسي، فجاء أخوه البدر فاطلع في بيته، فرأى الشمس فعاد وذهب، فقال الإدريسي على البديه، ثم أنشدني الأبيات الثلاثة الشريف جمال الدين أبو المحاسن عبد الله بن أبي حامد محمد بن عبد الله الهاشمي قال: أنشدني الشريف أبو الحسن الإدريسي لنفسه:
زار لا واصلاً ولكن أتاه ... نبأٌ أنني عشقت فزارا
بدر حسنٍ لما رأى الشمس عندي ... طلعت مطلع البدور توارى
وإذا ما الحبيب أسرف في ... الهجر أغره فطبه أن يغارا
أنشدني القاضي أبو محمد بن إبراهيم قال: أنشدني عز العرب أبو الحسن إدريس الإدريسي قال: أنشدني القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي بن البيساني عند إجتماعي به، ولم يسم قائلها:
تراه من الذكاء نحيف جسمٍ ... عليه من توقده دليل
إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يعيبه جسمٌ نحيل
قال لي الشريف تاج الدين أبو المعالي الفضل ابن شيخنا افتخار الدين أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي: كان قدم إلى حلب الشريف النسابه محمد بن أسعد المعروف بابن الجواني وطعن في نسب الإدريسي - يعني أبا الحسن إدريس بن الحسن - فجرى على الإدريسي من ذلك شيء عظيم، وطعن في نسب ابن الجواني، وكان يشتمه شتماً كثيراً في المحافل.
قلت: وقد وقفت على شيء من تعليق الادريسي يعرض فيه بشيء من ذلك، وسنذكره في ترجمة محمد بن أسعد إن شاء الله تعالى.
ووقفت على تعليق بخط محمد بن أسعد الجواني، وفي حاشية منه في ذكر أبي الحسن الإدريسي، أملى علي نسبه فقال: أنا إدريس بن الحسن بن علي، فذكر نسبه كما سقناه أولاً، ثم قال ابن الجواني فيما كتبه بخطه: يقال له ابن أخت الشريف المحنك، قال فيه نقيب النقباء بحلب الشريف القاضي أمين الدين بخطه على الجريدة التي سلمها لي على اسم المذكور ثبت نسبه بكتاب نسيب الملك ثم عاد نسيب الملك توقف وكتب محمد بن أسعد الجواني فوق ترجمته دعي.

ثم وقع لي كتاب محمد بن أسعد بن الجواني صنفه في نسب بني إدريس وسمه بالمنصف النفيس في نسب بني إدريس، فقرأت فيه: وممن إدعى إلى بني يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس على نسق من تقدم ذكره من ذوي التدليس من بربر الغرب المجاورين للبطن المذكورة، دعي مقيم بحلب يدعى عز العرب، ويسمى إدريس بن حسن، ويعرف بابن أخت المحنك برهان الدين التلمساني، مولده كما ذكر في خطه الاسكندرية سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وقدم أبوه من نفيس كما زعم في طائفته وفد الحاج في سنة عشرين وخمسمائة، ولم يثبت له ولا لوالده قط اسم في جرائد الأشراف بمصر، ولا نسب ولا شهدت بينة بصحة الحسب، ولو شهدت لما ثبت منتماه، إذ لا دليل يقوم على وصلته في دعواه، وسيأتي بيانه وشرحه وبرهانه، ولم يأخذ قسما، ولا حاز رسماً لا نقابتي ونظري، ولا قبل نظري، وقد كان أمري في نظر الأنساب وتذييل الأعقاب مذ سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وللمذكور إذ ذاك من العمر سنتان، فلم يكن لأبيه ولا له في رهطهم ثبوت في المنتسبين، بل كان أمرهم يجري مجرى أمثالهم من الأدعياء المسببين، ولم تزل المغاربة والتجار من القادمين إلى الديار المصريه من السفار يذكرون أنهم من الدعيين إلى من ادعوه بالجوار على ما تقدم من القول في الطوائف والأنفار.
قال: ثم سافر هذا الدعي إدريس إلى دمشق في سنة اثنتين وستين وخمسمائة وكان بها إذ ذاك خاله البرهان التلمساني المحنك، ثم سافر خاله إلى الغرب، وسافر هو إلى حمص في سنة ثمان وخمسمائه كما ذكره في خطه.
وقد كان استعار شيئاً من كتاب النسب للزيدي المنعوت بالنزهة وكتب منه ونسخ فمسخ، وصار يتحدث ويقول، ويزيد وينقص في الفضول، فتنبه عليه أشراف دمشق وعلى كذبه ومحاله، وزيفه وانتحاله، فجرت بينه وبينهم محاورات، فخرج هارباً منهم إلى حلب، وتسبب كل سبب إلى أن تصاهر عند آل الناصر الرسيين واستترت حاله، واكتتم عن كثير من الناس محاله.
وكان قبل ذلك قد كتب إلي إلى مصر من دمشق كراسة بذكر ما يدعيه، وشرح أموره بما لا يسمعه منه سامع التحقيق ولا يعيه، ولما قدر الله سبحانه توجهي إلى حلب من عسكر السلطان صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب بعد حضوري معه فتح عسقلان، والقدس، واللاذقية، وصهيون، وجبلة، وانطرسوس، وغزاة طرابلس، فكان وصولي إلى حلب في شهر رجب سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وكنت قد تقدمت السلطان عن إذنه وهو محاصر برزية عن وجع أصابني وألم أنابني، وكان النقيب إذ ذاك بها الشريف أمين الدين أبا طالب أحمد بن محمد ابن جعفر الحسيني الإسحاقي، فلم أشعر به إلا وقد أتاني ماشياً إلى الباب الذي يعرف بباب أنطاكية في ولده وحفدته، وبني أخويه، وحلف بالأيمان المغلظة لا كان نزولي إلا عليه، ووفودي إلا إليه، وأخلى لي جليل داره، وبحبوحة قراره، فأجبته إلى سؤاله مبلغه بلوغ آماله فيما بذله من إكرامه واحتفاله.
وانثال في حال كوني بحلب لدى أشرافها بالتردد إلي والوفود علي، يصححون أنسابهم ويستوضحون أحسابهم، وكان بها جماعة أدعياء، هذا إدريس أحدهم، وأخذ يتردد إلى مجلسي، ويستطلع طلع نفسي، ويطلب تصحيح ما لا يصح له أبداً، ويقصدني في أمر لا يجد له عندي مقصداً، فكنت فيما قصد كما ينشد.
إنا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السماع للقائل
لا نجعل الباطل حقاً ولا ... نلظ دون الحق بالباطل
تكره أن نسفه أحلامنا ... ونجمل الدهر مع الخامل
ولما كان في بعض الأيام كتب إلي استدعاءً بخطه في مجلس النقيب أمين الدين بحلب، وسألني جماعة الوقوف عليه، والجواب عنه، نسخته بعد البسملة والدعاء الجاري به العادة بعد الاستدعاء، ثم قال:

إن يبين لأصغر مماليكه إدريس بن الحسن بن علي بن عيسى بن علي بن عيسى ابن عبد الله أبي الآمر، ما عجز عنه من بيان وعلم وصلته بإدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم يجده عند أحد إلا ما يحكيه بعد: وهو أن مملوكه لما حصل بدمشق ورام تصحيح نسبه صار مع خاله الشريف المحنك أبي المنصور يحيى بن سليمان بن علي الحسني إلى الشريف النقيب نظام الدين أبي العباس أحمد بن طاهر بن حيدر بن أبي الجن الحسيني رحمه الله، فقال الشريف نظام الدين: إنتسب، فانتسبت النسب المذكور، وقلت: عبد الله أبو الآمر بن محمد، وزاد خال المملوك زيادة على ذلك فقال: محمد أظنه ابن القاسم ابن يحيى بن يحيى أو ابن عبد الله بن يحيى بن يحيى بن إدريس، فقام الشريف النقيب إلى بيته وأتى برسالة الحسين بن علي الفارسي في أخبار الملحدة وقال: عيسى ابن أبي الآمر عبد الله هو الفقيه المذكور هنا، فكان نسبه: عيسى بن أبي الآمر عبد الله بن الأمير أبي المطول محمد الأكبر بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس، ابن إدريس، فوصل النسب على ما رأيت بخطه وهو أحد الآمرين اللذين ذكرهما المحنك.
وأنت أدام الله أيامك فكعبة هذا الأمر والعلم وغيره، وقد رأيت على محمد ويحيى ابني القاسم نصييبتين فيما حكاه شيخ سيدنا الشريف شرف الدين ناصر الدين العمري بن الصوفي رحمه الله، فلا أدري ما معنى وضعهما، أفتنا يرحمك الله مأجوراً موفقاً.
قال مؤلف هذا الكتاب: وقد خلد هذا الخط بمجلس النسب على العادة في مثله حجة على كاتبه وجهله، وتلوه جوابنا على فصوله: أما قوله عن نفسه: إدريس بن الحسن بن علي بن عيسى بن علي بن عيسى ابن عبد الله أبي الآمر، فهذه أسماء لا يشهد له بها سواه، اذ لم يتضمنها مسطور نسب ولا مقتضاه، ولا يصح لمنتم بها منتماه. وذكر أن أحداً من أئمة النسب لم يرو في شيء مما ألفوه وجردوه وصنفوه اسماً مما إدعاه هذا الدعي من ثالثة ولا رابعة ولا خامسة ولا سادسة، وبسط القول، ثم قال: وسؤاله فيما تضمنه تمويهه ومحاله، ومقاله أن أبين له ما عجز عنه من بيان وعلم وصلته بإدريس، فهذا أمر دال على التمويه والمحال والتدليس، لأن إدريس بن إدريس أعقب من جماعة كثير عددهم، جم مددهم، فإذا لم يتضح للنسابة من يعزى إليه المنتسب إليه من الطرفين، فحصول العلم من أين؟ ثم قال في الجواب عما ذكره خاله، ثم قوله: أنه قال: أظنه فلان بن فلان بن فلان، والأنساب لا تثبت بالظن في الانتساب، فلا يحتج بالظنون إلا كل مرتاب دعي كذاب، كلامه مضطرب الهندام، كأنه تجربة الأقلام.
ثم قال: وقوله: فقام الشريف نظام الدين إلى بيته وأتى برسالة الحسين بن علي الفارسي في أخبار الملحدة، وقال: عيسى بن أبي الآمر عبد الله هو الفقيه المذكور هنا؛ وهذا قول طريف، لا يوجب الشرف لشريف، لأن من يشهد على قوله بعيسى بن أبي الآمر عبد الله من النسابين، ثم من يشهد بأن عيسى بن عبد الله، وأن كنيته أبو الآمر، وأن عبد الله هو ابن محمد بن القاسم بن يحيى بن يحيى على ما رتبه المدعي في قاعدة دعواه، وهو لا يصح أولاه ولا أخراه.
وشيخنا غمام النسابين أبو الحسن علي بن محمد العمري رحمه الله قد ذكر الأخوين محمد بن القاسم، ويحيى بن القاسم، وأورد ليحيى دون محمد العقب إلى ثالث ولد وخرج ولم يذكر لمحمد بن القاسم ولداً ولا عليه عرج، ووافقه على ذلك الأئمة أهل طبقته ورفقته، وبعده ممن نحا نحوه، وقصد قصده.
وقد يكون عيسى بن عبد الله المذكور من البرابر المعتزين إلى بني يحيى بن يحيى، المجاورين لهم كما قدمنا ذكرهم فيما يلونه فقيها أو عالماً نبيهاً، أو ديناً عفيفاً لا يكون علويا شريفا؛ ولو فرضنا أن يتضمن المسطور عيسى بن عبد الله أنه ابن محمد بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس لما ثبت لذلك حقيقة، ولا استقامت إليه طريقه، لكون محمد بن القاسم بن يحيى بن يحيى لم يذكر له ولد، ولا أورد عقبه أحد، انقطع عقبه، وانبت سببه، والمورود ولده، والمحصور عدده أخوه يحيى بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس، فإنه أورد في كتب الأئمة وشجراتهم ولده، وولد ولده، وولد ولد ولده دون أخيه محمد، حجة على كذب مدعيه.

ثم قال: فعقب يحيى بن القاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس بن إدريس إلى زمان شيخنا العمري علي بن محمد العلوي النسابة رحمة الله عليه إلى سنة أربعين وأربعمائة: يحيى وحمود ابنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المذكور، وهو الثالث من ولد يحيى بن القاسم أخي محمد بن القاسم، وانقطع عقب محمد بن القاسم بن يحيى ابن يحيى بن إدريس من نحو مائتي سنة إلى زماننا هذا سنة ست وثمانين وخمسمائة.
وقال: وقوله: أبو الطول محمد الاكبر، ترى أين تثبت كنيته، ومن أوردها إذ ثبتت نسبته؟ ثم قوله: الأكبر، أكبر ممن؟ لم يكن للرجل أخ آخر اسمه محمد الأصغر، فيكون هو منه الأكبر، لأن جميع ما كان للقاسم بن يحيى بن يحيى بن إدريس ولدان لا غير: محمد هذا، ويحيى، ولم يذكر شيخنا العمري النسابة، وجميع النسابين للقاسم بن يحيى بن يحيى سوى الولدين: محمد ويحيى اللذين ذكر العمري أنه رأى عليهما نصييبتين، فمن أين لنا محمداً آخر أكبر غير آخر أصغر؟ هو الحائن المائن يطلب كشف انتسابه، ويذكر أنه لا يعلمه، وأن النسابين أولى به، وأنه لم يجد ذلك في كتاب، ولا أورده أحد من النساب، وأنه سافر إلى الشام للكشف عن دعواه وحقيقة منتماه فانتقل من هذه الحال إلى أن يفضل على النسابين في المقال، فيذكر من صفة إدعاءه ما لم يذكروا، ويخبر من خبرهم بما لم يخبروا، ويتعاطى في الذيل تقويم الميل من كنية من لم يكنى، وتمييز الأكبر من الأصغر صفة ومعنى، وسرد نسب لم يسرد، وإيراد عقب لم بورد، هذه كرامة ظهرت له، أزالت حيرته وجهله، ما أقل عقله.
قلت: ولعز العرب في الطعن في نسب ابن الجواني كلام يشبه كلامه فيه، سنذكره إذا انتهينا إلى ترجمته إن شاء الله تعالى، وكلاهما ينسب إليهما الدعوى في النسب.
مات عز العرب أبو الحسن الإدريسي بحلب في سنة عشر وستمائة، وقرأت في بعض تعاليق الحلبيين أنه مات في السنة الحادية عشرة والستمائة.
إدريس بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي: روى عن أبيه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، روى عنه ابنه خلف بن إدريس ابن عمر، وكان بخناصرة مع أبيه وشهد وفاته بدير سمعان، مع من شهده من ولده، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة إبراهيم بن عمر.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: كتب إلي أبو محمد حمزة بن العباس بن علي، وأبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن مسلم، ثم حدثني أبو بكر محمد بن شجاع اللفتواني عنهما قالا: أخبرنا أبو بكر الباطر قاني قال: أخبرنا محمد ابن إسحق.
قال الحافظ أبو القاسم: وأخبرنا أبو بكر اللفتواني قال: أنبأني أبو عمرو ابن مندة عن أبيه محمد بن إسحق قال: حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زريق قال: حدثنا محمد بن أصبغ بن الفرج قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس بن خلف بن إدريس ابن عمر بن عبد العزيز بن مروان عن أبيه عن جده أن عمر بن عبد العزيز قال لجرير ابن الخطفي: ما أجد لك في هذا المال حقاً، ولكن هذه فضلة من عطائي ثلاثون ديناراً فخذها واعذر، قال: بل اعذرك يا أمير المؤمنين.
وقال ابن يونس: ولست أعرفه - يعني إدريس - من أهل مصر.
إدريس بن أبي خولة الأنطاكي: من العباد المذكورين، وكان يكون ببيت المقدس، حكى عنه سهل بن عبد الله التستري.

أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في كتابه قال: أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن الطوسي قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر ابن يوسف قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جهضم قال: حدثنا عبيد الله بن جعفر الساجي قال: حدثنا عمر بن واصل عن سهل بن عبد الله قال: مرض رجل من أولياء الله عز وجل مرضاً مشكلاً، فكان الناس إذا رأوه قالوا به جنة فأكثر عليه فلما عظم كلام من تكلم في أمره قالوا له: نعالجك، فقال: يا قوم اعلموا أن لي طبيباً إن شاء داوى كل عليل على وجه الأرض، لكني لا أسأله أن يداويني، فقيل له: ولم ذاك، وأنت محتاج إلى الدواء؟! فقال: أخشى إن برئت من هذه العلة طغيت، فقيل له: فإن لنا مجنونا فاسأل طبيبك أن يداويه، فقال: نعم إئتوني به، فأتوه برجل في عنقه غل عظيم، ويده مشدودة إلى عنقه في قيد ثقيل قد استمكنت منه العلة، فقال لهم: خلوني معه، فعمد جهال القوم إلى يده فحلوها وأدخلوه معه في البيت الذي كان فيه، وأغلقوا عليهما الباب، وهم يظنون أنه سيفضي إليه بمكروه، فلما كان بعد ساعة صاحوا به، فأجابهم وخرج إليهم وكلمهم بكلام عاقل وهو يبكي بكاءً شديداً، فقالوا له: خبرنا بقصتك وما كان منك؟ فقال: دخلت على هذا الرجل وأنا على ما قد علمتم من علتي لا أعقل شيئاً كما رأيتموني فقربني منه وأدناني، فكلما قربت منه جعل يده على صدري، والأخرى على رأسي، فحسست بطعم البرء يدب في جسمي حتى زال ما بي، فقالوا له: ادخل معنا إليه فاسأله أن يدعو لنا، فدخل مع القوم إليه فلم يجدوه في البيت، وستره الله عز وجل عنهم، فمن عقل منهم عظمت ندامته، وكثر أسفه.
قال سهل: وهذا رجل من أهل بيت المقدس يقال له إدريس بن أبي خولة الأنطاكي من أفاضل القوم.
ذكر من اسمه أدهم
أدهم بن محرز بن أسيد بن أخشن: وقيل: أخنس بن رياح بن أبي خالد بن زمعة بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان الباهلي الحمصي، شهد صفين مع معاوية بن أبي سفيان، ولأبيه محرز ذكر في فتوح حمص.
وكان أدهم من قواد الحجاج، روى عن أبيه محرز بن أسيد، وحكى عن عبد الملك بن مروان، روى عنه فروة بن لقيط، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعمرو بن مالك القيني، وكان له شعر.
وذكره ابن ماكولا في كتاب الإكمال فقال: أدهم بن محرز بن أسيد بن أخشن، أحد بني الأحب بن زيد بن عمرو بن وائل بن معن بن أعصر، شاعر من فرسان أهل الشام.
وأنبأنا أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قال: أدهم بن محرز بن أسيد بن أخنس بن رياح بن أبي خالد بن ربيعة بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان الباهلي الحمصي أحد أمراء الجيش الذين وجهوا مع عبيد الله بن زياد لقتال التوابين الذي قتلوا عند عين الوردة، وكان قد شهد صفين مع معاوية، وكان من قواد الحجاج بن يوسف.
حدث عن أبيه محرز، حكى عنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وعمرو بن مالك القيني، وفروة بن لقيط.
وذكر أدهم أنه أول مولود ولد بحمص وأول مولود فرض له بها.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان - فيما أذن لنا أن نرويه عنه - قال: كتب إلينا مسعود الثقفي عن أبي بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن علي بن إسحق الكاتب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن بشر بن سعيد الخرقي قال: حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني قال: حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني قال: قال خالد بن سعيد: دخل أدهم بن محرز الباهلي، أبو مالك بن أدهم، على عبد الملك، ورأسه كالثغامة، فقال: لو غيرت هذا الشيب، فذهب فاختضب بسواد، ثم دخل عليه، فقال: يا أمير المؤمنين قد قلت بيتاً لم أقل بيتاً قبله ولا أراني أقول بعده، قال هات، فقال:
ولما رأيت الشيب شيناً لأهله ... تفتيت وابتعت الشباب بدرهم

أخبرنا حسن بن أحمد بن يوسف قراءة عليه بالبيت المقدس، قال: أخبرنا الفقيه الحافظ أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن المسبح قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد الحبال قال: أخبرنا أبو العباس منير بن أحمد بن الحسن بن منير الخشاب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن إسحق البغدادي قال: حدثنا أبو العباس الوليد بن حماد الرملي قال: أخبرنا الحسين بن زياد الرملي عن أبي إسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصري قال: وحدثني قرة أو فروة بن لقيط عن أدهم بن محرز الباهلي قال: إن أول راية دخلت أرض حمص ودارت حول مدينتها لراية ميسرة بن مسروق العبسي، ولقد كانت لأبي أمامة راية، ولأبي راية، وإن أول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين بحمص لأبي، إلا أن يكون رجل من حمير، فإنه حمل هو وأبي جميعاً، فكل واحد في حملتهما قتل رجلاً من المشركين، فكان أبي يقول: أنا أول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين بحمص، لا أدري ما الحميري، فإني حملت أنا وهو وقتلنا في حملتنا كل رجل منا رجلاً منهم.
وقال أدهم: إني لأول مولود ولد بحمص، وأول مولود فرض لها، وبيدي كتف وأنا أختلف إلى الكتاب أتعلم الكتاب، ولقد شهدت صفين وقاتلت.
وقال في غير هذه الرواية: ولقد شهدت مشهداً ما أحب أن لي بذلك المشهد حمر النعم.
أنبأنا أبو البركات بن محمد قال: أخبرنا عمي أبو القاسم قال: قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين الغساني عن عبد العزيز بن أحمد الكتاني قال: أخبرنا عبد الوهاب الميداني.
قال: أخبرنا أبو سليمان بن زبر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد الفرغاني قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: قال هشام بن محمد: قال أبو مخنف عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أدهم بن محرز الباهلي أنه أتى عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح، قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنة، ورأس ضلالة سليمان بن صرد، ألا وإن السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف ألا وقد قتل الله من رؤوسهم رأسين عظيمين ضالين مضلين عبد الله بن سعيد أخا الأزد وبعد الله بن وائل أخا بكر ابن وائل، فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع ولا امتناع.
قال الحافظ أبو القاسم: أنبأنا أبو علي بن نبهان، وأبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي عن أبي علي بن شاذان قال: حدثنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح البزاز قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب واسماعيل بن إسحق ابن الحصين الرقي قالا: حدثنا محمد بن خلاد، أبو بكر الباهلي قال: حدثنا هشيم بن أبي ساسان قال: حدثني أبي بن ربيعة الصيرفي قال: سمعت عبد الملك ابن عمير يقول: خرجت يوماً من منزلي نصف النهار والحجاج جالس بين يديه رجل موقف عليه كمة من ديباج، والحجاج يقول: انت همدان مولى علي، تعال سبه، قال: إن أمرتني فعلت وما ذاك جزاؤه، رباني صغيراً وأعتقني كبيراً، قال: فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن؟ قال: كنت أسمعه في منامه وقعوده وذهابه ومجيئه يتلو: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، قال: فابرأ منه، قال: أما هذه فلا، سمعته يقول: تعرضون على سبي فسبوني، وتعرضون على البراءة مني فلا تبرؤوا فإني على الإسلام، وقال: أما ليقومن إليك رجل يتبرأ منك ومن مولاك، يا أدهم بن محرز قم إليه فاضرب عنقه، فقام إليه يتدحرج كأنه جعل، وهو يقول: يا ثارات عثمان، قال: فما رأيت رجلا كان أطيب نفسا بالموت منه، ما زاد على أن وضع القلنسوة عن رأسه وضربه فبدر رأسه رحمه الله.
أدهم بن لام القضاعي: فارس مذكور له رجز، شهد صفين مع معاوية، وقتل بها.
ذكره أبو محمد بن أعثم في فتوحه وقال في وقعة صفين: وخرج رجل من أصحاب معاوية أيضاً يقال له الأدهم بن لام القضاعي وهو يرتجز ويقول:
قد علمت ذات القرون الميل
أني بنصل السيف خنشليل
أحمي وأرمي أول الرعيل
بصارم ليس له فلول
فخرج إليه حجر بن عدي الكندي وهو يرتجر ويقول:
إن كنت تحمي أول الرعيل
ولم تكن بالهلع الكليل
فاثبت لوقع الصارم الصقيل
فأنت لا شك أخو قتيل
ثم حمل عليه حجر بن عدي فقتله.

أدهم أبو الفضيل بن أدهم: روى عن الأشتر النخعي خطبته بصفين، وشهدها مع علي رضوان الله عليه، روى عنه ابنه الفضيل بن أدهم.
أنبأنا أحمد بن شاكر بن عبد الله بن سليمان عن عبد الله بن أحمد بن أحمد البغدادي قال: أخبرنا أبو الحسين بن الفراء قال: أخبرنا أبو طالب الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا أبو الحسن بن ننجاب قال: حدثنا إبراهيم بن ديزيل قال: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثنا نصر بن مزاحم قال: حدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الفضيل بن أدهم قال: حدثني أبي أن الأشتر قام فخطب الناس بقناصرين وهو يومئذ على فرس أدهم مثل الغراب، فقال: الحمد لله الذي خلق السموات العلى، الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، أحمده على حسن بلائه وتظاهر النعماء حمداً كثيراً بكرة وأصيلاً، من يهد الله فقد اهتدى ومن يضلل فقد غوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والصواب، وأنزل عليه الكتاب بياناً عن العمى، وإزالة عن الردى ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه.
ثم إنه كان مما قضى الله عز وجل أن ساقتنا المقادير إلى هذه البلدة من الأرض ولفت بيننا وبين عدونا، فنحن بحمد الله ونعمته وفضله قريرة أعيننا، طيبة أنفسنا، نرجو في قتالهم حسن الثواب، والأمن من العقاب، معنا ابن عم رسول الله وسيف من سيوف الله علي بن أبي طالب أول المؤمنين، وسيد المسلمين، من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لم يسبقه بالصلاة معه ذكر حتى صار شيخاً، لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا سقطه، فقيه في دين الله، عالم بحدود الله، حافظ لكتاب الله، ذو رأي أصيل، وصبر جميل، وعفاف قديم، وفعل كريم، فاتقوا الله وعليكم بالصبر والحزم والجد، واعلموا أنكم على الحق، وأن القوم على باطل، يقاتلون مع معاوية الطليق بن الطليق، وبئيس الأحزاب، وقائد الأعراب وأنتم مع ابن عم رسول الله وأخيه في دينه علي بن أبي طالب، والبدريون معكم قرب من مائة رجل من أهل بدر، ومع أصحاب نبيكم ومعكم رايات قد كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاتل بها أعداء الله، ومع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله والمؤمنين، فما يشك في هؤلاء إلا ميت القلب، ضعيف النفس، وأنتم على إحدى الحسنيين: إما الفتح وإما الشهادة، ففي أيهما كان فلكم فيه الحظ والظفر والغبطة والسرور عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعه واتقاه وألهمني وإياكم طاعته وتقواه، واستغفر الله لي ولكم.
أدهم مولى عمر بن عبد العزيز: كان معه بخناصرة وحكى عنه، روى عنه عبد السلام البزاز.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس الأصم قال: حدثنا العباس بن محمد قال: حدثنا أحمد بن إسحق قال: حدثنا عبد السلام البزاز عن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز قال: كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين: تقبل الله منا ومنك يا أمير المؤمنين فيرد علينا ولا ينكر ذلك علينا.
ذكر من اسمه أرجون
أرجون بن أولغ طرخان التركي: قلده أبو أحمد الموفق في أيام المعتمد، وهو الغالب على دولته، طرسوس، وأمره أن يقبض على سيماء الطويل، فخرق هذا وجهل، وذلك أن المرتبين بلؤلؤة أبطأ عنهم أرزاقهم وميرتهم، فضجوا من ذلك وضاقوا به ذرعاً، وكتبوا إلى أهل طرسوس: إنكم إن لم تبعثوا إلينا بما نحتاج إليه على الرسم والا سلمنا لؤلؤة والقلعة إلى الروم، فأعظم ذلك أهل طرسوس وأكبروه، وجمعوا فيما بينهم خمسة عشر ألف دينار، وعزموا على حملها إليهم، فقال لهم أرجون: أنا أولى بأن أتولى حمله إليهم، فسلموا المال إليه، فأخذه لنفسه، فلما أبطأ عن أهل لؤلؤة ما طلبوا سلموا القلعة إلى الروم، ونزلوا عنها، فقامت على أهل طرسوس من أجل ذلك القيامة، وضجوا في الطرقات بالدعاء على أرجون، واتصل الخبر بالسلطان، فكتب إلى أحمد بن طولون وقلده إياها ضرورة، ولم يكن لأبي أحمد حيلة في منعه منها، وذلك في سنة أربع وستين ومائتين.
أرسطو بن ينقو ماخوش:

وهو أرسطاطاليس الحكيم - وقيل فيه أرسطو طاليس - بن الحكيم الفيثاغوري، وكان تلميذ افلاطون الحكيم، وكان افلاطون يقدمه على غيره من تلاميذه، وبه ختمت حكمه اليونانيين.
وكان قد صحب الاسكندر، وقدم حلب صحبته حين وصل إليها لقتال دارا الملك فلما رأى حلب وصحة هوائها وتربتها استأذن الاسكندر في الإقامة بها لمداواة مرض كان به، فأذن له في ذلك، فأقام بها إلى أن زال ذلك المرض، وقد ذكرنا ذلك في صدر كتابنا هذا.
وذكر أبو الحسن علي بن الحسن المسعودي أن تفسير أرسطاطاليس: تام الفضيلة، وتفسير ينقو ماخوش: قاهر الخصم.
فرأت بخط أبي نصر محمد بن فتوح الحميدي، وأنبأنا به ابن المقير عن أبي الفتح البطي عنه: أرسطاطاليس تلميذ أفلاطون، وأفلاطون تلميذ سقراط وسقراط تلميذ أرسيلاس، وأرسيلاس تلميذ انكساغورس.
أخبرنا الشيخ العلامة أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد المقرئ قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين قال: أخبرنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد.
قال أبو منصور: وحدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن علي بن أيوب قال: أخبرنا أبو بكر بن الجراح الخزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: قيل لأرسطاطاليس: ما أعسر الأشياء على الإنسان؟ قال: السكوت، وقيل له: ما أحسن الحيوان؟ قال: الإنسان المزين بالأدب، وقيل له: أي الأشياء ينبغي أن يقتنيها العاقل؟ قال: الأشياء التي إذا غرقت سفينته سبحت معه.
وقال ابن دريد: كانت لأرسطاطاليس ضيعة نفيسة، فدفعها إلى قيم يقوم بها، ولم يكن يشرف عليها، فقال بعض الناس له: لم تفعل ذلك؟ فقال: إني لم أقتن ضيعة بتعاهدي الضياع وإنما اقتنيتها بتعاهدي أدب نفسي، وبذلك أرجو اتخاذ ضياع آخر.
قال: وقال أرسطاطاليس: العقل سبب رداءة العيش.
وقرأت في كتاب التعريف في أحوال الحكماء تأليف القاضي الإمام أبي القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد اللغوي المالقي الأندلسي فصلاً في ذكر أرسطاطاليس، أذكره على وجهه، فإن فيه ذكر أحواله على التحقيق، قال أبو القاسم: وأما أرسطاطاليوس فهو ابن ينقو ماخوش الجهراشي الفيثاغوري، وكان ينقو ماخوش فيثاغوري المذهب، وله تأليف مشهور في الأرثماطيقي، وكان ابنه أرسطوطاليس تلميذ افلاطون، ويقال أنه لازمه عشرين سنة، وكان افلاطون يؤثره على سائر تلاميذه، ويسميه العقل.
وإلى أرسطوطاليس انتهت فلسفة اليونانيين وهو خاتمة حكمائهم، وسيد علمائهم، وهو أول من خلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة، وجعلها آلة للعلوم النظرية، حتى لقب بصاحب المنطق.

وله في جميع العلوم الفلسفية كتب شريفة كلية وجزئية، فالجزئية رسائله التي يتعلم منها معنى واحد فقط، والكلية بعضها تذاكير يتذكر بها، وبقوتها ما قد علم من عمله وهي السبعون كتابا التي وضعها لأوقارس، وبعضها تعاليم يتعلم منها ثلاثة أشياء: آخرها علوم الفلسفة، والثانية أعمال الفلسفة، والثالثة الآلة المستعملة في علم الفلسفة وغيره من العلوم، والكتب التي في علوم الفلسفة بعضها في العلوم التعليمية وبعضها في العلوم الطبيعية، وبعضها في العلوم الإلهية، وأما الكتب التي في العلوم التعليمية فكتابه في المناظر، وكتابه في الخطوط، وكتابه في الحيل، وأما الكتب التي في العلوم الطبيعية فمنها ما يتعلم منه الأمور التي تخص كل واحد من الطبائع، فالأمور التي يتعلم منها الأمور التي تعم جميع الطبائع وهو كتابه المسمى بسمع الكيان، فهذا الكتاب يعرف بعدد المبادئ لجميع الأشياء الطبيعية، وبالأشياء التوالي للمبادئ، وبالأشياء المشاكلة للتوالي، فأما المبادئ: فالعنصر والصورة، وأما التي كالمبادئ وليست مبادئ بالحقيقة بل بالتقريب والعدم، وأما التوالي فالزمان، وأما المشاكلة للتوالي: فالخلاء، والملاء، وما لا نهاية له، وأما التي يتعلم منها الأمور الخاصة لكل واحد من الطبائع، فبعضها في الأشياء التي لا كون لها وبعضها في الأشياء المكونة، وأما في الأشياء التي لا كون لها فالأشياء التي تتعلم من المقالتين الأوليين من كتاب السماء والعالم، وأما التي في الأشياء المكونة فبعض علمها عامي، وبعضها خاصي، فالعامي بعضه في الاستحالات، وبعضه في الحركات، أما الاستحالات ففي كتاب الكون والفساد، وأما الحركات ففي المقالتين الأخرتين من كتاب السماء والعالم، وأما الخاصي فبعضه في البسائط وبعضه في المركبات، وأما الذي في البسائط ففي كتاب الآثار العلوية، وأما الذي في المركبات فبعضه في وصف كليات الأشياء المركبة، أما الذي في وصف كليات المركبات في كتاب الحيوان وفي كتاب النبات، وأما الذي في وصف أجزاء المركبات ففي كتاب النفس، وفي كتاب الحس والمحسوس، وفي كتاب الصحة والسقم، وفي كتاب الشباب والهرم، وأما الكتب التي في العلوم الإلهية فمقالاته الثلاث عشرة التي في كتاب ما بعد الطبيعة، واما الكتب التي في أعمال الفلسفة فبعضها في اصلاح أخلاق النفس وبعضها في السياسة، فأما التي في إصلاح الأخلاق فكتابه الكبير الذي كتب به إلى ابنه، وكتابه الصغير الذي كتب به إلى ابنه أيضاً، وكتابه المسمى أوذيما، وأما التي في السياسة فبعضها في سياسة المدن، وبعضها في سياسة المنزل، وأما الكتاب الذي في الآلة المستعملة في علوم الفلسفة فهي كتبه الثمانية المنطقية التي لم يسبقه أحد ممن علمنا إلى تأليفها ولا تقدمه إلى جمعها، وقد ذكر ذلك في آخر الكتاب السادس منها وهو كتاب سوفسطيقا فقال: وأما صناعة المنطق وبناء السلوجسمات فلم نجد لها فيما خلا أصلاً متقدماً يبنى عليه لكنا وقعنا على ذلك بعد الجهد الشديد والنصب الطويل، فهذه الصناعة وإن كنا ابتدعناها واخترعناها فقد حطنا جهاتها، ورممنا أصولها، ولم تفقد شيئاً مما ينبغي أن يكون موجوداً فيها، كما فقدت أوائل الصناعات لكنها كاملة مستحكمة متينة أسبابها، مزمومة قواعدها، وثيق بنيانها، معروفة غاياتها، واضحة أعلامها، قد قدمت أمامها أركاناً ممهدة ودعائم موطدة، فمن عسى أن ترد عليه هذه الصناعة بعدنا فليغتفر خللاً إن وجد فيها، وليعتد بما بلغته الكلفة منها اعتداده بالمنة العظيمة واليد الجليلة، ومن بلغ جهده فقد بلغ عذره.
وكان أرسطو طاليس متعلم الاسكندر الملك بن فلغيوس بن الاسكندر المقدوني بآدابه عمل في سياسة رعيته وسيرة ملكه، وانقمع له الشرك في بلاد اليونانيين وظهر الخير وفاض العدل، ولأرسطو طاليس إليه رسائل كثيرة جليلة منها رسالة يحضه فيها على المسير لحرب دارا بن دارا ملك الفرس، ومنها رسالة جاوبه عن كتابه إليه من أرض الهند يصف ما رآه في بيت الذهب بأعالي أرض الهند، وهو البيت الذي كان فيه البددة وهي الأصنام الممثلة بالجواهر العلوية، فجاوبه أرسطو طاليس بهذه الرسالة يعظه فيها ويزهده في الدنيا ويرغبه في النعيم الدائم.

قال صاعد: وكان أبو بكر محمد بن زكرياء الرازي شديد الإنحراف عن أرسطو طاليس وعائباً له في مفارقته معلمه أفلاطون وغيره من متقدمي الفلاسفة في كثير من آرائهم، وكان يزعم أنه أفسد الفلسفة وغير كثيراً من أصولهم.
وما أظن الرازي أحنقه على أرسطو طاليس وحداه إلى تنقصه إلا ما أباه أرسطو طاليس ودان به الرازي ما ضمنه كتابه في العلم الإلهي، وكتابه في الطب الروحاني وغير ذلك من كتبه الدالة على استحسانه المذاهب الثنوية في الإشراك، ولآراء البراهمة في إبطال النبوة ولاعتقاد عوام الصابئة في التناسخ.
ولو أن الرازي وفقه الله للرشد وحبب إليه نصر الحق، لوصف أرسطوطاليس أنه مخض آراء الفلاسفة ونخل مذاهب الحكماء، فنفى خبثها، وأسقط غثها، وانتقى لبها، واصطفى خيارها، فاعتقد منها ما توجبه العقول السليمة وتراه البصائر النافذة، وتدين به النفوس الطيبة، فأصبح إمام الحكماء، وجامع فضائل العلماء، وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد.
قرأت بخط محمد بن ايوب بن غالب الأنصاري الأندلسي الغرناطي في كتابه المعروف بكتاب القصد والأمم في التعريف بأخبار الأمم قال: وأما أرسطوطاليس فهو أرسطوطاليس بن ينقو ماخوش الجهراشي الفيثاغوري، وتفسير ينقو ماخش قاهر الخصم، وتفسير أرسطوطاليس تام الغذاء، وقيل تام الفضيلة، لأن أرسطو هو الفضيلة وطاليس التام، قاله المسعودي، وكان ينقو ماخش فيثاغوري المذهب، وكان أرسطوطاليس معلم الاسكندر الملك بن فليقوس بن الاسكندر المقدوني.
ذكر من اسمه أرسلان
أرسلان بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آق سنقر التركي: وقيل أرسلان شاه، الملقب نور الدين بن عز الدين صاحب الموصل، قدم مع والده حلب حين ملكها في سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وعاد معه إلى الموصل، ولما توفي والده في شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة تولى ولده هذا الموصل في يوم الخميس خامس وعشرين من شعبان سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وتوفي يوم الاحد ثامن وعشرين رجب من سنة سبع وستمائة، وكان حسن السيرة، ووصل الخبر بوفاته في شعبان إلى حلب، وجلس الملك الظاهر في عزائه بحلب، وجمع له الكبراء والأماثل، وتكلم الوعاظ وأنشد الشعراء بدار العدل، وأظهر الاحتفال به، والانزعاج لموته.
أخبرنا أبو المحامد إسماعيل بن حامد القوصي قال: أنشدني الملك العادل أتابك نور الدين أرسلان شاه بن أتابك عز الدين مسعود بن أتابك قطب الدين مودود بن زنكي بن آق سنقر صاحب الموصل عند مقدمي إليه رسولا عن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحمه الله هذه الأبيات، وذكر أن الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله كتب بها إلى والده أتابك عز الدين مسعود على سبيل المعاتبة في أول المكاتبة، وهي للشريف الرضي:
يا مالكاً نقض الودادا ... أشمتّ بالقرب البعادا
وتركتني والفكر يأبى ... أن يروّح لي فؤادا
ارجع إلى حسن الوفا ... فإنه إن عدت عادا
ودع العدا فوحرمة ... العلياء لا بلغوا مرادا
من ضاع مثلي من يديه ... فليت شعري ما استفادا
قال: وذكر لي رحمه الله أن والده كتب إليه في ذلك بهذين البيتين:
يا ملكاً أصبح لي ناصراً ... إذ عزّ أعوان وأنصار
مرني بخوض النار والعن فتى ... تثنيه عن طاعتك النار
قال القوصي: وهذا الملك كانت له سيرة جميلة، وهمة شريفة، وتمذهب بمذهب الإمام الشافعي، وكان آباؤه على مذهب الإمام أبي حنيفة، ومولده بالموصل.
أنبأنا عبد العظيم المنذري قال: وفي أواخر رجب - يعني من سنة سبع وستمائة - توفي الملك العادل نور الدين أبو الحارث أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحب الموصل، في شبارة ظاهر الموصل، وكتم موته حتى دخل به إلى دار السلطنة، وكانت مدة ملكه سبع عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، وكان عالي الهمة، وقام بالأمر بعده ولده عز الدين أبو الفتح مسعود، وكان الثناء عليه جميلاً.
أرسلان اللاني، أبو الحارث قدم بالس، وحكى عن قبور الشهداء بصفين، روى عنه أبو الحسن بن ننجاب الطيبي.

أخبرنا أبو العلاء أحمد بن شاكر المعري فيما أذن لنا في روايته عنه عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد الخشاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال: أخبرنا أبو طاهر بن الباقلاني قال: أخبرنا أبو علي ابن شاذان قال: قال أبو الحسن بن ننجاب الطيبي قال: حدثني رجل كان ركب معنا في سفينة، يكنى بأبي الحارث، واسمه أرسلان اللاني قال: خرجت من الرقة أريد بالس، فرأيت الجبل الذي بصفين الذي قاتل عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان رحمهما الله، فرأينا القبور على ذلك الجبل بالبعد من مسيرة فرسخين، أقل أو أكثر، لو أراد العاد لعدها، من ذلك المكان ظاهرة بينه، واذا فوقها غمام يظلها، فلما قربنا وبلغنا اليها فاذا القبور مستوية بالارض لا يبين منها شيء ولا قبر، ببياض الارض، وكأن نورا يظلها، فأقول لو كان أحد الفريقين على غير هدى لم يكن النور بينا إلا على المحق من احدى الطائفتين.
أرسلان التركي أبو الحارث: وقبل أبو منصور البساسيري منسوب إلى بسا بلدة بفارس والعرب تسميها فسا، وينسبون اليها فسوي، وأهل فارس يقولون بسا بين الباء والفاء، وينسبون إليها البساسيري. وكان مولاه رجل من أهل بسا، فنسب الغلام إليه، واشتهر بهذه النسبة، وكان أحد الأمراء الأصفهسلارية فعظم شأنه، واستفحل أمره، وقويت هيبته، وانتشر ذكره، ومكنه القائم من البلاد، وكثر منه العبث والفساد، وآل أمره إلى العصيان على القائم، ونهب بغداد وكان رأس الاتراك بها، فخرج عليه، وهون أمره بكل ما وصلت قدرته إليه، حتى كان يأخذ الجاني من حرم الخليفة، ولا يلحقه في سوء فعله نظر في عاقبة ولا خيفة.
وقرأت في تاريخ أبي غالب همام بن جعفر بن المهذب المعري انه كان إذا وصلت هدية من خراسان وغيرها من البلاد اعتقلها شهرا قبل أن يطلقها له بسؤال، وأشياء كثيرة تجري هذا المجرى في حق الخليفة فعلها، فلما زاد الامر على الخليفة بعث إلى طغرلبك ملك التركمان والغز، أبو طالب محمد بن ميكال، وكان مقيما بالري وقد ملك من جيجون إلى بغداد، وأذل الملوك من أولاد محمود والترك وغيرهم، فوصله الرسول من الخليفة يأمره بأن يصل إلى بغداد ليستنجد به على البساسيري أبي منصور، فأقبل إليه طغرلبك في مائة الف وعشرين ألف من الترك والغز، والأعاجم، والكرد، والديلم، وغيرهم من الاجناس، فوصل بغداد وهجمها، وقتل منها خلقاً عظيماً، ونهبها، وذلك أنهم قاتلوه، وانهزم البساسيري منه فحصل في أرض الرحبة، ولقيه معز الدولة - يعني ثمال بن صالح - وأكرمه، وحمل إليه مالاً عظيماً، وكان قد وصل في قلة، فحدث من شاهده من بني كلاب أنه لم ير مثله في الشجاعة والمكر والحيلة، وكان إذا ركب معز الدولة قفز إليه ليمسك له الركاب ويصلح ثيابه في السرج، وهمت بنو كلاب بأخذه فمنعها معز الدولة، وندم بعد ذلك عليه، ثم انه تقدم إلى أن حصل على الفرات، وفزع منه معز الدولة وكثر عسكره، فسلم إليه الرحبة لما طلبها من معز الدولة، ليجعل فيها ماله وأهله.
قلت: وكان حصوله على الفرات بأرض بالس فإنني قرأت في بعض تعاليق الشاميين في التاريخ ما صورته: ظهور البساسيري إلى الشام، ونزوله أرض بالس مدة سنة وشهرين، سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وقرأت في تاريخ همام بن المهذب في حوادث سنة خمسين وأربعمائة فيها: اضطرب الأمر في خراسان على طغرلبك، فسار لإصلاحه، فجمع البساسيري من قدر عليه من الكرد والديلم، واجتمعت إليه بنو عقيل، وكان علم الدين قريش بن بدران زعيمها، وبنو أسد زعيمها نور الدولة دبيس بن مزيد، وقصد بغداد، وزحف معهم أهل الجانب الغربي من بغداد إلى دار الخلفة القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبي جعفر بن القادر، فنهبوا جميع ما فيها، واستدعى الخليفة من فوق القصر علم الدين قريش بن بدران، فجاءه فخرج إليه الخليفة وهو مبرقع، وعليه بردة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يده قضيبهن فأجاره ولم يمكن منه أحدا، ومنعه من البساسيري، وسيره إلى حصن عانه، وقيل: الحديثة وهو حصن منيع في وسط الفرات، وصاحبه رجل يعرف بمهارش، أحد أمراء بني عقيل، فأكرمه إكراماً عظيماً، وخدمه خدمة مرضية، فبقي فيه عند مهارش شهوراً.

قال ابن المهذب: وفيها: - يعني سنة احدى وخمسين - دعا البساسيري للمستنصر صاحب مصر في جامع المنصور ببغداد، وبقيت الدعوة شهورا.
وفيها: عاد طغرلبك ملك التركمان أبو طالب محمد بن ميكال إلى بغداد، فانحاز البساسيري وجماعته العرب، وخرج معهم من التجار ببغداد وغيرهم خلق عظيم لا تحصى أموالهم، وذكر أنهم كانوا زهاء عن مائة ألف وعشرين ألفا، وتبعهم من أصحاب طغرلبك زهاء عن عشرين ألفاً، فقتل البساسيري وخلق كثير لا يحصى عدده، ونهبت تلك الاموال وكان الذين تبعهم ولقيهم من عسكر طغرلبك نحو من عشرين ألفاً.
وسار مهارس العقيلي بالخليفة إلى بغداد في محمل، فأعطاه من الأموال والاقطاع شيئاً عظيماً، حتى أنه صار مهارش أيسر بني عقيل.
وسار الأمير أبو ذؤابة عطية بن أسد الدولة صالح بن مرداس إلى الرحبة فأخذ جميع ما تركه البساسيري بها من السلاح الذي لم ير مثله كثرة وجودة وأموالا جزيلة كانت للبساسيري، ثم ولى فيها بعض أصحابه.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إذناً قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: ولم يزل أمر القائم بأمر الله مستقيماً إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وأربعمائة، وكان السبب في ذلك أن أرسلان التركي المعروف بالبساسيري، كان قد عظم أمره واستفحل شأنه لعدم نظرائه من مقدمي الاتراك المسمين الاصفهسلارية، واستولى على البلاد، وانتشر ذكره، وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم، ودعي له على كثير من المنابر العراقية، وبالاهواز ونواحيها وجبى الأموال، وخرب الضياع ولم يكن الخليفة القائم بأمر الله يقطع أمراً دونه، ولا يحل ويعقد إلا عن رأيه.
ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته، وشهد عنده جماعة من الاتراك أن البساسيري عرفهم - وهو إذا ذاك بواسط - عزمه على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة، فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكال المعروف بطغرلبك أمير الغز، وهو بنواحي الري يستنهضه على المسير إلى العراق، وانفض أكثر من كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد، ثم أجمع رأيهم على أن قصدوا دار البساسيري، وهي بالجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح، بقرب الحريم الطاهري، فأحرقوها وهدموا أبنيتها، ووصل طغرلبك إلى بغداد في شهر رمضان من سنة سبع وأربعين وأربعمائة، ومضى البساسيري على الفرات إلى الرحبة، وتلاحق به خلق كثير من الاتراك البغداديين، وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته، وأنه على اقامة الدعوة له بالعراق، فأمده بالاموال وولاه الرحبة.

وأقام طغرلبك ببغداد سنة إلى أن خرج منها إلى الموصل، وأوقع بأهل سنجار وعاد إلى بغداد، فأقام بها مدة، ثم رجع إلى الموصل، وخرج منها متوجها إلى نصيبين ومعه أخوه ابراهيم ينال، وذلك في سنة خمسين وأربعمائة، فخالف عليه أخوه ابراهيم، وانصرف بجيش عظيم معه يقصد الري، وكان البساسيري راسل ابراهيم يشير عليه بالعصيان لأخيه ويطمعه في الملك والتفرد به، ويعده بمعاضدته ومضافرته عليه، فسار طغرلبك في إثر أخيه ابراهيم، وترك عساكره، فتفرقت، غير أن وزيره المعروف بالكندري وربيبه أنوشروان وزوجته خاتون وردوا بغداد بمن بقي معهم من العسكر في شوال من سنة خمسين وأربعمائة، واستفاض الخبر باجتماع طغرلبك مع أخيه ابراهيم بهمذان، وأن ابراهيم استظهر على طغرلبك، وحصره في مدينة همذان، فعزمت خاتون وابنها أنوشروان والكندري على المسير إلى همذان لإنجاد طغرلبك، واضطرب أمر بغداد اضطرابا شديداً، وأرجف المرجفون باقتراب البساسيري، فبطل عزم الكندري على المسير فهمت خاتون بالقبض عليه وعلى ابنها لتركهما مساعدتها على انجاد زوجها، ففرا إلى الجانب الغربي من بغداد، وقطعا الجسر وراءهما. وانتهبت دارهما، واستولى من كان مع خاتون من الغز على ما تضمنتا من العين والثياب والسلاح وغير ذلك من صنوف الاموال، ونفذت خاتون بمن ضوى إليها، وهم جمهور العسكر، متوجهة نحو همذان وخرج الكندري وأنوشروان يؤمان طريق الاهواز، فلما كان يوم الجمعة السادس من ذي القعدة تحقق الناس كون البساسيري بالانبار، ونهضنا إلى صلاة الجمعة بجامع المنصور فلم يحضر الإمام واذن المؤذنون بالظهر ونزلوا من المئذنة، فأخبروا أنهم رأوا عسكرا للبساسيري حذاء شارع دار الرقيق، فبادرت إلى أبواب الجامع فرأيت من الاتراك البغداديين أصحاب البساسيري نفراً يسيرا يسكنون الناس، ونفذوا إلى الكرخ، فصلى الناس في هذا اليوم بجامع المنصور ظهرا أربعاً من غير خطبة، ثم ورد من الغد، وهو يوم السبت نحو مائتي فارس من عسكر البساسيري.
ثم دخل البساسيري بغداد يوم الاحد ثامن ذي ذي القعدة، ومعه الرايات المصرية، فضرب مضاربه على شاطئ دجلة، ونزل هناك والعسكر معه، وأجمع أهل الكرخ والعوام من أهل الجانب الغربي على مضافرة البساسيري، وكان قد جمع العيارين وأهل الرساتيق وكافة الذعار وأطمعهم في نهب دار الخلافة، والناس اذ ذاك في ضر وجهد قد توالت عليهم سنون مجدبة، والاسعار غالية والاقوات عزيزة، وأقام البساسيري بموضعه والقتال في كل يوم يجري بين الفريقين في السفن بدجلة.
فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعي لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور، وزيد في الأذان حي على خير العمل، وشرع البساسيري في اصلاح الجسر فعقده بباب الطاق وعبر عسكره عليه وانزله بالزاهر، وكف الناس عن المحاربة أياما، وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعي لصاحب مصر في جامع الرصافة كما دعي له في جامع المنصور، وخندق الخليفة حول داره، ونهر المعلى خنادق وأصلح ما استرم من سور الدار، فلما كان يوم الاحد لليليتين بقيتا من ذي القعدة حشر البساسيري أهل الجانب الغربي عموما، وأهل الكرخ خصوصاً ونهض بهم إلى حرب الخليفة، فتحاربوا يومين، قتل بينهما قتلى كثيرة.
واستهل هلال ذي الحجة، فدلف البساسيري في يوم الثلاثاء ومن معه نحو دار الخلافة، وأضرم النار في الاسواق بنهر معلى وما يليه، ولم يكن بقي في الجانب الغربي إلا نفر ذو عدد، وعبر الخلق للانتهاب، وأحاطوا بدار الخلافة، فنهب ما لا يقدر قدره، ووجه الخليفة إلى قريش بن بدران البدوي العقيلي، وكان ضافر البساسيري، وأقبل معه، فأذم قريش للخليفة في نفسه، ولقيه قريش فقبل الارض بين يديه دفعات، وخرج الخليفة معه من الدار راكبا، وبين يديه راية سوداء، وعلى الخليفة قباء أسود وسيف ومنطقة، وعلى رأسه عمامة تحتها قلنسوة، والأتراك في أعراضه وبين يديه، وضرب قريش للخليفة خيمة ازاء بيته بالجانب الشرقي، فدخلها الخليفة، وأحدق بها خدمة.
وماشى البساسيري وزير الخليفة أبا القاسم بن المسلمة ويد البساسيري قابضة على كم الوزير، وقبض على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني وجماعة معه وحملوا إلى الحريم الطاهري وقيد الوزير وقاضي القضاة.

فلما كان يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة لم يخطب بجامع الخليفة، وخطب في سائر الجوامع لصاحب مص، وفي هذا اليوم انقطعت دعوة الخليفة من بغداد، ولما كان يوم الاربعاء تاسع ذي الحجة، وهو يوم عرفه، أخرج الخليفة من الموضع الذي كان به، وحمل إلى الانبار ومنها إلى حديثة عانة على الفرات، فحبس هناك، وكان صاحب الحديثة والمتولي خدمة الخليفة بنفسه هناك مهارش البدوي، وحكي عنه حسن الطريقة وجميل المعتقد.
فلما كان يوم الاثنين الثامن والعشرون من ذي الحجة شهر الوزير على جمل وطيف به في محال الجانب الغربي، ثم صلب حياً بباب خراسان إزاء الترب، وجعل في كلوبان من الحديد وعلق على جذع، فمات بعد صلاة العصر من هذا اليوم، وأطلق قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني بمال قرر عليه، وخرجت من بغداد يوم النصف من صفر سنة احدى وخمسين.
فلم يزل الخليفة في محبسه بحديثة عانة إلى أن ظفر طغرلبك بأخيه ابراهيم وقتله، ثم كاتب قريشاً في اطلاق الخليفة وإعادته إلى داره، وذكر لنا أن البساسيري عزم على ذلك لما بلغه أن طغرلبك متوجه إلى العراق، واطلع البساسيري أبا منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف على ذلك وجعله السفير بينه وبين الخليفة فيه، وشرط أن يضمن الخليفة للبساسيري صرف طغرلبك عن وجهه.
وأحسب أن طغرلبك كاتب مها رشا في أمر الخليفة، فأخرجه من محبسه، وعبر به الفرات، وسار به في البرية قصد تكريت في نفر من بني عمه، وأغذ السير حتى وصل به إلى دجلة، ثم عبر به وسار في صحبته قصد الجبل، وقد بلغه أن طغرلبك بشهرزور فلما قطع أكثر الطريق عرف أن طغرلبك قد حصل ببغداد، فعاد سائرا حتى وصل إلى النهروان، فأقام بالخليفة هناك، ووجه إليه طغرلبك مضارب ورحلا وأثاثا، ثم خرج لتلقيه، فانتهى الينا ونحن بدمشق في يوم عيد الاضحى من سنة احدى وخمسين وأربعمائة ان الخليفة تخلص من محبسه، وانتهى الينا لسبع بقين من ذي الحجة خبر حصوله ببغداد في داره.
وكتب إلي من بغداد من ذكر أن الخليفة حصل في داره في يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وأسرى طغرلبك إلى البساسيري عسكراً من الغز وهو في بلد ابن مزيد بسقي الفرات، فحاربوه إلى أن ظفر به، وقتل وحمل رأسه إلى بغداد، فطيف به وعلق إزاء دار الخلافة في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
ذكر أبو الوفاء الاخشيكثي في تاريخه، وحكاه عن الأديب أبي العباس أحمد ابن علي بن بابه القاشي في ذكر أبي الحارث أرسلان التركي البساسيري قال: هو منسوب إلى بسا مدينة بفارس، والعرب تقول فسا، وينسبون إليها فسوي، وأهل فارس ينسبون إليها البساسيري، وكان مولاه رجلاً من أهل بسا، فنسب الغلام إليه واشتهر بهذه النسبة.
قرأت بخط العماد الكاتب أبي حامد محمد بن الأصبهاني في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة: وقتل في هذه السنة البساسيري، فإن السلطان سير أنوشروان، وأزذم، وساونكين الخادم، وانصاف إليهم سرايا بن منيع الخفاجي، فقصدوا نور الدولة دبيساً، والبساسيري عنده، فمضى نور الدولة ووقف البساسيري في جماعة ووقعت في فرس البساسيري نشابة فاجتهد في قطع تجفافها، ورمته فرسه، ووقع في وجهة ضربة، وأسره كمشتكين دواتي عميد الملك، وحز رأسه، وحمله إلى السلطان.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: دفع إلي أبو الحسن علي ابن أحمد بن الحسين اليزدي الفقيه جزءاً في آخره بخط محمود بن الفضل بن أبي نصر الأصبهاني دعاء الامام القائم بأمر الله أمير المؤمنين رضي الله عنه لما أخذه البساسيري وحمله إلى الحديثة، وهو في السجن، فعمل هذا الدعاء، وسلمه إلى بدوي وأمره أن يعلقه على الكعبة: إلى الله العظيم، من عبدك المسكين، اللهم إنك العالم بالسرائر والمحيط بمكنونات الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي بما أنا فيه، عبد من عبيدك قد كفر بنعمتك وما شكرها، وألقى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك، حتى تعدى علينا بغياً، وأساء إلينا عتواً وعدواناً.
اللهم قل الناصرون لنا، واعتز الظالم، وأنت المطلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتز عليه، وإليك نهرب بين يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك يا رب العالمين.

اللهم إنا حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك ووثقت في كشفها بكرمك، فاحكم بيني وبينه، وأنت خير الحاكمين، وأرنا منه ما نرتجيه، فقد أخذته العزة بالاثم.
اللهم فاسلبه عزه ومكنا بقدرتك من ناصيته يا أرحم الراحمين.
فحملها البدوي وعلقت على الكعبة، فحسب ذلك اليوم، فوجد أن البساسيري قتل وجيء برأسه بعد سبعة أيام من التاريخ.
نقلت من كتاب الربيع تأليف غرس النعمة محمد بن هلال الصابئ، وأنبأنا به عبد اللطيف بن يوسف عن أبي الفتح بن البطي قال: أنبأنا أبو عبد الله الحميدي عنه قال: حدثني المسعود بن أبي المعالي الفضل، وكان أحد حجاب البساسيري، في المحرم من سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بالرحبة، وقد خرجت إليها خوفاً من جريرة فعل البساسيري بالقائم بأمر الله، قال: رأيت في منامي في ذي الحجة كأن البساسيري جالساً في داره وأنا قائم على رأسه إذ دخل عليه غلامان بثياب حسان، فنهض إليهما وخدمهما وقبل أيديهما وأرجلهما، وجلس بين أيديهما، فقالا له: يا هذا قصدت البصرة فعضدناك، والنبار فأعناك، وسنجار فساعدناك، والموصل فقويناك، وبغداد فنصرناك، وقالا بأيديهما يضمانها ويبسطانها ما معناه، فما آخر ذاك، وإلى متى؟ يكررانه دفعات، فاستطرف ذاك، وجاء خبره بعد أيام إلى الرحبة بقتله وزوال أمره.
قرأت بخط أبي منصور أسبهدوست بن محمد بن أسفار الديلمي في ديوان شعره يرثي أبا الحارث البساسيري:
أقسمت بعدك لا أقول مديحا ... حتى أصابح في التراب صفحيا
كلا ولا صاحبت غيرك صاحباً ... إلاّ الأسى والحزن والتبريحا
الصبر يحسن عند كل مصيبةٍ ... وأراه بعدك يا أجلّ قبيحا
لهفي على دمك العزيز وقد غدا ... فوق التراب مضيعاً مسفوحا
إن كنت لم تسكن ضريحاً فالحشا ... منيّ لذكرك لا يزال ضريحا
ولقد علمنا إذ طرحت على الثرى ... أن الندى أمسى هناك طريحا
ذكر من اسمه أزهر
أزهر كان مع علي رضي الله عنه بصفين، ثم صار بها مع معاوية رحمه الله، له ذكر في وقعة صفين، ذكره المدائني.
أزهر الكوفي: بياع الخمر، كان بخناصرة من إقليم الاحص من عمل حلب، ورأى بها عمر ابن عبد العزيز رحمه الله، وسمع خطبته، روى عنه إدريس بن يزيد الأودي الكوفي.
أنبأنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادي عن أبي غالب بن البناء عن أبي محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا سليمان بن أيوب الجلاب قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت أبي ذكر عن أزهر - صاحب كان له - قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يخطب الناس، وقميصه مرقوع.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد - فيما أذن لنا أن نرويه عنه - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أنبأنا أبو علي الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، وأخبرنا قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد قال: حدثنا محمد بن شبل قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن أزهر بياع الخمر قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يخطب الناس، عليه قميص مرقوع.
ذكر من اسمه أسامة
أسامة بن الحسن بن عبد الله بن سلمان: سمع بأنطاكية أحمد بن الوليد بن محمد بن برد الأنطاكي، وحدث عنه، وعن عبد الله بن أحمد العدوي، وعلي بن معبد بن نوح البغدادي.
روى عنه أبو الطيب العباس بن أحمد الشافعي.

أنبأنا زين الأمناء أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرتنا أمة العزيز سكر ابنة أبي الفرج سهل ابن بشر الاسفرائيني قالت: أخبرنا أبي وأبو نصر أحمد بن محمد بن سعيد الطريثيثي قالا: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري البزاز، المعروف بابن الطفال، بمصر قال: أخبرنا أبو الطيب العباس بن أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بالشافعي قال: حدثنا أسامه بن الحسن بن عبد الله بن سليمان بعرقة قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا شجاع بن الوليد قال: حدثنا حمير بن الكندي عن زياد بن أبي زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالماً.
أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ: ابن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم بن سرار بن زياد بن زغيب بن مكحول ابن عمرو بن الحارث بن عمرو بن مالك بن أبي مالك بن عوف بن كنانة بن بكر بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن بشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح. أبو المظفر بن أبي سلامة بن أبي الحسن بن أبي المتوج الكناني الشيزري، الملقب مؤيد الدولة.
ولد بشيزر ونشأ بها وأخرجه عمه أبو العساكر سلطان بن علي خوفاً منه على نفسه، لما رأى من شجاعته وإقدامه، وقدم حلب مراراً متعددة، وكان من الأمراء الفضلاء الأدباء الشعراء الشجعان الفرسان، له مصنفات عديدة ومجاميع مفيدة، ومواقف مشهورة، ووقائع مذكورة، وفضائل مسطورة.
روى عن أبي الحسن علي بن سالم بن الأغر بن علي السنبسي وابنه كامل بن علي، ومؤدبه أبي عبد الله محمد بن يوسف بن المنيرة الكفرطابي، ووالده أبي سلامة مرشد بن علي بن منقذ، وأبي عبد الله محمد بن شافع بن الحسين ابن العرار، سمعهم بشيزر، وأبي بكر محمد بن مخلد بن عبد الله بن مخلد التميمي الإشبيلي، سمعه بمصر، والخطيب يحيى بن سلامة الحصفكي سمعه بميافارقين، وأبي هاشم محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر، سمعه بحماه، وأبي القاسم عبد الملك ابن زيد بن ياسين الدولعي خطيب دمشق، سمعه بدمشق، وآخرين غيرهم، وروى بالإجازة عن أبي الحسن علي بن أحمد بن قبيس الغساني.
روى عنه الحافظان أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، وأبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، وعماد الدين محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني الكاتب، وعبد السلام بن يوسف الدمشقي، وأبو البركات محمد ابن محمد بن علي قاضي أسيوط، والشريف أبو القاسم عبد الله بن علي بن زهرة الحلبي، وولده العضد مرهف بن أسامة بن منقذ، وجماعة غيرهم.
روى لنا عنه أبو إسحق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن سليمان، وأبو الحسن محمد بن أبي جعفر بن علي القرطبي، وأبو محمد عبد الله بن عمر بن علي الحموي، والحكيم أبو القاسم هبة الله بن صدقة الكولمي، وأبو عبد الله محمد بن عبد الكافي ابن علي الربعي، وأبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي وأبو المعالي محمد بن الحسين بن أسعد بن العجمي.
أخبرنا القاضي بهاء الدين أبو إسحق إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي - قراءة عليه بداره بدمشق - ، والشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي القرطبي الدمشقي بها، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن الكافي بن علي الربعي، قاضي حمص بحلب وبدمشق، وأبو القاسم هبة الله بن صدقة بن عبد الله الكولمي بالقصر الغربي بالقاهرة، قالوا: أخبرنا مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ الكناني قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن سالم بن الأغر بن علي السنبسي بثغر شيزر سنة تسع وتسعين وأربعمائة قال: أخبرنا الشيخ أبو صالح محمد بن المهذب بن علي قال: حدثنا جدي أبو الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد قال: حدثنا أبو حامد بن همام قال: حدثنا محمد بن سليم القبرسي قال: حدثنا إبراهيم بن هدبة عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا من بكى على ذنب في الدنيا حتى تسيل الدموع على حر وجهه حرم الله ديباج وجهه على جهنم.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني الإمام قال: أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الشيزري، أبو المظفر المعروف بمؤيد الدولة من أهل شيزر، قلعه بالشام من الثغر، أمير فاضل غزير الفضل، وافر العقل، حسن التدبير، مليح التصانيف، عارف باللغة والأدب، مجود في صنعة الشعر، من بيت الإمارة والفروسية واللغة، سكن دمشق، لقيته بالفوار بظاهر دمشق بحوران، واجتمعت معه بدمشق عدة نوب، وكان مليح المجالسة حسن المحاورة، كثير المحفوظ، كان يقول لي: كنت أحفظ أكثر من عشرين ألف بيت من شعر الجاهلية، علقت عنه من شعره شيئاً، وقال لي: دخلت بغداد وقت محاربة دبيس بن صدقة مع المسترشد بالله، قال: ونزلت الجانب الغربي عند باب البصرة وما عبرت إلى شرقيها، سألته - أعني أبا المظفر - عن مولده، فقال: ولدت في سنة سبع أو ثمان وثمانين وأربعمائة - أنا الشاك.
أخبرنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، قال: أسامة بن مرشد بن علي بن المقلد بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو المظفر الكناني الملقب بمؤيد الدولة، له يد بيضاء في الدب والكتابة والشعر، ذكر لي أنه ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وخدم بها السلطان، وقرب منه وكان شجاعاً فارساً، ثم خرج إلى مصر، فأقام بها مدة، ثم رجع إلى الشام، وسكن حماة، واجتمعت به بدمشق، وأنشدني قصائد من شعره سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
قرأت بخط مؤيد الدولة أسامة في كتابه الموسوم بأزهار الأنهار، وقد أجاز روايته مع غيره لجماعة أجازوا لنا ذلك عنه منهم: الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان قال: ومما يخصني من غرائب اللبن أنني حين ولدت إلتمس لي من يرضعني، فقدر الله سبحانه الرزق من امرأة كبيرة قد نيفت عن الستين سنة، ليس لها ولد صغير، فدرت علي وأرضعتني إلى حين فطمت، وعاشت بعد فطامي نحوا من خمس عشرة سنة وكانت رحمها الله متى عصرت ثديها طار منه اللبن كأنها مرضعة.
أنبأنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال: قال لي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الملحي: الأمير مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ شاعر أهل الدهر، مالك عنان النظم والنثر، متصرف في معانيه، لاحق بطبقة أبيه، ليس يستقصي وصفه بمعان، ولا يعبر عن شرحها بلسان، فقصائده الطوال، لا يفرق بينها وبين شعر ابن الوليد ولا ينكر على منشدها نسبتها إلى لبيد، وهي على طرف لسانه بحسن بيانه غير محتفل في طولها، ولا يتعثر لفظه العالي في شيء من فصولها والمقطعات فأحلى من الشهد، وألذ من النوم بعد طول السهد في كل معنى غريب وشرح عجيب.
قلت: ولم يذكر الحافظ أبو القاسم في تاريخه أحداً ممن تأخرت وفاته عن وفاته غير أربعة أو خمسة، أبو المظفر أسامة بن منقذ هذا أحدهم، وذلك لجلالته عنده، وعلو منزلته.

أنبأنا محمد بن إسماعيل بن عبد الجبار بن أبي الحجاج المصري قال: أخبرنا عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصبهاني في كتاب خريدة القصر وجريدة العصر تأليفه، قال: أسامة كإسمه في قوة نثره ونظمه، يلوح من كلامه أمارة الإمارة، ويؤسس بيت قريضه عمارة العبارة، نشر له علم العلم، ورقي سلم السلم، ولزم طريق السلامة وتنكب سبل الملالة والملامة، واشتغل بنفسه، ومجاورة أبناء جنسه، حلو المجالسة حالي المساجلة، ندي الندى بماء الفكاهة، عالي النجم في سماء النباهة، معتدل التصاريف، مطبوع التصانيف، أسكنه عشق الغوطة دمشق المغبوطة، ثم نبت به كما ينبو الدار بالكريم، فانتقل إلى مصر، فبقي بها مؤمراً مشاراً إليه بالتعظيم إلى أيام ابن رزيك، فعاد إلى الشام، وسكن دمشق مخصوصاً بالاحترام حتي أخذت شيزر من أهله، ورشقهم صرف الزمان بنبله، ورماه الحدثان إلى حصن كيفا مقيما بها في ولده، مؤثراً بلدها على بلده حتى أعاد الله سلطنة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة سبعين، ولم يزل مشغوفاً بذكره، مستهترا بإشاعة نظمه ونثره، والأمير العضد مرهف ولد الأمير مؤيد الدولة جليسه وأنيسه، فاستدعاه إلى دمشق، وهو شيخ قد جاوز الثمانين. وكنت قد طالعت مذيل السمعاني، فوجدته قد وصفه وقرظه، وأنشدني العامري له بأصبهان من شعره ما حفظه، وكنت أبدأ لقياه، وأشيم على البعد حياه، وسألته عن مولده فقال: يوم الأحد سابع عشري جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وقرأت في كتاب أنموذج الأعيان لعبد السلام بن يوسف الدمشقي بخطه قال: الأمير الأوحد، العالم، مجد الدين، مؤيد الدولة، أبو المظفر أسامة بن مرشد ابن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الشيزري الكناني، مبرز في علم الأدب، عريق في النسب، من بيت التقدم والإمارة والسيادة في البداوة والحضارة، مع عقل كامل وافر، ورأي وجه العواقب عنده سافر، لم يزل موصوفاً بالإقدام والشجاعة، معروفاً باللسن والبراعة، لقيته بدمشق في شهر جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وأخبرني أن مولده في ثالث عشري جمادى الآخرة، يوم الأحد، سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وأنشدني من نظمه ما يضاهي نظام اللآلي، ويكون قلادة في جيد الأيام والليالي.
قلت: كان في الأصل بخط عبد السلام بن يوسف سابع عشري جمادى، فضرب بخطه على سابع وكتب فوقه ثالث، والذي يظهر لي أن المضروب عليه هو الصحيح.
وقرأت في كتاب الاعتبار تأليف أسامة بن مرشد: ولدت أنا وهو - يعني ابن عمه سنان الدولة شبيب بن حامد بن حميد - في يوم واحد، يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
أخبرني أبو المعالي محمد بن الحسين بن أسعد بن عبد الرحمن الحلبي قال: سمعت أسامة بن مرشد بن منقذ، مؤيد الدولة، يحكي لنا بدمشق أن سبب إخراج عمه إياه من شيزر أنه قتل أسداً ضارياً بناحية شيزر فأخرجه عمه - يعني أبا العساكر سلطان بن علي - منها خوفاً على نفسه منه.
وقال لنا: جاء الخبر إلى عمي بأن في بعض نواحي شيزر أسداً ضارياً قد آذى الناس في طريقهم، فتقدم عمي إلى عسكره كلهم أن يركبوا بكرة الغد من ذلك اليوم الذي تقدم إليهم فيه للتأهب للقاء الأسد وقتله.
قال: فاستدعيت غلامي وأمرته بإسراج دابتي وأخذ رمحي معه، وركبت أنا والغلام في اليوم الذي أمر عمي بالتأهب له، وخرجت وغلامي معي حتى أتيت الموضع الذي فيه الأسد، فخرج الأسد وحمل علي فقاتلته وصرعته، ونزلت إليه فقطعت رأسه، وناولته الغلام، وأمرته بتسميطه معه على الدابة التي تحته، ودخلت شيزر وبت بها، فلما أصبح الصباح ركب عمي وعسكره، وخرجوا يطلبون الأسد، فوجدوا جثته مطروحة بلا رأس، فعجبوا من ذلك، وأنا ساكت لا أتكلم.

قال: وتحدث غلامي مع الغلمان بذلك فشاع بينهم حتى علم عمي به، فرجع ودخل شيزر، وصعدنا على العادة إلى قلعتها وبتنا تلك الليلة، فقام عمي نصف الليل وطلبني، وأمر من أسرج له مركوباً، وأمرني بالركوب وقال: أريد أن تجيء معي إلى موضع سماه خارج شيزر في شغل، فركبت معه حتى أبعدني عن شيزر، ثم قال لي: يا بن أخي شيزر لك فهبها لي، فوالله ما بقيت أقدر على مساكنتك، ولم يأخذني في هذه الليلة نوم من شدة فكري فيك، إذا كان فعلك مع الأسد هذا الفعل فايش يكون معي لو سولت لك نفسك أن تفتك بي؟ ومنذ رجعت إلى القلعة ليس لي فكر إلا فيك، ولم يأخذني نوم في ليلتي هذه ولا قرار إلى أن بادرت إلى إخراجك، فما اقدر أن أساكنك وأنت على هذه الصفة ! قال: فامتثلت أمره، وودعني، وعاد إلى شيزر؛ قال: فخرجت منها وأقمت في مكان سماه لنا شذ عني اسمه.
قلت: وإلى هذا أشار أسامة في قوله، وقد أسن وأرعشت يده، وكتب خطاً مضطرب الحروف.
فاعجب لضعف يدٍ عن حملها قلماً ... من بعد حطم القنا في لبّة الأسد
انشدنا افتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أنشدنا تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني.
ثم أنشدني تاج الدين أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي الفنكي بدمشق قالا: أنشدنا أسامة بن مرشد بن منقذ الشيزري لنفسه:
يا دهر مالك لا يص ... دك عن مساءتي العتاب
أمرضت من أهوى ويأ ... بى أن أمرضه الحجاب
لو كنت تنصف كانت الأ ... مراض لي وله الثواب
قال العماد أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصبهاني - وقد أورد لأسامة هذه الأبيات في خريدة القصر: قد قيل في مرض الحبيب كل معنى بكر مخترع بديه، ومبتدع فكر، إلا أن هذه الأبيات لطيفة المعنى، ظريفة المغزى، مقصدها سهيل، وموردها سهل، لو سمعتها في البادية عقيل لم يثبت لها عقل، ولا شك أن حبيبته عند استنشاق هوائها فاز ببرو مهجته وشفائها.
أنشدنا أبو الحسن محمد بن أي جعفر بن علي القرطبي قال: أنشدني أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن منقذ الكناني لنفسه:
إذا الصب أشفى من جواه على شفا ... أتى الياس مما يرتجي بشفائه
وقد زادني يأسي سقاماً فكيف ... بالشفاء لصب داؤه في دوائه
أنشدني أبو علي حسن بن محمد بن إسماعيل النيلي قال: أنشدنا مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقد لنفسه في كتاب العصا:
حناني الدّهر وأب ... لتني الليالي والغير
فصرت كالقوس ومن ... عصاي القوس وتر
أهدج في مشيي وفي ... خطوي فتورٌ وقصر
كأنني مقيدٌ ... وإنما القيد الكبر
والعمر مثل الكأس في ... آخره يبقى الكدر
أنشدنا محمد بن أحمد بن علي بدمشق قال: أنشدني أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ لنفسه في ضرس قلعه:
وصاحبٍ صاحبني في الصبا ... حتى ترديت رداء المشيب
لم يبد لي ستين حولاً ولا ... بلوت من أخلاقه ما يريب
أفسده الدهر ومن ذا الذي ... يحافظ العهد بظهر المغيب
ثم افترقنا لم أصب مثله ... عمري ومثلي أبداً لا يصيب
فأعجب لها من فرقة باعدت ... بين أليفين وكل حبيب
أنشدني الحكيم أبو القاسم هبة الله بن صدقه بن عبد الله الكولمي بالقاهرة قال: انشدنا مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ لنفسه بدمشق في سنة أربع وثمانين وخمسمائة في ضرس قلعه:
وصاحب صاحبته ... ستين حولاً ما رأيته
حتى إذا عاينته ... عاينت منه ما أبيته
والهجر فيه راحةمن كل مصحوب قليته
وأنشدنا الحكيم أبو القاسم المذكور قال: أنشدنا مؤيد الدولة أسامة بن منقذ لنفسه في مثله:
وصاحب لا تمل الدهر صحبته ... يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظري افترقنا فرقة الأبد

قال العماد الكاتب - وأوردهما في الخريدة: لو أنصفت فهمك ان كنت منتقدا وترقيت عن مرقب وهمك مجتهدا، وغصت بنظر فكرك في بحار معانيه لغنمت من فرائد درره ولآليه، ولعلمت إذا لم يكن هكذا فلغو، وأنه إذا لم يبلغ هذا الحد من الجد فهجر ولهو، ومن الذي أتى في وصف السن المقلوع بمثل هذا الفن المطبوع، فهل سبقه أحد إلى معناه، وهل في هذا النمط ساواه.
أنشدنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الحلبي قال: أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني.
وأنشدنا محمد بن أحمد بن علي الفنكي قالا: أنشدنا أبو المظفر أسامة بن علي الكناني لنفسه:
لم يبق لي في هواكم أرب ... سلوتكم والقلوب تنقلب
أوضحتم لي سبل السلو وقد ... كانت لي الطرق عنه تنشعب
إلام دمعي من هجركم سرب ... قانٍ وقلبي من غدركم يجب
إن كان هذا لأن تعبدني السح ... با فقد أعتقني الريب
أحببتكم فوق ما توهمه ال ... خلق وخنتم أضعاف واحسبوا
أورد أبو عبد الله محمد بن محمد الكاتب هذه الأبيات في الخريدة وقال: تأمل معاني هذه الأبيات بعين التأني والثبات تعرف أن قائلها من ذوي الحمية، والنفوس الأبية، والهمم العلية وكل من يملكه الهوى ويسترقه قلما يطلقه السلو ويعتقه، إلا أن يكون كبيراً غلب عقله هواه، واستهجن في الشهوات المذمومة نيل مناه، وقوله قد أعتقني الريب في غاية الجودة، ونهاية الكمال، أعذب من الزلال، وأطيب من الحلال، وألعب بقلوب المتيمين من نسيم الشمال أنشدنا شيخ الشيوخ تاج الدين أبو محمد عبد الله بن عمر بن علي بن حموية قال: أنشدنا مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن منقذ لنفسه:
أيا تاج فرسان الهياج ومن بهم ... ثبتت أواخي ملك كل متوج
قوم إذا لبسوا الحديد عجبت من ... بحر يدافع في لظى متوهج
أنشدنا أبو الحسن بن أبي جعفر قال: أنشدنا أبو المظفر أسامة بن مرشد لنفسه وقالها على لسان الشيخ أبي صالح بن المهذب رحمه الله، وكانت فيه حدة مع فضل وعلم وتقى، وكان نزل بشيزر فريق من العرب معهم جارية اسمها شوق مستحسنة، وكتب الأبيات ورمى بها نسخا بشيزر، فوقع منها بيد الشيخ أبي صالح رحمه الله، فقامت قيامته، ولم يدر أحد من عمل الأبيات، فقال له الشيخ العالم أبو عبد الله محمد بن يوسف المعروف بابن المنيرة رحمه الله، وهو مؤدبه هذه الأبيات التي قد رميت ما يحسن يقولها إلا أنا، أو القاضي أبو مرشد بن سليمان، أو أنت، وأنا وأبو مرشد ما قلناها، وما قالها غيرك، وهي:
قولا لريم في حلة العرب ... إليك أشكو ما يصنع اسمك بي
بم استجازت عيناك سفك دمي ... وأخذ قلبي في جملة السلب
لولاك والدهر كله عجب ... ما خفرت في ذمة العرب
جارك أولى برعي ذمته ... إن أنت راعبت حرمة الصقب
هذا هوى كنت في بلهنية ... عنه فيا للرجال للعجب
أيسترق الكريم ذا النسب ال ... واضح عبد مستعجم النسب
ويحمل الثأر من به خورٌّ ... عن احتمال الحجال والقلب
نشدتك الله في احتمال دمي ... فمعشري ما يقوتهم طلبي
ما فات قومي آل المهذب من ... قبلي ثار في سالف الحقب
فلا تريقي دماً لذي أدب ... يسطو بأقلامه على القضب
قلت: هذا أبو صالح ابن المهذب ليس هو أبو صالح الكبير محمد بن المهذب ابن علي بن المهذب فان أسامة لم يدرك زمنه لأنه توفي سنة خمس وستين وأربعمائة وهذا غيره، ذكرنا ذلك لئلا يلتبس به.
أنشدنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن حموية قال: أنشدنا أسامة بن منقذ لنفسه:
أساكن قلبي والمهامه بيننا ... وانسا عيني والمزار بعيد
تمثلك الأشواق لي كل ليلة ... فهمي جديد والفراق مديد
أنشدنا محمد بن أبي جعفر بن علي قال: أنشدنا أسامة لنفسه:
أبى لي أن أبالي بالرزايا ... فؤاد لا يروع بالخطوب
ونفس لا تسف لمستفاد ... ولا تأس على وفر سليب

وعلمي أن ما أهوى وأخشى ... يزول بغير شك عن قريب
أنشدنا الامام أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أنشدنا أسامة بن مرشد بن علي في كتابه لنفسه:
يا رب إن إساءتي قد سودت ... يبد الكرام الكاتبين صحائفي
والخوف منك ومن عقابك مقلقي ... فارحم مخافة ذي الفؤاد الراجف
من خاف شيئاً فرّ منه هارباً ... وإليك منك مفر عبد خائف
أنشدنا محمد بن أحمد بن علي القرطبي قال: أنشدنا أسامة بن مرشد لنفسه، وكتبها على كتاب نسخه:
يا رب حسن رجائي فيك حسن لي ... تضييع وقتي في لغو وفي لعب
وأنت قلت لمن أضحى على ثقة ... بحسن عفوك إني عند ظنك بي
قال لي أبو علي حسن بن محمد بن إسماعيل القيلوي توفي أسامة بن مرشد ابن منقذ بدمشق في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، قال: وفيها دخلت دمشق.
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال - في ذكر من توفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة في كتاب التكملة لوفيات النقلة: وفي ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان توفي الامير الأجل مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة ابن أبي سلامة مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري بدمشق، ودفن من الغد بجبل قاسيون، وكان مولده بشيزر في يوم الاحد السابع والعشرين من جمادي الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقيل في شهر رمضان منها، حدث عن أبي الحسن علي بن سالم السنبسي وغيره، سمع منه الحفاظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، وأبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي وأبو المواهب الحسن بن هبة الله بن صصرى، وأبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد، وحدثنا عنه ولده الامير الأجل أبو الفوارس مرهف وغيره، وهو من بيت الامارة والشجاعة، وله اليد البيضاء في اللغة والكتابة والشعر، وله مصنفات مشهورة، وكان مشهورا بالشجاعة والإقدام، ودخل بغداد، والموصل، ودمشق ومصر.
أسامة بن أبي عطاء الانطاكي: معدود في التابعين، وعده أبو الحسن محمود بن ابراهيم بن محمد بن عيسى ابن القاسم بن سميع في الطبقة الرابعة منهم.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل إذناً عن أبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد أبي الحديد قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن الربعي قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الوهاب الكلابي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء قال: أخبرنا أبو الحسن محمود بن ابراهيم بن سميع، في الطبقة الرابعة من تابعي أهل الشام قال: أسامة بن أبي عطاء الأنطاكي.
ذكر من اسمه إسحق
من اسم أبيه ابراهيم ممن اسمه إسحق
إسحق بن ابراهيم بن الاخيل: وقيل ابن أبي الأخيل الحلبي، من أهل حلب، حدث عن مبشر بن إسماعيل الحلبي، وأبي سعيد الأنصاري، ونمير بن الوليد بن نمير، وأبي الزرقاء عبد الملك ابن محمد الدمشقي، ومعاوية بن هشام.
روى عنه أحمد بن سليمان الحلبي، وأبو أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي، وأبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني. وعبد الله بن محمد ابن زياد النيسابوري، وعثمان بن الحسن بن نصر الحلبي، وأبو ميمون أحمد بن محمد بن ميمون بن ابراهيم بن كوثر بن حكيم الحلبي، وأبو بكر أحمد بن محمد ابن أبي موسى الأنطاكي، وكان من الثقات.
أخبرنا عبد الله بن عمر بن علي بن اللتي قراءة عليه بحلب قال: أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء.
وأخبرنا أبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي بحلب قال: أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء والشريف أبو المظفر محمد ابن أحمد بن علي بن عبد العزيز الخطيب قالا: أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي قال: قرئ على أبي بكر محمد بن عمر بن خلف المعروف بابن الوراق، وأنا أسمع فأقر به قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني قال: حدثنا إسحق بن الأخيل قال: حدثنا أبو سعيد الأنصاري قال: حدثنا مسعر عن قتادة عن أنس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي دعوة يدعو بها لأمته، واني اختبأت دعوى شفاعة لأمتي يوم القيامة.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن غسان بن غافل الأنصاري بدمشق، ومكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصقر بحلب قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن جعفر الحرستاني قال: أخبرنا القاضي الخطيب أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد قال: أخبرنا أبو المعمر المسدد بن علي بن عبد الله الأملوكي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الكريم الأنطاكي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد الرافقي قال: أخبرنا أبو أسامة عبد الله بن محمد قال: حدثنا إسحق بن الأخيل قال: حدثنا نمير بن الوليد عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماء والارض والبقر والحديد وابن آدم.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان فيما أذن لنا فيه عن أبي القاسم بن أبي محمد قال: قرأت على أبي محمد السلمي عن أبي نصر بن ماكولا في كتاب الإكمال قال: وإسحق بن الأخيل حلبي ثقة.
إسحق بن ابراهيم بن بنان: وقيل بيان - أبو يعقوب الجوهري أصله من البصرة، وسكن دمشق، سمع بطرسوس أبا مأية محمد بن ابراهيم الطرسوسي وحدث عنه، وعن أبي داود سليمان ابن سيف الحراني، والربيع بن سليمان المرادي، ومحمد بن عبد الرحمن بن الحسن الجعفي.
روى عنه أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي، وأبو الحسين محمد بن.... وعلي بن أحمد الرازيان، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار بن ذكوان، وعبد الله بن عمر أيوب المري.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو العلاء الواسطي قال: حدثنا علي بن أحمد بن ثابت الرازي قال: حدثنا إسحق بن بيان الجوهري بدمشق - وأنا سألته - قال: حدثنا أبو أمية محمد بن ابراهيم قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله لا يقبض العلم إنتزاعاً الحديث، كذا قال نسبة إلى جده.
قال الحافظ أبو القاسم قال: قرأت بخط أبي الحسن نجا بن أحمد - وذكر في باب بنان بضم الباء وفتح النون: إسحق بنان الجوهري الدمشقي حدث عن أبي أمية الطرسوسي حدث عنه علي بن أحمد بن ثابت الرازي.
قال الحافظ أبو القاسم قال: قرأت بخط أبي الحسن نجا بن أحمد - وذكر أنه نقله من خط أبي الحسين الرازي - في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو يعقوب إسحق بن ابراهيم بن بيان الجوهري، وكان أبوه أيضاً محدثا، وأصلهم من البصرة انتقلوا إلى دمشق وابن عمه، مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
وقال الحافظ: قرأت على أبي محمد السلمي عن أبي محمد التميمي قال: أخبرنا مكي بن محمد بن الغمر قال: أخبرنا أبو سليمان بن زيز قال: سنة سبع وعشرين وثلاثمائة فيها: توفي ابن بنان الجوهري في شعبان.
إسحق بن ابراهيم بن الحسن بن كثير الازدي الجرجاني: أبو يعقوب، حدث بطرسوس عن الضحاك بن حجوة المنبجي، روى عنه نعمان ابن هرون بن أبي الدلهاث البلدي، وسمعه بطرسوس.
إسحق بن ابراهيم بن سهم المصيصي: من أهل المصيصة، ذكره أبو عبد الله محمد بن إسحق بن مندة بما أخبرنا به عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو - المحاسن البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا أبو عبد الله بن مندة قال: إسحق بن ابراهيم بن سهم المصيصي كان بالثغر، حدث عن عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي حدثنا عنه عبد الرحمن بن حمدان الحلاب.
إسحق بن ابراهيم بن صالح بن زياد أبو يعقوب العقيلي: نزيل طرسوس، حدث عن عبد الرحمن بن محمد الدمشقي، وسفيان بن عيينة ومحمد بن ادريس الشافعي، وعبد الله بن المبارك، روى عنه أحمد بن ابراهيم الدورقي، وأسيد بن عاصم، وأبو مسعود، ومسلم بن سعيد بن مسلم أبو سلمة الاشعري.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله - فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن مسعود بن أبي منصور الجمال الخياط قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا مسلم بن سعيد قال: حدثنا إسحق بن ابراهيم بن صالح العقيلي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الدمشقي قال: حدثنا محمد بن تميم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آذى مؤمناً فقيراً بغير حق فكأنما هدم مكة عشر مرات وبيت المقدس، وكأنما قتل ألف ملك من المقربين.
أنبأنا أبو الحجاج قال: أخبرنا أبو الحسن قال: أخبرنا أبو علي قال: أخبرنا أبو نعيم قال: إسحق بن ابراهيم بن صالح بن زياد العقيلي سكن طرسوس وتوفي بها سنة أربعين ومائتين، يكنى أبا يعقوب، ذكره أبو عبد الله بن مخلد، يروي عن ابن عيينة، والشافعي، وابن المبارك لم يخرج حديثه.
روى عنه أحمد بن ابراهيم الدورقي، وأبو مسعود، وأسيد، وكان بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وأخوة.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب قال: أخبرنا أبو المحاسن البرمكي، قال: أخبرنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا أبي قال: إسحق بن ابراهيم بن صالح بن زياد، أبو يعقوب العقيلي مات بطرسوس سنة أربعين ومائتين: حدث عن ابن عيينة، والشافعي، روى عنه أحمد الدورقي.
إسحق بن ابراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي: من بني صالح الساكنين بحلب والناشئين بها وبنواحيها، وقد تقدم ذكر أبيه ابراهيم، وولي إسحق هذا دمشق نيابة عن أبيه، وكان من أعيان بني صالح وفصحائهم.
روى عنه أحمد بن أبي الحواري، وقد ذكرنا أن ولد ابراهيم بعده انتقلوا إلى حلب.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد - إذنا - قال: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي لفظاً بدمشق قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بالحجاز قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بمكة قال: حدثنا محمد بن هرون قال: حدثنا عباس بن جنزة قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت إسحق بن ابراهيم بدمشق يقول على منبر دمشق: من آثر الله آثره الله، فرحم الله عبدا استعان بنعمته على طاعته، ولم يستعن بنعمته على معصيته، فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو يزداد صنفا من النعيم لم يكن يعرفه، ولا يأتي على صاحب النار ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه.
أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم قال: إسحق بن ابراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي الصالحي، ولي دمشق نيابة عن أبيه ابراهيم في خلافة الرشيد، وفي ولايته وقعت عصبية أبي الهيذام حتى تفانى فيها جماعة من الناس وتفاقم أمرها، حكى عنه أحمد بن أبي الحواري.
قال الحافظ أبو القاسم: قرأت بخط أبي الحسين الرازي أخبرني محمود بن محمد بن الفضل الرافقي قال: حدثنا حبش بن موسى الضبي قال: حدثنا علي بن أحمد المدائني قال: ولما خرج ابراهيم بن صالح من دمشق مع الوفد الذين قدم بهم على أمير المؤمنين الرشيد استخلف ابنه إسحق على دمشق، وضم إليه رجلا من كندة يقال له الهيثم بن عوف فغضب الناس، وحبس رؤساء من قيس وأخذ أربعين رجلا من محارب فضربهم وحلق رؤوسهم ولحاهم، ضرب كل رجل ثلاثمائة فنفر الناس بدمشق وتداعوا إلى العصبية ونشبت الحرب، ورجعوا إلى ما كانوا عليه من القتل والنهب، فلم يزالوا على ذلك أشهراً، ثم خرج إلى حمص.
قلت: وكانت العصبية بالشام بين النزارية واليمانية، ورأس النزارية في ذلك الوقت أبو الهيذام سنة ست وسبعين ومائة، فأقاموا على ذلك مدة طويلة، ثم ضعف أمر أبي الهيذام وتوارى في منزله.
إسحق بن ابراهيم بن الضيف: أبو يعقوب الباهلي البصري، وقبل إسحق بن الضيف، وسنذكره في حرف الضاد في آباء من اسمه إسحق ان شاء الله تعالى.
إسحق بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن سهم:

أبو يعقوب الانطاكي، وهو ابن أخي محمد بن عبد الرحمن ابن سهم، وقد قيل في نسبه إسحق بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن حكيم بن سهم، روى عن عبدة ابن عبد الرحمن المروزي، روى عنه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الفارسي، وأبو إسحق ابراهيم بن جعفر بن سنيد المصيصي.
أخبرنا أبو حفص عمر بن قشام - إذناً - قال: أخبرنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو علي الحسن ابن محمد بن محمد الصفار قال: أخبرنا أبو بكر بن منجويه قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحق الحافظ قال: أبو يعقوب إسحق بن ابراهيم ابن عبد الرحمن بن سهم الانطاكي، ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن سهم، سمع عبدة بن عبد الرحيم، كناه لنا أبو إسحق إبراهيم بن جعفر بن سنيد بن داود المصيصي.
إسحق بن ابراهيم بن كامجر: أبو يعقوب بن أبي اسرائيل المروزي، دخل حلب، أو عملها، بدليل ما أخبرنا به أبو اليمن الكندي في الاجازة قال: أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز قال: أخبرنا الخطيب أبو بكر أحمد بن علي قال: قرأت على البرقاني عن إسحق المزكي قال: أخبرنا محمد بن إسحق السراج قال: سمعت الفضل بن سهل الاعرج قال: سمعت إسحق بن أبي اسرائيل يقول: أدركت زائدة، قلت: كيف أدركته قال: كان أبي في الغزوة التي غزا فيها زائدة، فكنت أسأل عن أبي، وهذا يدل على أنه كان مع أبيه في الغزاة لان زائدة بن قدامة مات في غزاته هذه بحلب، وقيل بأرض الروم في سنة اثنتين وستين، وقيل سنة احدى وستين، فلا يسأل عن أبيه في الغزاة الا وقد كان معه، لأن زائدة لم يرجع من غزاته تلك، فكان سؤاله عن أبيه وهو في الغزاة دليلا على أنه كان معه فيها.
وقد كان عمره حينئذ احدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة، لأن مولده سنة خمسين أو احدى وخمسين على ما نذكره، وغزاة زائدة سنة احدى وستين.
حدث إسحق بن أبي اسرائيل عن عبد القدوس بن حبيب الكلاعي، وهو أول شيخ كتب عنه وعن محمد بن جابر الخثعمي اليمامي، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وعبد الوارث بن سعيد، وكثير بن عبد الله الأيلي، وجعفر بن سليمان، وهشام بن يوسف الصنعاني والفضيل بن عياض، ومرجوم بن عبد العزيز، وعفيف بن سالم، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي.
روى عنه محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو يحيى بن صاعقة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ويعقوب بن شيبة، وعبد الله بن محمد بن ناجية، وفضل بن سهل الأعرج، وأبو يعلى الموصلي وابراهيم بن المدبر الكاتب، ومحمد ابن جابر بن حماد الفقيه، وأبو بكر بن أبي موسى، وإسحق بن إبراهيم بن محمد ابن عرعرة، وعبد الوهاب بن عيسى بن أبي حية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الأنصاري بدمشق، وأبو الفضل مكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصقر قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي قال: أخبرنا الخطيب أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد قال: أخبرنا أبو المعمر المسدد بن علي بن عبد الله الأملوكي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الكريم الأنطاكي الحلبي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الكريم الأنطاكي الحلبي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الرافقي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي موسى قال: حدثنا إسحق بن أبي اسرائيل قال: حدثنا محمد بن جابر الحنفي عن حماد عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد الدارقزي فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني قال: أخبرنا أبو نصر محمد ابن محمد الزينبي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحمامي قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن بدر السلامي قال: حدثنا الحسن بن دفر قال: حدثني أبو صعصعة المجاشعي قال: دخل إسحق بن أبي اسرائيل على أمير المؤمنين جعفر المتوكل، فمد إسحق يده ليصافحه، فلم يمد يده المتوكل، فقال إسحق: يا أمير المؤمنين حدثنا الفضيل بن عياض عن هشام عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: المصافحة تزيد في الود، قال: فمد يده المتوكل إليه فصافحه، فقال له: نصافحك أبا يعقوب، قال: وكناني، ودعا بغالية فغلفني منها بيده، قال: فلما جاء إلى منزله غسل الغالية من لحيته فبقيت عندهم مدة.

أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا محمد بن غالب الجعفي قال: أخبرنا موسى بن هرون قال: أخبرني أبي أن مولد ابن أبي اسرائيل سنة خمسين ومائة، قال: وأخبرني أبي أنه سمع إسحق بن أبي اسرائيل سنة مائتين يذكر أنه ابن خمسين سنة.
قال الخطيب: أخبرني أبو القاسم الأزهري عبد الرحمن بن عمر الخلال قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: حدثنا جدي قال: وأما إسحق بن أبي اسرائيل فإن أبا اسرائيل اسمه إبراهيم بن كامجر المروزي، ويكنى إسحق أبا يعقوب مولده سنة احدى وخمسين ومائة.
وقال الخطيب: أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب قال: أخبرنا محمد ابن حميد المخرمي قال: حدثنا علي بن الحسين بن حبان قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده قال أبو زكريا: وابن أبي اسرائيل من ثقات المسلمين، ما كتب حديثا قط عن أحد من الناس إلا ما ضبطه هو في ألواحه، أو كتابه، وقال: سألت أبا زكرياء قلت: اختلف ابن أبي اسرائيل والقواريري في حديث عن ابن مهدي، فقال: ابن أبي اسرائيل أثبت من القواريري، وأكيس، وأضبط من أبيه ومن أهل قريته أجمعين، ثقة مأمون، ضابط، والقواريري ثقة صدوق، وليس هو مثل إسحق.
وقال في موضع آخر - يعني الحسين بن حبان - : ذكر أبو زكرياء بن أبي اسرائيل فقال: الثقة الصادق المأمون، ما زال معروفا بالدين والخير والفضل، قيل له: في حديث مبارك بن سعيد؟ فقال أبو زكرياء: لو قال أبو يعقوب اني قد سمعت كل حديث عند مبارك بن سعيد لكان الثقة الصدوق المأمون.
أنبأنا أبو الحسن بن المقير عن أبي الفضل بن ناصر قال: كتب إلي ابراهيم بن سعيد الحبال قال: أخبرنا يحيى بن علي الحضرمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد ابن المفسر قال: حدثنا أحمد بن علي القاضي قال: كنت تركت حديث ابن أبي اسرائيل فقال لي حبيش بن مبش: لا تفعل فإني رأيت مع يحيى بن معين جزءاً فقلت له: يا أبا زكريا كتبت عن إسحق ابن أبي اسرائيل؟ فقال: كتبت عنه سبعة وعشرين جزءا قبل هذا.
أخبرنا زيد بن الحسن - إذناً - قال: أخرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الاشناني قال: سمعت أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي يقول: سمعت أبا سعيد عثمان بن سعيد الدارمي يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: إسحق بن أبي اسرائيل ثقة.
قال أبو سعيد: إسحق بن أبي اسرائيل لم يكن أظهر الوقف حتى سألت يحيى ابن معين عنه، وهذه الأشياء التي ظهرت عليه بعد، ويوم كتبنا عنه كان مستوراً عنه.
قال أبو بكر الخطيب: أخبرني الأزهري قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: حدثنا جدي قال: سريج بن يونس شيخ صالح صدوق، وإسحق بن اسرائيل أثبت منه.
قال الخطيب: أخبرني الحسن بن محمد الخلال عن أبي الحسن الدارقطني قال: إسحق ابن أبي اسرائيل ثقة.
قال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن عمر الصابوني فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا علي بن محمد بن سعيد الموصلي قال: حدثنا شاهين بن السميدع العبدي قال: سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول إسحق بن أبي اسرائيل واقفي مشؤوم إلا أنه صاحب حديث كيس.
قال الخطيب: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن علي بن حموية بن ايرك الهمذاني بها قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد ابن محمد بن يوسف الريحاني قال: حدثنا أبو علي الحسين بن إسماعيل الفارسي قال: سألت عبدوس عبد الله بن محمد بن مالك بن هانئ النيسابوري عن إسحق ابن أبي اسرائيل فقال: كان حافظا جدا، ولم يكن مثله في الحفظ والورع، وكان لقي المشايخ، فقلت: كان يتهم بالوقف، قال: نعم اتهم ولم يكن منهم.
وقال الخطيب: أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطي قال: أخبرنا أحمد بن الحسين المروزي أنه سمع أحمد بن الخضر الخزاعي يقول: سمعت محمد بن جابر بن حماد الفقيه، وحدثنا عن إسحق بن أبي اسرائيل، فسئل عن عدالته فقال: لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم.

وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن علي المقرئ قال: أخبرنا أبو مسلم بن مهران قال: أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سألت أبا علي صالح بن محمد عن إسحق بن أبي اسرائيل فقال: صدوق في الحديث، إلا أنه كان يقول كلام الله ويقف.
قال الخطيب: أخبرنا البرقاني قال: حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الآدمي قال: حدثنا محمد بن علي الإيادي قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: وتركوا إسحق بن أبي اسرائيل لموضع الوقف، وكان صدوقاً.
وقال: قرأت على البرقاني عن ابراهيم بن محمد بن يحيى المزكى قال: أخبرنا أبو العباس السراج قال: سمعت إسحق بن أبي اسرائيل يقول: هؤلاء الصبيان يقولون كلام الله غير مخلوق، ألا قالوا: كلام الله وسكنوا، ويشير إلى دار أحمد ابن حنبل.
قال الخطيب: أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قال: حدثنا علي بن الحسن الرازي قال: حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: قال لي مصعب بن عبد الله: ناظرت إسحق بن أبي اسرائيل فقال: لا أقول كذا ولا اقول غير ذا - يعني في القرآن - فناظرته فقال: لم أقل على الشك ولكني أسكت كما سكت القوم قبلي.
قال مصعب: فأنشدته هذا الشعر فأعجبه، وكتبه وهو شعر قيل منذ أكثر من عشرين سنة:
أأقعد بعدما رجفت عظامي ... وكان الموت أقرب ما يليني
أُجادل كلّ معترضٍ خصيمٍ ... وأجعل دينه غرضاً لديني
فأترك ما علمت لرأي غيري ... وليس الرأي كالعلم اليقين
وما أنا والخصومة وهي لبسٌ ... يصرف في الشمال وفي اليمين
وقد سنّت لنا سننٌ قوامٌّ ... يلحن بكل فججٍ أو وضين
وكان الحق ليس به خفاءٌ ... أغرّ كغرة الغلق المبين
وما عوض لنا منههاج حمقٍ ... بمنهاج ابن آمنة الأمين
فأما ما علمت فقد كفاني ... وأما ما جهلت فجنبوني
فلست بمكفر أحداً يصلي ... ولن أجرمكم أن تكفروني
وكنا أخوةً نرمى جميعاً ... ونرمي كل مرتابٍ ظنين
فما برح التكلف أن تساوت ... بشأن واحدٍ فرق الظنون
فأوشك أن يخر عماد بيتٍ ... وينقطع القرين من القرين
فلما كتبه قال لي: يا أبا عبد الله لا أجاوز هذا.
قال أبو بكر محمد بن زهير فقلت أنا لمصعب: هذا قد كتب الحديث منذ كذا وكذا لا يجاوز هذا الشعر؟!.
أخبرنا أبو بكر عتيق بن أبي الفضل السلماني قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن.
وحدثنا أبو الحسن بن أحمد بن علي عن أبي المعالي بن صابر قالا: أخبرنا أبو القاسم النسيب قال: أخبرنا رشاء بن نظيف قال: أخبرنا أبو محمد بن إسماعيل الضراب قال: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي قال: حدثنا الحسن بن المثنى قال: حدثنا أبو عمران موسى الرفاء قال: سألت أحمد بن حنبل عن إسحق بن أبي إسحق بن أبي اسرائيل وضربائه فقال: يهجرون ويجفون ولا يجلس اليهم.
أنبأنا أبو اليمن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبدل بن محمد الشيرازي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا إسحق بن ابراهيم المروزي، وكان ثقة مأمونا إلا أنه كان قليل العقل.
قال أبو بكر الحافظ: أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا محمد بن أحمد الواعظ قال: حدثنا إسحق بن محمد بن الفضل الزيات قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن أبي سلم الرازي قال: حدثنا حفص بن عمر المهرقاني - سمعته يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم واقفا على إسحق بن أبي اسرائيل وهو يقول له: قد عنيتني إليك من ألف وخمسين فرسخاً أنت الذي يقف في القرآن.
قال أبو بكر الخطيب: أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال: أخبرنا علي بن ابراهيم المستملي قال: حدثنا أبو أحمد بن فارس قال: حدثنا البخاري.
قال: وأخبرنا السمسار قال: أخبرنا الصفار قال: حدثنا ابن قانع أن إسحق ابن أبي اسرائيل مات في سنة خمس وأربعين ومائتين، زاد ابن قانع في شعبان بسر من رأى.

وقال: أخبرني عبد العزيز بن علي الوراق قال: حدثنا عمر بن محمد بن ابراهيم البجلي قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي قال. مات أبو يعقوب إسحق ابن أبي اسرائيل سنة خمس وأربعين ومائتين، وولد في سنة خمسين ومائة.
وقال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحق ابن وهب البندار قال: حدثنا أبو غالب علي بن أحمد بن النضر قال.
قال: وأخبرنا أحمد بن أبي جعفر قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: قال عبد الله بن محمد البغوي: مات إسحق بن أبي اسرائيل في سنة ست وأربعين، زاد البغوي: بسامرا في شعبان.
إسحق بن ابراهيم بن مخلد بن ابراهيم بن عبد الله بن مطر: وقيل بكر بن عبيد الله، وقيل عبد الله - بن غالب بن الوارث - وقيل عبد الوارث - بن عبيد الله - وقيل عبد الله - بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسمر - وقيل أسد - بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم، أبو يعقوب التميمي الحنظلي المروزي، المعروف بابن راهويه، امام عظيم الشأن، جامع بين العلم والعمل والاتقان، رحل إلى الآفاق، وسمع شيوخ الشام وخراسان، واليمن والعراق، وهو الامام الذي وقع عليه الاجماع والاتفاق.
قدم حلب وسمع بها سليمان بن نافع العبدي، وعطاء بن مسلم الخفاف، وميسر ابن اسماعيل، وكلثوم بن محمد بن أبي سدرة الحلبيين، وحدث عنهم، وعن عيسى بن يونس، وعبدة بن سليمان، واسماعيل بن علية، وأحمد بن أيوب الضبي، وابراهيم بن الحكم بن أبان، وبشر بن المفضل، وبقية بن الوليد وجرير ابن عبد الحميد الرازي، وأبي أسامة حماد بن أسامة، وحفص بن غياث، وخالد ابن الحارث الهجيمي، وسفيان بن عيينة وسويد بن عبد العزيز، وشعيب بن إسحق، وشريح بن يزيد الحمصي، وأبي خالد بن سليمان بن حيان الأحمر، وعبد الله بن إدريس، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبد العزيز الدراوردي، وعمر بن هرون البلخي، وعلي بن الحسين بن واقد، والفضل بن موسى السيناني، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وعبد الوهاب الثقفي، وعبد الله بن وهب، ومحمد ابن بكر البرساني، ومعتمر بن سليمان، ومحمد بن سامة الحراني ومعاذ بن هشام، ومحمد بن شعيب بن شابور، ومحمد بن حرب الخولاني، وعمر ابن عبد الواحد، ومحمد بن أبي عدي، والمؤمل بن اسماعيل، وأبي قرة موسى ابن طارق، والنضر بن شميل، ووكيع بن الجراح، والوليد بن مسلم، وأبي معاوية الضرير، ويحيى بن آدم، ويحيى بن سعيد القطان، ومرحوم بن عبد العزيز العطار، وهشام بن يوسف، وأبي تميلة يحيى بن واضح، وعمر بن عبيد، وأبي بكر بن عياش وغيرهم.
روى عنه بقية بن الوليد، ويحيى بن آدم، وكانا من شيوخه، والأئمة الحفاظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وإسحق بن منصور الكوسج، وأحمد بن سلمة، وآباء بكر محمد بن إسماعيل بن مهران الاسماعيلي ومحمد بن الحسين بن الحسن البرذعي، ومحمد بن عاصم، وآباء العباس: محمد ابن إسحق الثقفي، وأحمد بن سهل بن بحر، ومحمد بن إسحق السراج، وابنه محمد بن إسحق بن راهويه، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن الأزهر، ومحمد بن رافع، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن عصمة النيسابوري أبو الفضل، وابراهيم بن إسماعيل العنبري، وأحمد بن سعيد الدارمي، ويحيى بن معين، وأبو يعقوب الاسفرائيني، وجعفر الفريابي والحسن بن سفيان، ويعقوب ابن يوسف الوراق، ويعقوب بن يوسف الاخرم، ويحيى بن يحيى، وموسى بن هرون الحمال، وعبد الرحمن الدارمي، وأبو عمرو نصر بن زكريا، وأبو يعقوب إسحق بن ابراهيم بن نصر البستي، وهرون بن عبد الصمد بن عبدوس الرحبي، وعبد الله بن محمد بن شيرويه، وأبو العباس السراج، وأبو محمد العباس بن أحمد الكتاني، وأبو محمد جعفر بن محمد بن سوار الحافظ، وإسحق ابن منصور الكوسج، ومحمد بن نصر المروزي، وجماعة سواهم.

أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين الشيباني قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن غيلان قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن يحيى المزكى قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحق الثقفي قال: حدثنا إسحق بن ابراهيم الحنظلي قال: أخبرنا النضر قال: حدثنا شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء قال: سمعت أبي يحدث عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في أمره، أو شأنه، في تنعله، وفي ترجله، وطهوره.
نقلت من خط الإمام أبي طاهر السلفي، وأخبرنا به إجازة عنه أبو القاسم عبد الله بن الحسين الحموي، وعبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل وغيرهما قال: حدثني أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منصور العلائي بالإسكندرية قال: قرأت في كتاب الحسين بن محمد بن الحسين النيسابوري: حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحق صديقنا بمصر قال: حدثنا أبو علي حسن بن عبد الله الخالدي بهراة قال: حدثنا أحمد بن زكريا الهمذاني قال: حدثنا احمد بن سلمة النيسابوري قال: جاء سائل إلى إسحق بن راهويه يسأله شيئاً فقال له: صنع الله لك، فقال: ما جئت لتدعو لي، إنما جئت لتعطيني، فقال إسحق: حدثنا روح قال: حدثنا عوف عن الحسن قال: إذا جد السؤال جد المنع، فقال السائل: يا أبا يعقوب عندي حديث خير من حديثك، وإسناد خير من إسنادك، فقال: هات، فقال السائل: حدثنا سيما الصغير عن سيما الكبير عن زغليتج عن أمير المؤمنين علي أنه قال: اقعدتمنا خير من أن تعمل تعنا، فقال إسحق: إدفعي إليه يا جارية درهمين ورغيفين وعودين حطب، فلما تسلم السائل ما دفع إليه، التفت إلى إسحق فقال له: أيما خير اسنادك أو اسنادي؟ فقال إسحق: اسنادك خير، انصرف.
قال الحافظ أبو طاهر - ونقلته من خطه - : محمد بن إسحق هو ابن مندة الأصبهاني الحافظ أبو عبد الله، صاحب التواليف، والخالدي المشهور اسمه منصور، وهذا لا أعرفه ومنصور يروي مناكير، ولعل النيسابوري علقه بعدما سمعه من حفظه فغلط فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو عبد الله الكراني، وأبو جعفر الطرسوسي قالا: أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسين بن فاذشاه.
قال أبو جعفر: وأخبرنا أبو نهشل العنبري قال: أخبرنا أبو بكر بن ريذة قالا: أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال: حدثنا موسى بن هرون قال: حدثنا إسحق بن راهويه قال: أخبرني سليمان بن نافع بحلب فذكر حديثاً قد ذكرناه بهذا الاسناد في ترجمة سليمان بن نافع فيما يأتي في كتابنا هذا ان شاء الله تعالى.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا ابو بكر الخطيب قال: أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال: أخبرنا علي بن إبراهيم المستملي قال: حدثنا محمد بن إسحق السراج قال: حدثنا محمد بن رافع بن أبي زيد القشيري قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو يعقوب الخراساني عن عبد الرزاق عن النعمان بن شيبة عن ابن طاوس عن أبيه قال: ليس في الأوقاص صدقة، قال السراج: فسألت أبا يعقوب إسحق بن راهويه فحدثني به، وقال لي: إسحق كتب عن يحيى بن آدم ألفي حديث.
كتب إلينا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي أن أبا القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أخبرهم - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال: أخبرنا محمد بن إسحق بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن أبي بكار الحكم بن فروخ عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يكبر من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق.
قال محمد بن رافع: فلقيت إسحق بن إبراهيم فقلت: إن يحيى بن آدم حدثي عنك عن يحيى بن سعيد فذكرت له هذا الحديث، فحدثني كما حدثني يحيى بن آدم.
قال أبو العباس: فأتيت إسحق فقلت إن محمد بن رافع حدثني عن يحيى بن آدم عنك، فحدثني كما حدثني محمد بن رافع.
قال أبو العباس: فقلت لإسحق: كم كتب عنك يحيى بن آدم؟ قال إسحق: نحو ألفي حديث.

أخبرنا أبو اليمن الكندي - إجازة - قال: أخبرنا عبد الرحمن بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني أبو الخطاب العلاء بن المغيرة بن أحمد ابن حزم الأندلسي عن ابن عمه أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم قال: إسحق بن راهويه، هو إسحق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر بن عبيد الله بن غالب بن الوارث بن عبيد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسد بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
أنبأنا عمر بن محمد المؤدب قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا أبو طاهر بن أبي الصقر قال: أخبرنا هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس قال: حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي قال: قال محمد بن إسحق ابن راهويه: ولد أبي رحمه الله سنة ثلاث وستين ومائة، وهو إسحق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن بكر بن عبد الله بن غالب بن عبد الوارث بن عبد الله بن عطية بن مرة بن كعب بن همام بن أسمر بن مرة بن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، توفي رحمه الله في ليلة الأحد النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين، وفيه يقول الشاعر:
يا هدّ ما هدّدتنا ليلة الأحد ... في نصف شعبان لا تنسى يد الأبد
أنبأنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا ابو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضببي قال: أخبرني علي بن محمد المروزي قال: حدثنا محمد بن موسى الباشاني قال: ولد إسحق بن راهويه سنة إحدى وستين ومائة.
وقال محمد بن موسى: كان إسحق بن راهويه سمع من عبد الله بن المبارك وهو حدث، فترك الرواية عنه لحداثته، وخرج إلى العراق سنة أربع وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.
قال: وقد قيل في مولد إسحق غير هذا.
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر قال: أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ قال: قال عبد الله بن محمد البغوي قال لي موسى بن هرون: قلت لإسحق بن راهويه: من أكبر أنت أو أحمد؟ قال: هو أكبر مني في السن وغيره، وكان مولد إسحق سنة ست وستين فيما يرى موسى.
قال الخطيب: وكان مولد أحمد بن حنبل في سنة أربع وستين ومائة.
قال: وأخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: حدثنا محمد بن العباس الخزار قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن جعفر المعروف بابن اللبان قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إسحق بن راهويه قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين، قال: فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن ذلك وقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال: يكون ابنك رأساً إما في الخير وإما في الشر.
قال الخطيب: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري قال: أخبرنا محمد بن محمد بن زكريا المطوعي قال: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن بالويه يقول: سمعت أبا الفضل أحمد بن سلمة يقول: سمعت إسحق بن إبراهيم يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: لم قيل لك ابن راهوي، وما معنى هذا، وهل تكره أن يقال لك هذا؟ قال: إعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق، فقال المراوزة: راهوي بأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا، وأما أنا فلست أكرهه.
أخبرنا محمد بن حمزة القبيطي في كتابه إلينا من بغداد قال: أخبرنا أبو الحسن بن الآبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي قال: أخبرنا حمزة بن يوسف السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي قال: سمعت أحمد بن حفص السعدي يقول: ذكر لأحمد بن حنبل وأنا حاضر إسحق بن راهويه، فكره أحمد أن يقال راهويه، وقال إسحق بن إبراهيم الحنظلي، وقال: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً.

أخبرنا أبو القاسم بن أبي يعقوب الدمشقي بالقاهرة المعزية قال: أخبرنا أحمد ابن أبي أحمد الحافظ قال: حدثنا أبو الفتح القزويني قال حدثنا الحافظ أبو يعلى الخليلي قال: سمعت محمد بن علي الحافظ يقول: سمعت أبي يقول: قيل لإسحق ابن راهويه: إن هذا الصبي الرازي - يعني أبا زرعة - وارد عليك، فكان يصلي يومين ثم يرجع إلى البيت ولا يأذن لأحد، فقيل له في ذلك فقال: بلغني أن هذا الفتى وارد وقد أعددت مائة وخمسين ألف حديث ألقيها عليه، خمسون ألفاً منها معلولات لا تصح.
أنبأنا محمد بن حمزة القبيطي قال: أخبرنا أبو الحسن بن الآبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي قال: أخبرنا حمزة بن يوسف السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت يحيى بن زكريا بن حيوية يقول: سمعت أبا داود الخفاف يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يعبر الجسر مثل إسحق.
وقال ابن عدي: سمعت يحيى بن زكريا يقول: سمعت إسحق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي وثلاثين ألف أسردها.
وقال ابن عدي: حدثنا محمد بن يوسف الفربري قال: حدثنا علي بن خشرم قال: حدثنا ابن فضيل عن ابن شبرمة عن الشعبي قال: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي، فحدثت بهذا الحديث إسحق بن راهويه قال: فعجبت من هذا؟ قلت: نعم، قال: كنت لا أسمع شيئاً إلا حفظته، فكأني أنظر إلى سبعين ألف حديث، أو قال أكثر من سبعين ألف في كتبي.
وقال ابن عدي: سمعت يحيى بن زكريا يقول: سمعت أبا داود الخفاف يقو: أملى علينا إسحق بن راهويه أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا فما زاد حرفاً ولا نقص حرفاً.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري قال: سمعت أبا بكر أحمد ابن عبد الرحمن الحافظ بهمذان يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن سعيد يقول: سمعت أبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد المديني يقول: سمعت إسحق بن إبراهيم يقول: أحفظ سبعين ألف حديث، وأذاكر بمائة ألف حديث.
قال الخطيب: وحدثنا أبو بكر البرقاني قال: قرأت على أبي حامد أحمد بن عمر بن حفص المروزي بها قال: سمعت أبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد يقول: سمعت إسحق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أعرف مكان مائة ألف حديث كأني أنظر إليها، وأحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي، وأحفظ أربعة آلاف حديث مزورة، فقيل له: ما معنى المزورة؟ قال: إذا مر بي منها حديث في الأحاديث الصحيحة فليته منها فلياً.
قال: وأخبرنا محمد بن علي بن مخلد الوراق قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عمران قال: حدثنا أحمد بن كامل قال: قال عبد الله بن طاهر لإسحق بن راهويه: قيل لي أنك تحفظ مائة ألف حديث، قال: مائة ألف حديث ما أدري ما هو، ولكني ما سمعت شيئاً إلا حفظته، ولا حفظت شيئاً قط فنسيته.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل - قراءة عليه بالديار المصرية - قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد قال: سمعت أبا الفتح إسماعيل بن عبد الجبار بن محمد المالكي قال: سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي الحافظ يقول: روى عنه - يعني سفيان بن عيينة - وذكر جماعة ثم قال: وإسحق بن راهويه وكان يسمى شاهنشاه الحديث.
قال أبو يعلى الخليلي: سمعت أحمد بن محمد بن عمر الزاهد بنيسابور يقول: سمعت محمد بن إسحق الثقفي يقول: حدثنا إسحق بن راهويه شاهنشاه العلماء.
قلت: ومعنى شاهانشاه ملك الملوك.

كتب إلينا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم من مرو، والقاسم بن عبد الله بن عمر الصفار من نيسابور، قال عبد الرحيم: أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل، وقال القاسم: أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن منصور الصفار قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف قال: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن حكيم المروزي قال: حدثنا أبو عمرو نصر بن زكريا قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم قال: سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل ابن موسى، حديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يلحظ في صلاته ولا يلوي عنقه خلف ظهره. قال: فحدثته، فقال له رجل: يا أبا يعقوب رواه وكيع بخلاف هذا، فقال له أحمد بن حنبل: اسكت إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين، فتمسك.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي بنيسابور قال: أنبأنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد الحسن بن إبراهيم بن يزيد الأسلمي يقول: سمعت محمد بن إسحق بن ميمون الفارسي يقول: عبد الوهاب الفراء يقول: ممعت الحسين بن منصور يقول: كنت مع يحيى بن يحيى وإسحق بن راهويه يوما نعود مريضا فلما حاذينا الباب تأخر إسحق وقال ليحيى: تقدم، فقال يحيى لإسحق تقدم أنت، قال: يا أبا زكريا أنت أكبر مني، قال: نعم أنا أكبر منك، وأنت أعلم مني فتقدم إسحق.
أخبرنا الإمام الزاهد أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا أبو اللقسم بن أبي محمد بن هبة الله الشافعي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن ابراهيم بن الحنائي قال: أخبرنا أبو علي أحمد وأبو الحسين محمد ابنا عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر قالا: أخبرنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي قال: أملى علينا أبو محمد عبد الله بن حمدان بن وهب الحافظ بالدينور قال: أملى علينا أبو زرعة - يعني - عبيد الله بن عبد الكريم الرازي رحمه الله حديث عبد الله بن نجي، فلما أن فرغ قال لنا: بقي شيء؟ فقلت له أنا: نعم قد بقي عبد الله بن نجي عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمداً فقال: من روى هذا؟ فقلت: حدثنا أبو بكر محمد بن عاصم قال: حدثنا إسحق بن راهويه قال: حدثنا أحمد بن أيوب الضبي عن أبي حمزة السكري عن جابر عن عبد الله بن نجي عن علي عليه السلام، قال: سبحان الله ما علمت أن يكون هذا، فبينا أنا عنده في بعض الأيام إذ أتاه ابن عاصم زائراً، فقال له: حدثنا حديث عبد الله بن نجي عن علي عليه السلام، فاستحى وجعل يتأبى، فقال: بحقي عليك لما حدثتني به، فقال له: حدثنا إسحق بن راهويه كالمستحي، فدفع أبو زرعة في صدره وقال: ارفع صوتك، وقل: حدثنا إسحق بن ابراهيم الحنظلي فانه لا يستحى من ذكره، فقال: حدثنا إسحق بن ابراهيم الحنظلي قال: حدثنا أحمد بن أيوب الضبي قال: حدثنا أبو حمزة السكري عن جابر عن عبد الله بن نجي عن علي عليه السلام والشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار فجعل أبو زرعة يعجب ويقول: الشعبي عن مسروق عن عبد الله هذا أغرب من ذلك.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد المؤدب البغدادي قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين الشيباني قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان البزاز قال: أخبرنا أبو إسحق ابراهيم بن يحيى المزكي النيسابوري قال: أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن سعيد أبو أحمد قال: حدثنا ابراهيم ابن علي قال: حدثني الفضل بن عبد الله الحميري قال: سألت أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن رجال خراسان فقال: أما إسحق بن راهويه فلم ير مثله، وأما الحسين بن عيسى البسطامي فثقة، وأما إسماعيل بن سعيد الشالنجي فقيه عالم، وأما أبو عبد الله العطار فبصير بالعربية والنحو، وأما محمد بن أسلم لو أمكنني زيارته لزرته.

روى أبو بكر الخطيب هذه الحكاية عن أبي طالب بن غيلان، فكان شيخنا عمر سمعها من الخطيب أنبأنا ابن المقير عن أبي الفضل بن ناصر قال: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون وأبو الحسين بن الطيوري، وأبو الغنائم بن الزينبي - واللفظ له - قالوا: أخبرنا أبو أحمد الغندجاني - زاد ابن خيرون وأبو الحسين الأصبهاني، قالا: أخبرنا أحمد بن عبدان قال: أخبرنا محمد بن سهل قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: إسحق بن ابراهيم بن مخلد أبو يعقوب الحنظلي المروزي سمع ابن عيينة ووكيع، سمع منه يحيى بن آدم، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين ليلة السبت لأربع عشرة خلت من شعبان، وهو ابن سبع وسبعين سنة.
أنبأنا الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو بكر الشقاني قال: أخبرنا أحمد بن منصور بن خلف قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: أبو يعقوب إسحق بن ابراهيم الحنظلي عن عبد العزيز بن محمد وعيسى ابن يونس روى عنه يحيى بن آدم.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا محمد بن علي الصوري قال: أخبرنا الخصيب بن عبد الله قال: حدثنا عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن قال: قال أبي: أبو يعقوب إسحق بن ابراهيم بن مخلد بن ابراهيم الثقة المأمون، سمعت سعيد بن ذؤيب يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحق.
قال: وأخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن نعيم قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى إملاءً قال: حدثنا علي بن الحسين بن عبدة قال: سمعت حاشد بن مالك يقول: سمعت وهب بن جرير يقول: جزى الله إسحق بن راهويه، وصدقة، ويعمر عن الإسلام خيراً أحيوا السنة بأرض المشرق.
قال أبو بكر الخطيب: أخبرني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارى قال: حدثنا أبو إسحق ابراهيم بن محمد بن هرون قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الواحد بن رفيد قال: سمعت أحمد بن الهيثم بن السميدع الشاشي يقول: قال لي يحيى ابن يحيى بخراسان: كنزان كنز عند محمد بن سلام البيكندي وكنز عند إسحق ابن راهويه.
أنبأنا أبو روح الهروي عن أبي القاسم الشحامي قال: أخبرنا سعيد بن محمد البحيري قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان الحيري قال: سمعت أبا عبد الله محمد ابن أحمد بن نعيم يقول: سمعت السلمي يقول: سمعت يحيى بن يحيى يقول: قالت لي فاطمة أم محمد: إذا خرجت من الطارمة قدمت إسحق بين يديك، وأنت أكبر سناً منه، قال: لأنه أكثر علماً مني.
السلمي هو أحمد بن يوسف، وفاطمة امرأة يحيى بن يحيى.
أنبأنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن قال: أخبرنا هناد بن ابراهيم النسفي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الغنجار قال: حدثنا خلف بن محمد قال: سمعت أبا علي الحسن بن الحسين البزاز يقول: سمعت محمد بن حميد بن فروة يقول: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول: الحفاظ بخراسان إسحق بن راهويه، ثم عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ثم محمد بن اسماعيل.
قال أبو القاسم: أخبرنا أبو الفتوح عبد الخلاق بن عبد الواسع بن عبد الهادي ابن عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي ببغداد قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن علي بن محمد بن لعي بن عمير العميري قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن عمار ابن يحيى بن عمار الشيباني إملاءً قال: حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد بن موسى القاضي قال: حدثنا جدي قال: قال أبو الفضل أحمد بن سلمة: وجدت عندي مكتوباً عن عبد الله بن أبي زياد القطواني قال: سمعت أبا عبيد يقول: انتهى - يعني علم الحديث - إلى أربعة: إلى أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى علي ابن المديني وهو أعلمهم به، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له، وإلى أبي بكر ابن أبي شيبة وهو أحفظهم له.
قال أحمد بن سلمة: لو عاين أبو عبيد بن ابراهيم الحنظلي لفضله عليهم حفظاً وعلماً وسعة في العلم، وعلما باختلاف العلماء.=

2. بغية الطلب في تاريخ حلب
المؤلف : ابن العديم

وذكر أيضاً مطرف بن اياد بن قتادة بن كعب بن عوف وهو بطن أيضاً من اياد من بني كلاب، وكانوا أهل وبر بأرض الشام لا مدر، وهم أهل مطرف بن عوف ابن عبد بن أبي بكر بن كلاب.
قلت والمطرفيه بالقرب من بزاعا في وادي بني كلاب نزلها مطرف فنسبت إليهم والله أعلم.
من نزل عمل حلب من ولد عمرو بن كلاب
ذكر النسابه ولده نفيلا فقال: ونفيل قبيلة كبيرة، فولد نفيل خالد بطن كبير، وخويلد بطن كبير وأمهما غني من القين بن غني، فولد خويلد بن نفيل ربيعة بطن كبير، وعمرو بطن كبير، وزفر بطن، ومعاوية وعوف بطنان، وعلس ومعد بطنان كبار، فولد عمرو بن خويلد يزيد الشاعر وكان سيداً، فمن بني يزيد بن عمرو زفر ابن الحارث بن عبد عمرو بن معان بن يزيد بن عمرو بن خويلد بن نفيل كان سيداً في زمانه وكان فارساً شجاعاً، فولد ثلاث بطون، الهذيل، والكوثر، ووكيع، وهم أهل مدر ووبر متفرقين في البلاد.
قلت: وكان منزل زفر وأولاده بالقرب من خساف وناحية بالس، وكان ينزل كوثر ببالس.
قال النسابة: وولد خالد بن نفيل حصين بطن كبير، وحصن بطن كبير وشنين بطن كبير، وكان شنين فارساً جواداً شاعراً، وذودان وعبد الله قبيلتان كبار، وزهير بطن، والصباح بطن.
فمن ولد الحصين بن خالد بنو جمهور بطن كبير، وهم أهل مدر لا وبر، وكانوا ينزلون ببالس، وكان بها بطنان من العرب لا غير هم بنو جري بن عمرو بن مالك بن عمرو بن كلاب، وبنو صلتان، وكانوا ينزلون الحدث وما والاها.
ومن ولد الحصين بنو الضحاك بن فايد بطن كبير كانوا بأرض زعرايا تعرف بهم كانوا يتديرونها فأسمي تلك الأرض بدير عمرو وهم أهل مدر لا وبر.
قال: وولد عبد الله بن كلاب معاوية بطن كبير وهو الصموت، ونفاثه بطن كبير، وعوف بطن كبير.
فولد الصموت عامر بطن كبير وغيره من البطون. وولد نفاثة بن عبد الله عمرة بطن كبير وغيره من البطون، وهؤلاء أهل وبر ومدر بأرض الشام وأرض العراق، كان منهم بوادي بني كلاب بضيعة يقال لها البيرة بطن يعرف ببني عامر هم وملاءمتهم متفرقين في البلاد، منهم بالنقرة خلق كثير أهل مدر ووبر.
وولد معاوية بن كلاب، وهم الضباب: زهير، وحصن، وحصين، وحمل، ومالك وأمهم الأحمسية، هؤلاء الحمس، بطون يعرفون بأمهم، وربيعة، وضب وضبيب، وحيين، وجني، وزفر، والأعور، هذه السبع بطون أمهم السلولية وبها يعرفون، وهذه الأسماء تعرف بالضباب، منهم آل جوشن، واسمه شرحبيل، وانما سمي جوشن لأنه أول عربي لبس الجوشن من كلاب في الجاهلية. ومنهم بنو الأشهب قبيلة ذات منعة وعدد. ومنهم بنو منة بطن لطيف.
ومن بني السلولية وبني الأحمسية تفرعت قبائل الضباب وبطونها وأفخاذها إلى اليوم، أهل وبر ومدر، ببر الشام من أرض شيزر وما والاها، وكان منهم بنهر الساجور وبأرض منبج إلى أرض عدايا كثير، أهل مدر ووبر لأنهم تديروا هذه الأرض وهم بها إلى اليوم.
قال: وولد جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ست قبائل، زهير وربيعة وعبد الله وهو اللبوة، والطحناء، ومعاوية، ومرداس، وبرقان، فولد ربيعة بن جعدة تسع بطون، عمرو، وحيان، وعبد الله، وحرب، وعامر، وعوف، وحصن، وعدس، وقرة، ومن هذه البطون تشعبت بطون جعدة وأفخاذها.
فمن جعده الرفاد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب الوافد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب له كتاباً هو عند ولده، وأقطعه الفلح، والعايل، وصد، وحراضة، فجعدة بها إلى اليوم، وبأرض اليمامة أهل مدر ومزارع وحرث إلا من شذ منهم فتشاءم وجزر وتحضر، وكان منهم بطن بأرض منبج بأخليط والصيادة وما والاها، أهل مدر لا وبر.
من ولد قشير

قال النسابة: ثم قبائل الأعور بن قشير بنو عبد الله الأعور، وبنو حصن، وبنو قرط، وبنو عامر، وبنو مسلح، فهذه قبائل عامر بن الأعور، وبنو بيهس، وبنو عاصم بن عامر. فمن بني بيهس آل زياد وهم يتفخذون وأفخاذهم القاطنون بشط الفرات يعرفون بالشطيين، وهم أهل مدر لا وبر، ومواليهم إلى اليوم بها ولهم بأرض خراسان خلق كثير وهم من ولد زيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هبيرة ابن زفر بن عبد الله بن الأعور بن قشير، وكان عمر بن عبد العزيز ولاه خراسان بأسرها فولده هناك أهل مدر ووبر، ولهم بأرض العرب خلق كثير أهل مدر لا وبر وهم ولد كلثوم بن عياض بن وحوح بن قشير بن الأعور بن قشير بن كعب ولي لهشام بن عبد الملك افريقية فولده هناك، ولهم خراسان بنيسابور وبسرخس خلق كثير منهم ولد زرارة بن عمر بن شمس بن سلمة كان ولي خراسان للوليد بن عبد الملك وعظم بها قدره، فولده هناك إلى اليوم أهل مدر لا وبر، ولهم بأرض الشام خلق، بالشام بأرض حلب بحموص وعار وما وإلى تلك الأرض أهل مدر لا وبر، وتعرف تلك الأرض بنقرة قشير، ومنهم متفرقون في البلاد بالجزيرة وغيرها من الأرض.
قلت: ومن آل زياد القشيريين الشطيين جعبر القشيري الذي تنسب إليه قلعة جعبر، وكانت أولاً تعرف بقلعة دوسر، وكان جعبر هذا يقطع الطريق، وجمع في قلعة جعبر أموالاً جليلة كثيرة، وقتل في سنة أربع وستين وأربعمائة بحيلة ومكيدة تمت عليه، ويقال أنه عمي قبل أن يموت، وصات القلعة بعده إلى ولده سابق ابن جعبر القشيري، فسلك مسلك أبيه في الفساد وقطع الطريق، فلما اجتاز السلطان ملك شاه بقلعة جعبر وهو متوجه إلى حلب فأنهي إليه سوء سيرته وما هو عليه من الفساد فقبضه وقتله، ولما تسلم قلعة حلب من من سالم بن مالك بن بدران العقيلي عوضه عنها بقلعة جعبر، وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة سالم إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
من نزل من ولد نمير بن عامر بن صعصعة
قال أبو عبد الله محمد بن أحمد النسابة الأسدي في كتاب ديوان العرب: ثم قبائل ضنة بن نمي بنو وهب، وبنو ناضرة، وبنو ناشرة، وبنو عفيف، وبنو سعد، وبنو عمرو، وبنو ربيعة، وبنو حبيب، وبنو وديعة، وبنو علاثة، ومن هذه العشرة قبائل تفرعت بطون ضنة بن نمير وأفخاذه إلا أنهم قليل متفرقون في البلاد قد نزل منهم فريق بمحل حلب طرف البرية وهو يعرف بتل بني ضنة وهو اليوم خراب، متفرقون في البلاد، وكان قد نزل فريق كبير من سائر فرق بني نمير بأرض الشمال نحو الحوارة والاخترين وما والى تلك الأرض فتديروها فنسب المحل إليهم فيقال حبل بني نمير، وكان القوم أهل مدر لا وبر وكان نزول نمير بالجزيرة سنة تسع وثلاثمائة للهجرة.
قلت: وبعد زمن النسابة عمر تل بني ضنة ونزله من أهل نقرة بني أسد من سكنة، وصار المكان من أمهات قرى النقرة.
وممن كان بأعمال حلب من بني نمير، بنو الحارث بن نمير ومنهم عبيد الراعي ابن الحصين قيل أنهم نزلوا بشط الفرات، وكانت قلعة نجم لبعض أولاده، وهو منصور بن الحسن بن جوشن بن منصور بن حميد بن ثال بن وزر بن عطاف بن بشر بن جندل بن عبيد الراعي بن الحصين بن معاوية بن جندل بن قطن بن ربيعة ابن عبيد الله بن الحارث بن نمير، وكان له قلعة نجم. فقتل واحد واحد منهم منصوراً ووقع الاختلاف بين عشيرته واختل أمرهم وتغلب الترك على ديارهم وتفرقت جماعتهم وكان ولده نصر فاضلاً أديباً، وستأتي ترجمته في موضعها إن شاء الله تعالى.
ولولده نصر المذكور أبيات يرثي والده ويذكر ما جرى من اختلاف عشيرته.
أنشدناها ببغداد أبو الحسن المبارك بن أبي بكر محمد بن مزيد الخواص عنه.
لا تبعدنّ حُسام دولة عامرٍ ... من ليث ملحمة وغيث عطاء
أنحى على شمل العشيرة بعده ... ريبُ الزمان بفُرقة وتنائي
وأنشدنا أيضاً عنه.
ولولا الخُلف ما انصدعت عصانا ... ولا ملك الزمان لنا اقتسارا
عدنا إلى قول النسابة قال: من ولد هلال بن عامر بن صعصعة أخي نمير بنو عبد الله بن هلال منهم: رويبه بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة.

قال النسابة: فقبائل رويبه بن عبد الله بن هلال بنو الهزم، وبنو عمرو، وبنو البراق، وبنو أهي، وبنو زفر، وبنو الخير، ومن هذه السبع تفرقت بطون رويبة ابن عبد الله بن هلال بن عامر، وهم أهل وبر ومدر بالحجاز إلا من شذ منهم فإنه نزل بأرض الشام، فتديروا بأرض حوران، ونزل منهم فريق بأرض زعرايا طرف البرهم بالفا وما ولاها، ونسب المحل إليهم إلى اليوم فكانوا هم ومواليهم به، ثم تخرب البلد فتفرقوا في البلاد.
قلت: ومن بني الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال ممن كان بالفايا عاصم ابن عبيد الله بن يزيد بن عبد الله بن الأصرم بن شعثة بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال الهلالي، وولده زفر بن عاصم وابنه العباس بن زفر وابنه زفر بن العباس وابنه عاصم بن زفر، وما زالوا يقيمون بأرض حلب، والعباس بن زفر بن عاصم هو الذي أنجد الهاشميين من أهل حلب لما حاربهم أهل حاضر حلب وأرادوا إخراجهم منها وذلك في أيام فتنة محمد بن الرشيد، وما من أحد من هؤلاء إلا سيد مذكور، وسنذكر كل واحد منهم في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
ومن قبائل نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور.
قال النسابة: وكان من نصر بن معاوية بطن نزل بأرض حلب ونسل بها يقال لهم بنو طريف، وهم أهل مدر ووبر بالغور وما والى تلك الأرض، كانوا بها ومواليهم.
قال النسابة: ثم قبائل ثقيف وهو منبه بن بكر بن هوازن بن منصور، وثقيف واسمه قسي، فقبائل قسي ثقيف بن عوف وهي: جشم، وبنو خداش وهم في الأزد، وبنو سلامة، ومن هذه القبائل تفرعت بطون ثقيف وأفخاذه، وقبائل عوف ابن ثقيف بنو مغيث، وبنو عتاب، وبنو غسان، وبنو منبه، وبنو عقبة، وبنو مالك هذه قبائل عوف، ومنها تفرعت بطون عوف بن ثقيف، وقبائل مغيث بن غوث ابن مسعود وبنو عامر، وبنو وهبان، وبنو عمر، وبنو معاوية، وبنو سلمة، وبنو ربيعة ومن هذه القبائل تفرعت قبائل مغيث بن عوف وأفخاذه، ومنهم بنو خطية بن جشم بطن كبير وهم أهل مدر ووبر كان محلهم الطائف، وهم قبيلة عظيمة خرج منها سادة في الجاهلية والاسلام، وقد شذ منهم قبائل تشاءمت وجزرت وتعرقت، وكان منهم بطن نزل أرض منبج وبأرض رعبان وما والى تلك الأرض، وهم أهل مدر لا وبر.
قال: ومن قبائل النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار فقبائل تيم الله بن النمر، بنو الخزرج بن تيم الله، ومن الخزرج تفرعت بطون الخزرج وأفخاذها، فولد الخزرج بن تيم الله بن النمر ابن قاسط سعد قبيلة كبيرة، فولد لسعد بن الخزرج عامر الضحيان قبيلة، وكان سيداً في زمانه وكان حاكم العرب يقعد لقومه الضحى، فسمعته ربيعة الضحيان، والبيت فيه وهو البيت الثالث، فمن ولده عامر بن هلال قبيلة، وهو هلال بن عامر ابن سعد بن الخزرج بن تيم الله.
فمن عامر بن هلال نمير بن عامر أبا سلمة بن سلام بن الحارث بن هلال بن عامر فأهل كفريا من نمير بن النمر والقشعم وهذه القبيلة لغني.
قال: شذت عن محل النمر وكانوا أهل وبر لا مدربا بأرض العراق ببره.
فولد نمير لأم، ومالك، وحصين، وسهيل، وسالم، وبهيج، وعائش بنو دروه ابن عائش بن عيسى من ولد سالم بن نمير. وخرج من الخزرج عن المحل، فمنهم من تشاءم ومنهم من جزر وتفرقوا في البلاد على نسبهم في ربيعة أهل مدر ووبر.
قال: أما هلال بن عامر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فنزل هو ومالك بأرض حلب، وولده هناك وذلك المحل يعرف بالنمريات وهي كفريا وكفر زغير وتل الغبر وهم قبيلة أهل مدر ووبر.
وقال: ومن ولد زهير بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب، وذكرهم وقال: ومن هذه القبائل الثلاث تفرعت قبائل بنو زغير بن تيم وبطونها إلى اليوم وهم أهل مدر ووبر بديار ربيعة إلا من شخص منهم فنزل الشام والجزيرة، والذي بالشام منهم ولد الحارث بن زهير وهو هيينة، فولده هناك بأرض بلد آمد وما والى تلك الأرض إلى نهر الساجور إلى شبيث وبقعة منبج أهل مدر لا وبر إلى حد قلعة بني الشيان، وهذه القبيلة متفرقة في الأرض خلق كثير وسادة، فهم بذلك المحل وهو يعرف بمحل ربيعة.

قال: ثم قبائل خالد بن كعب بن زهير بنو سلمة وهو السفاح، فولد السفاح ابن خالد هدم قبيلة، وسفيح قبيلة، فولد لسفيح بن السفاح قرط بطن كبير، فولد لقرط بن سفيح قيس بطن كبير، فهذه بطون سلمة، وهم بديار ربيعة أهل مدر ووبر إلا من شذ منهم. فولد لقيس بن عمرو بطن وهو وبر، فولد لوبر بن قيس حنظلة بطن، فهذه بطون هدم بن كعب بن زهير ومنه تفرعت هذه البطون وهم أهل مدر ووبر بأرض ديار ربيعة، ومنهم فريق بأرض الشام مع أخوتهم ببقعة منبج، ولهم الساجور.
قال: وقبائل سعد بن كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بنو عبد العزى بن سعد سلمة، ويغمر قبيلتان، ويغمر هو الشمس لقب لزمه في العرب. فولد لسلمة بن عبد العزى معاوية بطن كبير، فولد لمعاوية بن سلمة عمرو، وولد لعمرو بن معاوية عامر، فهذه بطون سعد بن كنانة، ومنها تفرعت بطون سعد، ومنهم فريق مع اخوتهم بالشام بنهر الساجور وبقعة منبج.
قال: ومن قبائل جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وهي القبيلة الثانية من الأراقم، بنو زهير بن جشم وبنو سعد بن جشم وبنو زيد بن جشم وبنو عبد بن جشم، ومن هذه القبائل الأربع تفرعت بطون جشم. ثم ولد له خمس قبائل أخر بنو عامر بن جشم، وبنو معاوية بن جشم، وبنو عوف بن جشم، وبنو الحارث بن جشم وبنو مالك بن جشم.
قال: فولد للحارث بن زهير مرة بطن كبير فولد لمرة بن الحارث ربيعة بطن، فولد لربيعة بن مرة وائل بطن كبير، وهم أريقة وكليب، وعدي، وامرؤ القيس، ومهلهل، ومسلمة، وعبد الله.
والبيت الرابع والخامس من ربيعة في كليب وآله، وأسماء بني كليب وائل سيد تغلب في زمانه وملك ربيعة بن مرة في عصره.
فهذه ولد الحارث من زهير بجميع بطونه وأفخاذه، وهم أهل وبر ومدر بديار ربيعة إلا من شخص منهم من قبائل جشم فتشاءم وجزر وذلك أنه نزل فريق كبير بأرض حلب بجبل السماق وهم فيه من حد ريحا إلى النيرب إلى معرة مصرين إلى سرمين إلى تيزين إلى العمق وأوقيه إلى حد حريم حلب، فهذه من جشم بن بكر ومواليهم خلق كثير أهل مدر ووبر.
قلت: وهذا كليب وائل الذي قتله جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط، فوقعت الحرب بين بكر وتغلب وهي حرب البسوس، وكان منزل جساس بالأحص، ولما غشي كليباً الموت قال لجساس: أغثني بشربة، فقال تجاوزت شبيثاً والأحص فأرسلها مثلاً. وسنذكر قصته إن شاء الله تعالى.
وقال بعد ذكر إياد بن نزار.
فولد لإياد بن نزار أربع قبائل: زهير، ودعمى، وقثم، ونمارة، ومن هذه الأربع تفرعت بطون إياد وأفخاذها، فقبائل زهير بن إياد بنو حذافة وبنو الشليل فولد حذافة بن زهير أمية بطن كبير. فولد لأمية بن حذافة الدئل بطن كبير، وقدم بطن، فولد لقدم بن أمية عصيمة بطن، ومن هذه البطون تفرعت بطون زهير بن إياد، وولد للدئل الدوس بطن كبير، فولد للدوس خمس بطون كبار، بنو سلمان، وبنو حدم، وبنو زمعة، وبنو أنمار، وبنو سعد، ومن هذه البطون تفرعت بطون الدئل بن أمية.
ثم قبائل دعمى بن إياد مسعود بطن كبير، فولد مسعود وائل والتاج بطنان كبار، ومن هذه البطون تفرعت بطون دعمى بن إياد.
وولد نمارة بن إياد الطماح قبيلة، ومنه تفرعت بطون نمارة.
ومن قبائل إياد المشهورة بنو يقدم بن أفصى بن دعمى بن إياد قبيلة، وبنو ضبيعة بن ذهل بن مالك قبيلة، وبنو الهون قبيلة، وبنو النمر من وائلة قبيلة، وبنو كنانة بن نباتة قبيلة، وبنو الحارث بن ذهل قبيلة، وغير ذلك من عدد القبائل، قبائل إياد بن نزار، ومن هذه القبائل تفرعت بطون إياد بن نزار، وجلهم أهل مدر، وهم متفرقون في البلاد بأرض العراق والجزائر، ومنهم فريق بأرض كفر طاب والمعرة، وأرض سرمين وحلب بتل نصب، وهؤلاء أهل مدر لا وبر.
ذكر من نزل في أعمال حلب من حمير ابن سبأ
بن يشجب بن يعرب بن قحطان
قال أبو عبد الله الأسدي النسابة قال: وولد عمرو بن حمير، وهو الأكبر، من ولده فمن قضاعة بن مالك بن زيد بن مرة بن عمرو بن مالك بن حمير بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان. ويقال: قضاعة بن معد بن عدنان.

قال: ولم أجد أهل العلم مجمعين على ذلك بل ذكروا أن مالكاً اجتاز هو وزوجته بمعد بن عدنان وكانت حاملاً، وهي معاية أم قضاعة ابنة جوشم بن جلهمة ابن عمرو بن جرهم الأصغر.
قال أهل العلم: فنزل مالك بمعد هو وزوجته فلحقه حال فأودعه زوجته ورحل فولدت على فراش معد ابناً ذكراً وسمته عمراً وهو قضاعة، وقضاعة قبيلة عظيمة تظهر منها عشرون قبيلة، وتشعبت من كل قبيلة بطن وفخذ وقبيلة وعشيرة إلى يومنا هذا.
فمن قبائل قضاعة: كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة.
ومن بطون كلب وجناب، زهير، وعدي، وعليم، وحارثة، هؤلاء ولد جناب وهم قبائل عدة.
قال: فمن كلب عامر بن عون خرج منها نيف وعشرون بطناً أولهن كلب كنانة ابن عبدود قبيلة كبيرة تخرج منها أفخاذ وبطون عدة، ومنازل هؤلاء كنانة بأرض حمص والرستن إلى فامية وما والاها إلى حد جبل بهراء، ومنازل عامر كلب المناظر طرف البر إلى حد أرض دمشق والقرتين والغنثر وضمير وما والاها. ومنازل جناب عليم وزهير وعدي من أرض حلب من حد جبل جوشن، وكان بها من كلب ومن كنانة وكذا كانت حاضر حلب نزل كنانة كلب ظاهرها إلى حد جبل بني عليم، وهم أهل وبر لا مدر.
قلت وإلى عليم بن جناب بن كلب بن وبرة ينسب جبل بني عليم، ومنهم عمرو ابن محمد بن معاذ البريدي من معراثا البريدية، وسيأتي ذكره وذكر أبيه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
قال النسابة: وأما بهراء، وبلي، وخولان فهم ولد عمرو بن الحارث بن قضاعة ثلاث قبائل عظام خرج منها عدة قبائل.
وقال: وأما بهراء فتشاءمت فأخذت جبلاً من جبال الأكراد غلبت عليه وعلى جرف منه فقطنته وهو من حد جبل بلد طرابلس إلى حد جبال اليونانية وما تحته من المدن، ومنهم بحماة وأرضها إلى حد الجبل بنو عبد الله بطن كبير، وبنو أرقش بطن كبي، وبنو مسعود أهل بيت شرف وغير ذلك من بطونهم.
ومن قبائل قضاعة سليح، قال النسابة: وأما سليح فتشاءم ونزل ولده طرف من أطراف الشام منهم بأرض حمص وبكفر طاب وبأرض القسطل طرف البرية وما والاها هم بها إلى يومنا هذا.
قال: وأما تنوخ فهم قبائل عدة، منها قضاعة، ومنها نزار اجتمعت فتشاءمت وتنخت بأرض الشام، وجمعها الاسم كما جمع لغيرها من القبائل مثل مذحج وكانوا بقنسرين وحلب فيهم أمراء وكتاب ووزراء، وسيأتي ذكر أعيانهم في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وهم ينتسبون إلى الفصيص، وهو يوسف بن يعقوب بن إبراهيم بن إسحق ابن قضاعة بن ثويب بن محطه بن ثويب بن عدي بن زيد بن تميم بن ضبيعة بن بلقن بن عدي بن زيد بن محطه بن عدي بن زيد بن محطه بن عدي بن زيد ابن حية بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن فهم بن تيم الله، وهو تيم اللات، والفصيص لقب، وقيل الملقب بالفصيص هو أبوه يعقوب، وكان لهم بلاد كثيرة من بلاد الشام، وكانت قنسرين لأخي الفصيص، وكانت حمص واللاذقية وجبلة لابنه إبراهيم، فحصرهم طريف السبكري واستنزل إبراهيم وأهله من حصونهم بالأمان سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وقد ولي اللاذقية بعد ذلك إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن الفصيص، ثم صاروا إلى حلب، وصار منهم كتاب، وانقرض عقبهم، وإليهم ينسب درب الفصيصي بحلب.
وحكى كثير بن أبي صابر القنسريني قال: كنت يوماً عند إسحق بن قضاعة التنوخي فدعا بسيوف فجعل يقلبها، فقال لي: يا كثير هذه سيوف آبائنا التي قاتلوا بها يوم صفين، وهي عندنا مدخرة حتى يقوم القائم من آل أبي سفيان، فنقاتل بها معه.
ومنهم بنو الساطع واسمه النعمان بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن فهم بن تيم اللات، ونزلوا معرة النعمان وعقبهم بها إلى يومنا هذا، وكان للساطع بنون ثلاثة، أسحم، وعدي، وغنم، فأما أسحم فينتسب إليه من أهل معرة النعمان بنو سليمان، وفيهم جماعة من العلماء والفضلاء منهم أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان ابن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم، وقيل أنور بن أسحم بن النعمان بن الساطع بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة.

وينتسب إليه أيضاً من أهل معرة النعمان بنو أبي حصين وهو أبو حصين القاضي، واسمه عبد الله بن المحسن بن عبد الله بن محمد بن عمرو بن سعيد بن أحمد بن داود بن المطهر، وفي داود يجتمع بنو سليمان وبنو أبي حصين.
وأما عدي بن الساطع فينتسب إليه من أهل معرة النعمان بنو المهذب، وهو المهذب بن محمد بن همام بن عامر بن عامر بن محارب بن نعيم بن عدي بن عمرو ابن عدي بن الساطع.
وينتسب إليه بنو زريق وهو عبد اللطيف بن سعيد بن يحيى بن عبد اللطيف ابن يحيى بن عبد المنعم بن نعيم، وفيه يجتمع بنو المهذب وبنو زريق، ويقال لهم العمريون وفيهم جماعة غير هؤلاء البطنيين وينتسبون كذلك إلى عمرو بن عدي ابن الساطع، وأهل المعرة يقولون: الشعر عمري لأن الشعراء فيهم كثير، وكلهم مجيدون، وقيل إنما لقب النعمان الساطع لحسنه وجماله.
وأما بنو غنم بن الساطع فمنهم بمعرة النعمان بنو الحواري وهو الحواري بن حطان بن المعلى بن حطان بن سعد بن زيد بن لوذان بن غنم بن الساطع، وما من بطن من هذه البطون إلا وقد خرج منه جماعة من العلماء والأدباء والشعراء والمحدثين وسيأتي ذكرهم في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
ومن لا معرفة له من الجهال يقول: إن معرة النعمان منسوبة إلى النعمان بن عدي بن الساطع لأن عامة أهلها من ولده، وهو خطأ منه، وإنما هي منسوبة إلى النعمان بن بشير الأنصاري كما ذكرناه في الباب المختص بذكرها فيما تقدم.
فهؤلاء بنو جذيمة بن فهم.
قال: وولد بحتر - يعني - بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو ابن الغوث بن طيء تذول، ومن تذول تشعبت قبائل بحتر ومنازلهم أرض الحجاز إلا من شذ منهم فتشاءم وجزر.
قلت والذين تشاءموا نزلوا بمنبج والساجور، ومنهم البحتري الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن جشم بن أبي حارثة بن جدي بن تذول بن بحتر بن عتود بن عنين بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء وكان من قرية بمنبج يقال لها خزدفنة، وهو القائل:
يا خليلي بالسواجير من عمرو ... بن ود وبحتر بن عتود
ونزل من بني بحتر فرقة بأورم الكبرى من قرى حلب، وكان بأورم مزرعة يقال لها البحترية منسوبة إليهم، وقد دثرت وانضافت إلى أورم.
رأيت كتاباً من كتب أجدادنا وقد اشترى حصة في هذه البحترية من بعضهم.
قال النسابة: وولد مرة بن عمرو بن الغوث بن طيء الكهف، فولد الكهف الكهيف بطن، وامرؤ القيس بطن، فولد الكهيف وزبيرة بطنين، ونفرة بطن، وهؤلاء هم أهل السهل والدهر، وتيم اللات بطن، فولد تيم اللات مالكاً، فولد مالك قناية ومبارك، هؤلاء بأرض الشام، وهم بأرض يقال لها حاضر قنسرين، ومنهم من نزل أرض العراق ومنهم من جزر.
باب في
ذكر فتح حلب وقنسرين
وما تقرر عليه أحكامهما
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي قراءة عليه بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السلفي قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الشيخ قال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد الحبال قال: أخبرنا أبو العباس منير بن أحمد بن الحسن بن منير الخشاب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن إسحق البغدادي قال: حدثنا أبو العباس الوليد بن حماد الرملي قال: أخبرنا الحسين بن زياد عن أبي إسماعيل محمد بن عبد الله قال: وحدثني الحسن بن عبد الله أن الأشتر قال لأبي عبدية: إبعث معي خليلاً أتبع آثار القوم وأمضي نحو أرضهم، فإن عندي جزاء وغناء، فقال له أبو عبيدة: والله إنك لخليق لكل خير، فبعثه في ثلاثمائة فارس وقال له لا تباعد في الطلب وكن مني قريباً، فخرج الأشتر فكان يغير منه على مسيرة اليوم واليومين ونحو ذلك.

قال: ثم إن أبا عبيدة دعا ميسرة بن مسروق فسرحه في ألفي فارس فمر على قنسرين فأخذ ينظر إليها في الجبل، فقال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية، فقال: إنها لكذلك، والله لكأنها قن نسر ثم إنه مضى في إثر القوم حتى قطع الدروب، وبلغ الأشتر أنه قطع الدروب، فمضى قبله حتى لحقه، وإذا ميسرة مواقف لجمع من الروم وهم كثير، وكان ميسرة في ألفي فارس من المسلمين، وكان أولئك أكثر من ثلاثين ألفاً من الروم، وكان ميسرة قد أشفق على من معه أبو عبيدة قد أشفق عليهم حين بلغه أنهم قد أدربوا، وجزع جزعاً شديداً، وندم على إرساله إياهم في طلب الروم.
قال: فإنه لجالس في أصحابه مستبطىء قدومهم متأسف على تسريحه إياهم إذ أتى مبشر بقدوم الأشتر، وجاء الأشتر فحدثه بحديث ما كان من أمرهم ولقائهم ذلك الجيش وهزيمتهم إياهم وما صنع الله لهم، ولم يذكر مبارزته الرومي وقتله إياه حتى أخبره غيره، وسأله عن ميسرة بن مسروق وأصحابه فأخبره بالوجه الذي توجه فيه وأخبره أنه لم يمنعه من التوجه معه بأصحابه إلا الشفقة على أصحابه أن يصابوا بعدما ظفروا، فقال: قد أحسنت، وما أحب الآن أنك معهم، ولوددت أنهم كانوا معك، قال: وأقام حتى قدم عليه ميسرة بن مسروق، وكتب كتاباً أماناً للناس من أهل قنسرين، ثم أمر مناديه فنادى الرحيل إلى إيلياء، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته بين يديه، وأقبل يسير حتى انتهى إلى حمص، فبعث على حمص حبيب بن مسلمة القرشي، وأرض قنسرين إذ ذاك مجموعة إلى حمص، وإنما سميت حمص الجند المقدم لأنها كانت أدناها من الروم ومن دمشق والأردن وفلسطين وهن كلهن وراءها.
أخبرنا أبو علي الأوقي قال: أخبرنا أبو طاهر قال: أخبرنا أبو الحسين قال أخبرنا أبو إسحق الحبال قال: أخبرنا أبو العباس منير بن أحمد قال: أخبرنا علي ابن أحمد قال: حدثنا أبو العباس الوليد بن حماد الرملي قال: أخبرنا الحسين بن زياد عن أبي إسماعيل البصري قال: وحدثني عمر بن عبد الرحمن أنه حين خرج من أنطاكية - يعني هرقل - أقبل حتى نزل الرها، ثم منها كان خروجه إلى حلب تحصن منه أهل حلب، وجاء أبو عبيدة حتى نزل عليهم، فطلبوا إلى المسلمين الصلح والأمان فقبل منهم أبو عبيدة فصالحهم، وكتب لهم أماناً.
ووقع بيدي فتوح الشام بخط أبي عبد الله بن مقلة، رواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي زيد عمر بن شبه عن هرون بن عمر فذكر فيه قال: حدثني هرون قال: حدثني محمد بن سعيد قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو جهضم عن عبد الرحيم بن الشلك عن عبد الله بن قرظ فذكر نحواً مما ذكر أبو إسماعيل البصري وقال: وكان مخرجه - يعني هرقل - من أنطاكية إلى الرها ثم إلى القسطنطينية، وكان أبو عبيدة لما نزل حمص قدم خالد في جنوده إلى قنسرين، فسار خالد حتى نزل على حلب، وأقبل أبو عبيدة في أثره حتى نزل بها، فعسكر بها فحصر أهلها منه فحاصرهم فطلبوا منه الصلح والأمان، فقبل ذلك منهم على أن يؤدوا الجزية إلى المسلمين، وكتب لهم كتاباً وأماناً.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال: أخبرنا أبي رحمه الله غير مرة قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسن السيرافي قال: أخبرنا أحمد بن اسحق قال: حدثنا أحمد بن عمران قال: حدثنا موسى قال: حدثنا خليفة بن خياط قال: حدثنا عبيد الله بن المغيرة قال حدثني أبي أن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية وافتتح سائر أرض قنسرين عنوة.
وقرأت في مغازي أبي عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد قال: حدثني أبي عن يزيد بن سنان عن أشياخ لهم قال: بعث عمرو عياض بن غنم الفهري إلى قنسرين والجزيرة، وكانت قنسرين والجزيرة من حمص، فافتتح قنسرين وكتب لهم كتاباً وختمه.
قال يزيد: فأنا قرأت كتابهم، ثم خرج حتى نزل حران.

وقال: حدثنا السري قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان عن خالد وعبادة والربيع عن النعمان عن رجاء عن حيوه قالوا: لما كان ذو القعدة من سنة ست عشره أغزى هرقل أهل حمص في البحر وقد اتخذوا مسالح، ونزل علقمه بن محرز وعلقمة بن حكيم الرمله وعسقلان وذواتها، وفعل يزيد وشرحبيل نحواً من ذلك، واستمد أهل الجزيرة واستثار أهل حمص، فأرسلوا إليه بإنا قد عاهدناهم فنخاف ألا تنصر، وخرج على أبي عبيدة في جلية الروم، فاستمد أبو عبيدة خالداً، فأمده بمن معه جميعاً، لم يخلف أحداً، فكفر أهل قنسرين بعده، وتابعوا هرقل، فكان أكفر من هنالك تنوخ الحاضر، وكان تمسك كل أمير بكورته من القوة وهو أنجز وأعز للمسلمين، ودنا هرقل من حمص وعسكر وبعث البعوث إلى حمص، فأجمع المسلمون على الخندقه والكتابة إلى عمر رضوان الله عليه، إلا ما كان من خالد، فإن المناجزة كانت برأيه، فخندقوا على حمص، وكتبوا إلى عمر، واستصرخوه، وجاء الروم ومن أمدهم حتى نزلوا عليهم، فحصروهم، وبلغت أمداد الجزازره ثلاثين ألفاً سوى أمداد قنسرين من تنوخ وغيرهم فبلغوا من المسلمين كل مبلغ، وجاء الكتاب إلى عمر وهو متوجه إلى مكه للحج في ذي الحجة فمضي لحجه، وكتب إلى سعد إن أبا عبيده قد أحيط به ولزم جهته، فانبذ المسلمين بالجزيره، ومرهم بالجد ومرهم بالتوجه إلى حمص وأمد أبا عبيدة بالقعقاع بن عمرو فخرج القعقاع بن عمرو ممداً لأبي عبيدة، وخرجت الخيول نحو الرقه وحران ونصبين، فدوخوا الجزيرة، وبلغ قبائل القوم بحمص فارتحلوا إلى مدائنهم وبادر المشركون يجفلون عنها وسمعهم المسلمون فيها، ولما دنا القعقاع بن عمرو من حمص أقبلت إلى هرقل كتائب من تنوخ خوفاً وذلاً وأخبروه الخبر، فأرسل إليهم إني والله لولا أني في سلطان غيري ما باليت أقللتم أم كثرتم أو أقمتم أو ذهبتم، فإن كنتم صادقين فانفشوا كما أنفش أهل الجزيرة فساموا سائر تنوخ ذلك فأجابوهم، وراسلوا خالداً إن ذلك إليك، فإن شئت فعلنا، وإن شئت أن تخرج علينا فننهزم بالروم، فقال: بل أقيموا فإذا خرجنا فانهزموا بها؛ وقال المسلمون لأبي عبيدة ارتحل أهل الجزيرة، وقد ندم أهل قنسرين ووعدوا من أنفسهم بتجنب الحرب فاخرج بنا، وخالد ساكت فقال: مالك يا خالد لا تتكلم؟ فقال: قد عرفت الذي قلته ورأيي فلم تسمع من كلامي، قال: فتكلم فإني أسمع منك وأطيعك، قال: فاخرج بالمسلمين فإن الله قد نقص من عدتهم، وبالعدد يقاتلون، وإنما نقاتل منذ أسلمنا بالنصر فلا تخفك كثرتهم.
وقال السري: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن أبي عثمان.. بن أسيد الغساني عن... عمرو... عن الربيع بن النعمان النصري عن... بن النضر ابن علقمة النضري فجمع أبو عبيدة الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس إن هذا يوم له ما بعده، أما من حيي منكم فإنه يصفو له ملكه وقراره، وأما من مات منكم فإنها الشهادة فأحسنوا بالله الظن، ولا يكرهن إليكم الموت أمراً افترضه أحدكم دون الشرك توبوا إلى الله وتعرضوا للشهادة، فإني أشهد وليس أوان الكذب، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة وكأنما كان الناس في عقل فنشطت، فخرج بهم وخالد على الميمنة وعباس على الميسرة، وأبو عبيدة في القلب وعلى باب المدينة معاذ بن جبل فاجتلدوا بها وبينما هم كذلك إذ قدم القعقاع متعجلاً في مائة وانهزم أهل قنسرين بالروم، فاجتمع القلب والميمنة على قلبهم وقد انكسر أحد جناحيه وأوعبوا المدد فما أفلت منهم مخبر وذهبت الميسرة على وجهها، وكان آخر من أصيب منهم بمرج الديباج انتهوا إليه فكسروا سلاحهم وألقوا يلامقهم تخفيفاً فأصيبوا وتغنموا.
ولما ظفر المسلمون جمعهم أبو عبيدة فخطبهم وقال: لا تتكلوا ولا تزهدوا في الدرجات، فلو علمت أنه سيبقى منا أحد لم أحدثكم بذلك الحديث، وتوافى إليه آخر أهل الكوفة في ثلاث من يوم الوقعة.

وقال: حدثنا السسري بن يحيى قال: حدثنا شعيب بن إبراهيم قال: حدثنا سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة قالا: وبعث أبو عبيدة بعد فتح حمص خالد بن الوليد إلى قنسرين فلما نزل بالحاضر، زحف إليهم الروم وثار أهل الحاضر وأمروا عليهم ميناس وهو رأس الروم وأعظمهم فيهم بعد هرقل فالتقوا بالحاضر فقتل ميناس ومن معه مقتله لم يقتلوا مثلها فأما الروم فماتوا على دمه، حتى لم يبق منهم أحد، وأما أهل الحاضر فهربوا وراسلوا خالداً بأنهم عرب وأنهم إنما حشروا ولم يكن من رأيهم حربه، فقبل عذرهم وتركهم.
فلما بلغ ذلك عمر رضي الله عنه قال: أمر خالد نفسه، رحم الله أبا بكر، لقد كان أعلم بالرجال مني، وقد كان عزله والمثنى مع قيامه وقال: لم أعزلهما عن ريبة، ولكن الناس أعظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما، فلما كان من أمره وأمر قنسرين ما كان رجع عن رأيه، وكذلك فعل بالمثنى لما قام بعد أبي عبيد، وقال: كان أبو بكر رضي الله عنه أعلم بالرجال مني.
وسار خالد حتى نزل على قنسرين فتحصنوا منه فقال: إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا فنظروا في أمرهم وذكروا ما لقي أهل حمص، فصالحوه على صلح حمص، فأبى إلا على إخراب الدينة فأخربها فاتطأت حمص وقنسرين فعند ذلك خنس هرقل، وإنما كان سبب خنوسه أن خالداً حين قتل ميناس وماتت الروم على دمه وترك قنسرين طلع من قبل الكوفة عمر بن مالك من قبل قرقيسيا، وعبد الله بن المعتم من قبل الموصل، والوليد بن عقبة على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة، وطووا مدائن الجزيرة من نحو هرقل، وأهل الجزيرة في حران والرقة ونصيبين وذواتها لم يغرضوا غرضهم، حتى يرجعوا إليهم، إلا أنهم خلفوا في الجزيرة لئلا يؤتوا من خلفهم، فأدرب خالد وعياض مما يلي الشام، وأدرب عمر وعبد الله مما يلي الجزيرة، ولم يكونوا أدربوا قبله، ثم رجعوا، فهي أول مدربة كانت في الإسلام سنة ست عشرة، فرجع خالد إلى قنسرين فنزلها، وأتته امرأته، فلما عزله وضمه إلى المدينة قال: إن عمر ولاني الشام حتى إذا صارت بثنية وعسلاً عزلني. الحديث.
قلت: وسيأتي ذكر عزله وقول خالد في ترجمته في مكانها من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
ونعود إلى تمام الحديث قال حدثنا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف عن أبي عثمان عن أبيه أن خالد أتي في قنسرين برجل معه زق خمر فقال: اللهم اجعله خلاً، وأفلت منه فإذا هو خل مسطار، وأقبل الرجل يعدو.
قال زياد بن حنظلة:
ونحن بقنّسرين كُنا ولاتها ... عشية ميناس يكوس ويُعتب
يثور وتُثنيه جوارح جمّة ... وحالفه شيبان منا وتغلب
وقد هربت منا تنوخ وخاطرت ... بحاضرها والسمهرية تضرب
فلما اتقونا بالجزاء وهدّموا ... مدينتهم عدنا هنالك نعجب
وقال أيضاً:
وميناس نلنا يوم جاء بجمعه ... فصادفه منا قراع مُؤزر
فولت فلولاً بالفضاء جُموعهً ... ونازعه منا سنان مُذكّر
فضمنه لما تراخت خيوله ... مبالٍ لديه عسكر ثم عسكر
وغودر ذاك الجمع يعلو وجوههم ... دقاق الحصا والسافياء المُغبّر
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الدمشقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن المسلم إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر بن الجندي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك أحمد ابن إبراهيم القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد: حدثني هشام بن عباد عن أبي أن أبا عبيدة بن الجراح عقد لحبيب بن مسلمة حين خزم الله الروم على خيل الطلب، يقتل من أدرك ويقتفي من سبقه بالهزيمة حتى أجلاهم عن دمشق وغوطتها، والجولان والحولة وبعلبك وكذا إلى حمص.

قال: وأخبرني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الخيول طلبت الروم حتى أجلتها عن أرض دمشق وحمص، وبعث إليه من كان بمدائن قنسرين والجزيرة يسألونه الموادعة سنة، فمن سار إلى أرض الروم في تلك السنة فهو حرب، ومن أقام فيها فهو ذمة وصلح، فأجابوهم إلى ذلك، ولم يغزوهم سنة، وجعلوا عموداً قائماً بين المسلمين وبينهم، ليس للمسلمين أن يجوزوا ذلك العمود إليهم، ولا لهم أن يجوزوا العمود إلى المسلمين وصوروا قيصر في ذلك العمود جالساً في ملكه؛ فبينا رجل من المسلمين على فرسه معتقل رمحه إذ مر بذلك العمود وبتلك الصورة، فقال برمحه ففقأ بها عين التمثال، فاجتمعت الروم، فقالوا: غدرتم يا معشر العرب، وانتقض الصلح، فقالوا ما نقضه؟ فقالوا: فقأتم عين ملكنا، قالوا: ما ندري من صنع هذا، قالوا: فإنا لا نرضى دون أن نفقأ عين أميركم، قالوا: وكيف؟ قالوا: تصورونه لنا في عمود ونصنع مثل ما صنعتم.
قال: فصوروا لهم مثالاً، وأقبل رجل منهم حتى فقأ عينه برمحه وتم الصلح بينهم، فما انقضت السنة سار من سار منهم وأقام من أقام على الصلح والجزية، ودخل المسلمون أرض قنسرين وأمضوا صلح من أقام بالجزية.
وقال أبو عبد الملك القرشي: وحدثنا ابن عائذ قال: قال الوليد قال أبو عثمان معاوية بن يحيى: إن أبا عبيدة بن الجراح ولي فتح مدائن قنسرين، وأقبل إليه بطارقة من بطارقة الروم فيما بين قنسرين ومعرة مصرين فصافوه للقتال وتواقفهم للقتال، فقتل المسلمون إثني عشر بطريقاً منها رمياً بالنبل، ثم إن سائر البطارقة ركبت وقالت: نحن تبع لمن بين أيدينا من بطارقة المدائن والحصون، فمضى أبو عبيدة إلى أنطاكية.
قرأت في تاريخ سعيد بن كثير بن عفير قال: ثم كانت سنة سبع عشرة وفيها كان إفتتاح قنسرين صلحاً على يد أبي عبيدة، سار أبو عبيدة إلى قنسرين فافتتحها بصلح، وأغار على حاضرها فقتل المقاتلة وسبى الذرية، ولم يدخل مدينة حلب لأنه لم يكن فيها أحد، كانت قد تركت قبل الإسلام، فبعث إلى عمر بثلث سبي الحاضر.
وقد ذكر سعيد بن البطريق النصراني في تاريخه ما حكاه ابن عائذ أتم خبراً فأوردته بما فيه من الزيادة، ولعل الزيادة إنما أخذها من كتبهم، قال: وكان هرقل قد تنحى من دمشق إلى حمص، فلما سمع هرقل أن المسلمين قد أخذوا فلسطين والأردن وصاروا إلى البثنية خرج من حمص مدينة أنطاكية، ففرض الفروض واستنفر المستعربة من غسان، وجذام، ولخم، وكل من قدر عليه من الأرمن وأقام عليهم قائداً من قواده يقال له ماهان، ووجه بهم إلى دمشق، وذكر أمر دمشق وفتحها وقال: وكل من أفلت من الروم من المقاتله لحق بهرقل بأنطاكية، فلما سمع هرقل أن دمشق قد فتحت، قال: عليك السلام يا سورية، ثم سار حتى دخل قسطنطينية، وذلك في السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب.
وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يصير بجنده إلى فلسطين، وكتب إني قد استعملت يزيد بن أبي سفيان على دمشق وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وأبا عبيدة بن الجراح على حمص، فسار عمرو بن العاص إلى فلسطين، وشرحبيل إلى الأردن، وسار أبو عبيدة بن الجراح إلى بعلبك، فقالوا: نحن على ما صالحتم عليه أهل دمشق، فكتب لهم أماناً، ثم سار إلى حمص، وكتب لأهل مدينة حلب الأمان، ودخلت المدائن كلها في الصلح، فالمدائن كلها صلح، ثم اتصل بالمسلمين قدوم عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس، فخلف أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم على أصحابه، وخلف يزيد بن أبي سفيان معاوية بن أبي سفيان على أصحابه وخلف عمرو بن العاص ابنه عبد الله بن عمرو على أصحابه، ولقوا عمر بن الخطاب عند فتح بيت المقدس.

وقال: ثم رجع عمر بن الخطاب من بيت المقدس إلى المدينة، وخرج أبو عبيدة ابن الجراح إلى حمص، وسار من حمص إلى قنسرين، فكتب إليه أهل قنسرين يسألونه الموادعة سنة، فمن سار إلى الروم فهو حرب، ومن أقام فهو ذمة وصلح فأجابوهم ولم يغزوهم، وجعلوا عموداً قائماً بين الروم وبين المسلمين، ليس للمسلمين أن يجوزوا ذلك العمود إلى الروم، ولا للروم أن يجوزوا ذلك إلى المسلمين، وصوروا في العود صورة هرقل جالساً في ملكه، فرضي بذلك أبو عبيدة، فبينما نفر من المسلمين على خيولهم يتعاطون الفروسية إذ مر أبو جندل بن سهيل بن عمرو على فرسه ملأ فروجه في يده قناه جديدة فمر بذلك العمود وتلك الصورة فنصب زج رمحه في عين تلك الصورة غير متعمد لذلك، ففقأ عين التمثال، فأقبل بطريق قنسرين وقال لأبي عبيدة: غدرتم يا معشر العرب ونقضتم الصلح، وقطعتم المدد التي بيننا وبينكم، فقال أبو عبيدة: ومن نقضه؟ قالوا: الذي فقأ عين ملكنا، قال أبو عبيدة: فما تريدون؟ قالوا: لا نرضى حتى نفقا عين ملككم، قال أبو عبيدة: صوروني في صورتكم، ثم افعلوا ما بدا لكم، قالوا لا نرضى بتصوير إلا ملككم الأكبر، فأجابهم أبو عبيدة إلى ذلك، فصورت الروم مثال عمر بن الخطاب في عمود وأقبل رجل منهم حتى فقأ عينه برمحه. فقال البطريق: قد أنصفتمونا، وبعد سنة أقاموا على الصلح والذمة.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي الحافظ، وأنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قالا: أخبرنا أبو الحسين علي بن المسلم إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر الجندي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد: قال: وقطع - يعني قنسرين - فمضى أبو عبيدة بن الجراح إلى أنطاكية فصالحه أهلها على الإقامه... فأدركهم الثلج.... الثلج ارتحلوا فلما كان.....
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
وقال البلاذري: حدثني محمد بن سهم الأنطاكي عن أبي صالح الفراء قال: قال مخلد بن الحسين: سمعت مشايخ الثغر يقولون: كانت أنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمر وعثمان رحمهما الله، فلما فتحت كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة من المسلمين أهل نيات حسنة، واجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء، ثم لما ولي معاوية كتب إليه بمثل ذلك، ثم إن عثمان كتب إليه يأمره أن يلزمها قوماً ويقطعهم قطائع، ففعل.
قال ابن سهم: وكنت واقفاً على جسر أنطاكية على الأرنط فسمعت شيخاً مسناً من أهل أنطاكية، وأنا يومئذ غلام، يقول: هذه الأرض قطيعة من عثمان لقوم كانوا في بعث أبي عبيدة، أقطعهم إياها أيام ولاية معاوية الشام.
وقال البلاذري فيما حكاه قال: وبلغ أبا عبيدة أن جمعا للروم بين معارة مصرين وحلب، فلقيهم وقتل عدة بطارقة وفض ذلك الجيش، وسبى وغنم وفتح معارة مصرين على مثل صلح حلب، وجالت خيوله حتى بلغت بوقا، وفتحت قرى الجومه وسرمين، ومرتحوان، وتيزين، وصالحوا أهل دير طيايا، ودير الفسيلة على أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين، وأتاه نصارى خناصره فصالحهم وفتح أبو عبيدة جميع أرضي قنسرين وأنطاكية.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن.
وأنبأناه عالياً أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم إذناً قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد حدثنا أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي: أنه كان في كتاب أبي عبيدة الجراح لأهل دير طيايا: إني آمنتكم على دمائكم وأموالكم وكنائسكم أن تهدم أو تسكن ما لم تحدثوا أو تؤووا محدثاً فإن فعلتم فقد برئت منكم الذمة، وأبو عبيدة بن الجراح والمسلمون براء من معرة الجيش، شهد على ذلك.
قال لي أبو الحسن: قال لي الحافظ أبو محمد القاسم بن علي دير طيايا من أرض قنسرين، وذكره لي مقيداً بياءين، ونقلته من خط بنوسه فيما نقلته من كتاب البلاذري كذلك بياءين.

وقرأت في تاريخ سعيد بن كثير بن عفير في سنة سبعة عشرة، في نسخة قديمة صحيحة، قال: وافتتح أبو عبيدة في وجهه ذلك ديارات حول قنسرين بصلح منها دير طيايا بياءين.
وقال لي صديقنا بهاء الدين الحسن بن إبراهيم بن الخشاب: هو دير طباثا بالباء والثاء، وهو الموضع المعروف بدير باثبوا وهو إلى جانب القرية المعروفه بباثبوا في مكان يشرف على الأثارب وما حولها.
وقع إلى مجموع بخط بعض الفضلاء يتضمن فقراً وقواعد وأخباراً وفوائد في نسخة عتيقة يغلب على ظني أن كاتب النسخة جمع المجموع، فقرأت فيه: شرط عمر بن الخطاب على أهل قنسرين على الغني ثمانية وأربعين وعلى الوسط أربعة وعشرين وعلى المدقع إثني عشر يؤديها بصغار، وعلى مشاطرة المنازل بينهم وبين المسلمين، وألا يحدثوا كنيسة إلا ما كان في أيديهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا في جوف البيعة، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة، ولا يرفعوا صليباً إلا في كنيسة، وأن يؤخذ منهم القبلي من الكنائس للمساجد، وأن يقروا ضيف المسلمين ثلاثاً، وعلى أن لا تكون الخنازير بين ظهراني المسلمين وعلى أن يناصحوهم فلا يغشوهم، ولا يمالوا عليهم عدواً، وأن يحملوا راجل المسلمين من رستاق إلى رستاق وأن لا يلبسوا السلاح ولا يحملوه إلى العدو، ولا يدلوا على عورات المسلمين، فمن وفى المسلمون له ومنعوه بما يمنعون به نساءهم وأبناءهم، ومن انتهك شيئاً من ذلك حل دمه وماله وسباء أهله، وبرئت الذمة منه. وكتب بذلك كتاباً بريء فيه من معرة الجيش، فدخل في هذا الصلح أهل الجزيرة، وقبل ذلك ما كان أبو عبيدة فارقهم على أربعة دراهم وعباءة على كل جلجله على أن يكون عمر الفارض عليهم إذا قدم بلادهم.
وذكر البلاذري فيما حكاه في كتابه قال: وحدثني أبو جعفر الدمشقي عن سعيد ابن عبد العزيز قال: لما فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد على دمشق، وعمرو بن العاص على فلسطين وشرحبيل على الأردن، وأتى حمص فصالح أهلها على نحو صلح بعلبك، ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الأنصاري، فمضى نحو حماه فتلقاه أهلها مذعنين فصالحهم على الجزية في رؤوسهم، والخراج في أرضهم، فمضى إلى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم المقلسسون ورضوا بمثل ما رضي به أهل حلب، ومر أبو عبيدة بمعرة حمص وهي التي تنسب إلى النعمان بن بشير فخرجوا يقلسسون بين يديه، ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك وأذعنوا بالجزية والخراج، واستمر أمر حمص وكانت حمص وقنسرين شيئاً واحداً.
قوله يكفرون أي يخضعون بأن يضعوا أيديهم على صدورهم، ويتطأمنوا له كما يفعله بدهاقينهم. قال جرير.
وإذا سمعت بحرب قيس بعدها ... فضعوا السلاح وكفروا تكفيرا
والمقلسون الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا قدم المصر، قال أبو الجراح: التقليس استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو. قال الكميت يصف ثوراً طعن الكلاب فتبعه الذباب لما في قرنه من الدم:
ثم استمر يُغنيه الذباب كما ... غنى المقلس بطريقاً بمزمار
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الدمشقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن المسلم اجازة قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء قال: أخبرنا أبو نصر بن الجندي قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي العقب قال: أخبرنا أبو عبد الملك أحمد ابن إبراهيم القرشي قال: حدثنا محمد بن عائذ قال: قال الوليد: حدثنا الهيثم بن حميد عن محمد بن يزيد الرحبي قال: سمعت أبا الأشعث الصنعاني قال: لما فتح الله علينا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة تبرزه، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح ففتح الله بنا حمص، ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السمط فأوطأ الله بنا ما دون النهر يعني الفرات، وحاصرنا عانات وأصابتنا عليها لأواء، وقدم علينا سلمان الخير في مدد لنا فقال: ألا أحدثكم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن ييسر الله عليكم بعض ما أنتم فيه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه صائماً لا يفطر، وقائماً لا يفتر، فإن مات جرى له صالح ما كان يعمل ووقي عذاب القبر.

أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن قال: حدثنا أبو الحسن السيرافي قال: أخبرنا أحمد بن اسحق قال: أخبرنا أحمد بن عمران قال: حدثنا موسى قال: حدثنا خليفة بن خياط قال: وفي هذه السنة - يعني سنة ست عشرة - افتتحت منبج.
باب في
ذكر نبذة من أخبار ثغور الشام
وما كان تجري عليه أمورها في صدر الاسلام
لم يزل الخلفاء في صدر الاسلام مهتمين بأمر الهاد باذلين في ذلك من أنفسهم نهاية الاعتناء وغاية الاجتهاد، وقد ذكرنا فيما سبق من أحوال البلاد التي قدمنا ذكرها وبينا حالها، وشرحنا أمرها ما فيه كفاية صالحة ودلائل على ما قصدنا في هذا الباب واضحة وغير خاف ما كان في زمن عمر وعثمان من الاهتمام بالثغور الشامية، وأن معاوية أغمى ابنه يزيد حتى وصل إلى القسطنطينية، وأغزى عبد الملك بن مروان ابنه مسلمة الغزاة المشهورة، وهي مسطورة في التواريخ مذكورة، وأغزى الوليد ابنه العباس مراراً، وأوسع الروم بغزواته ذلة وصغاراً، ورابط سليمان بدابق سنين، وحلف أن لا يعود منها حتى يفتح الله القسطنطينية على المسلمين، وجهز لفتحها أخاه مسلمة إلى أن استدعاه عمر بن عبد العزيز اشفاقاً على المسلمين ومرحمة.
واهتم بعد بني أمية بأمر الثغور أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور فعمرها وحصنها وقواها بالجند وشحنها، وتمم المهدي ما شرع فيه أبو جعفر، وفعل مثله هرون الرشيد وأكثر، وغزا المأمون فأدركته في غزاته الوفاة، وقد عرف فعل المعتصم حين بلغه نداء المرأة - وقد غدر بالمسلمين طاغية الروم - وامعتصماه. واهتم المتوكل في الثغر بترتيب المراكب، وما زال مشحوناً من ملوك المسلمين بالراجل والراكب إلى أن قصرت الهمم وولي من تعدى وظلم، واشتغلوا باللذات وتعاطوا الأمور المنكرات، فضعف أمر لثغور واختل ووهى عقد نظامها وانحل، فجرى ما ذكرناه في باب طرسوس، وحل بالمسلمين من أعداء الله الشدة والبؤس.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: قرأت على الخضر بن الحسين بن عبدان عن عبد العزيز الكتاني قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي زروان قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسن قال: أخبرنا أحمد بن عمير قال: حدثنا أبو عامر موسى بن عامر قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: وحدثني عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر وغيره أن الناس كانوا يجتمعون بالجابية لقبض العطاء وإقامة البعوث من أرض دمشق في زمن عمر وعثمان، حتى نقلهم إلى معسكر دابق معاوية ابن أبي سفيان لقربه من الثغور.
وقد ذكرنا في الباب المتقدم أن أول من أدرب من المسلمين خالد بن الوليد من جهة الشام وعمرو بن مالك وعبد الله بن المعتم من جهة الجزيرة، فهي أول مدربة كانت في الاسلام سنة ست عشرة فيما رواه سيف بن عمر، وقيل أول من أدرب الأشتر مالك بن الحارث في ثلاثمائة فارس، وألحقه أبو عبيدة بميسرة بن مسروق العبسي في ألفي فارس على ما رويناه أيضاً في الباب المتقدم عن أبي إسماعيل محمد بن عبد الله البصري ومحمد بن عائذ.
وذكر البلاذري في كتاب البلدان قال: وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب، وهو درب بغراس، فقال بعضهم: قطعه ميسرة العبسي، وجهة أبو عبيدة بن الجراح فلقي جمعاً للروم ومعهم مستعربة من غسان وتنوخ واياد يريدون اللحاق بهرقل، فأوقع بهم، وقتل منهم مقتله عظيمة، ثم لحق به مالك الأشتر النخعي مدداً من قبل أبي عبيدة وهو بأنطاكية.
وقال بعضهم أول من قطع الدرب عمير بن سعد.....
بيد الروم وبعض قد خربت وكانت طرسوس ومدنها خلف هذه الكورة، وبالس رأس الحد من قبل الرقة عامرة، وقنسرين مدينة قد خف أهلها.
قال البشاري: فإن قال قائل: لم جعلت قصبة الكورة حلب وها هنا مدينة على اسمها؟ قيل له: قد قلنا إن مثل القصبات كالقواد والمدن كالجند، ولا يجوز أن تجعل حلب على جلالتها وحلول السلطان بها، وجمع الدواوين إليها، وأنطاكية ونفاستها، وبالس وعمارتها، أجناداً لمدينة خربة صغيرة.

وسير الي القاضي بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الخشاب أوراقاً بخطه ذكر لي أنه نقلها من خط الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة فنقلت منها ما صورته: كانت حلب في أول الاسلام إلى أخر ملك بني أمية مضافة إلى قنسرين ومعدودة من أعمالها، ولذلك قل ذكرها في الأخبار عن ذلك الزمان، ثم تدرجت في العمارة وقنسرين في الخراب حتى صارت مضافة إلى حلب في أيام بني العباس، ووليها لهم جماعة من الهاشميين وخاصة بنو صالح بن علي بن عبد الله ابن عباس.
فهذه المدن والثغور التي أوردنا ذكرها في هذا الفصل هي شرط كتابنا هذا، وقد بينا أنها من أعمال حلب، وإن وقع الاختلاف في بعضها، فلا بد من ذكرها في هذا الكتاب، وذكر ما ورد فيها، وذكر من دخلها أو اجتاز بها، أو كان من أهلها إن شاء الله تعالى.
//الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
حرف الألف
ذكر من اسمه أحمد
حرف الجيم في آباء الأحمدين
أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد بن المنادي، أبو الحسين البغدادي
حدث عن جده محمد، وأبي داود سليمان بن الأشعث وزكريا بن يحيى المروزي، وأبي البختري عبد الله بن محمد بن شاكر، والعباس بن محمد الدوري، ومحمد ابن أبي موسى الزرقي، وحامد بن محمد بن شعيب البلخي، وأبي العباس عيسى بن محمد بن عيسى المروزي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وكثير بن شهاب القزويني، وأبي بكر عمر بن ابراهيم، والحسن بن المتوكل، والحسن بن العباس الرازي، والعباس بن الفضل بن رشيد الطبرستاني، وأبي الاحوص محمد بن الهيثم، وأبي بكر أحمد ابن أبي العوام الرياحي، وابراهيم بن عمر بن دنوقا، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبي يوسف القلوسي، وعيسى بن جعفر الوراق، ومحمد بن اسحق الصغاني، وأبي سليمان عبد الله بن جرير الجواليقي، وعبد العزيز بن محمد بن دينار، وهرون بن علي بن الحكم بن المزوق، وعلي بن داود، والقاسم بن زكريا، وسعدان بن نصر، وغيرهم.
روى عنه أبو الحسن بن الصلت، وأبو عمر بن حيوية، ومحمد بن فارس الغوري، وأبو... وقدم طرسوس، ثم عاد منها إلى بغداد سنة سبع وثلاثمائة، وله مصنفات كثيرة وقفت منها على كتاب الحافظ لمعارف حركات الشمس والقمر والنجوم وأوصاف الافلاك والاقاليم وأسماء بلدانها، وعلى كتاب في الملاحم وسمه بكتاب ملاحم عابري الايام المقتص على محمد بن أبي العوام، وعلى كتاب له في الوفيات، وكتاب في خط المصحف، وعلى كتاب وازع المتنازعين في معنى كلا عن التهاتر لما من غوامضها جلا، ومن مصنفاته كتاب أفواج القراء.
أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن أحمد بن منصور بن قبيس قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن جعفر ابن محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين المعروف بابن المنادي، سمع جده محمد بن عبيد الله، ومحمد بن اسحق الصغاني، والعباس بن محمد الدوري، وزكريا بن يحيى المروزي، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبا البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري، وأبا داود السجستاني، وعيسى بن جعفر الوراق، وأبا يوسف القلوسي، وخلقا كثيرا نحوهم وكان ثقة أمينا ثبتا، صدوقا، ورعا حجة فيما يرويه، محصلا لما يحكيه، صنف كتبا كثيرة، وجمع علوما جمة، ولم يسمع الناس من مصنفاته إلا أقلها.
وروى عنه المتقدمون كأبي عمر بن حيوية ونحوه، وآخر من حدث عنه محمد بن فارس الغوري.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزار قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: حدثني أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي قال: كان أبو الحسين بن المنادي صلب الدين خشنا شرس الاخلاق، فلذلك لم تنتشر الرواية عنه

قال: وقال لي أبو الحسن بن الصلت: كنا نمضي مع ابن قاج الوراق إلى ابن المنادي لنسمع منه، فإذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت: كم أنتم؟ فنخبرها بعددنا، ويؤذن لنا في الدخول، ويحدثنا، فحضر معنا مرة انسان علوي وغلام له، فلما استأذنا قالت الجارية: كم أنتم؟ فقلنا نحن ثلاثة عشر، وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد، فدخلنا عليه، فلما رآنا خمسة عشر نفسا قال لنا: انصرفوا اليوم فلست أحدثكم، فانصرفنا، وظننا أنه عرض له شغل، ثم عدنا إليه مجلسا ثانيا، فصرفنا ولم يحدثنا، فسألناه بعد عن السبب الذي أوجب ترك التحديث لنا؟ فقال: كنتم تذكرون عددكم في كل مرة للجارية وتصدقون، ثم كذبتم في المرة الآخرة، ومن كذب في هذا المقدار أيؤمن أن يكذب فيما هو أكثر منه؟! قال: فاعتذرنا إليه، وقلنا: نحن نتحفظ فيما بعد، فحدثنا، أو كما قال.
أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الانصاري قال: أخبرنا علي بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني عبد العزيز بن علي الوراق قال: ولد أبو الحسين بن المنادي لثمان عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين، وقال غيره: سنة سبع وخمسين.
كتب إلينا أحمد بن أحمد البندنيجي أن منوجهر بن محمد أخبرهم قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أنبأنا أبو عمر بن حيوية الخراز قال: قرىء على أبي الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن المنادي في الوفيات التي جمعها قال: وأبو القاسم عصام بن عتاب ابن عصام الكندي البزاز يوم الاثنين، يعني من سنة سبع وثلاثمائة، وهو اليوم الذي دخلت فيه إلى مدينتنا من طرسوس.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال: توفي أبو الحسين بن المنادي يوم الثلاثاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة الخيزران.
أحمد بن جعفر بن محمد بن هرون بن محمد بن عبد الله
ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس الهاشمي، الملقب بالمعتمد على الله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور.
قدم حلب صحبة أبيه المتوكل سنة أربع، وقيل ثلاث، وأربعين ومائتين، حين توجه إلى دمشق وفي عودته منها.
وبويع له بالخلافة يوم الثلاثاء لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وعقد العهد لاخيه أبي أحمد الموفق، فغلب على أمره، ومنعه من التصرف، وحكم على جيشه حتى أنه كان لا يمكنه من الخروج إلى موضع إلا بأمره.
وخرج مرة إلى ناحية الموصل ليمضي إلى ابن طولون، فرده منها، ولم يبق له في الخلافة غير اسمها، وكان سمحا جوادا فصيحا، روى عنه وراقه الحضرمي بيتين من شعره.
أخبرنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن - إذناً - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: بويع له - يعني المعتمد على الله - بالخلافة يوم الثلاثاء لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
وكان قدم دمشق مع أبيه جعفر المتوكل، فيما قرأته بخط عبد الله بن محمد الخطابي الشاعر.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي - كتابه - قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد - أمير المؤمنين المعتمد على الله - جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن الرشيد، ويكنى أبا العباس، ولي الخلافة بعد المهتدي بالله، وكان مولده بسر من رأى.
فأخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق قال: أخبرنا محمد بن أحمد المفيد قال: حدثنا أبو بشر الدولابي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن الازهر الكاتب قال: ولد أحمد بن جعفر المعتمد على الله بسر من رأى سنة تسع وعشرين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها فتيان، رومية.

وقال الخطيب: أخبرني الازهري قال: أخبرنا أحمد بن ابراهيم قال: حدثنا ابراهيم بن محمد بن عرفة قال: كانت البيعة للمعتمد على الله - وهو أحمد بن جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بالله بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد الكامل بن علي السجاد بن عبد الله - الحبر والبحر وترجمان القرآن - بن العباس - سيد العمومة ذي الرأي والمستسقى به - بن عبد المطلب - وهو شيبة الحمد - بن عمرو - وهو مطعم الثريد، وبذلك سمي هاشما لهشمه الثريد، بن عبد مناف، يوم الثلاثاء لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
وأنبأنا أبو حفص عمر بن محمد المؤدب عن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن يسران - اجازة - قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن عرفة، وذكر ما ذكره أحمد بن ابراهيم، وقال بعده: وركب يوم الاثنين إلى دار العامة، ثم مر على الجوسق، وحضره من أولاد الخلفاء: بنو الواثق: وحمزة بن المعتز، والعباس بن المستعين وبنو المنتصر بن المتوكل، والعباس بن المعتصم، وبعث بولد المهتدي وعياله إلى مدينة السلام، وقدم عبيد الله بن يحيى، فخلع عليه، وولي الوزارة.
أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني - اذنا - قال: أخبرنا أبو الحسن الغساني قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا عمر بن حفص السدوسي قال: وبويع أحمد بن المتوكل، المعتمد على الله، يوم الثلاثاء لاربع عشرة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وأمه أم ولد يقال له فتيان، وقدم المعتمد بغداد يوم السبت ارتفاع النهار لعشر خلون من جمادى الآخرة، ونزل الشماسية فأقام بها السبت والأحد والاثنين والثلاثاء، ودخل يوم الأربعاء بغداد، فعبرها مارا يريد الزعفرانية لحرب الصفار، وكان يوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة، ولاربع عشرة في أذار، سنة اثنتين وستين ومائتين، فكانت الحرب بين أمير المؤمنين والصفار بسيب بني كوما يوم الأحد العاشر من رجب، والتاسع من نيسان مع الظهر إلى الليل سنة اثنتين وستين ومائتين.
قال أحمد بن علي: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: وأقبل يعقوب بن الليث - يعني - الصفار، وخرج المعتمد إليه والتقى الجيشان باصطربذ بين سيب بني كوما ودير العاقول، فهزم يعقوب أقبح هزيمة، وذلك في رجب يوم شعانين؛ قال محمد بن أبي عون البلخي:
لله ما يومنا يوم الشعانين ... فضّ الإله به جيش الملاعين
وطار بالناكث الصفّار منشمر ... كأنما بعده نسل السراحين
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي قال: أخبرنا زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي إذناً عن أبي القاسم علي بن أحمد البندار عن أبي أحمد عبيد الله بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر الصولي إجازة قال: حدثنا الحسين بن إسحق قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن الحارث قال: بويع المعتمد على الله، وهو أبو العباس أحمد بن جعفر المتوكل على الله، وأمه أم ولد يقال لها فتيان في يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وهو اليوم الذي مات فيه المهتدي، ودعي له بالخلافة على المنبر يوم الجمعة لعشر بقين من رجب، وقد قيل إن المهتدي بالله مات يوم الخميس بعد ما بويع المعتمد بيومين.
قال: وركب المعتمد يوم الإثنين لسبع بقين من رجب إلى دار العامة، وقعد لبني هاشم والناس فبايعوه، فلما كان يوم الخميس لأربع ليال بقين من رجب ركب في الميدان إلى وادي إسحق، وخرج من الماء، فركب وظهر للعامة من الوادي إلى الجوسق في شارع الحسنية، ثم أمر أن يحدر عيال الواثق وولده إلى مدينة السلام، ولما مات المهتدي بالله نودي على أخيه عبد الله بن الواثق، وبذل لمن جاء به مال، ثم ظهر أمره أنه هرب إلى يعقوب الصفار، وأن يعقوب قبله أحسن قبول، وأظهر إكرامه، وكتب المعتمد إلى يعقوب في حمله فلم يجب إلى ذلك.

وقال أبو بكر الصولي: حدثنا عون بن محمد قال: قتل المهتدي يوم حارب الأتراك جماعة بيده، ورأوا من شجاعته وبأسه ما لم يروه من أحد قط، فلما صار في أيديهم أرادوه على الخلع فأبى، وسمع الضجة، فقال: ما هذا؟ قيل جاءوا بأحمد بن المتوكل للخلافة، فقال: أحمد هذا هو ابن فتيان؟ قالوا: نعم، قال: ويل لهم، فهلا أتوا بأبي عيسى أخيه، فإنه كان أقرب لهم إلى الله عز اسمه، وأنفع للمسلمين.
قال: وأوقع الأتراك البيعة لأحمد بن المتوكل على الله وسموه المعتمد، وذلك في يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، ولم يخلع المهتدي نفسه فقتلوه، وقيل مات من سهم وضربة كانابه، وصلى عليه جعفر ابن عبد الواحد الهاشمي.
قال أبو بكر الصولي: وكان المعتمد جهيراً فصيحاً صيتاً إذا خطب أسمع أقصى الناس، وكان يمثل بينه وبين المستعين بالسخاء فيقال: ما ولي لبني العباس أسخى منهما، وكان جيد التدبير فهماً بالأمور، جليلاً في قلوب الناس، فلما جرى عليه ما جرى من تفويضه أمره، وغلب على رأيه، نقصت حاله عند الناس؛ وكان يحب الشعر ويشتهيه، ولم يكن له طبع يزنه به، فكان ربما وقع له الموزون، وربما لم يتزن فيغني المعنى في الشعر الذي هو عنه موزون ويعملون ألحاناً عليه فيرى أنه جيد لما غني فيه، وليس كل مغن يفهم التقطيع والقسمة، ولا يغتي إلا بشعر صحيح.
قال الصولي: أنشدني عبد الله بن المعتز للمعتمد مما وزنه صحيح:
الحمد لله ربي ... ملكت مالك قلبي
فصرت مولى لملكي ... وصار مولى لحبي
قال: وهو القائل لما أكثر الناصر لدين الله نقله من مكان إلى مكان:
ألفت التباعد والغربه ... ففي كل يوم أطأ تربه
وفي كل يوم أرى حادثاً ... يؤدي إلى كبدي كربه
أمرّ الزمان لنا طعمه ... فما لي ترى ساعةٌ عذبه
قال: ومما قاله، وأنشدنيه جماعة، وبعض الناس ينحله إلى غيره لما في نفوسهم مما كان يقع له في الوزن:
بليت بشادنٍ كالبدر حسناً ... يعذّبني بأنواع الجفاء
ولي عينان دمعهما غزيرٌ ... ونومهما أعز من الوفاء
قال الصولي: وحكى عبد الله بن خرداذبه أنه رأى هذين البيتين بخط الحضرمي وراق المعتمد، وقد كتب الحضرمي: أنشدنيهما المعتمد لنفسه.
قرأت في كتاب معجم الشعراء لأبي عبيد الله المرزباني: المعتمد على الله أبو العباس أحمد بن جعفر المتوكل على الله كان يقول الشعر المكسور، ويكتب له بالذهب، ويغني فيه المغنون وذكر له هذين البيتين والأبيات التي قبلها.
أنبأنا ابن المقير عن ابن ناصر عن أبي القاسم البندار عن أبي أحمد المقرىء قال: أخبرنا الصولي - إجازة - قال: وكان المكتفي أخرج إلينا مدارج مكتوبة بالذهب، فكان فيها من شعر المعتمد على الله الموزون:
طال واللّه عذابي ... واهتمامي واكتئابي
لغزالٍ من بني الأصفر ... لا يعنيه ما بي
أنا مغرىً بهواه ... وهو مغرى باجتنابي
فإذا ما قلت صلني ... كان لا منه جوابي
قال الصولي: ووجدت أيضاً من الموزون:
عجّل الحبّ بفرفه ... فبقلبي منه حرقه
مالك بالحب رقي ... وأنا أملك رقه
إنما يستروح الصبّ ... إذا أظهر عشقه
وبعد هذا أبيات لا نظام لها.
وقال الصولي: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: طلب المعتمد ثلاثمائة دينار يصل بها عريب وقد حضرت مجلسه فلم يجدها، فطلب مائتين فلم يجدها، وكان قد أمر أن يطرح لها تكاء فأبت، فكان يجعل تحت ركبتها أترجتان من الأتراج الكبار وربما قورتا، وجعل فيها دنانير؛ قال: فبلغني أنه لما لم يجد الدنانير قال شعراً:
أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعاً عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ... وما من ذاك شيء في يديه
إلي تحمل الأموال طرّاً ... ويمنع بعض ما يجبى إليه

قال الصولي: فكان المعتمد من أسمح الناس، قال له القاسم بن زرزر المغني: يا سيدي إلى جانب ضيعتي ضيعة لا تصلح إلا بها تباع بسبعة آلاف دينار وما عندي من ثمنها إلا ألفي دينار، فقال: أحضروني خمسة آلاف دينار، فجيء بها، فدفعها إليه فاشترى الضيعة، فسأله بعد أيام عنها، فعرفه شراءها، فقال: ما أحب أن يكون لك فيها وزن، ادفعوا إليه ألفي دينار مكان ألفيه، فأخذها وانصرف.
وقال أبو بكر الصولي: حدثنا الحسن بن إسماعيل قال: جلس المعتمد يشرب يوم الأحد لإثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب بالحسني على المسناة الشرقية على دجلة مع المغنين والمخنثين، وأكل في ذلك اليوم من رؤوس الجداء، واصطبح، ثم تشكى في عشيته تلك، فتعالج وبات وقيذاً، فمات في ليلته، وأحضر المعتضد القضاة ووجوه الناس فنظروا إليه، ثم حمل إلى سر من رأى، ودفن بها، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وستة أيام، وقيل: غير يوم، وقيل: يوماً؛ وكان صوته الذي شرب عليه يوم اصطبح في شعر أبي نواس:
يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن
قال: وكان عمره يوم مات خمسين سنة كاملة، وكان أسن من الموفق بستة أشهر.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس.
وأخبرنا عمر بن طبرزد - إذناً - قال: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي - إن لم يكن سماعاً فإجازة - قال: أخبرنا أبو منصور بن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا عمر بن الحسن الأشناني قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا قال: ومات المعتمد على الله ليلة الإثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين فجأة ببغداد، وحمل إلى سر من رأى.
قال الأشناني: فدفن بها، فكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وثلاثة أيام؛ وكان أسمر رقيق اللون، أعين، خفيف - زاد الأشناني - العارضين؛ وقالا: لطيف اللحية، جميلا، وميلاده سنة تسع وعشرين ومائتين في أولها - زاد ابن السمرقندي - ويكنى أبا العباس، وأمه أم ولد يقال لها فتيان.
أحمد بن جعفر بن محمد البزاز البغدادي
أبو بكر الوزان الحلبي الخزيمي: بغدادي نزل حلب وسكنها، فنسب إليها، حدث عن سوار بن عبد الله ابن سوار العنبري وأبي علي الحسن بن محمد البوسنجي، وزيد بن أخرم، ومجاهد بن موسى، ويحيى بن محمد بن السكن، وأبي جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وحميد بن زنجويه النسائي، ويعقوب الدورقي.
روى الحفاظ: أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق الحاكم، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، ومحمد بن جعفر قاضي منبج، وأبو حفص عمر بن علي العتكي الأنطاكي، وأبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن محمد السراج، المعروف بابن الطبيز، وأبو بكر محمد بن عبد الله الأردبيلي، وأبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد الأبزازي ومحمد بن عبد الله الأبهري، وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن البهلول الشيباني، وأبو العباس أحمد بن محمد بن عمر.
أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي، وزينب بنت عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الشعري في كتابيهما إلينا من هراة ونيسابور، وأخبرنا عنهما سماعاً، أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي قالا: أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز البغدادي بحلب قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال: حدثنا يعلى بن منصور: وقال أبو روح سهل بن منصور قال: حدثنا خالد بن موسى عن منصور بن زاذان عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حوضي عرضه كطوله كرانية عدد نجوم السماء.

أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم بن الإخوة قال: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أبو طاهر الثقفي وأبو الفتح منصور بن الحسين قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر الوزان البغدادي، نزيل حلب بها، قال: حدثنا يحيى بن محمد السكن قال: حدثنا حبان بن هلال قال: حدثنا مبارك بن فضالة عن عبد الله بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتشدقون والمتفيهقون؟ قال: المتكبرون.
أنبأنا أبو حفص عمر بن قشام الحلبي عن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد الحافظ قال: أبو بكر أحمد بن جعفر البزاز البغدادي، سكن حلب، مدينة من مدن الشام، سمع سوار بن عبد الله بن سوار العنبري، وأبا جعفر محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي.
وأخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن - إذناً - قال: أخبرنا أبو منصور الفزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن جعفر بن محمد، أبو بكر البزاز، وقيل: الوزان، سكن حلب، وحدث بها.
أحمد بن جعفر مشكان المصيصي:
حدث عن عبد الله بن رماحس الرمادي؛ روى عنه أبو علي سعيد بن عثمان ابن السكن.
أحمد بن جعفر الارتاحي:
من أرتاح قرية كبيرة بين حلب والعمق، وكان بها حصن مانع، ولها ذكر في التاريخ.
حكى عن شيخ من الصالحين لقيه بأولاس، حصن الزهاد.
حكى عنه أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم.
أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في كتابه إلينا منها قال: أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن جعفر الارتاحي قال: دخلت أولاس فإذا شيخ كبير، فدنوت منه، فقلت له: يا شيخ حدثني بشيء ينفعني الله عز وجل به، قال: عليك بالجد، فإنه كان لي وردا أقرأ فيه جزوين من القرآن كل ليلة، قال: فنمت عنه، فنوديت من زاوية البيت: ان كنت تزعم حبي فلم جفوت يا هذا كتابي، أو ما تدبرت ما فيه لك من لطيف عتابي واذكاري، ومواعظي، وآلائي واعجازي؟! ثم أنشد:
إن كنت تزعم حبي ... فلم جفوت كتابي
أما تدبرت ما في ... ه من لطيف عتابي.
من أفراد حرف الجيم في آباء الأحمدين
أحمد جناب بن المغيرة، أبو الوليد المصيصي الحدثي، وقيل: الحلبي.
حدث عن: عيسى بن يونس بن أبي اسحق السبيعي، وخالد بن يزيد بن خالد ابن عبد الله القسري.
روى عنه: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، وابنه عبد الله بن أحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وجنيد ابن حكيم بن الجنيد الأزدي، وأبو أحمد بن عبدوس السراج، وعباس بن محمد الدوري، ومحمد بن طاهر بن أبي الدميك، ومحمد بن هشام بن أبي الدميك، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وأبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزاز صاحب السابري، وأبو بكر المروزي، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن منصور الرمادي، وعثمان بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن ابراهيم البزاز، ومحمد بن يعقوب بن الفرجي، وعمر ابن شبة النميري، ومحمد بن عيسى التميمي.

أخبرنا الاخوان أبو محمد عبد الرحمن وأبو العباس أحمد ابنا عبد الله بن علوان والاخوان أبو البركات سعيد وأبو الفضل عبد الواحد ابنا هاشم بن أحمد بن عبد الواحد الاسديون الحلبيون، وأبو الحجاج يوسف بن سوار بن عبيد السلمي البرجيني، كلهم بحلب، قالوا: أخبرنا أبو طالب عبد الرحمن بن العجمي الحلبي بها قال: أخبرنا الرئيس أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان قال: أخبرنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر بن عبد المجيب قال: أخبرنا أحمد بن عثمان الآدمي قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا أحمد ابن جناب قال: حدثنا عيسى بن يونس بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عثمان بن حيان قال: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله عز وجل لا يمطر عليه دينارا ولا درهما، وبعضهم من بعض، فإذا أعطي أحدكم شيئا فليقبله، فإن كان ذا غناء عنه فليضعه في ذي الحاجة من إخوانه، وإن كان إليه محتاجاً فليستعن به على حاجته ولا يرد على الله عز وجل رزقه الذي رزقه.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو الفتح ناصر بن محمد قال: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قال: أخبرنا أحمد ابن محمد بن النعمان، وابراهيم بن منصور سبط بحروية قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي قال: أخبرنا أبو يعلى الموصلي قال: حدثنا أحمد بن جناب الحلبي قال: حدثنا عيسى - يعني - ابن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود.
وذكر أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل قال: أحمد بن جناب بن المغيرة المصيصي أبو الوليد روى عن عيسى بن يونس روى عنه أبي وأبو زرعة، سئل أبي عنه فقال صدوق. أخبرنا بذلك الخطيب أبو البركات بن هاشم إذناً عن أبي طاهر الخضر بن الفضل المعروف برجل عن أبي عمرو بن مندة قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرني محمد بن أحمد ابن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: أخبرني علي بن محمد الحبيبي بمرو قال: سألت صالح بن محمد جزرة عن أحمد بن جناب المصيصي فقال: صدوق.
قال الخطيب: أخبرنا الأزهري قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: أحمد ابن جناب بغدادي ويروي عن عيسى بن يونس آخر من حدث عنه أحمد بن الحسن ابن عبد الجبار الصوفي.
قال الخطيب: كذا قال: علي بن عمر، ولم يكن بغدادي الأصل إنما هو مصيصي ورد إلى بغداد.
سمع أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي من أحمد بن جناب في رجب من سنة ثلاثين ومئتين فقد توفي بعد ذلك.
أحمد بن جواس المنبجي

رجل صالح أثنى عليه علي بن عبد الحميد الغضائري، وحكى عنه مناما رأى فيه يحيى بن أكثم القاضي وهو ما أخبرنا به القاضي أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن بهرام القزويني، قراءة عليه بحلب، قلت له: أخبرك أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر الميائشي القرشي بمكة، فأقر به وقال: نعم، قال: أخبرنا محمد بن حامد المقدسي قال: أملى علينا الشيخ أبو محمد يحيى بن محمد الكلبي: أخبرنا الشيخ الفقيه أبو نصر أحمد ابن علي بن محمد المقرىء النسفي بها، والشيخ الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم البركدي قالا: أخبرنا أبو القاسم ميمون بن علي بن ميمون الميموني قال: حدثنا الأمين أبو سهل اسحق بن محمد بن اسحق المروزي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن علوية العبدي قال: سمعت علي بن عبد الحميد بن سليمان الغضائري بحلب يقول: بلغني عن أحمد بن جواس المنبجي، وكان من خيار عباد الله، قال: رأيت يحيى بن أكثم في المنام، فقلت: يا يحيى ماذا فعل بك؟ فقال: وقفت بين يديه جل جلاله فقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، قال: فسقطت بين يدي ربي جل وعز ونزل بي ما ينزل بالعبد بين يدي مولاه، ثم أفقت، فقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، قال: فسقطت بين يدي ربي جل جلاله، ونزل بي ما ينزل بالعبد بين يدي مولاه، ثم أفقت فقال: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، قال: فقلت يا سيدي ومولاي ما هكذا أخبرت عنك فقال: يا يحيى بما أخبرت عني؟ فقلت: حدثني عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل صلوات الله عليه عنك تباركت وتعاليت أنك قلت: لا يشيب لي عبد في الاسلام ثم أحرقه بالنار فقال: جل جلاله صدق عبد الرزاق، وصدق معمر، وصدق الزهري وأنس، وصدق نبي، وصدق جبريل، انطلقوا به إلى الجنة.
قلت: وذكرنا هذا المنام فيما يأتي من كتابنا هذا في ترجمة بشرى بن عبد الله المقتدري عن علي بن عبد الحميد الغضائري عن أحمد بن علي الخواص أنه رأى المنام، وقد رواه عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن سلم الخواص وفي الرائي للمنام اختلاف قد ذكرناه في ترجمة يحيى بن أكثم وقد قيل ان يحيى ابن أكثم رآه في حياته، وسنذكر ذلك فيما يأتي من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
حرف الحاء في أباء الأحمدين
أحمد بن حرب بن محمد بن علي بن حيان بن مازن بن الغضوبة الطائي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو علي الموصلي، أخو علي بن حرب، وقيل: كنيته أبو بكر، نزل أذنة، مدينة من الثغور الشامية، قد ذكرناها في مقدمة كتابنا هذا، وحدث بها عن أبي محمد عبد الله بن ادريس الاودي، وأبي بشر اسماعيل بن ابراهيم بن علية الأسدي، وسفيان بن عيينة، وأبي يزيد قاسم بن يزيد الجرمي الموصلي، ومصعب ابن المقدام، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وأبي بكر أحمد بن هشام بن الحكم وأخيه علي بن حرب، وأبي بكر موسى بن سعيد، وأحمد بن يوسف المنبجي، وأبي محمد أسباط بن محمد القرشي.
روى عنه عتيق بن عبد الرحمن الأسدي الأذني، ووصيف بن عبد الله الأنطاكي الحافظ، وأبو الحسين محمد بن عبد الرحمن الملطي، وأبو الفضل صالح بن الأصبغ المنبجي، وأبو الليث سلم بن معاذ بن سلم البصري، ومحمد بن عبد الله البيروتي، وأبو بكر أحمد بن محمد بن صدقة.
أخبرنا أبو المحاسن الفضل بن عقيل بن عثمان بن عبد القاهر العباسي قال: أخبرنا أبو الندى حسان بن تميم الزيات قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن ابراهيم المقدسي قال: أخبرنا أبو القاسم عمر بن أحمد بن محمد الواسطي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن الملطي قال: حدثنا أبو علي أحمد بن حرب الطائي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الرصافي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يعتذر إلى أخيه فلا يقبل منه إلا تحمل كخطية صاحب مكس.

أنبأنا أبو حفص عمر بن هشام الحلبي قال: كتب إلينا الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني أن أبا جعفر محمد بن أبي علي أخبرهم قال: أخبرنا أبو علي الصفار قال: أخبرنا ابن فنجويه قال: أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ قال: أبو بكر أحمد بن حرب بن محمد بن حيان بن مازن بن الغضوبة الطائي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخو علي بن حرب، أصلهما من الموصل، سكن أحمد أذنة، سمع أبا محمد أسباط بن محمد القرشي، وأبا محمد عبد الرحمن بن محمد المحاربي، كناه لي أبو الليث سلم بن معاذ بن سلم البصري.
وقرأت في كتاب الجرح والتعديل لأبي محمد بن أبي حاتم الرازي قال: أحمد ابن حرب الموصلي، أخو علي بن حرب الموصلي، كان يسكن الثغر، روى عن أبي معاوية الضرير، وأدركته، ولم أكتب عنه، وكان صدوقا.
أنبأنا بذلك أبو البركات بن هاشم الخطيب عن أبي طاهر محمد بن الفضل قال: أنبأنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا حمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو محمد ابن أبي حاتم.
أخبرنا أبو محمد المعافى بن اسماعيل بن الحسين بن أبي السنان العدل قال: أخبرنا أبو منصور بن مكارم بن أحمد المؤدب قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن أحمدين بن صفوان قال: أخبرنا أبو الفضائل الحسن بن هبة الله الخطيب، وأبو البركات سعيد بن محمد بن ادريس قالا: أخبرنا أبو الفرج محمد ابن ادريس قال: أخبرنا أبو منصور المظفر بن محمد بن الطوسي قال: أخبرنا أبو زكريا يزيد بن محمد بن اياس الأزدي قال: ومنهم - يعني من الطبقة السابعة من علماء الموصل - أحمد بن حرب بن محمد، وكان فاضلا ورعا، ورحل عن الموصل إلى ثغر أذنه رغبة في الجهاد، فأوطن هناك، وتكلم في مسألة اللفظ التي وقعت إلى أهل الثغور فقال: فيما ذكر لي يقول محمد بن داود المصيصي، فهجره علي بن حرب لذلك وترك مكاتبته.
وروى عن عبد الله بن ادريس، وسفيان بن عيينه، وشارك عليا في رجاله، وتفرد عنه باسماعيل بن علية، فإن علياً لم يسمع منه.
وكان مولده في سنة أربع وسبعين ومائة، وتوفي في صدر خلافة هرون الرشيد بأذنه سنة ثلاث وستين ومائتين، ودفن بها، وله هناك ولد.
أخبرنا المبارك بن مزيد الخواص ببغداد قال: أخبرنا أبو السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري قال: أخبرنا أبو عروبة الحراني قال: أحمد بن حرب الطائي الموصلي نزل أذنه، ومات بها سنة ثلاث وستين، يكنى أبا علي.
نقلت من خط أبي طاهر السلفي وأنبأنا عنه أبو القاسم عبد الرحيم بن الطفيل وغيره قال: أنبأنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن الأكفاني عن أبي الحسن علي بن الحسين بن أحمد التغلبي قال: أخبرنا أبو القاسم تمام بن محمد ابن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن غلاب الحراني قال: أحمد بن حرب الموصلي أخبرني أبو عروبة أنه نزل أذنه ومت بها سنة ثلاث وستين ومائتين.
أحمد بن حريز بن أحمد بن خميس بن أحمد بن الحسين بن موسى، أبو بكر السلماسي القاضي.
حج في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، واجتاز بحلب في طريقه، وذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي في تاريخ دمشق، بما أخبرنا به القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله الشيرازي اذنا قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن حريز بن أحمد بن خميس بن أحمد بن الحسين بن موسى أبو بكر السلماسي القاضي، قدم دمشق سنة ثمان وعشرين وأربعمائة حاجا.
وحدث عن: أبي علي الحسين بن محمد بن يوسف اللحياني، وأبي القاسم الطيب بن يمن، وعيسى بن سليمان الفقيه، ويوسف بن الحسين، وعبد الله بن محمد بن حبابة، وأبي حفص بن شاهين، وأبي بكر بن شاذان، وأبي بكر بن اسماعيل الوراق، وأبي اسحق ابراهيم بن أحمد الطبري، وأحمد بن طالب بن عثمان بن محمد، وأبي محمد كوهي بن الحسن بن يوسف، وغيرهم.
روى عنه: أبو الحسن بن أبي الحديد، وأبو القاسم بن أبي العلاء وأبو عبد الله بن أبي الحديد، وأبو القاسم عمر بن أحمد بن عمر الآمدي.

أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسين قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن الحسن بن شواش، وأبو يعلى حمزة بن الحسن بن أبي حنش، وأبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان، قالوا: حدثنا أبو القاسم بن أبي العلاء سنة سبع وتسعين قال: أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن حريز بن أحمد بن خميس السلماسي قراءة عليه بدمشق، في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، قدم علينا حاجاً، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف اللحياني قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا أحمد ابن حنبل حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن ابن نديمة: حدثني قيس بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام.
ذكر من اسم أبيه الحسن من الأحمدين
أحمد بن الحسن بن أحمد أبو العباس الكفر طابي
خطيب سقبا من ضياع الغوطة، أنشد عن أبي سالم الباري شعرا، وكتبه عنه الحافظ أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن صصرى، وذكره في معجم شيوخه وقال في ترجمته: ونقلته من خط أحمد بن الحسن بن أحمد الكفر طابي، الشيخ الصالح.
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي منصور بن نسيم إجازة قال: أخبرنا أبو المواهب الحسن بن هبة بن صصرى قال: أنشدنا الشيخ أبو العباس الخطيب بسقبا، قرية من قرى الغوطة، قال: أنشدني الشيخ أبو سالم المعروف بابن الذكوري، من أهل البارة، الخطيب ببعلبك.
الحر من عرف الدنيا فجاد بها ... فإنّما هي دنيا كلّها غرر
تصفو لمن عاش فيها وهي كارهةٌ ... صفواً قليلاً ويأتي بعده الكدر
ويح اللئام أما يدرون أنّهم ... لا يصبح المال مقبوراً وقد قبروا
لا بارك الله في مال تثمّره ... يد البخيل ولا يجنى له ثمر
قال الحافظ أبو المواهب: ورأيته بخطه، أخبرني هذا الشيخ رحمه الله أنه سمع حديثاً ببغداد وبدمشق، ولم يقع إلي من سماعه شيء، وتوفي بعد السبعين وقد جاوز التسعين سنة، وأقام خطيباً ستين سنة، وحفظ جماعة القرآن، وعادت عليهم بركاته.
أحمد بن الحسن بن جندب الترمذي
أبو الحسن الحافظ صاحب الإمام أحمد بن حنبل، قدم الشام ودخل الثغور الشامية، وسمع بها أبا توبة الربيع بن نافع الحلبي، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وروى عنهما، وعن أحمد بن محمد بن حنبل وغيرهم؛ روى عنه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، وأبو عيسى الترمذي في جامعه وغيرهما.
أخبرنا أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي، وأبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي، وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الله روزبه البغدادي قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي قال: حدثنا أبو الحسن الداوودي قال: أخبرنا أبو محمد الحموي قال: أخبرنا محمد بن يوسف الكريري قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا أحمد بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل هلال قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن كهمس عن بن بريدة عن أبيه قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي فيما أذن لنا في روايته عنه قال أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن الحسن بن جندب أبو الحسن الترمذي الحافظ رحال طوف الشام ومصر والعراق، واجتاز بدمشق.
سمع بمصر: سعيد بن الحكم بن أبي مريم، وسعيد بن كثير بن عفير، وأبا صالح عبد الله بن صالح.
وبالشام: آدم بن أبي إياس، ويزيد بن عبد ربه الجرجسي، وأبا توبة الربيع ابن نافع، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وبالعراق يعلى بن عبيد، وعبيد الله بن موسى وأبا نعيم، وأبا النضر هاشم بن القاسم، وأسود بن عامر شاذان، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وعمرو بن عاصم الكلابي، وأبا النعمان محمد بن الفضل عارما، وأحمد بن حنبل، والحسن بن الربيع البوراني، ووضاح بن يحيى النهشلي، وقيس بن حفص الدارمي، ومحمد بن عرعرة بن الرند، وغيرهم.
روى عنه البخاري في الصحيح، وأبو عيسى الترمذي في جامعة، وإبراهيم ابن أبي طالب، وأبو بكر بن خزيمة، ومحمد بن النضر الجارودي، وجعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، وأبو عبد الله محمد بن الليث المروزي.

أنبأنا عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبوا بكر البيهقي والحيري، وأبوا عثمان الصابوني والبحيري - إجازة - قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أحمد بن الحسن الحافظ أبو الحسن الترمذي صاحب أحمد بن حنبل، ورد نيسابور سنة إحدى وأربعين ومائتين، فحدث في ميدان الحسين، ثم حج وانصرف إلى نيسابور فأقام بها مدة سنة يحدث، فكتب عنه كافة مشايخنا، وسألوه عن علل الحديث والجرح والتعديل، وذكر بعض من سمع منه، ثم قال: روى عنه محمد بن اسماعيل البخاري في الجامع الصحيح، وسمع منه مشايخنا بنيسابور.
أنبأنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: كتب إلي أبو نصر عبد الرحيم ابن عبد الكريم القشيري: أخبرنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثني أبو أحمد الحسين بن محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد ابن اسحق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي بنيسابور، وكان أحد أوعية العلم.
أحمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد الشيرازي الواعظ أبو نصر
دخل الشام وجال في أقطارها وسواحلها، واجتاز بحلب، أو ببعض أعمالها، في طريقه ما بين الجزيرة واطرابلس الشام.
ذكر أبو سعد السمعاني بما أخبرنا به أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أحمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد الشيرازي الواعظ من أهل شيراز، سكن ديار مصر والاسكندرية وكان حافظاً فاضلا عارفاً بطرق الحديث، رحل عن بلده وسافر إلى العراق والشام والسواحل والجزيرة، وكان بمصر يخرج على الشيوخ مثل: القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، وأبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين الخلعي وغيرهما. سمع أبو نصر الشيرازي ببلده شيراز: أبا محمد عبد الرحمن بن محمد الدمشقي، وأبا بكر أحمد بن محمد بن علي الجواليقي، وأبا الحسن علي يوسف بن أحمد الحافظ، وأبا القاسم عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن القسام، وأبا القاسم عبد الصمد بن الحسن بن محمد بن جعفر الحافظ، وأبا بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن الليث الصفار.
وبالأهواز: أبا عبد الله الحسين بن محمد بن عمر بن إبراهيم الخطيب الفرضي، وأبا القاسم رضوان بن الحسن بن يعقوب بن سهلان الفقيه، وأبا الحسن علي بن عمر بن أحمد البرمكي.
وبا يذج: أبا القاسم علي بن الحسن بن عبد الرحيم البصري.
وبكازرون: أبا الحسين عبد الملك بن الحسن بن شياوش الفارسي.
وبالبصرة: أبا محمد الحسن بن محمد بن أحمد الفقيه الشافعي، وأبا الحسين محمد بن علي بن أحمد السيرافي، وأبا اسحق إبراهيم بن محمد بن طلحة بن غسان البصري، وأبا الربيع سليمان بن نفيد بن راشد الحنفي الشاهد.
وبالنعمانية: أبا بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن رزقويه البغدادي.
وببغداد: القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، وأبا الحسن أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبدوس بن كامل الزعفراني السلمي، وأبا طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز، وأبا القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الآزجي، وأبا الحسين محمد بن محمد بن محمد بن المظفر السراج الدقاق، وأبا بكر محمد بن عبد الملك بن بشران القندي، وأبا الفرج الحسين بن علي بن أحمد الطناجري، وأبا اسحق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، وأبا حفص عمر بن محمد بن علي بن عطية المكي، وأبا طالب محمد بن علي بن الفتح بن العشاري، وأبا القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد بن لؤلؤ البغدادي، وأبا محمد الحسن بن علي محمد الجوهري.
وبأصبهان: أبا بكر محمد بن عبد الله بن ريذة الضبي، وأبا منصور أحمد ابن محمد بن إبراهيم الصيرفي، وأبا طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الكاتب، وأبا بكر محمد بن علي الجوزداني، وأبا الفرج محمد بن عبد الله بن جعفر البزاز الحافظ، وأبا طاهر عبد الكريم بن عبد الواحد بن محمد بن سليمان الحسناباذي.
وبمكة: أبا القاسم عبد العزيز بن بندار بن علي الشيرازي، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الأديب، والقاضي أبا عبد الله محمد بن سلامة ابن جعفر القضاعي، وبمصر أيضاً.

وسمع بمصر أبا الحسن محمد بن الحسين بن الطفال النيسابوري، وأبا القاسم عبد العزيز بن الحسن بن اسماعيل الضراب، وأبا طاهر محمد بن الحسين بن محمد ابن سعدون الموصلي، وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري الحافظ، وأبا الحسن عبد الملك بن عبد الله بن محمود بن مسكين الفقيه، وأبا الحسين محمد بن الحسن بن الترجمان الغزي الصوفي.
وببيت المقدس: أبا عبد الله محمد بن علي البيهقي.
وبصور: أبا الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزال، وأبا محمد عبد الله بن علي عياض بن أحمد بن أبي عقيل القاضي، وأبا منصور نصر بن أبي نصر الطوسي المقرىء.
وباطرابلس أبا الحسن حامد بن منير بن عبد الرزاق الطرابلسي، وأبا الفيض محمد بن علي بن محمد بن عمرو بن رجاء الشاهد.
وبتنيس: أبا الحسن علي بن الحسين بن عثمان بن جابر القاضي.
وبدمشق: أبا الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي، وأبا عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، وأبا القاسم علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات المقرىء، وأبا علي الحسين بن علي بن ابراهيم الأهوازي المقرىء وأبا القاسم الحسين بن محمد بن ابراهيم الحنائي.
وبميافارقين: أبا الفتح العباس بن أحمد بن العباس بن بهات العدل.
وبآمد: أبا منصور محمد بن أحمد بن القاسم المقرىء، وأبا القاسم بن أحمد بن اسحق بن أحمد الأصبهاني.
وبالموصل: أبا نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسين بن طوق الشاهد.
وبتكريت: أبا الغنائم حاجب بن حمزة بن القاسم بن شعيب الزاهد؛ وجماعة كثيرة سوى من ذكرناهم.
صنف كتاب المعجم لأسماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع منه ذلك الكتاب في مجلدين أبو الليث نصر بن الحسن بن القاسم السكتي التاجر.
أخبرنا أبو هاشم الهاشمي قال: أخبرنا عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي المظفر المروزي - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أخبرنا الإمام والدي رحمه الله - إجازة - قال أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي الحافظ - كتابة - قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن الحسين، أبو نصر الشيرازي بمصر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله أبو بكر بن ريذة الضبي قال: أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحارث بن محمد بن عبد الرحمن اليحصبي قال: حدثنا أي قال: بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان من لم يكن معه أصفر وأبيض لم يتهن بالعيش.
أخبرنا أبو هاشم بن الفضل عن أبي سعد السمعاني قال: مات أبو نصر أحمد ابن الحسن بن الحسين الشيرازي الحافظ بعد سنة ثلاث وستين وأربعمائة، فإن أبا الليث الشاشي سمع منه في هذه السنة بالإسكندرية.
أحمد بن الحسن بن زريق الحراني أبو محمد.
حدث بدمشق، واجتاز بحلب في طريقه إليها من حران، أو ببعض عملها.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أحمد بن الحسن بن زريق، أبو محمد الحراني، حدث بدمشق عن عبد الله بن محمد النفيلي، واسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، وعبد العزيز بن داود الحراني.
روى عنه أبو الميمون بن راشد، وأبو علي بن حبيب الحصائري، وأبو الطيب أحمد بن ابراهيم بن عبادك.
أحمد بن الحسن بن عبد الله، أبو الحسن الملطي المقرىء
قرأ القرآن العظيم برواية عاصم بن أبي النجود على أبي الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ، وأخبره أنه قرأ على أبي محمد عبد الله بن سليمان الرقي، وأخبره أنه قرأ على أبي زيد عمر بن شبه، وأخبره أنه قرأ على أبي أحمد جبلة بن مالك بن جبلة البصري، وأخبره أنه قرأ على الفضل وأخبره أنه قرأ على عاصم.
روى عنه أبو الحسن أحمد بن ملاعب الحلبي، أنبأنا بذلك عمر بن قشام عن أبي العلاء الحافظ قال: قرأت به على أبي العز الواسطي، وأخبره أنه قرأ على ابن ملاعب.
أحمد بن الحسن بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب أبو الفوارس:
قاضي بالس، حدث بها عن أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، روى عنه القاضي أبو البركات محمد بن علي بن محمد الأنصاري قاضي سيوط.

أخبرنا أبو الحسن مرتضى بن حاتم بن المسلم الحارثي في كتابه إلينا قال: أخبرنا القاضي أبو البركات محمد بن علي بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا الشيخان: القاضي الأجل أبو الفوراس أحمد بن الحسن بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب الحاكم يومئذ ببالس، والشيخ أبو بكر محمد بن منصور بن الفرج الدينوري بقراءتي عليهما بمدينة بالس في صفر سنة تسع وأربعين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن الحسين بن علي البيهقي رحمه الله قراءة عليه، قال أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال: أخبرنا أبو عمرو بن السماك قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لم يرد أنها تحلق الشعر بل تحلق الدين.
أحمد بن الحسن بن علي كليب، أبو جعفر الطرسوسي:
حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن سلام الطرسوسي، ومحمد بن إبراهيم بن أبي أميه الطرسوسي، وأبي حفص عمر بن محمد بن طاهر بن أبي خيثمة، وأبي بكر محمد بن محمد بن داود بن عيسى الكرجي.
روى عنه أبو القاسم هبة الله بن سليمان الجزري، وأبو الحسين عتيق بن إبراهيم بن أحمد بن الكاتب الاسكندراني، سمع منه طرابلس، وكتب عنه محتسب دمشق إبراهيم بن عبد الله بن حصن الأندلسي، وأبو اسحق إبراهيم بن هبة الله ابن إبراهيم.
أخبرنا أبو محمد عبد الوهاب بن رواج الاسكندراني بمنظرة سيف الإسلام بين مصر والقاهرة، قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، والشريفان أبو محمد عبد الله، وأبو الطاهر اسماعيل ابنا أبي الفضل عبد الرحمن ابن يحيى الديباجي - اجازة من كل واحد منهم - قالوا: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن يحيى بن حمود المالكي قال: أخبرنا أبو معشر الطبري قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن سليمان الجزري بميافارقين قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن كليب الطرسوسي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن محمد بن داود بن عيسى الكرجي قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي قال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
أحمد بن الحسن بن عيسى الخشاب، أبو الفتح الحلبي الكردي:
من بيوت حلب المذكورة القديمة، وعيسى الخشاب جدهم كان مقدماً في دولة بني حمدان، وتقدم بنوه وعقبه بعده، ورأسوا بها، واتخذوا الأملاك بحلب، ومال إليهم الشيعة بها، وتولوا بها المراتب السنية، وسيأتي في كتابنا هذا ذكر جماعة منهم، وكان أبو الفتح هذا من فقهاء الشيعة، ومن أعيان حلب، وكان عنده تدين وورع، سمع بحلب الحسين بن أحمد القطان البغدادي، وأبا محمد عبد الرحمن بن الحسن الواعظ النيسابوري، وأبا الحسن محمد بن الحسين البصري، وكتب عنهم.
قرأت بخط أبي الحسن محمد بن أبي الفتح أحمد بن الحسن بن عيسى الخشاب لنفسه أبياتا يرثي بها أباه أحمد، وقد توفي بحلب.
أتاني الدهر بما لم أزل ... أحذره منه وأخشاه
بفقد مولىً فعله دائماً ... للخير أدناه وأقصاه
مراقباً في كل أفعاله ... لله ذي العزّة مولاه
تالي كتاب الله مستشعراً ... بآيه قد فاز مسعاه
قوام ليل صائم دهره ... ذو غيرةٍ للدين أوّاه
غزير علمٍ عالم عامل ... رجاه في أفعاله الله
كريم نفسٍ باذل جهده ... ينهب منه المال والجاه
باكٍ لأولاد نبي الهدى ... قد ذهبت بالدمع عيناه
وصول أرحام على قطعها ... يعطي بيمناه ويسراه
يا رب بلغ أحمداً سؤله ... أكرم غداً في البعث مثواه
أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الحسين بن عيسى بن يحيى بن الحسين ابن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
أبو الطيب بن القاضي أبي محمد العلوي، الزيدي الشريف، أخو الشريف أبي الغنائم الزيدي النسابة، أصله من الكوفة.

وتولى أبوه أبو محمد القضاء بحلب في أيام سعد الدولة أبي المعالي شريف ابن سيف الدولة بن حمدان، وكان أبو الطيب هذا وأخوه مع أبيهما أبي محمد بحلب.
وذكره أخوه أبو الغنائم عبد الله بن الحسن الزيدي النسابة في كتاب نزهة عيون المشتاقين في النسب، وذكر له أبياتاً من الشعر، وأنه أنشده إياها لنفسه وهي:
اصبر فإن الصبر مركريه ... سيعقب الصبر بما تشتهيه
كم آملٍ أمراً وقد فاته ... فلم ينل بالسعي ما يرتجيه
فكن على الصبر صبوراً عسى ... ينفعك الصبر بخير تليه
فكم عسير عزّ في عسره ... هوّنه الرحمن باليسر فيه
أحمد بن الحسن الأنطاكي أبو بكر.
روى عن أبي زكريا الحبال، روى عنه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إبراهيم الأنباري الضرير.
أخبرنا المؤيد بن محمد الطوسي في كتابه إلينا من نيسابور عن أبي الحسن علي ابن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي قال: حدثني أبو الفضل أحمد بن علي بن زريق المعري قال: أخبرنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري قال: حدثني أبو الفرج عبد الصمد بن أحمد بن عبد الصمد قال: حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن إبراهيم الأنباري الضرير قال: حدثني أبو بكر أحمد بن الحسن الأنطاكي عن أبي زكريا الحبال عن أبي زيد النحوي عن معاذ بن العلاء قال: لما فتحت مدائن كسرى بيع تابوت مقفل فاشتراه توبة بن جلهمة بثمانين ديناراً، ففتحه فإذا فيه لوح من الذهب مرصع بالجوهر فيه تسع عشرة كلمة بالسريانية، ففسرت بالعربية فإذا هي من أكثر التفكر في الله تزندق، ومن تعاطى النجوم كفر، ومن كثر حديثه كذب، ومن طلب الدنيا بالكيمياء افتقر، ومن وقر أباه زيد له في العمر، ومن وقر أمه رأى في بيته ما يسره، ومن أحد النظر إلى والديه فقد عقهما والدهن يذهب البؤس، والكسوة الحسنة تظهر الغنى، والإحسان إلى المملوك يكبت الأعداء، ومشاش الطير يورث السل، واستقبال الشمس يورث الداء الدفين، والتخلل بالقصب يورث الداء في الفم، والتدلك بالنخالة يورث الفقر، ومسح الوجه بالذيل يجلب الصرفة، وأكل سؤر الفأر يورث النسيان، ومن بات في جوفه وزن درهم من جزر أمن ريح القولنج باقي ليلته، وما أقفر بيت فيه خل، وفوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها.
أحمد بن الحسن الملطي المقرىء.
أبو الحسن، قرأ على أبي الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ، وروى عنه.
قرأ عليه وروى عنه أبو محمد الحسن بن ملاعب الحلبي المكفوف، وقيل في موضع آخر: قرأ عليه أبو الحسن أحمد بن ملاعب بن عبد الله الحلبي، والصحيح الحسن بن ملاعب.
أحمد بن الحسن المنبجي من رواة الشيعة:
يروي عن يعقوب بن شعيب، روى عنه الحسن بن محمد.
أحمد بن الحسن الاقليدسي.
أبو يوسف الحاسب المصيصي، وقيل فيه أحمد بن الحسين، وقفت على كتاب صنفه في الجبر والمقابلة في علم الحساب، وهو كتاب حسن، تكلم في مقدمته في الدلالة على أن جميع العلوم مفتقرة إلى الحساب.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي
من اسم أبيه الحسين من الأحمدين
أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
أبو القاسم الحسيني الشريف العقيقي الدمشقي، وبعضهم يسميه محمداً، ونسب العقيقي إلى جد جده محمد بن جعفر، وكان يعرف بالعقيقي، منسوب إلى العقيق من ناحية المدينة.
وأبو القاسم هذا هو صاحب الدار والحمام المعروفين بالعقيقي بناحية باب البريد بدمشق وكان من وجوه الأشراف بدمشق وأولي المراتب العالية والممدحين بها وكان قدم إلى حلب وافداً على الأمير سيف الدولة، وكان مكرماً له محترماً عنده.
وسمع بحلب أبا عبد الله بن خالويه اللغوي، وسمع منه عبد العزيز بن محمد بن عبدويه الشيرازي، ومدحه الوأواء الدمشقي، وعبد الله بن محمد الخطابي الشاعر.

أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله في كتابه قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: قرأت بخط عبد العزيز بن محمد بن عبدويه الشيرازي: سمعت الشريف أبا القاسم أحمد بن الحسين الحسيني المعروف بالعقيقي يقول في قول الله عز وجل في قصة يوسف وخطابه لأخوته: إنه من يتق ويصبر قال: يتق الله في جميع أموره ويصبر على العزوبة كما صبر يوسف عن زليخا وعزوبته في تلك السنين كلها.
قرأت في جزء وقع إلي من أمالي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، مكتتب من إملائه وعليه خطه: سأل سيف الدولة جماعة العلماء بحضرته ذات ليلة فقال: هل تعرفون اسماً ممدوداً وجمعه مقصور؟ فقالوا: لا، فقال ابن خالويه ما تقول أنت؟ قلت أنا أعرف اسمين ممدودين وجمعهما مقصور، قال: ما هما؟ قلت: لا أقول لك ذلك إلا بألف درهم، ثم كتبت رقعة فقلت: إنما لم أقلهما لأن لا تؤخذ بغير شكر، وهما صحراء وصحارى، عذراء وعذارى، فلما كان بعد شهر كتبت إليه إني قد أصبت حرفين آخرين ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه، وهما صلفاء وصلافى وهي الأرض الغليظة، وخبراء وخبارى وهي أرض فيها ندوة، فلما كان بعد عشرين سنة من هذا الحديث أمللت هذه الأحرف على أبي القاسم العقيقي أيده الله، فلما مضى إلى دمشق كتبت إليه: إنه بإقبال الشريف ويمنه لما استغرب هذه الأحرف وجدت حرفاً خامساً ذكره ابن دريد في الجمهرة وهو سبتاء وسباتاء وهي الأرض الخشنة.
قرأت في جزء وقع إلي بخط أبي القاسم حمزة بن عبد الله بن الحسين الاطرابلسي يتضمن تعاليق وأمالي عن أبي عبد الله بن خالويه، وذكر أنه قرأه على ابن خالويه ونقله من خطه؛ نسخة كتاب كتبه أبو عبد الله بن خالويه إلى أبي القاسم أحمد بن الحسين العقيقي الحسيني.
هنّأتني براً ملكتت به ... شكري وشكرك واجبٌ فرض
لم يبتلل وجهٌ ولا شفعت ... شفعاء لي في منّها حضٌ
ففداك منّا عون لو ملكوا ... عدد البحار إذاً لما بضّوا
سلام الله عليك وصلواته ومغفرته ورحمته وريحانه أيها السيد الكريم والشريف ذا الحكمة، يا زينة الدنيا وبهجتها، أطال الله بقاءك ووهب والدك ابن خالويه وقاك وفداك، فلقد تقيلت آباءك الطاهرين وتسنّمت جدك وأسلافك المنتجبين وأشبهتهم خلقاً وخلقاً، ومضيت على أساسهم، وقفوت حميد أفعالهم، فأصبحت فذ الدهر، وقريع العصر، وواحد السمحاء وسيد الأدباء براعة وفصاحة، وكريم الكرماء سخاء وسماحة، وتبعت جديك محمداً سيد المرسلين وعلياً سيد الوصيين صلوات الله على ذكراهما كلما ذر شارق وطرق أثناء الليل طارق، ونزعت إليهما حذو القذة والماء بالماء، تهذيب خلق ومحض ضريبة، ودماثة شمائل، وكرم سجية، أقول من قس إذا نطق. وأفصح من سحبان وائل إذا خطب، وأسخى من اللافظة كفاً، وأجود من السحاب جوداً، وأبها من فخت القمر، وأسنى من الهالة، فأنسأ الله أجلك، وبلغك أكلأ الأعمار يد المسند وسير الليالي مابل بحر صوفه، ونعمت ظبية في تنوفه واستدار من رمل عالج كوفه، وظهرت في أطفور ناشىء فوفه.
كتبت غرة الشهر إلى غرة الزمان عن سلامة تتم بسلامته، ونعمة من الله جل وعز لا أقوم بشكرها، وتوق إلى الشريف العقيقي لا أصفه.
فأيهات أيهات العقيق ومن به ... وأيهات وهل بالعقيق تواصله
وهيهات هيهات أين للعقيقي شروى ونظير.
عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم
وعن لوعة لا تطفى حرارتها إلا باجتماع وشيك لدى مولانا الشريف بن الشريف، والسيد بن السيد شريف بن سيف الدولة أطال الله حياته وأعاشه عمر نصر بن دهمان، إذ كان لا يقطع مجالسه إلا بذكر مناقبك وصفاتك أتاح الله من ذلك ما تحبه.
ووصل كتاب سيدنا الشريف أدام الله عزه بعد ظمأ إليه، فما أتممت قراءته حتى تبادر أهل المجلس إلى نسخه استحساناً لألفاظه الجزلة، ومعانيه الفخمة، ووصلت معه، وصل الله أيامه بمحابه، الهدية النفيسة، والكسوة الشريفة.
وذكر تمام الرسالة، اقتصرت منها على ما فيه وصف العقيقي وتقريظه، وألغيت ما عداه.

قرأت بخط أبي الخطاب عمر بن محمد العليمي وأنبأنا عنه أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن محمد النسابه وغيره قال: وجدت بخط أبي محمد عبد المنعم بن علي ابن النحوي الدمشقي سنة ثمان وسبعين - يعني - وثلاثمائة: وفي يوم الثلاثاء لأربع خلون من جمادى الأولى منها توفي الشريف أبو القاسم العقيقي بين الصلاتين، وركب ابن البقال المحتسب ودار البلد وأمر أن لا يفتح أحد من الغد إلا خباز أو قصاب، وأغلق البلد بأسره يوم الأربعاء، وأخرجت جنازته ضحوة إلى المصلى، وحضر بكجور وأصحابه ومشى الأشراف خلف سريره، ودفن في المقبرة التي كان بناها خارج باب الصغير.
أحمد بن الحسين بن بندار بن أبان الأصبهاني القاضي الطرسوسي.
أبو بكر، سمع أبا سعيد بن الأعرابي، وعبد الله بن محمد بن العلاء الطرسوسي، وكان زاهدا عابدا.
أنبأنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني عن أبيه الإمام تاج الإسلام أبي سعد قال: وأبو بكر أحمد بن الحسين بن بندار بن أبان الأصبهاني القاضي الطرسوسي الشيخ العابد الصالح المجتهد.
سمع أبا سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي، وعبد الله بن محمد بن العلاء الطرسوسي، ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ.
وقال أبو بكر الطرسوسي: ورد علينا نيسابور عند محنة أهل طرسوس وسكنها إلى أن توفي بها في شهر رمضان سنة سبعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة باب معمر.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي، أبو بكر البروجردي:
نزيل حلب حدث بها عن أبي الحسن علي بن محمد الفقيه، روى عنه أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري المقرىء.
أخبرنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر رواج الاسكندراني بمنظرة سيف الإسلام بين مصر والقاهرة قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد ابن ابراهيم السلفي، والشريفان أبو محمد عبد الله وأبو الطاهر اسماعيل ابنا أبي الفضل عبد الرحمن بن يحيى بن اسماعيل العثمانيان الديباجيان - كلهم اجازة قالوا: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن حمود المالكي قال: أخبرنا أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الطبري المقرىء قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البروجردي بحلب قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الفقيه قال: حدثنا أبو القاسم اسماعيل بن القاسم قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الحميد قال: حدثنا خلاد بن أسلم قال: حدثنا مروان بن معاوية عن أبان بن اسحق عن الصباح بن محمد عن أبي حازم عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء قالوا: يا رسول الله انا لنستحيي، قال: ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى، وليحفظ البطن وما وعى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الكوفي الشاعر المعروف بالمتنبي:
وقيل: هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار، وكان والده الحسين يعرف بعيدان السقاء، وكان أبو الطيب شاعرا مشهورا مذكورا محظوظا من الملوك والكبراء الذين عاصرهم، والجيد من شعره لا يجاري فيه ولا يلحق، والردي منه في نهاية الرداءة والسقوط، وكان يتعظم في نفسه ويترفع، وقيل انه ادعى النبوة في حداثته فلقب بالمتنبي لذلك، وكان عارفا باللغة قيما بها.
قدم الشام في صباه وجال في أقطارها، وصعد بعد ذلك إلى الديار المصرية، وكان بها في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، ثم قدم حلب وافدا على الأمير سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان، ومادحا له، فأكرمه ونفق عليه، وصار خصيصا به، ملازما له حضرا وسفرا إلى أن خرج من حلب غضبان بسبب كلام وقع بينه وبين أبي عبد الله بن خالويه في مجلس سيف الدولة، فضربه ابن خالويه بمفتاح.
وكان دخوله إلى حلب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وخروجه منها إلى مصر الدفعة الثانية في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، وكان نزوله بحلب في محلتنا المعروفة بآدر بني كسرى.
قال لي والدي: وكانت داره دارا هي لآن خانكاه سعد الدين كمشتكين ملاصقة لداري.

وكان ابن خالويه مؤدب ولدي الأمير سيف الدين: أبي المكارم، وأبي المعالي، فظفرت بجزء بخط ابن خالويه ذكر فيه ما يحفظه الأميران المذكوران، فذكر أنواعاً من الفقه والأدب وأشعار العرب وقال في جملتها: ويحفظان من شعر الشاعر المعروف بالمتنبي كذا وكذا قصيدة، وعينها، ولم يذكر أنهما يحفظان لغيره من العصريين شيئاً، وهذا يدل على عظم قدره وجلالة أمره في ذلك الزمان.
روى عن أبي الطيب: القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، وأبو الفتح عثمان بن جني النحوي، وأبو محمد الحسن بن علي بن الصقر الكاتب، وأبو الحسن علي بن أيوب بن الحسين بن الساربان الكاتب، والاستاذ أبو علي أحمد بن محمد مسكويه، وأبو عبد الله بن باكويه الشيرازي، وأبو الحسن علي ابن عيسى الربعي، وأبو القاسم بن حسن الحمصي، وعبد الصمد بن زهير بن هرون بن أبي جرادة، ومحمد بن عبد الله بن سعد النحوي الحلبيان، وعبد الله ابن عبيد الله الصفري الشاعر الحلبي، وعبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الجوع الوراق المصري، وأبو اسحق ابراهيم بن عبد الله بن المغربي، وأبو بكر الطائي، وأبو القاسم النيلبختي، وأبو محمد الحسن بن عمر بن ابراهيم، وأبو العباس بن الحوت، وجماعة سواهم.
أنبأنا تاج الأمناء أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن عمي قال: قال لنا هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي: قال لنا أبو بكر الخطيب: عيدان بكسر العين وبالياء المعجمة باثنتين من تحتها، هو والد أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، كان يعرف بعيدان السقاء.
أخبرني صديقنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي مولى الحموي البغدادي قال: رأيت ديوان أبي الطيب المتنبي بخط أبي الحسن علي بن عيسى الربعي قال في أوله: الذي أعرفه من نسب أبي الطيب أنه: أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار الجعفي، وكان يكتم نسبه، وسألته عن سبب طيه ذلك؟ فقال: إني أنزل دائما بعشائر وبقبائل من العرب، ولا أحب أن يعرفوني خيفة أن يكون لهم في قومي تره، وهذا الذي صح عندي من نسبه.
قال: واجتزت أنا وأبو الحسن محمد بن عبيد الله السلامي الشاعر على الجسر ببغداد وعليه من جملة السؤال رجل مكفوف، فقال لي السلامي: هذا المكفوف أخو المتنبي: فدنوت منه فسألته عن ذلك، فصدقه، وانتسب هذا النسب، وقال: من هاهنا انقطع نسبنا.
وكان مولده بالكوفة في كنده سنة ثلاث وثلاثمائة، وأرضعته امرأة علوية من آل عبيد الله.
قال الربعي: وقال لي المتنبي: كنت أحب البطالة وصحبة البادية، وكان يذم أهل الكوفة لأنهم يضيقون على أنفسهم في كل شيء حتى في الأسماء فيتداعون بالألقاب، ولما لقبت بالمتنبي ثقل ذلك علي زمانا، ثم ألفته.
وقال الربعي: رأيت عنده بشيراز جزءا من شعره بخط ابن أبي الجوع الوراق المصري، وعليه بخط آخر المتنبي السلمي البغدادي، فقال: ما كفاه أن عزاني الي غير بلدي حتى نسبني إلى غير أبي، قال: وما أظن أن أحدا صدق في رواية هذا الديوان صدقي، فإنني كنت أكاثره ونحن بشيراز وربما أخذ عني من كلام أبي علي النحوي، وسمعت شعره يقرأ عليه دفعات، ولم أقرأ عليه بلفظي إلا العضديات والعميديات فإني قرأتها تكرمة لمن قيلت فيه، ونقلتها بخطي من مدرج بخطه كان معه. هذا آخر كلام الربعي.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي، فيما أذن لنا فيه، قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: قال لنا أبو بكر الخطيب: أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف بالمتنبي، بلغني أنه ولد بالكوفة في سنة ثلاث وثلاثمائة، ونشأ بالشام، وأكثر المقام بالبادية، وطلب الأدب وعلم العربية، ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر من حداثته حتى بلغ فيه الغاية التي فاق أهل عصره، وعلا شعراء وقته.
واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة، وانقطع إليه، وأكثر القول في مديحه، ثم مضى إلى مصر، فمدح بها كافور الخادم، وأقام هناك مدة، ثم خرج من مصر وورد العراق، ودخل بغداد، وجالس بها أهل الأدب، وقرىء عليه ديوانه.

فحدثني أحمد بن أبي جعفر القطيعي عن أبي أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي قال: لما ورد المتنبي بغداد سكن في ربض حميد، فمضيت إلى الموضع الذي نزل فيه لأسمع منه شيئا من شعره، فلم أصادفه، فجلست أنتظره، وأبطأ علي، فانصرفت من غير أن ألقاه، ولم أعد إليه بعد ذلك، وقد كان القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي سمع منه ديوانه ورواه عنه.
قال الخطيب: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي الزيدي قال: كان المتنبي وهو صبي ينزل في جواري بالكوفة، وكان يعرف أبوه بعيدان السقاء، يستقي لنا ولاهل المحلة.
ونشأ هو محباً للعلم والأدب فطلبه، وصحب الأعراب في البادية، فجاءنا بعد سنين بدويا قحا، وقد كان تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والأدب، وأكثر من ملازمة الوراقين، فكان علمه من دفاترهم.
فأخبرني وراق، كان يجلس إليه يوما، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عيدان قط، فقلت له: كيف؟ فقال: كان اليوم عندي وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعي، سماه الوراق وأنسيه أبو الحسن، يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه، قال: فأخذ ينظر فيه طويلا، فقال له الرجل: أريد بيعه، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر، قال: فقال له ابن عيدان فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فمالي عليك؟ قال: أهب لك الكتاب، قال: فأخذت الدفتر من يده، فأقبل يتلوه علي إلى آخره، ثم استلبه فجعله في كمه وقام، فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل، قد وهبته لي، قال: فمنعناه منه وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام، فتركه عليه.
وقال أبو الحسن: كان عيدان والد المتنبي يذكر أنه من جعفى، وكانت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب لا أشك فيها، وكانت جارتنا، وكانت من صلحاء النساء الكوفيات.
قال التنوخي: قال أبي: فاتفق مجىء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفا من فارس، فذاكرته بأبي الحسن، فقال: تربي وصديقي وجاري بالكوفة، وأطراه ووصفه، وسألت المتنبي عن نسبه، فما اعترف لي به، وقال: أنا رجل أخبط القبائل وأطوي البوادر وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أني يأخذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني.
قال: واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن بن أم شيبان الهاشمي الكوفي وجرى ذكر المتنبي فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخا يسمى عيدان، يسقي على بعير له، وكان جعفيا صحيح النسب.
قال: وقد كان المتنبي لما خرج إلى كلب وأقام فيهم ادعى أنه علوي حسني، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين، وحبس دهرا طويلا وأشرف على القتل، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق.
قرأت بخط عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الجوع الوراق المصري: سألت أبا الطيب المتنبي أحمد بن الحسين بن الحسن عن مولده ومنشئه، فقال: ولدت بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمائة في كنده، ونشأت بها، ودخلت مدينة السلام، ودرت الشام كله سهله وجبله.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر البغدادي في كتابه قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين بن الساربان قال: ولد أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن المتنبي بالكوفة في محلة كنده سنة ثلاث وثلاثمائة، وقال الشعر وهو صبي في المكتب.
وقرأت في بعض النسخ من شعره أن مولده قيل على التقريب لا على التحقيق وقرأت في تاريخ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي الحلبي، وأخبرنا به المؤيد بن محمد الطوسي اجازة عنه، قيل انه ولد - يعني المتنبي - سنة إحدى وثلاثمائة، والأول أصح، والله أعلم.
أخبرنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الحموي قال: ذكر أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، ونقلته من خطه، أن المتنبي لما ذكر في القصيدة التي أولها.
كفى أراني ويك لومك ألوما.
النور الذي يظاهر لاهوتيته في ممدوحه، وقال:
أنا مبصر وأظن أنّي حالم

ودار على الألسن، قالوا: قد تجلى لأبي الطيب ربّه، وبهذا وقع في السجن والوثاق الذي ذكره في شعره
أيا خدّد الله ورد الخدود.
ولم يذكر سبب لقبه على صدقه وإنما وجه له وجهاً ما، كما حكى عنه أبو الفتح عثمان بن جني أن سببه هو قوله:
أنا في أمة تدراكها اللّه ... غريب كصالح في ثمود
وإنما هو أن الخيوط في رأسه كانت تديره وتزعجه، فتحين غيبة سيف الدولة في بعض غزواته، وقصد أعراب الشام، واستغوى مقدار ألف رجل منهم، واتصل خبره بسيف الدولة فكر راجعا وعاجله فتفرق عنه أصحابه، وجىء به أسيراً، فقال له: أنت النبي؟ قال: بل أنا المتنبي حتى تطعموني وتسقوني فإذا فعلتم ذلك فأنا أحمد بن الحسين، فأعجب بثبات جأشه وجرأته في جوابه، وحقن دمه وألقاه في السجن بحمص إلى أن قرر عنده فضله فأطلقه واستخصه، ولما أكثروا ذكره بالتبني تلقب به كيلا يصير ذما، إذا احتشم أخفي عنه، وشتماً لا يشافه به. واستمر الأمر على ما تولى التقلب به.
قلت: قول أبي الريحان: إنه تحين غيبة سيف الدولة في بعض غزواته إلى آخر ما ذكره ليس بصحيح، فإن أهل الشام وغيرهم من الرواة لم ينقلوا أن المتنبي ظهر منه شيء من ذلك في أيام سيف الدولة ومملكته بحلب والشام، ولا أنه حبسه منذ اتصل به، وإنما كان ذلك في أيام لؤلؤ الإخشيذي أمير حمص.
أخبرني أبو اليمن زيد بن الحسن البغدادي كتابه قال أخبرنا أبو منصور بن زريق، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: وأخبرنا علي بن المحسن التنوخي قال: حدثنا أبي قال: حدثني أبو علي بن أبي حامد قال: سمعت خلقاً بحلب يحكون، وأبو الطيب المتنبي بها إذ ذاك، أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيذية فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب وحبسه في السجن دهراً طويلاً فاعتل وكاد أن يتلف حتى سئل في أمره فاستتابه، وكتب عليه وثيقة أشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام وأنه تائب منه، ولا يعاود مثله وأطلقه.
قال: وكان قد تلا على البوادي كلاما ذكر أنه قرآن أنزل عليه وكانوا يحكون له سوراً كثيرة، نسخت منها سورة ضاعت وبقي أولها في حفظي وهو: والنجم السيار، والفلك الدورا، والليل النهار إن كافر لفي أخطار، أمضى على سننك، واقف إثر من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله، قال: وهي طويلة لم يبق في حفظي منها غير هذا.
قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة - ونحن إذ ذاك بحلب - يذكر له هذا القرآن وأمثاله مما كان يحكى عنه، فينكره ويجحده.
قال: وقال له ابن خالويه النحوي يوما في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي، لأن متنبي معناه كاذب، ومن رضي أن يدعى بالكذب فهو جاهل، فقال له أنا لست أرضى أن أدعى بهذا، وانما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على الامتناع.
قال الخطيب: قال لنا التنوخي: قال: قال لي أبي: فأما أنا فإني سألته بالأهواز في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، عند اجتيازه بها إلى فارس، في حديث طويل جرى بيننا، عن معنى المتنبي، لأني أردت أن أسمع منه هل تنبى أم لا؟ فأجابني بجواب مغالط لي، وهو أن قال: هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة، فاستحييت أن أستقصي عليه وأمسكت.
وقال لي أبو علي بن أبي حامد: قال لي أبي ونحن بحلب، وقد سمع قوما يحكون عن أبي الطيب المتنبي هذه السورة التي قدمنا ذكرها: لوى جهله أين قوله: امضي على سننك إلى آخر الكلام من قول الله تعالى: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين إلى آخر القصة، وهل تتقارب الفصاحة فيهما أو يشتبه الكلامان؟! قرأت في نسخة وقعت إلي من شعر أبي الطيب المتنبي ذكر فيها عند قوله:
أبا عبد الإله معاذ أنى خفي ... عنك في الهيجاء مقامي
ذكرت جسيم ما طلبي وإنّ ... نخاطر فيه بالمهج الجسام
أمثلي تأخذ النكبات منه ... ويجزع من ملاقاة الحمام
ولو برز الزمان إلي شخصياً ... لخضّب شعر مفرقه حسامي
وما بلغت مشيتها الليالي ... ولا سارت وفي يدها زمامي

إذا امتلأت عيون الخيل مني ... فويلٌ للتيقظ والمنام
وقال: أبو عبد الله معاذ بن اسماعيل اللاذقي: قدم المتنبي اللاذقية في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة وهو كما عذر، وله وفرة إلى شحمتي أذنه، وضوى إلي فأكرمته وعظمته لما رأيت من فصاحته وحسن سمته، فلما تمكن الأنس بيني وبينه، وخلوت معه في المنزل اغتناما لمشاهدته، واقتباسا من أدبه، وأعجبني ما رأيت، قلت: والله انك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير، فقال لي: ويحك أتدري ما تقول: أنابني مرسل، فظننت أنه يهزل، ثم فكرت أني لم أحصل عليه كلمة هزل منذ عرفته، فقلت له: ما تقول؟ فقال: أنا نبي مرسل، قلت له: مرسل إلى من؟ قال: إلى هذه الأمة الضالة المضلة، قلت: تفعل ماذا؟ قال أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، قلت بماذا؟ قال: بإدرار الأرزاق والثواب العاجل والآجل لمن أطاع وأتى، وضرب الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى، فقلت له: إن هذا أمر عظيم أخاف منه عليك أن يظهر، وعذلته على قوله ذلك، فقال بديها:
أبا عبد الله معاذ أنى خفى ... عنك في الهيجاء مقامي
الأبيات، فقلت له: لم ذكرت أنك نبي مرسل إلى هذه الأمة، أفيوحى إليك؟ قال: نعم، قلت: قاتل علي شيئاً من الوحي إليك، فأتاني بكلام ما مر بسمعي أحسن منه، فقلت: وكم أوحي إليك من هذا؟ فقال: مائة عبرة وأربع عشرة عبرة، قلت: وكم العبرة؟ فأتى بمقدار أكبر الآي من كتاب الله، قلت: ففي كم مدة أوحي إليك، قال: جملة واحدة، قلت، فأسمع في هذه العبر أن لك طاعةً في السماء فما هي؟ قال: أحبس المدرار لقطع أرزاق العصاة والفجار، قلت أتحبس من السماء مطرها؟ قال: أي والذي فطرها، أفما هي معجزة؟ قلت: بلى والله، قال: فإن حبست عن مكان تنظر إليه ولا تشك فيه هل تؤمن بي وتصدقني على ما أتيت به من ربي؟ قلت: أي والله: قال: سأفعل فلا تسألني عن شيء بعدها حتى آتيك بهذه المعجزة ولا تظهر شيئاً من هذا الأمر حتى يظهر، وانتظر ما وعدته من غير أن تسأله، فقال لي بعد أيام: أتحب أن تنظر إلى المعجزة التي جرى ذكرها؟ قلت: بلى والله، فقال لي: إذا أرسلت إليك أحد العبيد فاركب معه ولا تأخر ولا يخرج معك أحد، قلت: نعم.
فلما كان بعد أيام تغيمت السماء في يوم من أيام الشتاء، وإذا عبده قد أقبل، فقال: يقول لك مولاي: اركب للوعد، فبادرت بالركوب معه، وقلت أين ركب مولاك؟ فقال: إلى الصحراء ولم يخرج معه أحد غيري، واشتد وقع المطر، فقال بادر بنا حتى نستكن معه من هذا المطر، فإنه ينتظرنا بأعلى تل لا يصيبه فيه المطر، قلت: وكيف عمل؟ قال: أقبل ينظر إلى السماء أول ما بدا السحاب الأسود وهو يتكلم بما لا أفهم، ثم أخذ السوط فأدار به في موضع ستنظر إليه من التل وهو يهمهم والمطر مما يليه ولا قطرة منه عليه، فبادرت معه حتى نظرت إليه، وإذا هو على تل على نصف فرسخ من البلد فأتيته وإذا هو عليه قائم ما عليه من ذلك المطر قطرة واحدة، وقد خضت في الماء إلى ركبتي الفرس والمطر في أشد ما يكون، ونظرت إلى نحو مائتي ذراع في مثلها من ذلك التل يابس ما فيه ندى ولا قطرة مطر، فسلمت عليه، فرد علي وقال لي: ما ترى؟ فقلت: ابسط يدك فإني أشهد أنك رسول الله، فبسط يده فبايعته بيعة الاقرار بنبوته، ثم قال لي: ما قال هذا الخبيت لما دعا بك - يعني عبده - ؟ فشرحت له ما قال لي في الطريق لما استخبرته، فقتل العبد وقال:
أي محلٍ أرتقي ... أي عظيم أتقي
وكلّما قد خلق الل ... ه وما لم يخلق
محتقر في همّتي ... كشعرة في مفرقي
وأخذت بيعته لأهلي، ثم صح بعد ذلك أن البيعة عمت كل مدينة بالشام وذلك بأصغر حيلة تعلمها من بعض العرب، وهي صدحة المطر، يصرفه بها عن أي مكان أحب بعد أن يحوي عليه بعضا وينفث بالصدحة التي لهم، وقد رأيت كثيرا منهم بالسكون وحضرموت والسكاسك من اليمن يفعلون هذا ولا يتعاظمونه حتى أن أحدهم يصدح عن غنمة وابله وبقره، عن القرية من فلا يصيبها من المطر قطرة ويكون المطر مما يلي الصدحة، وهو ضرب من السحر، ورأيت لهم من السحر ما هو أعظم من هذا، وسألت المتنبي بعد ذلك: هل دخلت السكون؟ قال: نعم، ووالدي منها، أما سمعت قولي:
أمنسيّ السّكون وحضرموتا ... ووالدتي وكندة والسّبيعا

فقلت: من ثم استفاد ماجوزه على طغام أهل الشام، وجرت له أشياء بعد ذلك من الحروب والحبس والانتقال من موضع إلى موضع حتى حصل عند سيف الدولة وعلا شأنه.
قلت: والصدحة التي أشار إلى إنها تمنع المطر معروفة إلى زماننا هذا، وأخبرني غير واحد ممن أثق به من أهل اليمن أنهم يصرفون المطر عن الإبل والغنم وعن زرع عدوه، وإن رعاء الإبل والغنم ببلادهم يستعملون ذلك، وهو نوع من السحر.
وذكر أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن فورجة في كتاب التجني على ابن جني قال: أخبرني أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري عمن أخبره من الكتاب قال: كنت بالديوان في بعض بلاد الشام، فأسرعت المدية في اصبع بعض الكتاب وهو يبري قلمه وأبو الطيب حاضر، فقام إليه وتفل عليه وأمسكها ساعة بيده، ثم أرسلها وقد اندملت بدمها، فجعل يعجب من ذلك ويري من حضر أن ذلك من معجزاته.
قال: ومما كان يمخرق به على أبيات البادية أنه كان مشاءً قوياً على السير سيراً لا غاية بعده، وكان عارفاً بالفلوات، ومواقع المياه، ومحال العرب بها، فكان يسير من حلة إلى حلة بالبادية في ليلة وبينهما مسيرة ثلاث. فيأتي ماء ويغسل يديه ووجهه ورجله، ثم يأتي أهل تلك الحلة فيخبرها عن الحلة التي فارقها، ويريهم أن الأرض طويت له، فلما علت سنه رغب عن ذلك وزهد فيه، وأقبل على الشعر وقد وسم بتلك النسمة.
أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله ابن يحيى قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين قال: أنشدنا أبو الطيب المتنبي لنفسه، وكان قوم في صباه وشوا به إلى السلطان، وتكذبوا عليه، وقالوا له: قد انقاد له خلق من العرب وقد عزم على أخذ بلدك حتى أوحشوه منه، فاعتقله وضيق عليه، فكتب إليه يمدحه:
أيا خدّد الله ورد الخدود ... وقدّ قدود الحسان القدود
فهنّ أسلن دماً مقلتي ... وعذّبن علبي بطول الصّدود
قال فيها في ذكر الممدوح: ؟رمى حلباً بنواصي الخيول وسمر يرقن دماً في الصّعيد
وبيضٍ مسافرة ما يقم ... ن لا في الرقاب ولا في الغمود
يقدن الفناء غداة اللقاء ... إلى كل جيش كثير العديد
فولّى بأشياعه الخرشنيّ ... كشاءٍ أحس بزأر الأسود
يرون من الذعر صوت الرياح ... صهيل الجياد وخفق البنود
فمن كالأمير ابن بنت الأمي ... ر أم من كآبائه والجدود
سعوا للمعالي وهم صبية ... وسادوا وجادوا وهم في المهود
أمالك رقي ومن شأنه ... هبات اللّجين وعتق العبيد
دعوتك عند انقطاع الرجا ... ء والموت مني كحبل الوريد
دعوتكم لما براني البلى ... وأوهن رجليّ ثقل الحديد
وقد كان مشيهما في النعال ... فقد صار مشيهما في القيود
وكنت من الناس في محفل ... فها أنا في محفل من قرود
تعجّل فيّ وجوب الحدود ... وحدّي قبيل وجوب السجود
وقيل عدوت على العالمين ... بين ولادي وبين القعودي
فما لك تقبل زور الكلام ... وقدر الشهادة قدر الشهود
فلا تسمعن من الكاذبين ... ولا تعبأن بمحك اليهود
وكن فارقاً بين دعوى أردت ... ودعوى فعلت بشأوٍ بعيد
وفي جود كفّيك ما جدت لي ... بنفسي ولو كنت أشقى ثمود
وذكر أبو منصور الثعالبي في اليتيمة عن ابن جني أنه قال: سمعت أبا الطيب يقول: إنما لقبت بالمتنبي لقولي:
أنا في أمة تداركها الله ... غريب كصالح في ثمود
ما مقامي بدار نحلة إلاّ ... كمقام المسيح بين اليهود
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أنشدنا الأستاذ أبو علي أحمد بن محمد المعروف بمسكويه قال: أنشدنا المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحرأن يرى ... عدواً له ما من صداقته بدّ

قال: قيل للمتنبي: على من تنبأت؟ قال: على الشعراء، فقيل لكل نبي معجزة فما معجزتك؟ قال: هذا البيت.
وقرأت في رسالة علي بن منصور الحلبي، المعروف بدوخله، وهي التي كتبها إلى أبي العلاء بن سليمان وأجابه عنها برسالة الغفران، وذم فيها أبا الطيب المتنبي وقال: وذكر ابن أبي الأزهر والقطربلي في التاريخ الذي اجتمعا على تصنيفه أن الوزير علي بن عيسى أحضره إلى مجلسه فقال له: أنت أحمد المتنبي؟ فقال: أنا أحمد النبي، ولي علامة في بطني خاتم النبوة، وأراهم شبيهاً بالسلعة على بطنه فأمر الوزير بصفعه فصفع وقيد، وأمر بحبسه في المطبق.
ثم طالعت التاريخ المشار إليه فقرأت فيه حوادث سنة اثنتين وثلاثمائة قال: وفيها جلس الوزير علي بن عيسى للنظر في المظالم، وأحضر مجلسه المتنبي وكان محبوسا ليخلي سبيله، فناظره بحضرة القضاة والفقهاء، فقال: أنا أحمد النبي ولي علامة في بطني خاتم النبوة، وكشف عن بطنه وأراهم شبيهاً بالسلعة على بطنه، فأمر الوزير بصفعه فصفع مائة صفعة، وضربة وقيده، وأمر بحبسه في المطبق. فبان لي أن أبا الحسن علي بن منصور الحلبي رأى في تاريخ ابن أبي الأزهر والقطربلي ذكر أحمد المتنبي فظنه أبا الطيب أحمد بن الحسين، فوقع في الغلط الفاحش لجهله بالتاريخ، فإن هذه الواقعة مذكورة في هذا التاريخ في سنة اثنتين وثلاثمائة، ولم يكن المتنبي ولد بعد، فإن مولده على الصحيح في سنة ثلاث وثلاثمائة، وقيل ان مولده سنة إحدى وثلاثمائة، فيكون له من العمر سنة واحدة وأبو محمد عبد الله بن الحسين الكاتب بن القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر ماتا جميعا قبل أن يترعرع المتنبي ويعرف.
وهذا المتنبي الذي أحضره علي بن عيسى هو رجل من أهل أصبهان تنبأ في أيام المقتدر، يقال له أحمد ابن عبد الرحيم الأصبهاني، ووجدت ذكره هكذا منسوبا في كتاب عبيد الله بن أحمد بن طاهر الذي ذيل به كتاب أبيه في تاريخ بغداد أخبرني ياقوت بن عبد الله الحموي قال: وقع لي كتاب مصنف في أخبار أبي الطيب صغير الحجم تصنيف الأستاذ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصبهاني، وذكر فيه ادعاءه النبوة، وقال فيه: وقد هجاه الشعراء بذلك فقال الضب الضرير الشامي فيه:
أطللت يا أيها الشقي دمك ... لا رحم الله روح من رحمك
أقسمت لو أقسم الأمير علي ... قتلك قتل العشار ما ظلمك
ويروي قبل العشاء، فأجابه المتنبي فقال:
إيهاً أتاك الحمام فاخترمك ... غير سفيهٍ عليك من شتمك
همك في أمرد تقلّب في ... عين دواةٍ من صلبه قلمك
وهمّتي في انتضاء ذي شطبٍ ... أقد يوما بحده أدمك
فاخسىء كليباً واقعد على ذنبٍ ... وأطل بما بين إليتيك فمك
قال: وهجاه شاعر آخر فقال - وقيل هو الضب أيضاً:
قد صح شعرك والنبوة لم تصح ... والقول بالصدق المبين يتضح
الزم مقال الشعر تحظ برتبة ... وعن التنبي لا أبا لك فاتنزح
تربح دما قد كنت توجب سفكه ... إن الممتع بالحياة لمن ربح
فأجابه بأبيات وهي:
نار الذراية من لساني تقتدح ... تغدو عليّ من النهى ما لم يرح
بحرٌ لو اغترفت لطامة موجه ... بالأرض والسبع الطباق لما نزح
أمري إلي فإن سمحت بمهجةٍ ... كرمت عليّ فإن مثلي من سمح
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي وأبو يعقوب يوسف بن محمود الساوي الصوفي قالا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي اجازة - إن لم يكن سماعا - قال: سمعت أبا عبد الله الحسين ابن علي بن همام الحسيني الطالقاني ببغداد يقول: هجا أبو عبد الله بن الحجاج أبا الطيب المتنبي لما دخل بغداد بمقطعات منها:
يا ديمة الصفع هبّي ... على قفا المتنبي
ويا قفاه تقدم ... تعال واجلس بجنبي
ويا يدي فاصفعيه ... بالنعل حتى تدبي
إن كان هذا نبي ... فالقرد لا شك ربي
فلما بلغ أبا الطيب قال:
عارضني كلب بني دارم ... فصنت منه الوجه والعرضا
ولم أكلمه احتقارا به ... من ذا يعض الكلب إن عضا

كذا رواه السلفي هبى والمحفوظ صبي.
وقال لي ياقوت الحموي: وذكر الاستاذ أبو القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصبهاني في أخبار أبي الطيب قال: وقد تعلق قوم ممن يتعصب على المتنبي فانتزع من شعره أبياتا زعم أنها تدل على فساد اعتقاد، وقد جعل لها من يتعصب وجهاً منها.
هوّن على بصرٍ ما شق منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم
قالوا: هذا البيت من اعتقاد السوفسطائية، وقوله في أخرى:
تمتع من سهادٍ أو رقادٍ ... ولا تأمل كرىً تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنىً ... سوى معنى انتباهك والمنام
قالوا: فهذا ينبي عن اعتقاد الحشيشية، وقوله في أخرى:
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلاّ على شجبٍ والخلف في الشجب
فقيل تسلم نفس المرء باقيةً ... وقيل تشرك حسم المرء في العطب
قالوا: فهذا مذهب من يقول بالنفس الناطقة، وقوله في عضد الدولة:
نحن بنو الدنيا فما بالنا ... نعاف ما لا بد من شربه
تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمانٍ هي من كسبه
فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجساد من تربه
فهذا مذهب الهوائية وأصحاب الفضاء، وقوله في ابن العميد:
يعللنا هذا الزمان بذا الوعد ... ويخدع عما في يديه من النقد
فإن يكن المهديّ من بان هديه ... فهذا وإلا فالهدى ذا فما المهدي
قالوا: فهذا مذهب أهل النجوم.
وقال لي ياقوت الحموي: نقلت من خط أبي الريحان محمد بن أحمد البيروني في رسالة له سماها التعلل بإجابة الوهم في معاني نظوم أولي الفضل قال في أثناء كلام ذكره: ثم إن لي من أخلاقهم - يعني الشعراء - أسوة حسنة ومسلاة أكيدة بإمام الشعراء الذي طرق لهم ولمن بعده إلى طريقته المخترعة في الشعر، وخلفهم من معاني كلامه في بروق تخطف أبصارهم وبصائرهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، أبي الطيب المتنبي، حتى أن أفاضل أهل زماننا كأحمد بن فارس يحسده على ما آتاه الله من فضله، ويقول: إنه مبخوت وإلاّ.
قال لي ياقوت كذا رأيته مبيضا بخطه.
ويقول: سألت أبا الفضل بن العميد عن معنى قوله: وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه.....
فأجابني بأن المتنبي خرج من الدنيا بعد ستين سنة عاشها ولم يكن وقف على معناه. وكان أبو الطيب على ضيق عطنه رفيع الهمة في صناعته، فاقتصر لها في رحلته بمدح عضد الدولة ووزيره ابن العميد، وراوده الصاحب اسماعيل بن عباد على التزاور رغبة في مديحه، فأبى الانحطاط إلى الكتبة، وهذا ما حمله على الخوض في مساوىء شعره، وليس يترفع عن حله ونثره في أثناء كتابته ومشاركة الحاتمي في إدامة حل نظمه في رسائله بعد مقالته التي عملها فيه محرضا عليه ومتنادرا به كنوادر المخنثين، كما حلم مثله أبا محمد المهلبي مستوزر بختيار بن معز الدولة على إغراء سفهاء بغداد عليه، ومعاملته بالسخف الذي أعرض بوجهه عنه وعنهم ولم يزد في الجواب على الخسأ ترفعا وتنزها واكتفاء من مهاجاتهم على ما في خلال شعره من مثل قوله:
أفاضل الناس أعراض لذا الزمن ... يخلو من الغم أخلاهم من الفطن
وذكر أبياتا مثله وقال: ثم ما يدريني هل كان سبب الفتك به من الأعرابي نبذ من ذلك الإغراء، فالقائل بالشر غير مبال أيضاً بفعله، وخاصة عند استماع ما كان حظي به لدى المقصودين من القبول والإقبال حتى أنه قال عند دخوله إلى شيراز: أنا لا أنشد ما ثلا، فأمر عضد الدولة بكرسي له، فلما دخل ورآه أنشده قائما، فأمره بالجلوس، فأبى وقال: هيبتك تمنع عن ذلك، فوقع قوله وفعله منه أحسن المواقع.
وكان المهلبي مع بختيار يناكر أن عضد الدولة فعل ذلك، حنفا وجهلا بالقدر.
قال: ومما يغيظني حقا قوم متسمون بالفضل يكابرون عفولهم في أمره، ويرتكبون في اطفاء نوره، كشمس المعالي قابوس، فقد كان يقول: ليس للمتنبي في ديوانه ما يسوى استماعا إلا أربعة أبيات، ثم لم يكن يبتدىء من ذات نفسه بالإشارة إليها، وكان سوء خلقه يمنعني من سؤاله عنها، وكأبي الفتح البستي في قوله:
سئلت عن المتنبي فقلت ... مقال إمرىءٍ ليس يغلو
له في مواضع فصل الخطاب ... وسائر ما قاله فهو فسل

قال: ولو كان قلبه فقال: إن مواضع منه فسل وسائر ما قاله فصل خطاب لكان أبعد عن الإثم، وأقرب إلى الصدق والصواب.
وذكر ابن الصابىء في كتاب الوزراء أن ابن العميد كان يجلس المتنبي في دسته ويقعد بين يديه، فيقرأ عليه الجمهرة لابن دريد، لأن المتنبي كان يحفظها عن ظهر قلب.
وقرأت في بعض مطالعاتي أن المتنبي لما اجتاز بالرملة ومدح طاهر بن الحسن ابن طاهر بن يحيى العلوي، أجلسه طاهر في الدست، وجلس بين يديه حتى فرغ من مدحته.
وقرأت في كتاب نزهة عيون المشتاقين لأبي الغنائم الزيدي قال: حدثني جماعة أن المتنبي لما مدح طاهر بن الحسن بن طاهر أجازه ألف دينار.
قلت: والقصيدة التي مدحه بها هي القصيدة البائية التي أولها:
أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب ... وردوا رقادي فهو لحظ الحبائب
وقال ابن فورجة في كتاب التجني على ابن جني: حدثني الشيخ أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه بأصبهان، وكان تربية ابن العميد ونديمه قال: حضرت مجلس ابن العميد بأرجان وقد دخل عليه أبو الطيب، وكان يستعرض سيوفا، فلما بصر بأبي الطيب نهض من مجلسه، وأجلسه في دسته، ثم قال لأبي الطيب: اختر سيفا من هذه السيوف، فاختار منها واحداً ثقيل الحلي، واختار ابن العميد أخر غيره، فقال كل منهما: سيفي الذي اخترته أجود، ثم اصطلحا على أن يجرباهما، فقال ابن العميد، فبماذا نجربهما؟ فقال أبو الطيب: في الدنانير فيؤتى بها فينضد بعضها على بعض، ثم تضرب به، فإن قدها، فهو قاطع، فاستدعى ابن العميد بعشرين دينارا، فنضدت ثم ضربها أبو الطيب فقدها وتفرقت في المجلس فقام من مجلسه المفخم يلتقط الدنانير المتبددة في كمه، فقال ابن العميد: ليلزم الشيخ مجلسه فإن أحد الخدام يلتقطها ويأتيه بها، فقال: بل صاحب الحاجة أولى بها.
قال ابن فورجة: وكان رجلا ذا هيئة مر النفس شجاعا حفظه للآداب، عفيفا، وكان يشين ذلك كله ببخله.
قرأت على ظهر نسخة قديمة من شعر المتنبي ما صورته: وحكى أبو بكر الخوارزمي أن المتنبي كان قاعدا تحت قول الشاعر:
وإن أحق الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل
وإنما أعرب عن طريقته وعادته بقوله: وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.
قال: فحضرت عنده يوما وقد أحضر مال، فصب بين يديه من صلات سيف الدولة على حصير قد افترشه، فوزن وأعيد في الكيس، وتخللت قطعة كأصغر ما تكون خلال الحصير، فأكب عليه بمجامعه يعالج لاستقاذها منه، ويشتغل عن جلسائه حتى توصل إلى إظهار بعضها، وأنشد قول قيس من الخطيم:
تبدت لنا كالشمس بين غمامةٍ ... بدا حاجب منا وضنت بحاجب
ثم استخرجها وأمر باعادتها إلى مكانها وقال: إنها تخضر المائدة.
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب البغدادي في كتابه عن أبي بكر محمد ابن عبد الباقي الأنصاري قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران - اجازة - قال: أخبرنا محمد بن علي بن نصر الكاتب - قلت: ونقلته من خطه ببغداد - قال: حدثني أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغا قال: كان أبو الطيب المتنبي يأنس بي ويشكو عندي سيف الدولة، ويأمنني على غيبته له، وكانت الحال بيني وبينه صافية عامرة دون باقي الشعراء، وكان سيف الدولة يغتاظ من عظمته وتعاليه، ويجفو عليه إذا كلمه، والمتنبي يجيبه في أكثر الأوقات، ويتغاضى في بعضها.
قال: وأذكر ليلةً وقد استدعى سيف الدولة بدرة فشقها بسكين الدواة، فمد أبو عبد الله ابن خالويه النحوي جانب طيلسانه، وكان صوفاً أزرق، فحثا فيه سيف الدولة صالحاً، ومددت ذيل دراعتي وكانت ديباجا فحشا لي فيها، وأبو الطيب حاضر، وسيف الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئاً منها، فما فعل، فغاظه ذلك، فنثرها كلها، فلما رأى أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف الدولة، فداسوه وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره في حلقه، واستحيا ومضت به ليلة عظيمة، وانصرف فخاطب أبو عبد الله بن خالويه سيف الدولة في ذلك، فقال: من يتعاظم تلك العظمة يتضع إلى مثل هذه المنزلة لولا حماقته؟!

ومما يحكى من بخله وشحه ما قرأته في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن المهذب المعري، سيره إلى بعض الشراف بحلب، قال: وكان سيف الدولة قد أقطعه - يعني المتنبي - ضيعة تعرف ببصف من ضياع معرة النعمان القبلية، فكان يتردد إليها، وكان يوصف بالبخل فمما ذكر عنه ما حدثوه جماعة من أهل بصف أن كلباً من كلاب الضيعة المعروفة بصهيان كان يطرق تين بصف فذكر ذلك لأبي الطيب المتنبي فقال للناطور: إذا جاء الكلب فعرفني به، فلما جاء عرفه، فقال: شدوا على الحصان، وخرج إليه فطرده أميالا، ثم عاد لا يعقل من التعب وقد عرق فرسه، فقال له أهل بصف: يا أستاذ كيف جرى أمر الكلب؟ فقال كأنه كان فارساً مرة إن جئته بالطعنة عن اليمين عاد إلى الشمال، وإن جئته من الشمال عاد إلى اليمين.
قال أبو همام المعري: وحدثوا عنه أبن أبا البهيء بن عدي، شيخ رفنية، وكان صديقا له: فنزل عنده ببصف، فسمعوه وهو يقول له: يا أبا البهيء أوجز في أكلك فإن الشمعة تتوا، وسمعوه يحاسب وكيلاً له وهو يقول: والحتان ما فعلتا، يعني فضه.
أخبرني ياقوت بن عبد الله مولى الحموي قال: قرأت في أخبار المتنبي تصنيف أبي القاسم عبيد الله بن عبد الرحيم الأصبهاني قال: وأخبرني أبو الحسين الطرائفي ببغداد أنه قال: رأيت المتنبي وقد مدح رجلاً بقوله:
انصر بجودك ألفاظاً تركت بها ... في الشرق والغرب من عاداك مكبوتا
فقد نظرتك حتى حان مرتحل ... وذا الوداع فكن أهلاً لما شيتا
فأعطي دون الخمسة دراهم وقبلها.
قال: وأخبرني الطرائفي قال: حدثني المتنبي قال: أول يوم وصلت بالشعر إلى ما أردته أني كنت بدمشق فمدحت أحد بني طغج بقصيدتي التي أولها:
أيا لائمي إن كنت وقت اللوّائم ... علمت بما بي بين تلك المعالم
فأثابني الممدوح بمائة دينار، ثم ابيضت أيامي بعدها.
قال أبو القاسم بن عبد الرحيم، واتصل بعد هذا بأبي العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان ونفق عليه نفاقاً تاماً، فأجرى ذكره عند سيف الدولة أبي الحسن علي بن حمدان، فأمره باحضاره عنده، فاشتط المتنبي عليه واشترط أن ينشده جالسا، وأن لا يكلف بتقبيل الأرض بين يديه، فأجابه إلى ذلك، وأنشده، فصادف من سيف الدولة رجلا قد غذي بالعلم، وحشي بالفهم، فأعجبه شعره واستخلصه لنفسه وأجزل عطاءه، وأكرم مثواه ووصله بصلات كثيرة، وسلمه إلى الرواض فعلموه الفروسية، وصحب سيف الدولة في عدة غزوات إلى بلد الروم منها غزوة الفناء التي لم ينج منها إلا سيف الدولة بنفسه، وأخذت عليه الروم الطرق، فجرد السيف وحمل على العسكر، وخرق الصفوف ونجا بنفسه.
قرأت بخط محمد بن علي بن نصر الكاتب في كتابه الموسوم بالمفاوضه، وأخبرنا به أبو حفص عمر بن محمد معمر بن طبرزد وغيره إجازة عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، قال: أنبأنا أبو غالب بن بشران قال: أخبرنا ابن نصر قال: حدثني أبو القاسم الرقي المنجم عن سيف الدولة أنه انهزم في بعض السنين وقد حللت الصناديق عن بغاله في بعض دروب الروم، وأنها ملأت الدروب، وكان على فرس له يعرف بالثريا وأنه حرك عليها نحو الفرسخ حتى نزل، ولم يعثر ولم يتلعثم، وأخبرني أنه بقي في هذه السفرة في تسعة أنفس أحدهم المتنبي، وأنه كان يحدث أبا عبد الله بن خالويه النحوي حديث الهزيمة،، وأن المتنبي كان يجري بفرسه فاعتلقت بعمامته طاقة من الشجر المعروف بأم غيلان، فكلما جرى الفرس انتشرت العمامة، وتخيل المتنبي أنه قد ظفر به، فكان يصيح: الأمان يا علج، قال: فهتفت به وقلت: أيما علج، هذه شجرة قد علقت بعمامتك، فود أن الأرض خاست به، وما سمعته يقول ذلك، فقال له ابن خالويه: أيها الأمير أفليس قام معك حتى بقي في تسعة أنفس تكفيه هذه الفضيلة.
وقرأت في مجموع بخط بعض الفضلاء أنه لما فعل ذلك لحقه سيف الدولة وضحك منه وقال له: يا أبا الطيب أين قول:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والطعن والضرب والقرطاس والقلم
ولم يزل يضحك منه بقية يومه في منهزمه.

أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي عبد الله بن المقير عن أبي علي الحسن بن جعفر ابن المتوكل البغدادي ونقلته من خطه قال: حدثني الشيخ الإمام الفصيحي وقت قراءتي عليه ديوان أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي وهو ابن عيدان السقاء قال: قدم بعض الأشراف من الكوفة فدخل إلى مجلس فيه المتنبي، فنهض الناس كلهم له سوى المتنبي، فجعل كل واحد من الحاضرين يسأله عن الأحوال بالكوفة، وما تجدد هناك، فقال له المتنبي: يا شريف كيف خلفت الأسعار بالكوفة؟ فقال: كل راوية برطلين خبز فأخجله. وقصد الشريف أن يعرض بأن أباه كان سقاء.
ذكر ابن فورجه في التجني على ابن جني وقال: وأما محله - يعني المتنبي في العلم، فقال الحسن بن علي الجلاب: سمعته يقول: من أراد أن يغرب علي بيتاً لا أعرفه فليفعل، قال: وهذه دعوى عظيمة، ولا ريب أنه صادق فيها.
وأخبرت عن أبي العلاء بن سليمان المعري أنه كان يسمى المتنبي الشاعر ويسمي غيره من الشعراء باسمه وكان يقول: ليس في شعره لفظة يمكن أن يغرم عنها ما هو في معناها.
وقرأت في بعض كلام أبي العلاء: قد علم أن أحمد بن الحسين كان شديد التفقد لما ينطق به من الكلام، يغير الكلمة بعد أن تروى عنه، ويفر من الضرورة وإن جلب إليها الوزن.
سمعت شيخنا ضياء الدين الحسن بن عمرو الموصلي، المعروف بابن دهن الخصا يقول: كان أبو العلاء المعري يعظم المتنبي ويقول: إياي عني بقوله:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب السباك قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري - إجازة عن أبي علي التنوخي - قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الصقر الكاتب - رجل من أهل معلثايا، وممن نشأ بالموصل، وكان أبوه عاملاً لسيف الدولة على أنطاكية، وهو من أهل الأدب قال: جرى ذكر أبي الطيب المتنبي بين يدي أبي العباس النامي المصيصي فقال لي النامي: كان قد بقي من الشعر زاوية دخلها المتنبي.
قال: وقال لي في هذا المجلس: كنت أشتهي أن أكون قد سبقته إلى معنيين قالهما ما سبق إليهما، ولا أعلم أن أحداً أخبر عنهما قبله، فقلت: ما هما؟ قال: أما أحدهما فقوله:
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاءٍ من نبال
والآخر قوله:
في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما يبصرن بالآذان
أخبرني ياقوت بن عبد الله الحموي قال: حكى لي بعض الفضلاء في المذاكرة قال: لما ورد المتنبي إلى شيراز مادحاً لعضد الدولة كان يجتاز على مجلس أبي علي وقد اجتمع إليه أعيان أهل العلم، وكان زي المتنبي زياً عجيباً يلبس طرطوراً طويلاً وقباءً، ويعمل له عذبة طويلة تشبهاً بالأعراب، فكان أبو علي يستثقله، ويكره زيه، ويجد في نفسه نفوراً منه، وكان إذا اجتاز عليهم يقول أبو علي لتلاميذه: إذا سلم عليكم فأوجزوا في الرد لئلا يستأنس فيجلس إلينا، وكان أبو الفتح عثمان بن جني يعجب بشعره ويحب سماعه، ولا يقدر على مراجعة شيخه فيه، فقال أبو علي يوماً: هاتوا بيتاً تعربونه، فابتدر أبو الفتح فأنشد للمتنبي:
حلت دون المزار فاليوم لو زر ... ت لحال النحول دون العناق
فقال أبو علي: أعد، أعد، فأعاده، فقال: ويحك لمن هذا الشعر فإنه غريب المعنى؟ قال: هو للذي يقول:
أمضى إرادته فسوف له قدٌ ... واستقرب الأقصى فثمّ له هنا
قال: فازداد أبو علي عجباً وقال: ما أعجب هذه المعاني وأغربها من قائلها؟ قال الذي يقول:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضرّ كوضع السيف في موضع الندى
قال: فاستخف أبا علي الطرب وقال: ويحك من قائل هذا؟ قال: الذي يقول قال: ونسي إلى البيت الذي أنشده قال: فقال أبو علي: أحسن والله. وأطلت أنت، من يكون هذا؟ قال: هو صاحب الطرطور الذي يمر بك فتستثقله ولا تحب محاضرته، قال: ويحك أهذاك يقول هذا؟! فقال: نعم، قال أبو علي: والله ما ظننت أن ذلك يأتي بخير أبداً، إذا كان في الغد ومر بنا فاسألوه أن يجلس إلينا لنسمع منه، فلما كان الغد ومر بهم كلموه وسألوه النزول عندهم ففعل، واستنشده أبو علي فملأ صدره، وأحبه وعجب منه ومن فصاحته وسعة علمه، فكلم عضد الدولة فيه حتى أحسن إليه وضاعف جائزته.

قلت: وهذه الحكاية لا يقبلها القلب ولا تكاد تثبت، فإن أبا علي الفارسي كان يعرف المتنبي قبل أن يصير بشيراز حين كانا بحلب، وقد حكى أبو الفتح عثمان بن جني عن أبي علي الفارسي في كتاب الفسر ما يشهد بخلاف ما تضمنته الحكاية.
قال أبو علي: خرجت بحلب أريد دار سيف الدولة، فلما برزت من السور إذا أنا بفارس متلثم قد أهوى نحوي برمح طويل فكدت أطرح نفسي من الدابة فرقاً، فلما قرب مني ثنى السنان وحسر لثامه، فإذا المتنبي وأنشدني:
نثرت رؤوساً بالأحيدب منهم ... كما نثرت فوق العروس الدراهم
ثم قال: كيف ترى هذا القول أحسن هو؟ فقلت: ويحك قتلتني يا رجل.
قال ابن جني: فحكيت هذه الحكاية بمدينة السلام لأبي الطيب فعرفها وضحك لها، وذكر أبا علي بالثناء والتقريظ بما يقال في مثله.
وجرى للمتنبي مع ابن خالويه مثل هذه الواقعة التي حكاها أبو علي فإنني نقلت من خط أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني المالكي من كتابه الموسوم بالبداية والنهاية في التاريخ قال فيه: حدثني أبي قال: حدثني - وبيض ولم يذكر من حدث أباه - قال: حدثني ابن خالويه، وكان نديماً ومجالساً لسيف الدولة، قال: خرجت في بعض الأيام إلى ظاهر حلب فقعدت أطالع في كتاب، وأنظر إلى قوقق، فما رفعت رأسي إلا من وقع فرس، فنظرت فإذا بفارس مسدد نحوي رمحه، فقلت: والله ما أعرف بيني وبين واحد من الناس ما يوجب هذا ورأيت الفارس متلثماً فلما دنا حط لثامه فإذا بأحمد بن الحسين المتنبي فسلم علي فرددت السلام وجاريته الحديث فقال: كيف رأيت قصيدتي التي أنشدتها أول أمس الأمير سيف الدولة؟ فقلت: والله إنها لمليحة، وإن أولها لا يحتاج إلى تمام في قولك: على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وفيها كذا وكذا، فقال: ما رأيت إلا مليحاً والذي فيه ما سبقني إليه؛ من أحسن فيه من ذكر الدراهم فإنها لا تأتي في شعر إلا بردته وضعفته، إلا ما جاءني:
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة ... كما نثرت فوق العروس الدراهم
أخبرنا أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف بن علي - إذناً - عن أبي الفتح محمد ابن عبد الباقي بن البطي عن أبي نصر الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن بن أبي اسحق الصابىء قال: وحدثني رضي الله عنه: يعني أباه هلال بن المحسن - قال: حدثني أبو اسحق جدي تجاوز الله عنه قال: لما ورد أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي إلى بغداد متوجهاً إلى حضرة الملك عضد الدولة بفارس أعد له أبو محمد عشرة آلاف درهم وثياباً كثيرة مقطوعة وصحاحاً، وفرسا بمركب ليعطيه ذلك عند مديحه له، فأخر المتنبي من ذاك ما كان متوقعاً منه، وحضر مجلس أبي محمد للسلام عليه الذي لم يخلط به غيره، فغاظ أبا محمد فعله، وخاطبت المتنبي على استعماله ما استعمل وتأخيره من خدمة الوزير ما أخر، فقال: لم تجر عادتي بمدح من لم يتقدم له إلي جميل، فقلت: إن الوزير شديد الشغف بموردك، ومعتقد فيك الزيادة بك على أملك، والامتناع من خدمته إلا بعد الاستسلاف لصلته غير مستحسن منك بل مستقبح لك، فقال: ليس إلى مخالفة عادتي سبيل واتصل ذلك بأبي محمد من غير جهتي، فأكد غيظه، وأظره الاملال به، والاطراح له، وفرق ما كان أعده على الشعراء، وزادهم، مدة مقام أبي الطيب، من الاحسان والعطاء، وتوجه أبو الطيب إلى شيراز، ثم عاد منها، فكانت وفاته في الطريق بين دير العاقول ومدينة السلام، على ما شرح في أخباره؛ وقد كان أبو محمد اعتقد أن يقطعه بالفعال الجميل، والحباء الجزيل عن قصد شيراز، فلما جرى أمره على ما جرى، تغيرت نيته، واستحالت تلك العزيمة منه.
قلت: وهذا الوزير أبو محمد هو المهلبي.
قال: وحدثني قال: حدثني أبو علي والدي قال: حدثني أبو اسحق والدي قال: راسلت أبا الطيب المتنبي في أن يمدحني بقصيدتين، وأعطيته خمسة آلاف درهم، ووسطت بيني وبينه صديقا له ولي، فأعاد الجواب بأنني ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك، ولا من أوجب علي حقاً سواك، وإن أنا مدحتك تنكر لك الوزير أبو محمد المهلبي لأنني لم أمدحه، وجرى بيننا في ذاك ما قد عرفته، فإن كنت لا تراعي هذه الحال، ولا تباليها فعلت ولم أرد منك عوضاً من مال. قال: فنبهني والله إلى ما كان ذهب عني، علمت أنه نصحني، فلم أعاوده.
بسم الله الرحمن الرحيم

وبه توفيقي وذكر علي بن عيسى الربعي في كتاب التنبيه الذي رد فيه على ابن جني في كتاب الفسر قال: كنت يوماً عند المتنبي بشيراز فقيل له: أبو علي الفارسي بالباب، وكانت بينهما مودة، فقال: بادروا إليه فأنزلوه، فدخل عليه أبو علي وأنا جالس عنده، فقال: يا أبا الحسن خذ هذا الجزء فأعطاني جزءاً من كتاب التذكرة وقال: اكتب عن الشيخ البيتين اللذين ذاكرتك بهما، وهما:
سأطلب حقيّ بالقنا ومشايخ ... كأنّهم من طول ما التثموا مرد
ثقالٌ إذا لاقوا خفافٌ إذا دعوا ... كثيرٌ إذا شدّوا قليلٌ إذا عدّوا
فهما مثبتان في التذكرة بخطي، قال: وهذا من فعل الشيخ أبي علي الفارسي عظيم، قال الربعي: وكان قصد أبي علي الفارسي نفعه لا التأدب والتكثر، وأياً قصد فهو كثير.
قرأت بخط يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الحصكفي في تعليق له، حكي أن السري الرفاء حين قصد سيف الدولة ابن حمدان رحمه الله أنشده بديهاً بيتين هما:
إني رأيتك جالساً في مجلس ... قعد الملوك به لديك وقاموا
فكأنك الدهر المحيط عليهم ... وكأنهم من حولك الأيام
ثم أنشده بعد ذلك ما كان قال فيه من الشعر، وبعد يومين أو ثلاثة أنشده أبو الطيب المتنبي: أيدري الدمع أي دم أراقا.
إلى أن انتهى إلى قوله:
وخصر تنبت الأبصار فيه ... كأنّ عليه من حدقٍ نطاقا
قال: فقال السري هذا والله معنىً ما قدر عليه المتقدمون، ثم إنه حم في الحال حسداً، وتحامل إلى منزله، فمات بعد ثلاثة أيام.
قلت: هكذا وجدته بخط الحصكفي، والمتنبي فارق سيف الدولة في سنة ست وأربعين وثلاثمائة والسري توفي بعيد سنة ستين وثلاثمائة ببغداد على ما نقله الخطيب في تاريخه، وقيل سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، فعلى هذا لا يكون لهذه الحكاية صحة.
وقد نقل أبو اسحق إبراهيم بن حبيب السقطي في تاريخه المسمى بلوامع الأمور أن السري توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، فعلى هذا تكون هذه الحكاية محتملة الصحة بشرط أن يكون موت السري بالشام، ولم ينقل ذلك كيف، وهو أن هذه القصيدة من أول شعر أبي الطيب المتنبي في سيف الدولة والله أعلم.
أخبرنا ياقوت بن عبد الله الحموي قال: وحدث أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي أن الصاحب إسماعيل بن عباد قال بأصبهان، وهو يومئذ على الإنشاء: بلغني أن هذا الرجل، يعني المتنبي، قد نزل بأرجان متوجهاً إلى ابن العميد، ولكن إن جاءني خرجت إليه من جميع ما أملكه، وكان جميع ما يملكه لا يبلغ ثلاثمائة دينار، فكنا نعجب من بعد همته وسمو نفسه وبلغ ذلك المتنبي، فلم يعرج عليه، ولا التفت إليه، فحقدها الصاحب حتى حمله على اظهار عيوبه في كتاب ألفه، لم يصنع فيه شيئاً، لأنه أخذ عليه مواضع تحمل فيها عليه.
أخبرني في بعض أهل الأدب قال: وحدت في كتاب بعض الفضلاء عن أبي القاسم عبد الصمد بن بابك قال: قال أبو الفتح بن جني: كنت أقرأ ديوان أبي الطيب عليه، فقرأت قوله في كافور:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
حتى بلغت إلى قوله:
ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ... فلا أشتكي فيها ولا أتعتّب
وبي ما يذود الشعر عني أقلّه ... ولكن قلبي يا ابنة القوم قلّب
فقلت له: يعز علي كيف يكون هذا الشعر في ممدوح غير سيف الدولة، فقال: حذرناه وأنذرناه فما نفع، ألست القائل فيه:
أخا الجود أعط الناس ما أنت مالكٌ ... ولا تعطين الناس ما أنا قائل
فهو الذي أعطاني لكافور بسوء تدبيره وقلة تمييزه.
وأحضر إلي عماد الدين أبو القاسم علي بن القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي، وقد قدم علينا حلب في رحلته إلى خراسان، جزءاً فيه أخبار سيف الدولة بن حمدان تأليف أبي الحسن علي بن الحسين الديلمي الزراد، فنقلت منه: وكان لسيف الدولة مجلس يحضره العلماء كل ليلة فيتكلمون بحضرته، وكان يحضره أبو إبراهيم، وابن ماثل القاضي، وأبو طالب البغدادي، وغيرهم، فوقع بين المتنبي وبين أبي عبد الله الحسين بن خالويه كلام، فوثب ابن خالويه على المتنبي فضرب وجهه بمفتاح كان معه، ففتخه وخرج دمه يسيل على ثيابه وغضب، فمضى إلى مصر، فامتدح كافوراً الاخشيدي.

أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد القاضي عن أبي الحسن علي بن أحمد بن منصور الغساني وأبي الحسن علي بن المسلم السلمي قالا: أخبرنا أبو نصر بن طلاب قال: أملى علينا أبو عبد الله المحسن بن علي ابن كوجك، وأخبرنا أن أباه حدثه قال: كنت بحضرة سيف الدولة وأبو الطيب اللغوي والمتنبي وأبو عبد الله بن خالويه، وقد جرت مسألة في اللغة تكلم فيها ابن خالويه مع أبي الطيب اللغوي، والمتنبي ساكت، فقال له الأمير سيف الدولة: ألا تتكلم يا أبا الطيب، فتكلم فيها بما قوى حجة أبي الطيب اللغوي، وأضعف قول ابن خالويه، فحرد منه وأخرج من كمه مفتاح حديد لبيته ليلكم به المتنبي، فقال له المتنبي: اسكت ويحك فانك عجمي، وأصلك خوزي، وصنعتك الحياكة فما لك وللعربية؟!.
ودفع إلى بعض الشراف من أهل حلب كتابا فيه تاريخ جمعه أبو غالب همام ابن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري قال: في حوادث سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وفيها: وصل أبو الطيب المتنبي الشاعر إلى سيف الدولة ومدحه بالقصيدة الميمية.
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه....
بعد انصرافه من حصن برزويه.
وقال في حوادث سنة ست وأربعين وثلاثمائة: فيها سار المتنبي من الشام إلى مصر.
ووقع إلي أجزاء من تاريخ مختار الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد المسبحي، فقرأت فيه قصيدة لأبي الطيب يرثي بها أبا بكر بن طغج الاخشيذ، ويعزي ابنه أنوجور بمصر سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، والقصيدة ليست في ديوان شعره، فقد كان أبو الطيب صعد إلى مصر مرة أخرى قبل هذه المرة التي ذكرناها، وأول القصيدة.
هو الزمان مشت بالذي جمعا ... في كل يوم ترى من صرفه بدعا
إن شئت مت أسفاً أو فابق مصطبرا ... قد حل ما كنت تخشاه وقد وقعا
لو كان ممتنع تغنيه منعته ... لم يصنع الدهر بالاخشيذ ما صنعا
وهي طويلة.
وقرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيل به تاريخ أبي سعيد بن يونس، وذكر فيه من دخل مصر من الغرباء فقال: أحمد بن الحسين بن الحسن الكوفي الشاعر، أبو الطيب، يعرف بالمتنبي، رحل من مصر سرا من السلطان ليلة النحر سنة خمسين وثلاثمائة، ووجه الاستاذ كافور خلفه رواحل إلى جهات شتى، فلم يلحق.
أنشدنا علي بن أحمد المادرائي قال: كتب أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي في حاجة كانت له بالرملة:
إني سألتك بالذي ... زان الإمامة بالوصي
وأبان في يوم الغدير ... لكل جبار غوي
فضل الإمام عليهم ... بولاية الرب العلي
إلاّ قصدت لحاجتي ... وأعنت عبدك يا علي
قال: وكان يتشيع، وقيل: كان ملحدا، والله أعلم.
قلت: وسنذكر في ترجمة طاهر بن الحسن بن طاهر حكاية عن الخالديين تدل على أن المتنبي كان مخالفا للشيعة.
أنبأنا أبو اليمن الكندي عن الشيخ أبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي قال: قال علي بن حمزة البصري صاحب أبي الطيب المتنبي - أو غيره ممن صحب المتنبي، شك فيه أبو منصور قال: بلوت من أبي الطيب ثلاث خلاف محمودة، وتلك: أنه ما كذب، ولا زنى، ولا لاط، وبلوت منه ثلاث خلال ذميمة كل الذم، وتلك: أنه ما صام، ولا صلى، ولا قرأ القرآن، عفا الله عنا وعنه آمين.

وذكر ابن فورجة في كتاب التجني على ابن جني عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري عن رجل من أهل الشام كان يتوكل لأبي الطيب في داره، يعرف بأبي سعد، قال: وبقي إلى عهدنا، قال: دعاني أبو الطيب يوما ونحن بحلب، أظنه قال: ولم أكن عرفت منه الميل إلى اللهو مع النساء ولا الغلمان فقال لي: أرأيت الغلام ذا الأصداغ الجالس إلى حانوت كذا من السوق، وكان غلاما وسيما فحاشا فيما بسبيله، فقلت: نعم وأعرفه، فقال: امض فاتني به واتخذ دعوةً وأنفق وأكثر، فقلت: وكم قدر ما أنفقه، فلم يزدني على قوله: أنفق وأكثر، وكنت أستطلع رأيه في جميع ما أنفق، فمضيت، واتخذت له ثلاثة ألوان من الأطعمة وصحفات من الحلواء، واستدعيت الغلام، فأجاب وأنا متعجب من جميع ما أسمع منه، إذ لم تجر له عادة بمثله، فعاد من دار سيف الدولة آخر النهار وقد حضر الغلام، وفرغ من اتخاذ الطعام، فقال: قدم ما يؤكل وواكل ضيفك، فقدمت الطعام فأكلا وأنا ثالثهما، ثم أجن الليل، فقدمت شمعة ومرفع دفاتره، وكانت تلك عادته كل ليلة، فقال: أحضر لضيفك شرابا واقعد إلى جانبه فنادمه، ففعلت ما أمرني به، كل ذلك وعينه إلى الدفتر يدرس ولا يلتفت إلينا إلا في الحين بعد الحين، فما شربنا إلا قليلا حتى قال: افرش لضيفك وافرش لنفسك وبت ثالثنا، ولم أكن قبل ذلك أبايته في بيته، ففعلت وهو يدرس حتى مضى من الليل أكثره، ثم أوى إلى فراشه ونام، فلما أصبحنا قلت له: ما يصنع الضيف؟ فقال: احبه واصرفه، فقلت له: وكم أعطيه؟ فأطرق ساعة ثم قال: أنطه ثلاثمائة درهم، فتعجبت من ذلك، ثم جسرت نفسي فدنوت إليه وقلت: إنه ممن يجيب بالشيء اليسير وأنت لم تنل منه حظا، فقطب ثم قال: أتظنني من هؤلاء الفسقة، أنطه ثلاثمائة درهم ولينصرف راشدا، قال: ففعلت ما أمرني به، وصرفته قال: وهذا من بديع أخباره، ولولا قوة اسناده لما صدقت به.
أنبأنا أبو الحسن بن المقير عن أبي الفتح بن البطي عن أبي نصر الحميدي قال: أخبرني غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن بن أبي اسحق الصابىء قال: وحدثني رضي الله عنه - يعني والده هلال بن المحسن - قال: حدث الرضي أبو الحسين محمد بن الحسين الموسوي قال: حدثني أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف حكار قال: لما وصل أبو الطيب المتنبي إلى حضرة عضد الدولة في أول مجلس شاهده فيه، قال لي عضد الدولة: أخرج واستوقفه واسأله كيف شاهد مجلسنا، وأين الأمراء الذين لقيهم في نفسه منا؟ قال: فامتثلت ما أمرني به، ولحقته وجلست معه وحادثته وطاولته وأطلت معه في المعنى الذي ذكرته، فكان جوابه عن جميع ما سمعه مني أن قال: ما خدمت عيناي قلبي كاليوم، فجاء بالجواب موزونا، واستوفى القول في اختصار من اللفظ.
قرأت في مجموع صالح بن ابراهيم بن رشدين بخطه قال لي أبو نصر بن غياث النصراني الكاتب: اعتل أبو الطيب المتنبي بمصر العلة التي وصف الحمى في أبياته من القصيدة الميمية، فكنت أواصل عيادته وقضاء حقه فلما توجه إلى الصلاح وأبل أغببت زيارته ثقة بصلاحه، ولشغل قطعني عنه، فكتب إلي: وصلتني وصلك الله معتلاً وقطعتني مبلاً، فإن رأيت أن لا تحبب العلة إلي، ولا تكدر الصحة علي فعلت إن شاء الله.
ونقلت من هذا المجموع بخطه: ذكر لي أبو العباس بن الحوت الوراق رحمه الله أن أبا الطيب المتنبي أنشده لنفسه هذين البيتين:
تضاحك منّا دهرنا لعتابنا ... وعلمنا التمويه لو نتعلم
شريفٌ وغاويٌّ وزانٍ مذكر ... وأعمش كحالٌ وأعمى منجمّ
أنشدنا أبو حفص عمر بن علي بن قشام الحلبي - قراءة عليه بها - قال: أنشدنا الحافظ أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني الحافظ قال: أنشدني أبو القاسم زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو الحسين البحيري قال: أنشدنا محمد بن الحسين بن موسى السلمي قال: أنشدني محمد بن الحسين البغدادي قال: أنشدني المتنبي:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده ... وعيدٌ لمن سمّى وضحّى وعيّدا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى ... كما كنت فيهم أوحداً كان أو حدا

أخبرنا الشيخ الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الخطيب قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن منصور بن محمد السمعاني قال: سمعت الشيخ أبا الحسين علي بن أحمد المديني قال: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي قال: سمعت السيد أبا الحسن محمد بن أبي اسماعيل العلوي يقول: دخل المتنبي على الاستاذ الرئيس أبي الفضل محمد بن الحسين، وبين يديه مجامر من آس ونرجس، قد أخفي فيها مواضع النار، لا ترى النار، ويشم رائحة الند، فقال: يا أبا الطيب قل فيه شيئا، فأنشأ يقول:
أحبّ الذي حبّت الأنفس ... وأطيب ما شمّه المعطس
ونشر من الند لكنه ... مجامره الآس والنرجس
ولست أرى وهجاً هاجه ... فهل هاجه عزك الأقعس
وإنّ القيام الذي حوله ... لتحسد أقدامها الأرؤس
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود الأخضر البغدادي في كتابه قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين بن الساربان قال: وخرج يعني المتنبي من شيراز لثمان خلون من شعبان قاصدا إلى بغداد ثم إلى الكوفة، حتى إذا بلغ دير العاقول وخرج منه قدر ميلين، خرج عليه فرسان ورجاله من بني أسد وشيبان فقاتلهم مع غلامين من غلمانه ساعة وقتلوه، وقتل معه أحد الغلامين وهرب الآخر، وأخذوا جميع ما كان معه، وتبعهم ابنه المحسد طلبا لكتب أبيه فقتلوه أيضا، وذلك كله يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
أنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: خرج المتنبي إلى فارس من بغداد فمدح عضد الدولة وأقام عنده مدة ثم رجع يريد بغداد فقتل في الطريق بالقرب من النعمانية في شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
وقرأت في تاريخ أبي محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني: لما هرب المتنبي الشاعر من مصر وصار إلى الكوفة فأقام بها، وصار إلى ابن العميد فمدحه، فقيل انه صار إليه منه ثلاثون ألف دينار، وقال له: تمضي إلى عضد الدولة، فمضى من عنده إليه، فمدحه ووصله بثلاثين ألف دينار، وفارقه على أن يمضي إلى الكوفة يحمل عياله ويجيء معهم إليه، وسار حتى وصل إلى النعمانية بازاء قرية تقرب منها يقال لها بنورا، فوجد أثر خيل هناك فتنسم خبرها فإذا خيل قد كمنت له، فصادفته لأنه قصدها فطعن طعنة نكس عن فرسه، فلما سقط إلى الأرض نزلوا فاحتزوا رأسه ذبحا، وأخذوا ما كان معه من المال وغيره، وكان مذهبه أن يحمل ماله معه أين توجه، وقتل ابنه معه وغلام من جملة خمس غلمة كانوا معه، وإن الغلام المقتول قاتل حتى قتل، وكان قتل المتنبي يوم الاثنين لخمس بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
قال الفرغاني: وحدثت أنه لما نزل المنزل الذي رحل منه فقتل جاءه قوم خفراء فطلبوا منه خمسين درهما ليسيروا معه فمنعه الشح والكبر، فأنذروا به، فكان من أمره ما كان.
قال: وقيل بأنهم لما طلبوا منه الخفارة اعتذر في ذلك أن قال لهم:
لا أكذب نفسي في قولي ... يذمّ لمهجتي وسيفي ورمحي
ففارقوه على سخط وأنذروا به وكان من أمره ما كان.
وقرأت في جذاذة طرس مطروح في النسخة التي وقعت إلي بسماع جد جد أبي القاضي أبي الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة من شعر المتنبي على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي الحلبي وفيها مكتوب بغير خط النسخة: المتنبي أبو الطيب أحمد بن الحسين، عاد من شيراز من عند فناخسرو وابن العميد وزيره بأموال جزيلة، فلما صار بالصافية من أرض واسط وقع به جماعة من بني أسد وغيرهم فقتلوه وخمس غلمان كانوا معه وولده، وسلبوا المال، وذلك في شوال من سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وكان المتولي لقتله رجل منهم يقال له فاتك بن أبي جهل، وهو ابن خالة ضبة الذي هجاه المتنبي، وكان على شاطىء دجلة.
وسمعت والدي رحمه الله يقول لي: بلغني أن المتنبي لما خرج عليه قطاع الطريق ومعه ابنه وغلمانه أراد أن ينهزم، فقال له ابنه: يا أبة وأين قولك:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فقال له: قتلتني يا بن اللخناء ثم ثبت وقاتل حتى قتل.
سير إلى الشريف الأجل العالم تاج الشرف شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن علي الحسيني جزءا بخطه في مقتل أبي الطيب كتب فيه ما نقلته وصورته: نقلت من خط أبي بكر محمد بن هاشم الخالدي، أحد الخالديين في آخر النسخة التي بخطه من شعر أبي الطيب المتنبي ما هذه صورته، ذكر مقتله: كنا كتبنا إلى أبي نصر محمد بن المبارك الجبلي نسأله شرح ذلك، وهذا الرجل من وجوه التناء بهذه الناحية وله أدب وحرمة فأجابنا عن كتابنا جوابا طويلا يقول فيه: وأما ما سألتما عنه من خبر مقتل أبي الطيب المتنبي رحمه الله، فأنا أنسقه لكما وأشرحه شرحا بينا: إعلما أن مسيره كان من واسط في يوم السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وقتل ببيزع ضيعة بقرب من دير العاقول في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، والذي تولى قتله وقتل ابنه وغلامه رجل من بني أسد يقال له فاتك بن أبي الجهل بن فراس بن بداد، وكان من قوله وهو منعفر: قبحاً لهذه اللحية يا سباب، وذلك أن فاتكا هذا قرابة لوالدة ضبة بن يزيد العيني الذي هجاه المتنبي بقوله:
ما أنصف القوم ضبّة ... وأمه الطرطبة
ويقال إن فاتكا خال ضبة، وأن الحمية داخلته لما سمع ذكرها بالقبيح في الشعر وما للمتنبي شعر أسخف من هذا الشعر كلاما، فكان على سخافته وركالته سبب قتله وقتل ابنه وذهاب ماله.
وأما شرح الخبر فإن فاتكا كان صديقا لي، وكان كما سمي فاتكا لسفكه الدماء واقدامه على الأهوال، فلما سمع الشعر الذي هجي به ضبة، أحفظه ذلك واشتد عليه، ورجع على ضبة باللوم، وقال له: قد كان يجب أن لا تجعل لشاعر عليك سبيلا، وأضمر غير ما أظهر، واتصل به انصراف المتنبي من بلد فارس إلى العراق، وأن اجتيازه بجبل ودير العاقول، فلم يكن ينزل عن فرسه وجماعة معه من بني عمه رأيهم في المتنبي مثل رأيه في طلبه واستعلام خبره من كل صادر ووارد وكان فاتك يتحرق خوفا أن يفوته، وكان كثيرا ما يجيئني وينزل عندي، فقلت له يوما وقد جاءني وهو يسأل قوما مجتازين عنه: قد أكثرت المسألة عن هذا الرجل فأي شيء عزمك أن تفعله به متى لقيته، قال: ما عزمي إلا الجميل، وأن أعذله على ما أفحش فيه من الهجاء، فقلت: هذا الأليق بأخلاقك والأشبه بأفعالك، فتضاحك ثم قال: يا أبا نصر والله لئن اكتحلت عيني به، أو جمعتني واياه بقعة لأسفكن دمه ولأمحقن حياته إلا أن يحال بيني وبينه، فقلت له: كف عافاك الله عن هذا القول، وارجع إلى الله، وأزل هذا الرأي عن قلبك، فإن الرجل شهير الاسم، بعيد الصوت، وقتلك إياه في شعر قاله لا يحسن، وقد هجت الشعراء الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام فما علمنا أن شاعرا قتل بهجاء، وقد قال:
هجوت زهيراً ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجا وتمدح
ولم يبلغ جرمه ما يوجب قتله، فقال: يفعل الله ما يشاء، وانصرف، فلم يمض لهذا القول إلا ثلاثة أيام حتى وافى المتنبي ومعه بغال موقرة بكل شيء من الذهب والفضة والثياب والطيب والجوهر والآلة، لأنه كان إذا سافر لم يخلف في منزله درهماً ولا ديناراً ولا ثوباً ولا شيئاً يساوي درهما واحداً فما فوقه، وكان أكثر اشفاقه على دفاتره لأنه كان قد انتخبها وأحكمها قراءة وتصحيحاً.

قال فتلقيته وأنزلته داري وسائلته عن أخباره وعمن لقي، وكيف وجد من قصده، فعرفني من ذاك ما سررت به، وأقبل يصف لي ابن العميد وفضله وأدبه وعمله وكرمه، وسماحة الملك فناخسرو ورغبته في الأدب وميله إلى أهله، فلما أمسينا قلت له: على أي شيء أنت مجمع؟ قال: على أن أتخذ الليل جملا، فإن السير فيه يخف علي، قلت هذا هو الصواب رجاء أن يخفيه الليل ولا يصبح إلا وقد قطع بلدا بعيدا، والوجه أن يكون معك من رجالة هذه المدينة الذين يخبرون الطريق، ويعرفون المواضع المخوفة فيه، جماعة يمشون بين يديك إلى بغداد، فقطب وقال: لم قلت هذا القول؟ قلت: تستأنس بهم، قال: أما والجراز في عنقي فما بي حاجة إلى مؤنس غيره، قلت الأمر كما تقول، والرأي في الذي أشرت به عليك، فقال: تلويحك هذا ينبي عن تعريض، وتعريضك يخبر عن تصريح، فعرفني الأمر وبين لي الخطب، قلت: إن هذا الجاهل فاتك الأسدي كان عندي منذ ثلاثة أيام، وهو محفظ عليك لأنك هجوت ابن أخته، وقد تكلم بأشياء توجب الاحتراس والتيقظ، ومعه أيضاً نحو العشرين فارسا من بني عمه قولهم مثل قوله، قال: وغلامة - وكان عاقلا لبيبا فارسا - يسمع كلامنا، فقال: الصواب ما رآه أبو نصر، خذ معك عشرين راجلا يسيرون بين يديك إلى بغداد، فاغتاظ غيظا شديدا وشتم الغلام شتماً قبيحاً، وقال: والله لا تحدث عني أني سرت في خفارة أحد غير سيفي.
قلت: يا هذا فأنا أوجه قوما من قبلي في حاجة يسيرون بمسيرك ويكونون في خفارتك، قال: والله لا فعلت شيئا من هذا، ثم قال لي: يا أبا نصر أبخروا الطيل تخشيني، ومن عبيد العصا تخاف علي، ووالله لو أن مخصرتي هذه ملقاة على شاطىء الفرات وبنو أسد معطشون لخمس وقد نظروا إلى الماء كبطون الحيات ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده، حاشى لله من فكر اشتغله بهم لحظة العين، فقلت له: قل إن شاء الله، فقال: كلمة مقولة لا تدفع مقضيا ولا تستجلب آتياً، ثم ركب فكان آخر العهد به.
قال: ولما صح عندي خبر قتله، وجهت من دفنه وابنه وغلامه، وذهبت دماؤهم هدرا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما وكتب محمد بن هاشم الخالدي بالموصل في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وهو يستغفر الله ويستقيله من كل ذنب وخطيئة عن عمد أو خطأ.
أما قولنا بخروا الطير تخشيني ومن عبيد العصا تخاف علي، فإن أسد يلقبون خروا الطير، قال امرؤ القيس:
فرت بنو أسد خروا الطير عن أربابها.....
ويلقبون أيضاً عبيد العصا، قال الشاعر، ونظنه أمرؤ القيس أيضا: قولا لدودان عبيد العصا.
آخر ما كان بخط أبي بكر الخالدي.
......... ... ما غركم بالأسد الباسل
كذا في الأصل، قد أتم هذا هذا البيت وأظنه بخط أخيه أبي عثمان ولا أتحققه.
أخبرنا تاج الإماء أحمد بن محمد بن الحسن - كتابة - قال: أخبرنا عمي أبو القاسم عن أبي غالب شجاع بن فارس بن الحسين الذهلي قال: أنشدني الحكيم أبو علي الحسين بن عبد الرحمن الثقفي النيسابوري لأبي القاسم المظفر الزوزني الكاتب يرثي المتنبي - قلت: هو المظفر بن علي:
لا رعى الله سرب هذا الزمان ... إذ دهانا في مثل ذاك اللسان
ما رأى الناس ثاني المتنبي ... أي ثانٍ يرى لبكر الزمان
كان في نفسه الكبيرة في جي ... شٍ وفي كبرياء ذي سلطان
كان في لفظه نبياً ولكن ... ظهرت معجزاته في المعاني
أنشدني نجيب الدين داود بن أحمد بن سعيد بن خلف بن داود الطيبي التاجر إملاءً من لفظه بحلب قال: أنشدني شمس الدين بن الوالي بالموصل لأخت المتنبي ترثي أخاها المتنبي لما قتل:
يا حازم الرأي إلاّ في تهجمه ... على المكاره غاب البدر في الطفل
لنعم ما عاملتك المرهفات به ... ونعم ما كنت توليها من العمل
الأرض أمٌ أضناها بواحدها ... فاسترجعته وردّته إلى الحبل
أحمد بن الحسين بن حمدان، أبو العباس التميممي الشمشاطي:

أديب فاضل شاعر، له معرفة بالنحو واللغة، قدم حلب في أيام سيف الدولة أبي الحسن بن حمدان وأملى بها أمالي وفوائد، وكتب عنه بعض أفاضل الحلبيين شيئاً منها، وروى في أماليه عن أبوي بكر بن دريد وابن الأنباري، وأبوي عبد الله إبراهيم بن محمد نفطويه، والحسن بن اسماعيل المحاملي واسماعيل بن العباس الوراق، وأبي زكريا بن محمد، وحجظة البرمكي، ومغصا غلام أبي عبد الله نفطويه، ومحمد بن يحيى الصولي، ومحمد بن عبد الله بن الحسين المستعيني، وأبي نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي، وجماعة سواهم.
روى عنه أبو القاسم سلامة بن محمد بن عترة، وأبو الحسن محمد بن عبد الكافي بن محمد، وأبو بكر أحمد بن عمر بن البقال، وغيرهم.
نقلت من أمالي أبي العباس أحمد بن الحسين الشمشاطي التي أملاها بحلب من خط من كتبها عنه بها، وأنشدنا الشيخ لنفسه.
إذا شئت أن تكبت الحاسدي ... ن غيظاً وتقمع كيد العدو
فأغض وعفّ وسوّ المسا ... ء في الفضل يزداده بالغدو
تبت حاسديك على غصّةٍ ... وتحم عدوّك طيب الهدو
ونقلت من الأمالي المذكورة بعينها: أنشدنا الشيخ لنفسه - يعني التميمي - :
قد تستزلّ المرء أوقاته ... ويطمح السمع به والبصر
فالكيّس العاصي هوى نفسه ... والأيّد العّف إذا ما قدر
استغفر اللّه فكم نظرة ... سكرتها ما كلفت من سهر
قال: وأنشدنا الشيخ لنفسه:
حسرات تطول إن أنت أكثر ... ت التفاتاً إلى الزمان القديم
لك فيما فقدتّ أسوة أسيان ... ن وسالٍ وجاهل وعليهم
كلّهم راعة الزمان بشيب ... وفراق لصاحبٍ ونعيم
فاستكانوا لذلك طوعاً وكرهاً ... ورضوا بالبقاء والتسليم
لو بقوا هانت الرّزايا ولكن ... سلبوا بعد ذاك روح النسيم
قال: وأنشدنا الشيخ لنفسه:
أيها الرائح في العيد ... بأرواح الوقوف
فاتر لحظك تفتّر ... عن الدرّ الرصيف
أنت في العالم إحدى ... بدع البّر اللّطيف
إنّ من قلّدك السيف ... جهول بالسيوف
أو غفولٌ عند إيما ... نك باللحظ الضّعيف
وقرأت في كتاب اطرغش تأليف أبي عبد الله الحسين بن خالويه النحوي، وذكر جماعة مدحوه ومدحوا كتابه المذكور، وقال: قال أبو العباس:
الشميشاطي تميميٌ ... للعلم لألاءٌ بجانبيه
ليس بنحو نحو سيبويه ... إلاّ إذا قرأته عليه
وقد كان بين أبي العباس وبين ابن خالويه مودة تقتضي الثناء عليه، فإنني وقفت على أبيات لأبي العباس يرثي بها أبا عبد الله بن خالويه بعد وفاته أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن الحسين بن حمدان، أبو العباس التميمي الشمشاطي، حدث ببغداد عن محمد بن عبد الله بن الحسين المستعيني.
روى عنه أبو بكر أحمد بن عمر البقال، وقال: هو شيخ ثقة قدم علينا من الموصل في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
رأيت اجازة بخط أبي العباس التيميمي كتبها لأبي الحسن محمد بن عبد الملك بن محمد، وقال في آخرها: وكتب أحمد بن الحسين التميمي بخطه بشاطىء دجلة في شوال سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة فتكون وفاته بعد ذلك.
أحمد بن الحسين بن سعد بن أبان:
الشاهد الطرسوسي، حدث عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الشيرازي، روى عنه...
أحمد بن الحسين بن العباس الطرسوسي:
أبو علي حدث...، روى عنه الحسن بن فارس الطرسوسي نزيل سمرقند.
أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله:

أبو زرعة الرازي، رحل في طلب الحديث، ودخل حلب، وسمع بها أبا بكر محمد بن الحسين بن صالح بن إسماعيل السبيعي الحافظ، روى عنه أبو الطيب أحمد بن علي الطالبي الجعفري وغيره، وذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد، بما أخبرنا به زيد بن الحسن الكندي إذنا، قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله، أبو زرعة الرازي، سمع محمد بن إبراهيم بن نومرد، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وعلي ابن ابراهيم القطان القزويني، وعبد الله بن محمد الحارثي، وبكر بن عبد الله المحتسب البخاري، والحسين بن إسماعيل المحاملي، ومحمد بن مخلد الدوري وكان حافظاً متقنا ثقة، رحل في الحديث، وسافر الكثير، وجالس الحفاظ، وجمع التراجم الأبواب، وحدث ببغداد، فحدثنا عنه القاضيان: أبو العلاء الواسطي، وأبو القاسم التنوخي، وأبو زرعة روح بن محمد الرازي، ورضوان ابن محمد الدينوري.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي الصوفي - إجازة إن لم يكن سماعاً - عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني قال: أخبرنا أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي الحبال بالكوفة قال: أخبرنا أبو الطيب أحمد بن علي بن محمد الطالبي الجعفري قال حدثنا أبو زرعة أحمد ابن الحسين بن علي بن إبراهيم بن الحكم بن عبد الله الرازي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن إسماعيل السبيعي بحلب قال: أخبرني المنذر بن محمد القابوسي قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي الحسين بن سعيد قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أيوب الإفريقي عبد الله بن علي قال: حدثني سماك عن جابر بن سمرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناشدون عنده الشعر ويذكرون أمر جاهليتهم، فيضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبسم إليهم.
أخبرنا أبو الحسن علي بن شجاع عن سالم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن عبد المولى بن محمد اللبني قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا أبو خلف عبد الرحيم ابن محمد المدبر قال: حدثنا المروزي - يعني أبا عبد الله الحسن بن علي بن محمد - قال: حدثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي الرازي رحمه الله قال: حدثنا ابن رميس قال: حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي قال: حدثنا أبو زيد الهروي قال: حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً ! أنبأنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري القاضي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس الغساني قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا علي بن المحسن قال: سألنا أبو زرعة الرازي عن مولده، فقال: لست أحفظه، ولكن خرجت إلى العراق أول دفعة لطلب الحديث سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وكان لي آنذاك أربع عشرة سنة أو نحوها.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي - إجازة - قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: قرأت في كتاب أبي القاسم بن الثلاج بخطه: فقد أبو زرعة أحمد ابن الحسين الرازي في طريق مكة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.
أحمد بن الحسين بن علي بن محمد السكران:
ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن الأفطس بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو القاسم الحسيني الأنطاكي الشاعر، ولد بمصر ثم انتقل إلى نصيبين، ثم أنطاكية، فسكنها فعرف بالأنطاكي لذلك.
ووفد على الأمير سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان إلى حلب، وكان عنده بها في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة حين استولى نقفور على حلب، وأسر الروم في تلك السنة امرأته فاطمة بنت محمد بن أحمد ابن محمد بن الشبيه العلوية، وخلصها الله تعالى من الأسر بغير سعي، وقد ذكرنا حكاية أسرها وخلاصها في ترجمتها في ذكر النساء فيما يأتي في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
وحكى عنه ابنه منها أبو يعلى، وكان أبو القاسم الشريف هذا شاعراً مجيداً جليل المقدار فاضلاً أدبياً، ومن شعره ما أورده الشريف النسابة أبو الحسن علي ابن أبي الغنائم العمري.

قدك عني سئمت ذلّ الضراعة ... أنا ما لي وصنيعةٌ وبضاعة
إنما العّز قدرةٌ تملأ الأر ... ض وإلاّ فعفّة وقناعة
أحمد بن الحسين بن القاسم:
وقيل ابن أبي القاسم، أبو خالد الصنعاني، قدم منبج، وحدث بها عن أبي القاسم يحيى بن الحسين بن موسى العطار، وسعيد بن العباس النيسابوري المقرىء؛ روى عنه المبارك بن محفوظ بن أحمد الرهاوي.
أخبرنا أبو حفص عمر بن علي بن قشام الحلبي الفقيه الحنفي فيما أذن لنا برويه عنه قال: أخبرنا أبو الفضائل عبد الوهاب بن صالح بن محمد بن علي الهمذاني في كتابه قال: حدثنا أبو القاسم عبد الغالب بن عمار بن الحسين بن محمد الخطيب بحلب قال: حدثني أبو الأسد محمد بن عبد العزيز بن محمد البالسي ببالس قال: أخبرنا والدي أبو تمام عبد العزيز بن محمد القاضي قال: أخبرنا ناشي بن مروان البصير قال: حدثنا المبارك بن محفوظ بن أحمد الرهاوي قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن الحسين بن القاسم الصنعاني، قدم علينا منبج، قال: أخبرنا أبو القاسم يحيى بن الحسين بن موسى العطار قال: حدثنا الحسين ابن عبد العزيز الواعظ الكواز قال: حدثنا أبو الفرج عبد الرزاق بن حمدان البطين قال: حدثنا أبو بكر محمد بن المنذر قال: حدثني الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: فارقت مكة وأنا ابن خمس عشرة سنة، وذكر القصة إلى آخرها، أعني رحلة الإمام الشافعي رضى الله عنه.
أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد:
أبو العباس البغدادي الحنبلي المقرىء العراقي، كان عارفاً بعلوم القرآن، وانتفع به جماعة، وكان حسن المحاضرة، دخل حلب وسمع بها أبا عبد الرحمن بن أبي الرضا بن سالم الرحبي، وقرأ عليه قصيدة أبي عبد الله محمد بن علي المعروف بابن المتقنه في الفرائض بروايته لها عنه، وكانت قراءته عليه بمدرسة الزجاجين في شهر رجب من سنة اثنتين وأربعين وخمسمائه، وسمع أيضاً بحلب أبا الحسين أحمد ابن منير الأطرابلسي، وسمع ببغداد أبا محمد سعد الخير الأنصاري ومحمد بن عبد الله بن سهلون السبط.
وروى عن هؤلاء المذكورين، وحدثنا أيضاً بدمشق الإجازة عن أبي بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني، وروى عنه أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد المقدسي، وشيخنا أبو محمد عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي، وروى لنا عنه أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي.
أخبرنا الشيخ الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد البغدادي المقرىء، بقراءتي عليه بدمشق في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائه، قلت له: أخبركم محمد بن عبد الله بن سهلون السبط بقراءتك عليه فأقر به، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن هزارمرد الصريفيني قراءة عليه في مسجده بصريفين في شعبان سنة ستين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن اسحق ابن سليمان بن حبابة قراءة عليه قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرنا شعبة وشيبان عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم، فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وأخبرنا به أعلى منه بدرجة الشيخ أبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي، بقراءتي عليه بحلب، قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم نصر بن نصر بن علي بن يونس العكبري وأبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني قالا: أخبرنا الشيخ أبو القاسم علي بن أحمد البسري قال: أخبرنا أبو طاهر محمد ابن عبد الرحمن بن العباس البزاز المخلص قراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي فذكره باسناده مثله سواءً.
وقع إلى جزء بخط أبي الخطاب عمر بن محمد العليمي، جزءاً يتضمن أسماء جماعة أجازوا لأبي العباس أحمد بن الحسين بن محمد بن أحمد البغدادي العراقي هذا، فمنهم: أبو الفتح بن البطي وأبو محمد عبد الله بن الموصلي، وأبو بكر بن المقرب ويحيى بن ثابت؛ ومن أهل أصبهان: أبو الخير مسعود الثقفي وأبو عبد الله الرستمي، وأبو المطهر الصيدلاني، وأبو موسى الحافظ وجماعة يطول ذكرهم.

قرأت بخط شيخنا ناصح الدين أبي محمد عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي في كتاب الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد وقد أجاز لنا الرواية عنه الشيخ أحمد بن الحسين بن محمد البغدادي ورأيت بخطه: العراقي سمع الحديث الكثير ببغداد، وقرأ القرآن العزيز بطرق كثيرة، وكان ماهراً فيه وتصدر لإقراء القرآن. تحت النسر بجامع دمشق، فختم عليه القرآن جماعة، وكان كثير الحكايات والنوادر، قدم من بغداد مع الفقيه الأعز سنة أربعين وخمسمائه، قال لي: جئيت إلى الشام بنية أنني أزور القدس، وإلى الآن ما زرته، فقلت: معي تزوره إن شاء الله، فزاره في صحبتي سنة سبع وثمانين أو سنة ثمان.
وقرأت عليه فاتحة الكتاب تجويداً وتحريراً، وقرأت عليه كتاب الفصيح لثعلب، رواه عن سعد الخير الأندلسي، وقرأت عليه رسالة الشيخ ابن منير إلى الشيخ شرف الإسلام جدي رواها عنه، قال: اجتمعت بابن منير في حلب، وسمعت الرسالة عليه، وقرأت عليه أيضاً تصديقه القرآن إنشاء ابن منير، رواها أيضاً عنه، وكان يصلي إماماً في مسجد الخشابين أقام ه سنين، وكان له منهم أصحاب وجماعة، فحسن فيه الظن، وكان يقول: كان عندنا في الحربيه قوم من المتشددين يسمون السبعية لا يسلمون على من سلم على من سلم إلى سبعة على مبتدع.
وبلغ من العمر فوق السبعين سنة، ومات بدمشق.
أحمد بن الحسين بن محمد النفري:
أبو العباس، حدث بحلب عن القاضي أبي عمران موسى بن القاسم بن موسى ابن الحسن الأشيب، روى عنه أبو الحسن المهذب بن علي بن المهذب بن أبي حامد المعري.
قرأت بخط أبي صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب، وأنبأنا به أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة، قال: أنبأنا محمد بن كامل بن ديسم قال: أخبرنا أبو صالح محمد بن المهذب إجازة قال: حدثنا أبي أبو الحسن المهذب في جمادى الأولى من سنة سبع وتسعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن محمد النفري بحلب لسبع عشرة ليلة خلت من شوال سنة تسع وستين وثلاثمائة قال: حدثنا القاضي أبو عمران موسى بن القاسم بن موسى ابن الحسن الأشيب قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا موسى بن اسماعيل قال: حدثنا معتمر عن أبيه قال: وحدث أيضاً أبو عثمان النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائه، فقال: هل مع أحد منكم طعامً؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك طويل بغنم يسقوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيع أم عطية؟ أو قال هبة قال: لا بل بيع، فاشترى منه شاةً فصنعت، وأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى، قال: وايم الله ما من الثلاثين ومائه إلا وقد جز له رسول الله صلى الله عليه وسلم جزةً من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه إياها، وإن كان غائباً خبأها له؛ قال: وجعل منها قصعتين، فأكلنا أجمعين وشبعنا، وفضل في القصعتين، فحملته على البعير، أو كما قال.
أحمد بن الحسين بن المؤمل:
أبو الفضل المعروف بابن الشواء، وكتب عنه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي الدمشقي بها انشاداً، ذكره في معجم شيوخه.
أنبأنا أبو الوحش عبد الرحمن بن أبي منصور بن نسيم قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي في معجم شيوخه قال: أنشدني أحمد ابن الحسين بن المؤمل أبو الفضل المعري المعروف بابن الشواء بدمشق لابن النوت المعري في بعض الوزراء من اليهود.
يهود هذا الزمان قد بلغوا ... غاية آمالهم وقد ملكوا
العّز فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك
ولست ممن فيهم يغرّكم ... تهوّدوا قد تهوّد الفلك
أحمد بن الحسين النحوي المقرىء:
أبو بكر المعروف بالكناني، قرأ على أبي عمران موسى بن جرير الضرير الرقي النحوي، وقرأ عليه بحلب أبو الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقرىء، وحدث عنه بمصر.
أحمد بن الحسين، أبو بكر البصري:
حدث بأنطاكية عن عمران بن موسى النصيبي؛ روى عنه أبو الحسن محمد ابن الحسين الآبري، وسمع منه بها.

كتب إلينا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي أن الإمام أبا الفتح محمد بن عمر بن أبي بكر الحازمي أخبرهم قال: أخبرنا عيسى بن شعيب بن اسحق السجزي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن بسرى الليثي قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن ابراهيم الآبري قال: قرأت على أبي بكر أحمد بن الحسين البصري بأنطاكية عن عمران بن موسى بن أيوب النصيبي عن أبيه في تاريخه، باسناد ذكره عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس فزاد فيه في نسبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أدد بن السميدع بن عائذ بن شالخ بن الهميسع.
أحمد بن الحسين المنبجي المعروف بدوقلة بن العبد:
شاعر مجيد من أهل منبج، وإليه تنسب القصيدة اليتيمة التي أولها:
هل بالطلول لسائلٍ رد ... أم هل لها بتكلم عهد
وسنذكره إن شاء الله تعالى في حرف الدال لأنه اشتهر بدوقلة، وصار اسمه مهجوراً.
أحمد بن الحسين بن الزيات:
أبو الحسن، أمير الثغور الشامية، ولي إمارة الثغور في غالب ظني بعد أخيه أبي بكر محمد بن الحسين بن الزيات، وخرج عن طرسوس بعد استيلاء الروم عليها، وتوجه إلى الديار المصرية، واتصل بكافور الاخشيدي، وسنذكر في ترجمة غيطة مولاة منصور النسيمي الخادم فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى في ذكر النساء، أنه كان معها مال في عشر قماقم حصلت به في مصر، فاعترض فيه كافور وهم به، فخاطبه أمير الثغور أبو الحسن هذا، وقال: إنه كان هذا المال بطرسوس وعنها أخرج، وقد جرت لنا أحوال كنا فيها أحوج إليه من الأستاذ، فكففنا عنه وتركناه بحاله ليتولى من هو في يده منه ما تولى، فأمسك عنه خجلاً.
وكان أحمد هذا وأخوه محمد من أهل الرقه، وسكنا الثغر.
أحمد بن الحسين الجزري التغلبي:
المعروف بالأصفر، كان مقدماً مذكوراً، ظهر في الجزيرة، وعبر إلى الشام مظهراً غزو الروم فتبعه خلق عظيم من المسلمين، وجرت له مع الروم وقعات، ودخل حلب في سنة خمس وتسعين وثلاثمائه، فقبض عليه لؤلؤ السيفي، وجعله في قلعة جلب.
وقرأت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري قال: فحدثني من شاهد عسكره أنه كان يكون في اليوم ثلاثين ألفاً، ثم يصير في يوم آخر في عشرة آلاف وأكثر وأقل لأنهم كانوا عواماً وعرباً، ونزل على شيزر، وطال أمره فاشتكاه بسيل ملك الروم إلى الحاكم، فأنفذ إليه مفلحاً اللحياني في عسكر عظيم فطرده سنة خمس وتسعين.
وقبض عليه أبو محمد لؤلؤ السيفي بخديعة خدعه بها، وذلك أنه أنفذ إليه أن يدخل إليه إلى حلب، وأوهمه أنه يصير من قبله، فلما حصل عنده قبض عليه وجعله في القلعة مكرماً، لأنه كان يهول به على الروم.
قال أبو غالب همام بن المهذب: ورأيته أنا وقد خرج مبارك الدولة سنة ست، وله شعرة، والمصحف في حجره على السرج وهو يقرأ فيه.
ونقلت من خط يحيى بن علي بن عبد اللطيف بن زريق المؤرخ: وفي سنة خمس وتسعين ظهر رجل غازي متزي بزي الفقراء، ومعه خلق كثير من العرب يسمى أحمد بن الحسين أصفر تغلب، ويعرف بالأصفر، وتبعه وصحبه رجل من العرب يعرف بالحملي، وأسرى في جماعة من العرب وغيرهم ممن اجتمع إليه، ولقي عسكر الروم فأخذه وكسره إلى أرتاح، وسار يريد أنطاكية نحو جسر الحديد، فلقيه بطريق من بطارقة السقلاروس في عسكر كان معه، فقتل الحملي وانهزم الأصفر إلى بلد سروج، فانتهى إلى الماخسطرس أن الأصفر ساكن في الجزيرة في ضيعة تعرف بكفر عزور من عمل سروج، وهي ضيعة كبيرة ولها سور، فقصده في عساكره وعبر الفرات، نازل كفر عزور وكان قد اجتمع إليها أكثر أهل تلك الأعمال لحصانتها، وأقام ثمانية عشر يوماً وفتحها وأخذ منها اثني عشر ألف أسير وغنائم كثيرة، وحرم الأصفر، وهرب هو بالليل، وكانت عرب بني نمير وكلاب اجتمعت مع وثاب في زهاء ستة آلاف فارس، فلقوا عسكر الروم وظفروا بهم، وهرب الروم إلى أنطاكية وجد الماخسطرس في طلب الأصفر والتمس من لؤلؤ أن يحمله إليه خوفاً من ارهاج المسلمين عليه، وتوسط الحال بينهما على أن يأتي إلى حلب على أن يكون الأصفر في القلعة بحلب معتقلاً أبداً، وحمله إليه في شعبان سنة سبع وتسعين، فقيده لؤلؤ واعتقله ولم يزل في القلعة إلى أن حصلت حلب للمغاربة في سنة ست وأربعمائة.
أحمد بن الحسين أبو الفرج القاضي:

قاضي طرسوس، كان فاضلاً عالماً، وهو الذي مدحه المتنبي بالقصيدة التي أخبرنا بها أبو محمد عبد العزيز بن محمود الأخضر البغدادي في كتابه، قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد البصري قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى الوكيل قال: أخبرنا علي ابن أيوب بن الحسين بن الساربان قال: أنشدنا أبو الطيب المتنبي لنفسه يمدح أبا الفرج أحمد بن الحسين القاضي:
لجنّية أم غادةٍ رفع السّجف ... لوحشيةٍّ لا ما لوحشيةّ شنف
قال فيها
أردّد ويلي لو قضى الويل حاجةً ... وأكثر لهفي لو شفى غلةً لهف
ضنىً في الهوى كالسمّ في الشهد كامناً ... لذذت به جهلا وفي اللذّة الحتف
فأفنى وما أفنته نفسي كأنما ... أبو الفرج القاضي له دونها كهف
قليل الكرى لو كانت البيض والقنا ... كآرائه ما أغنت البيض والزّغف
يقوم مقام الجيش تقطيب وجهه ... وتستغرق الألفاظ من لفظه حرف
وإن فقد الاعطاء حنت يمينه ... إليه حنين الإلف فارقه الإلفّ
أديب رست للعلم في أرض صدره ... جبال جبال الأرض في جنبها قف
جواد سمت في الخير والشر كفه ... سمواً لوّد الدهر أن اسمه كفّ
تفكّره علمٌ ومنطقه حكم ... وباطنه دين وظاهره طرف
وهي طويلة اقتصرت منها على هذه الأبيات.
أحمد بن الحسين، وقيل الحسن:
أبو يوسف المصيصي الحاسب، له كتاب في الجبر والمقابله، وقد ذكرناه فيمن اسم أبيه الحسن.
من أفراد حرف الحاء في آباء الأحمدين
أحمد بن الحصين التميمي:
ورد دابق في أيام عبد الملك بن مروان، وبها مسلمة بن عبد الملك، ودخل معه غازيا بلاد الروم حين توجه إلى القسطنطينية هو وأخوه مع الفتية الذين تابوا بالمدينة.
وسيأتي ذكر خبرهم إن شاء الله تعالى.
أحمد بن حماد بن سفيان أبو عبد الرحمن القرشي:
مولاهم، الكوفي، قاضي المصيصة، حدث عن خراش بن محمد بن خراش، وهرون بن سعيد الأيلي، وأبي مسعود محمد بن عبد الملك بن محمد المؤدب، وعقبة بن مكرم، واسحق بن موسى، وأبي كريب الهمداني، وحكيم بن سعيد المازني، وأبي بلال الأشعري، وأحمد بن عبد المؤمن، وعبد الله بن معاوية الجمحي، وجعفر بن دهقان، ويوسف بن موسى القطان، وأبي الربيع بن أخي رشدين، وعبد الرحمن بن الفضل بن مونق، ومحمد بن سليمان الأسدي، وعباد ابن يعقوب، وأبي عمرو بن حازم، ومحمد بن عوف، وأبي عبد الله أحمد بن يحيى ابن الوزير المصري، وكثير بن عبيد، وبشر بن هلال، وأبي سعد الأشج، وإبراهيم ابن مروان، وعبد الله بن حفص البراد، وعبد الله بن معاوية، واسرائيل.
روى عنه: أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش، وأبو عمر بن السماك، وأبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، وعبد الباقي بن قانع، وأبو القاسم عبد الرحمن بن منصور ابن سهل بن عمرو الحلبي، وأبو بكر محمد بن الحسين السبعي الحلبي الحافظ، وأحمد بن محمد بن عبد الرحمن الجلى الطرسوسي، وأبو عبد الله محمد بن نصر المصيصي، وجعفر بن محمد بن بنت حاتم، ومحمد بن إبراهيم بن حبون الحجازي، ومحمد بن علي بن حبيش، وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد.
أخبرنا أبو حامد محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني قراءة عليه بحلب قال: أخبرنا عمي أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد أبي جرادة قال: حدثني أبو الفتح عبد الله بن اسماعيل ابن أحمد الجلي الحلبي بها قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المعروف بابن الطيوري قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن منصور بن سهل قال: حدثنا أحمد بن حماد القاضي قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا عيسى بن عبد الله أبو بكر العلوي قال: حدثني أبي عن جدي عن جده عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب.

أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري القاضي بجامع دمشق قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم السلمي قال: أخبرنا أبو نصر ابن طلاب قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن برامهرمز قال: حدثنا أحمد بن حماد بن سفيان قال: حدثنا عبد الله بن حفص البراد قال: حدثنا يحيى بن ميمون قال: حدثنا أبو الأشهب العطاردي عن الحسن عن أبي أيوب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا أيوب ألا أدلك على عمل يرضاه الله عز وجل، أصلح بين الناس إذا تفاسدوا وحبب بينهم إذا تباغضوا.
أخبرنا أبو القاسم الأنصاري إذناً قال: أخبرنا أبو الحسن الغساني قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن حماد بن سفيان، أبو عبد الرحمن الكوفي القرشي مولاهم، سمع أبا بلال الأشعري، وهرون بن سعيد الأيلي، وعبد الله بن معاوية الجمحي وعقبة بن مكرم، وأبا كريب الهمداني، ويوسف بن موسى القطان ونحوهم، وقدم بغداد، وحدث بها فروى عنه أبو عمرو بن السماك وعبد الباقي ابن قانع، وجعفر بن محمد بن بنت حاتم بن ميمون، ومحمد بن علي بين حبيش، وكان ثقة، ولي قضاء المصيصة، وذكره الدارقطني، فقال: لا بأس به.
أنبأنا عبد العزيز بن الأخضر، أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد عن أحمد بن علي بن خلف عن أبي عبد الله الحاكم قال: أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال: أحمد بن حماد بن سفيان القاضي، كوفي لا بأس به.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين المحتسب قال: قرأنا على أحمد بن الفرج بن الحجاج الوراق عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد قال: توفي أبو عبد الرحمن أحمد بن حماد بن سفيان بالمصيصة ليومين بقيا من المحرم سنة سبع وتسعين ومائتين، ورأيته لا يخضب.
أنبأنا حسن بن أحمد الأوقي قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحربي قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان الصفار قال: أخبرنا عبد الباقي بن قانع قال: سنة سبع وتسعين ومائتين: أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي، وهو قاضي المصيصة؛ يعني مات.
أحمد بن حمدان العائذي الضبي:
أبو الحسن الأنطاكي، من بني عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد، وقيل عائذ الله بن سعيد بن ضبة من أهل أنطاكية، يروي عن الحسين بن الجنيد الدامغاني روى عنه علي بن الفضل بن طاهر البلخي، والمثلم بن المشخر الضبي.
من اسم أبيه حمدون من الأحمدين
أحمد بن حمدون بن اسماعيل بن داود:
أبو عبد الله الكاتب الشاعر، وقد سماه بعضهم محمدا؛ قدم حلب صحبة المتوكل حين قدمها، وغزا الروم مع المأمون والمعتصم، واجتاز بحلب في غزاته تلك.
روى عن أبيه حمدون بن اسماعيل، وعن الواثق بن المعتصم، روى عنه أحمد بن الطيب السرخسي، وعلي بن محمد بن بسام، والحسن بن محمد، عم أبي الفرج الأصبهاني، وجعفر بن قدامة. وكان أديباً شاعراً.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد، إذناً، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي البصري، إذناً، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الدوري قال: حدثنا أحمد بن اسحق بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن الطيب السرخسي قال: حدثني أبو عبد الله بن حمدون بن اسماعيل عن أبيه قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم: وذكر الحجامة يوم الخميس فكرهها.
كتب إلينا أبو روح بن محمد الهروي أن زاهر بن طاهر المستملي أخبرهم - إجازة إن لم يكن سماعاً - عن أبي القاسم علي بن أحمد البندار قال: أنبأنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي، إجازة، قال: - في كتاب الأوراق، في ذكر من نفاه المتوكل - قال: ونفى أحمد بن حمدون النديم إلى بغداد، وقطع طرف أذنه وقال له: أنت قدت علي بعض غلماني، ثم رده.

أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسن، تاج الأمناء، قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن حمدون بن اسماعيل بن داود، أبو عبد الله الكاتب، شاعر في غاية الظرف والملاحة والأدب، حكى عن الواثق وعن أبيه حمدون، قدم دمشق في صحبة المتوكل، وامتدحه البحتري.
روى عنه علي بن محمد بن نصر بن بسام - وهو ابن أخته - ، وجعفر بن قدامة، والحسن بن محمد - عم أبي الفرج الأصبهاني - ، وأحمد بن الطيب السرخسي.
وذكره أبو عبد الله محمد بن داود الجارح في كتاب الورقة في أسماء الشعراء، وأنشد له في أحمد بن محمد بن ثوابة، وكان ابن حمدون يلقبه لبابة، وكان ابن ثوابة قد دعا أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب فبزل لموسى بن بغا رغيفا من بيت ابن ثوابة، فمات موسى من غد ذلك اليوم. فقال:
استعذنا الإله من شر ما يط ... رق صبحاً ومن رغيف لبابه
قد دهانا الرغيف في الفارس المع ... لم واجتث ملكه ونصابه
من رأى مصرع الأمير فلا يط ... عم طعاما من منزل ابن ثوابه
فلقد حرم الإله على كل ... أديب طعامه وشرابه
إن فيه خلائقاً وخصالا ... موجبات هجرانه واجتنابه
صلف معجب بغيض مقيت ... أحمق مائق ضعيف الكتابه
قال: ومن شعره يعاتب أبا الحسن علي بن يحيى المنجم:
من عذيري من أبي حسن ... حين يجفوني ويصرمني
كان لي خلاًّ وكنت له ... كامتزاج الراح بالبدن
فوشى واشٍ فغيّره ... وعليه كان يحسدني
إنما يزداد معرفة ... بودادي حين يفقدني
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي ببلخ قال: وروي أنه رمدت عين الفتح بن خاقان فقال فيه أحمد بن حمدون:
عيناي أحمل من عينيك للرمد ... فاسلم وكان الأذى بي آخر الأبد
من ضن عنك بعينيه ومهجته ... فلا رأى الخير في مال ولا ولد
فدتك من ألم الشكوى ولوعتها ... نفس تخلصتها من مخلب الأسد
لولا رجاؤك لم تلبث ولا سكنت ... ولا استقر قرار الروح في الجسد
أحمد بن حمدون:
وقيل: محمد بن حمدون، بن مغرض بن صالح بن عمر بن خالد بن سويد ابن يحيى بن الكوثر بن الفرج بن المنذر بن محذور بن سعدين بن مغرض بن عائذ ابن عمرو بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبره التنوخي، أبو الحسين وقيل أبو الحسن، وقيل فيه: أحمد بن محمد، عوض حمدون، ويعرف بالقنوع المعري، شاعر من أهل معرة النعمان، حسن الشعر، روى عنه شيئا من شعره أبو يعلى محمد بن الحسن البصري، وابراهيم بن أحمد بن الليث الآذري الكاتب؛ وقيل: إنما لقب بالقنوع لأنه قال: قد قنعت من الدنيا بكسرة وكسوة.
وقال ابراهيم الآذري في ذكره: إنه رضي من دنياه بسد الجوع ولبس المرقوع، ولهذا لقب بالقنوع.
قرأت في مراثي بني المهذب، في مرثية أبي عبد الله الحسين بن اسماعيل بن جعفر بن علي ابن المهذب، وقال أبو الحسين أحمد بن حمدون القنوع يرثيه:
أما وذهاب الحزن في كل مذهب ... وروعات قلبٍ ذاهل غير قلّب
لقد شغلتني عن رزية واحدي ... رزية أهل الفضل آل المهذب
فحتى متى يا دهر لست بمعتبي ... وفيم على ما فات منك تعتبي
تصبرت حتى عيل صبري وأخلقت ... قوي جلدي في موطني وتغربي
ولي عبرات عبرت عن ضمائري ... بألسن دمعٍ ترجمت عن تلهّبي
فلله أنفاسٌ علت في تصعد ... وأدمع أجفانٍ هوت في تصوّب
وسنذكر في كل حرف ما سمي به، ونورد من شعره في ذلك الحرف ما نسب إلى ذلك الاسم، والذي يترجح عندي أن اسمه محمد بن حمدون لان الأكثر عليه، والله أعلم.
أحمد بن حمدون البالسي:
حدث....
روى عنه الفقيه أبو شاكر عثمان بن محمد بن الحجاج بن رزام البزاز النيسابوري.
أحمد بن حمدويه بن موسى:

أبو حامد المؤذن النيسابوري، كان من الصلحاء الراغبين في عمل الخير وقدم طرسوس مجاهدا في سبيل الله عز وجل، وأقام بها مرابطا ثلاث سنين.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر بن علي بن الخضر، وعبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر أن أبوي بكر البيهقي والحيري، وأبوي عثمان الصابوني والبحتري كتبوا إليه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: أحمد بن حمدويه بن موسى النيسابوري أبو حامد المؤذن الفامي بباب عزرة.
وكان من أعيان الصالحين جاور بمكة خمس سنين، وبطرسوس ثلاث سنين، وكان كثير الحج والجهاد والاحسان إلى أكابر العلماء، بلغني أن أبا بكر محمد بن اسحق بن خزيمة كان لا يخلو من مال لاحمد بن حمدويه قرضا عليه، وكان يفرق بمكة ونيسابور.
سمع بنيسابور ابراهيم بن عبد الله السعدي، ومحمد بن عبد الوهاب، وقطن بن ابراهيم، ومحمد بن يزيد، وبالري أبا حاتم وطبقته، وببغداد أبا قلابة وطبقته، والكوفة أحمد بن حازم بن أبي غرزة وطبقته، وبالحجاز محمد بن اسماعيل بن سالم، وابن أبي مسرة وطبقتهما، وبالبصرة أبا داود السجستاني وطبقته.
روى عنه: أبو سعيد بن أبي عثمان، وابنه أبو سعيد، وأبو الطيب المذكر وغيرهم.
وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي حامد يقول: توفي أبي رحمه الله في جمادي الآخرة سنة خمس عشرة وثلاثمائة، وصلى عليه أبو عمرو الحيري، ودفن في مقبرة الحسين بن معاذ.
من اسم أبيه حمزة من الأحمدين
أحمد بن حمزة بن الحسين بن الشام الحلبي:
أصله من طرابلس، وسكن حلب فنسب إليها، وكان أديبا فاضلا متقنا، له خط حسن على غاية ما يكون من الضبط والاتقان، وهو من بيت مشهور بالفضل والأدب، وكان جدهم يعرف بالشام يده، فاختصر بعد ذلك، وقيل الشام.
قال لي ياقوت بن عبد الله الحموي: رأيت بخطه نسخة من شعر المتنبي نسخه بمصر في سنة ثمان وخمسمائة، وله عليه نكت حسنة من كلامه تدل على علمه وفضله، وذكر أنه نقله من نسخة بخط أبي بكر محمد بن هاشم الخالدي.
أحمد بن حمزة بن حماد:
أبو الفضل، شاعر كان بمعرة النعمان، وقفت له على أبيات يرثي بها أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان، وعلى أبيات يرثي بها أبا طاهر حامد بن جعفر بن المهذب، فأما مرثيته في أبي العلاء فإنني وقفت عليها في جزء وقع إلي بخط بعض المعريين، جمع فيه ما رثي به أبو العلاء حين مات، وأورد فيه لأحمد ابن حمزة بن حماد:
لعظيم هذا الرز حار لساني ... ونأى وخان لما أجن جناني
هدم الردى من كان يبني جاهدا ... مجداً لأهل معرة النعمان
أترى يد الدنيا تجود بمثله ... هيهات ليس يرى له من ثان
شرف العلوم وتاج أرباب العلى ... كنف العديم ومعدن الاحسان
أسفي عليه مجدد ما ينقضي ... أو ينقضي عمري ووقت زماني
ما كنت أدري قبل ميتة أحمد ... أن البحار تلف في الأكفان
حتى رأيت أبا العلاء موسدا ... فرويت ذاك رواية بعيان
لله ما يحوي الثرى من جسمه ... ويضم من شرفٍ بغير بنان
فخر لو أن الفخر ينطق لانبرى ... منه التفاخر ناطقا ببيان
إني وإن أوردت معنى حازه ... علمي لقد خلفت فيه معاني
يا موت أنت سقيتني كأس الردى ... وملأت قلبي غلّة الأحزان
وقصدت سيدنا فأمس ثاويا ... ما بيننا فهو البعيد الداني
وأما مرثية أبي طاهر بن المهذب فإنني قرأتها في جزء يتضمن مراثي بني المهذب المعريين حمله إلي بعضهم فنقلت منه قوله:
جسمي من الوجد الدخيل نحيل ... وكذا الفؤاد متيم معلول
لي مقلة لا ينقضي هملانها ... وجوى على مر الزمان طويل
ذهب الذي قد زال صبري بعده ... عني وحزني ما أراه يزول
قد كنت أرجو أن يفادي ميت ... ويكون منه لدى الحمام بديل
فأكون أول باذلٍ نفسي له ... لو كان لي فيما أروم سبيل
آل المهذب قد عرتكم نكبة ... والصبر عند النائبات جميل

فقد الرئيس وليس يوجد مثله ... طول الزمان لأن ذاك قليل
هو ماجدٌ من أهل بيتٍ طاهرٍ ... وفواضلٍ فيساره مبذول
قد عاش ذا دعةٍ لأهل وداده ... ولحاسديه صارمٌ مصقول
توفي هذا الشاعر في سنة تسع وأربعين وأربعمائة أو بعدها، فإنه رثى أبا العلاء في هذا التاريخ.
أحمد بن حمزة بن سويد المعري:
شاعر آخر كان بمعرة النعمان، ظفرت من شعره بأبيات وقعت إلي أيضاً في الجزء الذي حمل إلي في مراثي بني المهذب، يرثي بها أبا الفضل عامر بن شهاب وأبا اليسر عبد الجبار بن محمد بن المهذب وهي:
يعارض وجداً في الحشا عارض الفكر ... فينهّل دمع العين مني ولا أدري
وأرفل في ثوب الكآبة كلما ... تذكرت فقدي عامراً وأبا اليسر
تقيّين حازا كل فخر وسؤددٍ ... فمجدهما عال على الأنجم الزهر
وفيّين كانا زاهدين تورعاً ... فقد أمنا من كلفة الاثم والوزر
وما حيلة المشتاق فيمن يوّده ... إذا غيّبوه عنه في ظلمة القبر
وقد رمت صبراً عنهما فوجدته ... أمرّ مذاقاً من مساوغة الصّبر
لقد ألبسا جسمي الصّبابه والضنا ... وقد حملاني الحزن وقرأ على وقن
سأبكيهما ما عشت دمعاً فإن ونت ... دموعي عن التسكاب بكيّت بالشعر
أحمد بن حمزة بن عبيد الله:
وقيل عبد الله، أبو نصر الأسدي الملقب بالمهند، ويعرف بابن الخيشي الحلبي الشاعر، شاعر مجيد، جزل الألفاظ حسن المعاني، أصله من خلاط، وأقام بحلب فنسب إليها، روى عنه شيئاً من شعره أبو عبد الله بن الخياط الشاعر، وأبو الفوارس حمدان بن عبد الرحيم التميمي، وكان قد أنزله حمدان حمدان عنده بداره بالأثارب، فأقام ابن الخيشي عنده بها أشهراً.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بدمشق قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الحافظ قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن المحسن بن أحمد الملحي لفظاً قال: أنشدني أيضاً - يعني حمدان بن عبد الرحيم - لأبي الخيشي من قصيدة إلى سلطان الأمراء يستهدي منه مملوكاً.
وما ثلاثون ديناراً تحوز بها ... شكري وعندك نزرٌ ألف دينار
غدا يسوّد نبت الشّعر عارضة ... وعارض المجد مبيضٌ بأشعاري
وقرأت في شرح خطبة ديون شعر أبي القاسم بن أفلح الشاعر وهو الشارح لها لابن الخيشي الحلبي.
عقبان روع والسروج وكورها ... وليوث حربٍ والقنا آجام
وبدورتمّ والترائك في الوغى ... هالاتها والسابّري غمام
جادوا بممنوع التلاد وجّودوا ... ضرباً تجدّ به الطلى والهام
وتحاورت أسيافهم وجيادهم ... فالأرض تمطر والسماء تغام
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي عن أبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير القيسراني قال: قال أبو عبد الله بن الخياط: رأيت الأمير ابن المهند أبا نصر أحمد بن حمزة الخيشي بطرابلس، وكنا نجتمع على الطريق وكان يتشوق إلي أبداً، واجتمعنا يوماً في أوائل شهر رمضان فعرض علي الإفطار عنده فامتنعت، فلم يراجعني، وافترقنا، وأتبعني غلامه وأنا لا أعلم، فعرف البيت ورصدني إلى حين خروجي فخالفني إليه فغش القفل، ونقل جميع ما فيه إلى بيت مولاه، فلما انصرفت عشاء وعاينت بيتي ظننت أني سرقت، وإذا الأمير الخيشي قد وافاني يضحك، فعلمت أنه صاحب القصة، وما برح حتى انصرفت معه، فأقمت عنده الشهر كله.
قال أبو عبد الله: ورأيته في هذا الشهر وقد بيض سبعاً وعشرين قصيدة لجماعة من الطرابلسيين وصار إليه منهم نحو مائتي دينار، فعرض علي القسمة فما فعلت، ولم يحصل لي أنا شيء.
قال القيسراني وكان أبو عبد الله يروي له أشعاراً جيدة منها القطعة التي عملها في ابن الأحمر:
هو البيين لا أشكو الصبابة لولاه ... ........
قال: وكان أبو عبد الله يستجيدها ويعجب من قوله فيها في صفة الطبيب. قال: وسمعته يوماً ينشد:
لا تخدعنّ الأماني بالمواعيد ... وكلفّ العزم رمي البيد بالبيد

فالجد ما صافحت بالمدلجين بها ... أيدي النجائب هامات القراديد
فقلت: لمن هذا؟ فقال: للخيشي يمدح بها نصر بن محمود يقول فيها:
صاحت بهام العدى والضرب يحرسهم ... نصر من الله يا نصر بن محمود
نقلت من خط أبي المظفر أسامة بن مرشد بن علي منقذ، وأخبرنا به أبو الحسن محمد بن أحمد ابن علي عنه، إجازة، قال: ومن شعراء الشام الأمير المهند أبو نصر أحمد بن عبيد الله الأسدي المعروف بالخيشي، وهو شاعر مجيد عجيب الاسلوب، طويل النفس، يخرج من حسن إلى حسن، وكان يبسط لسانه بالهجو سراً، ويترفع عنه ظاهراً؛ فمن شعره يمدح ضياء الدولة أبا علي حسن بن منيع قصيدة أولها:
كم بين غيطل في الهوى ومعان ... من أربع أشتاقها ومغاني
فارقتها والقلب في قرصاتها ... مستوطنٌ فأنا البعيد الدّاني
لولا غرام لي جريت بحكمها ... لثنى إليها الاشتياق عناني
عجباً لصبري واشتياقي كلما ... اعتلجا بقلبي كيف يتفقان
إني لأنأى مرغماً وكذاك من ... لا يبلغ الأوطار في الأوطان
وأصد عن شرب النمير على الظما ... والذلّ فيه تعلة الظمآن
لا خير في أرض ولا قوم معاً ... لا يعرفون بها شريف مكان
ومنها:
وإذا الرجال غدت عليّ قلوبهم ... قلباً تفيض بجمة الأضغان
وليت أطراف العوالي متحها ... في نزحها عوضاً من الأشطان
إن لم أجشمها الخطار فلا عصت ... يمناي يوم كريهةٍ بيماني
أصبحت في الأقوام أحسب شاعراً ... يا فضل قد بالغت في نقصاني
أعلى السؤال معولي يا سنةً ... شانت علاي ولم يكن من شاني
لا رزق إلا بالصوارم والقنا ... عندي وبعض الرزق كالحرمان
أعززت بالآداب نفساً مرةً ... فعلام أعرضها بسوق هوان
ولقد صدفت عن القوافي برهةٍ ... وأرحت منها خاطري ولساني
حتى تعرض لي ضياء الدولة ال ... عظمى بغامر فضله فثناني
وعلا على عنق القريض نواله ... متغطرساً فانقاد بعد حران
هكذا ذكره أسامه ونسبه إلى جده عبيد الله وأسقط ذكر أبيه حمزة.
وذكره.... ابن الزبير في كتاب جنان الجنان وقال: شاعر مجيد من شعره:
هذا الحمى وكناس الغيد والبان ... فاستوقف الركب واسأل أيةً بانوا
عسى حمائمه يعلمن من خبر ... أو عندهنّ لسر الدّمع إعلان
أشبهننا فوق أكوار المطي وقد ... مات بهن من الأشجار أغصان
وما شجا القلب تغريد سجعن به ... إلا ونمت صباباتٌ وأشجان
إذا هتفن بأطراف الغصون ضحىً ... هاجت لنا الوجد أوطارٌ وأوطان
وفي الهوادج أقمارٌ تضمنها ... مثل النواظر تحويهن أجفان
تألفت لتلاف الصبّ واختلفت ... منها بدور وأغصان وكثبان
وفي رحالهم قلبٌ تقسمه ... بالبغض والحب آسادٌ وغزلان
ما زال يطمعني منهم ويوئسني ... ظبي غريرٌ وباغي الغرم غيران
إن قلت إن شبابي قد مضى وأنا ... كما عهدت إلي ظمياء ظمآن
فكم بنعمي شبيب شبّ من هرمٍ ... وكم صد بأبي الريان ريان
كأنه وكأنّ الأعوجي إذا ... رمى به الروع ضرغامٌ وسرحان
ملء النواظر والراحات من يده ... ووجهه للندى حسنٌ واحسان
وقال:
أيا من يستحلّ دمي ... ويظهر للورى ورعا
أما ترثي لمكتئبٍ ... نقضت عهوده ورعا
وكان حمامه بكم ... ومبدأ حبكم ولعا
فقل لفتىً تعثر في ... هواك سلامةً ولعا
قال: وكتب إلى الأمير سديد الملك، يعني أبا الحسن بن منقذ.
إني وحقك في طرابلس كما ... تهوى العدى تحت المقيم المقعد
أما المحرم قد حرمت نجازماً ... وعدوا وفي صفر فقد صفرت يدي

قالت لي العلياء لما أن سقو ... ني كاس مطلهم سكرت فعربد
قرأت بخط أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ، وأخبرنا به أبو الحسن محمد ابن أحمد بن علي إجازة عنه قال: كتب عبد الله بن الدويدة المعري إلى جدي سديد الملك أبي الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ وقد وفد عليه ابن الخيشي الشاعر:
يا عليّ بن منقذٍ يا هماماً ... حين يدعى الوغي يعدّ بجيش
قد أتاك الخيشي في وسط آبٍ ... بقريضٍ يغنيك عن بيت خيش
أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة الهروي:
أبو اسماعيل الحداد الصوفي المعروف بعمويه شيخ الصوفية بهراة.
أحمد بن حميدان الرماني:
أبو القاسم، له كلام حسن في الحقيقة وطريقة الصوفية.
روى عنه أبو الفرج هبة الله بن سهل، وقدم حلب في أيام سيف الدولة أبي الحسن علي بن حمدان، وحضر عنده وفاوضه في شيء.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أبي طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي قال: أخبرنا الحافظ أبو موسى محمد أبي بكر بن أحمد المديني إجازة قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر الإمام قال: أخبرنا أبو مسعود بن أبي القاسم قال: أخبرنا أبو سعد الماليني إجازة قال سمعت أبا الفرج هبة الله بن سهل يقول: سمعت أبا القاسم أحمد بن حميدان الرماني يقول: دخلت حلب فأحضرت بين يدي سيف الدولة فقال لي: بما تدخل في الصلاة؟ فقلت على مذهبنا أو مذهبكم؟ فقال: وايش مذهبنا ومذهبكم؟ فقلت: أما على مذهبكم فتدخل بفرضين وسنة التكبير فرضاه، ورفع اليدين عند التكبير سنة، وأما على مذهبنا فالدخول بالله والخروج بالله عز وجل.
ذكر حرف الخاء في آباء الأحمدين
من اسم أبيه خالد
أحمد بن خالد المزني الحلبي:
حدث عن مبشر بن اسماعيل الحلبي، روى عنه سليمان بن عبد الحميد البهراني.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب، وسمعت منه بدمشق، قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله بن مندة قال: أحمد بن خالد المزني من أهل حلب؛ سمع مبشر بن اسماعيل؛ روى عنه سليمان بن عبد الحميد البهراني.
أحمد بن خالد الدامغاني:
أبو العباس، نزيل نيسابور، كان رحالا، واسع الرحلة، دخل الشام، وسمع بتل منس من ناحية حلب المسيب بن واضح السلمي.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر بن علي بن الخضر، وعبد الرحمن بن عمر بن أبي نصر الغزال قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني ببغداد قال: أخبرنا زاهر بن طاهر أن أبوي عثمان الصابوني والبحتري، وأبوي بكر البيهقي والحيري كتبوا إليه: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال: أحمد بن خالد أبو العباس الدامغاني نزيل نيسابور، شيخ ثقة، كثير الرحلة، سكن نيسابور وتوفي بها، سمع ببغداد داوود بن رشيد، وعبيد الله بن عمر القواريري وغيرهما، وبالبصرة نصر بن علي، وعمر بن علي وأقرانهما؛ وبالكوفة أبا كريب وأقرانه، وبالحجاز أبا منصور الزهري ويعقوب بن حميد، وبمصر الحارث بن مسكين، وأبا الطاهر، وعيسى بن حماد، وأبا الربيع الرشيدي وغيرهم؛ وبالشام محمد بن المصفى، والمسيب بن واضح، وهشام بن عمار، ودحيم بن اليتيم، روى عنه أبو العباس الكوكبي، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو بكر بن علي، وأبو عبد الله بن يعقوب، وهم حفاظ بلدنا.
قال أبو عبد الله الحافظ: أخبرني عبد الله بن محمد بن عبد الله عن أبيه قال: توفي أحمد بن خالد الدامغاني بنيسابور سنة ثمان وثمانين ومائتين.
من أفراد حرف الخاء في آباء الأحمدين
أحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن:
نزيل طرسوس؛ حدث عن محمد بن عمرو بن جبلة، وأحمد بن محمد بن حنبل، وصحبه وأخذ عنه الفقه؛ روى عنه أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم، وكان فقيها تصدر بطرسوس، وكان له حلقة فقه بها.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله، إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أخبرنا مسعود بن أبي منصور الجمال قال: أخبرنا الحسن بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال: أحمد بن الخصيب، سكن طرسوس.

حدثنا أبو محمد بن الحجاج قال: حدثنا أبو عمرو بن حكيم قال: حدثنا أحمد بن الخصيب بطرسوس قال: حدثنا محمد بن عمر بن جبلة قال: حدثنا أبو الحواب عمار بن رزيق عن الأعمش عن أبي اسحق عن أبي أسماء عن أنس بن مالك قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك بحجة وعمرة معاً.
أنبأنا أبو الحجاج يوسف قال: أخبرنا أبو محمد فارس بن أبي القاسم بن فارس الحربي قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء قال: أحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن، ذكره أبو بكر الخلال، فقال: مشهور بطرسوس، كان له حلقة فقه، ورئيس قومه، نقل عن إمامنا مسائل جياداً.
أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاووس:
أبو المعالي بن أبي طالب بن أبي محمد بن أبي البركات الدمشقي، شيخ حسن صحيح السماع ثقة، سمع والده الخضر بن هبة الله بن أحمد، وأبا يعلي بن كروس سمعت عليه الأربعين حديثا التي جمعها نصر بن ابراهيم المقدسي بروايته لها عن أبي يعلي بن كروس عن الفقيه نصر، وسألته عن مولده فقال: تقديرا بعد الأربعين وخمسمائة، فإنني في عشر الثمانين، وكان سؤالي إياه في شوال سنة ثلاث وعشرين وستمائة بدمشق، قال لي: ودخلت حلب وأقمت بها مدة، وهو من بيت مشهور بدمشق، خرج منه جماع من أهل الحديث.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس السلمي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا الإمام أبو الفتح نصر بن ابراهيم بن نصر المقدسي بقراءته علينا من لفظه بدمشق قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد السراج بدمشق قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن السقاء بحلب قال: حدثنا محمد بن معاذ بن هشام قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا مسلم بن ابراهيم الفراهيدي قال: حدثنا هشام وأبان قالا: حدثنا يحيى عن أبي جعفر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات لا شك فيهن، دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم، قال أبان: دعوة الوالد على ولده.
أخبرنا أبو المعالي قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس قال: أخبرنا أبو الفتح الفقيه قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرنا أبو الفتح - هو - الفرغاني قال: سمعت أبا القاسم المفسر يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن علي ابن الطيان القمي يقول: قال سالم خادم ذي النون المصري: قال ذو النون: رأيت مجنونا أسود في بعض البوادي كلما ذكر الله عز وجل أبيض، فسمعته يقول، وقد سألته: لم لا تأنسن بالناي؟ فقال:
أنست به فما أبغي سواه ... مخافة أن أضل فلا أراه
وحسبك حسرةً وضناً وسقما ... يصادر عن موارد أولياه
أخبرني جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود الصابوني أن شيخنا أبا المعاني أحمد بن الخضر بن طاووس توفي بدمشق في رابع شهر رمضان من سنة خمس وعشرين وستمائة.
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في ذكر من مات في سنة خمس وعشرين وستمائة: وفي شهر رمضان توفي الشيخ الأجل أبو المعالي بن الشيخ الأجل أبي البركات أحمد بن عبد الله بن علي بن طاووس بن موسى بن العباس بن طاووس، البغدادي الأصل الدمشقي المولد والدار، بدمشق سمع من أبي يعلى حمزة بن أحمد بن فارس بن كروس السلمي، وغالب ظني أنني لقيته ببلبيس، ولم يتفق لي السماع منه، ولنا منه اجازة، وهو من بيت الحديث.
أحمد بن الخطاب السميساطي:
من أهل سميساط من الثغور الجزرية على شاطىء الفرات، وقد ذكرناه.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله محمد ابن مندة قال: أحمد بن الخطاب من أهل سميساط؛ حدث عن العلاء ابن هلال، روى عنه ابن قتيبة.
أحمد بن خلد:
أبو العباس المعروف بابن حياة أمها، رجل أديب فاضل، قرأ بحلب على أبي عبد الله الحسين بن خالويه، وتصدر بعده بحلب لافادة علم الأدب، قرأ عليه جماعة من الأدباء بها، ورأيته مضبوطا في بعض الأسانيد التي ظفرت فيها بذكره بفتح الخاء واللام.
أحمد بن خلف بن أحمد بن علي:

أبو العباس المعري، المعروف بالممتع، أديب شاعر فاضل كان مقيما بحلب في أيام بني مرداس الكلابيين، وهو شاعر حسن الشعر، سمع الحديث بحلب من الشيخ أبي عبيد الله بن عبد السلام بن أبي نمير العابد، ومن أبي الحسن علي بن محمد بن الطيوري، وبمعرة النعمان من الشيخ أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن ابن سليمان، وحدث بمعرة النعمان عن أبي الحسين محمد بن أحمد الرقي الصوفي.
روى عنه أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان، وخرج عنه حديثا في معجم شيوخه، وذكره أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في رسالة الغفران التي أجاب بها علي بن منصور الحلبي المعروف بدوخلة فقال: وسيدي الشيخ أبو العباس الممتع أدام الله عزه: في السن ولد، وفي المودة أخ، وفي فضله جد أو أب، وإنه في أدبه لكما قال تعالى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " .
وإياه عنى أبو يعلى عبد الباقي بن أبي حصين بقوله في أبيات كتبها إلى تلميذه أبي اليمن محمد بن الخضر المعروف بالسابق بن أبي مهزول المعري، ونقلته من خط الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي:
أيها السابق الذي سبق النا ... س إلى المعجزات يوم الرّهان
ذهب الممتع الأديب وخلاّ ... ك أباه تجلو غريب المعاني
لأن أبا الممتع اسمه خلف، فقال: ذهب الممتع وخلاك خلفاً من بعده.
كتبت إلينا زينب بنت عبد الرحمن الشعري من نيسابور أن أبا القاسم محمود ابن عمر الزمخشري أخبرها إجازة، وقرأته بخطه في معجم أبي سعد السمان في الكتب الموقوفة في مشهد أبي حنيفة رضي الله عنه، ظاهر بغداد، قال: حدثني الاستاذ أبو الحسن علي بن الحسين بن مردك قال: أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين السمان اجازة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن خلف الممتع بقراءتي عليه بمعرة النعمان قال: حدثنا أبو الحسين محمد أحمد الرقي الصوفي قال: حدثنا أبو هاشم محمد بن أحمد بن سنان بالموصل قال: حدثنا جدي قال: حدثنا عبد الله بن أيوب بن أبي علاج قال: حدثنا أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله: ما منتهى العلم الذي إذا علمه العبد كان عالما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما.
وقع إلي جزء بخط بعض المعريين يتضمن مراثي أبي العلاء أحمد بن عبد الله ابن سليمان فقرأت فيه لأحمد بن خلف الممتع يرثيه:
قبرٌ تضمن شخص العالم العلم ... يجلّ عن لامسٍ أو لاثمٍ بفم
جادت عليه غوادي الدمع واتصلت ... بها السواري فأغنته عن الديم
وآلت الشمس لا تفنك كاسفةً ... فسوّدت غرر الأيام بالظّلم
فلو تكون على هاماتنا لمماً ... لما ألمّ بياض الشيب باللمم
نبغي السرور من الدنيا وقد قدرت ... بها الهموم على الأقدار والهمم
وما تزال بنا الآمال مائلةً ... إلى المطامع في وجدٍ وفي عدم
إذا الشبيبة بانت عن أخي أربٍ ... فلا مآرب بعد الشيب والهرم
نبكي الأقارب منّا والبكاء على ... نفوسنا واجبٌ إذ نقتدي بهم
فليت ذا الحلم منّا حين نفقده ... مخبرٌ بالذي يلقاه في الحلم
وليت من بديار الشام منزله ... ليوم رب العلى والمجد لم يشم
في قلب كل يمانٍ نازحٍ ألمٌ ... فلا يلام حليف القرب في الألم
وفي تهامة أحشاءٌ حشين أسى ... وأعينٌ كحلت بالسهد لا التهم
وقاطنون رأوا تحريم أمنهم ... على النفوس وما بانوا عن الحرم
لا ينعمون بحالٍ يظفرون بها ... من الزمان وهم حالون بالنعم
قوم إلى شرف الآباء نسبتهم ... فطيب فرعهم الزاكي بأصلهم
يرون موت ابن عبد الله عندهم ... نظير موت ابن عبد الله جدّهم
وما العراق بمذموم على جذلٍ ... لوصف أكثره بالغدر في الذمم

أبان صفحة أهل العلم فيه لمن ... رأى التصفح من عرب ومن عجم
وبثّ من علمه كتبا مصححةً ... بها أبان لهم تصحيف كتبهم
وكان أحدث ما أملاه بينهم ... يفوق أفضل ما أملى أولو القدم
فسلمت لسليمان وأسرته ... بنو الأكارم طرف العلم بالكرم
فما يصنّف علمٌ مثل علمهم ... ولا يشرف بيتٌ مثل بيتهم
تميّزوا بخلالٍ لا نظير لها ... مع الجلال جلال الحكم والحكم
وقد تضّمن عبد الله فخرهم ... فليس يوجد فخر مثل فخرهم
يريد أبا محمد عبد الله بن أبي المجد أخي أبي العلاء، وكان قاضي معرة النعمان، والقصيدة طويلة اقتصرت منها على هذا القدر، وقرأت بعدها في الجزء المذكور، وله فيه أيضاً:
أيّ بحرٍ ما كان يخشى عبابه ... وبدرّ المحار يزرى حبابه
وطريق إلى العلاء محوبٍ ... بأبيه ما ضله محتابه
يوم أفضى إلى قرار ضريح ... كل جفنٍ عليه تهمى سحابه
ما الخضمّ المحيط إلا الذي يع ... رب فيه عن الأريب ارتيابه
غاض منه ما طبّق الأرض إذ فا ... ض فلم تحم عنه طوداً شعابه
فكأن الزمان لم يبق فيه ... مذ عداة إلتقاء أو لأسرابه
ترب الدهر من وحيد بنيه ... فبعيدٌ بمثله أترابه
وتألت أن لا أتت بنظير ... بعده في صفاته أحقابه
وادعى النقص غاية الفضل إذ لا ... حكمٌ يدرء المحال صوابه
ونأى النازح الغريب الذي كا ... ن إليه نزوحه واغترابه
فعزيزٌ على المحلّ الذي حو ... ول عنه أن يغلق الدهر بابه
ولقد كان لا يخاف إذا آ ... ن أوان الحجاب منه حجابه
ويرى نازلا به كلّ من حي ... ن يروم الركوب يغش ركابه
طالباً منه ما يهون عليه ... وهو مستصعبٌ يعّز طلابه
فكأنّ الملوك تصحب للعز ... زة في كونها لديه صحابة
أدّبتها وهذّبت رأيها الثا ... قب في كلّ مذهبٍ آدابه
كلّ ملكٍ يزينه عنه ما يح ... فظ لا تاجه ولا ألقابه
لا يرّجيهٍ للثواب وإن كا ... ن جزيلاً على العفاة ثوابه
ورعٌ يؤنس الجليس ولا يؤا ... نس منه إذا يغيب اغتيابه
لم يخلّف من طول دنياه ما يح ... سب كيلا يطول فيه حسابه
أتنوخ اعقري الجياد وحطّي ... كلّ عالٍ على السها أطنابه
فلقد راح واغتدى ابن ترابٍ ... بعد حمر القباب سوداً قبابه
وإلى غير ما انتسبت إليه ... من بني يعرب الكرام انتسابه
كل يوم ترون في الحيّ كالحو ... م تراغى قرومه وسقابه
لا تظنيّ حولاً يحول فللقى ... قاضياً للآسي عليه انقضابه
واضربي في البلاد طولاً وعرضاً ... أبداً لن ترى بها أصرابه
غاب عن لدنها السنان فما تح ... دث نفعاً بعد السنان كعابه
وتعرّي من المعرّة إذ كا ... ن ذهاب الجمال عنها ذهابه
أو أقيمي بها فأكثر أسبا ... ب علاها وفخرها أسبابه
منها:
بان منيّ من كان يكثر عني ... في الخطوب التيّ تنوب منابه
إن قضى نحبه فإني من لا ... ينقضي أو إليه يفضي انتحابه
وقليلٌ لذي الكآبة والوج ... د عليه بكاؤه واكتئابه
فوشى قبره الربيع ولا زا ... ل مرّباً على ثراه ربابه
أحمد بن خليد بن يزيد بن عبد الله الحلبي:

أبو عبد الله الكندي، سمع بحلب زهير بن عباد الرواسي، وأبا نعيم عبيد بن هشام الحلبي، ومحمد بن أبي أسامة الحلبي، وعبيد بن جناد الحلبي القاضي، وأبا توبة الربيع بن نافع الحلبي، وبالثغور محمد بن عيسى الطباع، وإبراهيم بن مهد المصيصي، وإسحق بن عبد الله الأذني التميمي، وعبد الله بن السري الأنطاكي، وسعيد بن رحمة، وعبد الرحيم بن مطرف السروجي، وبدمشق عبد الله بن يزيد بن راشد الدمشقي، وبحمص أبا اليمان الحكم بن نافع، وعبد الله بن جعفر الرقي، وبالحجاز عبد الله بن الزبير الحميدي، واسماعيل بن أبي أويس، وبالعراق أبا نعيم الفضل بن دكين، وحدث بحلب عنهم، وعن محمد بن معاوية النيسابوري، وأبي الحسين يوسف بن يونس الأفطس.
روى عنه أبو جعفر أحمد بن اسحق بن يزيد قاضي حلب، وأبو بكر محمد ابن الحسين بن صالح السبيعي الحلبيان، وأبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف بن بريد الكوفي، وأبو الحسن علي بن أحمد بن علي المصيصي، وأبو بكر أحمد ابن مروان المالكي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، وأبو عبد الله عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله، وعمر بن محمد بن سليمان العطار نزيل مصر، وأبو زرعة أحمد بن شبيب الصوري، وأبو عبد الله أحمد بن جعفر بن أحمد الحاضري الحلبي وأبو بكر محمد بن بركة برداعس القنسري، وأحمد بن سعيد بن أم سعيد.
حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن هلالة الأندلسي قال: أخبرنا أسعد بن أبي سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية.
وأخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن معمر بن عبد الواحد ابن الفاخر الأصبهاني بها قال: أخبرتنا خجسته بنت علي بن أبي ذر الصالحانية، وفاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية، قالتا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة الضبي قال: أخبرنا الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال حدثنا أحمد بن خليد الحلبي أبو عبد الله بحلب سنة ثمان وسبعين ومائتين.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمود بن عبد الله بن محمد بن يوسف الملثم بالقاهرة قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن سعود البوصيري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن عمر الموصلي الفراء.
قال لنا أبو عبد الله: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي قال: أخبرنا أبو الحسن الفراء إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن بن اسماعيل الضراب قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال: حدثنا أحمد بن خليد الكندي قال: حدثنا يوسف بن الأفطس أخو أبي مسلم المستلمي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة دعا الله عز وجل عبداً من عبيده فيوقف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.
قال أبو القاسم الطبراني: لم يروه عن عبد الله بن دينار إلا سليمان بن بلال تفرد به يوسف بن يونس.
أنبأنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي ابن أبي العلاء قال: حدثنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي أن أبا الحسن الدارقطني ذكر هذا الحديث، يعني حديث الجاه فقال: يوسف بن يونس الأفطس ثقة، وهو أخو أبي مسلم المستملي، وأحمد بن خليد ثقة أيضاً.
قال أبو الحسن الدارقطني، وحدثني الحسن بن أحمد بن صالح الحافظ الحلبي أن هذا الحديث كان في كتاب أحمد بن خليد عن يوسف بن يونس عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وقد درس متنه ودرس اسناد الحديث الذي بعده، وبعده هذا الكلام فكتبه بعض الوراقين عنه، وألزق اسناد حديث سليمان بن بلال إلى هذا المتن.

حدثنا يحيى بن عقيل بن شريف بن رفاعة بن غدير السعدي قال: أخبرني جدي لأمي وهو عم أبي أو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي قال: أخبرنا أبو الحسن الخلعي قال: أخبرنا أبو العباس الاشبيلي، قال: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن اسحق قال: حدثنا أحمد بن خليد بن يزيد الحلبي قال: حدثنا محمد بن معاوية النيسابوري قال: حدثنا الوليد بن بكير عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة الصوم والصلاة تؤجروا وتجبروا وترزقوا وتنصروا.
وذكر أبو حاتم محمد بن حيان البستي في تاريخ الثقات في الطبقة الرابعة قال: أحمد بن خليد أبو عبد الله الحلبي، يروي عن أبي اليمان، وقد سمع أبو اليمان صفوان بن عمرو وحريز بن عثمان وقدرويا جميعا عن عبد الله بن بسر، مات بعد الثمانين.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله بن مندة قال: أحمد بن خليد الحلبي حدث عن أبي نعيم مات بعد الثمانين.
أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي في كتابه إلينا قال: أخبرنا رجاء بن حامد بن رجاء البعداني عن أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد العميري قال: أخبرنا أبو يعقوب اسحق ابن ابراهيم القراب قال: سمعت منصور ابن عبد الله يقول: سمعت علي بن محمود بن داود بن أبي الفهم القاضي التنوخي يقول: توفي أحمد بن خليد بن يزيد الكندي سنة تسع وثمانية ومائتين.
من اسم أبيه خليفة من الأحمدين
أحمد بن خليفة الحلبي:
حدث.... روى عنه أبو العباس أحمد بن جعفر بن نصر الجمال الرازي
أحمد بن خليفة الهراس المقرىء:
امام جامع معرة النعمان، كان مقرئا صالحا مرضي الطريقة محمود السيرة.
قرأت قي تاريخ أبي غالب همام بن المهذب وفيها - يعني سنة ست وعشرين وأربعمائة - توفي أبو القاسم علي بن عبد الله بن الحسن بن عبد الملك الطبيب المعروف بالمنجم إمام المسجد الجامع بالمعرة، وقدم بعده أحمد بن خليفة الهراس، وكان صالحا محمودا يقرأ للسبعة روايات، قال: وفيها - يعني سنة ثلاثين - توفي أحمد بن خليفة امام الجامع بمعرة النعمان، وقدم ولده خليفة.
أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى الشافعي أبو العباس الخويي:
القاضي، فقيه فاضل حسن الصورة كامل الأوصاف، قدم علينا حلب، وتولى بها الإعادة بالمدرسة السيفية ومدرسها إذ ذاك القاضي زين الدين أبو ذر عبد الله ابن شيخنا عبد الرحمن بن علوان، وسمع بحلب جماعة من شيوخنا مثل قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي وغيرهما.
وأقام بها مدة ثم سار منها إلى دمشق، وحضر مجلس الملك المعظم عيسى بن الملك العادل صاحبها فأعجبه كلامه، ونفق عليه وارتفعت حاله عنده إلى أن ولاه القضاء بدمشق والتدريس بالمدرسة العادلية، فسلك أحسن المسالك والطرق في القضاء، ولازم العفة والصلاح، وحمدت طريقته، وشكرت سيرته، ولم تزل منزلته ومرتبته ترتفع إلى أن مات الملك المعظم عيسى، وولي ابنه صلاح الدين داود دمشق فاستمر في القضاء على حاله، إلا أن داود بن عيسى ولى القضاء أيضاً معه القاضي محي الدين يحيى بن محي الدين محمد بن الزكي، ونزل الملك الكامل محمد والملك الأشرف موسى على دمشق وحصراها وفتحاها، وسلمت إلى الملك الأشرف موسى، فعزل ابن الزكي عن القضاء واستمر شمس الدين أحمد الخويي على قضاء القضاة في سنة سبع وعشرين وستمائة.

وسمت نفسه إلى حفظ القرآن العزيز ولم يكن يحفظه، فحدثني جماعة بدمشق أنه ألزم نفسه بحفظه حتى حفظه جميعه، وكان يقرأه وهو قاضي القضاة على بعض القراء بدمشق، فكان يجلس بين يديه وهو قاضي القضاة بجامع دمشق كما يجلس التلميذ بين يدي الاستاذ، ثم إنه رغب عن القضاء ومال إلى الزهد والانقطاع، وطلب من الملك الأشرف إلا قالة من القضاء، وأن يأذن له في الحج، فأجابه إلى ذلك، وحج إلى بيت الله الحرام، وأرسله الملك الأشرف في رسالة إلى سلطان الروم كيقباذ بن كيخسرو، فتوجه إليه، واجتاز علينا بحلب في سنة أربع وثلاثين وستمائة، ثم انه ولي القضاء بعد ذلك مرة ثانية، فبقي قاضيا بها، ومرض مرضة بحمى السل، وتولي بدمشق في سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وكنت إذ ذاك رسولا بمصر فبلغتين وفاته وأنا بها، وكان بيني وبينه اجتماع ومخالطة بحلب ودمشق، وسمع معي بحلب الحديث وكان حسن العشرة حلو العبارة في بحثه، موفقا في أحكامه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يراعي في أحكامه ذا سلطان لسلطانه ولا ذا جاه لجاهه، بل يجري على سنن الحق وطريق العدل.
وكان قد سمع بنيسابور المؤيد بن محمد بن علي الطوسي، وحدث عنه بدمشق بشيء يسير، وصنف عده تصانيف منها كتاب في تفسير سورة الاخلاص، وكتاب في الفرائض وتعليلها وبيان الحكمة في مقاديرها، وكتاب في النفس.
وأخبرني ولده أنه توفي في السابع من شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وأخبرني جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الصابوني قال: سألت القاضي شمس الدين الخويي عن مولده، فقال: في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائه بخوي، وذكر غيره في شوال.
وقرأت بخط عبد العزيز بن عثمان الاربلي: توفي قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى الخويي يوم السبت سابع شعبان سنة سبع وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بسفح جبل قاسيون، وولي قضاء دمشق يوم الاثنين سابع شهر ذي القعدة من سنة خمس وثلاثين وستمائة، يعني الولاية الثانية.
ذكر حرف الدال في آباء الأحمدين
ذكر من اسم أبيه داود
أحمد بن داود بن هلال:
أبو طالب القاضي، قاضي أذنة، حدث بالمصيصة وغيرها عن محمد بن حرب المديني، وأسد بن محمد الخشاب، روى عنه أبو حاتم محمد بن حبان البستي، وأبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش.
أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الصوفي في كتابه إلينا من هراة قال: أخبرنا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجرجاني قال: أخبرنا البحاثي قال: أخبرنا أبو الحسن الزوزني قال قال: أخبرنا أبو حاتم بن حبان قال: أخبرنا أبو طالب أحمد بن داود بن هلال بالمصيصة قال: حدثنا محمد بن حرب المديني قال: حدثنا اسحق الفروي عن مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقال نادما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة. قال أبو حاتم: ما رواه عن مالك إلا اسحق.
قرأت في كتاب القضاة تأليف الحافظ أبي محمد عبد الغني بن سعيد المصري، من نسخة منقولة من خطه، قال: أحمد بن داود بن هلال، أبو طالب، قاضي أذنة، روى عن أسد بن محمد الخشاب حديثا غريبا حدثناه أبو بكر النقاش قال: حدثنا أبو طالب، وسماه أحمد بن داود بن هلال، قال: حدثنا أسد بن محمد الخشاب قال: حدثنا أبو عثمان الصياد قال: حدثنا أبو اسحق الفزاري عن الاوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام أحب إلى الله عز وجل العمل فيهن من أيام العشر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل.
أحمد بن داود المكي:
سمع بحلب محمد بن أبي أسامة الحلبي، روى عنه أبو القاسم الطبراني. أخبرنا يوسف بن خليل قال: أخبرنا أبو سعيد خليل بن بدر بن ثابت الصوفي قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن داود المكي قال: حدثنا محمد بن أبي أسامة الحلبي، وحدثنا أبو أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة قال: حدثني أبي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة عن السري بن يحيى عن عبد الكريم بن رشيد عن ابن الشخير عن أبيه قال: كنت أسمع للنبي صلى الله عليه وسلم أزيزا بالدعاء وهو ساجد كأزيز المرجل.

أحمد بن دبيس الاحصي:
أبو العباس المعروف بابن عادب، شاعر من أهل الأحص، كان بحلب في أيام أتابك زنكي بن أقسنقر، قرأت له أشعارا بخط الاستاذ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي الحلبي وأنبأنا بها المؤيد بن محمد بن علي الطوسي عنه. منها:
خاطر فما المجد إلاّ بين أخطار ... وادلج فإن العلى للمدلج الساري
واضرب غواربها في كل مهلكةٍ ... تفز بعزّ مقيم غير سيّار
ولا ترحها فمن بعد الكلال لها ... بالنجع راحة نفّاع وضرّار
وارخ الرواسم أو تدمى المناسم في ... طلاب ثار العلى إن كنت ذا ثار
العجز يفرس أهليه الهوان كما ... أن العلى في قرابيسٍ وأكوار
وإن تطاول حرمانٌ كما اغترضت ... عوائقٌ دون اغراضٍ وايثار
المجد لا يقتضيه الماجدون إذا ... ما اعتاص إلا بماضي الحدبتار
وارم الخطار إلى العلياء مقتحما ... وناجها بعوالي كل خطّار
واصدع جلابيب هذا اللّيل مقتدحاً ... متى ظللت زناد العزمة الواري
ولا ترق لمحبوبٍ تفارقه ... ولا تعرّج على ربعٍ ولا دار
أحمد بن دهقان:
أبو بكر الحافظ، كان يسكن الحدث، مدينة من الثغور قد ذكرناها. في صدر كتابنا هذا، ودهقان لقب، واسمه الفضل، وإنما ذكرناه هاهنا لأنه جاء في بعض الأسانيد هكذا، وسنذكر ترجمته في حرف الفاء من آباء الأحمدين إن شاء الله تعالى.
ذكر حرف الذال في آباء الأحمدين
أحمد بن ذكر بن هارون بن إسحق بن إبراهيم البجلي:
أبو العباس، سمع بمعرة النعمان أبو الفتح محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد ابن روح المعري، وكيل أبي الطيب المتنبي، وحدث عنه بعكا، روى عنه أبو زكريا عبد الرحيم بن نصر بن الحافظ البخاري.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل إذنا قال: أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف المصري قال: أخبرنا أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر الحافظ البخاري قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن ذكر بن هرون بن إسحق بن إبراهيم البجلي بعكا قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن روح المعري قال: حدثنا عم أبي البهيء ميمون بن أحمد بن روح قال: حدثنا عبيد بن خلصة قال: حدثنا مالك بن يحيى القلانسي عن يعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه النابغة، فأنشده شعراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، قال: فعاش النابغة عشرين ومائة سنة لم تسقط له سن
أحمد بن ذوالة المصيصي.
أنبأنا عبد الجليل بن أبي غالب قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن مندة قال: أخبرنا أبي أبو عبد الله بن مندة قال: أحمد بن ذوالة المصيصي حدث عن أحمد بن خالد الوهبي، روى عنه أحمد بن رشدين.
أحمد ذو غباش القائد:
كان من قواد خمارويه بن أحمد بن طولون، وولاه حلب بعد السبعين والمائتين بعد ولاية محمد بن العباس بن سعيد الكلابي.
وقع إلي جزء بخط أبي منصور هبة الله بن سعد الله بن سعيد بن الجبراني والد شيخنا تاج الدين أحمد بن هبة الله، يتضمن ذكر ولاة حلب، وكان أديباً وله عناية بالتاريخ.
قال في هذا الكتاب - ونقلته من خطه - : ثم تنقلت الحال بمحمد بن عباس إلى أن ولي حلب من ابن طولون، ثم ولي حلب بعده ابن ذو غباش، وكان من قواد الطولونية، ثم وليها بعده محمد بن ديوداد بن أبي الساج.
ويقال فيه أحمد بن يد غباش، وسنذكره إن شاء الله.
ذكر حرف الراء في آباء الأحمدين
أحمد بن راشد بن أبي الحسن:
أبو العباس الديار بكري ثم الحلبي، سكن حلب وأقام بها، وسمع بها جماعة منهم: يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي، وأبو الفضل محمد ابن يوسف الغزنوي وغيرهما.
وكان رجلاً كيساً، عنده محاضرة ومجالسة، كتب عنه الشريف ادريس بن الحسن الادريسي فوائد، وأجاز لشيخنا أبي محمد عبد الله بن عمر بن حموية، وحدثنا عنه بتلك الإجازة.

أخبرنا شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله بن عمر بن حموية بدمشق قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن راشد بن أبي الحسن في كتابه إلينا من حلب قال: أخبرنا يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي بحلب في ذي الحجة من سنة سبع وخمسين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري.
وأخبرنا عاليا تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا أبو الحسن عل بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني قال: حدثنا أبو بكر أحمد جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قال: حدثنا ادريس بن عبد الكريم المقريء قال: حدثنا خلف بن هشام قال: حدثنا اسماعيل بن عياش بن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عقبة بن عامر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة.
أحمد بن رستم بن كيلان شاه:
الديلمي الأصل، الدمشقي المولد أبو العباس الشافعي، وكان أبوه يعرف باسباسلار، شيخ حسن فقيه، أديب، شاعر، ناثر، أمين، ثقة.
قدم حلب، وأقام بها مدة في صحبة أبي محمد طاهر بن جهبل الحلبي المعروف بالمجد، وتفقه عليه بها، وولاه ابن جهبل وقف المدرسة النورية المعروفة بالنفري، وانتقل ابن جهبل إلى البيت المقدس، فانتقل في صحبته ولم يفارقه. وأقام بالبيت المقدس بعد وفاته، وصار من المعدلين بها.
ولم هدم الملك المعظم أسوار البيت المقدس في سنة خمس عشرة وستمائة خرج من البيت المقدس، وانتقل إلى دمشق وسكنها إلى أن مات.
وكان قد سمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز الأزدي، ومن أبي علي الحسن بن هبة الله بن يحيى المعروف بابن البوقي الواسطي، ومن أبي محمد القاسم بن علي بن الحسن الحافظ؛ وسمع بمصر من أبي الطاهر اسماعيل بن ياسين المقريء، وأبي القاسم البوصيري وأبي عبد الله بن حمد الأرتاحي، وفاطمة بنت سعد الخير، وغيرهم.
إجتمعت به بالبيت المقدس وكتبت عنه الجزء الأول من حديث ابن سختام بروايته عن أبي الفهم بن أبي العجائز، وجزاً من روايته عن أبي علي بن البوقي، وجزءاً يتضمن عدة قصائد ومقاطيع من شعره، وخطبة من انشائه.
وأخبرني رفيقنا الحافظ إبراهيم بن الأزهر الصريفيني أن مولد شيخنا أحمد ابن اسباسلار رستم في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بدمشق.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن اسباسلار رستم بن كيلان شاه الديلمي الدمشقي قال: أخبرنا أبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أبي العجائز الأزدي بجامع دمشق قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن ابراهيم الحنائي قال: قرىء على أبي الحسن علي بن ابراهيم بن نصرويه بن سختام الفقيه السمرقندي، قدم علينا دمشق طالباً للحد فأقر به، قيل له: حدثكم الشيخ والدك أبو اسحق إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن هرثمة بن اسحق بن عبد الله قال: حدثنا أبو علي محمد بن محمد بن محمد بن الحارث الحافظ عن علي علي اسماعيل الخجندي، وفتح بن عبيد قالا: حدثنا علي بن اسحق عن محمد بن مروان عن الكلبي عن عامر بن خليفة الأنصاري عن الحسن عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في القيامة لثلاث ساعات يشتغل فيها المرء عن ولده وعن والده وعن من في الأرض جميعاً حتى يعلم في أي الفريقين يكون

أخبرنا الفقيه أبو العباس أحمد بن رستم قراءة عليه بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن هبة الله بن يحيى المعروف بابن البوقي الواسطي، قال: حدثنا والدي شيخ الاسلام أبو جعفر هبة الله قال: قرىء على الشيخ أبي نعيم محمد بن ابراهيم بن محمد بن خلف الجماري، فأقربه وأنا حاضر أسمع قيل له: أخبركم أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطار قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ الواسطي، الملقب بابن السقا، قال: حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال: حدثنا مسدد بن مسرهد قال: حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني حتى حدثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وصدق أبو بكر، وكان إذا حدثني بعض أصحابنا حديثا استحلفه فإن حلف لي صدقته، وانه حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يستغفر الله عز وجل لذلك الذنب الاغفر له.
أنشدني أبو العباس أحمد بن رستم بن كيلان شاه الديلمي لنفسه في الغزل:
شهرت من لحظها لي مرهفين ... يوم زمّت عيسها بالمازمين
عرفت في عرفاتٍ وانثنت ... بشعار النسك نحو المشعرين
وأفاضت فأفاضت عبرتي ... حاتة الأعمال بين العلمين
لمنىً ثم رمت خاذفة ... جمرةً أذكت بقلبي جمرتين
ثم طابت نفسها في طيبةٍ ... إذ ألبت سحراً باللابتين
حرمت عيني الكرى وادعةً ... حين ولت من وداع الحرمين
ليتها إذ عذبتني بالقلا ... سمحت مالكتي بالأعذبين
كلما استنجدت فيها عزمةً ... لسلوٍ فترت بالفاترين
كيف أسلو والهوى لمحة عين ... أودعتني عارضاً من عارضين
من مجيري من هواها فلقد ... حجب النوم قسيّ الحاجبين
أعرضا عني فما ينفعني ... طب بقراط ولا رأي الشفتين
قد رآني قاضيا حق الصبي ... بحقاق حملت عنبرتين
واعجبا مني ومن معجبة ... بنت تسع وثلاث واثنتين
وأنشدني أحمد بن رستم الشافعي لنفسه:
ربّ كاس عار من الآداب ... همه ما يشيده للخراب
يتباهى بثوبه وثرى الم ... ال وجسم يبلى وعيش لباب
مهملا أمر دينه ليس يدري ... أن هذا جميعه للذهاب
وأنشدني لنفسه:
اشتدي أزمة تنفرجي ... فالضيق منوط بالفرج
والعمر يؤول إلى يسر ... والروح تراح من الحرج
مذ لاح بياض في لمم ... من بعد سواد كالسبج
فاسمع يا صاح وصية من ... في زور الباطل لم يلج
اعلم واعمل بالعلم لكي ... تسمو في الخلد ذرى الدرج
لا ترض أخاك وتوسعه ... مكراً فالبهرج لم يرج
لا ترم الناس بمعضلة ... يرموك بقاصمة الثبج
إياك فلا تك معتذرا ... للاّئم من أمر مرج
إياك وعيب سواك وكن ... ما عشت بعيبك ذا لهج
والخلّ فواس بما ملكت ... كفاك بلا خلق سمج
أخبرني محب الدين أبو عبد الله محمد بن النجار أن شيخنا أبا العباس أحمد بن رستم الدمشقي توفي بها يوم الجمعة الرابع عشر من ذي الحجة من سنة إحدى وعشرين وستمائة، ودفن بجبل قاسيون.
أحمد بن رضوان:
أبو الفضل البرمكي، سمع بحلب أبا الحسن علي بن أحمد الجرجاني نزيل حلب، روى عنه أبو محمد الحسن بن محمد الأنطاكي الوراق.

أنبأنا أبو القاسم بن يوسف المعري عن أبي طاهر السلفي، ونقلته من خطه، قال: أخبرنا الشيخ أبو القاسم يوسف بن ابراهيم بن يوسف بن بكران النشوي، بالنشوى، قال: أخبرنا القاضي أبو الحسين ابراهيم بن حمكان بن محمد النشوي قال: حدثنا أبي قال: حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الأنطاكي الوراق قال: حدثني أبو الفضل أحمد بن رضوان البرمكي قال: حدثنا أبو الحسن عل بن أحمد الجرجاني قال: حدثنا عمرو بن علي الصيرفي يقول: سمعت معاذ بن معاذ يقول: كنا عند هشام بن حسان ذات يوم فذكر ابن عون فقال: لأحدثنكم عن رجل والله ما رأت عياني مثله قط، فقلت: من تقول القاسم بن محمد أو محمد بن سيرين؟ قال: ذاك القائم يصلي، قال: فإذا هو ابن عون قائم يصلي إلى سارية.
أحمد بن رمضان المصري:
أبو العباس، حدث بطرسوس عن أحمد بن محمد بن سلام البغدادي، وأحمد بن شعيب، والعباس بن محمد بن العباس المصري، ومحمد بن مخلد العطار، روى عنه أبو عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان.
قرأت بخط أبي عمرو الطرسوسي القاضي، حدثنا أبو العباس أحمد بن رمضان المصري قراءة عليه ونحن ماشيان في صحن المسجد الجامع بطرسوس، فذكر حديثا.
أحمد بن روح بن زياد بن أيوب:
أبو الطيب البغدادي الشعراني سمع بأنطاكية عبد الله بن خبيق ابن سابق الأنطاكي، وحدث عنه، وعن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، ومحمد بن حرب النشائي، والربيع بن سليمان، والحسن بن محمد الزعفراني، ومحمد بن يزيد بن ماجة القزويني، والحسن بن عرفة.
روى عنه القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم العسال، وحبيب بن الحسن القزاز، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وأحمد بن بندار بن اسحق الشعار، وعبد الرحمن بن منصور بن سهل بن أبي طالب.
أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن هلالة الأندلسي قال: أخبرنا أسعد بن أبي سعيد الأصبهاني قال: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية قالت: أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال: حدثنا أحمد بن روح الشعراني ببغداد قال: حدثنا عبد الله بن خبيق الأنطاكي قال: حدثنا الأنطاكي قال: حدثنا يوسف بن أسباط قال: حدثنا سفيان عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن روح ابن زياد بن أيوب، أبو الطيب الشعراني، حدث عبد الله بن خبيق الأنطاكي، ومحمد بن حرب النشائي، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني.
روى عنه القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن ابراهيم العسال، وأحمد بن بندار بن اسحق الشعار الأصبهانيان، وأبو القاسم الطبراني.
أنبأنا أبو اليمن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال: قال لنا أبو نعمي أحمد بن روح بغدادي، قدم أصبهان قبل سنة تسعين ومائتين، له مصنفات في الزهد والأخبار.
ذكر حرف الزاي في آباء الأحمدين
أحمد بن زرقان:
أبو بكر المصيصي: حدث عن حسين بن الفرج الخياط، روى عنه أبو علي الحسن بن حبيب.
أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي:
أبو الحسن، حدث عن أحمد بن شيبان الرملي، ومحمد بن سليمان بن هشام البصري، واسماعيل بن حمدويه البيكبدني، وابراهيم بن محمد بن بزة الصنعاني، ومحمد بن حماد الطهراني، وابراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق.
روى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد بن جميع الغساني، وأبو عبد الله محمد بن مندة الأصبهاني، ومحمد بن يوسف بن يعقوب الرقي، وأبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن الحسن الكرخي، وأبو الحسن علي بن محمد بن اسحق الحساني، وتمام بن محمد بن أحمد الرازي.
وروى عنه تمام أيضا مناولة فقال: أخبرني أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي مناولة وهو مار إلى الرقة، ففي مروره من دمشق إلى الرقة اجتاز بحلب أو ببعض عملها.

أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني قال: أخبرنا أبو الحسن بن المسلم قال: أخبرنا أبو نصر بن طلاب قال: أخبرنا أبو الحسين بن جميع قال: أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب أبو الحسن المقدسي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شيبان قال: حدثنا مؤمل بن اسماعيل قال: حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة.
روى الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن هذا الحديث من طريق ابن جميع وقال عقيبه: كذا قال، والمحفوظ أن كنية أحمد بن شيبان أبو عبد المؤمن.
أحمد بن زياد بن يوسف:
أبو بكر الحلبي، حدث بها عن سهل بن صالح الأنطاكي، روى عنه أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو القاسم ذاكر بن كامل بن أبي غالب قال: أنبأنا أبو الوفاء عقيل بن محمد بن عقيل قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن زيد بن يوسف الحلبي بحلب قال: حدثنا سهل بن صالح قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة، أراه رفعه، أن رجلا مر بكلب على رأس قليب يلهث فنزع خفه فسقاه فغفر له.
السري قال: كان بالبصرة شاب متعبد، وكانت عمة له تقوم بأمره، فأبطأت عليه مرة، فمكث ثلاثة أيام يصوم ولا يفطر على شيء، فلما كان بعد ثلاث قال: يا رب رفعت رزقي، فألقي إليه من زاوية البيت مزود ملىء سويق، فقيل له: هاك يا قليل الصبر.
ذكر حرف السين في آباء الأحمدين
أحمد بن سطحان اليماني:
حدث بطرسوس عن علي بن إبراهيم الناقد، وأبي حمد أحمد بن عبد الله الأصبهاني، وعبيد الله بن محمد بن العباس بن الفضل اللحام.
روى عنه أبو عمرو عثمان بن عبد الله بن ابراهيم الطرسوسي قاضي معرة النعمان.
أحمد بن سعد بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف:
أبو ابراهيم الزهري، خرج إلى جبل اللكام والثغور، وتردد في نواحيها، ودخل المصيصة، وكان من العباد المذكورين ويقال إنه كان من الأبدال.
حدث عن علي بن الجعد، وأبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن، ومحمد ابن سلام الجمحي، وهشام بن عمار، وعفان بن مسلم، وابراهيم بن يحيى بن أبي المهاجر، وسعيد بن حفص الحراني، وابراهيم بن الحجاج، ودحيم، وإسحق بن موسى الأنصاري، ويحيى بن عبد الله بن بكير ويحيى بن سليمان الجعفي، وعبيد بن إسحق العطار، وعبد العزيز بن عمران، وعلي بن بحر بن بري.
روى عنه أبو العباس الأصم، وأبو القاسم البغوي، وأبو عوانه يعقوب بن إسحق الإسفرائيني، والحسين بن اسماعيل المحاملي، وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وأبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الحكيمي، واسماعيل بن محمد الصفار، وأبو القاسم الحذاء الحربي، والقاسم بن زكريا المطرز، ومحمد بن مخلد الدوري.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني في كتابه إلينا من مرو غير مرة قال: أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي قراءة عليه.

وأخبرنا أبو بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار في كتابه إلينا من نيسابور قال: أخبرنا الشيخان أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد ابن أبي القاسم القشيري قراءة عليه وأنا أسمع، وأبو البركات الفراوي إجازة، قال أبو البركات: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبد الله المحمي. وقال أبو الأسعد: أخبرنا ابو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري قالا: أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفرائيني قال: أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن اسحق بن ابراهيم قال: حدثنا أبو ابراهيم الزهري - وكان من الأبدال - قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا شعيب بن اسحق قال: حدثنا الأوزاعي قال: أخبرني يحيى بن أبي كثير أن عمرو بن يحيى أخبره عن أبيه يحيى بن عمارة أنه سمع أبا سعيد الخدري يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس أوراق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.
وقال أبو عوانة في حديث ذكره: قلت لابن خراش - يعني عبد الرحمن بن خراش - : أخاف أن يكون أبو إبراهيم غلط على علي بن الجعد، فقال: أبو إبراهيم كان أفضل من علي بن الجعد كذا وكذا مرة، أحسبه قال: مائة مرة.
أنبأنا أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي قال: أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الخطيب قال: أخبرنا أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الآزجي قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم قال: حدثنا عثمان بن الحسين قال: حدثنا أبو القاسم الحربي الحذاء قال: حدثني أبو إبراهيم الزهري قال: كنت جائياً من المصيصة فمررت باللكام، فأحببت أن أراهم، فقصدتهم، ووافيت صلاة الظهر، قال: وأحسبه رآني منهم إنسان عرفني، فقلت له: فيكم رجل تدلوني عليه؟ فقالوا: هذا الشيخ الذي يصلي بنا، فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر، فقال له ذلك الرجل: هذا من ولد عبد الرحمن بن عوف، وجده أبو أمه سعد بن معاذ، قال: فبش بي وسلم علي كأنه كان يعرفني، فقلت له: من أين تأكل؟ فقال: أنت مقيم عندنا؟ قلت: الليلة، ثم جعل يحدثني ويؤانسني، ثم جاء إلى كهف فدخل، وقعدت وأخرج قعباً فوضعه، ثم جعل يحدثني حتى إذا كادت أن تغرب، اجتمع حواليه ظباء، فاعتقل منها واحدة، فحلبها حتى ملأ ذلك القدح، ثم أرسلها، فلما سقط القرص جئناه، ثم قال: ما هو غير ما ترى.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن فيما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: سمعت أبي يقول: مضى عمي أبو إبراهيم الزهري إلى أحمد بن حنبل فسلم عليه، فلما رآه وثب إليه، وقام إليه قائماً وأكرمه، فلما أن مضى قال ابنه عبد الله: يا أبة، أبو إبراهيم شاب، وتعمل به هذا العمل، وتقوم إليه؟! فقال له: يا بني لا تعارضني في مثل هذا، ألا أقوم إلى ابن عبد الرحمن بن عوف ! قال أبو بكر الخطيب: وكان - يعني أحمد بن سعد - مذكوراً بالعلم والفضل موصوفاً بالصلاح والزهد، ومن أهل بيت كلهم محدثون.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أنبأنا محمد بن أحمد رزق قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكى قال: أخبرنا محمد بن اسحق السراج قال: حدثنا أبو إبراهيم أحمد بن سعد الرضا.
وقال أبو بكر: أخبرني الأزهري قال: حدثنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن سعد الزهري، وكان ثقة.

أنبأنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ قال: أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إبراهيم الزهري، سمع بدمشق سليمان بن عبد الرحمن، وهشام بن عمار، وعبد الرحمن ابن إبراهيم دحيماً، وإبراهيم بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وبمصر يحيى بن عبد الله بن بكر، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، ويحيى ابن سليمان الجعفي، وبالعراق علي بن الجعد، وعلي بن بحر بن بري، ومحمد ابن سلام الجمحي، وعبيد بن اسحق العطار واسحق بن موسى الأنصاري، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وعفان بن مسلم، وسعيد بن حفص الحراني خال النفيلي.
روى عنه البغوي، وابن صاعد، والحسين المحاملي، وابن مخلد، وأبو عوانه الإسفرائيني وأبو الحسين بن المنادي، واسماعيل بن محمد الصفار، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي، والقاسم بن زكريا المطرز، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري وغيرهم، وكان يعد من الأبدال، وسكن بغداد، وخرج إلى الثغر.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا محمد بن العباس قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال: وأبو إبراهيم أحمد بن سعد بن إبراهيم القرشي ثم الزهري، كان معروفاً بالخير والصلاح والعفاف إلى أن مات.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرنا أحمد ابن جعفر قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: قال عبد الله بن محمد البغوي: سنة ثلاث وسبعين - يعني - ومائتين فيها مات أبو إبراهيم الزهري.
وقال أبو بكر: أخبرنا محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا محمد بن العباس قال: قرىء على ابن المنادي وأنا أسمع قال: أبو إبراهيم أحمد بن سعد بن إبراهيم الزهري توفي يوم السبت ودفن يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة ثلاث وسبعين، وقد بلغ خمساً وسبعين سنة، كان ميلاده سنة ثماني وتسعين ومائة، ودفن في مقبرة التبانيين.
من اسم أبيه سعيد بن الأحمدين
أحمد بن سعيد بن الحسن بن النضر الشيحي:
أبو العباس الشامي: وهو جد عبد المحسن بن محمد بن علي الشيحي التاجر لأمه.
وهو من أهل شيح بني حية بالقرب من بزاعا، أو من شيح الحديد بالقرب من الدربساك وكلتاهما من أعمال حلب.
وأخبرنا أبو المظفر السمعاني كتابة عن أبيه أبي سعد الإمام، قال في كتاب الأنساب: الشيحي بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها حاء مهملة مكسورة، هذه النسبة إلى شيحة وهي قرية من قرى حلب، وذكر منها جماعة منهم: أحمد بن سعيد الشيحي.
قلت: ولا أعرف في قرى حلب قريه يقال لها شيحه، اللهم إلا أن يكون في بلد منبج فإن بها قرية يقال لها شيحه، والذي يغلب على ظني أني أحمد ابن سعيد من شيح بني حية من وادي بطنان بالقرب من بزاعا.
حدث أحمد الشيحي عن أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون الحلبي المقرىء، وأبي علي الحسن بن موسى الثغري، وأبي القاسم شهاب بن محمد بن شهاب الصوري، وأبي أحمد محمد بن محمد بن عبد الرحيم الزاهد.
روى عنه الإمام القادر أبو العباس أحمد بن اسحق أمير المؤمنين، وأبو طالب محمد بن علي العشارين وأبو محمد إبراهيم بن الخضر الصائغ، وأبو أحمد عامر ابن أحمد بن محمد السلمي، وأبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن العباس الهاشمي.

أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن محمود بن الحسين الساوي الصوفي بالقاهرة قال: أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي - قلت: وقرأته بخطه - قال: أخبرني أبو المجد صمصام بن عساكر بن يعقوب الكاتب بالاسكندرية، قال: أخبرنا يحيى بن أبي مغيث اللخمي قال: كتب إلي عبد السلام بن عبد العزيز ابن محمد الهاشمي من البصرة: حدثنا أبو الحسن بقية بن عبد الله بن محمد الزاهد إملاءً في مسجده بقسامل، وهو مجلس أملاه، قال: أخبرنا الإمام أبو العباس أحمد بن اسحق القادر بالله أمير المؤمنين إجازة قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الشيحي قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن عبد الرحيم الزاهد قرأت عليه، قلت له: حدثك أبو الحسن علي بن سعيد صاحب أبي بكر بن دانيار قال: حدثني أبو المؤمل العباس بن الفضل قال: حدثنا أبو عتبة قال حدثنا بقية قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل علي القرآن كلام الله غير مخلوق.
أنبأنا أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال: أنبأنا أبو علي محمد بن محمد بن المهدي قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن سعيد الشيحي المعدل قال: حدثنا أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون المقرىء قال: قال الحسين بن خالويه: كنت عند سيف الدولة وعنده ابن بنت حامد فناظرني على خلق القرآن، فلما كان تلك الليلة نمت، فأتاني آت فقال: لم لم تحتج عليه بأول القصص طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك، والتلاوة لا تكون إلا بالكلام.
قرأت بخط أبي طاهر السلفي، وأخبرنا عنه جماعة من شيوخنا إجازة قال: أبو العباس أحمد بن سعيد الشيحي، كتب عن أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله ابن غلبون المقرىء الحلبي بمصر، وأبي أحمد محمد بن عبد الرحيم الزاهد القيسراني المعروف بابن أبي ربيعة بقيسارية، وعن غيرهما؛ روى عنه أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاوي، وآخرون من أهل بغداد، وكان استوطنها.
وهو من أهل الشام، وقد روى عنه الإمام القادر بالله أبو العباس أحمد بن اسحق أمير المؤمنين.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: قال لنا أبو بكر الخطيب: أحمد بن سعيد، أبو العباس الشامي يعرف بالشيحي، سكن بغداد وحدث بها عن عبد المنعم بن غلبون المقرىء وغيره؛ وله كتاب مصنف في الزوال وعلم مواقيت الصلاة، حدثناه عنه محمد بن علي بن الفتح الحربي.
وكان ثقة، صالحاً ديناً، حسن المذهب، وشهد عند القضاة وعدل، ثم ترك الشهادة تزهداً.
وذكر لي أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي الخطيب أنه مات في ذي القعدة من سنة ست وأربعمائة، قال: ودفن بباب حرب.
أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة:
ابن مسلم بن عمرو بن الحصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخير بن قضاعى ابن هلال بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس ابن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الباهلي.
ولاه الواثق على الثغور والعواصم في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وأمره بحضور الفداء مع خاقان الخادم، وصاحب الروم ميخائيل بن توفيل، فخرج على سبعة عشر من البريد على قدم، وأمضى الفداء، وبلغ عدة المسلمين أربعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وستين إنساناً.
فلما انقضت المدة بين خاقان والروم، وأربعون يوماً، غزا أحمد بن سعيد بن سلم شاتياً، فأصاب الناس الثلج والمطر، فمات منهم قدر مائتين إنسان، وغرق منهم في البذبذون قوم كثير وأسر منهم نحواً من مائتين، فوجد الواثق عليه لذلك، وعزله وعقد لنصر بن حمزة الخزاعي في جمادي الآخرة من سنة إحدى وثلاثين.
وكان أبوه سعيد بن سلم من صحاب المأمون وقواده، وولي مرو.
وروى أحمد بن سعيد عن أبيه، روى عنه القاسم بن اسماعيل، وأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل قال: أخبرنا ابن توش قال: أخبرنا ابن كادش قال: أخبرنا أبو علي الجازري قال: أخبرنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي عن أبيه قال: دخلنا إلى الرشيد يوماً فقال: أنشدني في شدة البرد فأنشدته لأبي محكان السعدي.

في ليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلب في ظلماتها الطنبا
ما ينبح الكلب فيها غير واحدةٍ ... حتى يلف على خرطومه الذنبا
فقال: هات غير هذا، فأنشدته:
وليلة قرٍ يصطلى القوس ربّها ... وأقدحه اللاّتي بها يتنبّل
فقال لي: ما بعد هذا شيء.
أنبأنا عمر بن طبرز وعن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران - إجازة - قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد الله نفطويه قال: وولى الواثق في هذه السنة - يعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين - الفداء ومعه خاقان خادم الرشيد، ومعهما أبو رملة، وجعفر الحذاء، وأمر بامتحان أسرى المسلمين ومن قال بخلق القرآن فودي به، ومن امتنع ترك في أيدي الروم، فأجابوا كلهم إلى خلق القرآن وكانوا ألفين وتسعمائة وخمسين رجلاً، أو نحوا من مائة مراهق.
أحمد بن سعيد بن عباس بن الوليد، أبو العباس الكلابي:
ولي مدينة حلب في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، ومدحه أبو بكر الصنوبري وقرأت في بعض التواريخ أنه كان واليا حلب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكانت ولايته حلب بعد طريف السبكري.
وقرأت في مختصر تاريخ السليل بن أحمد بن عيسى، اختصار الشمشاطي قال: وفيها يعني سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة دخل سيف الدولة حلب، وصرف عنها صاحب الاخشيذ محمد بن طغج، وكان أحمد بن سعيد الكلابي.
وهذا يدل على أنه وليها خلافة عن الاخشيذ مرة ثانية، فإن الحسين بن حمدان وليها سنة اثنتين وثلاثين، وسار محمد بن طغج الاخشيد نحوه، فهزمه عن حلب، واستولى عليها، فقد استناب الاخشيذ عند استيلائه عليها هذه المرة أحمد بن سعيد الكلابي على حلب، وبقي واليا بها إلى أن قدم إليها سيف الدولة وافتتحها من يده.
وقرأت بخط أبي الحسين بن المهذب المعري في تاريخ جمعه قال: في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة وفيها أغارت بنو كلاب على البلد، فخرج إليهم والي المعرة معاذ بن سعيد وجنده، واتبعهم إلى مكان يعرف بمرج البراغيث فعطفوا عليه فأسروه ومن كان معه، وعذبوهم بالماء والجليد، وأقام معاذ بن سعيد عند بني كلاب وأصحابه حتى خرج إليهم أبو العباس أحمد بن سعيد الكلابي فخلصهم.
أحمد بن سعيد بن نجدة الأزدي الموصلي:
نزيل طرسوس، وقيل هو بغدادي ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد بما أنبأنا به أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن سعيد بن نجدة الأزدي البغدادي، حدث عن: أبي بدر شجاع بن الوليد، وعلي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وأبي النضر هاشم بن القاسم، وداود بن المحبر، والحسين بن علوان، واسحق بن سليمان الرازي.
روى عنه: محمد بن علي الرقي المعروف بالمري، وزيد بن عبد العزيز الموصلي والوليد بن مضاء الخشاب، وغيرهم.
وذكر بعض الناس أن ابن نجدة هذا موصلي، وقال: مات في سنة ست وسبعين ومائتين.
أخبرنا عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني اذنا قال: أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن مندة قال: أخبرنا والدي أبو عبد الله قال: أحمد بن سعيد بن نجدة الأزدي الموصلي، حدث عن أبي بدر شجاع بن الوليد، سكن طرسوس ومات بها.
أحمد بن سعيد بن أم سعيد:
أبو الحارث: سمع بحلب أبا عبد الله أحمد بن خليد بن يزيد الحلبي الكندي، وروى عنه وعن يونس بن عبد الأعلى.
روى عنه: محمد بن المظفر البزاز، وأبو بكر بن المقرىء.
أحمد بن سعيد المالكي:
أبو الحسين الصوفي، نزل طرسوس غازيا، وكان من أصحاب الجنيد بن محمد.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني في كتابه إلينا من مرو قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن منصور بن عبد الرحيم الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر المزكي إجازة قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أحمد بن سعيد المالكي، أبو الحسين بغدادي الأصل، صحب الجنيد، ونزل طرسوس للغزو ومات بها.
سمعت الشيخ أبا سهل محمد بن سليمان يقول: لم أر فيمن رأيت أفصح من أبي الحسن المالكي.
أحمد بن سعيد الشيزري:
حدث بدمشق، وكان من طبقة ابن جوصاء.

أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله الحافظ قال: وجدت بخط أبي محمد بن الاكفاني - ذكر أنه نقله من خط بعض أصحاب الحديث - في تسمية من سمع منه بدمشق: أحمد ابن سعيد الشيزري، وفوقه غريب، وذكر طبقة فيها ابن جوصاء وأبو الدحداح في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.
اسم مفرد
أحمد بن سلم الحلبي السقاء:
حدث عن سفيان بن عينية، وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن السري المدائني، وعبد الرزاق، ومعن بن عيسى، وشبابة.
روى عنه: محمد بن الحسن بن قتيبة أبو العباس العسقلانين ومحمد بن عوف الحمصي وصالح بن بشر.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمود بن أحمد الثقفي قال: أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء.
وأخبرنا أبو الغنائم بن شهريار في كتابه إلينا قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت أبي الفضل البغدادي قالت: أخبرنا أبو طاهر بن محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو بكر بن المقرىء قال: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا أحمد بن سلم الحلبي قال: حدثنا سفيان بن عينية عن مسعر عن سعد بن ابراهيم عن أبي سلمة عن عائشة قالت: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى فارق الدنيا.
قال أبو الفرج: قال ابن المقرىء: يقال أن أحمد بن سلم حدث عنه ابن عوف الحمصي. ذكر أبو حاتم بن حبان البستي في تاريخ الثقات في الطبقة الرابعة فقال: أحمد بن سلم السقاء من أهل حلب، يروي عن عبيد الله بن موسى وعبد الرزاق، حدثنا عنه ابن قتيبة وغيره.
وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب الجرح والتعديل قال: أحمد بن سلم المقرىء شامي، المعروف بالسقاء، روى عن معن بن عيسى، وسفيان بن عيينة، وشبابة.
روى عنه: صالح بن بشر بن سلمة الطبري، وأبو عامر الإمام الحمصي.
من اسمه سلمان في آباء الأحمدين
أحمد بن سلمان بن أحمد بن سلمان بن أبي شريك:
أبو العباس الحربي الملقب بالسكر، لقبه أبوه بذلك في حال صغره، فاستمر اللقب عليه.
كان عالما بعلوم القرآن من التفسير والقراءات وغيره، وكان رجلا صالحا، سافر إلى البلاد في طلب الحديث، وقدم حلب في رحلته.
وذكر لي الفقيه عز الدين عمر بن دهجان البصري المالكي أن أحمد بن سلمان الحربي ولد سنة أربعين وخمسمائة، قال لي: وقرأ القرآن بالروايات وسافر إلى واسط، فقرأ بها بالقراءات العشر حتى مهر في ذلك وصنف وأقرأ، وكان عالما بتفسير القرآن وأسباب نزوله وتأويله وكان كل يوم إذا صلى الفرض بآيات يقعد في المسجد ويفسر لهم تلك الآيات، وكان يقول: والله إني لأعلم تفسير الآية وتأويلها وسبب نزولها ووقته فيمن نزلت، فايش يذهب علي بعد ذلك من القرآن أو ما هذا معناه.
قال: وكان كثير التلاوة للقرآن، طويل القنوت، كان يصلي التراويح كل ليلة بعشرة أجزاء من القرآن، فإذا كان النصف من رمضان صلى كل ليلة بنصف الختمة، وكان ينصرف من صلاة التراويح وقد صعد المسحرون المنارات، وكان خشن العيش يأكل من كسب يديه، وانقطع إلى العلم.
قال: وكان عفيفا لطيف الاخلاق، كتب الكثير بخطه، وكان خطه رديئا، وكان مفيد الناس في زمانه يقرأ لهم، وينقل السماعات، ويدلهم على الشيوخ، وسافر في طلب العلم والحديث إلى البلاد، ودخل حلب ودمشق وغيرهما، وعاد إلى بغداد فتوفي بالحربية في جمادي من سنة ستمائة ودفن بمقبرة أحمد رضي الله عنهما.
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي قال في كتاب التكلمة لوفيات النقلة، في ذكر من مات في سنة إحدى وستمائة: وفي ليلة العاشر من صفر توفي الشيخ المفيد أبو العباس أحمد بن سلمان بن أبي شريك البغدادي الحربي المقرىء المعروف بالسكر ببغداد، ودفن من الغد بباب حرب، ومولده سنة تسع وثلاثين أو سنة أربعين وخمسمائة.

قرأ القرآن الكريم ببغداد بالقراءات الكثيرة على أبي الفضل أحمد بن محمد شنيف، وأبي محمد يعقوب بن يوسف المقرىء، وبواسط على القاضي أبي الفتح نصر الله بن علي بن الكيال وأبي بكر عبد الله بن منصور بن الباقلاني، وسمع الكثير من أبي القاسم سعيد بن أحمد بن البناء وأبي الفتح محمد بن عبد الباقي ابن أحمد، وأبي السعادات ظافر بن معاوية الحراني، وخلق كثير، وسمع بمكة شرفها الله تعالى، وبدمشق والقدس وغيرها.
وأقرأ وحدث ببغداد والشام، وكان مفيدا لاصحاب الحديث، كثير الخير، كثير التلاوة للقرآن الكريم، كثير القيام به، ويكرر قيامه به في ركعة أو ركعتين.
وعرف بالسكر لأن أباه كان وهو صغير يحبه محبة كبيرة، وإذا أقبل عليه وهو بين جملته أخذه وضمه إليه وقبله، وكان قوم يلومونه على افراط محبته له، فيقول: إنه أحلى في قلبي من السكر، وتكرر ذلك منه، فلقب بالسكر وغلب عليه حتى كان لا يعرف إلا به.
أحمد بن سلمان بن الحسن بن اسرائيل بن يونس:
المعروف بالنجاد، الفقيه الحنبلي كان فقيها مفتيا ومحدثا متقنا، واسع الرواية، مشهور الدراية، قدم حلب، وسمع بها محمد بن معاذ المعروف بدران الحربي، وأبا علي الحسن بن أبي جعفر الحلبي، وبطرسوس أبا الليث يزيد بن جهور الطرسوسي، وعبد الله بن جناب الطرسوسي، وسعيد بن مسلم بن أحمد بن مسلم، وبأنطاكية أحمد بن يحيى بن صفوان الأنطاكي، وببالس جعفر بن محمد بكر البالسي، وبمنبج عمر بن سعيد بن سنان المنبجي، وحدث عن هؤلاء، وعن أبي بكر بن أبي الدنيا، وهلال بن العلاء، وأبي العباس أحمد بن أصرم بن خزيمة المزني، وأبي محمد عبد الله بن محفوظ وأحمد بن علي بن المثنى، والحارث ابن أبي أسامة التميمي، وأبي اسماعيل الترمذي، وعبد الملك بن محمد أبي قلابة الرقاشي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والحسن بن مكرم البزاز، ومحمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، وعثمان بن أبي شيبة، وأبي داود سليمان بن ابن الأشعت السجستاني، ومحمد بن سليمان الباغندي، واسحق بن الحسن الحربي، وابراهيم بن اسحق الحربي، ويعقوب بن يوسف، والحسين بن الهيثم الكسائي الرازي، ومحمد بن غالب بن حبيب التمتام، ومحمد بن عبدوس السراج، ومحمد بن عثمان العبسي، وأبي أحمد الزبير بن محمد الأسدي وادريس بن عبد الكريم المقرىء، ويحيى بن جعفر بن الزبرقان، ويحيى بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن شاكر الصائغ، ومحمد بن يونس بن موسى، ومحمد بن الهيثم ابن حماد القاضي، واسماعيل بن اسحق القاضي، وبشر بن موسى، وموسى بن اسحق القاضي، وأحمد بن أبي خيثمة، وأحمد بن ملاعب المخرمي، وأحمد بن محمد البرتي، وأحمد بن علي الأبار، وأبي الأحوص العكبري، وأبي بكر محمد ابن أبي العوام، ومعاذ بن المثنى وغيرهم.
روى عنه أبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين، وأبو بكر القطيعي، وأبو عبد الله الحسين بن محمد الغضائري، وأبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه، وأبو علي الحسن بن ابن شاذان، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي، وأبو بكر محمد بن عثمان القطان، وأبو عبد الله أحمد بن عبد الله المحاملي، وأبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن محمد كثير البيع، ومحمد بن عبد الله بن أبان الهيتي، وأبو عقيل أحمد بن عيسى بن زيد السلمي البزاز، وأبو القاسم الحسن بن الحسن بن ابن المنذر، وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن كراكير الرقي، ومحمد بن الحسين ابن محمد بن الفضل القطان، وأبو زكريا بن أبي اسحق المزكي، وأبو الحسن محمد بن محمد بن ابراهيم بن مخلد، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن سعيد بن الروزبهان، ومحمد بن فارس الغوري، والحسين بن عمر بن برهان الغزال، وعلى ابن محمد بن بشران.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم بن هبة الله الأنصاري الدمشقي بها قال: أخبرنا الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب عال: أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن سلمان بن الحسن النجاد قال: قرأت على محمد بن معاذ وهو المعروف بدران الحلبي: حدثكم القعنبي قال: حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء عمي من الرضاعة يستفتح بعد أن ضرب علينا الحجاب، فأبيت حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمي من الرضاعة جاء يستأذن علي فأبيت أن آذن له حتى استأذنك فقال لها ليلج عليك فقالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل، فقال: إنه عمك فليلج عليك.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي قراءة عليه بحلب قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور البزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن الحسن المعروف بابن سوسن التمار قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي السمسار قال: حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه قال: حدثنا أبو الليث يزيد بن جهور بطرسوس قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بقية بن الوليد عن محمد بن الحجاج عن جابان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس تفطر الصائم وتنقض الوضوء: الكذب، والغيبة، والنميمة، والنظرة بالشهوة، واليمين الفاجرة، قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقدها كما يعقد اليسار.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن سلمان بن الحسن ابن إسرائيل بن يونس، أبو بكر الفقيه الحبلي المعروف بالنجاد، كان له في جامع المنصور يوم الجمعة حلقتان قبل الصلاة وبعدها، أحديهما للفتوى في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل، والأخرى لإملاء الحديث، وهو ممن اتسعت رواياته، وانتشرت أحاديثه.
سمع الحسن بن مكرم البزاز، ويحيى بن أبي طالب، وأحمد بن ملاعب المخرمي، وأبا داود السجستاني، وأبا قلابة الرقاشي، وأحمد بن محمد البري، واسماعيل بن اسحق القاضي، وأبا الأحوض العكبري، ومحمد بن سليمان الباغندي، وأبا اسماعيل الترمذي، وجعفر بن محمد بن ساكر الصائغ، وأحمد بن أبي خيثمة، والحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن غالب التمتام، وأبا بكر بن أبي الدنيا، وهلال ابن العلاء الرقي، وإبراهيم بن اسحق، واسحق بن الحسن الحربيين، وبشر بن موسى، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبدوس السراج، وخلقاً سوى هؤلاء من هذه الطبقة.
وكان صدوقاً، عارفاً، جمع المسند، وصنف في السنن كتاباً كبيراً.
روى عنه: أبو بكر بن مالك القطيعي، والدارقطني، وابن شاهين، وغيرهم من المتقدمين.
وحدثنا عنه: ابن رزقويه، وابن الفضل القطان، وأبو القاسم ابن المنذر القاضي، ومحمد بن فارس الغوري، وعلي وعبد الملك ابنا بشران، والحسين بن عمر بن برهان الغزال، وخلق يطول ذكرهم.
وقال أبو بكر الخطيب قال: قال ابن أبي الفوارس: أحمد بن سلمان، يقال مولده سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن محمد الخطيب الكشميهني قال: أنبأنا أبو بكر محمد ابن منصور السمعاني.
وأخبرنا علي بن عبد المنعم بن علي بن الحداد الحلبي قال: أخبرنا يوسف بن آدم المراغي الدمشقي قال: أنبأنا أبو بكر السمعاني قال: أبو بكر أحمد بن سلمان ابن الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد الفقيه، من أئمة بغداد في العلم والورع والزهد، سمع الحسن بن مكرم، ويحيى بن أبي طالب، وأبا داود السجستاني، وأبا قلابة الرقاشي، واسماعيل بن اسحق، وهلال بن العلاء الرقي، ومن لا يحصى كثرة؛ روى عنه الدارقطني وابن شاهين وغيرهما من المتقدمين.
أخبرنا زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أحمد ابن علي قال: حدثني أحمد بن سليمان بن علي المقرىء قال: سمعت أبا الحسن ابن رزقويه غير مرة يقال: أبو بكر النجاد ابن صاعدنا.

قال أحمد بن علي: عنى بذلك أن النجاد في كثرة حديثه واتساع طرقه، وعظم رواياته، وأصناف فوائده لمن سمع منه، كيحيى بن صاعد لأصحابه، إذ كل واحد من الرجلين كان واحد وقته في كثرة الحديث.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: سمعت أبا علي بن الصواف يقول: كان أبو بكر النجاد يجيء معنا إلى المحدثين إلى بشر بن موسى وغيره، ونعله في يده، فقيل له: لم لا تلبس نعلك؟ قال: أحب أن أمشي في طلب الحديث - رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا حافي.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني الحسين بن علي بن محمد الفقيه الحنفي قال: سمعت أبا اسحق الطبري يقول: كان أحمد بن سلمان النجاد يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف، وأكل تلك اللقم التي استفضلها.
وقال الخطيب: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الضيمري قال: حدثنا الرئيس أبو الحسن علي بن عبد العزيز في مجلسه في دار الخلافة قال: حضرت مجلس أبي بكر أحمد بن سلمان النجاد وهو يملي فغلط في شيء من العربية، فرد عليه بعض الحاضرين، فاشتد عليه، فلما فرغ من المجلس، قال: خذوا، ثم قال: أنشدنا هلال بن العلاء الرقي:
سيبلي لسانٌ كان يعرب لفظه ... فياليته في موقف العرض يسلم
وما ينفع الإعراب إن لم يكن تقىً ... وما ضرّ ذا تقوى لسانٌ معّجم
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد البغدادي - قراءة عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن طراد الزينبي قال: أخبرنا أبو القاسم ابن مسعدة الاسماعيلي.
قال شيخنا ابن طبرزد: وأخبرنا اسماعيل بن أحمد السمرقندي وابن مسعود المجلي - إجازة إن لم يكن سماعاً منهما أو من أحدهما - قالا: أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي قال: سأل الشيخ أبو سعد الإسماعيلي أبا الحسن الدارقطني عن أبي بكر أحمد بن سلمان النجاد، فقال الشيخ أبو الحسن: قد حدث أحمد بن سلمان من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان النجاد قد كف بصره في آخر عمره، فلعل بعض طلبة الحديث قرأ عليه ما ذكره الدارقطني، والله أعلم.
وقال أبو بكر الخطيب: سمعت محمد بن أحمد بن رزقويه يقول: مات أبو بكر النجاد في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
وقال الخطيب: حدثنا ابن الفضل القطان إملاء قال: توفي أحمد بن سلمان النجاد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
وقال أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف العلاف، وأبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي قالا: توفي أحمد بن سلمان الفقيه النجاد يوم الثلاثاء؛ وقال ابن المحاملي: ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة باب حرب، قال ابن المحاملي: صبيحة تلك الليلة؛ قال ابن العلاف: وأحسب أنه عاش خمساً وسبعين سنة.
حدثنا عن ابن الحسن بن الفرات أن النجاد دفن في مقابر الحربية عند قبر بشر الحارث.
أحمد بن سلمان بن أبي بكر بن سلامة بن الأصفر.
أبو العباس الحريمي المستعمل البغدادي، سمع أبا العباس أحمد بن أبي غالب الوراق المعروف بأبن الطلاية، وأبا القاسم سعيد بن البناء، وأبا بكر بن الأشقر الدلال، وهو آخر من روى عنه فيما أُرى.
وحدث عنهم وعن أبي سعد بن البغدادي، وأبي محمد المقرىء، وأبي سعد السمعاني بالإجازة.
وأجاز لي رواية جميع مسموعاته، وجميع ما صحت عنه روايته، وكتب إلي يذكر أنه دخل حلب عند عوده من دمشق، وذكر لي في كتابه إلي أن مولده في عاشر محرم من سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ببغداد.
أخبرني رفيقنا كمال الدين عباس بن بزوان الإربلي أن ابن الأصفر هذا توفي بكرة يوم الثلاثاء خامس وعشرين ذي الحجة سنة ست عشرة وستمائة بالموصل، ودفن بصحراء عناز، وكان أوصى أن أغسله وأصلي عليه، فغسلته وصليت عليه، وكان دينا صالحاً، ثقته، صحيح السماع، رحمه الله.
من اسم أبيه سليمان في آباء الأحمدين
أحمد بن سليمان بن حميد بن ابراهيم بن أحمد بن علي بن ابراهيم المخزومي:

أبو العباس البلبيسي المعروف بابن كسا المصري، من أهل بلبيس، شاعر مجيد مشهور، كثير الشعر، طاف البلاد، ومدح الملوك وأخد صلاتهم، وكان له ثروة وتجمل، وقدم حلب.
ومن شعره قوله:
وركبت ظهر توصّلي في أوبتي ... وحلفت أني لا أنام عن السرى
حتى أريت الأفق أن بدوره ... تخض وبدر الدين متّقداً يرى
أخبرني أبو علي القيلوبي قال: بلغ الحاجب علي الأشرفي، وهو بالشرق أن ابن كسا هجاه، فأحضره وقال: بلغني أنك هجوتني، وها أنا أهجوك لتعلم أينا أهجى، وأي الهجوين أوجع، ثم مدة وما زال يضر به بالدبابيس حتى أشرف على الموت، ورفع على باب إلى السجن فبقي بالسجن مدة، ثم أطلقه.
وبلغني أن ابن كسا توفي في صغر سنة أربع وثلاثين وستمائة بالقاهرة.
أنبأنا أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في ذكر من توفى سنة خمس وثلاثين وستمائة: وفي شهر ربيع الآخر توفي أبو العباس أحمد بن سليمان بن حميد بن إبراهيم بن مهلهل القرشي المخزومي البلبيسي الشافعي المعروف بابن كسا بالقاهرة، ومولده ببلبيس في سنة سبع وستين وخمسمائة، تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وتأدب وقال الشعر، وسافر الكثير، وحدث بشيء من شعره ببلبيس وغيرها، وذكر أنه دخل دمشق واشتغل بها، وبالموصل وبغداد وخراسان، أنه اجتمع بفخر الدين الرازي، المعروف بابن الخطيب، بخوارزم، وكان له انس بالنظريات والخلاف.
أحمد بن سليمان بن عمر بن شابور الحلبي:
سمع اسحق بن ابراهيم بن الأخيل الحلبي، وابراهيم بن عبد الله بن خرزاد الأنطاكي؛ روى عنه أحمد بن محمد الحلال، ومحمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الرقي الصوفي.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني عن أبي بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن حفص الماليني.
وأخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن الأخوة البغدادي وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسن بن محمد بن سليم قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن أبي منصور الصيرفي، قال: سماعاً، وقالت: إجازه؛ قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود بن أحمد الثقفي، وأبو الفتح الكاتب.
وقال لنا أبو الحجاج يوسف بن خليل: أخبرنا أبو عبد الله محمود بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي.
وأخبرنا أبو الغنائم بن شهريار في كتابه قال: أخبرتنا فاطمة بنت البغدادي.
قالا: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود بن أحمد، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء قالا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي شيخ الصوفي الرقي قال: حدثنا أحمد بن سليمان الحلبي قال: حدثنا اسحق بن الأخيل قال: حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الخليل بن مرة عن عمرو بن دينار عن عطاء ابن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.
أحمد بن سليمان بن عمرو:
أبو بكر الأنماطي، وقيل الأنطاكي، حدث بحلب عن مخلد بن مالك وأحمد ابن إبراهيم، ومؤمل بن إهاب؛ روى عنه عمر بن محمد بن سليمان العطار، وعبد الله بن سعيد الحلبي.

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني بدمشق قال: حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي الكتاني الحافظ قال: أخبرنا عبد الوهاب بن جعفر الميداني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل بن نصر النابلسي قال: أخبرنا عمر بن محمد بن سليمان العطار قال: حدثني أبو بكر أحمد بن سليمان بن عمر الأنماطي بحلب قال: حدثنا مخلد بن مالك قال: حدثنا محمد بن يزيد عن مجاشع بن عمرو عن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة، وذلك أنهم يزورون الله تعالى في كل جمعة فيقول لهم: تمنوا علي ما شئتم، فيلتفتون إلى العلماء فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تمنوا كذا وكذا، قال: فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا.
أحمد بن سليمان:
أبو الفتح الفخري الحلبي، شاعر من أهل حلب، كان في عصر عبد المحسن الصوري، ورحل إلى مصر فأقام بها إلى أن مات.
وجدت ذكره في مجموع جمعه بعض أهل الأدب، وقرأته بخطه، ذكر أن أحمد ابن سليمان الفخري الحلبي كتب إلى عبد المحسن الصوري، وقد بلغه ما صار عليه عبد المحسن من الفقر والفاقة، وقرأتها أيضاً بخط أبي طاهر السلفي:
أعبد المحسن الصوري لم قد ... جثمت جثوم منهاضٍ كسير
فإن قلت العيالة أقعدتني ... على مضضٍ وعاقت عن مسيري
فهذا البحر يحمل هضب رضوى ... ويستثني بركنٍ من ثبير
وإن حاولت سير البرّ يوماً ... فلست بمثقلٍ ظهر البعير
إذا استحلى أخوك قلاك يوماً ... فمثل أخيك موجود النظير
تحرّك عل أن تلقى كريماً ... تزول بقربه إحن الصدور
فما كل البريّة من تراه ... ولا كل البلاد بلاد صور
فكتب إليه عبد المحسن الصوري:
جزاك الله عن ذا النصح خيراً ... ولكن جاء في الزمن الأخير
وقد حدّت لي السبعون حدّاً ... نهى عما أردت من الأمور
ومذ صارت نفوس الناس عني ... قصاراً عدت بالأمل القصير
وذكر صاحب المجموع أنه رحل إلى مصر ومات بها.
من الأفراد
أحمد بن سنان، أبو جعفر المنبجي:
حدث عن عبيد الله بن موسى العبسي، روى عنه موسى بن العباس.
أخبرتنا أم المؤيد زينب بنت الحافظ أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن في كتابها إلينا من نيسابور، وأخبرنا بذلك عنها إبراهيم بن محمد بن الأزهر الصريفيني، قالت: أخبرنا أبو محمد اسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر القارىء الواعظ قال: أخبرنا أبو حفص بن مسرور قال: حدثنا أبو سهل محمد بن سليمان ابن محمد بن سليمان الحنفي الصعلوكي قال: حدثنا موسى بن العباس سنة ثلاث عشر وثلاثمائة قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن سنان المنبجي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حنيفة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم حنين عن لحوم الحمر الأهلية وعن متعة النساء قال: وما كنا مسافحين.
أحمد بن سهل بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سليمان بن سلجق:
السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغري بك بن ميكائيل، أبو الحارث، قدم صحبة أبيه ملكشاه وهو طفل وكان قد ولد له بظاهر سنجار في طريقه إلى الشام، وسنذكره في حرف السين فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان، أبو العباس النجار:
رجل صالح، عارف الحديث، قدم حلب غير مرة، أحديها في سنة سبع وستمائة، وسمع بها شيخنا أبا هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب، وقدمها مرة أخرى، وحدث بها عن أبي الفرج بن كليب.
ذكر حرف الشين في آباء الأحمدين
أحمد بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان:
أبو العلاء بن أبي اليسر بن أبي محمد بن أبي المجد بن أبي محمد، القاضي ابن أبي المجد أخي أبي العلاء التنوخي المعري، من أهل معرة النعمان.
أخو شيخنا إبراهيم الذي قدمنا ذكره، وتمام نسبه قد تقدم في ترجمة أخيه.

شيخ حسن من أهل الفضل وبيت العلم والقضاء، وأبوه أبو اليسر من الفضلاء المشهورين، وأجداده الذين نسبناه إليهم ما منهم إلا فاضل مشهور.
وأبو العلاء هذا سمع أباه أبا اليسر شاكراً، والحافظ أبا القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، وغيرهما، وقدم علينا حلب مراراً متعددة، وكان يسكن معرة النعمان.
وكنت ظفرت بسماعه في عدة أجزاء من تاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم، فانتخبت منها جزءاً لطيفاً، وقرأته عليه بسماعه منه، وسمعه بقراءتي جماعة كانوا معي بحلب. وسألته عن مولده فقال: في سنة أربع وأربعين أو خمس وأربعين وخمسمائة.
أخبرنا أبو العلاء أحمد بن شاكر بن عبد الله المعري، قراءة عليه بحلب، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن بن القزويني إملاء سنة ست وثلاثين وأربعمائه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن سعيد المؤدب قال: حدثنا أحمد بن محمد العسكري قال: حدثنا مطلب بن شعيب قال: أخبرنا عبد الله بن صالح قال: حدثني ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفظوني في أصحابي، فمن حفظني في أصحابي رافقني وورد علي حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد علي حوضي، ولم يرني إلا من بعيد.
قدمت معرة النعمان في بعض قدماتي إليها في جمادى الأولى من سنة ثمان وثلاثين وستمائة، فأخبرني قاضيها أبو العباس أحمد بن مدرك بن عبد الله بن سليمان أن شيخنا أبا العلاء أحمد بن شاكر توفي بها في شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين المذكوره.
أحمد بن شبوية:
ابن أحمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد الأكبر بن كعب بن مالك بن كعب بن الحارث بن قرط بن مازن بن سنان بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن عامر، وهو خزاعة، أبو الحسن الماخواني الخزاعي.
وقيل هو أحمد بن محمد بن ثابت، وشبويه لقب أبيه محمد أو جده، وقيل هو مولى لبديل بن ورقاء الخزاعي، وهو منسوب إلى قرية من قرى مرو يقال له ماخوان، وسكن طرسوس وأقام بها إلى أن مات.
وذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل فقال: أحمد ابن شبوية المروزي أبو الحسن الخزاعي، وهو أحمد بن محمد بن شبوية حدثنا علي بن الهسنجاني عنه.
روى عن وكيع، وعبد الرزاق، وأبي أسامة.
مات بطرسوس سنة ثلاثين ومائتين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك؛ سمعت أبا زرعة يقول: جاءنا نعيه وأنا بحران، ولم أكتب عنه، وكذلك سمعت أبي يقول: أدركته ولم أكتب عنه.
روى عنه أيوب بن اسحق بن سافري نزيل الرملة، وعبد الملك بن ابراهيم الجدي.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: هو أحمد بن محمد بن شبوية، حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني عنه هكذا، وسنذكره في باب المحمدين من أباء الأحمدين إن شاء الله.
أنبأنا أبو يعقوب يوسف بن محمود الصوفي عن الحافظ أبي طاهر السلفي قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الآزجي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد بجرجرائا قال: أخبرنا أبو عمران موسى بن هرون بن عبد الله البزاز قال: ومات أحمد بن شبويه بطرسوس آخر سنة ثلاثين أو تسع وعشرين ومائتين.
أنبأنا أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر الحافظ قال: أخبرنا أبو علي أحمد ابن محمد البرداني قال: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ قراءة عليه قال: قال أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ابن بنت منيع: مات أحمد بن شبويه بطرسوس سنة تسع وعشرين، أو سنة ثلاثين في أولها، يعني ومائتين.
من اسمه شعيب في آباء الأحمدين
أحمد بن شعيب بن عبد الأكرم الأنطاكي:
حدث عن الحسن بن عبد الأعلى البياسي، ومحمد بن أبي يعقوب الدينوري، وعبيد بن محمد الكشوري، ويعقوب بن يوسف الفروي.
روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء، وكان من الصالحين العباد، والأخيار الزهاد.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفر السمعاني.
وأخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن الأخوة البغدادي، وصاحبته عين الشمس بنت أبي سعيد بن الحسين بن محمد بن سليم قالوا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الدوري قالا: أخبرنا؛ وقالت: إجازة، قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن الحسين الكاتب، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء قال: حدثنا أحمد بن شعيب بن عبد الأكرم الأنطاكي، وكان يقال أنه من الأبدال، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله البوسي، وقال أبو مسلم وصاحبته: الحسن بن عبد الأعلى البياس - وهو الصحيح - ، قال: حدثنا عبد الرزاق عن عبد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الغيث قال: اللهم سيباً نافعاً.
أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد بن أبي الرجاء الشهرياري في كتابه إلينا من أصبهان قال: أخبرتنا أم البهاء فاطمة بنت محمد بن أحمد البغدادي قالت: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن علي قال: حدثنا أحمد بن شعيب بن عبد الأكرم الأنطاكي قال: حدثنا عبيد بن محمد ابن إبراهيم الكشوري قال: حدثني محمد بن عمر بن أبي مسلم قال: حدثنا محمد ابن مصعب الصنعاني قال: حدثني القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن عمه عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله بشفاعتي يوم القيامة يجعل في ضحضاح من النار، يبلغ كعبيه، تغلي منه جبهته أو دماغه.
أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر:
أبو عبد الرحمن النسائي، القاضي الحافظ الإمام، كان علما من الأعلام، وإماما من أئمة الإسلام، وإليه في علم الحديث ومعرفة رجاله النقض والابرام، رحل الرحلة الواسعة، وسافر في طلب الحديث وجمعه إلى البلاد الشاسعة، قدم حلب، وسمع بها أبا العباس الفضل بن العباس بن ابراهيم الحلبي، وسمع بالمصيصة قاضيها أحمد بن عبد الله بن علي بن أبي المضاء المصيصي.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بحلب قال: أخبرنا أبو طاهر الشيحي قال: أخبرنا أبو محمد الدوني قال: أخبرنا القاضي أبو نصر الكسار قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن اسحق السني الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن قال: أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا يزيد بن هارون عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس قال: خرجت جاري عليها أوضاح، فأخذها يهودي فرضخ رأسها، فأخذ ما عليها من الحلي، فأدركت وبها رمق، فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من قتلك أفلان؟ فقالت برأسها: قال: ففلان حتى سمى اليهودي، فقالت برأسها: نعم، فأخذ فاعترف، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن زريق القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو سعد الماليني قراءة، قال: أخبرنا أبو بكر الوليد بن القاسم بن أحمد الصوفي بمصر قال: حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي قال: حدثنا الفضل بن العباس بن ابراهيم قال: حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثني بشر، وهو ابن الحارث، قال: حدثنا ابراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن البناء البغدادي بدمشق وأبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي بحلب قالا: أخبرنا أبو بكر محمد ابن عبيد الله ابن الزاغوني قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر الأنباري قال: أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد قال: حدثنا محمد بن ربيعة عن أبي عميس، واسمه عبيد بن عبد الله، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا انتصف شعبان فكفوا عن الصوم.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد السمعاني في كتابه قال: أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي.
وأنبأنا القاسم بن عبد الله بن عمر الصفار قال: أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن منصور قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
وقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يذكر أربعة من المسلمين رآهم، فبدأ بأبي عبد الرحمن.
وقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت مأمون المصري الحافظ يقول: خرجت مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة للفداء فاجتمع جماعة من مشايخ الاسلام، واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن ابراهيم مربع، وأبو الأذان، وكيلجة، وسنجة ألف، وغيرهم، فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ، فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.
قال الحاكم أبو عبد الله: فأما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث، فأكثر من أن يذكر في هذا الموضع، ومن نظر في كتاب السنن له تحير في حسن كلامه، وليس هذا الكتاب مسموع عندنا.
ومع ما جمع أبو عبد الرحمن من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره، فحدثني محمد بن اسحق الأصبهاني قال: سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أن أبا عبد الرحمن فارق مصرفي آخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روى من فضائله فقال: لا يرضى منا معاوية رأسا برأس حتى يفضل فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى الرملة، فمات بها سنة ثلاث وثلاثمائة وهو مدفون بالرملة.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي، وأخبرنا به اجازة عنه أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف وغيره، قال: قرأت على أبي عبد الله يعني محمد ابن أحمد بن ابراهيم الرازي بالاسكندرية عن أبيه أبي العباس قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عمر الصيرفي قال: حدثنا أبو اسحق ابراهيم ين نصر البزاز، وكتبه لي بخطه، قال: حدثنا علي بن محمد الكاتب المادرائي قال: حدثني أبو منصور تكين الأمير قال: قرأ علي أبو عبد الرحمن النسائي كتاب الخصائص فقلت له: حدثني بفضائل معاوية، فجاءني بعد جمعة بورقة فيها حديثان، فقلت: أهذه بس؟ فقال: وليست بصحاح، هذه غرم معاوية عليها الدراهم، فقلت له: أنت شيخ سوء، لا تجاورني، فقال: ولا لي في جوارك حظ، وخرج.
قال علي بن محمد المادرائي: وحدثني أهل بيت المقدس قالوا: قرأ علينا أبو عبد الرحمن النسائي كتاب الخصائص، فقلت له: أين فضائل معاوية؟ فقال: وما يرضى معاوية أن يسكت عنه، قال: فرجمناه وضغطناه، وجعلنا نضرب جنبه، فمات بعد ثلاث.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان قال: أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد الاشيري قال: أنبأنا القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض قال: حدثنا الفقيهان أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر الخشنين وعبد الرحمن بن محمد بن عتاب بقراءتي عليهما قالا: حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد قال: حدثنا أبو الحسن القابسي الفقيه قال: سمعت أبا الحسن بن هاشم المعري يقول: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن اللحن.

أخبرنا أبو الفرج محمد محمد بن علي بن بن حمزة بن القبيطي في كتابه قال: أخبرنا أبو الحسن بن الآبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت منصور الفقيه وأحمد بن محمد بن سلمة الطحاوي يقولان: أبو عبد الرحمن النسائي امام من أئمة المسلمين.
وقال أبو أحمد بن عدي: أخبرني محمد بن سعيد البارودي قال: ذكرت لقاسم المطرز أبا عبد الرحمن النسائي فقال: هو إمام، أو يستحق أن يكون اماما، أو كما قال:.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
أحمد بن شكر بن عبد الرحمن بن أبي حامد بن عبد الرحمن:
الملقب بنان - بن علي - الملقب ذؤيب - بن أبي البركات - وكان يلقب عصية لطوله ودقته - بن هبة الله - ويكنى أبا الحمر - بن أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن موسى بن يعقوب بن محمد ابن المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة المعروف بابن الاسود الكندي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو العباس بن أبي حامد بن أبي القاسم بن أبي حامد الكندي المقدادي الحربي الخياط، المعروف بابن عصية المقرىء، من أولاد المحدثين من أهل الحربية.
وكان أبو الحمر هبة الله قدم من دمشق، وسكن الحربية، وأعقب بها.
سمع أبو العباس أباه أبا حامد، وجده أبا القاسم عبد الرحمن، وجده لامه أبا بكر محمد بن المبارك بن مشق، وأبا منصور عبد الله بن محمد بن علي بن علي بن عبد السلام الكاتب، وأبا الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني، وأبا الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، وخلقا غير هؤلاء يطول ذكرهم، وحدث ببعض حديثه وسمع منه جماعة من طلبة الحديث.
وقال لي أبو حفص عمر بن دهجان البصري: هذا الشيخ سافر إلى البيت المقدس زائرا بعد أن حج إلى بيت الله الحرام، فدخل حلب مرتين في ذهابه وعوده.
ومولده في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بالحربية، وهو شيخ صالح خير متدين، متواضع كثيرة التلاوة للقرآن، محب للحديث وأهله، فقير صبور، متقنع بالحلال، يأكل من كسب يده، حسن الطريقة، صحيح العقيدة، محمود السيرة على قانون السلف.
أحمد بن شيبان الأحنف المصيصي:
حدث عن محمد بن كثير المصيصى، روى عنه أبو سهل أحمد بن محمد بن يزيد الفارسي نزي المصيصة.
ذكر حرف الصاد في آباء الأحمدين
أحمد بن صافي:
أبو بكر التنيسي، مولى الحباب بن رحيم البزاز، سمع بحلب وغيرها من الثغور: أبا بكر محمد بن أحمد بن أبي ادريس الامام، وأبا أيوب سليمان بن محمد بن ادريس بن رويط، وأبا بكر محمد بن بركة بن الفرداح برداعس الحلبيين، وعثمان بن محمد بن علي بن علان الذهبي نزيل حلب، وأبا عمير عدي ابن أحمد بن عبد الباقي الآذي، وأبا الحسين مسدد بن يعقوب الفلوسي قاضي تنيس، وأبا عبد الله محمد بن الحكم، وبكر بن أحمد الشعراني، وأبا جعفر محمد ابن الحسين بن زيد، وأبا الحسن جعفر بن محمد الحروي، وأبا الحسن علي بن عبد الله بن أبي مطر، وأبا اسحق ابراهيم بن ميمون الصواف، وأبا أحمد جابر ابن عبد الله بن حاتم الجهازي، وأبا بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي، وأبا الحسن داود بن أحمد بن مصحح، وأبا الحسين علي بن محمد بن أبي الحديد المصري، وعبد القدوس بن عيسى بن موسى الحمصي، وأبا علي الحسين بن يوسف بن مليح الطرائفي، واسماعيل بن يعقوب الحراب.
روى عنه أبو الحسين الميداني، وسمع منه بدمشق عبد العزيز وعبد الواحد ابنا محمد بن عبدويه الشيرازي.
أنبأنا أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي قال: أنبأنا أبو القاسم عبد المنعم بن علي أحمد الكلابي قال: أخبرنا علي بن الخضر قال: أخبرنا أبو الحسين الميداني قال: حدثنا أحمد بن صافي التنيسي قال: حدثنا عثمان بن محمد الذهبي قال: حدثنا ابراهيم بن زياد قال: حدثنا محمد الاسفاطي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله: ان عبد الله بن داود حدثنا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عنك بحديث الصادق المصدوق، فهو عنك يا رسول الله، فذكر الحديث،؟ قال: رحم الله كل من حدث به إلى يوم القيامة.

قال الحافظ أبو القاسم: قرأت بخط الميداني: حدثنا أبو بكر أحمد بن صافي مولى الحباب بن رحيم البزاز، قدم علينا من تنيس في سنة ستين وثلاثمائة، بحديث ذكره، فتكون وفاته بعد ذلك، والله أعلم.
ذكر من أبوه صالح من الأحمدين
أحمد بن صالح بن عبد الرحمن:
أبو بكر الصوفي الحافظ الأنماطي، المعروف بكليجة، ويسمى أيضاً محمدا، والأكثر على ذلك، وقد ذكرنا في ترجمة أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي أنه كان مع جماعة من مشايخ الاسلام والحفاظ بطرسوس، واجتمعوا للفداء، وقد استقصينا ترجمته في المحمدين، إذ الأكثر على أن اسمه محمد.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أحمد بن صالح الصوفي، وهو محمد بن صالح بن عبد الرحمن، أبو بكر الحافظ الأنماطي، المعروف بكليجة، كان محمد بن مخلد يسميه أحمد في بعض رواياته، ومحمدا في بعضها.
حدث عن أبي حذيفة النهدي، وسعيد بن أبي مريم البصري، وموسى بن أيوب النصيبي، وغيرهم.
روى عنه أبو بكر بن أبي حامد صاحب بيت المال وسماه أحمد، كما سماه ابن مخلد هاهنا، وروى عنه غيرهما فسماه محمدا، وقد ذكرناه في المحمدين.
أحمد بن صالح بن عمر بن اسحق:
أبو بكر المقرىء البزاز البغدادي، صاحب أبي بكر بن مجاهد، انتقل من بغداد إلى الشام، ونزل أطرابلس وسكنها، فقد اجتاز بحلب أو بعملها.
ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد بما أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن صالح بن عمر، أبو بكر المقريء انتقل إلى الشام، ونزل أطرابلس، حدث بها وبالرملة عن جعفر بن عيسى الناقد، ومحمد بن الحكم العتكي، وروى عنه الغرباء، وذكر ابن الثلاج أنه سمع منه.
وقال الخطيب: حدثنا يحيى بن علي، أبو طالب الدسكري لفظا قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن بن مالك الجرجاني بها قال: حدثني أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرىء البغدادي بأطرابلس قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن الحكم العتكي قال: حدثنا سليمان - يعني ابن سيف - قال: حدثنا أحمد بن عبد الملك قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة قال: كنت جالسا عند عبد الله بن زياد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان عذاب هذه الأمة في دنياها.
قال الخطيب: هكذا حدثناه أبو طالب من أصل كتابه، وقد سقط منه ألفاظ كثيرة ففسد بذلكن وصوابه ما أخبرناه أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد ابن القاسم المخزومي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي - إملاءً - قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن يوسف التركي قال: حدثنا اسحق بن موسى قال: سألت أبا بكر بن عياش، وعنده هشام بن الكلبي، فأخبرنا عن أبي حصين عن أبي بردة قال: كنت عند عبيد الله بن زياد فأتي برؤوس من رؤوس الخوارج، فجعلت كما أتي برأس أقول: إلى النار، إلى النار، فعيرني عبد الله بن يزيد الأنصاري وقال: يا بن أخ وما تدري، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جعل عذاب هذه الأمة في دنياها.
كذا قال الخطيب: وقد سقط منه ألفاظ كثيرة ففسد بذلك.
قلت: والظاهر أنه تصحف يزيد بزياد لا غير، والصواب: كنت جالسا عند عبد الله بن يزيد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، ولم يذكر أنه كان عند عبيد الله بن زياد، ولا أنه أتي برؤوس الخوارج، فلا يفسد الحديث، والله أعلم.
أحمد بن صالح المصري:
أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبري، حدث عن عبد الله بن وهب المصري، واسماعيل بن أبي أويس، وابراهيم بن الحجاج، وعنبسة بن خالد، وعبد الله بن ابن نافع.
روى عنه محمد بن اسماعيل البخاري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وابنه أبو بكر عبد الله بن أبي داود، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وأبو اسماعيل الترمذي، وأبو بكر بن زنجويه، وأبو علي صالح بن محمد جزره، ومحمود بن غيلان، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو حاتم محمد بن اسحق الرازي، وسمع منه بأنطاكية.

أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقي بالبيت المقدس قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي قال: أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين الطريثيثي، ومحمد بن عبد الكريم بن محمد.
وأخبرنا أبو اسحق ابراهيم بن عثمان الكاشغري قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي، وأبو المظفر أحمد بن محمد بن علي الكاغدي، قال أبو الفتح: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون. وقال الكاغدي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي، قالوا: أخبرنا الحسين ابن أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن دستوريه قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي قال:.........
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أحمد بن صالح، أبو جعفر المصري، طبري الأصل، سمع عبد الله بن وهب، وعنبسة بن خالد، وعبد الله بن نافع، واسماعيل بن أبي أويس، وكان أحد حفاظ الأثر، عالماً بعلل الحديث، بصيراً باختلافه.
وورد بغداد قديماً، وجالس بها الحفاظ، وجرى بينه وبي أبي عبد الله أحمد بن حنبل مذاكرات، وكان أبو عبد الله يذكره ويثني عليه، وقيل إن كل واحد منهما كتب عن صاحبه في المذاكرة - حدثنا - .
ثم رجع أحمد إلى مصر فأقام بها، وانتشر عند أهلها علمه، وحدث عه الأئمة منهم: محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن اسماعيل البخاري، ويعقوب ابن سفيان الفسوي، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو اسماعيل الترمذي، وأبو داود السجستاني، وابنه أبو بكر وصالح جزره؛ ومن الشيوخ المتقدمين: محمد بن عبد الله بن نمير، ومحمود بن عيلان وغيرهما.
أنبأنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحلال قال: أخبرنا أبو القاسم بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر بن سلمة قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال الحلال: وأخبرنا ابن مندة قال: أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني - إجازة - قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أحمد بن صالح المصري، أبو جعفر، روى عن ابن عيينة، وابن وهب، وعبد الرزاق، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك.
قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عنه بمصر، ودمشق، وأنطاكية.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت محمد ابن عبد الله بن نمير يقول: حدثنا أحمد بن صالح: فإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله؛ سئل أبي عن أحمد بن صالح فقال: ثقة.
أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة بن فارس المعروف بابن القبيطي في كتابه قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي قال: أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي قال: أخبرنا أبو القاسم حمزة السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت محمد بن سعد السعدي يقال: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي أحمد بن شعيب يقول: سمعت معاوية بن صالح يقال: سألت يحيى بن معين عن أحمد بن صالح فقال: رأيته كذاباً يخطب في جامع مصر.
وكان النسائي هذا سيء الرأي فيه، وينكر عليه خمسة أحاديث منها: عن ابن وهب عن مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة.
قال ابن عدي: حدثناه العباس بن محمد بن العباس عن أحمد بن صالح بذلك.
قال ابن عدي: وأحمد بن صالح من حفاظ الحديث، وخاصة حديث الحجاز، ومن المشهورين بمعرفته، وحدث عنه البخاري مع شدة استقصائه، ومحمد بن يحيى، واعتمادهما عليه في كثير من حديث الحجاز، وعلى معرفته، وحدث عنه من حدث من الثقات فاعتمدوه حفظا وإتقانا، وكلام ابن معين فيه تحامل.
فأما سوء ثناء النسائي عليه، فسمعت محمد بن هارون بن حسان الرقي يقول: هذا الخراساني - يعني النسائي - يتكلم في أحمد بن صالح، وحضرت أحمد بن صالح فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه، وهذا أحمد ابن حنبل قد أثنى عليه، والقول فيه: ما قاله أحمد رحمه الله لا ما قاله غيره.
وحديث الدين النصيحة الذي أنكره عليه النسائي فقد رواه عن ابن وهب يونس بن عبد الأعلى، وقد رواه عن مالك محمد بن خالد بن عثمة، وغيره.

وقال ابن عدي: سمعت محمد بن موسى الحضرمي - يعرف بأخي أبي عجيبة - بمصر يقول: سمعت بعض مشايخنا يقول: قال أحمد بن صالح: صنف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، فعند بعض الناس منها الكل - يعني حرملة - ، وعند بعض الناس منها النصف - يعني نفسه - .
قال ابن عدي: وأحمد بن صالح من أجلة الناس، وذاك أني رأيت جمع أبي موسى الزمن في عامة ما جمع من حديث الزهري يقول: كتب إلي أحمد بن صالح: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، ولولا أني شرطت في كتابي هذا أن أذكر فيه كل من تكلم فيه متكلم، لكنت أجل أحمد بن صالح أن أذكره.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني أحمد بن محمد العتيقي قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المصري قال: حدثنا أبي قال: كان أحمد بن صالح يكنى أبا جعفر؛ كان صالح جندياً من أهل طبرستان من العجم، وولد أحمد بن صالح بمصر في سنة سبعين ومائة، وتوفي بمصر يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين، وكان حافظاً للحديث.
ذكر أبو عبد الرحمن النسائي أحمد بن صالح فرماه وأساء الثناء عليه وقال: حدثنا معاوية بن صالح قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف.
وقال أبي: ولم يكن عندنا بحمد الله كما قال، ولم يكن له آفة غير الكبر.
أنبأنا محمد بن علي الحراني قال: أخبرنا أبو الحسن بن عبد الله بن علي قال: أخبرنا الإسماعيلي قال: أخبرنا حمزة بن يوسف قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال: سمعت عبدان الأهوازي يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: أحمد بن صالح ليس هو كما يتوهمون الناس، يعني ليس بذاك في الجلالة.
قلت: والظاهر أن أبا داود إنما أراد أنه ليس كما يتوهمون في سوء الرأي فيه، فإن أبا داود ذكر عن أحمد بن صالح كلاما يشعر بتعظيمه وحسن الرأي فيه أخبرناه شيخنا أبو اليمن الكندي - إذنا - قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال: أخبرنا محمد بن عدي بن زهر البصري في كتابه قال: حدثنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري قال: سمعت أبا داود يقول: كتب أحمد بن صالح عن سلامة بن روح، وكان لا يحدث عنه، وكتب عن ابن زبالة خمسين ألف حديث، وكان لا يحدث عنه، وحدث أحمد بن صالح ولم يبلغ الأربعين، وكتب عباس العنبري عن رجل عنه.
أخبرنا الكندي - إذنا - قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: كتب إلي بعد الرحمن بن عثمان الدمشقي يذكر أن أبا الميمون البجلي أخبرهم.
قال أبو بكر: ثم أخبرنا أبو بكر البرقاني قراءة قال: أخبرنا محمد بن عثمان القاضي قال: حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله البجلي بدمشق قال: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري قال: سألني أحمد بن حنبل قديما: من بمصر؟ قلت: بها أحمد بن صالح فسر بذكره ودعا له.
أنبأنا أبو الفرج بن القبيطي قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله قال: أخبرنا أبو القاسم بن مسعدة قال: أخبرنا حمزة السهمي قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال: سمعت أحمد بن عاصم الأقرع بمصر يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو يقول: قدمت العراق فسألني أحمد بن حنبل: من خلفت بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح، فسر بذكره، وذكر خيرا، ودعا الله عز وجل له.
قال ابن عدي: حدثنا عبد الملك بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن ابن المغيرة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: سمعت أبا نعيم الفضل ابن دكين يقول: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى، يريد أحمد بن صالح.

قال أبو أحمد بن عدي: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا بكر زنجويه يقول: قدمت مصر فأتيت أحمد بن صالح، فسألني: من أين أنت؟ قلت من بغداد، قال: فأين منزلك من منزل أحمد بن حنبل؟ قلت: أنا من أصحابه، قال: تكتب لي موضع منزلك فإني أريد أوافي العراق حتى تجمع بيني وبين أحمد بن حنبل، فكتبت له، فوافى أحمد بن صالح سنة اثنتي عشرة إلى عفان، فسأل عني فلقيني، فقال: الموعد الذي بيني وبينكن فذهبت به إلى أحمد بن حنبل، فاستأذنت له، فقلت: أحمد بن صالح بالباب، فقال: ابن الطبري؟ قلت: نعم، فأذن له، فقام إليه ورحب به، وقربه وقال له: بلغني أنك جمعت حديث الزهري فتعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدهما عن الآخر حتى فرغا، وما رأيت أحسن من مذاكرتهما، ثم قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح: تعال حتى نذكر ما روى الزهري عن أولاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدهما عن الآخر، إلى أن قال أحمد ابن حنبل لأحمد بن صالح: عندك عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يسرني أن لي حمر النعم وأن لي حلف المطيبين، فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا ! فجعل أحمد يتبسم ويقول: رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح، عبد الرحمن بن اسحق، فقال: من رواه عن عبد الرحمن؟ فقال حدثناه رجلان ثقتان: اسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، فقال أحمد ابن صالح لأحمد بن حنبل: سألتك بالله، إلا أمليته علي، فقال أحمد: من الكتاب، فقام فدخل وأخرج الكتاب وأملاه عليه ؛ فقال أحمد بن صالح: لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث كان كثيرا، ثم ودعه وخرج.
وقال أحمد بن عدي: حدثنا العباس بن محمد بن العباس قال: حدثنا موسى ابن سهل قال: قدم أحمد بن صالح الرملة فسألوه أن يحدثهم ويجلس للناس، فأبى وامتنع عن ذلك، فكلموا ابن أبي السري العسقلاني، فكلمه فجلس للناس، فحدثنا حينئذ بألوف من حفظه.
قال موسى: وسألته منذ ثلاثين سنة عن تفسير حديث أبي الطفيل، فقال نصدق بهذه الأحاديث على وجوهها، ولا نسأل عن تأويلها، ثم سألته الآن عن مثل ذلك، فقال لي: هذه أخت تلك وبينهما نحو من ثلاثين سنة أو أكثر.
وقال ابن عدي: سمعت عصمة بن كماك يقول: سمعت صالح جزرة يقول: حضرت مجلس أحمد بن صالح فقال أحمد: حرج على كل مبتدع وما جن أن يحضر مجلسي، فقلت: أما المبتدع فلست، وأما الماجن فأنا هو، وذلك أنه قيل له: إن صالح الماجن قد حضر مجلسك.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عبد الله المعبر بأصبهان قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل بن مخلد الغزال قال: وأحمد بن صالح، أبو جعفر طبري الأصل، وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين؛ كان من حفاظ الحديث، واعياً، رأساً في علم الحديث وعلله، وكان يصلي بالشافعي، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أحد أعلم منه بالآثار.
أنبأنا أبو اليمن قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرني الطناجيري قال: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال: سمت يحيى بن محمد بن صاعد يقول.
قال أبو بكر: وأخبرنا البرقاني قال: قرأت على إسماعيل بن هشام الصرصري حدثكم محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين قال: مات أحمد بن صالح سنة ثمان وأربعين ومائتين، زاد ابن رشدين لثلاث بقين من ذي القعدة.
وقد روينا عن ابن يونس أنه توفي بمصر يوم الإثنين لثلاث خلون من ذي القعدة. فوقع الاتفاق على الشهر والسنة ووقع الاختلاف في الأيام لا غير.
من اسم أبيه الصقر من الأحمدين
أحمد بن الصقر بن أحمد بن ثابت:
أبو الحسن المنبجي المقرىء العابد، رجل صالح عارف بوجوه القراءات وعللها، وله مصنف في القراءات سماه الحجة ذكر فيه القراءات السبعة، وبين وجوهها وعللها، وهو كتاب حسن، وقفت عليه وطالعته.

قرأ القرآن العظيم على أبي القاسم هبة الله بن جعفر بن محمد بن الهيثم المقرىء، وأبي طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم، وأبي عيسى بكار ابن أحمد بن بكار بن بنان بن بكار بن زياد، وأبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم النحوي، وأبي الحسن علي بن محمد بن البزاز القلانسي؛ وأخذ القراءات عنهم دراية ورواية.
وأجاز أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، وشاهدت خطه له في الإجازة، وسماه بأبي الحسن أحمد بن الصقر العابد.
روى عنه: أبو محمد عبدان بن عمر بن الحسن المنبجي، وأبو الحسن علي ابن محمد بن معيوف العين ثرماني.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد فيما أذن لنا فيه قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: بلغني أن أبا الحسن المنبجي الذي كان بدمشق توفي قبل الستين وثلاثمائة.
ووقع إلي جزء بخط بعض الفضلاء من أهل دمشق، كتبه بها، يتضمن وفاءات جماعة من المحدثين والعلماء قال: سنة ست وستين وثلاثمائة، توفي أبو الحسن المنبجي، وهو أحمد بن الصقر بن ثابت صاحب كتاب القراءات، في ربيع الآخر من السنة.
أحمد بن الصقر بن ثوبان:
أبو سعيد الطرسوسي، حدث عن أبي سلمة يحيى بن خلف الباهلي، وأبي كامل الجحدري، ومحمد بن عبيد بن حساب، وبشر بن معاذ العقدي، ومحمد ابن موسى الجرشي، وعقبة بن سنان الذارع، وروح بن قرة المقرىء، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن عبد الله بن بزيع، وأحمد بن اسحق البزار، ومحمد ابن عبد الأعلى الصنعاني، وعبد الجبار بن العلاء.
روى عنه الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي الحافظ الحلبي، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، وأبو بكر بن الجعابي، وعلي بن محمد بن لؤلؤ الوراق، وأبو بكر الاسماعيلي.
أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن الصقر ابن ثوبان، أبو سعيد البصري، وأصله من طرسوس.
ذكر لي أبو نعيم الحافظ أنه كان مستملي بندار، سكن بغداد وحدث بها عن: أبي كامل الجحدري، وبشر بن معاذ العقدي، ومحمد بن عبد الله بن بزيع، ومحمد بن موسى الجرشي، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وعبد الجبار بن العلاء، ونصر بن علي الجهضمي.
روى عنه: أبو بكر الشافعي، وأبو بكر بن الجعابي، وأبو محمد بن السبيعي، وعلي بن محمد بن لؤلؤ، وأبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي وغيرهم، وكان ثقة.
وقال الخطيب: أخبرنا البرقاني قال: أخبرنا أبو بكر الاسماعيلي، قال: حدثنا أبو سعيد أحمد بن الصقر بن ثوبان، بصري، ببغداد.
حرف الضاد في الآباء
فارغ
ذكر حرف الطاء في آباء الأحمدين
من اسم أبيه طاهر
أحمد بن طاهر بن النجم:
أبو عبد الله الميانجي، سمع بحلب قاضيها أبا اسحق إبراهيم بن جعفر بن جابر، وروى عنه وعن أحمد بن يحيى ثعلب وأحمد بن علي الأبار ومحمد بن عبدوس، وأحمد ب يحيى الحلواني، ومحمد بن أيوب، ومحمد بن يوسف الضبي التركي، وموسى بن حمدون العكبري، ومحمد بن موسى الحلواني، وعلي بن سلم، وموسى بن هارون، وأبي بكر بن بنت معاوية بن عمرو وإبراهيم بن يوسف الرازي، وحفص بن عمر، ومكحول البيروتي، وأبي يعلى الموصلي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجعفر الفريابي، وغيرهم.
روى عنه أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي.
قرأت بخط أبي محمد الحسن بن الحسين بن أحمد الخمكري الأديب، وكان من أصحاب أبي الحسين بن فارس بن زكريا فيما قرأه على أبي الحسين بن فارس، وعليه خطه، قال: أخبرنا أحمد بن طاهر قال: قرأت على أبي اسحق إبراهيم بن جابر القاضي بحلب، فأقربه، قال: حدثنا سلم بن جنادة قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكماة من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهي شفاء للسقم.
أحمد بن طاهر الدمشقي:
حكى عن عبد الله بن خبيق بن سابق الأنطاكي، ولقيه بها، روى عنه عمر ابن المؤمل الطرسوسي أبو القاسم.

أنبأنا تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن كتابة، قال: أخبرنا علي بن الحسن بن هبة الله قال: أنبأنا أبو طاهر بن الحنائي قال: أخبرنا أبو علي الأهوازي المقرىء قال: حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي المقرىء بمكة قال: حدثنا أبو القاسم عمر بن المؤمل قال: حدثنا أحمد بن طاهر الدمشقي قال: حدثنا عبد الله بن خبيق قال: سألت يوسف بن أسباط: هل مع حذيفة المرعشي علم؟ فقال: معه العلم الأكبر، خوف الله عز وجل.
أحمد بن طاهر الأسدي:
المعروف بابن الموصول الحلبي، وهو جد جد الوزير أبي الفضل هبة الله بن عبد القاهر بن أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن طاهر، وزير الملك رضوان ابن تتش.
قرأت بخط بعض الحلبيين في جزء يتضمن مدائح الوزير أبي الفضل بن الموصول، وأظنه بخط سني الدولة أبي العلاء المحسن بن الحسين كاتب الحضرة وذكر في نسب الوزير أبي الفضل: جد جده أحمد بن طاهر الأسدي المذكور.
وذكر أنه كان من الشهود المميزين بحلب، وكان فيه من قوة النفس، وعظم المحل أجمل صفه، ومن الدين والزهد، ما لم يكن مثله في سواه من أهل زمانه، فلما اتصل خبره بالحاكم الفاطمي المستولي على مصر، وما هو عليه من الدين والأدب والعلم، والسؤدد الثاقب والفهم، حمله الشوق إليه على إيثار مشاهدته، فأنفذ رسولاً قاصداً يستدعيه إليه ويسومه الوفادة عليه، وأصحبه من المال والدواب ما يستعين به على طريقه، رغبة منه في رؤيته، والتبرك بمؤانسته فلما مثل بين يديه مال بجملته إليه، وتقدم بأن يخلع عليه، وأمر بانزاله، واجمال ضيافته، فلما كان بعد ثلاث أمر بإحضاره، فلما حضر أكرم مثواه وقربه وأدناه، وأمره بمواصلة حضرته، وتقدم إلى الحجاب برقع حجبته، فأقام عنده المدة الطويلة كل يوم يمضي تتضاعف حظوته، وتتزايد من قلبه مكانته.
وفي بعض الأيام وهو بين يديه أراد الحاكم من شدة محبته له، وإعجابه به أن يبالغ في كرامته ونباهة قدره فقال له: أدخل يدك يا أحمد حك ظهري، ففعل ما رسم له، وداخل يده من كمه وحك الموضع الذي أشار إليه من ظهره، فلما أخرج يده قال له الحاكم: يا أحمد ما أردت بذلك إلا إكرامك، حتى تقول وضعت يدي على ظهر أمير المؤمنين بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزيدك كرامة وتشريفاً، وخلع عليه طيلسانا كان عليه، وقلده سيفاً فاخراً كان يتقلد به يوم ركوبه في الأعياد، وأعطاه دواة كانت تحضر بين يديه للتوقيعات، وذلك كله عند ولده بتوارثه أب عن جد، ولم يزل مقيماً عند الحاكم إلى حين وفاته في أرفع رتبة وألطف منزلة.
فهذا ما نقلته من الجزء المشار إليه في مدائح الوزير أبي الفضل بن الموصول.
وقيل أن أحمد بن الموصول أقام عند الحاكم بمصر إلى أن توفي في سنة تسعين وثلاثمائة.
من أفراد حرف الطاء في آباء الأحمدين
أحمد بن طغان:
قائد مذكور من قواد خمارويه بن أحمد بن طولون وولي على طرسوس وعلى جميع الثغور الشامية في سنة تسع وسبعين ومائتين، سيره واليا عليها خمارويه ابن أحمد بن طولون، وعزل عنها محمد بن موسى الأعرج، ودخلها ابن طغان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من شعبان من السنة، ذكر ذلك ابن أبي الأزهر والقطربلي في تاريخهما الذي إجتمعا على تأليفه وقالا في تاريخهما المذكور: في سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وفي شعبان، كان الفداء بين المسلمين والروم على يد أحمد بن طغان، وورد كتاب فيه: أعلمك أن أحمد بن طغان نادى في الناس بحضور الفداء، وأنه خرج إلى اللامش معسكراً بالمسلمين يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان وأنه صلى في الجامع وركب منه، ومعه راغب ومواليه، ووجوه البلد والقواد، والموالي، والمطوعة بأحسن زي وأكمل عدة، ووقع الفداء يوم الثلاثاء لتسع خلون منه، فأقاموا على ذلك إثني عشر يوماً، فكان جملة من فودي به من المسلمين من رجل وامرأة وصبي: ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس، وانصرف الفريقان، وخرج أحمد بن طغان، واستخلف على طرسوس دميانة، ولم يعد إلى طرسوس.

قالا: ولما كان في هذا الشهر - يعني في صفر سنة أربع وثمانين - وافى يوسف بن البغامردي يخلف ابن طغان، فهوى به دميانة، فوثب براغب، فنصر راغب، وقبض على دميانة وابن البغامردي وابن اليتيم، فقيدهم وبعث بهم إلى بغداد، وكتب أهل طرسوس إلى هارون بن خمارويه لا توجه إلينا والياً من قبلك، فإن أتانا قاتلناه، فكف عنهم، وبعثوا إلى المعتضد ليولي عليهم والياً.
قلت: وكان أحمد بن طغان حسن السيرة في تدبير الثغور، مشكور السياسة، وله غناء في الجهاد، وإليه ينسب المدي الطغاني الذي كان أهل طرسوس يتعارفونه وقد ذكرنا مقداره فيما تقدم في ذكر مدينة طرسوس في مقدمة كتابنا هذا.
أحمد بن طلحة:
وقيل محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو العباس المعتضد بالله ابن أبي أحمد الموفق الناصر ابن أبي الفضل المتوكل ابن أبي اسحق المعتصم ابن الرشيد ابن المهدي ابن المنصور ابن ذي الثفنات الهاشمي، أمير المؤمنين.
وإنما وقع الاختلاف في اسم أبيه، أي الموفق، لأن المتوكل قال: من غلب كنيته من ولدي على اسمه فاسمه محمد، وكان الغالب كنية أبي أحمد الموفق على اسمه، والأكثر على أن اسمه طلحة.
وأم المعتضد أم ولد يقال لها نخلة، ويقال ضرار، وكان اسمها قبل أن تصير إلى أبيه خفير فغير اسمها، وقيل إن اسمها خزر.
وكان مولده سنة اثنتين، وقيل ثلاث وأربعين ومائتين، وبويع له بولاية العهد بعد موت أبيه في يوم الإثنين لثلاث بقين من المحرم من سنة تسع وسبعين ومائتين ثم ولي الخلافة بعد موت عمه المعتمد على الله يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين وهو ابن ست وثلاثين وقيل سبع وثلاثين، وبويع له ساعة موت المعتمد، وقعد على السرير وسلم عليه بالخلافة وقت طلوع الشمس من يوم الأحد، وكانت ولايته عهد المسلمين يوم الاثنين وولايته الخلافة يوم الاثنين، وموته يوم الاثنين، وقدم حلب من بين أحديهما في حياة أبيه، سيره لقتال خمارويه بن أحمد بن طولون في جيش.
فقدم حلب في وقت ارتفاع النهار من يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وسبعين ومائتين، وقدم إليها على طريق بالس على برية خساف حتى نزل الناعورة، ثم دخل حلب، ثم خرج من حلب إلى قنسرين ثم توجه إلى شيزر ثم إلى حماه إلى أن انتهى إلى الرملة وجرى بينه وبين ابن طولون وقعة الطواحين، وانهزم ابن طولون إلى مصر، ثم عادت النصرة لعسكر ابن طولون على أبي العباس فعاد مفلولاً حتى وصل أنطاكية، ثم خرج منها إلى بغراس ثم نفذ إلى المصيصة ثم إلى أذنه ثم إلى طرسوس ثم عاد إلى المصيصة ثم إلى الكنيسة السوداء، ثم نفذ إلى مرعش ثم إلى كيسوم، ثم إلى حصن منصور ثم إلى سميساط ثم خرج إلى الرها وتوجه إلى بغداد، ذكر ذلك سنان بن ثابت في سيرة المعتضد، ونقله من خط أحمد بن الطيب السرخسي وذكر فيه المراحل التي نزلها أبو العباس من يوم خرج من بغداد إلى أن عاد إليها من وقعة الطواحين.
وأما القدمة الثانية فقدمها وهو خليفة خلف وصيف الخادم وفد فارق مولاه الإفشين من برذعة عاصياً، ومضى إلى الثغور وخلع الطاعة، فسار خلفه، وجد في السير، وقدم حلب في طريقه في سنة سبع وثمانين فلحقه بعين زربة وقبض عليه وأحرق السفن، ونزل المصيصة، ثم عاد إلى أنطاكية، ثم إلى حلب ثم توجه إلى بغداد.
وكان المعتضد من أشجع الخلفاء، وأعظمهم همة، وأحسنهم سيرة، وأكملهم رأياً، وأكرمهم نفساً، وأكثرهم عدلاً.
وحدث عن يزيد بن سنان، وأبيه أبي أحمد الموفق، روى عن إسماعيل بن اسحق القاضي، وابن ابنه محمد بن علي المكتفي، وأظن أن المعتضد سمع كتاب السنن من أبي داود السجستاني أخبرنا القاضي أبو المعالي محمود بن محمد بن إسماعيل اليعقوبي في كتابه إلينا من بوشنج.

قال: أخبرنا محمد بن منصور الأديب قال: أخبرنا أحمد بن أبي عاصم الصيدلاني قال: أخبرنا أبو يعقوب اسحق بن إبراهيم العراب الحافظ قال: أخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن الحسين بن علي الجوزقي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد ابن موسى الملحمي الأصبهاني قال: حدثنا محمد بن عبدان الجواليقي قال: حدثنا إسماعيل القاضي قال: حدثنا الإمام أبو العباس أحمد بن طلحة المعتضد بالله أمير المؤمنين قال: حدثنا يزيد بن سنان قال: حدثنا يزيد بن هرون عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مؤمن يدخل قبره إلا وعمله معه، فإن كان محسناً أضاء له عمله، وإن كان مسيئا قبح له.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن محمد الخطيب الكشمهني.
وأخبرنا علي بن عبد المنعم بن علي بن الحداد الحلبي قال: أخبرنا يوسف بن آدم المراغي قالا: أنبأنا أبو بكر محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الله اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي قال: أخبرنا أحمد ابن الحسين الحافظ قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ البيع قال: سمعت محمد ابن الفضل النحوي قال: سمعت أبا الطيب عبد الله بن شاذان قال: سمعت يوسف ابن يعقوب يقول: قرأت توقيع المعتضد إلى عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير: واستوص بالشيخين الخيرين الفاضلين: إسماعيل بن اسحق الأزدي وموسى بن اسحق الخطمي خيراً، فإنهما ممن إذا أراد الله بأهل الأرض شراً دفع عنهم بدعائهما.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد ابن نعيم الضبي قال: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت أبا العباس بن سريج يقول: سمعت اسماعيل بن اسحق القاضي يقول: دخلت على المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه، فنظرت إليهم، فرآني المعتضد وأنا آملهم، فلما أردت القيام أشار إلي، فمكثت ساعة، فلما خلا قال لي: أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط.
وقع إلي كتاب ذكر صاحبه في ترجمته فيه أخبار وحكايات قرأتها بخط أبي نصر إبراهيم بن علي بن عيسى بن الجراح فيه: حدثني أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن جعفر الأزدي النحوي قال: سمعت القاضي اسماعيل بن اسحق يقول: دعاني أمير المؤمنين المعتضد بالله في بعض الأيام، فدخلت عليه وبين يديه جام لطيف في طبق لطيف فيه خبيص، وبيده ملعقة وهو يأكل منه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، وسوى الخبيص في الجام بالملعقة التي في يده حتى استوى وانبسط في الجام كما كان، ثم أمر برفعه، ثم قال لي: يا إسماعيل، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ما على إمام المسلمين إذا عف عن أموالهم، ما أكل من شيء؟ قلت: لا شيء عليه يا أمير المؤمنين ولا حرج، بل نعمة يديمها الله، ويسعده بها، وكان بين يديه خادم وضيء الوجه جداً، فجعلت أنظر إليه وألحظه، فرآني المعتضد فقال: يا إسماعيل، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ما حللت سراويلي على حرام قط، ولا يسألني الله عنه، قلت: الحمد لله يا أمير المؤمنين، فأحدث بهذا عنك؟ قال: نعم، حدث به عني من أحببت.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الكشمهني قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن منصور بن محمد السمعاني قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي.

وأخبرنا أبو اليمن الكندي - إذنا - قال: أخبرنا أبو منصور بن محمد قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا التنوخي قال: أخبرني أبي قال: حدثني أبي قال: سمعت القاضي أبا عمر محمد بن يوسف يقول: قدم خادم من وجوه خدم المعتضد إلى أبي في الحكم فجاء فارتفع في المجلس، فأمره الحاجب بموازاة خصمه، فلم يفعل إدلالاً بعظيم محلة من الدولة، فصاح أبي عليه وقال: قفاه، أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع ! يا غلام، عمرو بن أبي عمرو النخاس الساعة، لأتقدم إليه ببيع هذا العبد، وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين، ثم قال لحاجبه: خذ بيده وسو بينه وبين خصمه فأخذ كرها وأجلس مع خصمه، فلما انقضى الحكم انصرف الخادم فحدث المعتضد بالحديث وبكى بين يديه، فصاح عليه المعتضد وقال: لو باعك لأجزت بيعه، وما رددتك إلى ملكي أبداً، وليس خصوصك بي يزيل مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأبدان.
هذا القاضي هو أبو محمد يوسف بن يعقوب بن اسماعيل بن حماد بن زيد البصري.
أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل قال: أخبرنا زاهر بن طاهر المستملي إذنا عن أبي القاسم بن أحمد البندار قال: أنبأنا أبو أحمد بن محمد المقرىء قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي إجازة قال: ومات الموفق ليلة الخميس لثمان بقين من صفر - يعني من سنة ثمان وسبعين وجلس أبو العباس يوم الخميس فعزله الناس، وخطب يوم الجمعة للمعتمد ثم المفوض يعني جعفر بن المعتمد بالعهد، ثم لأبي العباس أحمد المعتضد بالله ولي عهد المسلمين.
وقال الصولي: بعد ذلك أمر المعتمد أن يجعل أبو العباس أحمد بن الموفق في ولاية العهد مكان جعفر المفوض، وكتبت الكتب وقريت عليه، وأدخل القضاة إليه حتى شهدوا بذلك في يوم الاثنين لثلاث بقين من المحرم يعني من سنة تسع وسبعين.
قال: فحدثني نصر الحاجب المعروف بالقشوري قال: أنا سفرت في ذلك لما أطلقه لي المعتضد فأتيت المعتمد فأخبرته به بعد أن أشرت على المعتضد أن يحمل إليه مائتين ألف دينار، وثياباً وطيباً، ففعل ذلك، وطابت نفسه، وحمل إلى المفوض مثل ذلك، وفارقنا المعتمد على أن يرضى جعفر بذلك، فلما سألت المعتمد ذلك قال لي: أفيرض جعفر؟ قلت: نعم، قال فليجئني أحمد حتى أفعل ما يريد، فجاء فأجلسه على كرسي بين يديه وهو على سريره بعد أن ضمه إليه، وقبل المعتضد يده، فتحدثا ساعة بغير ما قصداه، ثم ابتداه المعتمد فقال: أحضر من شئت فإني أفعل ما تريد، فأحضر الناس وشهدوا على خلع جعفر من ولاية العهد، وتولية المعتضد، وكتب بذلك كتب إلى النواحي، وأن المعتمد قد جعل إليه ما كان إلى الموفق من الأمر والنهي، ووقع المعتمد في الكتاب: أقر عبد الله أحمد الإمام المعتمد على الله أمير المؤمنين بجميع ما في هذا الكتاب، وكتب بخطه، وأقر جعفر بن أمير المؤمنين المعتمد على الله بجميع ما في هذا الكتاب، وكتب بخطه.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد أمير المؤمنين المعتضد بالله ببن أبي أحمد الموفق بالله - واسمه - محمد بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله بن هرون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا العباس.
ويقال إن اسم أبيه طلحة، وأمه أم ولد اسمها خفير، ويقال ضرار، توفيت قبل خلافته بيسير.
وكان مولده فيما أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: أخبرنا علي بن أحمد ابن أبي قيس قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثنا محمد بن حماد أن ميلاد أبي العباس سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: استخلف أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن محمد في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.
وقال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: وولي المعتضد بالله أبو العباس ابن أبي أحمد الموفق بالله لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وتسعين ومائتين، وولد بسر من رأى في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومائتين.

أنبأنا أبو حفص عمر بن طبرزد عن أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد - إذنا - قال: أنبأنا أبو أحمد المقرىء عن أبي بكر محمد بن يحيى الصولي قال: كانت البيعة بالخلافة لأبي العباس أحمد ابن الموفق بالله - واسم الموفق محمد، وقيل طلحة، وكان المتوكل على الله قال: كل من غلبت عليه كنيته من ولدي فاسمه محمد - يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، وسنه يوم ولي الخلافة سبع وثلاثون سنه، مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ومائتين، سمعت المكتفي بالله يذكر ذلك.
وقال الصولي: حدثني عبد الله بن المعتز قال: كان المتوكل على الله يجلسني والمعتضد آخر أيامه معه على السرير ونحن صغيران، فيرمي إلينا بالشيء فنتحارب عليه، فيضحك من فعلنا؛ قال: وكان هو أسن مني.
قال: وأم المعتضد يقال لها خزر، وقال أن اسمها غير، كان اسمها ضرار ثم سميت بخفير، وكانت وصيفة لخديجة بنت محمد بن إبراهيم بن مصعب فاشتراها منها أخوها أحمد بن محمد، ثم اشتراها بعض القواد فأهداها إلى المتوكل، فوهبها لإسحق أم الموفق جاريته، فوهبتها للموفق. وكان الذي سماه المعتضد عبيد الله بن عبد الله قبل ولايته العهد ببيتين قالهما وكتب إليهما إليه.
إرث الخلافة معضودٌ بمعتضدٍ ... لا زال عنه وموصولٌ لمن ولدا
خليفةٌ ملكه أمنٌ وعافيةٌ ... ورخص سعر وخصب فليعش أبدا
قال: وكان المعتضد من أكمل الناس عقلاً، وأعلاهم همة، وأكثرهم تجربة، قد حلب الدهر أشطره، وعاقب بين شدته ورخائه، وكان أبوه الموفق يسمى المنصور الثاني لانشعاب الأمور عليه وقيامه بها حتى تجلت، وكان المعتضد يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك بني العباس بعد اخلاقه، وقتل أعداءه، فكان أول لهم كما كان السفاح أولاً، وقد احتذى هذا المعنى علي بن العباس الرومي فقال يمدحه لما قام بالخلافة:
هنيئاً بني العباس إنّ إمامكم ... إمام الهدى والباس والجود أحمد
كما بأبي العباس أنشىء ملككم ... كذا بأبي العبّاس أيضاً يجّدد
إمامٌ يظلّ الأمس يعمل نحوه ... تلهّف ملهوف ويشتاقه الغد
قرأ في كتاب أخبار المعتضد من أخبار بغداد لعبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر الذي ذيل به على تاريخ أبيه قال: وكان المعتضد بالله خليفة لم يقم من خلفاء بني العباس بعد المنصور خليفة كان أكمل منه شجاعةً، ورجلةً، وجزالة، ورأياً، وحذقاً بكل صناعة، وعدلا وانصافا وحسن سيرة، مؤيداً بالنصر، مقرونا بالظفر.
تولى الخلافة وهي علقة متمزقة متفرقه، فجمع أطرافها، وضم منتشرها، وشدد أركانها وقوى عمادها، ووكد أسبابها، وسن السنن العادلة، وأبقى في رعيته الآثار الفاضلة، ودوخ البلاد، وقوم العباد، حتى رد المملكه إلى حال جدتها بعد دروسها، ودانت له الأطراف، وخضعت له الأشراف، ولم يبق خارجي إلا قصمه، ولا مستصعب إلا وقمه ولا عاص إلا اصطلمه وأمنت السبل بعد أن كانت مخوفة، واطمأنت النفوس بعد أن كانت مرعوبة، ودرت الأموال بعد أن كانت منقطعة، واستوت بالعدل والانصاف أحوال الرعية.
قال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: ومن سيرة المعتضد الجميلة، وسننه الحسنة، ورفعه المواريث في أول خلافته، وما كان من الظلم فيها، وزيادته في مسجد الجامع بالجانب الغربي من قصر المنصور بمدينة السلام حتى اتسع، وتأخيره الخراج، وتسهيل العقاب والطرقات، وقطعه الحجارة المانعة للمجتازين بها، ورفعه المكس الذي كان يجبى بمكة والمدينة، والخفارات بطريق الموصل، ورفعه البقايا التي كانت على العمال والرعية في جميع البلدان.
قال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق: وفي تأخير الخراج والنوروز يقول يحيى بن علي:
إنّ يوم النوروز عاد إلى العه ... د الذي كان سنّه اردشير
أنت حوّلته إلى الحالة الأو ... لى وقد كان حائراً يستدير
وافتتحت الخراج فيه فللأم ... ة في ذاك مرفق مذكور
منهم الحمد والثناء ومنك ال ... رفد فيهم والنائل المشكور

قال الصولي: وكان الحسين بن عبد الله الجوهري جاء بهدايا من عند خمارويه بن أحمد وسعى في تزويج ابنة خمارويه من علي بن المعتضد، فقال المعتضد: قد علمت إنما أراد خمارويه أن يتشرف بنا، فأنا أتزوجها، فتزوجها بحضرة القضاة، وزوجه إياها ابن الجصاص.
قلت: ويقال إنه لم يكن عرس مثل عرس قطر الندى والمعتضد، وبوران بنت الحسن بن سهل، وعبد الله المأمون.
وقال الصولي: ولما ولي المعتضد الخلافة أمر بالزيادة في المسجد الجامع بالمدينة وأمر بتسهيل عقبة حلوان، وقال: هذا طريق الملك، فسهلت إلى الموضع المعروف بدهليزان، وكان الناس يلقون منه تعبا شديدا، فبلغت النفقة عشرين ألف دينار عليهما، وأمر برد المواريث على ذوي الأرحام في آخر سنة ست وثمانين بكتاب ابن أبي خازم القاضي إلى أبي النجم بعد أن سأله بدر عما عنده فيه، وأنشئت الكتب بذلك، وما فعله في أمر النوروز وتأخيره لتأخير الخراج، وإنما احتذى ما كان المتوكل فعله، وكتب فيه إبراهيم بن العباس الصولي كتاباً بتأخيره إلى سبعة عشر يوما من حزيران، فاحتذى المعتضد ذلك إلا أنه جعله لأحد عشر يوما من حزيران.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا علي بن المحسن بن علي التنوخي قال: أخبرنا أبي قال: حدثني أبي قال: لما خرج المعتضد إلى قتال وصيف الخادم إلى طرسوس وأخذه عاد إلى أنطاكية فنزل خارجها، وطاف البلد بجيشه، وكنت صبيا إذ ذاك في المكتب، قال فخرجت في جملة الناس، فرأيته وعليه قباء أصفر، فسمعت رجلا يقول: يا قوم الخليفة أصفر بلا سواد، قال: فقال له أحد الجيش: هذا كان عليه وهو جالس في داره ببغداد، فجاءه الخبر بعصيان وصيف، فخرج في الحال عن داره إلى باب الشماسية، فعسكر به، وحلف أن لا يغير هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، وأقام بباب الشماسية أياما حتى لحقه الجيش، ثم خرج فهو عليه إلى الآن ما غيره.
أخبرنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب في كتابه عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد البندار عن أبي أحمد المقرىء قال: أخبرنا محمد بن يحيى اجازة قال: وشخص المعتضد من بغداد في النصف من شوال سنة سبع وثمانين لطلب وصيف الخادم، وكان خبره ورد عليه وهو عليل، فكتم علته وأغذ السير إلى أن ظفر به لسبع بقين من ذي القعدة، ودخل به إلى بغداد في أول المحرم سنة ثمان وثمانين ومائتين، وأركب الخادم الفالج، وألبس برنسا طويلا.
قال محمد بن يحيى: حدثني أبو أحمد يحيى بن علي قال: قال لنا المعتضد: والله ما أدري كيف ظفرت بالخادم، وما هو إلا من أمر الله الذي لا يدرى كيف هو.
قال: فقلت: كيف يحب سيدنا أن يصف هذا الفتح، قال بسرعة سيرنا، وسبقنا خبرنا حتى وافيناه قبل أن يعلم بنا.
قال: فقلت:
ألمّ بعين زربة والمطايا ... جنوح طيف أخت بني عدي
فقال فيها:
أمير المؤمنين هناك فتح ... خطت به من اللّه العلي
لقد خسي الأعادي في النواحي ... بما أنزلت بالخاسي الخصيّ
أتتك بحائنٍ رجلاه منه ... ألا يا ربّ حتفٍ في مجي
خففت إليه حين أتاك عنه ... بريد الصدق بالخبر الجلي
طويت الأرض طياً فتّ فيه ... إليه تغلغل الموت الوحي
قال: وهي قصيدة.
نقلت من خط أبي الحسين علي بن المهذب التنوخي المعري في تعليق له في التاريخ حملة إلي بعض عقبة قال: سنة ثماني وثمانين - يعني ومائتين - وفيها: هرب وصيف الخادم من مدينة برذعة من مولاه الافشين، وسار إلى الثغور الشامية وتبعه المعتضد وظفر به بناحية الكنيسة السوداء وهو يريد دخول بلد الروم، فأخذه وانصرف به إلى بغداد، فقتله، واعتل المعتضد لاتعابه نفسه في طلبه إياه علة كانت فيها وفاته، وقيل انه وهو في طلبه، وقد عاينه حصره بول فاستبطأ نفسه أن ينزل وعظم عليه أن يبول في ثيابه وسرجه، فانفتقت مثانته وكان سبب موته.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أخبرنا يوسف بن أيوب الإمام بمرو وعبد الله بن يوسف الحربي ببغداد قالا: حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الهاشمي لفظا قال: أنشدنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد ابن المكتفي بالله قال: أنشدني الصولي للمعتضد بالله:
يالا حظي بالفتور والدعج ... وقاتلي بالدلال والغنج
أشكو إليك الذي لقيت من ال ... ود فمل لي لديك من فرج
حللت بالطرف والجمال من النا ... س محل العيون والمهج
أخبرن أبو القاسم بن الحسين بن رواحة الأنصاري قال: أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني الحافظ إجازة إن لم يكن سماعاً قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا محمد بن علي بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم محمد بن عبد الواحد قال: أنشدني أبو الحسن وصيف بن عبد الله الدينوري للمعتضد:
غلب الشوق رقادي ... مثل غلبي للأعادي
هاهنا جسمي مقيم ... وببغداد فؤادي
أملك الأرض ولكن ... تملك الخود قيادي
هكذا كلّ محبّ ... باع قرباً ببعاد
قلت: وقد رويت هذه الأبيات ليحيى بن علي بن المنجم قال: عن لسان المعتضد أنبأنا بها أبو روح عبد المعز بن محمد عن أبي القاسم زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أبو القاسم بن أحمد عن أبي أحمد المقرىء قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي إجازة قال: حدثني يحيى بن علي قال: كنا مع المعتضد في بعض أسفاره فدعاني فقال لي: قلبي ببغداد وان كان جسمي هاهنا، فقل عني شعرا في هذا المعنى أكتب به إلى من أريد ببغداد، فإني قد رمت ذلك فلم يتسق لي فقلت عن لسانه:
هاهنا جسمي مقيم ... وببغداد فؤادي
وكذا كلّ محبٍّ ... باع قرباً ببعاد
أملك الأرض ولكن ... تملك الخود قيادي
غلب الشوق اصطباري ... مثل غلبي للأعادي
فأنا أحتال أن يخفى ... بجهدي وهو باد
ليس وادٍ لا أرى في ... ه حبيبي لي بواد
فاستحسن الأبيات وكتب بها.
قال الصولي: والناس يروونها للمعتضد، وقد حدثني بهذا يحيى بن علي، وكان ما علمت صدوقا فيما يحكيه، فأما الذي للمعتضد في هذا المعنى مما أنشدنيه له محمد بن يحيى بن أبي عباد:
إن جسمي بسميا ... ط وقلبي بالعراق
غلب الشوق اصطباري ... من تباريح الفراق
أملك الأرض ولا أم ... لك دفعا لاشتياقي
قال الصولي: ومن شعر المعتضد:
لم يلق من حرّ الفراق ... أحدٌ كما أنا منه لاق
يا سائلي عن طعمه ... ألفيته مرّ المذاق
جسمي يذوب ومقلتي ... عبرى وقلبي ذو احتراق
ما لي أليفٌ بعدكم ... إلاّ اكتئابي واشتياقي
فالله يحفظكم جميع ... ا في مقامي وانطلاقي
قال الصولي: وكانت دريرة جارية المعتضد مكينة عنده لها موضع من قلبه، فتوفيت فجزع عليها جزعا شديدا، ومن شعر المعتضد فيها لما ماتت، أنشدنيه محمد ابن يحيى بن أبي عباد، وكان إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني يغني منه بيتين، ويقول: الشعر واللحن للمعتضد طرحه علي:
يا حبيبا لم يكن يع ... دله عندي حبيب
أنت عن عيني بعيدٌ ... ومن القلب قريب
ليس لي بعدك في ش ... يء من اللهو نصيب
لك من قلبي على قل ... بي وإن بنت رقيب
وخيالي منك مذ غب ... ت خيال ما يغيب
لو تراني كيف لي بع ... دك عولٌ ونحيب
وفؤادي حشوه من ... حرق الحزن لهيب
لتيقنت بأني ... فيك محزون كئيب
ما أرى نفسي وإن سل ... ليتها عنك تطيب
لي دمعٌ ليس يعصين ... ي وصبرٌ ما يجيب
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي وقال الصولي: ومن شعر المعتضد
ضاع الفراق فلا وجدته ... وأتى الحبيب فلا فقدته

واهتاجني لما أتى ... شوقٌ إليه فاعتنقته
أنشدنيه يحيى بن علي قال: أنشدنيه المعتضد لنفسه وقال: اصدقني عنه فحلفت له أنه من حسن الشعر ومليحه.
قال الصولي: واعتل المعتضد في سنة تسع وثمانين ولم يزل عليلاً مذ وقت خروجه إلى الخادم وتزايدت علته.
وقال: حدثني جابر وسعد بن غالب المطببان أن علته كانت فساد مزاح وجفافاً من كثرة الجماع، وكان دواؤه أن يقل الغذاء ويرطب بدنه قليلاً قليلاً ولا يتعب، فكان يستعمل ضد هذا ويريهم أنه يحتمي، فإذا خرجوا دعا بالجبن والزيتون والسموك والصحاني، فلم يزل كذلك إلى أن سقطت قوته واشتدت علته في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين.
فوافى دار العامة مؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، ووصيف موشجير، وديوداد بن محمد بن أبي الساج وأخوه، والفضل بن راشد، في السلاح في جميع أصحابهم، وأحضر خفيف السمرقندي أصحابه، وكذلك رشيق القاري، وجعفر ابن بغلاقر، وحضر القاسم بن عبيد الله والنوشجاني، ويانس وثابت الرصاصي، وبشر وغلمان الحجر، فسألوا القاسم أخذ البيعة لأبي محمد علي بن المعتضد، فقال القاسم: لست أجسر أطلب مالاً لهذا وأخاف أن أنفق بلا إذن، فيفيق أمير المؤمنين ويبل فأطالب بالمال، فقالوا له بأجمعهم: نحن نضمن المال لك وهو علينا، فقال: رأيكم، فإن أمير المؤمنين المعتضد أمرني أن أسلم المملكة إلى ابنه أبي محمد والخلافة، فبايع الجميع يوم الجمعة بعد العصر وسمي المكتفي، وأفاق المعتضد يوم السبت فلم يخبر بشيء، ثم توفي ليلة الاثنين لخسم ساعات مضت من الليل، فبعث غداة الاثنين لثمان ليال بقين من شهر ربيع الآخر إلى محمد ابن يزيد المهندس فأعلمه صاف أن المعتضد أوصى أن يدفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وينقل إليها أمهات أولاده وولده ليكونوا بالقرب من قبره، فمضى محمد يزيد وحفر قبراً عشر أذرع في خمس، وكفن في ثلاثة أثواب أدرج فيها، وحضر القضاة والفقهاء، وغسله أحمد بن شيبة عند زوال الشمس، وصلى عليه يوسف القاضي، وأدخل حفرته بعد ثلاث ساعات من ليلة الثلاثاء.
وكتب القاسم إلى المكتفي بالخبر، وقد كان كاتبه قبل ذلك بحقيقه حال المعتضد وهو أخذ البيعة، فكانت مدة خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام، ومات وهو ابن خمس وأربعين سنة.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا محمد عبد الله ابن إبراهيم الشافعي قال: حدثنا أبو بكر عمر بن حفص السدوسي قال: المعتضد أرجف الناس بموته يوم الاثنين للنصف من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وذكر خاصته وقواته أنه لم يمت، وخطب له يوم الجمعة لعشر بقين من هذا الشهر، وأخذت البيعة بولاية العهد العلي بن المعتضد بالله ليلة الثلاثاء، ودفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وذكروا أنه أوصى أن يدفن فيها، فكانت ولايته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
وأنبأنا الكندي قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا إبراهيم بن محمد ابن عرفة قال: توفي المعتضد يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، ودفن في حجرة الرخام في دار محمد بن عبد الله بن طاهر، وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي، وتولى أمره، فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
أنبأنا أبو اليمن قال أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر قال: أنبأنا إبراهيم ابن مخلد قال: أخبرنا إسماعيل بن علي قال: توفي أمير المؤمنين المعتضد بالله وله من السن خمس وأربعون سنة وعشرة أشهر وأيام، وكان رجلاً أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق وقد وخطه الشيب في مقدم لحيته طول، وفي مقدم رأسه بيضاء هكذا رأيته في خلافته إلا الشامة.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي الحلبي قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي قال: قرأت على أبي القاسم بن السمرقندي أخبركم أبو الحسن بن النقور، وأبو منصور بن عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار قالا: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: حدثنا أبو محمد عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عيسى السكري قال: حدثنا أبو يعلى قال: حدثنا زكرياء بن يحيى بن جلاد المنقري قال: حدثنا الأصمعي.
قال أبو شجاع البسطامي: ورأيت بخطي أن ابن السمرقندي رواه عن عبد العزيز بن علي بن بنت الحربي عن المخلص عن أبي أحمد بن المهتدى بالله، فالله أعلم، قال: أخبرني أبو أحمد بن المهتدي بالله قال: وقال المعتضد عند نزول الموت به: اللهم إنك تعلم أني أعلم أن لك السموات والأرض وما بينهما فأسألك أن تغفر لي.
أخبرنا أبو اليمن إذنا قال: أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال: أخبرنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى البرمكي المعروف بحجظة قال: قال: لي صافي الحرمي: لما مات المعتضد بالله كفنته والله في ثوبين قوهي قيمتهما ستة عشر قيراطا.
أحمد بن طولون:
أبو العباس قيل إنه ولي حلب في سنة ست وخمسين ومائتين، والذي صح أنه ولي الثغور الشامية في سنة اثنتين وستين ومائتين، وثم ولي حلب وقنسرين والعواصم من جهة المعتمد.
وكان أبو أحمد الموفق منحرفاً عنه، فلم يكن له حيلة في دفعه عن ذلك، ولما تمكن أبو أحمد الموفق استوحش أحمد بن طولون من جهته، وعقد موسى بن بغا لسيما الطويل على أنطاكية، فوصل إليها، واستولى عليها وعلى حلب.
وعصى أحمد بن طولون على أبي أحمد الموفق، وأظهر خلعه عن ولاية العهد، وأخذ خط قضاة بلاده باستحقاقه لذلك، ونزل أحمد بن طولون إلى حلب، فانحاز سيما إلى أنطاكية، فكاتبه أحمد بن طولون يدعوه إلى الطاعة، فامتنع، وكان أحمد إذا لاينه الإنسان لم يرمنه إلا خيراً، ومن خاشنه قاتله، فحينئذ حصره في أنطاكية، ونصب عليه المنجنيقات، وكان سيما سيء السيرة، فراسل أهل أنطاكية أحمد بن طولون، ودلوه على موضع فتح منه الحصن، فركب سيما وقاتل حتى قتلن وأتي برأسه إلى أحمد، فقال أحمد: أما إني كنت أحب لك غير هذا فأبيت، فأنا برىء من دمك، وقد كان بينهما قبل ذلك موافقة ومصادقة، وكان ابن طولون راضيا عنه بإقامة الدعوة له فأبى، وكان آخر قوله له: لأن يلعب الصبيان برأسي يا أحمد آثر عندي من أن تلعب أنت به.
واستولى أحمد بن طولون على الشام جميعه، وجبى أمواله، ولم يحمل شيئاً إلى المعتمد، وقطع السبيل عن بغداد، وحال بين التجار وبين النفوذ من مصر والشام إلى بغداد، ووكل بالطرق، ومنع من في ناحيته أن يكاتبوا أحداً من أهل الأمصار، ومنع حمل مال الخراج بمصر والشام وقنسرين والعواصم، ولعن ابن طولون على منابر بغداد ومكة.
وولى أحمد بن طولون حب غلامه لؤلؤ، وكاتبه أبو أحمد الموفق حتى عاث على مولاه، وجبى الخراج لنفسه، ومضى إلى أبي أحمد الموفق على ما نذكره في ترجمة لؤلؤ إن شاء الله.
وكان أحمد بن طولون من موالي بني العباس وقوادهم، وأولي النجدة والبأس والشجاعة، وله معروف كثير، بنى بمصر الجامع المعروف به، وبنى مصانع كثيرة ومرافق للمسلمين.
ونقلت من خط صالح بن إبراهيم بن رشيدين المصري في مجموعة: ولد أبو العباس أحمد بن طولون في سنة اثنتي عشرة ومائتين، ومات في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين.
وقرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيل به تاريخ أبي سعيد بن يونس، قال في ذكر الغرباء ممن دخل مصر: أحمد بن طولون، يكنى أبا العباس، قدم واليا على مصر، حكي عنه حكايات، قال لي ابن رشيق: قال لي عدنان بن أحمد بن طولون: دخل والدنا أحمد بن طولون رحمه الله مصر، ويكنى أبا العباس، في شهر رمضان لأربع عشرة ليلة خلت منه، سنة أربع وخمسين ومائتين، دخل مصر وله اثنان وثلاثون سنة، أقام بها ست عشرة سنة، وتوفي سنة سبعين ومائتين، ومبلغ سنه ثمان وأربعون سنة.
قلت: فمقتضى قول عدنان يكون مولد أحمد أبيه في سنة اثنتين وعشرين ومائتين، والله أعلم.

أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي قال: كتب إلينا أبو عبد الله محمد بن علي العظيمي وذكر أن أحمد بن طولون ملك حلب في سنة ست وخمسين ومائتين.
أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد كتابة عن أبي غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو غالب بن بشران إجازة قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي، وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: وفي هذه السنة - يعني سنة أربع وخمسين ومائتين - ولي أحمد بن طولون مصر خليفة لبابياك مكان مزاحم بن خاقان، فأخبرني من رأى أحمد بن إسرائيل خارجاً من دار السلطان وهو يقول: إن أمير المؤمنين قد أمر بتولية ابن طولون مصر، وعليها وعليه السلام، فلم يزل عليها هو وولده إلى أن افتتحها محمد بن سليمان.
وقال: ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين، فذكر فيها حوادث ثم قال: وولي أحمد بن طولون الثغور الشامية على أن يحمل في كل سنة أربعمائة ألف دينار.
وقال في سنة أربع وستين ومائتين: وولي ابن طولون أجناد الشام وقنسرين والعواصم والثغور.
وقال في سنة خمس وستين ومائتين: وقتل ابن طولون سيما الطويل وقال فيها: ويقال إنه مات في محابس ابن طولون ثمانية عشر ألفاً.
وقال في سنة تسع وستين: لعن المعتمد ابن طولون في دار العامة، وأمر بلعنه، وعقد لاسحق بن كنداج على أعمال ابن طولون.
قال: ولعن بمكة.
وقال: وفي هذه السنة بني أحمد بن طولون أربعة أروقة على قبر معاوية ابن أبي سفيان وأمر أن يسرج هنالك، وأجلس أقواماً معهم المصاحف يقرأون القرآن.
أنبأنا أبو روح الهروي عن زاهر بن طاهر عن أبي القاسم البندار عن أبي أحمد المقرىء عن أبي بكر الصولي قال في سنة اثنتين وستين ومائتين: وولي أحمد ابن طولون الثغور الشامية إلى ما كان يلي من مصر، وفورق على أن يوجه في كل سنة بأربعمائة ألف دينار.
وقال الصولي في سنة خمس وستين ومائتين: وجاء أحمد بن طولون إلى أنطاكية فافتتحها وقتل سيما الطويل، وكان بها.
وقال في سنة تسع وستين: وركب المعتمد يوم الجمعة فصار إلى دار العامة، وأحضر الناس، فلعن ابن طولون، وصلى بالناس المفوض ولعنه، وعقد لاسحق على أعماله.
وقال في سنة سبعين: وورد الخبر أن ابن طولون أمر فبنيت أروقة عند قبر معاوية، وأجلس رجالاً يقرأون في المصاحف عنده.
قلت إنما فعل ابن طولون هذا معاندة لبني العباس، وأبي أحمد الموفق حين لعن على المنابر وبمكة وامتنع من حمل الخراج.
قرأت في كتاب أبي القاسم يحيى بن علي الحضرمي الذي ذيل به تاريخ ابن يونس: حدثنا ابن رشيق قال: حدثنا سعيد بن هاشم الطبراني قال: حدثنا أحمد ابن محمد الطبراني قال: حدثني أبي قال: كنت جالساً عند أحمد بن طولون ذات يوم فدعا برجل، فأدخل إليه فناظره ثم قال لحاجب من حجابه: خذ هذا فاضرب عنقه وائتني برأسه، فأخذه ومضى به، فأقام طويلاً ثم أتى وليس معه شيء، فقال له أحمد بن طولون: ما قصتك؟ وماذا فعلت؟ فقال: أيها الأمير الأمان، قال: لك الأمان، قال: مضيت بالرجل لأضرب عنقه فجزت ببيت خال، فقال لي: ائذن لي أدخل هذا البيت فأصلي فيه ركعتين، فاستحييت من الله عز وجل أن أمنعه من ذلك فأذنت له، فدخل فأطال، فدخلت إلى البيت فلم أجد فيه أحداً وليس في البيت طاق نافذ، فجئت لأخبرك بذلك.
قال: فقال له: فهل سمعته يقول شيئاً؟ قال: نعم، قال: ماذا سمعته يقول؟ قال: سمعته قد رفع يديه وهو يشير باصبعه وهو يقول: يا لطيف لما يشاء، يا فعال لما يريد صلي على محمد وآله والطف لي في هذه الساعة وخلصني من يديه، فدخلت البيت بعد هذا أطلبه فلم أجد فيه أحداً، فقال له أحمد بن طولون: صدقت هذه دعوة مستجابة.

وقال الحضرمي: سمعت محمد بن الحسن بن محمد بن يحيى يقول: سمعت أبا يعقوب بن صيغون الرجل الصالح يقول: كان لي صديق بالمعافر من خيار المسلمين، فقير كان له أربع بنات، فجمعن من غزلهن أحد عشر دينارا اشترين جارية أعجمية تستقي لهم من العيون والمصانع بالمعافر، وتخبز الخبز وتخدمهم، فهربت منهم في بعض الأيام، فأخذها أصحاب المصالح في بني وائل، فجئت فأخبرني بذلك، فجئت إلى أصحاب المصالح فكلمتهم فقالوا: لا ندفعها إلا بأربعة دنانير، فخاطبت البنات فأخرجن إلي أربعة أزواج حلق في كل زوج نصف دينار، فجئت إلى أصحاب المصالح، فقالوا: لا نأخذ إلا أربعة دنانير، فانصرفت آخر النهار إلى بركة المعافر وقد دخلها الماء، فجلست على حجر على الماء، وقلعت نعلي وجعلت الحلق عليها، فبينا أنا مهموم إذ برجل على بغل قد وقف بي، ونزل إلى جانبي وقلب العنان وأمسكه بيده وحادثني، واستخبرني عن مسكني وموضعي واستوصف منزلي إلى أن سألني عن سيرة الوالي، فأخبرته أن له معروفا، وقد عمل هذه المصانع للماء والمارستان، وبنى الجامع، وحبس عليها الأحباس، إلى أن سألني عن تلك الحلق التي رآها على النعل، فأخبرته الخبر، فقال لي: أنت تصف الرجل بالعدل ويستعمل من هؤلاء القوم، يفعل هذا الفعل؟ فقلت: لا علم له بفعلهم، وحضرت صلاة المغرب فقال لي: تقدم وصل بي، ووقف على يميني فصليت به المغرب، ثم فرغ وركع، وركب بغله وأخذ على المقابر على الصحراء وانصرفت إلى منزلي، فإني لجالس على إفطاري إذ سمعنا على الباب جلبة، فاطلعت إحدى البنات فقالت لي: يا أبت على الباب قوم من أصحاب السلطان فنزلت فإذا صاحب الشرطة سري فحملني على بلغ وأخذ بي على الصحراء إلى جبل، فإذا جمع وإذا بصاحبي جالس وبين يديه شمع، فقال لي: عندي يا إمامي، الساعة صليت بي المغرب، ثم قال: يا سري ما يقدر لي أبو أحمد الموفق على مثل ما كدتني به أنت، أبو أحمد يلقاني برجال، وألقاه برجال، وبكراع وسلاح وعدة، وألقاه بمثلها، أبو أحمد لا يقدر يوقف لي الليلة مثل هذا الرجل المستور في الليل وخلفه أربع بنات مظلومات يرفعون أيديهم إلى الله، هذا يهلكني.
قال: ثم التفت إلي فقال: أنشدك الله إن دعوت علي، ثم قال: يا سوار أحضر ما قلت لك، فأحضر أربع صرر وأربع رزم ثياب وقال لي: يا شيخ ادفع الصرر إلى أصحاب الحلق إلى كل واحدة مائة دينار ورزمة من الثياب يكتسينها، وهذه ثلاثون ديناراً ابتع بها جارية مشهورة مخبورة، وبيعوا هذه الجارية التي باتت بحيث لا يصلح. أجريت عليك وعلى بناتك خمسه دنانير في كل شهر لكل نفس منكم دينار ومائدة طعام يوم الإثنين ومائدة يوم الخميس، ولا تدعو علي وانصرف.
وقال الحضرمي: حدثنا محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن يحيى قال: حدثني أبو اسحق بن الطبيب قال: ركب أحمد بن طولون إلى الجامع في جيشه ورجالته، فاجتاز بالموقف، وكان في الموقف دكان فقاعي، فعبث السودان بالفقاع فبددوه في مسيرهم، ثم جاء أحمد بن طولون وقد انكشف له الأرض فرأى الفقاع مبدداً، وكان بين يديه ابناه العباس وخمارويه يحجبانه، فنزلا فرأيتهما يجمعان الفقاع من الأرض، ويردانه إلى دكان الفقاعي حتى بقيت واحدى على بعد، فأومى باصبعه إليها، فرأيتهما قد علقا سيفي ذهب بأيديهما وجريا إليها حتى أخذها أحدهما وردها إلى دكان الفقاعي، فحينئذ سار الأمير أحمد بن طولون.
قرأت في كتاب نزهة عيون المشتاقين تأليف أبي الغنائم عبد الله بن الحسن النسابة قال: وحدثني فخر الدولة نقيب النقباء الطالبيين قال: حدثوني عن أحمد ابن طيلون أنه أراد أن يرفع المكوث التي على الناس بمصر فقال لوزيره: أبصر كم مبلغ المكوس؟ فقال: مبلغها مائة ألف دينار في كل سنة، فقال له: أريد أن أرفعها عن الناس، فقال له الوزير: لا تفعل أيها الأمير فإنك إن حططتها ضاق عليك المال، وطالبك الرجال، فتقصر يدك عن مالهم ويكون ذلك فساد، فثنى عزمه عن حطها.
قال: فلما كان عشية ذلك اليوم رأى أحمد بن طيلون الأمير في النوم كأن قائلاً يقول له: يا فلان رجع بدا لك مما هممت به من حط المكوس عن الناس، لو كنت تركته لله عز وجل لكان عوضك خيراً مما تركت، فانتبه فقال: والله لا أخذتها لقاء الله عز وجل، ثم أمر فحطت عن الناس بأسرها.

قال: ثم بقي مدة يسيرة وركب حتى أتى إلى سفح الجبل فوقعت رجل الفرس في مثل الخوار من الأرض فنظروا، فإذا هو كنز فيه ألف ألف دينار، فأخذها وبنى منها مسجد ابن طيلون بمصر، ووجه إلى الثغور بأربعمائة ألف دينار، واستقل ببقية المال، ولم يأخذ المكوس أيام حياته.
هكذا قال: ابن طيلون وهي لغة العوام، وقد كان أبو الغنائم الزيدي يقع في ذلك كثيراً وكان لحانا.
نقلت من خط أبي الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد المعري في تعليق له حمله إلي بعض عقبه - في التاريخ، سنة سبعين ومائتين، وفيها: توفي أحمد بن طولون في ذي القعدة، وقام مكانه ابنه خمارويه.
ونقلت من تاريخ مصر وذكر ولاتها تصنيف أبي بكر عبيد الله بن محمد ابن سعيد بن أبي مريم قال: وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ولي أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين.
وقال: في سنة تسع ابن طولون على حاله إلى الصلاة، وابن المدبر على الخراج؛ وفيها توفي المهتدي وبويع للمعتمد.
قال: وفي سنة ستين ومائتين أحمد بن طولون على الصلاة إلى سنة سبعين ومائتين وفيها توفي أحمد بن طولون لعشر ليال خلت من ذي القعدة.
أنبأنا عمر بن طبرزد عن أبي غالب بن البناء عن أبي غالب بن بشران فقال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا أبو عبد الله نفطويه قال: وشخص ابن طولون من دمشق ووافى المعتمد مدينة السلام فلعن بها ابن طولون، ثم ورد الخبر بوفاة ابن طولون بعد أيام.
أنبأنا ابن المقير عن ابن ناصر قال أنبأنا أبو القاسم البندار قال: أخبرنا أبو أحمد المقرىء إذناً عن أبي بكر الصولي قال: سنة سبعين ومائتين قال: ووافى اسحق بن كنداج لليلتين خلتا من جمادى الآخرة فخلع عليه خلعة فيها سيفان محليان وعقد له على المغرب، فشخص إلى سر من رأى من يومه لأنه اتصل به مصير ابن أبي الساج إلى عانة وأنه دعا بالرحبة لابن طولون وأن أحمد بن مالك ابن طوق دعا لابن طولون بقرقيسياء، وكذلك ابن صفوان العقيلي.
قال: وانصرف ابن طولون من دمشق وهو شديد العلة إلى مصر، وانصرف أصحابه عن الرحبة وقرقيسسياء، فخرج المعتمد يريد بغداد، وأمر بلعن ابن طولون على المنابر، وورد الخبر يوم السبت لست خلون من ذي الحجة بموت أحمد بن طولون، توفي بمدينة مصر.
قال الصولي: وفيها مات أحمد بن طولون والحسين بن زيد لعشر خلون من ذي القعدة.
قرأت في سيرة أحمد بن طولون من تأليف ابن زولاق المصري قال في آخرها: ورآه عبد الله بن القاسم، وكان من أصحاب سيما الطويل، قال: رأيت فيما يرى النائم كأن سيما الطويل متعلق بأحمد بن طولون على باب مسجد، وهو يصيح بأعلى صوته يا رسول الله أعدني على أحمد بن طولون فإنه قتلني واصطفى ما ملكت، وأسرع في أهلي وولدي، فصاح به صائح: كذبت يا سيما ما قتلك أحمد بل قتلك عجيج شمل التاجر الذي ظننت أن عنده مالاً فضربته حتى أشرف على الهلكة، ثم دخنت عليه حتى مات في التدخين، أنت وأحمد خاطئان إلا أن أخفكما وزراً أحسنكما سيرة، وأكثركما معروفاً أقربكما من المغفرة.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسن المؤدب قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله المالكي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي ابن سيف العنزي قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن أحمد المنجم النديم قال: سمعت محمد بن علي المادرائي قال: كنت أجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخاً هند قبره يقرأ ملازماً للقبر، ثم إني لم أره مدة، ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه؟ فقال: بلى كان قد ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن، قلت له: لم انقطعت عنه؟ فقال لي: رأيته في النوم وهو يقول لي: أحب أن لا تقرأ عندي، فكأني أقول له: لأي سبب فقال: ما تمر بي آية إلا قرعت بها وقيل لي: ما سمعت هذه؟
أحمد بن الطيب بن مروان الخراساني السرخسي:

ويعرف بابن الفرانقي، حدث عن أبي عبد الله أحمد بن حمدون بن اسماعيل النديم، وابن حبيب، وعمر بن شبة، وأبي جعفر محمد بن موسى، ومحمد بن يزيد الثمالي وعبد الله بن هارون الواثق بن المعتصم، وأبي الخطاب ابن محمد بن الحسين بن الحسن بن عمران الطائي، وأبي عبد الله الحسين بن علي ابن طاهر ذي اليمينين، ويعقوب بن اسحق الكندي.
روى عنه أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري، وأحمد بن اسحق بن إبراهيم الملحمي، وجحظة البرمكي، والحسن بن علي الخفاف، والحسن بن محمد الأموي عم أبي الفرج الأصبهاني، وأبو بكر محمد بن أبي الأزهر، وأبو علي المحسن بن علي بن محمد التنوخي.
وقدم حلب صحبة أبي العباس المعتضد حين قدمها في حياة أبيه لمحاربة خمارويه ابن أحمد بن طولون في سنة إحدى وسبعين ومائتين؛ ووقفت على نسخة ذكر مسير أبي العباس لهذه الوقعة منذ خرج من بغداد إلى أن عاد إليها في كتاب سيرة المعتضد تأليف سنان بن ثابت، وذكر أنه نقله من خط أحمد بن الطيب، وذكر فيه دخوله حلب، وذكر صفة المدينة وتسمية أبوابها وصفة قلعتها، وقد ذكرنا في صدر كتابنا شيئاً مما نقله عنه، وكان أحمد بن الطيب نديماً للمعتضد وخصيصاً به قبل الخلافة وبعدها، ثم غضب عليه لأمور نذكرها إن شاء الله فقتله.
أخبرنا أبو الفضل ذاكر بن اسحق بن محمد الهمذاني بالقاهرة المعزية قال: أخبرنا أبو سهل عبد السلام الهمذاني قال: أخبرنا أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمر البيع قال: أخبرنا أبو غانم حميد بن المأمون قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي أبو بكر قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الأسدي قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري قال: حدثنا أحمد بن الطيب بن مروان السرخسي - وأدخلني عليه أبو الحسن الكردي - قال: حدثني أبو عبد الله محمد ابن حمدون بن اسماعيل قال: حدثني أبي عن المعتصم قال: سمعت المأمون يحدث عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي بن عبد الله عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحتجموا يوم الخميس فمن احتجم يوم الخميس فناله مكروه فلا يلوم إلا نفسه.
قال أحمد بن الطيب: فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن الواثق أبي القاسم فقال: سمعت أبي الواثق يحدث به عن المعتصم بهذا الاسناد.
هكذا جاء في هذه الرواية قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن حمدون، والمعروف أبو عبد الله أحمد بن حمدون، وقد تقدم ذكره.
وقع إلى كتاب صنفه أحمد بن الطيب السرخسي، ووسمه بزاد المسافر، ذكر فيه وصية المسافر وخدمة الملوك، وهو كتاب كتبه إلى بعض إخوانه وقد أراد سفراً لخدمة بعض الملوك، فوجدته كتابا حسنا جامعاً لوصايا نافعة من كلامه وكلام غيره، فمما قرأت فيه من الوصايا البالغة من كلام أحمد بن الطيب قوله: إن أول ما أوصيك به وأحثك عليه، وأراه عزاً وسعة وغنما وفائدة وأنسا، وكثرة وحصنا وجنة ونبلاً ورئاسةً، استشعار تقوى الله وخشيته والحذر منه في حالاتك كلها، فإنه لا يخاف من خافه، ولا يأمن من عصاه، يتفرق الأعوان، وينسأ الاخوان، وينأى الجيران، ويجور السلطان، والله موجود بكل مكان لمن أيقن ألا حول ولا قوة إلا به، فاجعل الثقة بالله معولك، والاعتماد عليه ثقتل، والتوكل عليه نصيرك، والطاعة له سلاحك وعدتك، وإن نالك خير فاقرنه بشكر، فإن الشكر على الخير زيادة في النعمة، وإن يمسك ضير، فاجعل مفزعك إلى الله.
وجماع القول: ارض بالله طبيبا يبرك من داء البطر عند النعم، وذل الاستكانة عند حلول المحن، وتعوذ بالله من الشيطان كما أمرك يحرسك من شياطين الانس والجن، وتعود بالله من شر نفسك يقك مصارع هواك، ازجر غضبك بتذكر الحال التي أنت عليها من عجز أو قدرة، فإن الغضب مع العجز يظهر الزلة والقلة، والغضب مع القدرة يظهر الطيش والعجلة، وفي الحاجتين جميعاً تعدم الحلم والأناة، وحيث تعدم الحلم والأناة تعدم الفكرة، وحيث تعدم الفكرة تعدم الحكمة، وحيث تعدم الحكمة تعدم الخير كله.
واعلم أن الشهوة من أكبر أعوان الهوى، فمن قويت شهوته اشتد حرصه، ومن اشتد حرصه عمي عن مراشده، ومن عمي عن مراشده أخطر ببدنه ودينه.

ونقلت من كتابة في خدمة الملوك قال: قال لي انسان مرة: لو صحبت الأمير أعزه الله بم كنت تخدمه؟ فقلت له: كنت أخدمه بأن لا أكذبه إذا سأل، ولا أصدقه إذا سكت، ولا أخونه إذا ولى، ولا أذمه إذا عزل، ولا أساعد له عدواً، ولا أجالس من كان عنده طبيباً، لا أسأل ما لم ينله نظرائي، ولا أرتفع فوق قدري، لا أكتسب به من غيره، ولا أشكر على نعمته سواه، فإن حسن موقعي منه شكرته بالزيادة فيما قرب منه، وإن جرى المقدار بخلاف ذلك كنت غير لائم لنفسي، ولا عاتب على فعلي.
ووقفت على كتاب المسالك والممالك من تصنيف أحمد بن الطيب، وقد أوردت منه فوائد في صدر كتابنا هذا في ذكر البلدان المتعلقة بحلب.
قرأت في مجموع وقع إلى بيتين لأحمد بن الطيب وهما:
نعم مصاد المرء للشهادة
اللحية الضخمة والسجادة
قرأت بخط الشريف محمد بن الحسن بن كمال الشرف أبي الحسن الأفساسي: وقف أحمد بن الطيب السرخسي على المبرد، فقال له المبرد: أنت والله كما قال البحتري:
فعالك إن سئلت لنا مطيع ... وقولك إن سألت لنا مطاع
خصال النبل في أهل المعالي ... مفرقة وأنت لها جماع
أنبأنا أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب السباك عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري قال: أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري عن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر قال: وحدثني أحمد ابن الطيب صاحب الكندي قال: دخلت يوما على أمير المؤمنين المعتضد بالله فإذا بين يديه برذعة الموسوس، فقال لي: يا أحمد ادن مني، فدنوت منه موضع السر، فقال لي: قل لبرذعة: يا أبا عبد الله خبز، وكان إذا قيل له هذا خرج الأمر عن يده فلم يقرب من أحد إلا أثر فيه، وكان المعتضد بفرط شهوته للصنعة قد اتخذ له ولنظرائه ولجماعة من الندماء بين يديه بابا مستطيلا ينطبق على وهدة إذا وطيء عليها الانسان خرج من بعض أقسامها كفان بلولب فاعتورنا الانسان الواقف وأطبقتا عليها قيداً مقسوماً بهلالين في طرف أحدها عمود المقفل وفي الآخر فراشة فإذا التقتا فكأن يداً أقفلت قفلا فلا يتهيأ للرجل مجنونا كان أو صحيحا التخلص منه إلا بعد أن يجيء الخادم بمفتاحه فيفتحه، فقال أحمد بن الطيب: فقلت: يا أبا عبد الله خبز فوثب وثبة ليقرب مني، فأخذه القيد، فبقي يزبد ولا يتهيأ له فيّ حيلة، والمعتضد يسكنه ويشغله عني حتى سكن، فقال له: ما تشتهي يا أبا عبد الله؟ فقال له: أشتهي أن يجلس ابن الطيب إلى جانبي، فقال: قم يا أحمد فاجلس إلى جانبه، فقلت على شريطة أن يضع أبو عبد الله يديه على الأرض ويقوم على أربعة، وكان إلى جانب ذلك الموضع باب آخر لطيف على هذه الصورة، قال: نعم، فلما وضع يديه نالهما ما نال رجليه، فبقي موثقا، فوثبت فقربت منه، فنظر إلي من غير أن يتمكن مني لبطشه، فصا صياح الشاة ووصل ذلك، فلم يتمالك المعتضد ضاحكا، وكان بعيدا من الهزل، فلما بصر به برذعة وهو يضحك نظر إلي وهز رأسه ثم أقبل على المعتضد وقال:
يا ابن الموفق لا تضاحك ... واحذر وإلا صرت شاة
هذا خبيث مخبث ... من شر خبّات السعاة
فاحذره واكتب ما أقو ... ل بظهر تذكرة الدواة
لا تأنسن به فإن ... ني قد نصحت وها وهاة
قال: فوالله لقد رأيت المعتضد وقد تغير وجهه وانحط أنسه، فلم أزل أتعرف ما أثر فيّ من تحريضه، فما زالت تلك الخبية في نفس المعتضد حتى قتل أحمد بسبب السعاية.
كتب إلينا أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل الهروي أن زاهر بن طاهر الشحامي أنبأهم عن أبي القاسم علي بن أحمد قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد ابن أحمد بن أبي مسلم إذناً قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي إجازة قال: في سنة ثلاث وثمانين غضب المعتضد على أحمد بن الطيب ووجه بشفيع اللؤلؤي ونحرير الصغير خادم بدر فقبضوا على جميع ما في داره، وقرروا جواريه على ماله حتى أخذوه، فاجتمع من ذلك ومن ثمن آلاته مما حمل إلى بيت المال مائة وخمسون ألف درهم.

قال: فحدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال: كان سبب غضب المعتضد على أحمد بن الطيب أن أحمد كان قديما يمدح عنده الفلاسفة ويستعقلهم ويحكي مذاهبهم، فيقول المعتضد: أنت على دينهم وكيف لا تكون كذلك وأستاذك الكندي، وكان قد تخمر في نفس المعتضد أنه فاسد الدين، وكان ابن الطيب أحمق معجبا يدعي ما لا يحسن، وكان مع قصر عقله في لسانه طول، فكان كثيرا ما يقول للمعتضد: الأمور تخفى عليك وتستر دونك، فقال له يوما: ما الدواء؟ قال: توليني الخبر على أبي النجم وعبيد الله، قال: قد وليتك، قال: فاكتب بذلك رقعة، فكتب رقعة بخطه بتوليته، فجاء بها إلى عبيد الله يعلمه ذلك ويتقرب إليه أنه لم يستر ذلك عنه، فأخذها عبيد الله ووثب، وطلبها ابن الطيب، فوجه إليه أنا أخرج بها إليك، ووكل به في داره، وركب إلى بدر فأقرأه إياها، فركب إلى المعتضد بالله حتى عرفاه الخبر، ورمى عبيد الله بنفسه بين يديه وقال له: أنت يا سيدي نعشتني وابتدأتني بما لم أؤمله، وكل نعمة لي فمنك وبك، فسكن منه، وقال: إنه يسعى عليكما عندي فاقتلاه وخذا ما يملكه، فأدخل المطامير، وكان آخر العهد به.
قال محمد بن يحيى الصولي: وقد قيل إن سبب ذلك أن عبيد الله لما أراد الخروج إلى الجبل مع بدر قال المعتضد لبدر: الصواب أن يحضر أحمد بن محمد جراده ليعاون القاسم على خدمتنا، فسمع ابن الطيب ذلك فأداه إلى عبيد الله فرده عبيد الله على المعتضد، وقال له نحو ما حكي في الخبر الأول، فعزم عليه ليخبرنه من قال له ذلك، فقال: ابن الطيب، فكان هذا سببه.
وقال أبو بكر الصولي: حدثني محمد بن أحمد أبو الحسن الأنصاري قال: كان ابن الطيب يختلف معنا إلى الكندي، وكان الكندي يقول: هذا أحمق وسيتلف نفسه بحمقه، فكان كما قال.
قال الصولي: حدثنا الحسن ين اسماعيل قال: كان القاسم يغتاظ من ابن الطيب فيقول له أبوه: نحن نخنقه بوصفه، وكان المعتضد بالله ربما نفث بشكواه والتأذي منه بالكلمة بع الكلمة فيقرظه عبيد الله ويحتج عنه، فذكر عبيد الله يوما بشيء قدام المعتضد، فقال له المعتضد: كفاك إن عبيد الله ما ذكرت لي قط إلا احتج عنك ووصفك، وأنت ما ذكرته عندي قط إلا غمزت منه على جانب، قبحك الله وقبح طبعك السوء، ثم انكشف أمره فأوقع به في سنة ثلاث وثمانين.

أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري إجازة عن أبي علي المحسن بن علي التنوخي قال: كان الذي نقمه المعتضد على أحمد بن الطيب أن عبيد الله بن سليمان دخل يوما على المعتضد وقد تغيظ المعتضد عليه من شيء بلغه عنه، وخاطبه بما يكره، فلما خرج قال: يا أحمد ما ترى إلى هذا الفاعل الصانع، قد أخرب الدنيا واحتجز الأموال، وفي جنبه ثلاثة آلاف آلاف دينار ما يمنعني من أخذها إلا الحلم عنه، وفعل الله بي وصنع إن أنا استعملته أكثر من هذا، قال: فخرج أحمد بن الطيب فوجد عبيد الله على الباب ينتظره، فحمله إلى داره وواكله وسقاه ووهب له مالا عظيما، وخلع عليه خلعا كثيرة، ورفق به وسأله أن يعلمه ما عساه جرى بعد خروجه من ذكره، فاستحلفه أحمد على كتمان ذلك فحلف له، فكتمه فخبره الخبر على حقيقته، وودعه أحمد ونهض، فركب عبيد الله من غد بعد أن عمل ثبتاً يحتوي على جميع ماله من عين وورق وضيعة وخرثي وقماش وعقار ودار، ودابة وبغل ومركب، وغلام وآلة وسائر الأعراض، وجاء إلى المعتضد فخاطبه على الأمور كما كان يخاطبه، فلما حضر وقت انصرافه قال: أريد خلوة من أمير المؤمنين لمهم عارض أذكره، فأخلى مجلسه له، فحل سيفه بين يديه ومنطقته، وقبل الأرض وبكى وقال: يا أمير المؤمنين الله الله في دمي، أقلني واعف عني، وهب لي الحياة، واغفر لي إجرامي، وما في نفسك علي، فأما مالي فوالله، وابتدأ يحلف بالطلاق والعتاق وما تبعه من أيمان البيعة إن كتمتك منه شيئا، وهذا ثبت بجميع ما أملكه فخذه بطيبة من قلبي، وانشراح من صدري، بارك الله لك فيه، ودعني أخدمك بدابة واحدة، فقال له المعتضد: ما بك إلى هذا حاجة، ولا في نفسي عليك ما يوجب هذا، فقال: الآن قد علمت أن رأي أمير المؤمنين علي فاسد إذ ليس يخرج إلي بما عنده فيّ، ولا يقبل ما بذلته، ولا يقع منه عقاب، وأخذ يلج في البكاء والتضرع، فرق له المعتضد وتغيظ من معرفته بذلك، فقال: أتحب أن أفعل هذا؟ قال: نعم، قال: تصدقني عن السبب الذي حملك على هذا، فعرفه ما جرى له مع أحمد بن الطيب، فرضي عنه وحلف له على ما سر به وخفف عن خاطره، ووثق له أنه لا يسيء إليه وأنفذ في الحال وقبض على أحمد بن الطيب وحبسه.
قال التنوخي: وقيل إن السبب في قتله أن أحمد بن الطيب دعاه إلى مذاهب الفلاسفة والخروج عن الاسلام، فاستحل قتله، فلما أجمع على قتله أنفذ إليه يقول له: أنت كنت عرفتنا عن الحكماء أنهم قالوا: لا يجب للملوك أن يغضبوا، فإذا غضبوا، فلا يجب لهم أن يرضوا، ولولا هذا لأطلقتك لسالف ذمتك وخدمتك، ولكن اختر أي قتلة تحب أن أقتلك، قال: فاختار أن يطعم اللحم المكبب ويسقى الشراب العتيق حتى يسكر، ثم يفصد من يديه، ويترك دمه يجري إلى أن يموت، فأمر المعتضد بذلك، ففعل به، وظن أحمد أن دمه إذا انقطع مات في الحال بغير ألم فانعكس ظنه.
قال: وذلك أنه لما فصد نزف جميع دمه ثم بقيت معه من الحياة بقية فلم يمت وغلبت عليه الصفراء فصار كالمجنون ينطح برأسه الحيطان ويصيح ويضج لفرط الآلام ويعدو في محبسه ساعات كثيرة إلى أن مات، فبلغ المعتضد ذلك، فقال: هذا اختياره لنفسه، وليس في الفساد بأكثر مما اختاره لنفسه من الرأي الذي جر عليه القتل.

أنبأنا أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف عن أبي الفتح بن البطي عن أبي عبد الله الحميدي قال: أخبرنا غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن ابن ابراهيم الصابىء قال: حدثني - يعني أباه - قال: حدثني جدي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبو اسحق أبي قال: جرى بيني وبين أبي الحسين القاسم بن عبيد الله في وزارته للمكتفي بالله ذكر أحمد بن الطيب السرخسي الذي قتله المعتضد بالله فقال: كان المعتضد بالله يعد بعد قتله إياه ذنوبه إليه والأمور التي أنكرها عليه ليعلم أنه كان مستحقا ما عمله به، فمما حدثني به عنه أن كان له مجلس يجتمع إليه أهل العلم فيفاوضونه ويفاوضهم، وكنت ربما سألته عن هذا المجلس وما يجري فيه فيخبرني به، وسألته في بعض الأيام على عادتي، فقال: يا أمير المؤمنين مر بي أمس شيء طريف، قلت: ما هو؟ قال: دخل إلي في جملة الناس رجل لا أعرفه حسن الرواء والهيئة، فتوهمت فيه أنه من أهل الفضل والمعرفة، وقعد لا ينطبق من أول المجلس إلى آخره، فلما انصرف من كان حاضرا لم ينصرف معهم، فقلت: ألك حاجة؟ قال: نعم تخلي لي نفسك، فأبعدت غلماني، فقال لي: أنا رجل أرسلني الله تعالى إلى هذا البشر وقد بدأت بك لفضلك، وأملت أن أجد عندك معونة على ما بعثت له، فقلت له: يا هذا أما علمت أني مسلم أعتقد أنه لا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قد علمت ذلك وما جئتك إلا بأمر وبرهان، فهل لك في الوقوف على معجزتي، فأردت أن أعلم ما عنده فقلت له: هاتها، فقال: يحضر سطل فيه ماء، فتقدمت بإحضاره، وأخرج من كمه حجرين أصمين صلدين كأشد ما يكون من الصخر، وقال لي: خذهما، فأخذتهما، فقال: ما هما:؟ فقلت حجران، قال لي: رم أن تكسرهما فلم أستطع لشدتهما وصلابتهما، فقلت: ما أستطيع، فقال: ضعهما في السطل، فوضعتهما، قال: وغطهما، فغطيتهما بمنديل، وأقبل يحدثني، فوجدته ممتعا كثير الحديث، شديد العبارة، حسن البيان، صحيح العقل لا أنكر منه شيئا، فلما طال الأمر قلت له: فأي شيء بعد هذا؟ فقال: أخرج لي الحجرين، فكشفت عنهما وطلبتهما في السطل فلم أجدهما وتحيرت وقلت: ليس في السطل شيء، فقال لي: أنت تركتهما بيدك ولم أقرب منهما، ولا لحظت السطل بعيني فضلا عن غيره، فقلت صدقت، فقال لي: أما في هذا إعجاز؟ فقلت: بقيت عليك حال واحدة، قال: ما هي؟ قلت: آتيك بحجر من عندي فتفعل به مثل هذا، فقال لي: وهكذا قال أصحاب موسى له: نريد أن تكون العصا من عندنا، فتوقفت عن جوابه لأفكر فيه، فقام وقال: فكر في أمرك إلى أن أعود إليك وانصرف وندمت عبد انصرافه على إخراجي عنه، وأمرت الغلمان بطلبه ورده فتفرقوا في كل طريق وما وجدوه.
قال القاسم: وقال لي المعتضد بالله: أتدري ما أراد أحمد بن الطيب لعنه الله بهذا الحديث؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: إنما أراد أن سبيل موسى عليه السلام في العصا كانت كسبيل هذا الرجل في الحجرين وأن الجميع بحيلة، وكان ذاك من أكبر ما نقمت عليه.
أخبرنا أبو الحسن بن المقير إذنا عن أبي الفضل بن ناصر قال: أنبأنا أبو القاسم بن أحمد عن أبي أحمد بن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي قال: وأنشدني يحيى بن علي لنفسه في ابن الطيب، وكان قد زعم أنه أحرق كتبه كلها إلا الحديث والفقه واللغة والشعر، فقال المعتضد: وما ينفعه ذلك مع كفره.
يا من يصلى رياءً ... ويظهر الصّوم سمعه
وليس يعبد ربّاً ... ولا يدين بشرعه
قد كنت عطلت دهراً ... فكيف أسلمت دفعه
إن كنت قد تبت فالش ... يخ لا يفارق طبعه
لو ظلت في كل يوم ... مصلّياً ألف ركعه
وصمت دهرك لا مف ... طراً ولا يوم جمعه
ما كنت في الكفر إلا ... كالنار في رأس قلعه
تتلو القران ولو تس ... طيع فرقت جمعه
وإن سمعت بحق ... حاولت بالزور دفعه
قل لي أبعد اتباع ال ... كندي تعمر ربعه
وتستقي الكفر منه ... ولا تحاذر شنعه
أظهرت تقوى ونسكا ... هيهات في الأمر صنعه
ولو بدا لك سلح ... منه لآثرت لطعه
فاذهب إلى مذهب الشي ... خ ربّ صك برجعه

فما تقاك مليحأ ... وليس كفرك بدعه
فأنشدتها المعتضد بالله في آخر أيام ابن الطيب، فقال: اكتبها وادفعها إليه، ففعلت ذلك.
ذكر أبو الحسين محمد بن أحمد القواس قال: ولي أحمد بن الطيب الحسبة يوم الاثنين، والمواريث يوم الثلاثاء، وسوق الرقيق يوم الأربعاء لسبع خلون من رجب سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
قال: وفي هذا اليوم وهو يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين غضب على أحمد بن الطيب.
قال: وفي يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الأولى ضرب أحمد بن الطيب مائة سوط وحول إلى المطبق، وفي صفر سنة ست وثمانين ومائتين مات أحمد بن الطيب السرخسي.
حرف الظاء في آباء الأحمدين
فارغ
ذكر حرف العين في آباء الأحمدين
من اسم أبيه عاصم من الأحمدين
أحمد بن عاصم بن سليمان:
أبو عمر الجعدي البالسي الخضيب، حدث ببالس عن العباس بن اسماعيل قريق، ومحمد بن عمرو الباهلي، روى عنه أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أخبرنا أبو الفرج محمد بن علي بن حمرة القبيطي في كتابه قال: أخبرنا أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري عن أبي القاسم اسماعيل بن مسعدة الاسماعيلي قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الرحمن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عاصم البالسي قال: حدثنا محمد بن عمر الباهلي عن عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن مجاهد بن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجلن إلى شيء تظن انك ان استعجلت إليه انك مدركه وإن كان الله عز وجل لم يقدر ذلك، ولا تستأخرن من شيء تظن أنك ان استأخرت أنه مدفوع عنك وإن كان الله عز وجل قد قدره عليك.
أحمد بن عاصم الأنطاكي:
أبو عبد الله، وقيل أبو علي الزاهد الحكيم صاحب المواعظ، من كبار المشايخ وزهادهم وأولى الحكمة واللسان، روى عن الهيثم بن جميل الأنطاكي، ومخلد بن الحسين، وأبي قتادة، وسفيان بن عيينة، ويوسف بن أسباط وأبي معاوية محمد بن حازم الضرير، وأبي يعقوب اسحق بن إبراهيم الحنيني، وقيل إنه رأى الفضيل بن عياض.
روى عنه أحمد بن أبي الحواري، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وأبو عمرو السراج، وأبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى التميمي، وعبد العزيز بن محمد بن المختار، وأحمد بن صالح، واسحق بن عبد المؤمن الدمشقي، وعلي بن الموفق البغدادي، ومحمود بن خالد، وأبو محمد عبد الله بن هلال الدومي الربعي، وعبد الواحد بن أحمد الدمشقي، وأبو الحسن محمد بن الفيض بن محمد بن الفياض الغساني.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني في كتابه إلينا من مرو غير مرة قال: أخبرنا الشيخ أبو سعد محمد بن منصور بن عبد الرحيم الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي إجازة قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أحمد بن عاصم الأنطاكي كنيته أبو علي، ويقال أبو عبد الله، من متقدمي مشايخ الثغور من أقران بشر بن الحارث، وسري، وحارث المحاسبي.
سمعت أبا القاسم النصر أباذي يقول: كان يقال: أحمد بن عاصم الأنطاكي جاسوس القلوب وذكر لي غيره أن أبا سليمان الداراني كان يسميه كذلك.
أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن إذنا قال: أخبرنا علي بن الحسن ابن هبة الله قال: أخبرنا أبو عبد الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر الحسين بن سلمة الهمذاني قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاة.
قال ابن مندة وأخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني إجازة قالا: أخبرنا ابن أبي حاتم قال: أحمد بن عاصم أبو عبد الله الأنطاكي، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، وسمعت أبا زرعة يقول: رأيته بدمشق يجالس محمود بن خالد وسمعت أبي يقول: أدركته ولم أكتب عنه، كان صاحب مواعظ وزهد.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قال: أخبرنا الفتوح عبد الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذيافي.
وأنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن في كتابها إلينا من نيسابور قالا: أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذيافي.

وأنبأنا أبو النجيب بن عثمان القاري قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: ومنهم أبو علي أحمد بن عاصم الأنطاكي من أقران بشر بن الحارث، والسري، والحارث المحاسبي، وكان أبو سليمان الداراني يسميه جاسوس القلوب لحدة فراسته.
وقال أحمد بن عاصم: إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن عليه بحفظ لسانك، وقال أحمد بن عاصم: قال الله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة ونحن نستزيد من الفتنة.
أخبرنا عبد الرحيم بن أبي سعد المروزي كتابة قال: أخبرنا أبو الخير جامع ابن عبد الرحيم بن ابراهيم السقاء الصوفي قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار قال: أخبرنا أبو عبد الرحيم السلمي قال: أحمد بن عاصم، وهو أحمد بن عاصم الأنطاكي أبو علي، ويقال أبو عبد الله وهو الأصح، وهو من أقران بشر بن الحارث، والسري، وحارث المحاسبي، ويقال إنه رأى الفضيل بن عياض.
سمعت أبا العباس محمد بن الحسن الخشاب يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت الجنيد وابن مسروق، والجريري يقولون: قال أبو عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي: قرة العين، وسعة الصدر، وروح القلب وطيب النفس في أمور أربعة: الاستبانة للحجة، والانس بالأحبة، والثقة بالعدة، والمفايز للمناية أخبرنا عمي أبو غانم قال: أخبرنا عمر بن علي الجويني.
وأنبأتنا زينب الشعرية قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذيافي.
وأنبأنا أبو النجيب القاري قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم بن هوازن القشيري قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال: حدثنا عباس ابن حمزة قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو عبد الله الأنطاكي: إن أقل اليقين إذا وصل إلى القلب يملأ القلب نورا، وينفي عنه كل ريب، ويمتلىء القلب به شكرا، ومن الله خوفا.
وقالا: أخبرنا أبو القاسم القشيري قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا أبو جعفر بن أحمد بن سعيد الرازي قال: حدثنا عباس بن حمزة قال: سمعت أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أحمد بن عاصم الأنطاكي يقول: من كان بالله أعرف كان له أخوف.
أنبأنا عبد الرحيم بن أبي سعد قال: أخبرنا أبو سعد الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر المزكي اجازة قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد الرازي يحكى عن أحمد بن عاصم أنه قال: وافقنا الصالحين في أعمال الجوارح وخالفناهم في الهمم.
وقال أبو عبد الرحمن: سمعت محمد بن ظاهر الوزيري يقول: سمعت الحسن ابن محمد بن اسحق يقول: سمعت سعيد بن عثمان الحناط يقول: حدثنا أحمد ابن أبي الحواري يقول: سمعت أحمد بن عاصم أبو عبد الله الأنطاكي يقول: الصبر هو أول مقام الرضا.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حموية قال: أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذيافي.
وأخبرنا أبو النجيب اسماعيل بن عثمان بن اسماعيل القاري، وزينب بنت عبد الرحمن في كتابيهما، قال أبو النجيب: أخبرنا أبو الأسعد القشيري، وقالت زينب: أخبرنا الشاذيافي، قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: وسمعته يعني محمد بن الحسين السلمي يقول: سمعت النصر أباذي يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت علي بن شهمر دان يقول: قال أحمد بن عاصم الأنطاكي - وسئل ما علاقة الرجاء في العبد - قال: أن يكون إذا أحاط به الاحسان ألهم الشكر راجيا لتمام النعمة من الله عليه في الدنيا، وتمام عفوه في الآخرة.
أنبأنا أبو بكر عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن عمر قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر أن أبوي عثمان الصابوني والبحيري، وأبوي بكر البيهقي والحيري كتبوا إليه: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا اسحق ابراهيم بن محمد بن يحيى يقول: أنشدنا مسعر بن علي البرذعي قال: أنشدنا عبد الله بن أحمد بن عقبة الأصبهاني قال: أنشدنا أبو الحسن علي بن متوية لأحمد بن عاصم الأنطاكي:
داعيات الهوى تخفّ علينا ... وخلاف الهوى علينا ثقيل
فقد الصدق في الأماكن حتى ... وصفه اليوم ما عليه دليل

لا نرى خائفاً فيلزمنا الخو ... ف ولا صادقاً كما قد نقول
فبقينا مردّدين حيارى ... نطلب الصدق ما إليه سبيل
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بدمشق قال: أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل قال: أخبرنا جدي أبو محمد مقاتل بن مطكود السوسي قال: أنشدنا أبو علي الحسن بن علي الأهوازي قال: أنشدنا أبو القاسم العطار قال: أنشدنا أبو القاسم ابن أبي العقب قال أنشدني أبو زرعة الدمشقي قال: أنشدنا أحمد بن عاصم الأنطاكي:
هون عليك فكل الأمر منقطع ... وخلّ عنك عنان الهّم يندفع
فكلّ هّمٍ له من بعده فرج ... وكلّ هّم إذا ما ضاق يتّسع
إن البلاء وإن طال الزمان به ... فالموت يقطعه أو سوف ينقطع
أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي اجازة قال: أخبرنا جد أبي أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي - اجازة إن لم يكن سماعا - قال: أخبرنا الإمام أبو سعيد محمد بن علي الخشاب قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت أبا جعفر الرازي يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: سمعت أحمد بن عاصم الأنطاكي يقول: يسير اليقين يخرج كل الشك من القلب، ويسير الشك يخرج اليقين كله من القلب ذكر من اسم أبيه العباس من الأحمدين
أحمد بن العباس بن أحمد بن الخواتيمي:
أبو العباس بن أبي الفضل، كان أبوه قاضي طرسوس، وكان ابنه من الثقات الأمناء العدول المؤهلين للرئاسة.
حكى عنه القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي.
قرأت بخط القاضي أبي عمرو في سير الثغور من تأليفه قال: وحدثني أبو العباس أحمد بن العباس بن أحمد الخواتيمي، وهو ابن القاضي، وكان من يتحفظ إذا تكلم، ويعد من الصادقين، أنه أحصى على أبي بكر محمد بن محمد بن داود مدة شهري كانون الأول والآخر وعشرا من شباط في كل يوم كسوة لا تشبه التي تقدمتها.
وقرأت بخط أبي عمرو أيضا قال: توفي أبو العباس أحمد بن العباس بن الخواتيمي أول يوم من شهر صفر من سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وكان يرجى ويؤهل للرئاسة لفضله ونبله وستره وثقته وعدالته، وكان أبوه القاضي عليلا، فلما عزوه به، وانصرف المعزون من داره أمسك على لسانه فلم يتكلم ثلاثا ومات.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمد بن العباس بن عثمان، أبو العباس الكشاني:
روى إنشاداً بحلب عن الفقيه علي بن عبد الله السمنقاني، روى عنه جعفر بن الحسن ابن أحمد بن علي أبو الفضل النيسابوري.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال: أنشدنا جعفر بن الحسن القارىء، بعين أيوب إملاءً، قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن العباس بن عثمان الكشاني المقرىء بحلب قال: أنشدني الفقيه علي بن عبد الله السمنقاني لنفسه:
الدمع ينطق واللسان كتوم ... والصبر ناءٍ والغرام مقيم
والقلب من ألم الفراق مروّع ... فيه لهجران الحبيب كلوم
ولنا على خلل المنازل وقفةٌ ... منا البكاء ومنهم التسليم
فنفاوض الشكوى بكسر جفوننا ... خوف الرقيب وسرنا مكتوم
أحمد بن العباس بن علي بن نوبخت:
كاتب أبي بكر محمد بن رائق، كان في صحبة أبي بكر بن رائق حين وصل إلى حلب والياً عليها في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومدحه أبو الفرج علي بن أبي بكر بن العلاف بحلب بأبيات أولها:
غادني يا غلام بالبابلي
وكان ابن نوبخت فاضلاً أديباً، وكاتباً أريباً، وله رأي ثاقب، وتدبير حسن صائب؛ وقد ذكرنا دخوله حلب في ترجمة علي بن الحسن بن العلاف.
من اسم أبيه عبد الله من الأحمدين
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الحسين:
أبو نصر بن أبي محمد بن أبي العباس الماسرجسي المطوعي، كان كثير الغزو والجهاد، وخرج إلى طرسوس مجاهداً، فتوفي بعد دخوله إلى الشام وهو متوجه إليها بأعمال حلب.

وذكره أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور بما أخبرنا به أبو بكر عبد الله ابن عمر بن علي الخضر القرشي، وعبد الرحمن بن عمر الغزال في كتابيهما قالا: أخبرنا أبو الخير القزويني قال: أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي قال: أخبرنا أبو بكر البيهقي والحيري، وأبو عثمان الصابوني والبحيري فيما أذنوا لنا فيه قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الحسين، أبو نصر بن أبي محمد بن أبي العباس الماسرجسي، ابن ابنه الحسن بن عيسى بن ماسرجس، وكان من المطوعة الكثيري الجهاد.
سمع جده أبا العباس، وأباه، وعمه أبا أحمد، وأبا أحمد والد الحسين، وغيرهم من أهل بيته، وسمع أبا بكر محمد بن اسحق، وأبا العباس السراج وأقرانهما.
توفي أبو نصر الماسرجسي في متوجهه إلى طرسوس وخرجت له الفوائد عند خروجه إلى طرسوس سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وفيها توفي بالشام.
أحمد بن عبد الله بن أحمد المرعشي أبو الحسن:
حدث عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، روى عنه القاضي أبو بكر محمد بن يوسف بن الفضل الجرجاني.
أخبرنا أبو بكر القاسم بن أبي سعد بن أبي حفص الصفار في كتابه إلينا من نيسابور قال: أخبرنا جدي أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور الصفار، وأخته عائشة قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمير بن خلف الشيرازي قال: أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن يوسف بن الفضل الجرجاني - قدم علينا رسولا - قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن أحمد المرعشي قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا طالوت بن عبد الله الجحدري قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن شهد الله بماذا شهد ربنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله اللوح وسماه محفوطاً جعل دفيته من ياقوتة حمراء، ثم خلق الله القلم من لؤلؤة رطبة، مشقوق شفته، يستمد من غير من يستمد وأقام بإزاء عرشه، وأراد منهم الإقرار، فقال لهم: من أنا؟ فقالوا: أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، فأمر الله القلم اكتب شهد الله أنه لا إله إلا هو، ثم خلق الله الملائكة بعلمه لا يعلم عددهم إلا الله، وأراد منهم الإقرار، فقال لهم: من أنا؟ فقالوا: أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، فأمر الله القلم: اكتب والملائكة فكتب القلم والملائكة ثم وقف، وخلق الله آدم عليه السلام وسماه أبا البشر وخلق ذريته على مثال الذر وأقامهم بإزاء عرشه، وأراد منهم الإقرار فقال لهم: من أنا؟ فقالوا: أنت الله لذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك فأمر الله القلم: اكتب وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
أحمد بن عبد الله بن إسحاق
أبو الحسن وقيل أبو الحسين الخرقي، كان له اختصاص بالمتقي لله قبل أن يلي الخلافة فلما وليها خلع عليه، وولاه قضاء مصر والشامات جميعها والحرمين، ومر في الشارع والجيش معه، وكان المتقي يشاركة في الرأي ويقبل مشورته، وسيره في رسائل عدة منها أنه كان قدم مع المتقي إلى الرقة حين قدمها وقد جرى له ما جرى مع توزون، فسيره المتقي رسولاً إلى حلب إلى الإخشيذ أبي بكر محمد ابن طغج، فقدم عليه حلب يسأله أن يسير إليه ليجتمع معه بالرقة ويجدد العهد به، ويستعين به على نصرته ويقتبس من رأيه، ولما وصل أبو الحسن إلى حلب تلقاه الإخشيذ وأكرمه وأظهر السرور، والمتعة بقرب المتقي، وسار الإخشيذ إلى المتقي إلى الرقة، فأكرمه وكناه، وخاطبه بأبي بكر، وسنذكر ذلك في ترجمة الإخشيذ إن شاء الله تعالى.
أنبأنا أبو روح عبد المعز الهروي عن زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أبو القاسم البندار عن أبي أحمد المعرىء قال: أخبرنا أبو بكر الصولي إجازة قال في حوادث سنة ثلاثين وثلاثمائة: وصرف القضاة عن الجانبين ببغداد، وتقلد القضاء بهما أبو الحسين أحمد بن اسحق الخرقي لأربع بقين من شهر ربيع الآخر، وخلع عليه في يوم خميس ونزل في جامع الرصافة، وقرأ عهده.

وقال أبو بكر الصولي في حوادث سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة قال: ووجه المتقى لله أحمد بن عبد الله بن اسحق القاضي من الرقة إلى الأمير توزون ليؤكد الأيمان عليه ويجددها، ووافقه على شرائط اشترطها عليه المتقي لله، وأشهد عدوله عليه ووجوه الهاشميين أصحاب المراتب الذين يصلون إلى السلطان أيام الموكب، ويتقدمون القضاة والعالم في السلام، ويسمعون أيمانه، وما عملت له منها مما يطوقون رقبته، فوصل القاضي إلى بغداد يوم الخميس لأربع خلون من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، ففعل جميع ما تقدم به إليه المتقي لله، وكان قد وجه معه بخلع وطوق من ذهب ليخلعها على الأمير توزون إذا فرغ مما بينه، وبينه، ففعل هذا كله إلا أمر الخلع فإنه دافع عنه.
قال: وتحدث الناس بمجىء الخليفة إلى هيت، وخرج القاضي إليه وعرفه جميع ما جرى وطيب نفسه، وسكن إلى ذلك، ورجع القاضي إلى الأمير توزون فعرفه ما صنع، فدخل بغداد للنصف من صفر، ثم ذكر قبض توزون على المتقي لله، وأنه كحله.
قال: وعبر توزون مع المستكفي بالله يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر، ونزل بباب الشماسية، وقبض على أبي الحسين علي بن محمد بن مقلة وزير المتقي، وعلى القاضي الخرقي، وعلى جماعة معهم.
قال: وحمل القاضي الخرقي إلى دار ابن شيرزاد ليؤدي ما بقي عليه من مال مصادرته التي فورق عليها.
أحمد بن عبد الله بن الحسن القاضي:
أبو الفضل الأنطاكي، من الرؤساء وأولي الهيئات والممدحين بأنطاكية، ومدح المتنبي فيه يدل على فضله وسعة علمه.
أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعد قال أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله بن يحيى قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين قال: أنشدنا أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي لنفسه يمدح القاضي أبا الفضل أحمد بن عبد الله بن الحسن الأنطاكي:
لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهنّ منك أواهل
قال فيها:
جمع الزمان فلا لذيذٌ خالصٌ ... مما يشوب ولا سرورٌ كامل
حتى أبو الفضل بن عبد الله رؤ ... يته المنى وهي المقام الهائل
ممطورةٌ طرقي إليه ودونها ... من جوده في كلّ فجّ وابل
محجوبةٌ برادق من هيبةٍ ... يثني الأزمّة والمطيّ ذوامل
للشمس فيه وللرياح وللسحا ... ب وللبحار وللأسود شمائل
ولديه ملعقيان والأدب المفا ... د وملحياة وملممات مناهل
لو لم تهب لجب الوفود حواله ... لسرى إليه قطا الفلاة الناهل
يدري بما بك قبل تظهره له ... من ذهنه ويجيب قبل تسائل
وتراه معترضاً لها وموالياً ... أحداقنا وتحار حين تقابل
كلماته قضبٌ وهنّ فواصلٌ ... كلّ الضرائب تحتهن مفاصل
هزمت مكارمه المكارم كلها ... حتى كأنّ المكرمات قتائل
وقتلن ذفراً والدهيم فما ترى ... أمّ الدهيم وأم ذفرٍ هائل
علامة العلماء واللجّ الذي ... لا ينتهي ولكلّ لج ساحل
لو طاب ولد كل حيّ مثله ... ولد النساء وما لهنّ قوابل
لو بان بالكرم الجنين بيانه ... لدرت به ذكراً أم انثى الحامل
ليزد بنو الحسن الشراف تواضعاً ... هيهات تكتم في الظلام مشاعل
ستروا الندى ستر الغراب سفاده ... فبدا وهل يخفي الرباب الهاطل
أحمد بن عبد الله بن حمدون بن نصير بن ابراهيم:
أبو الحسن الرملي المعروف بالجبريني، أظن أن أصله من بيت جبرين، وسكن الرملة.
سمع بحلب أبا بكر أحمد بن محمد بن أبي ادريس إمام جامعها، وبأنطاكية أبا بكر محمد بن الحسن بن فيل، وحدث عنهما وعن أبي محمد عبد الله بن أبان بن شداد العسقلاني، وأبي الفضل عباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة، وأبي هاشم محمد بن عبد الأعلى بن عليك الإمام، وأبي الحسن داود بن أحمد بن مصحح العسقلاني وأبي الحسن محمد بن بكار بن يزيد السكسكي الدمشقي.
روى عنه عبد الوهاب بن جعفر الميداني، وتمام بن محمد الرازي.

أحمد بن عبد الله بن سابور بن منصور الدقاق:
أبو العباس البغدادي السابوري، منسوب إلى جده سابور، قدم حلب وسمع بها أبا نعيم عبيد بن هشام، وبركة بن محمد الحلبيين وحدث عنهما، وسمع بغيرها أبا بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد بن شبوية، وسفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى الكوفي، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن أبي نوح فراد.
روى عنه أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ، وأبو عمر بن حيوية وأبو بكر الأبهري، وابن المقرىء، وعمر بن محمد بن سنبك، وأبو محمد عبد العزيز بن الحسن بن علي بن أبي صابر.
أخبرنا أبو اسحق إبراهيم بن عثمان الكاشغري في كتابه، وقرأت عليه بحلب قال: أخبرنا أحمد بن صالح بن شافع الجيلي قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد بن البيضاوي قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الطيوري قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى الحافظ قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق قال: حدثنا بركة بن محمد حلب قال: حدثنا يوسف بن أسباط بن واصل الشيباني عن سفيان بن سعيد عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاستنشاق والمضمضة للجنب ثلاثاً فريضة.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي - قالت: إجازة؛ قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن الحسين - قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي المقرىء قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابورر الدقاق قال: حدثنا أبو نعيم الحلبي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أن ابن عباس - قال: سمعته عن علي - قال: ألا أخبركم بخبر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى، قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزد - قراءة عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن طراد بن محمد الزينبي.
قال ابن طبرزد: وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي وابن المجلي - إجازة إن لم يكن سماعاً منهما أو من أحدهما - قالوا: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي قال: قرىء على حمزة بن يوسف السهمي وأنا حاضر أسمع قال: سألت أبا الحسن الدارقطني عن أبي العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق فقال: ثقة.
أخبرن أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت قال: أحمد بن عبد الله بن سابور بن منصور أبو العباس الدقاق، سمع أبا بكر بن أبي شيبة، وأبا نعيم عبيد بن هشام، وبركة بن محمد الحلبيين، وعبد الله بن شبويه المروزي، وسفيان بن وكيع بن الجراح، ونصر بن علي الجهضمي، وواصل بن عبد الأعلى الكوفي.
روى عنه عمر بن محمد سنبك، وأبو عمر بن حيويه، وأبو بكر الأبهري الفقيه، وغيره.
وقال الخطيب: أخبرني الأزهري قال: قال لنا محمد بن العباس الخزاز: مات أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق يوم السبت بالعشي، ودفن يوم الأحد ضحوة لعشر بقين من المحرم سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد ابن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي - قرأت عليه من أصل ابن الفرات - قال: قرأت على أبي اسحق إبراهيم بن عمر البرمكي: أخبركم أبو الحسن محمد بن العباس بن الفرات في كتابه قال: قرىء على أبي عبد الله محمد بن مخلد ونحن نسمع فأقر به وقال: نعم، قال: سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة: فيها مات أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق في المحرم.
وأنبأنا حسن بن أحمد الأوقي قال: أخبرنا السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار: قال أخبرنا أبو الحسن الحربي قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال: أخبرنا عبد الباقي بن قانع قال: سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، أبو العباس بن سابور الدقاق في المحرم - يعني مات.
أحمد بن عبد الله بن سليمان:

ابن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم، وقيل أنور بن أسحم بن النعمان، وهو الساطع بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريخ بن جذيمة بن تيم اللات، وهو مجتمع تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن العرنج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر، وهو هود عليه السلام، أبو العلاء بن أبي محمد التنوخي المعري.
قرأ النحو واللغة على أبيه أبي محمد عبد الله بمعرة النعمان، ومحمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب.
وحدث عن أبيه أبي محمد عبد الله بن سليمان بن محمد - بن محمد - ، وجده سليمان بن محمد وأبي الفتح محمد بن الحسن بن روح، ويحيى بن مسعر أبي زكريا وأخويه أبي المجد وأبي الهيثم عبد الواحد ابني عبد الله، وأبي الفرج عبد الصمد بن أحمد بن عبد الصمد الفقيه الضرير الحمصي، وأبي عبد الله محمد بن يوسف الرقي المعروف بابن كراكير، وأبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحيم الرحبي، والقاضي أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان، وجدته أم سلمة بنت الحسن بن اسحق بن بلبل.
ورحل إلى بغداد سنة ثماني وتسعين وثلاثمائة، ودخلها سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وسمع بها أبا الحسن علي بن عيسى الربعي، وأبا أحمد عبد السلام ابن الحسين البصري المعروف بالواجكا.
وقرأ عليه ببغداد أبو القاسم التنوخي، وابن فورجه، وروى عنه أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، وأقام مدة بالمعرة يقرأ عليه، وأبو المكارم عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم الأبهري، وأبو محمد الحسن بن علي بن عمر المعروف بقحف العلم، وابن أخيه القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد قاضي معرة النعمان، وابنه أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد، والشيخ أبو الحسين علي بن محمد بن عبد اللطيف بن زريق المعري، وابنه أبو الفضل أحمد بن علي، روى عنه سبعة أجزاء من حديث أبي العلاء عن شيوخه، وأبو الحسن يحيى بن علي بن عبد اللطيف ابن زريق، وجد جدي أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة، وأبو محمد عبد الله بن محمد ين سعيد بن سنان الخفاجي الحلبيان، والقاضي أبو الفتح ابن أحمد بن أبي الروس السروجي، والخليل بن عبد الجبار بن عبد الله التميمي القرائي، وعثمان بن أبي بكر السفاقسي المغربي، وأبو التمام غالب بن عيسى بن أبي يوسف الأنصاري الأندلسي، وأبو الخطاب العلاء بن حزم الأندلسي وأبو الحسن علي بن أخيه أبي المجد بن عبد الله بن سليمان، وزيد بن أخيه أبي الهيثم عبد الواحد، وأبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن المهذب، وأبو صالح محمد ابن المهذب بن علي بن المهذب، وأبو اليقظان أحمد بن محمد بن أبي الحواري، وأبو العباس أحمد بن خلف الممتع، وابن أخته إبراهيم بن الحسن البليغ، ومحمد ابن الخضر المعروف بالسابق بن أبي مهزول، وأبو الفضل بن صالح المعريون، والقاضي أبو القاسم المحسن بن عمرو التنوخي المعري، وأبو القاسم عبيد الله بن علي ابن عبد الله الرقي الأديب، وأبو الحسن رشاء بن نظيف بن ما شاء الله، وأبو نصر محمد بن محمد بن هميماه السالار، وأبو الحسن الدلفي الشاعر المصيصي، وأبو سعد إسماعيل بن علي السمان، وأبو الوليد الدربندي، وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني، وأبو الفرج محمد بن أحمد بن الحسن التبريزي، وأبو المظفر إبراهيم ابن أحمد بن الليث الآذري.
وكتابه الذين كانوا يكتبون مصنفاته وما يمليه: أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن أبي هاشم، وابنه أبو الفتح محمد بن علي، وجعفر بن أحمد بن صالح، وأبو إسحق إبراهيم بن علي بن إبراهيم الخطيب القاريء.

وكان خشن العيش، قنوعاً من الدنيا بملك ورثه من أبيه، والناس فيه مختلفون على مذهبين فمنهم: من يقول أنه كان زنديقاً ملحداً ويحكون عنه أشياء تدل على كفره، ومنهم من يقول أنه كان على غاية من الدين والزهد، وأنه كان يأخذ نفسه بالرياضة والخشونة وظلف العيش، وأنه كان مقتنعاً بالقليل، غير راغب في الدنيا، وسأورد من قول كل فريق ما فيه كفاية ومقنع، وقد أفردت كتاباً جامعاً في ذكره، وشرحت فيه أحواله وتبينت وجه الصواب في أمره، وسمته بدفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري فمن أراد معرفة حقيقة حاله فلينظر في ذلك الكتاب فإن فيه غنية في بيان أمره، وتحقيق صحة اعتقاده، وعلو قدره إن شاء الله تعالى.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي بن البناء البغدادي بدمشق، وأبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد البناء البغدادي بحلب قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني قال: حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الخطيب الأنباري من لفظه قال: أخبرنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي بقراءتي عليه في داره بمعرة النعمان قال: حدثني أبو زكريا بن مسعر التنوخي المعري قال: حدثنا أبو عروبة بن أبي معشر الحراني قال: حدثنا هوبر قال: حدثنا مخلد بن عيسى الخياط عن أبي الزناد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وإن الصدقة تطفىء الخطيئة كما تطفىء الماء النار، فالصلاة نور المؤمن والصيام جنة من النار.
قرأت بخط أحمد بن علي بن عبد اللطيف المعري: وولد - يعني أبو العلاء - يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاثة أيام مضت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
وقرأت في تاريخ جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري التنوخي قال: سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، فيها ولد الشيخ أبو العلاء أحمد ابن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي، يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول.
وسير إلي قاضي معرة النعمان أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءاً بخطه يتضمن أخبار بني سليمان، نقله من نسخة عنده، فقال في ذكر أبي العلاء: ولد يوم الجمعة قبل مغيب الشمس لسبع وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، واعتل علة الجدري التي ذهب بصره فيها في جمادى الأولى من سنة سبع وستين وثلاثمائة.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني أبو الخطاب العلاء بن حزم الأندلسي قال: ذكر لي أبو العلاء المعري أنه ولد في يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
أخبرنا أبو الحسن بن أبي جعفر أحمد بن علي، وأبو المحامد إسماعيل بن حامد ابن عبد الرحمن القوصي قالا: أخبرنا أبو جعفر محمد بن المؤيد بن أبي اليقظان أحمد بن محمد بن حواري التنوخي المعري - قال أبو الحسن: إجازة - قال: أخبرني جدي أبو اليقظان قال: كان مولد الشيخ أبي العلاء بن سليمان المعري رحمه الله بمعرة النعمان يوم الجمعة مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وجدر في أول سنة سبع وستين وثلاثمائة فعمي من الجدري، وغشى يمنى حدقتيه بياضاً، وأذهب اليسرى جملةً.
ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين، ودخلها سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ولزم منزله عند منصرفه من بغداد مدة سنة أربعمائة، وسمى نفسه رهين المحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه، وتوفي بين صلاتي العشاءين ليلة الجمعة الثالث من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة، فكان عمره ستاً وثمانين سنة إلا أربعة وعشرين يوماً، ولم يأكل اللحم من عمره خمساً وأربعين سنة، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة، رحمة الله عليه.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي عن أبي طاهر أحمد ابن محمد السلفي قال: سمعته - يعني أبا محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الإيادي المعري - يقول: دخلت على أبي العلاء وأنا صبي مع عمي أبي طاهر نزوره، فرأيته قاعداً على سجادة لبد وهو يسبح، فدعا لي ومسح على رأسي وكأني أنظر إليه الساعة، وإلى عينيه إحداهما بادرة والأخرى غائرة جداً، وهو مجدر الوجه نحيف الجسم.

أخبرني والدي رحمه الله يأثره عن شيوخ الحلبيين أنه بلغهم أن أبا العلاء بن سليمان قال: أحقق من الألوان لون الحمرة، وذلك أنني لما جدرت ألبستني أمي قميصاً أحمر فأنا أذكر ذلك اللون وأحققه قبل العما.
وقرأت فيما سيره القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك قاضي المعرة من أخبار بني سليمان قال: ولما قدم من بغداد - يعني أبا العلاء - عزم على العزلة والانقضاب من العالم فكتب إلى أهل معرة النعمان: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب إلى السكن المقيم بالمعرة شملهم الله بالسعادة، من أحمد بن عبد الله بن سليمان، خص به من عرفه وداناه، سلم الله الجماعة ولا أسلمها ولم شعثها ولا آلمها.
أما الآن فهذه مناجاتي بعد منصرفي عن العراق، مجتمع أهل الجدل، وموطن بقية السلف، بعد أن قضيت الحداثة فانقضت، وودعت الشبيبة فمضت، وحلبت الدهر أشطره، وخبرت خيره وشره، فوجدت أقوى ما أصنعه أيام الحياة أن اخترت عزلة تجعلني من الناس كبارح الأروى من سانح النعام، وما ألوت نصيحةً لنفسي، ولا قصرت في اجتذاب المنفعة إلى حيزي، فأجمعت على ذلك، واستخرت الله فيه بعد جلائه عن نفر يوثق بخصائلهم، فكلهم رآه حزماً وعدة إذا تم رشداً، وهو أمر أسري عليه بليل قضى سنة، وخبت به النعامة، ليس بنسج الساعة ولا ربيب الشهر والسنة، ولكنه غذي الحقب المتقادمة، وسليل الفكر الطويل، وبادرت إعلامهم ذلك مخافة أن يتفضل منهم متفضل بالنهوض إلى المنزل الجارية عادتي بسكناه ليلقاني فيه، فيتعذر ذلك عليه، فأكون قد جمعت بين سمجين: سوء الأدب، وسوء القطيعة، ورب ملوم لا ذنب له.
والمثل السائر خل أمرأً وما اختار، وما أسمحت القرون الإياب حتى وعدتها أشياء ثلاثة: نبذةً كنبذة فتيق النجوم، وانقضابا من العالم كانقضاب القابية من القوب، وثباتاً في البلد إن جال أهله من خوف الروم، فإن أبى من يشفق علي أو يظهر الشفق إلا النفرة مع السواد كانت نفرة الأعضب والأدماء.
وأحلف ما سافرت استكثر من النشب، ولا أتكثر بلقاء الرجال، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم، فشاهدت أنفس ما كان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه، والجاهل مغالب القدر، فلهيت عما ستأثر به الزمان، والله يجعلهم أحلاس الأوطان، لا أحلاس الخيل والركاب، ويسبغ عليهم النعمة سبوغ القمراء الطلقة على الظبي الغرير، ويحسن جزاء البغداديين فلقد وصوفوني بما لا أستحق وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم وعرضوا علي أموالهم عرض الجد، فصادفوني غير جذل بالصفات ولا هش إلى معروف الأقوام، ورحلت وهم لرحلتي كارهون، وحسبي الله وعليه فليتوكل المتوكلون.
قال: وإنما قيل رهن المحبسين للزومه منزله، وكف بصره، وأقام مدة طويلة في منزله محتجبا لا يدخل عليه أحد، ثم إن الناس تسببوا إليه حتى دخلوا عليه، فكتب الشيخ أبو صالح محمد بن المهذب إلى أخيه أبي الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان رحمهما الله في ذلك.
بشمس زرودٍ لا ببدر معان ... ألمّا وإن كان الجميع شجاني
يقول فيها:
أبا الهيثم اسمع ما أقول فإنّما ... يعين على ما قلت خير معان
قريضي هجاءٌ إن حرمت مديحه ... لأروع وضّاح الجبين هجان
أطلّ على بغداد كالغيث جاءها ... بأسعد نجم في أجلّ أوان
نضاها ثياب المحل وهي لباسها ... وبدّلها من شدّة بليان
فيا طيب بغداد وقد أرجت به ... على بعدها الأطراف من أرجان
غدا بكم المجد المضىء وإنّه ... ليقمر من أضوائه القمران
ميسرّ المعالي دوننا هل يسّرها ... بطون وهادٍ أو ظهور رعان
نأى ما نأى فالموت دون فراقه ... فما عذره في النأي إذ هو دان
فكن حاملاً مني إليه رسالةً ... تبينّ ليناً في هضاب أبان
فإن قال: أخشى من فلان تشبهاً ... فقل ما فلانٌ عندنا كفلان
هو الخلّ ما فيه اختلال مودّةٍ ... فلا تخشى منه زلةً بضمان
فإن خنت عهداً أو أسأت خليقةً ... ولم يك شأني في المودّة شاني
فلا أحسنت في الحرب أمساك مقبضي ... يميني ولا يسراي حفظ عناني

لعلّ حياتي أن تعود نضيرةً ... لديه كما كانت وطيب زماني
قلت: وكان أبو صالح بن المهذب قائل هذا الشعر ابن عمة أبي العلاء.
وكان أبو العلاء مفرط الذكاء والحفظ، وأخبرني والدي رحمه الله فيما يأثره عن أسلافه أنه قيل لأبي العلاء: بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئاً إلا حفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته.
وحكى لي أيضاً والدي فيما يأثره عن سلفه قال: سار أبو العلاء من المعرة إلى بغداد، فاتفق عند وصوله إليها موت الشريف أبي أحمد الحسين والد المرتضى والرضي، فدخل إلى عزيته، والناس مجتمعون، فخطا الناس في المجلس، فقال له بعضهم ولم يعرفه: إلى أين يا كلب؟ فقال: الكلب من لم يعرف للكلب كذا وكذا اسماً، ثم جلس في أخريات الناس إلى أن أنشد الشعراء، فقام وأنشد قصيدته الفائية التي أولها:
أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف
يرثي بها الشريف المتوفى، فلما سمعها الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه إليهما وقالا له: لعلك أبو العلاء المعري؟ فقال: نعم، فأكرماه واحترماه، وطلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد، فأدخل إليها وجعل لا يعرض عليه كتاب إلا وهو على خاطره، فعجبوا من حفظه.
وزادني غير والدي أنه لما أنشد:
أودى فليت الحادثات كفاف
قيل له: كفاف، فأعادها كفاف، فتأملوا ذلك وعرفوا أن الصواب ما قال.
أخبرنا الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي الاسحاقي - إجازة كتبها لي ببغداد وأنا بها وقد اجتمعت به بحلب وعلقت عنه فوائد - قال: حدثني والدي رضي الله عنه وأرضاه يرفعه إلى ابن منقذ قال: كان بأنطاكية خزانة كتب، وكان الخازن بها رجلاً علوياً، فجلست يوما إليه فقال: قد خبأت لك غريبة طريفة لم يسمع بمثلها في تاريخ ولا كتاب منسوخ، قلت: وما هي؟ قال: صبي دون البلوغ ضرير يتردد إلي وقد حفظته في أيام قلائل عدة كتب، وذاك أنني أقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فلا يستعيد إلا ما يشك فيه، ثم يتلو علي ما قد سمعه كأنه قد كان محفوظه، قلت: فلعله يكون يحفظ ذلك، قال: سبحان الله كل كتاب في الدنيا يكون محفوظا له، وإن كان ذلك كذلك فهو أعظم، ثم حضر المشار إليه وهو صبي دميم الخلقة، مجدور الوجه على عينيه بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا، وهو يتوقد ذكاء، يقوده رجل طوال من الرجال أحسبه يقرب من نسبه فقال له الخازن: يا ولدي هذا السيد رجل كبير القدر، وقد وصفتك عنده، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره لك، فقال: سمعا وطاعة فليختر ما يريد.
قال ابن منقذ: فاخترت شيئا وقرأته على الصبي وهو يموج ويستزيد، فإذا مر به شيء يحتاج إلى تقريره في خاطره يقول: أعد هذا، فأردده عليه مرة واحدة حتى انتهيت إلى ما يزيد على كراسة، ثم قلت له: يقنع هذا من قبل نفسي، قال: أجل حرسك الله، قلت: كذا وكذا وتلا علي ما أمليته عليه وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا حتى انتهى إلى حيث وقفت عليه، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه، وعلمت أن ليس في العالم من يقدر على ذلك إلا أن يشاء الله، وسألت عنه فقيل لي: هذا أبو العلاء التنوخي من بيت العلم والقضاء والثروة والغناء.
قلت: ذكره لهذه الحكاية أنها كانت بأنطاكية لا يصح، فإن أنطاكية استولى عليها الروم وانتزعوها من أيدي المسلمين في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وولد أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن مات أبو العلاء بن سليمان في سنة تسع وأربعين وأربعمائة وبعده إلى أن فتحها سليمان بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمائة، فكيف يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن علوي وهي في أيدي الروم، ويشبه أن تكون هذه الواقعة بكفر طاب أو بغيرها، وقد يتصحف كفر طاب بأنطاكية، وابن منقذ أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ كان من أقران أبي العلاء، وكانت له كفر طاب فيحتمل أن يكون ذلك كان معه والله أعلم.

وقرأت في كتاب جنان الجنان ورياض الأذهان لابن الزبير المصري ما يناسب هذه الحكاية، قال ابن الزبير: حدثني القاضي أبو الفتح محمود بن القاضي اسماعيل بن حميد الدمياطي قال: حدثني أبي قال: حدثني هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، وكانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة، قال: كنت أسمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في علم اللسان ما يكثر تعجبي منه، فلما وصلت المعرة قاصدا للديار المصرية لم أقدم شيئا على لقائه، فحضرت إليه، واتفق حضور أخير معي وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر فلم أسمح بمفارقته والاشتغال بها، فتحدث معي أخي حديثاً باللسان الفارسي فأرشدته إلى ما يعلمه فيها، ثم عدت إلى مذاكرة أبي العلاء، فتجارينا الحديث إلى أن ذكرت ما وصف به من سرعة الحفظ، وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه فقال: خذ كتابا من هذه الخزانة - لخزانة قريبة منه - واذكر أوله، فإني أورده عليك حفظاً، فقلت: كتابك ليس بغريب إن حفظته، قال: قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت أعدته، قلت: أعده، فأعاده ما أخل والله منه بحرف، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل - إذناً - قال: أخبرنا أبو سعد السمعاني - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: وذكر أبا العلاء بن سليمان، وحكى تلميذه أبو زكريا التبريزي أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئا من تصانيفه، قال: وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم أر أحدا من بلدي، فدخل مغافصة المسجد بعض جيراننا للصلاة فرأيته وعرفته وتغيرت من الفرح، فقال لي أبو العلاء: ما أصابك، فحكيت له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من بلدي منذ سنين، فقال لي: قم وكلمه، فقلت: حتى أتمم السبق، فقال: قم أنا أنتظرك، فقمت وكلمته بالأذربيجية شيئا كثيرا، إلى أن سألت عن كل ما أردت، فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أهل أذربيجان، فقال: ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتماه، ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا، فجعل جاري يتعجب غاية العجب، ويقول: كيف حفظ شيئا لم يفهمه.
وأخبرني عنه بمثل هذه الحكاية والدي رحمه الله يأثره عن أسلافه قال: كان لأبي العلاء جار أعجمي فاتفق أنه غاب عن معرة النعمان، فحضر رجل أعجمي يطلبه قد قدم من بلده فوجده غائبا ولم يمكنه المقام فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه، فجعل ذلك الرجل يتكلم بالفارسية وأبو العلاء يصغي إليه إلى أن فرغ من كلامه، ولم يكن أبو العلاء يعرف باللسان الفارسي، ومضى الرجل، فقدم جاره الغائب، وحضر عند أبي العلاء فذكر له حال الرجل، وجعل يذكر له بالفارسية ما قال والرجل يبكي ويستغيث ويلطم إلى أن فرغ من حديثه، وسئل عن حاله، فأخبرهم أنه أخبر بموت أبيه وأخوته وجماعة من أهله.
قال لي والدي: ومما بلغني من ذكائه أن جارا سمانا كان له وبينه وبين رجل من أهل المعرة معاملة، فجاءه ذلك الرجل وحاسبه برقاع كان يستدعي فيها ما يأخذ منه عند دعو حاجته إليه، وكان أبو العلاء في غرفة له يسمع محاسبتهما.
قال: فسمع أبو العلاء السمان المذكور بعد مدة يتأوه ويتململ، فسأله عن حاله، فقال: كنت حاسبت فلانا برقاع كانت له عندي، وقد عدمتها ولا يحضرني حسابه، فقال له: ما عليك من بأس تعالى إلي فأن أملي عليك حسابه، وجعل يملي معاملته جميعها رقعة رقعة، والسمان يكتبها إلى أن فرغ وقام، فما مضت إلا أيام يسيرة ووجد السمان الرقاع وقد جذبها الفأر إلى زاوية في الدكان، فقابل بها ما أملاه عليه أبو العلاء، فلم تخرم حرفا واحدا.

أخبرني القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد بن مدرك بن علي بن سليمان قاضي معرة النعمان، قال: أخبرني جماعة من سلفنا أن بعض أمراء حلب قيل له: إن اللغة التي ينقلها أبو العلاء إنما هي من الجمهرة، وعنده نسخة من الجمهرة ليس في الدنيا مثلها، وحسنوا له طلبها منه قصدا لأذاه فسير أمير حلب إليه من يطلبها منه، فقال للرسول: سمعا وطاعة للأمير، تقيم عندنا هذه الأيام حتى نقضي شغلك، ثم أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة، فقرئت عليه حتى فرغت، ثم دفعها إلى الرسول، وقال: ما قصدت بذلك إلا بأن أمرها على خاطري خوفا من أن يكون قد شذ منها شيء عن خاطري، فعاد الرسول بها وأخبر أمير حلب بذلك، فقال: من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب، وأمر برده إليه.
قلت وكان أبو العلاء قد سمع الجمهرة من أبيه أبي محمد عبد الله، وسمعها أبوه من أبي عبد الله الحسين بن خالويه ورواها أبو عبد الله عن ابن دريد الأزدي.
وسمعت أبا المعالي قاضي المعرة يقول: سمعت جماعة من أهلنا يقولون كان الشيخ أبو العلاء متوقد الخاطر على غاية من الذكاء من صغره، وتحدث الناس عنه بذلك، وهو إذ ذاك صبي صغير، فكان الناس يأتون إليه ليشاهدوا منه ذلك، فخرج جماعة من أهل حلب إلى ناحية معرة النعمان وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء، فدخلوا إلى معرة النعمان وسألوا عنه، فقيل لهم هو يلعب مع الصبيان، فجاءوا إليه وسلموا عليه، فرد عليهم السلام، فقيل له: إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاءوا لينظروك ويمتحنوك، فقال لهم: هل لكم في المقافاة؟ فقالوا: نعم، فجعل كل واحد منهم ينشد بيتا وهو يقافية حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم وقهرهم، فقال لهم: أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا يقافي به عند الحاجة؟ فقالوا له: فافعل أنت ذلك، فجعل يجيب كل واحد منهم من نظمه في مقابلة ما أنشده حتى قهرهم، فعجبوا منه وانصرفوا.
ومن أعجب ما بلغني من ذكائه ما حدثني به والدي رحمه الله قال: بلغني أنه لما سافر أبو العلاء إلى بغداد وأقام بها المدة التي أقامها اجتاز في طريقه وهو متوجه بشجرة، وهو راكب على جمل، فقيل له طأطىء رأسك لئلا تلحقك الشجرة، ففعل ذلك، فلما عاد من بغداد ووصل إلى ذلك الموضع، وكانت الشجرة قد قطعت، طأطأ رأسه فقيل له في ذلك، فقال: ها هنا شجرة، فقال له: ما ها هنا شجرة، فقال: بلى، فحفروا في ذلك الموضع، فوجدوا أصلها، والله أعلم.
أخبرني بعض أهل المعرة بها قال: كان أبو العلاء المعري يشرب الماء من بئر بالمعرة يقال له بئر القراميد، وكان يستطيب ماءه، فلما رحل إلى بغداد سيرت له والدته من ماء بير القراميد شيئا، فلما وصل الماء لم يعلموه به، وسقوه منه، فلما شربه قال: لا إله إلا الله ما أشبه هذا الماء بماء بير القراميد.
وأخبرني الوزير الفاضل مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي ببغداد قال: سمعت شيخي في النحو ابن أيوب يقول: كان ببغداد رجل من أهل العلم يقال له: أبو القاسم، وكان أديبا وبينه وبين أبي العلاء بن سليمان مكاتبات قد تكررت، ولم يكونا اجتمعا، فاتفق أن أبا القاسم المذكور قدم الشام ودخل على أبي العلاء، ولم يكن رآه قبل ذلك، فسلم عليه فقال له: أبو القاسم؟ فقال: نعم، فقيل له: كيف عرفت أنه أبو القاسم؟ فقال: أخذت اسمه من كلامه.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي: سمعته - يعني أبا الزاكي حامد بن بختيار خطيب الشمسانية - يقول: سمعت عبد المنعم - يعني أبا المهذب بن أحمد بن أبي الروس - يقول: سمعت أخي - يعني أبا الفتح - يقول: دخل أبو العلاء المعري يوما على عمه القاضي أبي محمد التنوخي فلما رآه من بعيد يقصده قال لجارية لهم: قومي إلى سيدك وخذي بيده، فقامت وأخذت بيده، فلما قام أشار إليها أيضا، فأخذت بيده لتوصله إلى حجرته، فلما أخذ يدها إلتفت إلى عمه وقال: دخلت وهذه الجارية بكر، والآن فهي ثيب، فقال: ومن أين تعلم، أيوحى إليك؟ فقال: حاشى وكلا، قد انقطع الوحي بعد المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، ولكنني لما دخلت مسكت يدها وعصب الزند كالأوتار المشدودة، فعلمت أنا بكر، والآن فقد ارتخت، فعلمت أن البكورية زالت، فبحث القاضي أبو محمد وإذا ابن له قد دخل بها في تلك الساعة.

وهذا القاضي أبو محمد هو ابن أخي أبي العلاء، وأبو العلاء عمه، ولعل بعض رواة هذا الخبر نقله من حفظه، فاشتبه عليه أي الرجلين عم صاحبه، فوهم والله أعلم.
أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن محمود بن الحسين الساوي بالقاهرة عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني قال: سمعت أبا الحسن علي بن بركات بن منصور التاجر الرحبي بالذنبة من مضافات دمشق يقول: سمات أبا عمران المعري يقول: عرض على أبي العلاء التنوخي الكفيف كف من اللوبياء، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده، ثم قال: ما أدري ما هي إلا أني أشبهه بالكلية، فتعجبوا من فطنته واصابة حدسه.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة عن الحافظ أبي طاهر السلفي.
وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي قال: سمعت أحمد بن محمد الأصبهاني يقول: سألت أبا زكريا التبريزي إمام عصره في اللغة ببغداد وقلت له: قد رأيت أبا العلاء بالمعرة، وعالي بن عثمان بن جني الموصلي بصور، والقصباني بالبصرة، وابن برهان ببغداد، وغيرهم من الأدباء فمن المفضل من بينهم؟ فقال: هؤلاء أئمة لا يقال لهم أدباء، وأفضل من رأيته ممن قرأت عليه أبو العلاء.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي الأنصاري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال: سمعت أبا الطيب سعيد بن إبراهيم بن سعيد الطلبيري الطبيب بالثغر يقول: سمعت عبد الحليم بن عبد الواحد السوسي بسفاقس يقول: سئل الحسن بن رشيق عن أبي العلاء المعري هل هو أشعر أم أنت؟ فقال: قد ألفت أنا كتاباً وهو كتاباً في معناه، فالفرق ما بيننا كالفرق ما بين الترجمتين، سمى هو كتابه زجر النابح وسميت أنا كتابي ساجور الكلب يشير إلى أن أبا العلاء أفضل وألطف وأهدى إلى المعاني وأعرف.
أخبرنا عبد الله بن أبي علي الحموي عن أبي طاهر أحمد بن محمد، وكتب إلي أبو القاسم عيسى بن عبد الله بن عيسى اللخمي - قال: أخبرنا أبو طاهر السلفي قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن الحسن بن زرارة اللغوي يقول: كان بالمشرق لغوي، وبالمغرب لغوي في عصر واحد لم يكن لهما ثالث وهما ضريران، فالمشرقي أبو العلاء التنوخي بالمعرة، والمغربي ابن سيدة الأندلسي. وابن سيده أعلم من المعري، أملى من صدره كتاب المحكم ثلاثين مجلداً، وما في كتب اللغة أحسن منه.
قلت: وهذا غير مسلم لابن زرارة فإن ابن سيدة إن كان أملى المحكم في اللغة فأبو العلاء قد أملى من خاطره نثراً: كالأيك والغصون، والفصول والغايات، والسجع السلطاني وغير ذلك مما يتضمن اللغة وغيرها من الألفاظ البليغة، والكلمات الوجيزة، ونظماً مثل: استغفر أو أستغفري، ولزم ما لا يلزم، وجامع الأوزان يزيد على المحكم في المقدار أضعافاً مضاعفة، وكتبه محصورة ولولا خوف الإطاله بذكرها لذكرت أسماءها وبينا حجم كل مصنف منها، وقد استوعبت ذلك في كتاب دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا ابو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن عبد الله سليمان أبو العلاء التنوخي الشاعر من أهل معرة النعمان، كان حسن الشعر، جزل الكلام، فصيح اللسان، غزير الأدب، عالماً باللغة حافظاً لها.
وذكر لي القاضي أبو القاسم التنوخي أنه ورد بغداد في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وأنه قرأ عليه ديوان شعره ببغداد.
قال الخطيب: وكان أبو العلاء ضريراً، عمي في صباه وعاد من بغداد إلى بلده معرة النعمان، فأقام به إلى حين وفاته، وكان يتزهد ولا يأكل اللحم، ويلبس خشن الثياب، وصنف كتاباً في اللغة، وعارض سوراً من القرآن، وحكي عنه حكايات مختلفة في اعتقاده حتى رماه بعض الناس بالالحاد.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي الرماني قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي - إذناً إن لم يكن سماعاً - ؛ وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز الأندلسي قال: أخبرنا أحمد بن محمد قال: يحكى عن أبي العلاء المعري في الكتاب الذي أملاه وترجمه بالفصول والغايات وكأنه معارضة منه للسور والآيات، فقيل له: أين هذا من القرآن؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربعمائة سنة.
وسمعت والدي يقول: قيل إن أبا العلاء عارض القرآن العزيز، فقيل له: ما هذا إلا مليح إلا أنه ليس عليه طلاوة القرآن، فقال: حتى تصقله الألسن أربعمائة سنة وعند ذلك إنظروا كيف يكون.

وقرأت بخط الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي في كتاب له تتبع الكلام فيه على الصرفة، ونصر فيه مذهب المعتزلة في أن القرآن ليس بمعجز في نفسه، لكن العرب صرفوا عن معارضته، فقال فيه: وقد حمل جماعةً من الأدباء قول أرباب الفصاحة أنه لا يتمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدي على أن نظموا على اسلوب القرآن وأظهر ذلك قوم وأخفاه آخرون ومما ظهر منه قول أبي العلاء في بعض كلامه: أقسم بخالق الخيل والريح الهابة بليل بين الشرط ومطالع سهيل إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج السيل، وطالع التوبة من قبيل تنج وما أخالك بناج.
وقوله: أذلت العائدة أباها، وأضاءت الوهدة ورباها، والله بكرمه احتباها، أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال وصباها ولا يخاف عقباها.
وهذا الكلام الذي أورده ابن سنان هو في كتاب الفصول والغايات في تمجيد الله تعالى والعظات وهو كتاب إذا تأمله العاقل المنصف علم أنه بعيد عن المعارضة وهو بمعزل عن التشبه بنظم القرآن العزيز والمناقضة، فإنه كتاب وضعه على حروف المعجم، ففي كل حرف فصول وغايات، فالغاية مثل قوله: نباج، والفصل ما يقدم الغاية، فيذكر فصلاً يتضمن التمجيد أو الموعظة ويختمه بالغاية على الحرف من حروف المعجم، مثل تاج، وراج، وحاج، كالمخمسات والموشحات في الشعر.
وله كتاب آخر كبير نحو ستين مجلداً على هذا الوضع أيضاً سماه الأيك والغصون وسماه الهمزه والردف يتضمن أيضاً تمجيد الله تعالى والثناء عليه والمواعظ، ولم ينسبوه فيه إلى معارضة القرآن العزيز، وإنما نسبوه في الفصول والغايات لا غير، وقد كان له جماعة يحسدونه على فضله ومكانته من أبناء زمانه تصدوا لأذاه، وتتبعوا كلامه وحملوه على غير المقصد الذي قصده كما هو عادة أبناء كل زمان في افتراء الكذب واختلاق البهتان، ووقفت له على كتاب وضعه في الرد على من نسبه إلى معارضة القرآن والجواب عن أبيات استخرجوها من نظمه رموه بسببها بالكفر والطغيان، سمى الكتاب بزجر النابح ورد فيه على الطاعن في دينه والقادح.
قرأت بخط أبي طاهر السلفي في رسالة كتبها أبو المظفر إبراهيم بن أحمد بن الليث الآذري إلى الكيا أبي الفتح الأصبهاني قال: ومنها - يعني من قنسرين - أدلجت متوجهاً إلى معرة النعمان، والسوق إلى أبي العلاء أحمد بن عبد الله التنوخي أسعده الله، يحدو ركابي، والحنين إلى لقائه يحث أصحابي، وبلغت المعرة ضحية فلم أطق صبراً حتى دخلت إلى الشيخ أبي العلاء أسعده الله، فشاهدت منه بحراً لا بدرك غوره، وقليب ماء لا يدرك قعره، فأما اللغة ضمن قلبه، والنحو حشو ثوبه، والتصريف نشر بيته، والعروض ملك يده، والشعر طوع طبعه، والترسل بين أمره ونهيه، ورأيت أسبابه كلها أسباب من علم أن العيش تعليل وأن المقام فيها قليل.
قال فيها: ورأيت من كتبه كتاب الفصول والغايات، وكتاب لزوم ما لا يلزم، وكتاب زجر النابح وسبب تصنيفه هذا الكتاب أن قوماً من حساده فكوا من مقاطيع له في كتاب لزوم ما لا يلزم أبياتاً كفروه فيها، وشهدوا عليه باستحالة معانيها، ومقاصد الشيخ أبي العلاء فيها غير مقاصدهم، ومغايصه في معانيها غير مغايصهم، فمن ذلك قوله:
إنما هذه المذاهب أسبا ... بٌ لجذب الدنيا إلى الرؤساء
عرض القوم لا يرقون لدم ... ع الشمّاء والخنساء
كالذي قام يجمع الزّنج بالبص ... رة والقرمطي بالأحساء
وأول الأبيات:
يا ملوك البلاد فزتم بنسىء ال ... عمر والجور شانكم في النّساء
ما لكم لا ترون طرق المعالي ... قد يزور الهيجاء زيّ النّساء
يرتجي الناس أن يقوم إمامٌ ... ناطقٌ في الكتيبة الخرساء
كذب الظنّ لا إمام سوى ال ... عقل مشيراً في صبحه والمساء
فإذا ما أطعته جلب الرّح ... مة عند المسير والإرساء
ثم يقول: إنما هذه المذاهب الأبيات الثلاثة، فأي بأس بهذا الشعر، وهل أتي القوم إلا من ضعف الخيزة وسوء الفكر.

قرأت بخط الإمام أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني: سمعت الشيخ أبا الطيب سعيد بن إبراهيم بن سعيد الأندلسي يقول: سمعت عبد الحليم بن عبد الواحد بسفاقس يقول: قدم بعض أهل الأدب من المشرق إلى إفريقية، فسأله الحسن بن رشيق عن أبي العلاء المعري وقال: أنشدني شيئاً من شعره، فأنشده القصيدة التي أولها:
منك الصّدود ومني بالصدود رضا ... من ذا عليّ بهذا في هواك قضى
فلم يرتض هذا المذهب من الشعر، واستلانه، وعزم على هجائه، فهجاه، ثم أنشده بعد بعض أحد الأدباء ممن جاء من المشرق أيضاً:
هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ... وموقد النار لا تكرى بتكريتا
فقطع ما عمل فيه من الهجو، وقال: لو أخرج أبو العلاء يده من المعرة وصك ابن رشيق صكةً لرده إلى الزاب من حيث جاء، وكان رشيق أبوه مملوكاً ربي بالزاب.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الجبار بن عبد الله العثماني في كتابه قال: سمعت الشيخ الإمام الحافظ السلفي رحمه الله إملاء من لفظه ومن كتابه قال: سمعت أبا المكارم عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم الأسدي رئيس أبهر بأبهر، وكان من أفراد الزمان، يقول: سمعت رشاء بن نظيف بن ما شاء الله المقرىء الفاضل الكبير بدمشق يقول: ما حملت الأرمض مثل أبي العلاء المعري في فنه؛ وكان يتغالى فيه، وكان قد رآه وقرأ عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله، وعيسى بن عبد العزيز الأندلسي - قراءة على الأول، وكتابة من الثاني - قالا: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني - قال عبد الله: إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: سمعت محمد بن حمزة بن أحمد التنوخي يقول: سمعت عبد الباقي بن علي المعري يقول: كان أبو نصر المنازي أحد وزراء نصر الدولة بن مروان بديار بكر، فأرسله إلى مصر رسولاً، فوصل إلى المعرة، ودخل إلى أبي العلاء، مسلماً، فتناشدوا وانبسط أحدهما إلى الآخر، فذكر أبو العلاء ما يقاسي من الناس وكلامهم فيه، فقال له أبو نصر: ماذا يريدون منك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة ! فقال: والآخرة أيضاً والآخرة أيضاً، وأطرق ولم يكلمه إلى أن قام.
وهذا عبد الباقي هو أبو المناقب عبد الباقي بن علي من أهل معرة النعمان، وكان قد أقام بمصر وتلقب خريطة النايات، وشعره شعر بارد متهلهل النسج، والذي ذكره عن المنازي وجده في تاريخ غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابىء - وقرأته فيه - قال: وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهير قال: حدثني المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء المعري بمعرة النعمان وقلت له: ما هذا الذي يروى عنك ويحكى؟ فقال: حسدني قوم فكذبوا علي وأساءوا إلي، فقلت له: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟! فقال: والآخرة أيها الشيخ؟ قلت: أي والله، ثم قلت له: لم تمتنع من أكل اللحم وتلوم من يأكله؟ فقال: رحمة مني للحيوان، قلت: لا بل تقول إنه من شر الناس، فلعمري إنهم يجدون ما يأكلون ويتجزون به عن اللحمان ويتعوضون، فما تقول في السباع والجوارح التي خلقت لا غذاء لها غير لحوم الناس والبهائم والطيور ودمائها وعظامها، ولا طعام يعتاض به عنه ولا يتجزى به منها، حتى لم تخلص من ذلك حشرات الأرض، فإن كان الخالق لها الذي بقوله نحن، فما أنت بأرأف منه بخلقه ولا أحكم منه في تدبيره، وإن كانت الطبائع المحدثة لذاك على مذهبك فما أنت بأحذق منها، ولا أتقن صنعة ولا أحكم عملاً حتى تعطلها ويكون رأيك وعقلك أوفى منها وأرجح وأنت من أبجادها غير محسوس عندها، فأمسك.
قلت: وهذا يبعد وقوعه عن أبي نصر المنازي فإنه كان قدم على أبي العلاء وحكى ما أخبرنا به أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر السلفي قال: سمعت أبا الحسن المرجي بن نصر الكاتب يقول: سمعت خالي الوزير أبا نصر أحمد بن يوسف المنازي يقول: بعثني نصر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان سنة من ميا فارقين إلى مصر رسولاً، فدخلت معرة النعمان واجتمعت بأبي العلاء التنوخي، وجرت بيننا فوائد، فقال أصحابه فينا قصائد، ومن جملتها هذه الأبيات:
تجمع العلم في شخصين فاقتسما ... على البريّة شطريه وما عدلا

جاء أخيري زمانٍ ما به لهما ... مماثلٌ وصل الجد الذي وصلا
أبو العلاء وأبو نصر هما جمعا ... علم الورى وهما للفضل قد كملا
هذا كما تراه رامحٌ علمٌ ... وذاك أعزك للدنيا قد اعتزلا
هما هما قدوة الآداب دانيةً ... طوراً وقاصيةً إن مثلا مثلا
لولاهما لتفرّ العلم عن حلم ... أو لافترى صاحب التمويه إن سئلا
يا طالب الأدب اسأل عنهما وأهن ... إذا رأيتهما أن لا ترى الأولا
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... فطلعة البدر تغني أن ترى زحلا
فلو كان المنازي واجه أبا العلاء بهذا الكلام القبيح المستفظع لما مدح أصحابه أبا نصر بما ذكره، وكذلك الذي احتج به في ترك اللحم لا يليق أن يصدر مثله من أبي نصر المنازي، وقد كان عارفاً بالفقه، وشهد له سليم الرازي بأن له يداً في الفقه واللغة على ما نذكره في ترجمته، ومثل ما نقله الناقل عنه جواباً عن قوله في ترك أكل اللحم أنه رحمة للحيوان لا يحسن الجواب عنه بما ذكر، والرحمة للحيوان من الخصال المندوب إليها كما قال صلى الله عليه وسلم: والشاة إن رحمتها رحمك، وقد ترك جماعة من الزهاد والعباد أكل الشهوات والطيبات تقرباً إلى الله تعالى، وعد ذلك في مناقبهم ومحاسنهم، ولم ينكر عليهم، فكيف يجعل الامتناع من أكل اللحم تركاً للآخرة، وقد استقصينا الكلام على هذا في كتاب دفع الظلم والتجري.
وقد قال أبو نصر المنازي في أبي العلاء أبياتا خاطبه بها في مدحه:
لله لؤلؤ ألفاظ تساقطها ... لو كن للغيد ما استأنسن بالعطل
ومن عيون معان لو كحلن بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل
سحر من اللفظ لو دارت سلافته ... على الزمان تمشي مشية الثمل
فمن هذا خطابه له وذكره لما قيل فيهما كيف يصح عنه أنه يواجهه بهذا الكلام الفاحش الخارج عن حسن الآداب، المجانب لصحة القول والصواب.
أخبرنا عبد الله بن أبي علي الأنصاري عن أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال: ذكر - يعني أبا الفضل هبة الله بن المثنى بن ابراهيم الهيتي - له أنه دخل المعرة، وكان أبو العلاء يعيش فيها، فنهاه أبو صالح بن شهاب عن الدخول عليه.
قلت: وهذا أبو صالح هو أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب ابن أبي حامد بن همام بن أبي شهاب، وكان ابن عمه أبي العلاء، وهو الذي كتب الأبيات النونية إلى أبي الهيثم أخي أبي العلاء حين احتجب أبو العلاء ومنع الناس من الدخول عليه وأولها:
بشمس زرودٍ لا ببدر معان....
وقد ذكرناها وفيها من المدح والتقريظ لأبي العلاء والتحيل في الدخول عليه ما هو واضح، فكيف يمنع الناس من الدخول عليه وينهاههم عنه، اللهم إلا إن كان ذلك وقع في الوقت الذي قدم أبو العلاء من بغداد، وعزم على العزلة عن الناس، وكتب إلى أهل المعرة ما كتب، وأراد أبو الفضل الهيتي الدخول عليه فنهاه أبو صالح عن ذلك مخافة أن يمضي فيتعذر عليه فيكون كما قال في رسالته: فأكون قد جمعت بن سمجين: سوء الأدب وسوء القطيعة.
ذكر ابن السيد البطليوسي في شرح سقط الزند لأبي العلاء قال: وكان المعري متدينا، كثير الصيام والصدقة، يسمع له بالليل هينمة لا تفهم، وكان لا يقرع أحد عليه الباب حتى تطلع الشمس، فإذا سمع قرع الباب علم أن الشمس قد طلعت، فقطع تلك الهينمة وأذن في الدخول عليه، وكان لا يرى أكل اللحم، ولا شرب المسكر، ولا النكاح، وكان ذا عفة ونزاهة نفس، إلا أنه كان مخالفاً لما عليه أهل السنة.
وقول ابن السيد: أنه كان مخالفاً لما عليه أهل السنة لا أعلم بأي طريق وقعت المخالفة، وقد وصفه بهذه الصفات المحمودة، وكان شافعي المذهب من أهل السنة والجماعة.

وقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي في تعليق له: سمعته يقول: - يعني حامد بن بختيار ابن جروان الشمساني - سمعت عبد المنعم يقول: - يعني عبد المنعم بن أحمد بن أبي الروس السروجي - سمعت أخي - يعني أبا الفتح - يقول: دخل رجل من أهل الساحل على الشيخ أبي العلاء التنوخي بالمعرة ونحن عنده، وكان يعرفه، فقال له: أريد أن يملي سيدنا علي شيئا من غريب القرآن، فقال يا هذا من أين وصل إلي غريب القرآن وأنا هاهنا في زاوية البيت، فلما خرج قال لنا: مضى فلان؟ فقلنا: نعم، فقال: ضعوا ما في أيديكم من الكراريس وخذوا سواها ففعلنا، فقال: اكتبوا غريب القرآن فأملى علينا غريب القرآن والكلام عليه ثلاثة أسابيع من صدره، فقلنا له بعد ذلك: العلم لا يحل منعه وقد منعت ذلك الرجل الساحلي، فقال: ما كنت لأضيع الحكمة مع رجل يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتنقصهم.
وأخبرنا أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر السلفي قال: قال لي الرئيس أبو المكارم يعني عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم الأبهري، وكان من أفراد الزمان ثقة مالكي المذهب: لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعرا وختم في اسبوع واحد عند القبر مائتا ختمة، وهذا ما لم يشارك فيه.
وكانت الفتاوى في بيتهم على مذهب الشافعي من أكثر من مائتي سنة بالمعرة. قلت: ولم ينقل أن أبا العلاء كان مبتدعا، لكن نسبوه إلى ما هو أعظم من ذلك.
وقرأت في تاريخ غرس النعمة ابن الصابىء: أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري الشاعر، الأديب الضرير، وكان له شعر كثير، وفيه أدب. غزير، ويرمى بالالحاد، وأشعاره دالة على ما يزن به من ذاك، ولم يك يأكل لحوم الحيوان ولا البيض، ولا اللبن، ويقتصر على ما تنبته الأرض، ويحرم ايلام الحيوان ويظهر الصوم زمانه جميعه، ونحن نذكر طرفا مما بلغنا من شعره ليعلم صحة ما يحكى عنه من الحاده، وله كتاب سماه الفصول والغايات عارض به السور والآيات، لم يقع إلينا منه شيء فنورده.
وذكر أشعارا: نسبها إليه، فمنها ما هو من شعره في لزوم ما لا يلزم وفي استغفر وأستغفري قد أجاب عنها في كتابه المعروف بزجر النابح والكتاب بنجر الزجر، وإذا تأملها المنصف حق التأمل لم يجد فيها ما يوجب القدح في دينه، ومنها ما وضع على لسانه وتعمل تلامذته المنحرفون وغيرهم من الحسدة نظمها على لسانه وضمنوها أقاويل الزنادقة، وفيها من ركاكة اللفظ والعدول عن الفصاحة التي هي ظاهرة في شعره ما يوجب نفيها عنه وبعدها منه، فمما أورده وهو موضوع عليه:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على إمرىء ... رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا
وهذا شعر في غاية السقوط والنزول والهبوط، يقضي على ناظمة بالجهل والعمه والكفر والسفه ومما أورد من الأشعار الموضوعة على لسانه البعيدة عن فصاحته وبيانه.
صرف الزمان مفرق الإلفين ... فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وبعثت أنت بقبضها ملكين
وزعمت أن لها معاداً ثانياً ... ما كان أغناها عن الحالين
ولم يعز غرس النعمة شيئا من هذه الأشعار المكذوبة إلى كتاب يعتمد عليه، ولا: نسب روايتها إلى ناقل أسندها إليه، بل اقتصر في ذكرها كما ذكر على البلاغ ولم يتأمل أن مثلها مما يختلق عليه زورا ويصاغ.
وقد نسج أبو يعلى بن الهبارية على منوال غرس النعمة من غير فكر ولا روية، فقال في كتابه الموسوم بفلك المعاني المشحون بقول الزور فيما ينقله ويعاني: وقد قال أبو العلاء أحمد بن سليمان مع تحذلقه ودعواه الطويلة العريضة وشهرته نفسه بالحكمة ومظاهرته:
ونهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وبعثت تقبضها مع الملكين
وزعمت أنّك في المعاد تعيدها ... ما كان أغناها عن الحالين
قال ابن الهبارية: وهذا كلام مجنون معتوه يعتقد أن القتل كالموت، والموت، كالقتل، فليت هذا الجاهل الذي حرم الشرع وبرده، والحق وحلاوته، والهدى ونوره، واليقين وراحته، لم يذع ما هو برىء منه بعيد عنه ولم يقل:
غدوت مريض العقل والرأي فأتني ... لتخبر أنباء الأمور الصحائح

حتى سلط الله عليه أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر، فقال: أنا ذلك المريض رأياً وعقلاً، وقد أتيتك مستشفياً فاشفني، وجرت بينهما مكاتبات كثيرة، وأمر باحضاره حلب، ووعده على الإسلام خيراً من بيت المال، فلما علم أبو العلاء أنه يحمل للقتل أو الإسلام سم نفسه فمات.
وابن الهبارية لا يعتمد على ما ينقله، وأبو نصر بن أبي عمران هو هبة الله ابن موسى، المؤيد في الدين، وكان اجتمع بأبي العلاء بمعرة النعمان، وذكرنا فيما نقله ابن الزبير باسناده أنه كانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة، وذكر حكايته معه.
وأما الرسائل التي جرت بينه وبين أبي العلاء فإنني وقفت عليها، وملكتها نسخه، والمؤيد في الدين ابتداه وقال: بلغني عن سيدنا الشيخ بيتاً، وذكر البيت المذكور، وقال: أنا ذلك المريض عقلاً ورأياً وقد أتيتك مستشفياً، لم امتنعت عن أكل اللحم؟ فأجابه أبو العلاء أن ذلك لرقة تأخذه على الحيوان، وأن الذي يحصل له من ملكه لا يقوم بسعة النفقه.
فأجابه بجواب حسن وقال: إنه قد تقدم إلى الوالي بحلب أن يحمل إليه ما يقوم بكفايته، لا كما ذكر ابن الهبارية بأن يحمل إلى حلب، وأنه وعد عن الاسلام خيراً من بيت المال، فامتنع أبو العلاء عن قبول ما بذله له وأجابه عن كتابه بجواب حسن، فورد جواب المؤيد في الدين يتضمن الاعتذار إليه عن تكليفه المكاتبة في المعنى المذكور، وشغل خاطره، لا كما ذكر ابن الهبارية.
وكذلك قول ابن الهبارية أن أبا العلاء سم نفسه فمات، خطأ فاحش من القول فإن أبا العلاء مات حتف أنفه بمرض أصابه، وسنذكر ذلك إن شاء الله في ذكر وفاته.
قرأت بخط أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان أبو بخط أبيه أبي محمد عبد الله فإن خطيهما متشابهان، في ورقة وقعت إلي، ذكر فيها شيئاً من أحوال أبي العلاء، وقال فيها: إن المستنصر بالله صاحب مصر بذل له ما لبيت المال بمعرة النعمان من الحلال، فلم يقبل منه شيئاً وقال:
كأنما غانة لي من غنى ... فعدّ عن معدن أسوان
سرت برغمي عن زمان الصبى ... يعجلني وقتي وأكواني
ضد أبي الطيب لما غدا ... منصرفاً عن شعب بوّان
وقال:
لا أطلب الأرزاق وال ... مولى يفيض علي رزقي
إن أعط بعض القوت أع ... لم أن ذلك ضعف حقي
قال: وكان رضي الله عنه يرمى من أهل الحسد له بالتعطيل، وتعمل تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار يضمنونها أقاويل الملحدة قصداً لهلاكه، وإيثاراً لتلاف نفسه، فقال رضي الله عنه:
حاول إهواني قوم ... فما واجهتهم إلا بإهوان
تخوّنوني بسعاياتهم ... فغيروا نية إخواني
لو استطاعوا لوشوا بي ... إلى المريخ في الشهب وكيوان
وقال:
غريت بذمّي أمةٌ ... وبحمد خالقها غريت
وعبدت ربي ما استطع ... ت ومن بريته بريت
وفرتني الجهال حا ... شدة علي وما فريت
سعروا علي فلم أح ... س وعندهم أني هريت
وجميع ما فاهوا به ... كذب لعمرك حنبريت
وقال أيضاً في ذلك:
واللّه سلم بعدما ... حشد العداة ونفّروا
وسعوا إلى الأمراء عل ... لي في المجال أفرفر
وتراسلوا وتألبوا ... وسكت لما اسحنفروا
خالوني الصيد الأخي ... ر سطا عليه غضنفر
واللّه يعلم أينا ... أطغى وأي أكفر
قال: وكان يدفع الله سبحانه عنه مكائد الأعداء، ويقوم له من المقدمين من ينتخي له، ويذب عنه، فقال في ذلك رضي الله عنه:
ضعفت عن كيدهم غير أن ... اللّه بالحكمة قواني
أعانني من عز سلطانه ... فلم أبك قلة أعواني
وزينوا هلكي بعدوانهم ... لكل ذي جور وعدوان
ومدّ في القصر حديثي وكم ... ذممت في قصر وأيوان
كفاني الصدق ورب رأى ... تعظيمه معظم ديواني
فما رموا سهماً لهم بالغوا ... في سمه إلا وأشواني

يا دائباً في عنتي جاهداً ... إبليس في ودّك أغواني
خال من الضغن وخال حجىً ... إني وإياك لخلوان
كأن طرحي في لظى مالكٍ ... يدخله جنة رضوان
قال: ولم يكن من شأنه أن يلتمس من أحد من خلق الله شيئا، وكان كثير الأمراض فقال:
لا أطلب السّيب من الناس ... بل أطلبه من خالق السّيب
ويشهد الأول أني أمرؤٌ ... لي جسد يغرق في عيني
تضرب أضراسي وطبي بها الت ... عطيس بالكندس في جيبي
ويلي مما أنا فيه وج ... ل الأمر عن ويح وعن ويب
لو أن أعمالي محمودة ... لقلت حوطي بي وأعني بي
قال: وأبان عن تعظيم الله سبحانه واعتقاده الصحيح فيه فقال:
ترتاح في الصيف إلى أشهر ال ... قرّ وفي مشتاك للصيف
فخف إلهاً عز سلطانه ... وجل عن أين وعن كيف
وعلم الناس محاسن الأخلاق فقال:
والرزق مقسوم فياسر ولا ... تطلبه بالرمح والسيف
وكن لما تملكه باذلا ... ولا تهاون بقرى الضيف
فاز امرؤٌ أنصف في دهره ... وخاب من مال إلى الحيف
سمعت العماد ساطع بن عبد الرزاق بن المحسن بن أبي حصين المعري يقول: بلغني أن الناس لما أكثروا القول في الشيخ أبي العلاء بن سليمان ورموه بما رموه به من الإلحاد، سير صاحب حلب قصداً لأذاه، فلما جاءه الرسول بات على عزم أن يأخذوه بكرة اليوم الآتي، فبات الشيخ أبو العلاء تلك الليلة في محرابه يدعو الله ويذكره، ويسأله أن يكفيه شره، وقال لبعض أصحابه أرقب النجم الفلاني فما زال يرقبه إلى أن أخبره بأنه غاب، والشيخ يدعو مستقبلا القبلة. فلما أصبح جاءه الرسول فقال له أبو العلاء: امض فقد قضي الأمر، فقال: وما ذاك؟ قال: إن صاحبك مات، قال: تركته وهو في عافية، قال: إنه قد مات الليلة، فعاد فوجد الأمر كما ذكر، وذاك أنه سقط بيت كان به، وتقصفت الأخشاب فمات، هذا معنى ما ذكره لي أو قريب منه.
وقرأت بخط الشريف إدريس بن الحسن بن علي بن عيسى بن علي الإدريسي الحسني قال: أخبرني الشريف النقيب: نظام الدين أبو العباس بن أبي الجن الحسيني قال: حدثني ابن أخت أمين الدولة الشريف القاضي الأفطسي قال: كان الشريف أبو ابراهيم محمد يحضر مجلس معز الدولة ثمال بن صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب، ويحضره المحبرة العباسي من ولد إسماعيل بن صالح وكل واحد منهما فقيه نبيل في المذهب الذي عرف به، وكان المحبرة يدق على أبي العلاء بن سليمان ويكفره ويحض معز الدولة على قتله، فكان معز الدولة يستطلع رأي الشريف أبي إبراهيم فيه، فيقول فيه بخلاف ما يقول المحبرة ويقرظه عند معز الدولة ويرغبه في إبقائه وينشده من أشعاره التي لا يلم فيها بأمر منكر، فجمع المحبرة جماعة من الفقهاء وغيرهم من أهل السنة وصعد إلى معز الدولة وألجأه إلى أن يبعث إليه فيحضره إلى حلب، ويعقد له مجلس يخاطب فيه على ما شاع له من الشعر والتصانيف التي صنفها، فندب لإحضاره رسولا من خاصته، فيقال: إن أبا العلاء بن سليمان صعد في الليلة التي ورد فيها الرسول لإحضاره، وبسط منديلا عليه رماد فوضع عليه خده ودعا الله عز وجل بدعاء الفرج طول ليلته، فلم ينزل إلا ورسول ثان من معز الدولة يقول للأول: لا تزعج الرجل واتركه، فعاد، واتفق في تلك الليلة أن سقط المحبرة من سطوح داره فمات.
وغبر على ذلك مدة طويلة وأبو إبراهيم محمد ينتظر الثواب من أبي العلاء على ما كان منه إليه، وكان أبو العلاء لا يمدح أحدا ترفعا وضنا بنفسه وشعره، إلا ما كان من مدحه لنفسه أو أحد من أهل بيته كالقاضي التنوخي، والفصيصي، وما اضطر إليه، فابتدأه الشريف أبو ابراهيم بالقصيدة النونية التي أولها:
غير مستحسن وصال الغواني ... بعد ستين حجة وثمان
فأجابه عنها بالقصيدة المكتوبة في سقط الزند:
عللاني فان بيض الأماني ... فنيت والظلام ليس بفان

قلت: والشريف المحبرة هو أبو علي محمد بن محمد بن هارون الهاشمي الحلبي، وكان قد تصدى للسعي بأبي العلاء، والتأليب عليه، وكان من أكابر الحلبيين وفقهائهم، ولم يسقط من سطح داره، لكن معز الدولة ثمال بن صالح اعتقله بقلعة حلب سنة أربعين وأربعمائة مع جماعة من أكابر حلب عندما طرق ناصر الدولة بن حمدان الشام، ثم قتله دونهم بسعاية علي بن أحمد بن الأيسر في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين، ولم يكن الشريف أبو إبراهيم محمد بن أحمد ناظم النونية موجودا، ولا أدرك زمان ثمال فإنه توفي قبل الأربعمائة، ويحتمل أن أبا إبراهيم المذكور الذي كان يقرظ أبا العلاء عند معز الدولة هو أبو إبراهيم محمد بن جعفر بن أبي إبراهيم، فإنه كان جليل القدر محترما عند صالح بن مرداس وثمال بن صالح، لكن الشعر الذي ذكره لجده أبي إبراهيم الأكبر، والله أعلم.
أنبأنا الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي قال: قرأت بخط ابن سنان الخفاجي في ذكر أبي العلاء بن سليمان أنه ترك أكل اللحم تزهدا، وكان مع ذلك يصوم أكثر زمانه ويفطر على الخل والبقل ويقول: ان في هذا لخيرا كثيرا.
أخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد اجازة عن أبي الفضل بن ناصر قال: حدثنا أبو زكريا التبريزي قال: كان المعري يجري رزقا على جماعة ممن كان يقرأ عليه، ويتردد لاجل الأدب إليه، ولم يقبل لاحد هدية ولا صلة، وكان له أربعة رجال من الكتاب المجودين في خزانته وجارية يكتبون عنه ما يرتجله ويمليه.
أنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال: أنبأنا هبة الله بن علي العلوي الشجري قال: حدثنا أبو زكريا التبريزي قال: ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري، ولقد اتفق قوم ممن كان يقرأ عليه ووضعوا حروفاً وألفوها كلمات وأضافوا إليها من غريب اللغة ووحشيها كلمات أخرى وسألوه عن الجميع على سبيل الامتحان، فكان كلما وصلوا إلى كلمة مما ألفوه ينزعج له وينكرها ويستعيدها مرارا ثم يقول: دعوا هذه، والألفاظ اللغوية يشرحها ويستشهد عليها حتى انتهت الكلمات، ثم أطرق ساعة مفكرا ورفع رأسه وقال: كأني بكم وقد وضعتم هذه الكلمات لتمتحنوا بها معرفتي وثقتي في روايتي، والله لئن لم تكشفوا لي الحال وتدعوا المحال، وإلا هذا فراق ما بيني وبينكم، فقالوا له: والله الأمر كما قلت، وما عدوت ما قصدناه، فقال: سبحان الله، والله ما أقول إلا ما قالته العرب وما أظن أنها نطقت بشيء لم أعرفه.
قرأت في كتاب تتمة اليتيمه لأبي منصور الثعالبي وذكر فيها أبا العلاء المعري فقال: وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر، وهو ممن لقيته قديماً وحديثاً في مدة ثلاثين سنة قال: لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب، رأيت أعمى شاعرا طريفا يلعب بالشطرنج والنرد، ويدخل في كل فن من الجد والهزل، يكنى أبا العلاء؛ وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء.
قال: وحضرته يوماً وهو يملي في جواب كتاب ورد من بعض الرؤساء إليه:
وافى الكتاب فأجب الشكرا ... فضممته ولثمته عشرا
وفضضته وقرأته فإذا ... أحلى كتاب في الورى يقرا
فمحاه دمعي من تحدره ... شوقاً إليك فلم يدع سطرا
فتحفظتها واستعملتها في مكاتبات الإخوان.
قلت: وهذا الذي حكاه الدلفي لم أسمعه في كتاب غير تتمة اليتيمة، ولم ينقل أحد من المعريين وغيرهم عن أبي العلاء اشتغالا بشطرنج أو نرد، أو دخولا في فن من فنون الهزل، ولم تزل أوقاته منذ نشأ مصروفة إلى الاشتغال بالعلم، كيف وهو أن منصب أبيه ومنصب أخيه لا يقتضى تمكينه من شيء من ذلك، فقد كانا من العلماء الفضلاء، وكان أبو العلاء يزيد عليهما.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن اسماعيل الطرسوسي قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي إجازة - قلت: ونقلته أنا من خط المقدسي، قال: سمعت الرئيس أبا نصر أحمد بن أحمد بن عبدوس الوفراوندي بها يقول: سألت شيخ الإسلام أبا الحسن علي بن أحمد بن يوسف الهكاري عن أبي العلاء المعري - وكان قد رآه - فقال: رجل من المسلمين.

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن رواحة - قراءة عليه - قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي - إجازة، إن لم يكن سماعا - .
وكتب إلينا أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز اللخمي من الاسكندرية قال: سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الزاكي حامد بن بختيار بن جروان النميري الخطيب بالشمسانية - مدينة بالخابور - يقول: سمعت القاضي أبا الفتح عبد المنعم بن أحمد بن أبي الروس السروجي يقول: سمعت أخي القاضي أبا الفتح يقول: دخلت على الشيخ أبي العلاء التنوخي بالمعرة ذات يوم في وقت خلوة بغير علم منه، وكنت أتردد إليه وأقرأ عليه، فسمعته وهو ينشد من قبله:
كم غودرت غادةٌ كعابٌ ... وعمرت أمّها العجوز
أحرزها الوالدان خوفاً ... والقبر حرزٌ لها حريز
يجوز أن تبطىء المنايا ... والخلد في الدّهر لا يجوز
ثم تأوه مرات وتلا قوله تعالى: إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد، ثم صاح وبكى بكاء شديداً وطرح وجهه على الأرض زمانا، ثم رفع رأسه ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا في القدم، سبحان من هذا كلامه، وسكت وسكن، فصبرت ساعة ثم سلمت عليه، فرد علي وقال: يا أبا الفتح متى أتيت؟ فقلت: الساعة، فأمرني بالجلوس، فجلست وقلت: يا سيدنا أرى في وجهك أثر غيظ، فقال: لا يا أبا الفتح بل أنشدت شيئاً من كلام المخلوق وتلوت شيئاً من كلام الخالق، فلحقني ما ترى، فتحققت صحة دينه وقوة يقينه.
أخبرنا أبو القاسم الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر السلفي، وأنبأنا أبو القاسم اللخمي قال: وسمعت أبا طاهر أحمد بن محمد يقول: وقد كان شيخانا أبو زكريا التبريزي ببغداد وأبو المكارم الأبهري بأبهر، وهما هما ولا يخفى من العلم محلهما، يبالغان في الثناء عليه ويصفانه بالزهد والدين القوي، والعقيدة الصحيحة القوية، والخوف من الله تعالى، وإن كل ما يذكر من شعره إنما كان يذكره على ما جرت به عادة أهل الأدب، كما فعله أبو الحسين بن فارس في فتيا فقيه العرب، وقبله أبو بكر بن دريد في الملاحن، وعد ذلك منهما في جملة المناقب والمحاسن، وهذا الإمامان فمن أجلاء من رأيته من أهل الأدب والمتبحرين في علوم العرب، وإلى أبي العلاء انتماؤهما وفي العربية اعزاؤهما، وقد أقاما عنده برهة من الدهر للقراءة والأخذ عنه والاستفادة.
أخبرنا القاضي أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سعيد بن سليمان قاضي معرة النعمان قال: بلغني من شيوخ المعرة أن جماعة من أهل حلب خرجوا إلى ناحية المعرة فقالوا: نريد أن نجتمع بالشيخ أبي العلاء فقال: واحد منهم يقال له ابن الطرسوسي: أي حاجة بنا أن نمضي إلى ذلك العمى الأصطيك فقالوا: لا بد لنا من المضي إليه، فمضوا حتى وصلوا إلى بابه ودقوا الباب واستأذنوا عليه، فقال: يؤذن للجماعة كلهم ما خلا فلان فلا حاجة له إلى أن يجتمع بالأعمى الأصطيلىء، فدخلوا وسألوه الإذن له، فأذن له، وعجبوا من ذلك.
قرأت بخط أبي الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الكاتب الوزير في روزنامج أنشأه لولده الحسن يذكر فيه رحلته إلى الحج من أذربيجان وعبوره بحلب ومعرة النعمان في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وكان رجلاً جليلاً وفاضلاً، وسنذكر ترجمته في موضعها إن شاء الله.

ذكر معرة النعمان ثم قال وحسنتها وغرتها وديباجتها وعالمها وروايتها وعلامتها ونسابتها الشيخ الجليل العالم أبو العلاء أحمد عبد الله بن سليمان المعروف برهن المحبسين، وهو العالم المقصود والبحر من الأدب المورود، والإمام الموجود، والأديب الذي يشهد بفضله الحسود، والزاهد الذي لو أحل الدين السجود لوجب له السجود، والفاضل الذي تنضى إليه الركائب، وتركب إلى الاقتباس منه الطريق الموعر واللاحب، وتهجر لمواصلته المناسب والمصاحب، وتطوى إليه البلاد، ويخالف للاكتحال به الرقاد ويحالف السهاد ليؤخذ منه العلم المحض والسداد، ويستفاد من مجالسته العلم المطلوب والرشاد، يفقد لديه الزيغ والإلحاد والفضول في الدين والعناد، الفهم ملء إهابه، والفضل حشو ثيابه، شخص الأدب ماثلاً، ولسان البلاغة قائلا: جمال الأيام، وزينة خواص الأنام، وفارس الكلام، والمقدم في النثار والنظام، قد لزم بيته فما يرى متبرزا، وألف داره وأصبح فيها معتمداً متعززاً لا يؤنسه عن الوحشة إلا الدفاتر، ولا يصحبه في الوحدة إلا المحابر، وقد اقتصر من دنياه على الزاوية، وأنس الاعتزال والعافية، وقصر همته على أدب يفيده، وتصنيف يجيده، وقريض ينظمه، ونثر ينثره فيحكمه، ومتعلم يفضل عليه، ومسترفد صعلوك يحسن إليه، فهو عذب لمشرب، عف المطلب، نقي الساحة من المآثم، بريء الذمة من الجرائم يرجع إلى نفس أمارة بالخير، بعيدة من الشر، قد كف عن زخرف الدنيا ونضرتها، وغض طرفه عن متاعها وزهرتها، ونقى جيبه فأمن الناس عيبه، قد استوى في النزاهة نهاره وليله، فلم يتدنس بفاحشة قط ذيله، وعاد لإصلاح المعاد بإعداد الزاد، واعتزل هذه الغدارة، وأفرج عن المراد.
وله دار حسنة يأويها، ومعاش يكفيه ويمونه، وأولاد أخ باق يخدمونه ويقرأون بين يديه، ويدرسون عليه، ويكتبون له، ووراق برسمه مستأجر، ثم ينفق على نفسه من دخل معاشه نفقة طفيفة، وما يفضل عنه يفرقه على أخيه وأولاده واللائذين به الفقراء والقاصدين له من الغرباء، ولا يقبل لأحد دقيقا ولا جليلا، فقد استعمل قول النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أتاه فقال: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه. قال ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شر وما روي أن عقبة بن عامر قال: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أملك عليك لسانك وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك فقد اتخذ الله تعالى ذكره صاحبا، وترك الناس جانبا.
فمضيت إليه مسلما، وللاستسعاد به مغتنما، فرأيت شيخا حكمت بأنه مولود في طالع الكمال، وأنه جملة الجمال، شمس عصره، وزينة مصره، وعلم الفضل المطلوب، وواسطة عقد الادب المحبوب يزيد على العلماء زيادة النور على الظلام، والكرام على اللئام، وينيف عليهم أنافة صفحة الشمس على كره الأرض ويشأهم كما يشأى السابق يوم الامتحان والعرض.
وذكر قصائد سمعها منه من شعره، وقال في آخرها: يا ولدي أبقاك الله هذا ما علقته عن هذا الشيخ المذكور في زورة كانت أقصر من ابهام الضب، وعتاب الصب، وحسوة الطائر، وهجعة السائر، وسالفة الذباب، ودولة الخضاب، ثم عرضت عليه ما أسأرته النوائب من حالي، وتخطته الحوادث من نفقتي ومالي، فأبى عن القبول وامتنع وتلكأ علي ودفع، فلما عرفت مذهبه وظلف نفسه جئته من الباب الذي اقترن بمراده وأنسه.
قرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي في رسالة كتبها الكيا أبو الفتح الحسن ابن عبد الله بن صالح الأصبهاني إلى أبي المظفر الليثي الآذري، وقد سأله عن حاله في سفرة سافرها إلى الشام وغيرها، قال فيها: وهل أدرك أبا العلاء المعري المحجوب حجب الله عنه السوء، وهو أديبهم الراجح، وعالمهم الفاضل، وشاعرهم البارع، وعهدي به راجعا من بغداد، ولم يصح بجانبي ليله النهار، ولم يقع على شبابه لوقائع الدهر غبار، وهو... احتجت إلى علمه، وجئت... إلى وطني أربح... رأيته معنا مغنا... فتذكرت قول... لساني وقلبي... صارم كالسيف ... كتبها إلى الدهخذا أبي الفرج محمد بن أحمد قال: فيها والشيخ أبو العلاء المعري فإني وجدته كما قال أبو الطيب.
علامة العلماء واللج الذي ... لا ينتهي ولكل لج ساحل
ولم يكن التقائي به في دفعتين إلا قدر قبسة العجلان وخفقه النعسان.

أخبرنا أبو اسحق ابراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان قال: أخبرني أبي أبو اليسر قال: أخبرني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله قال: كان ظهر بمعرة النعمان منكر في زمن صالح بن مرداس، فعمد شيوخ البلد إلى انكار ذلك المنكر، فأفضى إلى أن قتلوا الضامن بها، وأهرقوا الخمر، وخافوا فجمعهم إلى حلب واعتقلهم بها، وكان فيهم بعض بني سليمان، فجاء الجماعة إلى الشيخ أبي العلاء وقالوا له: ان الأمر قد عظم وليس له غيرك، فسار إلى حلب ليشفع فيهم، فدخل إلى بين يدي صالح، ولم يعرفه صالح، ثم قال له: السلام عليك أيها الأمير.
الأمير أبقاه الله كالسيف القاطع، لان وسطه، وخشن جانباه، وكالنهار الماتع قاظ، وسطه، وطاب جانباه، خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين، فقال له: أنت أبو العلاء؟ فقال: أنا ذاك، فرفعه إلى جانبه، وقضى شغله وأطلق له من كان من المحبسين من أهل المعرة، فعمل فيه - قال لي: قال لي أبي: قال لي جدي: وأنشدنيها لنفسه:
ولما مضى العمر إلا الأقل ... وحان لروحي فراق الجسد
بعثت رسولاً إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني هديل الحمام ... وأسع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق ... فكم محنة نفقت ما كسد
وقرأت هذه الحكاية في تاريخ أبي غالب همام بن المهذب المعري، وذكر أن اجتماع أبي العلاء بصالح كان بظاهر معرة النعمان قال: سنة سبع عشرة وأربعمائة فيها: صاحت امرأة في الجامع يوم الجمعة، وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغصبها نفسها، فنفر كل من في الجامع إلا القاضي والمشايخ، وهدموا الماخور، وأخذوا خشبه ونهبوه، وكان أسد الدولة صالح في نواحي صيدا.
ثم قال: سنة ثماني عشرة وأربعمائة فيها: وصل أسد الدولة صالح بن مرداس إلى حلب وأمر باعتقال مشايخ المعرة وأما ثلها، فاعتقل سبعون رجلا في مجلس الحصن سبعين يوما، وذلك بعد عيد الفطر بأيام، وكان أسد الدولة غير مؤثر لذلك، وإنما غلب تاذرس على رأيه وكان يوهمه أنه يقيم عليهم الهيبة، ولقد بلغنا أنه خاطبه في ذلك فقال له: أقتل المهذب وأبا المجد بسبب ماخور، ما أفعل وقد بلغني أنه دعي لهم في آمد وميافارقين، وقطع عليهم ألف دينار، واستدعى الشيخ أبا العلاء بن عبد الله بن سليمان رحمه الله بظاهر معرة النعمان، فلما حصل عنده في المجلس قال له الشيخ أبو العلاء: مولانا السيد الاجل، أسد الدولة ومقدمها وناصحها، كالنهار الماته اشتد هجيره وطاب أبراده، وكالسيف القاطع لان صفحه وخشن حداه، خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين فقال صالح: قد وهبتهم لك أيها الشيخ، ولم يعلم الشيخ أبو العلاء أن المال قد قطع عليهم وإلا كان قد سأل فيه، ثم قال الشيخ أبو العلاء بعد ذلك شعرا:
تغيبت في منزلي برهةً ... ستير العيون فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلاّ الأقل ... وحم لروحي فراق الجسد
بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبني هذا النفاق ... فكم نفقت محنة ما كسد
قلت: وبلغني في غير هذه الرواية أنه قال بيتين حين أطلق صالح أهل المعرة:
نجى المعرة من براثن صالح ... ربٌ يداوي كل داء معضل
ما كان لي فيها جناح بعوضة ... اللّه ألحفهم جناح تفضل
نقلت من خط أبي الحسن علي بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ في تاريخه قال: وحدثني أبي قال: حدثني أبو المعافى بن المهذب قال: عمل الشيخ أبو العلاء في بغداد:
منك الصدود ومني بالصدود رضا...
وهي قصيدة مليحة، فلما ظهرت غني بها، فهو ليلةً قاعد في بيته إذ سمع في جواره غناء من القصيدة:
بي منك ما لو بدا بالشمس ما طلعت ... والغصن ما ماس أو بالبرق ما ومضا
قال: فلطم وبكى واستغفر الله من ذلك وقال: والله لو علمت أنه يغنى بشعري لما نطقت به.
أنشدنا ضياء الدين الحسن بن عمرو بن دهن الخصا بقراءتي عليه بحلب قال: أنشدنا أبو الفضل خطيب الموصل قال: أنشدنا أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي.

وأنشدنا الخطيب أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن حرب خطيب قلعة حلب، والشريف أبو المحاسن عبد الله بن محمد بن عبد الله الهاشمي الحلبيان بها، والقاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن مدرك بن سعيد بن ابن سليمان المعري بها، وشهاب الدين أبو المحامد اسماعيل بن حامد القوصي بدمشق، قالوا: أنشدنا القاضي المؤيد أبو جعفر محمد بن مؤيد بن أحمد بن حواري قال: أنشدني جدي أبو اليقظان أحمد بن محمد بن حواري قالا: أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه وهي في أبي الرضا عبد الله بن محمد بن عبد الله القصيصي الكاتب:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر ... لعل بالجزع أعوانا على السفر
وإن بخلت عن الأحياء كلهم ... فاسق المواطر حيا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفها ... حمل الحلي بمن أعيى عن النظر
ما سرت إلاّ وطيف منك يصحبني ... سرى أمامي وتأويبا على أثري
لو حط رحلي فوق النجم رافعة ... ألفيت ثم خيالا منك منتظري
يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر
لو اختصرتم من الاحسان زرتكم ... والعذب يهجر للافراط في الخفر
أبعد حول تناجي الشوق ناجية ... هلا ونحن على عشر من العشر
قال فيها في المدح:
يا روع اللّه سوطي كم أروع به ... فؤاد وجناء مثل الطائر الحذر
باهت بمهرة عدنانا فقلت لها: ... لولا الفصيصي كان المجد في مضر
وقد تبين قدري أن معرفتي ... من تعلمين سترضيني عن القدر
القاتل المحل إذ تبدو السماء ... لنا كأنها من نجيع الجدب في أزر
وقاسم الجود في عال ومنخفض ... كقسمة الغيث بين النبت والشجر
قد أخذ قوم على أبي العلاء قوله: لولا الفصيصي كان المجد في مضر وجعلوا هذا القول دليلا على سوء اعتقاده لانه يشعر بتفضيل الفصيصي على النبي صلى الله عليه وسلم، لان المجد في مضر كان به صلى الله عليه وسلم، فلما جاء الفصيصي صار المجد في قحطان.
قالوا: وهذا تفضيل للفصيصي نعوذ بالله من ذلك، وكنت أبدا أستعظم معنى هذا البيت وأفكر له في وجه يحمل عليه، وتأويل يصرفه عن هذا المعنى القبيح الذي طعن به الطاعن على ناظمه، فلم يخطر لي في تأويله شيء أرتضيه، ومضى لي على ذلك سنون، فرأيت في منامي ليلة من ليالي سنة اثنتين وثلاثين وستمائة كأنني أذاكر رجلا بهذا البيت وأقول له: ان هذا كفر، فقال لي ذلك الرجل: لم يرد أبو العلاء ما ذهبت إليه من التفضيل وإنما أراد أن المجد كله كان في مضر دون غيرها من القبائل فلما جاء الفصيص صار لقحطان به مجد ونصيب منه، وهذا تأويل حسن، وتكون الالف واللام لاستغراق الجنس والله أعلم.
أنشدنا أبو اسحق ابراهيم بن عثمان بن يوسف بن أيوب الكاشغري قال: أنشدنا هبة الله بن يحيى بن الحسن بن البوقي الفقيه الشافعي قال: أنشدنا أبو محمد الحسن بن علي بن عمر قحف العلم قال: أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه:
أما يفيق المرء من سكر ... مجتهدأ في سيره والسرى
نمت عن الأخرى فلم تنتبه ... وفي سوى الدين هجرت الكرى
كم قائل راح إلى معشرٍ ... أبطل فيما قاله وافترى
على القرا يحمل أثقاله ... وإنما يأمل نزر القرى
يفتقر الحيّ ويثرى وما ... يصير إلا حثوةً في الثرى
اسمع فهذا هاتفٌ صادقٌ ... أراك عقباك فهلاّ ترى
أخبرنا أبو هاشم بن أبي المعالي الحلبي قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الإمام قال: أنشدتنا أم سلمة سنبك بنت عبد الغابر بن اسماعيل الفارسي بنيسابور، وأبو حفص عمر بن أحمد بن منصور الإمام بمرو قالا: أنشدنا أبو نصر الرامشي النحوي الإمام قال: أنشدني أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري لنفسه:
رغبت إلى الدنيا زماناً فلم تجد ... بغير عناءٍ والحياة بلاغ
والقى ابنه اليأس المريح وبنته ... لدي فعندي راحة وفراغ

وزاد بلاء الناس في كل بلدةٍ ... أحاديث مما تفترى وتصاغ
تأمّلتها عصر الشباب فلم تسغ ... وليس لها من المشيب مساغ
ومن شرّ ما أسرجت في الصبح والدجى ... كميت لها بالراكبين مراغ
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: وبلغنا أنه - يعني أبا العلاء - مات في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وقرأت بخط أبي الفضل هبة الله بن بطرس الحلبي النصراني المعروف بابن شرارة: لزم أبو العلاء منزله من سنة أربعمائة إلى أن توفي يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين بمعرة النعمان.
وقرأت في الجزء الذي سيره لي قاضي المعرة أبو المعالي بن سليمان في أخبار بني سليمان أنه توفي رحمه الله وقت صلاة العصر من يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربعمائة، ودفن في مقابر أهله بمعرة النعمان، وصلى عليه ابن أخيه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان رحمه الله.
وكذلك قرأت وفاته بخط مؤيد الدولة أبي المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ الكناني.
أخبرنا أبو العرب بن أبي الشكر بن أبي القاسم الأنصاري قال: أخبرنا محمد ابن المؤيد التنوخي قال: أخبرني جدي أحمد بن محمد المعري التنوخي أبو اليقظان قال: وتوفي - يعني - أبا العلاء بين صلاتي العشائين ليلة الجمعة الثالث من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وقرأت في تاريخ غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال الصابىء في حوادث سنة تسع وأربعين وأربعمائة قال: وفي الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول توفي بمعرة النعمان من الشام أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان.
قال: وأذكر عند ورود الخبر بموته تذاكرنا امره وإظهاره الإلحاد وكفره، ومعنا غلام يعرف بأبي غالب بن نبهان من أهل الخير والسلامة والعفة والديانة، فلما كان من غد يومنا حكى لنا وقد مضى ذلك الحديث يسمعه غرضا فقال: أريت البارحة في منامي رجلاً ضريراً وعلى عاتقه أفعيان متدليان إلى فخذيه وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه فيقطع منه لحماً يزدرده وهو يصيح ويستغيث، فقلت من هذا - وقد أفزعني ما رأيته منه، وروعني ما شاهدته عليه - ؟ فقيل لي: هذا المعري الملحد، فعجبنا من ذلك واستطرفناه بعقب ما تفاوضناه من أمره وتجاريناه.
قلت: خفي على غرس النعمة تأويل المنام وهو أن الأفعيين: هو والذي كان يذاكره بإلحاد المعري وكفره، فرأى هذا الغلام في النوم ما عاينه منهما في اليقظة، قال الله سبحانه وتعالى: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه وأما صياحه واستغاثته فإلى الله تعالى عليهما.
ذكر الوزير القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني في كتاب إنباء الأنباه في أنباء النحاه قال: قرأت بخط المفضل بن مواهب بن أسد الفارزي الحلبي قال: حدثني الشيخ أبو عبد الله الأصبهاني قال: لما حضرت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي الوفاة أتاه القاضي الأجل أبو محمد عبد الله التنوخي بقدح شراب فامتنع من شربه فحلف القاضي أيماناً مؤكدة لا بد من أن يشرب ذلك القدح وكان سكنجبين، فقال أبو العلاء مجيباً له عن يمينه:
أعبد الله خير من حياتي ... وطول ذمائها موتٌ صريح
تعلّلني لتشفيني فذرني ... لعلي أستريح وتستريح
وكان مرضه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا فتناولوا الدوى والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال القاضي أبو محمد: أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت، فمات في غداة غد، وإنما أخذ القاضي هذه المعرفة من ابن بطلان، لأن ابن بطلان - كان يدخل على أبي العلاء، ويعرف ذكاءه وفضله، فقيل له قبل موته بأيام قلائل: إنه أملى شيئا فغلط فيه، فقال ابن بطلان: مات أبو العلاء، فقيل: وكيف عرفت ذلك فقال: هذا رجل فطن ذكي ولم تجر عادته بأن يستمر عليه سو ولا غلط، فلما أخبرتموني بأنه غلط علمت أن عقله قد نقص، وفكره قد انفسد، وآلاته قد اضطربت، فحكمت عليه عند ذلك بالموت والله أعلم.

قرأت بخط بعض البغداديين، قيل: لما مات أبو العلاء المعري سامحه الله وقف على قبره سبعون شاعراً من أهل المعرة، فأنشد كل منهم قصيدة يرثيه بها فقال بعضهم:
إن كنت لم ترق الدماء زهاةً ... فلقد أرقت اليوم من عيني دما
سيرت ذكرك في البلاد كأنّه ... مسكٌ فسامعةً تضمّخ أو فما
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلةً ... ذكراك أوجب فديةً من أحرما
قلت: وهذه الأبيات لعلي بن محمد بن همام التنوخي، وسنذكرها في ترجمته إن شاء الله تعالى.
قرأت في مجموعة بخط بعض الفضلاء لابن أخي المعري يرثي عمه أبا العلاء.
لو كان ينفع بعد مصرع مالكٍ ... تطويلي الأشعار والأشعارا
لو قفت في سبل القوافي خاطري ... ولبست من شعري عليك شعارا
قلت: وإياه عنى أبو محمد الخفاجي الشاعر في قصيدته الرائية بقوله:
ومقيماً على المعرّة تطوي ... ه الليالي وذكره منشور
ووقع إلي جزء بخط بعض المعريين فيه بعض مارثي به أبو العلاء من الشعر فقرأت فيه لأبي مسلم وادع بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان من جملة قصيدة:
ألا يا شبيبه البحر أقسم لو درى ... بموتك ما جاشت بليلٍ غواربه
ويا من بكى طرف المكارم وحشةً ... له ولسان الفضل والحلم نادبه
ولو نطقت كتب العلوم إذاً بكى ... على فقده من كلّ علم غرائبه
ولو أنّ هذا الليل يعلم أنه ... قضى لقضى ألاّ تزول غياهبه
ولو علمت شهب الظلام بفقده ... إذاً ندبته في الظلام كواكبه
سقى قبره السحب الغزار وخصه ... من الله عفوٌ لا يزال يصاحبه
فما زال كلّ الناس ينهب علمه ... إلى أن غدا صرف الردى وهو ناهبه
وقد عمّ أهل الأرض جمعاً مصابه ... كما عمّهم إحسانه ومواهبه
رعى الله قبراً أنت يا عمّ ملحدٌ ... به وسقاه من حيا المزن صائبه
ولولا توخيك الطهارة شيمة ... لقلت: سقاه من دم الدمع ساكبه
وقرأت فيه لأبي يعلى عبد الباقي بن أبي حصين من قصيدة:
نصال الدهر أقصد من سواها ... وإن أدمت ولم تدم النصال
ألم تر كيف لم يأمن شباها ... أمين الأرض والورع البجال
وسار سريره فوق الهوادي ... لقد خفّت مذ اليوم الجبال
وأقبر في المعرّة وهو أولى ... بقبرٍ في المجرّة لا يطال
وقرأت فيه لأبي الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة:
العلم بعد أبي العلاء مضيّع ... والأرض خالية الجوانب بلقع
لا عالمٌ فيها يبين مشكلا ... للسائلين ولا سماع ينفع
وعظ الأنام بما استطاع من الهدى ... لو كان يعقل جاهل أو يسمع
ومضى وقد ملأ البلاد غرائباً ... أسفي عليه وقد مشيت وراءه
ما كنت أعلم وهو يودع في الثرى ... أن الثرى فيه الكواكب تودع
جبلٌ ظننت وقد تزعزع ركنه ... أنّ الجبال الراسيات تزعزع
وعجبت أن تسع المعرة قبرة ... ويضيق عرض الأرض عنه الأوسع
أسفي عليه وقد مشيت وراءه ... ومتالع فوق المناكب ترفع
والشمس كاسفة الضياء كئيبةٌ ... والجوّ مسود الجوانب أسفع
والأرض عادمة النسيم كأنما ... سدّت منافسها الرياح الأربع
لو فاضت المهجات يوم وفاته ... ما استكثرت فيه فكيف الأدمع
إني لمحتشم وقد دخل الثرى ... ويكون لي كبدٌ ولا تتقطع
أخبرنا أبو اليمن الكندي في كتابه قال: أجاز لنا أبو عبد الله محمد بن نصر القيسراني، وقال: وكتبها عند قبر أبي العلاء بمعرة النعمان.
نزلت فزرت قبر أبي العلاء ... فلم أر من قرىً غير البكاء
ألا يا قبر أحمد كم جلال ... تضمه ثراك وكم ذكاء

وزرت قبر أبي العلاء في البرية التي فيها مقابر أهله داخل معرة النعمان، بالقرب من آدر بني سليمان، رحمه الله.
أحمد بن عبد الله بن صالح:
ابن عبد الله بن صالح بن علي عبد الله بن العباس، أبو جعفر الصالحي من أهل حلب، وجدت ذكره في جزء وقع إلي بخط القاضي أبي طاهر صالح بن جعفر الهاشمي يتضمن نسب بني صالح بن علي.
قال: وكان - يعني أحمد بن عبد الله بن صالح - سيد ولد عبد الله بن صالح في أيامه، وجليلهم الذي يقتدون برأيه ويرجعون إلى أمره.
أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم:
أبو الحسن العجلي الكوفي الحافظ، كان حافظا كبيراً كثير الحديث، تفقه في الحديث ومهرفيه، وخرج عن الكوفة وقدم الشام، ودخل أنطاكية، وتوجه منها إلى الساحل، ودخل مصر، وتوجه إلى أطرابلس المغرب وأقام بها إلى أن مات.
سمع بأنطاكية نزيلها يعقوب بن كعب الحلبي، وبالمصيصة نزيلها موسى بن أيوب النصيبي، وروى عنهما وعن أبيه عبد الله بن صالح، وعن الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وعبيد الله بن موسى، والحسين بن علي الجعفي، وأبي أحمد الأسدي، ومحمد بن جعفر غندر، ويحيى بن معين، وأبي داود الجفري، ومحمد ابن يوسف الفيريابي، وأبي سفيان الحميري، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعثمان ابن محمد العبسي، ومحمد ويعلى ابني عبيد، وقاسم العرفطي، وأبي زيد سعيد بن الربيع الهروي، وأسد بن موسى، وقبيصة بن عقبة، وعفان بن مسلم، وحجاج بن منهال، وعبد الله بن نافع الزبيري، وشبابه، وسليمان بن حرب، ويزيد بن هارون واسماعيل بن عبد الكريم وابن أبي مريم، واسماعيل بن خليل، ونعيم بن حماد، وعمر بن حفص بن غياث، وجعفر بن عون، ويعقوب بن اسحق، ويحيى بن آدم، ونصر بن علي، وعمرو بن عون، والعلاء بن عبد الجبار.
روى عنه ابنه أبو مسلم صالح بن أحمد، وكان زاهدا، ورعا، وهو من بيت العلم والحديث، وجده صالح من شيوخ الكوفة من أقران سعيد الثوري والد سفيان، وأبوه كان قاضيا بشيراز من أصحاب شعبة واسرائيل، وقد أخرجه البخاري في صحيحه، وابنه صالح بن أحمد كان من أهل العلم والرواية، وله سؤالات سأل عنها أباه.
أنبأنا أبو الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أخبرنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن ابراهيم البقال قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر ابن محمد السلماسي قال: أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد الغمري الأندلسي قال: سمعت علي بن أحمد - يعني ابن زكريا بن الخصيب الهاشمي - قال: سمعت صالح بن أحمد يقول: سمعت أبي أحمد يقول: طلبت الحديث سنة سبع وتسعين ومائة، وكان مولدي بالكوفة سنة ثنتين وثمانين ومائة.
أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف - فيما أذن لنا أن نرويه عنه عن أحمد بن محمد بن أحمد السلفي - قال: أخبرنا ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي قال: أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد الغمري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن زكريا قال: حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي قال: حدثني أبي قال: حدثنا يعقوب ابن كعب قال: حدثنا يحيى بن اليمان العجلي عن أشعث بن اسحق بن جعفر بن أبي المغيرة عن سعد بن جبير قال: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل. قال: هذا في العلم.
وقال: حدثنا أبو مسلم قال: حدثني أبي قال: أخرج إلي أحمد بن نوح نفقة دنانير كثيرة فقال: خذ منها حاجتك، أراك رث الهيئة، فأخرجت إليه منطقة لي فيها دنانير بعت بها بزا بأنطاكية فقلت: لو كنت أحوج الخلق أجىء إلى أسير آخد منه.
قلت: وكان أحمد بن نوح محبوسا في المحنة مع أحمد بن حنبل.
أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر قال: أخبرنا أبو المعالي البقال قال: أخبرنا أبو عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا أبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد قال: وكان أبو الحسن أحمد بن عبد الله من أئمة أصحاب الحفاظ المتقنين، ومن ذوي الورع والزهد.
كما سمعت زياد بن عبد الرحمن أبا الحسن اللولي بالقيروان يقول: سمعت مشايخنا بهذا المغرب يقولون لم يكن لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي ببلادنا شبه ولا نظير في زمانه ومعرفته بالحديث واتقانه له، وزهده وورعه.

وقال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن زكريا بن الخصيب بأطرابلس المغرب قال: حدثنا أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم الحافظ بالقيروان قال: سألت مالك بن عيسى القفصي - وكان من علماء أصحاب الحديث بالمغرب - فقلت له: من أعلم من رأيت بالحديث؟ فقال لي: أما من الشيوخ فأبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي الساكن باطرابلس المغرب.
وقال: أخبرنا الوليد قال: وحدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو العرب قال: حدثنا مالك بن عيسى قال: حدثنا عباس بن يحيى الدوري عن عبد الله بن صالح العجلي - قال مالك بن عيسى: فقلت لعباس الدوري: إن له ابنا عندنا بالمغرب، فقال: أحمد؟ فقلت نعم، قال عباس: إنما كنا نعده مثل أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين - قال: قال لي علي بن أحمد: وقد ذكر أحمد بن عبد الله بن صالح أن ابن حنبل وابن معين قد كانا يأخذان عنه.
وقال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن أحمد ابن غانم الحافظ قال: سمعت أحمد بن معتب - مغربي ثقة - يقول: سئل يحيى بن معين عن أبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح بن مسلم فقال: ثقة ابن ثقة ابن ثقة.
قال الوليد: وإنما قال فيه يحيى بن معين بهذه التزكية لأنه عرفه بالعراق قبل خروج أحمد بن عبد الله إلى المغرب، وكان نظيره في الحفظ إلا أنه دونه في السن، وكان خروجه إلى المغرب أيام محنة أحمد بن حنبل لأنه يقول في هذه السؤالات: دخلت على أحمد بن حنبل وهو محبوس بصور، وذلك أن المأمون احتمل ابن حنبل إليه من بغداد للمحنة في القرآن.
وأحمد بن عبد الله هذا أقدم في طلب العلم، وأعلى إسناداً، وأجل عند أهل المغرب في القديم والحديث ورعاً وزهداً من محمد بن اسماعيل البخاري لأنه سمع من الحسين بن علي الجعفي، ومن محمد بن جعفر غندر، ومن أبي داود الجفري، وأبي سفيان الحميري، وأبي عامر العقدي، ومحمد ويعلى ابني عبيد، ومن أسد ابن موسى بمصر، وسمع الأكابر من أصحاب سفيان وشعبة، وغيرهما، وهو كثير الحديث، خرج عن الكوفة والعراق بعد أن تفقه في الحديث، ثم نزل أطرابلس المغرب.
قال: أخبرنا الوليد قال: حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو مسلم عن أبيه قال: آخر سفرة سافرتها إلى البصرة كتبت بها ألف حديث منتقاً إلا حديث حماد بن سلمة القعيني، واستعرت حديث حفص بن عمر النميري، وكانت عشرين ألف حديث فما تنقيت منها إلا مائتي حديث فسمعتها.
قال: أخبرنا الوليد قال: قلت لزياد بن عبد الرحمن: أي شيء أراد أحمد بن صالح بخروجه إلى المغرب؟ فقال: أراد التفرد للعبادة.
يحكي ذلك عن مشايخ المغرب، قال: وسمعت علي بن أحمد يقول نحو ذلك.
قال الوليد: وحدث أحمد، وتصانيفه وأخباره بالمغرب، وحديثه عزيز بمصر والشام والعراق لبعد المسافة.
وتوفي باطرابلس، وقبره هناك على الساحل، وقبر ابنه صالح إلى جنبه رحمهما الله.
أنبأنا أبو علي الأوقي عن أبي طاهر السلفي قال: أخبرنا ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي قال: أخبرنا الوليد بن بكر الأندلسي قال: حدثنا علي بن أحمد قال: سمعت صالح بن أحمد قال: ومات أبي بعد الستين والمائتين.
أحمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين:
ابن مصعب بن رزيق بن أسعد بن زاذان الخزاعي، الأمير أبو الفضل ابن الأمير أبي العباس ابن الأمير أبي طلحة ذي اليمينين؛ أمير فاضل من الأمراء الكبراء، والأجواد الكرماء، قدم الشام، ونزل جبل السماق فاستطاب ماءه، واستلذ هواءه، وأعجب به إعجاباً كثيراً، ورحل منه عن هوىً له، فقال أبياتاً ذكرها السري الموصلي في كتابه الذي سماه المحب والمحبوب والمشموم والمشروب فقال: أنشد المبرد قال: أنشدني أحمد بن عبد الله بن طاهر لنفسه:
يا جبل السماق سقيا لكا ... ما فعل الظبي الذي حلّكا
فارقت أطلالك لا أنه ... قلاك قلبي لا ولا ملكا
فأي لذاتك أبكي دماً؟ ... ماءك أم ظبيك أم ظلكا
أم نفحات منك تبدي إذا ... دمع الندى إثر الدجى بلكا
أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن عبد الرزاق السلمي:

أبو القاسم العطار بن أبي محمد البغدادي، سمع أباه أبا محمد عبد الله، وأبا الوقت عبد الأول بن شعيب السجزي، وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي وغيرهم بإفادة والده أبي محمد، وكان والده من شيوخ الحديث ببغداد.
وقال القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي فيما نقلته من خطه: كان يذكر - يعني أبا محمد عبد الله - أنه من ولد أبي عبد الرحمن السلمي.
وكان أبو القاسم ولده شيخاً صالحاً ورعا ثقة أمينا صموتا، حسن السمت، اجتمعت به بدمشق في سنة ثلاث وستمائة، وكان عطاراً بها، وسمعت منه جزء بيتي الهرثمية، ثم قدم علينا حلب في سنة اثنتي عشرة وستمائة، وأنزله الملك المحسن أحمد بن الملك الناصر يوسف بن أيوب في جواره، وكان يصحبه بدمشق، فسمعت منه بحلب صحيح البخاري ومسند الدارمي بروايته لهما عن أبي الوقت، وغيرهما من الأجزاء، وكان رحمه الله تعجبه قراءتي الحديث، وكان به لما قدم علينا حلب رياح الشوكة؛ وسألته عن مولده فقال: يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وخمسمائة - يعني ببغداد - .
أخبرنا الشيخ الثقة شمس الدين أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي قراءة عليه بدمشق قال: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي قال: أخبرتنا الحرة أم عزي بيبي بنت عبد الصمد بن علي بن محمد الهرثمية قالت: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب قال: حدثني مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير.
أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قراءة عليه بحلب حرسها الله قال: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداوودي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية السرخسي قال: أخبرنا أبو عمران عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال: أخبرنا يوسف بن موسى قال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا محمد بن الحسن الصنعاني قال: حدثنا منذر عن وهب بن منبه قال: مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة، لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سنه أو ما بقي من عمره.
رجع شيخنا أبو القاسم من حلب إلى دمشق فتوفي بها في يوم الخميس سابع عشر شعبان من سنة خمس عشرة وستمائة، ودفن من يومه بجبل قاسيون.
وأخبرني الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي قال: أبو القاسم هذا بغدادي سكن دمشق، من أهل الصلاح والعفاف والخير، ويعرف بالشمس العطار، محدث ابن محدث، وكان والده يذكر أنه من ولد أبي عبد الرحمن السلمي.
وذكر الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في كتاب التكملة لوفيات النقلة فيمن مات سنة خمس عشرة وستمائة قال: وفي ليلة السابع عشر من شعبان توفي الشيخ الأجل أبو القاسم أحمد بن الشيخ الأجل أبي محمد عبد الله بن عبد الصمد بن عبد الرزاق السلمي البغدادي العطار الصيدلاني، نزيل دمشق، بدمشق، وصلي عليه من الغد بالمدرسة المجاهدية ظاهر باب الفراديس، ودفن بجبل قاسيون.
سمع بإفادة والده، وذكر بعضهم أن أبا القاسم هذا توفي في جمادى الآخرة من السنة، والأول أكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي
أحمد بن عبد الله بن علي:
أبو العباس الفرائضي الرازي، سمع بحلب نزيلها سليمان بن المعافى بن سليمان ومحمد بن معاذ الحلبي المعروف بدران، وبالمصيصة الحسن بن منصور المصيصي.
وروى عنهم عن: الحسين بن أحمد بن الفضل الباهلي، والحسن بن علي بن زكريا العدوي، ومطين الحضرمي، وأبي بكر محمد بن قارن، وأبي بكر أحمد بن سعيد السوسي، وعثمان بن الأصبغ الرقي، والحسين بن محمد بن أبي الأحوص، وجعفر بن محمد الفريابي، وأحمد بن جعفر القطان، وعبد الله بن أحمد القواريري، وأبي شعيب الحراني، وابن أبي حسان؛ وعن موسى بن عمران الوراق، سمع منه بطرسوس، ويوسف بن يعقوب القاضي، ومكي بن أحمد بن ماهان.

روى عنه: أبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين، ويوسف القواس، وأحمد بن الفرج بن الحجاج، وعبد الله بن عثمان الصفار، وأبو الحسن علي بن محمد بن اسحق بن محمد بن يزيد الحلبي.
أنبأنا أحمد بن عبد الله بن علوان عن أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي قال: أخبرنا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقرىء - إجازة - قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحلبي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله الفرائضي قال: حدثنا موسى بن عمران الوراق بطرسوس قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي قال: حدثنا يحيى بن اليمان قال: سمعت سليمان الأعمش يقول: إني لأرى الشيخ يخضب بالحناء، ليس عنده شيء من الحديث فأشتهي أن ألطم قفاه.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن ابن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرنا أبو بكر البرقاني قال: أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال: أحمد بن عبد الله بن علي الفرائضي رازي ثقة.
أحمد بن عبد الله بن علوان:
أبو العباس الأسدي الحلبي، أخو شيخنا أبي محمد عبد الرحمن بن الاستاذ، شيخ حسن صالح، زاهد ورع، حسن الأخلاق، كثير العبادة والدعاء.
سمع بحلب الحافظ أبا بكر محمد بن علي بن ياسر الحياني، وأبا طالب عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي الحلبي، ومحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مسعود المسعودي الفنجديهي وغيرهم، وسمع بمكة أبا محمد عبد الدائم بن عمر بن حسين الكتاني وغيره، وبالموصل أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي.
وكان سار من حلب صحبة والدته، وكانت امرأة صالحة، وصحبه أخيه الشيخ علوان إلى الحج، فجاور بمكة مع أخيه ووالدته يخدمهما إلى أن مات أخوه علوان، فأقام بمكة يخدم والدته إلى أن ماتت، فكانت إقامته بمكة عشرين سنة متوالية يخدم والدته، ثم عاد إلى حلب الحروسة من مكة بأخت له كانت مع والدته، وكان بعد ذلك يتردد من حلب حاجاً إلى مكة في بعض السنين، وكان يجاور في بعضها، وآخر حجة حجها في سنة ثمان وستمائة، سيره الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب ليلحق عمته ربيعه خاتون بنت أيوب، وكانت حجت في هذه السنة، ليعلمها مناسك الحج، وكانت حجت من إربل، وعادت على الشام، فقدم معها، وكنت بالبيت المقدس، فقدم علينا معها في أوائل سنة تسع وستمائة، وأقام بعدها بحلب إلى أن مات.
وقال لي ابن أخيه القاضي الإمام زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن: إنه تكمل للشيخ أحمد - عمه - إلى أن مات ثلاثون حجة إلى مكة حرسها الله بسني المجاورة.
وسمعت القاضي زين الدين المذكور يقول: كان الشيخ ربيع بن محمود المارديني - وكان أحد الأولياء - يقول: لو صعد أحد إلى السماء بخدمة والدته لصعد الشيخ أحمد، فإنه لم يخدم أحد والدته مثل خدمته.
قال: وبلغني أنه طاف ليلة بأمه من العشاء إلى الصباح ويدها على كتفه لضعفها ومعه إبريق فيه ماء، وهو يطوف والماء معه معد لأمه إن عرضت لها حاجة إليه.
قال: وكان الشيخ عبد الحق الفاسي، وكان أيضاً أحد الأولياء قد سكن الفين، قرية في وادي بطنان، وأقام بمسجدها، وذلك بعد موت الشيخ أبي زكريا المدفون بدير النقيرة، وعزم عبد الحق على أن لا يخرج من الفين إلى أن يموت، فلما قدم الشيخ أحمد من مكة بعد المجاورة الطويلة، دخل عبد الحق من الفين قصداً لرؤيته، وأقام بحلب أياماً قلائل حتى قضى حق زيارته، ثم عاد إلى الفين.
وسألت القاضي أبا محمد المذكور عن مولد عمه أبي العباس، فقال: لا أعلم، إلا أنه كان بينه وبين والدي في العمر مقدار سبع سنين، ومولد والدي في سنة أربع وثلاثين وخمسمائة في ربيع، فيكون تقدير مولد عمي في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وخمسمائة، ثم وجدت في تعليق بخط رفيقنا رزق الله الدنيسري: إن شيخنا أحمد مولده سنة أربع وأربعين وخمسمائة، فلا أدري من أين وقع له ذلك.
سمعت من الشيخ أحمد رحمه الله كتاب الصحاح للجوهري في اللغة، بحق سماعه لها من أبي محمد عبد الدائم الكناني عن أبي البركات بن العرقي، وبإجازته من ابن العرقي، وكان له إجازة حسنة من شيوخ مصر ودمشق وأصبهان، وغير ذلك من البلاد، أخذها له ولأخيه شيخنا أبي محمد بن عبد الرحمن الفنجديهي، وسمعت منه عدة أجزاء من حديثه، وعلقت عنه فوائد وانشادات عن شيوخه.

أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي بها قال: أخبرنا أبو طالب عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن العجمي الحلبي بها قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز قال: أخبرنا أبو قاسم طلحة ابن علي بن الصقر بن عبد المجيب بن عبد الحميد قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن ابراهيم قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرنا عمرو بن الحارث عن كعب بن علقة التنوخي عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفارة النذر كفارة اليمين هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علوان قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن أبي الحسن المسعودي قال: أخبرنا أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد بن عمر المقدر قال: أخبرنا الشيخ أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة قال: أخبرنا والدي أبو عبد الله محمد بن اسحق قال: أخبرنا أبو بكر محمد ابن الحسين بن الحسن القطان قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري عن معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: يقتل هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الاسلام، ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد.
أنشدنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن علوان من لفظه قال: أنشدني الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي بالموصل بمسجده عند منزله، في سنة ثمان وستين وخمسمائة قال: أنشدني والدي لنفسه:
إني وإن بعدت داري لمغتربٌ ... منكم بمحض موالاةٍ واخلاص
وربّ دانٍ وإن دامت مودته ... أدنى إلى القلب منه النازح القاصي
وأنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الخطيب أيضا لوالده:
إنا وإن بعد اللقاء فودنا ... باقٍ ونحن على النأي أحباب
كم نازح بالود وهو مقاربٌ ... ومقارب بودادنا مرتاب
أنشدنا أحمد بن عبد الله الأسدي قال: أنشدني شيخ بالحجاز لبعضهم:
قد تفاءلت بالأراك فلما ... أن رأيت الأراك قلت أراكا
وتخوفت أن يكون سواكا ... فيكون الذي أراه سواكا
توفي شيخنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بحلب في سنة سبع عشرة وستمائة، ودفن بالجبيل في التربة المدفون بها والده رحمها الله.
أحمد بن عبد الله بن عمر بن جعفر:
أبو علي المالكي البغدادي، نزيل حلب، وقيل ان اسم جد أبيه حفص بدل جعفر، حدث عن أبي جعفر الحسن بن علي بن الوليد الفسوي، وأبي شعيب الحراني، وجعفر بن محمد بن المستفاص الفريابي، وخلد بن عمرو العكبري، والحسن بن علي بن الوليد الفارسي.
روى عنه محمد بن يونس بن هاشم الاسكاف، وتمام بن محمد بن عبد الله الرازي.
أخبرنا يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو طاهر بركات ابن ابراهيم بن طاهر قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي.
وأخبرنا أبو القاسم بن محمد بن أبي الفضل الحرستاني - إجازة عاليا - قال: أخبرنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة قال: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكتاني قال: أخبرنا أبو القاسم تمام بن محمد ابن عبد الله الرازي قال: حدثنا أبو علي أحمد بن عبد الله بن عمر بن حفص البغدادي - ومسكنة حلب، قدم دمشق - قال: حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي قال: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من عذاب القبر وعذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، وشر المسيح الدجال.
هكذا في كتابه، والصواب حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة، والله أعلم.

أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن عبد الله بن عمر جعفر، أبو علي، سكن حلب، وحدث بدمشق عن: أبي شعيب الحراني، وجعفر الفريابي، والحسن بن علي بن الوليد الفارسي.
روى عنه تمام الرازي.
أحمد بن عبد بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق:
ابن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو العباس، صاحب الخال، نسب نفسه هكذا.
وقيل: أحمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر.
وقيل: محمد بن عبد الله بن جعفر، وقيل عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل.
وقيل: ان اسمه الحسين بن زكرويه بن مهرويه وقيل ابن مهري - الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة، وهو المعروف بصاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، نسب نفسه إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر، وتسمى بالمهدي.
وبايعته القرامطة بعد قتل أخيه بنواحي دمشق وصار إلى السخنة، والاركه والزيتونة وخناصرة من الأحص من أعمال حلب، ودخل هذه المواضع عنوة، ونهب ما فيها من الأموال والسلاح.
وأفسد بالشام، وعاث في بلادها، وغلب على أطراف حمص، وخطب على منابرها، وفتحوا له بابها، وسار إلى حماه، ومعرة النعمان وغيرهما من البلاد، فقتل أهلها، والنساء والأطفال، ثم جاء إلى سلمية، فمنعوه، ثم أعطاهم الأمان ففتحوا له بابها، فدخل وقتل الهاشميين أجمعين بها، ثم قتل الرجال، ثم البهائم ثم الصبيان ثم خرج منها وليس بها عين تطرف.
وجهز جيشا كثيفا بخيل ورجاله مع بعض دعاته ويعرف بعميطر المطوق، إلى ناحية حلب فأوقعوا بأبي الأغر خليفة بن المارك بوادي بطنان، وقتلوا خلقا عظيما، وانتهبوا عسكره، وأفلت أبو الأغر في ألف رجل لا غير، فدخل إلى حلب، ووصلوا خلفه إلى حلب، فأقاموا عليها على سبيل المحاصرة، وتسرع أهل حلب في يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من سنة تسعين ومائتين، وطلبوا الخروج لقتالهم فمنعوا من ذلك، فكسروا قفل باب المدينة، وخرجوا إلى القرامطة فتحاربوا، ونصر الله الرعية من أهل حلب عليهم، وقتل من القرامطة جماعة كبيرة، وخرجوا يوم السبت يوم عيد الفطر مع أبي الأغر إلى مصلى العيد، وعيد المسلمون وخطب الخطيب على العادة، ودخل الرعية إلى مدينة حلب في أمن وسلامة، وأشرف أبو الأغر على عسكر القرامطة فلم يخرج إليه أحد منهم، فلما يئسوا من فرصة ينتهزونها من حلب ساروا ومضوا إلى صاحب الخال.
ولما انتهى إلى المكتفي بالله هذه الأمور خرج نحوه، وجهز إليه عسكرا قويا في المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين، فقتل من أصحاب القرمطي خلق كثير، وانهزم نحو الكوفة، فقبض بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى الرقة إلى المكتفي بالله.
فحمل إلى بغداد، وشهر وطيف به على جمل، وقيل على فيل، ثم بنيت له دكة فقتل عليها هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين.
وكثير مما يقع الاختلاف في اسمه ونسبه، واسم أخيه الذي قبله علي بن عبد الله، وبعضهم يسمي أخاه محمد بن عبد الله بن يحيى، والصحيح أن الذي ثبت عليه في اسمه ونسبه: أبو العباس أحمد بن عبد الله، وهو دعي.
وإنما سموا القرامطة، زعموا أنهم يدعون إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر ابن محمد بن علي، ونسبوا إلى قرمط، وهو حمدان بن الأشعث، كان بسواد الكوفة، وإنما سمي قرمطا لأنه كان رجلا قصيرا، وكان رجلاه قصيرتين، وكان خطوه متقاربا، فسمي بهذا السبب قرمطا، وكان قرمط قد أظهر الزهد والورع وتسوق به على الناس مكيدة وخبثا.
وكان أول سنة ظهر فيها أمر القرامطة سنة أربع وستين ومائتين، وذكر بعض العلماء أن لفظة قرامطة إنما هو نسبة إلى مذهب يقال له القرمطة خارج عن مذاهب الاسلام، فيكون على هذه المقالة عزوة إلى مذهب باطل، لا إلى رجل.

وإنما قيل لهذا القرمطي صاحب الخال، لأنه كان على خده الأيمن خال، ويعرف بابن المهزول زكرويه بن مهري الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة وقيل هو وأخوه من قيس من بني عبادة بن عقيل من بني عامر، ثم من بني قرمطي ابن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة بن طهفة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، فادعى أنه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر، فعلى هذا يكون منسوبا إلى قرمطي، ولا يبعد أن يكون الأمران جميعا، والله أعلم.
وقرأت في رسالة أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنباري الكاتب إلى أخيه أبي علي في ذكر أخبار هذا القرمطي: انه ادعى أنه أحمد بن عبد الله بن جعفر، وأنه المهدي، وأنه نظر محمد بن اسماعيل في النسب، فلما وقف على بعد هذا النسب، ادعى بعد وقعة السطح من الكسوة، أنه محمد بن عبد الله بن جعفر، وكتب بذلك كتابا بخطه إلى المعروف بابن حوي السكسكي ممن يسكن بيت لهيا، فصار ابن حوي إلى أبي نصر حمد بن محمد، كاتب طغج، ثم نزع عن هذا النسب إلى عبد الله بن ادريس الحسني القادم من الحجاز إلى مدينة أذرعات من جهة دمشق، وقيل ابن القرمطي من يهود نجران، وأنه دعي وذكر أبو محمد عبد الله بن الحسين الكاتب القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر في التاريخ الذي اجتمعا على تأليفه في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين قالا: وفي آخر هذه السنة ظهر رجل يقال له محمد بن عبد الله بن يحيى، من ولد اسماعيل ابن جعفر العلوي بنواحي دمشق، يدعو إلى نفسه، واجتمع إليه خلق كثير من الأعراب، وأتباع الفتن، فسار بهم إلى دمشق، وكان بها طغج بن جف مولى أمير المؤمنين من قبل هارون بن خمارويه عامل أمير المؤمنين على مصر والشام، فلما بلغه خبره استعد لحربه، وتحصن طغج بدمشق، فحصره هذا العلوي بها، وكانت بينهما وقعات، وانقضت.
قالا: وفي هذه السنة - يعني سنة تسعين ومائتين - جرت بين طغج بن جف وبين القرمطي حروب كثيرة كلها على طغج، فكتب إلى هارون يستنجده، فوجه إليه من مصر جيشا بعد جيش، كل ذلك يهزمهم القرمطي.
ثم وجه هرون بن خمارويه ببدر الحمامي، وكتب إلى طغج في معاضدته، وضم إليه وجوه القواد بمصر والشام، فخرج إلى القرمطي، فكانت بينهم حروب كثيرة أتت على أصحاب بدر الحمامي، وكان هذا القرمطي قد جعل علامته ركوب جمل من جماله، وترك ركوب الدواب، ولبس ثيابا واسعة، وتعمم عمة أعرابية، وأمر أصحابه أن لا يحاربوا أحدا وأن أتي عليهم حتى ينبعث الجمل من قبل نفسه من غير أن يثيره أحد، فكانوا إذ فعلوا ذلك لم يهزموا، وكان إذا أشار بيده إلى ناحية من النواحي انهزم من يحاربه، واستغوى بذلك الأعراب.
فخرج إليه بدر يوماً لمحابرته، فقصد القرمطي رجل من أصحاب بدر يقال له زهير بزانة، فرماه بها فقتله، ولم يظهر على ذلك أصحاب بدر إلا بعد مدة، فطلب في القتلى فلم يوجد، وكان يكنى أبا القاسم.
قال ابن أبي الأزهر: وحدثني كاتبه المعروف بإسماعيل بن النعمان، ويكنى بأبي المحمدين، وسبب هذه الكنية أنه وافى مع جماعة من القرامطة بعد الصلح وقبولهم الأمان من القاسم بن سيماء، وكان على طريق الفرات، ومن عبد الله بن الحسين بن سعد وكان على القابون، فكان القاسم بن سيماء يكنى أبا محمد وصاحب الخرائط قرابة أبي مروان يكنى أبا محمد، فكني إسماعيل هذا أبا المحمدين، فبقي معروفاً بذلك.
فحدثني إسماعيل عن هذه الوقعة قال: فصرت إليه غير مرة وهو راكب على نجيبه، وعليه دراعة ملحم، فقلت له: قد اشتد الأمر على أصحابنا، وقد قربوا منك، فتنح عن هذا الموضع إلى غيره، فلم يرد علي جواباً، ولم يثر نجيبه، فعدلت إليه ثانية، فقلت له: قم، فانتهرني ولم يرم إلى أن وافته زانة، أو قال: حربة، فسقط عن البعير، وكاثرنا من يريد أخذه، فمنعنا منه، وقتل زهاء مائة إنسان في ذلك الوضع، ثم أخذناه وتنحينا بأجمعنا.
فقلت: هذا الذي أقمتموه مقامه أهو أخوه؟ فقال لا والله ما نعلم ذاك غير أنه وافانا قبل هذه الحادثة بيومين، فسألناه من أنت من الإمام؟ فقال: أنا أخوه، ولم نسمع من الشيخ شيئاً في أمره، يعني المكتني أبا القاسم.

وكان هذا المدعي أخاه يكنى أبا العباس، واسمه أحمد بن عبد الله، فعقد لنفسه البيعة على القرامطة، ودعاهم إلى مثل ما كان أخوه يدعوهم إليه، فاشتدت شوكته، ورغبت البوادي في النهب، وانثالت عليه انثيالاً، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم صار إلى دمشق فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه، فانصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف دمشق وحمص فتغلب عليها، وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدي، ثم صار إلى مدينة حمص فأطاعه أهلها وفتحوا له بابها فدخلها، ثم صار إلى حماه، وسلمية، وبعلبك فاستباح أهلها، وقتل الذراري ولم يبق شريفاً لشرفه، ولا صغيراً لصغره، ولا امرأة لمحرمها؛ وقتل أهل الذمة، وفجروا بالنساء.
وحدثني من كان معهم قال: رأيت عصاماً سيافه وقد أخذ من بعلبك امرأة جميلة جداً ومعها طفل لها رضيع، فرأيته والله وقد فجر بها، ثم أخذ الطفل بعد ذلك فرمى به نحو السماء ثم تلقاه بسيفه فرمى به قطعتين، ثم عدل إلى أمه بذلك السيف بعينه، فضربها به فبترها.
فلما اتصل عظيم خبرهم، واقدامهم على انتهاك المحارم، ودام، خرج أمير المؤمنين المكتفي بالله متوجهاً نحوه، يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر رمضان، في قواده، ومواليه، وغلمانه، وجيوشه، وأخذ على طريق الموصل، ثم صار إلى الرقة وأقام بها، وأنفذ الجيوش نحو القرامطة، وقلد القاسم بن عبيد الله بن سليمان تدبير أمر هذه الجيوش، فوجه القاسم محمد بن سليمان الكاتب صاحب الجيش خليفة له على جميع القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة، فنفذ عن الرقة في جيش ضخم، وآلة جميلة، وسلاح شاك؛ وكتب إلى جميع القواد والأمراء في النواحي بالسمع له والطاعة لأمره، وضم محمد بن سليمان القواد بعضهم إلى بعض، وصمد نحو القرمطي، فلم يزل يعمل التدبير، ويذكي العيون، ويشاور ذوي الرأي، ويتعرف الطرقات إلى أن دخلت سنة إحدى وتسعين.
قال: وفي أول هذه السنة كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن سليمان، وإلى سائر القواد في مناهضة القرمطي فساروا إليه فالتقوا على اثني عشر ميلا من حماه في موضع بينه وبين سلمية، فاشتدت الحرب بينهم وصدقوهم القتال، فتجمع القرامطة وحملوا على الميمنة حمل رجل واحد، فثبت الأولياء، فمروا صادفين عنها وجعلوها هزيمة، ومنح الله أكتافهم، وقتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي، واستمرت بهم الهزيمة، وطلبهم الأولياء إلى وقت صلاة عشاء الآخرة من ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم.
ولما رأى القرمطي ذلك، ورأى من بقي من القرامطة قد كاعوا عنه، حمل أخاً له يكنى أبا الفضل مالاً، وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع آخر، فيصير إليه، وتجمع رؤساء القرامطة، وهم الذين كانوا صاروا إلى رحبة مالك بن طوق، فطلبوا الأمان، وهم: أبو المحمدين، والنعمان بن أحمد، وأحمد بن النعمان أخو أبي المحمدين، ووشاح، وعطير، وشديد بن ربعي، وكليب من رهط النحاس، وعصمة السياف، وسجيفة رفيقه، ومسرور، وغشام فقالوا للقرمطي، وهو صاحب الخال،: قد وجب حقك علينا، وقد رأيت ما كان من جدنا واجتهادنا ومن حقك علينا أن ندعك ورأيك، وإنما يطلبنا السلطان بسببك، فانج بنفسك، فأخذ ألف دينار فشدها في وسطه في هميان، وأخذ معه غلاما له روميا يقال له لؤلؤ، كان يهواه ويحل منه محل بدر من المعتضد بالله، وركب معه المدثر، وكان يزعم أنه ابن عمه، والمطوق غلامه، ومع كل واحد منهم هميان في وسطه.
فأما المطوق - وهو اتخذ له سخاب وقت دخوله إلى مدينة السلام - فإني سألت عنه أبا المحمدين فذكر أنه رجل من أهل الموصل، وأنه صار إلى الإمام - بزعمه - فجعل يورق له ويسامره، ولم يعرف قبل ذلك الوقت.

وأخذوا دليلاً، وسار يريد الكوفة عرضاً في البرية، فغلط بهم الدليل الطريق، وأخرجهم بموضع بين الدالية والرحبة يقال له بنو محرز، فلما صاروا إلى بني محرز نزلوا خارج القرية في بيدر عامر، فأخرجوا دقيقاً كان معهم في مزود، واقتدحوا ناراً، واحتطبوا ليخبزوا هناك، وكان وقت مغيب الشمس، فعلا الدخان، وارتاب الموكلون ببني محرز من أصحاب المسالح بما رأوه، فأموا الموضع، فلقوا الدليل فعرفه بعضهم، فقال ما وراءك؟ قال: هذا القرمطي وراء الدالية، فشدوا عليهم فأخذوهم، وكتبوا إلى أبي خبزة وهو في الدالية يعلمونه بهذا، فأتاهم ليلاً، فأخذهم وصار بهم إلى الدالية، وأخذ من وسط غلام له هميانا فيه ألفا دينار، ومن وسط المدثر مثل ذلك، وأخذ الهميان الذي كان مع القرمطي، ووكل بهم في دار بالدالية، وكتب إلى أحمد بن محمد بن كشمرد وهو بالرحبة يخبره فأسرع في السير إليهم، فلما وافى احتبس القرمطي في بيت لطيف في مجنب الحيري، فحدثني بعض أهل الدالية قال: لما وافى ابن كشمرد سأل القرمطي ما أخذه منك؟ قال: ما أخذ مني شيء، فقال له المطوق: أتبغي من الإمام ما لا يحسن منه الإقرار به، ودعا بالبزاز فأخذ ثياباً، ثم دعا بالخياط ليقطع للقرمطي تلك الثياب، فقال مالخياط للقرمطي: قم حتى أقدر الثوب عليك، فقال المطوق للخياط: أتقول يا بن اللخناء للإمام قم ! اقطع ثكلتك أمك على سبعة أشبار.
وصار ابن كشمرد وأبو خبزه بالقرمطي إلى الرقة، ورجعت جيوش أمير المؤمنين بعد أن تلقطوا كل من قدروا عليه من أصحاب القرمطي في أعمال حمص ونواحيها، وورد كتاب القاسم بن عبيد الله بأن القرمطي أدخل الرقة ظاهرا للناس على جمل فالج، وعليه برنس حرير ودراعة ديباج، وبين يديه المدثر والمطوق على جملين في يوم الاثنين لأربع ليال بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين حتى صير بهم إلى دار أمير المؤمنين بالرقة فأوقفوا بين يديه، ثم أمر بهم فحبسوا، واستبشر الناس والأولياء بما هنأه الله في أمر هذا القرمطي، وقرظ أمير المؤمنين القاسم بن عبيد الله هذا الوقت وأحمده فيما كان من تدبيره في أمر هذا الفتح، وخلع عليه خلعاً شرفه بها، وقلده سيفاً ولقبه بولي الدولة، وانصرف إلى منزله بالرقة.
وخلف أمير المؤمنين عساكره مع محمد بن سليمان، وشخص من الرقة في غلمانه ووجوه أصحابه، وحرمه، وشخص معه أبو الحسين القاسم بن عبيد إلى بغداد وحمل معه القرمطي والمدثر، والمطوق وجماعة ممن أسر في الوقعة مستهل صفر، وقعد في الحراقات في الفرات، ولم يزل متلوماً في الطريق حتى وصل إلى البستان المعروف بالبشرى ليلة السبت لليلتين بقيتا من صفر، فأقام به، ثم عبر من هناك إلى الجانب الشرقي، فعبأ الجيوش بباب الشماسمية، وكان أمير المؤمنين قد عزم على أن يدخل القرمطي بغداد مصلوباً على دقل، والدقل على ظهر فيل، وأمر بهدم الطاقات التي يجتاز بها الفيل إذ كانت أقصر من الدقل، ثم استسمج ذلك، فعمل له دميانة غلام يازمار كرسياً ارتفاعه ذراعان ونصف، وأجلسه عليه، وركب الكرسي على ظهر الفيل، فدخل أمير المؤمنين مدينة السلام صبيحة يوم الاثنين مستهل ربيع الأول في زي حسن، وتعبئة جيش كثيف، وآلة تامة، وسلاح شاك، بين يدي القرمطي على جمل فالج، وعليه دراعة حرير وبرنس، ثم القرمطي على الكرسي على ظهر الفيل وعليه دراعة ديباج وبرنس حرير، ثم دخل أمير المؤمنين خلفه حتى اشتق مدينة السلام إلى قصره المعروف بالحسني، والقاسم بن عبيد الله خلفه، وأمر بالقرمطي والمدثر فأدخلا الحبس بالحسني، ووجه بالأسرى إلى الحبس الجديد بالجانب الغربي، ومضى المكتفي من ساعته من الحسني إلى الثريا بعد أن خلع على أبي الحسين القاسم بن عبيد الله، وانصرف إلى منزله.

ووافى محمد بن سليمان بعد اصلاحه الأمور وتلقطه جماعة من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب شرطه، فأخذهم وقيدهم، وانحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام فوافى بغداد إلى الباب المعروف بباب الأنبار ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان أمر القواد جميعاً بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه إلى بغداد، ففعلوا ذلك، ودخل محمد بن سليمان صبيحة يوم الخميس وبين يديه نيف وسبعون أسيراً غير من أسمينا والقواد معه حتى صاروا إلى دار أمير المؤمنين بالثريا، فدخلوا عليه، وأمر أن يخلع على محمد بن سليمان، ويطوق بطوق ذهب، ويسور بسوار، وخلع على جميع القواد القادمين معه، وطوقوا وسوروا وانصرفوا إلى منازلهم، وأدخل الأسرى إلى الحبس الجديد بمدينة السلام في الجانب الغربي منها.
فلما كان في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول بنيت دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي الذي تخرج إليه الثلاث الأبواب ومن باب خراسان، تكسير ذرعها عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً، وجعل لها أربع درج يصعد منها إليها، وأمر القواد جميعاً بحضور هذه الدكة، ونودي بذلك في الناس أن يحضروا عذاب القرامطة ففعلوا وكثر الناس في هذا الموضع، وحضر القواد والواثقي المتقلد للشرطة بمدينة السلام، وحضر محمد بن سليمان، فقعدوا جميعاً عليها، وأحضروها ثلاثمائة ونيفاً وعشرين إنساناً ممن كان أسر قديما، ومن جاء به محمد بن سليمان، وأحضر القرمطي والمدثر فأقعدا، وقدم نيف وثلاثون إنساناً من هؤلاء الأسارى من وجوههم فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم، ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط، ورش على الضرب الزيت المغلى، وكوي بالجمر، ثم قطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه، فلما قتل انصرف القواد وأكثر الناس من حضر للنظر إلى عذاب القرمطي، وأقام الواثقي إلى وقت العشاء الآخرة في جماعة من أصحابه حتى ضرب أعناق باقي الأسارى، ثم انصرف، فلما كان يوم الأربعاء لست بقين من هذا الشهر صير ببدن القرمطي إلى جانب الجسر الأعلى من الجانب الشرقي فصلب هناك، وحفر لأجساد القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها، وطمت، فلما كان بعد أمر بهدم الدكة وتعفية أثرها ففعل ذلك.
قال ابن أبي الأزهر في هذا التاريخ في حوادث سنة ثلاث وتسعين ومائتين: وفيها ورد الخبر بأن أخا الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر واجتمع إليه جماعة من الأعراب وسار بهم إلى نحو دمشق. فعاث في نواحيها، فندب للخروج إليه حسين بن حمدان فخرج في جماعة، وورد الخبر برجوعه إلى الدالية.
فحدث محمد بن داود بن الجراح أن زكرويه بعد قتل صاحب الشامة أنفذ رجلاً كان معلماً للصبيان يقال له عبد الله بن سعيد، فتسمى نصراً ليخفي أمره، فدار في أحياء كلب يدعوهم إلى رأيه، فاستجاب له جماعة من صعاليكهم وسقاطهم وسقاط العليصيين، فسار فيهم إلى بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية فقتل وسبى، وأخذ الأموال.
قال: وأنقذ زكرويه رجلاً يقال له القاسم بن أحمد داعية، فصار إلى نحو رستاق نهر ملخانا.
قال: فالتقت به طائفة، فساروا إلى الكوفة حتى صبحوها غداه يوم النحر وهم غارون فوافوا باب الكوفة عند انصراف الناس من المصلى، فأوقعوا بمن قدروا عليه، وسلبوا وقتلوا نحواً من عشرين رجلاً، وكان رئيسهم هذا قد حملوه في قبة يقولون: هذا ابن رسول الله وهو القاسم بن أحمد داعية زكرويه، وينادون يا ثارات الحسين - يعنون الحسين صاحب الشامة - ، وشعارهم يا محمد يا أحمد - يعنون ابني زكرويه، ويموهون بهذا القول على أهل الكوفة - ونذر بهم الناس فرموهم بالحجارة من المنازل.
وإنما ذكرت هذا الفصل من قول ابن أبي الأزهر لأن فيه ما يدل على أن صاحب الخال كان يسمى الحسين بن زكرويه، وعاش زكرويه بعد ولديه القرمطيين في زعمه.

أنبأنا تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسين بن هبة الله الدمشقي قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو الحسين بن الآبنوسي قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال: أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الحطمي قال: قام مقامه - يعني مقام صاحب الجمل - أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال، فأسرف في سوء الفعل، وقبح السيرة، وكثرة القتل، حتى تجاوز ما فعله أخوه، وتضاعف قبح فعله على فعله، وقتل الأطفال، ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء، فخرج الكتفي إلى الرقة، وسير إليه الجيوش، فكانت له وقائع وزادت أيامه على أيام أخيه في المدة والبلاء حتى هزم وهرب، فظفر به في موضع يقال له الدالية بناحية الرحبة، فأخذ أسيراً، وأخذ معه ابن عم له يقال له المدثر كان قد رشحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين. وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه، فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة، وهو بين يديه على الفيل، وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين بالبرانس، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين، ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر بعد أن ضرب بالسياط، وكوى جميعه بالنار، وقطعت منه أربعته، ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر.
وقيل إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان، وهما فيما ذكر ابنا زكرويه بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وتلقى الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلا ذريعاً لم يسمع قط بمثله، واستباح القوافل، وأخذ شمسة البيت الحرام، وقبل ذلك ما دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة وأخرج منها، ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إياها، وخروجه عنها، فهزمهم وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة، فتقوى بها، وعظم أمره في النفوس وهال السلطان، وأجلبت معه كلب وأسد، وكان يدعى السيد، ثم سير إليه السلطان جيشاً عظيماً فلقوه بذي قار بين البصرة والكوفة في الفراض فهزم وأسر جريحاً، ثم مات، وكان أخذه أسيراً يوم الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وتسعين بعد أن أسر، فقدم به إلى بغداد مشهوراً في ربيع الأول، وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت، فطيف به ببغداد، وقيل إنه خرج يطلب ثأر ابنه المقتول على الدكة.
وذكر ابن أبي الأزهر في تاريخه أنه لما خرج على قافلة الحاج أن أصحابه أكبوا على الحاج فقتلوهم كيف شاؤوا واحتووا على جميع ما كان في القافلة، وسبوا النساء الحرائر، وجمع القرمطي لعنه الله أجساد القتلى، فعمل منها دكة تشبيها بالدكة التي قتل عليها أصحابه.
وسير إلي بعض الشراف الهاشميين بحلب تاريخاً جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب، ذكر أنه تذكرة كتبها مما وجده في التواريخ المتقدمة، ومما وجده بخط جد أبيه الشيخ أبي الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد محمد بن همام بن أبي شهاب وغيره قال فيه: سنة تسعين ومائتين فيها نجم بالشام قرمطي بأرض دمشق، انتسب إلى العلوية.

قال: وذكر الشيخ أبو الحسين علي بن المهذب أن أباه المهذب أخبره أن هذا القرمطي أول من وقع عليه هذا اللقب، وكان خرج في بطن من بني عدي من كلب يقال لهم بنو العليص، فخرج إليه طغج بن جف والي دمشق من قبل الطولونية محتقراً له في غير عدة ولا عدة، وكان هذا القرمطي في بادية كلب فأوقع بطغج، ودخل إلى دمشق مهزوماً، ثم رجع فجمع عسكره، وحشد، وخرج إليه فكان الظفر للقرمطي أيضاً، وقتل حلقاً كثيراً من أصحاب طغج، ونهبوا عسكره وعاد طغج إلى دمشق، فقوي القرمطي وكتب طغج إلى مصر، فوجه إليه جماعة من الفرسان والرجالة، وأمدهم من في الشام، فصار جيشاً عظيماً، فخرج وهو غير شاك في الظفر به، فأوقع القرمطي به، وكانت الوقعة في موضع بعرف بالكسوة، وسار القرمطي إلى بعلبك ففتحها وقتل أهلها، ونهب وأحرق، وسار منها إلى حمص فدعا لنفسه بها، وبث ولاته في أعمالها، وضرب الدنانير والدراهم، وكتب عليها المهدي المنصور أمير المؤمنين، وكذلك كان يدعى له على المنابر، وأنفذ سرية إلى حلب فأوقع بأبي الأغر خليفة بن المبارك السلمي، وعادت السرية، وجبى الخراج، وحمل إليه مال جند حمص، فأنفذ الأمير أبو الحجر المؤمل بن مصبح أمير برزويه والبارة والروق وأفامية وأعمال ذلك - وبقي والي هذه المواضع من قبل الخلفاء ببغداد أربعين سنة فيها - رجلين من أهل معرة النعمان اسم أحدهما أحمد بن محمد بن تمام، والآخر ابن عاص القسري، وجاءا إلى القرمطي يرفعان على أهل معرة النعمان فمضيا إليه، وقالا له: إن أهل معرة النعمان قد شقوا العصا، وبطلوا الدعوة، وغيروا الأذان، ومنعوا الخراج، وكان أهل معرة النعمان قد أرسوا معهما الخراج فأخذ منهما في الطريق، فلما قالا له ذلك، التفت إلى كاتبه وقال له: اكتب وشهد شاهدان من أهلها، فسار إليها وقال لأصحابه: إن أغلقوا الباب فاجعلوها غارة على الدارين، فخرج أهل معرة النعمان ولا علم لهم بما قد جرى، وأصحاب القرمطي يقولون: القوا مولانا السيد، فبلغ كثير من الناس إلى قرب حناك، وأخذ الأبواب أصحاب القرمطي على الناس، فقتل خلق كثير، ودخلها يوم الأربعاء النصف من ذي الحجة، فأقام يقتل المشايخ والنساء والرجال والأطفال، ويحرق وينهب خمسة عشر يوما، فذكر أن القتلى كانوا بضعة عشر ألفاً.
وخرج المكتفي إلى الرقة وأنفذ عساكره مع محمد بن سليمان الأنباري، وكان شهماً شجاعاً مدبراً، فحصل في حلب في جيش فيه ثلاثون ألفا مرتزقة، فيما ذكر غير واحد، وكان جهير بن محمد يقول له: تخرج إليهم فقد أهلكوا عشيرتي، فيقول له ابن الأنباري الكاتب: لو أخذوا بلحيتي ما خرجت إليهم حتى يهل هلال المحرم، يريد سنة إحدى وتسعين.
قال أبو غالب بن المهذب: سنة إحدى وتسعين، فيها: سار محمد ابن سليمان الكاتب الأنباري إلى القرامطة فأوقع بهم في قرية تعرف بالحسينية فقتلهم وبدد شملهم، ولما تصور القرمطي ورأى أنه لا طاقة له بعساكر الخلافة هرب قبل الوقعة بأصحابه، فحصل في قرية شرقي الرحبة تعرف بالدالية، في نفر يسير من خواص أصحابه، فتستروا بها، وبعث بعض أصحابه متنكراً ليمتار لهم ما يحتاجون إليه، فأخذ وأنكر، وأتي به إلى رجل كان يتولى معونة الدالية يعرف بأبي خبزة لأحمد ابن محمد بن كشمرد والي الرقة، وكان أبو خبزة صغير الشأن حقيراً في الجند، فسأله أبو خبزة عن خبزه وقصته، فتبين منه قولا مختلفا، فألح عليه أبو خبزة، فأقر ذلك الرجل بأنه من رجال القرمطي، ودل عليهم في أي موضع هم، فخرج أبو خبزة فيمن جمعه من الأجناد الرجال إلى الموضع الذي فيه القرمطي وأصحابه فظفر بهم وبالقرمطي، وكان معهم حملان من المال، فأخذهم والمال معهم، وحملهم إلى ابن كشمرد والي الرقة، فأخذهم وكتب بخبرهم إلى المكتفي، فبعث إليه من تسلمهم منه وأوردهم الرقة، وانحدر المكتفي إلى مدينة السلام بغداد وهم معه، فبنى لهم دكة عظيمة بظاهر القصر المعتضدي، وعذبوا عليها بأنواع العذاب.

أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال: قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: أحمد بن عبد الله الخارج بالشام في أيام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال، وقتل بالدكة في سنة إحدى وتسعين ومائتين يروى له ولأخيه علي بن عبد الله شعر يشك في صحته، فمما يروى لأحمد:
متى أرى الدنيا بلا كاذب ... ولا حروري ولا ناصبي
متى أرى السيف على كل من ... عادى عليّ بن أبي طالب
متى يقول الحق أهل النهى ... وينصف المغلوب من غالب
هل لبغاة الخير من ناصرٍ ... هل لكؤوس العدل من شارب
قال: ويروى له:
نفيت من الحسين ومن عليّ ... وجعفر الغطارف من جدودي
وخيب سائلي وجفوت ضيفي ... وبتّ فقيد مكرمةٍ وجود
وأعطيت القياد الدّهر مني ... يمين فتىً وفيٍّ بالعهود
لئن لم أعط ما ملكت يميني ... لحرب من طريفٍ أو تليد
وأفتتحنها حربا عوانا ... تقحم بالبنود على البنود
فإما أن أبوح بروح عزٍّ ... وجدٍّ آخذٍ ثار الجدود
وإما أن يقال فتىً أبيٌّ ... تخرّم في ذرى مجدٍ مشيد
وهي أكثر من هذا فيقال أن عبد الله بن المعتز أجابه عنها بقصيدة منها:
تهددنا زعمت شبوب حربٍ ... تقحم بالبنود على البنود
فكان السيف أدنى عند وردٍ ... إلى ود جيك من حبل الوريد
قرأت بخط أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، وأخبرنا به أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل، فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال: كتب إلينا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أن أبا القاسم البندار أنبأهم عن أبي أحمد ابن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي قال: وأجلس القرامطة مكان علي بن عبد الله أخاً له يقال له أحمد بن عبد الله، زعموا أنه عهد إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودعي له بها وبكورها، وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن علياً ولي المؤمنين حي على خير العمل؛ وضرب الدراهم والدنانير وكتب عليها الهادي المهدي، لا إله إلا الله محمد رسول الله، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وعلى الجانب الآخر قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.
ووجه أحمد بن عبد الله هذا برجل يعرف بالمطوق - أمرد فرأيته بعد ذلك - فكبس أبا الاغر وهو غافل، فقتل أكثر أصحابه، وأفلت أبو الاغر، ثم خرج المكتفي بالله إليه، وأقام بالرقة، وأنفذ الجيوش إليه محمد بن سليمان، وأنفذ غلامه سوسنا معه في جيش عظيم، فورد الخبر بأنه قتل، ذكر ذلك الصولي في سنة احدى وتسعين ومائتين.
قال: ثم أتى الخبر للنصف من المحرم من الدالية بأن فارسين من الكلبيين أحدهما من بني الاصبغ والآخر من بني ليلى نزلا بالسقافية فأخذا فأقرا أنهما من القرامطة، وأن القرمطي بالقرب، فركب محمد بن علي أبو خبزة، وأحمد بن محمد بن كشمرد من الرحبة فظفرا بالقرمطي، وأخذ معه رجل يقال له المدثر، وكاتبه، وغلام أمرد حدث يقال له المطوق، وحمل إلى الرقة، وقد ذكرنا خبره.
قال الصولي: ومما يروى من شعر أحمد بن عبد الله:
متى أرى الدنيا بلا كاذب..
وذكر الأبيات الاربعة، وقال: ومنه:
ثأرت بجدي خير من وطي الحصا ... وأنصاره بالطف قتلى بني هند
فأفنيت من بالشام منهم لأنهم ... بقصدهم جاروا عن المنهج القصد
على أنهم جاشوا لنا وتجمعوا ... وكادوا وكان الله أعلم بالقصد
فجاهدتهم بالله منتصرا به ... فأفنيتهم بالبيض والسمر والجرد
قال الصولي: ولعلي بن عبد الله وأخيه أحمد بن عبد الله شعر أظن بعض من يميل إليهم ويكره السلطان عمله أو أكثره، وحمله عليهما.

أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله قال: أحمد بن عبد الله، ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كما زعم، وهو صاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، بايعته القرامطة بعد قتل أخيه بنواحي دمشق، وتسمى بالمهدي، وأفسد بالشام، فبعث إليه المكتفي عسكرا في المحرم سنة احدى وتسعين ومائتين، فقتل من أصحابه خلق كثير، ومضى هو في نفر من أصحابه يريد الكوفة فأخذ بقرية تعرف بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى بغداد، وأشهر وطيف به على بعير، ثم بنيت له دكة، فقتل عليها هو وأصحابه الذين أخذوا معه يوم الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الاول من سنة احدى وتسعين ومائتين، وكان شاعرا، وله في الفخار أشعار من جملتها:
سبقت يدي يده لضر ... به هاشمي المحتد
وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذبا ولم أتزيد
من خوف بأسي قال بد ... ر: ليتني لم أولد
يعني بدر الحمامي الطولوني أمير دمشق.
هكذا قال الحافظ أبو القاسم، ولا أعلم أحدا قال في صاحب الخال عبد الله ابن أحمد غيره، والمعروف بهذا الاسم ابن عمه المعروف بالمدثر، وكان سار إلى الشام فلقيه شبل الديلمي مولى المعتضد بالرصافة في سنة أربع وثمانين ومائتين، فقتله القرامطة، وقتلوا أصحابه، ودخلوا الرصافة فأحرقوها، وجاءوا مسجدها ونهبوها، وساروا نحو الشام، فالظاهر أنه اشتبه عليه بصاحب الخال، وأكد عنده ذلك هذه الابيات الثلاثة التي عزاها إليه، وقوله فيها:
وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذبا ولم أتزيد
على أن هذه الابيات ليس مراد صاحب الخال منها أن أحمد أبوه، بل أراد بقوله: وأنا ابن أحمد أنه من نسل أحمد النبي صلى الله عليه وسلم.
أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي المضاء المصيصي القاضي:
قاضي المصيصة حدث عن....
روى عنه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي الامام، وقال فيه: ثقة.
أحمد بن عبد الله بن مرزوق:
أبو العباس الأصبهاني الدستجردي الحافظ، سمع أبا القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل، وغانم بن أبي نصر محمد بن عبيد الله البرجي، وهبة الله بن محمد بن الحصين البغدادي، وأبوي سعد أحمد بن عبد الجبار الصيرفي، ومحمد ابن محمد بن محمد بن عبد الله المطرز، وأبا منصور عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الشرابي، والقاضي أبا بكر أحمد بن محمد بن الحسين الارجاني، وأبا طالب عبد القادر بن يوسف البغدادي، وأبوي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني ومحمد بن محمد بن المهدي، وأبا محمد طاهر بن محمد بن عبد الله الفزاري.
روى عنه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، وذكره في معجم شيوخه، وقدم حلب سنة ثماني وأربعين وخمسمائة، وحدث بها وسمع منه بها أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعد الله البجلي الحنفي الفقيه، وحدث عنه بمصر، والحافظ أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر القرشي، وخرج عنه حديثا في معجم شيوخه، والحافظ أبو المواهب بن صصرى، وشيخنا أبو اليمن الكندي وسمع منه بدمشق.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قراءة عليه وأنا أسمع بحلب قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني ببغداد قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحيم بن أحمد بن يحيى الشرابي بشيراز قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أبي الليث الشاهد قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد خميرويه الكرابيسي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عيسى الخزاعي الحكاني قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: حدثني عروة ابن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت: كان عتبة ابن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة وقال: انه ابني، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح أخذ ابن وليدة زمعة فأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه ابن زمعة، فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عهد الي أنه ابنه، وقال عبد ابن زمعة: يا رسول الله هذا أخي ابن زمعة وولد على فراشه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة فاذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد ابن زمعة من أجل أنه ولد على فراش أبيه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احتجبي منه يا سودة بنت زمعة، مما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
أنبأنا أبو البيان نبأ بن أبي المكارم بن هجام الحنفي، وسمعت منه بالقاهرة قال: أخبرنا الامام العالم أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعد الله البجلي الحنفي قراءة عليه وأنا أسمع سنة سبع وسبعين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو العباس أحمد ابن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني قراءة عليه في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمدينة حلب: قال: أخبرنا أبو القاسم اسماعيل بن محمد ابن الفضل قال: أخبرنا الامام أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني قال: حدثنا الشيخ أبو حفص هبة الله بن محمد بن عمر بن زاذان قال: حدثنا عمي أبو محمد عبد الله بن عمر بن زاذان قال: حدثنا أبو الحسين علي بن خفيف بن عبد الله الدقاق قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن داود القنطري قال: حدثنا خيرون بن واقد الإفريقي قال: حدثنا مخلد بن حسين عن هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذان السمع والبصر.
أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال: أخبرنا الشيخ أبو العباس أحمد ابن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني الدستجردي بقراءتي عليه سنة سبع وأربعين وخمسمائة بدمشق قال: أخبرنا القاضي أبو محمد طاهر بن محمد بن عبد الله ابن الحسين الفزاري قال: أخبرنا أبو الفتوح حمزة بن محمد بن عبد الله السرخسي الصوفي قال: أخبرنا أبو سعد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي بنيسابور قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم قال: حدثنا محمد بن هشام بن ملاس النميري من أهل دمشق قال: حدثنا مروان قال: حدثنا حميد قال: قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل يا رسول الله انصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي عن أبي سعد السمعاني قال: أنشدنا أحمد بن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني ببغداد لفظا قال: أنشدنا القاضي الإمام أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني لنفسه بتستر:
فلقد دفعت إلى الهموم ينوبني ... منها ثلاث شدائد جمعن لي
أسف على ماضي الزمان وحيرة ... في الحال منه وخشية المستقبل
ما إن وصلت إلى زمان آخر ... إلا بكيت على الزمان الأول

أخبرنا أبو هاشم قال: أخبرنا أبو سعد السمعاني - إجازة إن لم يكن سماعا - قال: أحمد بن عبد الله بن مرزوق الأصبهاني أبو العباس فقيه متودد إلى الناس، وهو من أصحاب شيخنا اسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ من أهل أصبهان، دخل بغداد سنة خمس عشرة وخمسمائة، وتفقه على الحسن بن سلمان ثم رجع إلى أصبهان، وسافر إلى بلاد خوزستان، ثم ورد بغداد وأنا بها في سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
سمع بأصبهان أبا سعد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله المطرز، وأبا علي الحسن بن أحمد الحداد، وأبا القاسم غنائم بن محمد بن عبيد الله البرجي وببغداد أبا سعد أحمد بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي، وأبا علي محمد بن محمد ابن المهدي، وأبا طالب عبد القادر بن يوسف، وأبا القاسم هبة الله ابن محمد بن الحصين الشيباني، وبشيراز أبا منصور عبد الرحيم بن محمد بن ابن أحمد بن يحيى الشرابي، وغيرهم، كتبت عنه شيئا يسيرا، وسألته عن مولده فقال: قالت لي والدتي: ولدت بعد موت ملكشاه بسنة.
قلت: وكانت وفاة السلطان ملكشاه في سنة خمس وثمانين وأربعمائة، فيكون مولده سنة ست وثمانين.
أحمد بن عبد الله:
أبي الحواري بن ميمون بن عياش بن الحارث الغطفاني، أبو الحسن التغلبي الزاهد المشهور، وقيل بأن اسم أبي الحواري ميمون؛ أصله من الكوفة، وسكن دمشق، وقدم الثغور الشامية والعواصم، وسمع بها أبا بكر محمد بن توبة الطرسوسي، وأبا جعفر محمد بن حاتم المصيصي، وأبا معاوية الأسود الزاهد، والمسيب بن واضح بن سرحان التلمنسي.
وأنبأنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن عبد الله، أبي الحواري بن ميمون بن عياش بن الحارث، أبو الحسن التغلبي الغطفاني الزاهد، أحد الثقات، وذكر أبو عبد الله بن مندة أن أصله من الكوفة، وسكن دمشق.
روى عن سفيان بن عيينة، وأبي معاوية، وحفص بن غياث، ووكيع بن الجراح، ومروان بن محمد، عن شيخه واستاذه أبي سليمان الداراني، وأبي سعد عبد الله بن إدريس، وأبي أسامة حماد بن أسامة، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن يحيى بن اسماعيل، وعمرو بن أبي سلمة، ورواد بن الجراح، وزكريا بن إبراهيم الخصاف، واسحق الحناط، وسليمان بن أبي سليمان الداراني، ومحمد بن يوسف الفريابي وعبد الله بن نمير، وإسماعيل بن علية، وجعفر بن محمد، وإسحق بن خلف، وأبي بكر محمد بن توبة الطرسوسي، ومضاء بن عيسى، وأبي جعفر محمد بن حاتم، وعبد الله ابن أحمد بن بشير بن ذكوان، وعبد الواحد بن جرير العطار الدمشقي، وأبي مسهر الدمشقي، وسلام بن سليمان المدائني، وعيسى بن خالد اليمامي، وزهير ابن عباد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأحمد بن ثعلبة، وعبد العزيز بن عمير الدمشقي، وأحمد بن معاوية بن وديع، وعلي بن حمزة الكسائي، وإبراهيم بن أيوب.
روى عنه أبو داود، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، ومحمود بن إبراهيم بن سميع، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو، وأبو عبد الملك التستري، وسليمان بن أيوب بن حذلم، ومحمد بن يعقوب وأبو عبد الرحمن محمد بن العباس بن الوليد بن الدرفس، وأبو الحسن محمد ابن اسحق بن الحريص، وجعفر بن أحمد بن عاصم، وأبو العباس أحمد بن مسلمة العذري، وأحمد بن عامر بن المعمر الأزدي، ومحمد بن الفيض الغساني، وعبد الله بن عتاب بن الزفتي، ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد، ومحمد بن خريم، ومحمد بن عون بن الحسن الوحيدي، وعبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد، وسيار بن نصر، وأحمد بن سليمان بن زبان، والحسن بن محمد بن بكار بن بلال، وأبو محمد عبد الرحمن بن اسحق بن إبراهيم بن الضامدي الدمشقيون، وعلي بن الحسين بن ثابت الرازي، وأبو عبد الله محمد بن المعافى الصيداوي، وعبد الله بن هلال الدومي، وسعد بن محمد البيروتي، وأبو بكر محمد بن يحيى السماقي، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، وأبو الجهم أحمد بن الحسين بن طلاب المشعرائي، وأبو عصمة نوح بن هشام الجوزجاني، وأبو بكر محمد بن محمد الباغندي.

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي بدمشق قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري المعروف بابن الطبر قال: أخبرنا أبو طاب محمد بن علي بن الفتح قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن شمعون قال: حدثنا أحمد بن سليمان الكندي، المعروف بابن ابن هريرة بدمشق قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يمسح بيمينه.
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن أحمد بن فارس السلمي قال: حدثنا الفقيه الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي قال: حدثنا أبو المعمر المسدد علي بن عبد الله بن عبد الله الحمصي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن علي العتكي قال: حدثنا أبو العباس الفضل بن محمد الأحدب بأنطاكية قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا حفص بن غياث عن مسعر عن العوام بن حوشب عن إبراهيم السكسكي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر، قال الله تبارك وتعالى لملائكته: اكتبوا لعبدي من الأجر مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد معمر بن طبرزد قال: سمعت اسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي يقول: سمعت عبد الدائم بن الحسن الهلالي بدمشق في سنة ستين وأربعمائة يقول: سمعت عبد الوهاب بن الحسن الكلابي يقول: سمعت محمد بن خريم العقيلي يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في المنام، فرأيته بعد سنة، فقلت له: يا معلم ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد جئت من باب الصغير فلقيت وسق شيخ فأخذت منه عوداً ما أدري تخللت به أو رميت به فأنا في حسابه من سنة إلى هذه الغاية.
أخبرنا أبو بكر عبد الله بن علي بن الخضر البغدادي التاجر بحلب قال: أخبرنا أبو السعادات المبارك بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز، وشهدة بنت أحمد بن الآبري ببغداد.
وأخبرنا أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش النحوي قال: أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي قالوا: أخبرنا الحاجب أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن العلاف قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بن سهل الخرائطي قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: حدثنا عون بن إبراهيم بن الصلت قال: حدثني أحمد بن أبي الحواري قال: حدثني أحمد بن وديع عن الوليد بن مسلم قال: كانت امرأة من التابعين تقول: اللهم أقبل بما أدبر من قلبي، وافتح ما أقفل عنه حتى تجعله هنيئاً مرئاً بالذكر لك.
وقال: أخبرنا أبو بكر الخرائطي قال: حدثنا أبو حفص النسائي قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا أبو سلمة الطائي عن أبي عبد الله البناجي قال: سمعت هاتفاً يهتف عجباً لمن وجد حاجته عند مولاه فأنزلها بالعبيد.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل بالقاهرة قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني قال: أخبرنا أبو الفتح اسماعيل بن عبد الجبار المالكي قال: سمعت أبا يعلى الحافظ يقول: سمعت علي ابن عمر الفقيه يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي يقول: سمعت عبد الله بن هلال الاسكندراني يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: كنت مع أبي سليمان الداراني في أمحل، فتلهفت يوماً، فنظر إلي وقال: ما هذا؟ قلت: قد ظهر بي منذ أيام، فقال: احذر هذا لو كان فيه خير لما أظهره الله فيك.
أخبرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة، والشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي قالا: أخبرنا أبو الفتح بن أبي الحسن الصوفي.
وأخبرتنا الحرة زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الشعري في كتابها قالا: أخبرنا عبد الوهاب بن شاه بن أحمد الشاذيافي.

وأنبأنا أبو النجيب اسماعيل بن عثمان القارى في كتابه قال: أخبرنا أبو الأسعد عبد الرحمن بن عبد الواحد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم ابن هوزان القشيري قال: سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت سعيد بن عبد العزيز الحلبي يقول: سمعت أحمد ابن أبي الحواري يقول: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب، أخرج الله نور اليقين والزهد من قبله.
وقال: سمعت أبا عبد الرحمن يقول: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: من عمل بلا انباع سنة، فباطل عمله.
وقال: قال أحمد: أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة.
قال: وقال أحمد ما ابتلى الله عبداً بشيء أشد من الغفلة والقسوة.
أنبأنا أبو المفضل أحمد بن محمد قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو عبد الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر بن سلمة قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال: وأخبرنا ابن مندة قال: أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني - إجازة - قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني قال: حدثني هرون بن سعيد قال: قال يحيى بن سعيد: قال يحيى بن معين، وذكر أحمد بن أبي الحواري فقال: أهل الشام به يمطرون.
أخبرنا عمي أبو غانم قال: أخبرنا أبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حمويه.
وأنبأنا زينب بنت عبد الرحمن الشعري قالا: أخبرنا أبو الفتوح الشاذيافي.
وأخبرنا أبو النجيب القارىء إجازة قال: أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: سمعت محمد بن الحسين يقول: كان بين أبي سليمان وأحمد بن أبي الحواري عقد لا يخالفه في شيء يأمره به، فجاءه يوماً وهو يتكلم في مجلسه وقال: إن التنور قد سجر فما تأمر، فلم يجبه، فقال: مرتين أو ثلاثة، فقال أبو سليمان: اذهب فاقعد فيه - كأنه ضاق به قلبه - ، وتغافل أبو سليمان ساعة ثم ذكر فقال: اطلبوا أحمد فإنه في التنور لأنه على عقد أن لا يخالفني، فنظروا فإذا هو في التنور لم تحترق منه شعرة.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحيم بن يوسف بن الطفيل بالقاهرة المعزية قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني قال: سمعت أبا الفتح اسماعيل ابن عبد الجبار بن محمد الماكي قال: سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي قال: أحمد أبي الحواري الزاهد ثقة، كبير في العبادة والمحل؛ روى عنه مثل أبي حاتم الرازي في الزهد والعبادة، ومروان بن محمد، وعمر حتى أدركه المتأخرون، آخر من روى عنه بالري إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، وبخراسان الحسين بن عبد الله بن شاكر السمرقندي، وبالشام ابن خريم، ومحمد ابن الفيض.
أنبأنا الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله الخلال قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مندة قال: أخبرنا أبو طاهر ابن سلمة قال: أخبرنا أبو الحسن الفأفاء.
قال: وأخبرنا ابن مندة قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهاني - إجازة - قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري أبو الحسن الدمشقي، روى عن حفص بن غياث، ووكيع، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب، يعد في الدمشقين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، وكتبا عنه، سمعت أبي يحسن الثناء عليه ويطنب فيه.
كتب إلينا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي أن أبا الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري أخبرهم قال: أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن الحافظ قال: ومنهم - يعني من مشايخ الصوفية - أحمد بن أبي الحواري، واسمه ميمون، من أهل دمشق، وكنيته أبو الحسن، صحب أبا سليمان، وبشر بن السري، والنباجي، ومضاء بن عيسى، وغيرهم من المشايخ، ومات سنة ثلاثين ومائتين، وكان هو وأخوه محمد، وأبوه أبو الحواري، وابنه عبد الله كلهم من الورعين العارفين، وبيتهم بيت العلم والورع والزهد.
أخرنا عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة قال: أخبرنا عمر بن علي بن محمد بن حموية.
وأخبرتنا زينب الشعرية في كتابها قالا: أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذيافي.

وأنبأنا أبو النجيب القارىء قال: أخبرنا أبو الأسعد القشيري قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: ومنهم أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري من أهل دمشق، صحب أبا سليمان الداراني وغيره، مات سنة ثلاثين ومائتين.
وكان الجنيد يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام.
أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد بن محمد المروزي في كتابه منها قال: أخبرنا أبو الخير جامع بن عبد الرحمن بن ابراهيم السقاء الصوفي قراءة عليه بنيسابور قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار الصوفي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: ومنهم أحمد بن أبي الحواري كنيته أبو الحسن، وأبو الحواري، اسمه ميمون من أهل دمشق، صحب أبا سليمان الداراني، وسفيان بن عيينة، ومروان بن معاوية الفزاري، ومضاء بن عيسى، وبشر بن السري، وأبا عبد الله النباجي، وله أخ يقال له محمد بن أبي الحواري، يجري مجراه في الزهد والورع، وابنه عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري من الزهاد، وأبوه أبو الحواري، كان بيتهم بيت الزهد والورع، مات سنة ثلاثين ومائتين.
أنبأنا عبد الرحيم بن عبد الكريم قال: أخبرنا أبو سعيد الحرضي قال: أخبرنا أبو بكر المزكي - إجازة - قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الفضل قال: مات أحمد بن أبي الحواري في سنة ثلاثين ومائتين.
أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة:
أبو العباس الذهلي القاضي والد القاضي أبي الطاهر الذهلي، ولي القضاء بالبصرة وواسط وغيرها من البلاد، وسمع بحلب صالح بن علي النوفلي الحلبي، وأبا أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي، وبمنبج حاجب بن سليمان ومحمد بن سلام المنبجيين، وبغيرهما من البلاد: علي بن عثمان بن نفيل الحراني، وأبا أمية محمد بن ابراهيم الطرسوسي، وأبا الدرداء هاشم بن محمد الأنصاري مؤذن بيت المقدس، والعباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عوف، ومحمد بن عبد النور الخزاز، وأحمد بن محمد بن يزيد بن أبي الخناجر الأطرابلسي، وربيعة ابن الحارث الجيلاني الحمصي، والخليل بن عبد القهار الصيداوي، وأبا عيينة أحمد بن الفرج الحمصي، واسحق بن سيار النصيبي، وأحمد بن عبد الحميد الكوفي، وسعيد بن محمد زريق الرسعيني، وابراهيم بن هانىء النيسابوري، وعلي بن موفق الأنباري، ويعقوب بن ابراهيم الدورقي ومحمد بن عبد الله المخرمي، وعمران بن بكار، ومحمد بن خالد بن خلي الحمصي، ومحمد بن حماد الطهراني، ومحمود بن خداش، ومحمد بن صالح بن البطاح.
روى عنه: ابنه أبو الطاهر محمد بن أحمد، وأبو الطاهر المخلص، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو بكر المقرىء، والمعافى بن زكريا الجريري، ومحمد بن أحمد الهاشمي المصيصي، وأبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين، وعبد الباقي بن قانع بن مرزوق.
أخبرنا أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي قال: أخبرنا أبو مسلم بن الأخوة وصاحبته عين الشمس قالا: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي - قالت: إجازة - قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، وأبو الفتح منصور بن الحسين - قالا: أخبرنا أبو بكر بن المقرىء قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير القاضي قاضي واسط قال: حدثنا علي ابن الموفق الأنباري عن أحمد بن أبي الحواري عن أبي سليمان قال: لقيت عابدة بمكة فقالت لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الشام، قالت: إقرأ على كل محزون مني السلام.
أنبأنا أبو اليمن الكندي قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: قال لنا أبو بكر الخطيب: أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة، أبو العباس الذهلي كان من شيوخ القضاة ومقدميهم، ولي قضاء البصرة وواسط وغيرهما من البلدان، وحدث عن يعقوب بن ابراهيم الدورقي، ومحمد ابن عبد الله المخرمي، ومحمود بن خداش، ومحمد بن حماد الطهراني، وعمران ابن بكار، ومحمد بن خالد بن خلي الحمصيين، ونحوهم.
روى عنه أبو الحسن الدارقطني، والمعافى بن زكريا الجريري، وأبو طاهر المخلص، وكان ثقة.
أنبأنا الكندي قال: أخبرنا أبو منصور قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني الحسن بن محمد الخلال قال: وجدت في كتاب أبي الفتح القواس: مات ابن بجير القاضي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.

قال: وكذلك حدثني عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ عن أبيه قال: وقال: مات يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الآخر.
أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي:
أبو الفضل، دخل الثغور الشامية وسمع بها أبا بكر محمد بن أحمد بن زرقان المصيصي، وعبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، وأبا أمية بن ابراهيم الطرسوسي، وحدث عنهم وعن غيرهم.
وذكره أبو القاسم الدمشقي الحافظ في تاريخ دمشق بما أخبرنا به ابن أخيه تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي - إذناً - قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ عمي قال: أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال، أبو الفضل السلمي، حدث عن أبيه عبد الله بن نصر، وأبي عامر موسى بن عامر المري، ومحمد بن عبد الرحمن بن الأشعث، وابراهيم بن عتيق وأحمد بن علي بن يوسف الخزاز، وعمر بن مضر العبسي، ويزيد بن محمد بن عبد الصمد، وأبي حارثة أحمد بن ابراهيم بن هشام الدمشقيين، والمؤمل بن إهاب الربعي، ووريزة بن محمد الغساني الحمصي، وأبي أمية الطرسوسي، وأبي بكر محمد بن أحمد بن رزقان المصيصي، وأحمد بن محمد بن أبي الخناجر الأطرابلسي، وعبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي، وأبي سعد إسماعيل بن حمدويه البيكندي، ومحمد بن اسماعيل بن علية البصري قاضي دمشق، ومحمد ابن عبد الرحمن بن علي الجعفي الكوفي نزيل دمشق، وابراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وأبي الخير فهد بن موسى الاسكندراني، والوليد بن مروان الأزدي الحمصي، وجعفر بن محمد بن حماد القلانسي.
روى عنه أبو الحسين الرازي، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن درستويه، وأبو القاسم الحسن بن سعيد بن حليم القرشي، وأبو العباس أحمد بن عتبة بن مكين السلامي الحوثري، وعمران بن الحسن الحفاف الدمشقيون وأبو الفتح المظفر أحمد بن ابراهيم بن برهان المقرىء، وأبو بكر بن أبي الحديد، وأبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن هرون البرذعي الصوفي، وأبو علي محمد بن علي الحافظ الإسفرائيني، وأبو حفص بن شاهين.
أخبرنا تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن في كتابه قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: قرأت بخط أبي الحسين نجا العطار فيما ذكر أنه نقله من خط أبي الحسين الرازي في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي، مات في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
أحمد بن عبد الله، أبو بكر الطرسوسي:
روى عن حامد بن يحيى السلمي، روى عنه أبو القاسم الطبراني.
أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد البغدادي المؤدب فيما أذن لنا فيه مرارا قال: أخبرنا أبو منصور بن خيرون قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن شهريار الأصبهاني قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله الطرسوسي قال: سمعت حامد بن يحيى البلخي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: رأيت كان أسناني كلها سقطت، فذكرت ذلك للزهري، فقال: يموت أسنانك، وتبقى أنت، فمات أسناني وبقيت، فجعل الله كل عدو لي محدثاً.
أحمد بن عبد الله الرصافي:
من رصافة هشام بن عبد الملك من عمل قنسرين، حكى عن عثمان بن عبد الله العابد، روى عنه محمد بن عيسى القرشي.

كتب إلينا أبو اسحق ابراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري المعروف والده بأزرتق أن أبا المعالي أحمد بن عبد الغني بن خيفة أخبرهم قال: أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي بن أحمد الآزجي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن حهضم قال: حدثنا المفيد قال: حدثنا محمد بن عيسى القرشي قال: حدثنا أبو الأشهب السائح، وأحمد بن عبد الله الرصافي عن عثمان بن عبد الله، رجل من العباد، خرجت من بيت المقدس أريد بعض قراها في حاجة، فإذا أنا بعجوز عليها مدرعة من صوف، وخمار من صوف، تعتمد على عكاز لها، فقلت في نفسي: راهبة تدير ديرا، فحان منها إلتفاتة، فقالت لي: يا عبد الله، على دين الحنيفية؟ فقلت: وما أعرف دينا غيره، فقالت: ما اسمك؟ فقلت: عثمان، فقالت: يا عثمان من أين خرجت، وأين تريد؟ فقلت: من بيت المقدس إلى بعض قراها في حاجة، فقالت: كم بينك وبين أهلك ومنزلك؟ فقلت: ثمانية عشر ميلا، فقالت: إن هذه لحاجة مهمة؟ قلت: نعم، فقالت: ألا سألت صاحب القرية يوجه إليك بحاجتك ولا يعنيك، قال عثمان: فلم أدر ما تريد، فقلت: يا عجوز ليس بيني وبينه معرفة، فقالت: يا حبيبي وما الذي قطع بينك وبين معرفته في حال بينك وبين الاتصال به؟ قال عثمان: ففهمت ما قالت، فبكيت، فقالت: مم بكاؤك من شيء كنت تعلمه فتركته وذكرته؟ قلت: نعم، فقالت: إحمد الله عز وجل الذي لم يتركك في حيرتك، فقلت: يا عجوز لو دعوت الله عز وجل بدعوة، فقالت: بماذا؟ قلت: ينقذني من حب الدنيا، فقالت: امض لشأنك فقد علم المحبوب ما ناداه الضمير من أجلك، ثم قالت: يا عثمان تحب الله عز وجل؟ قلت: أجل، فقالت: اصدقني ولا تكن كذاباً، فقلت: والله إني أحب الله عز وجل، قالت: يا عثمان فما الذي أفادك من طرائف حكمته إذ أوصلك بها إلى محبته؟ قال: فأمسكت لا أجيبها، فقالت: يا هذا عساك ممن يحب كتمان المحبة؟ قال: فأمسكت لا أدري ما أقول لها، فسمعتها تقول: يأبى الله عز وجل أن يدنس طرائف حكمته وخفي مكنون محبته قلوب البطالين، ثم قالت يا عثمان أما والله لو سألتني عن محبة ربي لكشفت القناع الذي على قلبي وأخبرتك بمحبة سيدي وربي عز وجل، ثم استقبلت بوجهها إلى القبلة وهي تقول: من أين لعقلي الرجوع إلهي، ومن أين لوجهي الحياء منك سيدي، إن لم تكن لي هلكت، وإن لم تكن معي في وحدتي عطبت، ثم استقبلتني بوجهها توبخني وهي تقول: يا عثمان، فقلت: لبيك، فقالت:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا وربي في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
قال عثمان: فما ذكرت والله كلامها إلا هيجت علي أحزاني.
أحمد بن عبد الله، أبو العباس الحلبي المعروف بابن كاتب البكتمري:
وقيل إن اسم أبيه كاتب، وقيل اسمه عبد الله وأنه كان يكتب لوصيف البكتمري، وهو شاعر مشهور، وذكرناه فيمن اسم أبيه على حرف الكاف للاختلاف في اسمه ولكونه إنما يعرف بابن البكتمري.
أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المقدسي:
أبو العباس الدمشقي الحنبلي، شيخ حسن فاضل من أهل الحديث المقيمين بجبل الصالحين بدمشق في سفح قاسيون، رحل إلى بغداد واجتاز في طريقه حلب، وسمع ببغداد أبا الفتح محمد بن أحمد بن المنداي، وأبا الفرج بن كليب، وأبا الفرج بن الجوزي، وسمع بدمشق أبا اليمن زيد بن الحسن الكندي، ويحيى الثقفي، وأبا القاسم بن الحرستاني وعمر بن طبرزد، وحنبلا المكبر، وجماعة يطول ذكرهم.
واجتمعت به بدمشق، وسمعت بقراءته على جماعة من الشيوخ بدمشق، ثم قدم علينا حلب، وسمع بها من جماعة من شيوخنا مثل: قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، وأبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي وغيرهما، ثم اجتمعت به بدمشق بعد ذلك، وسمعت منه جزء الحسن بن عرفة بسماعه من أبي الفرج بن كليب، وغير ذلك من حديثه.
وكان يورق بالاجرة ويكتب سريعا، وكتب شيئاً كثيراً، ولم يكن بخطه بأس وكتب لي بخطه تاريخ دمشق للحافظ أبي القاسم الدمشقي، وكتاب الذيل لأبي سعد السمعاني.

وكان حسن الخلق، سألته عن مولده فأخبرني أن مولده سنة خمس وسبعين وخمسمائة بدمشق، وأن أباه كان من أهل قرية تعرف بالفندق من جبل نابلس، وأنه هاجر به، وهو حمل، منها في أيام صلاح الدين يوسف بن أيوب، فولد بدمشق، وسكنوا بجبل الصالحين.
وذكر لي أنه نسخ بخطه ألفي مجلد، وقال لي: أنا أنسخ إلى الآن وأطالع، وعمري إحدى وثمانون سنة، وكتبت أمس اثنتي عشرة ورقة، وأنا أشكر الله تعالى على ذلك.
حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المقدسي من لفظه بدمشق قال: أخبرنا أبو الفرج بن كليب الحراني قال: أخبرنا علي بن أحمد بن محمد بن بيان الرزاز قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز قال: أخبرنا أبو علي اسماعيل بن محمد بن اسماعيل الصفار قال: حدثنا الحسن بن عرفة العبدي أبو علي قال: حدثني محمد بن صالح الواسطي عن سليمان بن محمد عن عمر بن نافع عن أبيه قال: قال عبد الله بن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على هذا المنبر - يعني منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يحكي عن ربه قال: ان الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جمع السموات السبع والأرضين السبع في قبضته، ثم قال: هكذا وشد قبضته ثم بسطها، ثم يقول عز وجل: أنا الرحمن، أنا الملك القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن، أنا المهيمن، أنا العزيز، أنا الجبار أنا المتكبر أنا الذي الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا، أنا الذي أعدتها، أين الملوك أين الجبارة.
توفي أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المذكور في يوم الاثنين تاسع رجب سنة ثمان وستين وستمائة بمنزلة في سفح جبل قاسيون، ودفن هناك عند مشايخهم، وكان قد كف بصره، وذلك بعد وفاة والدي مؤلف هذا التاريخ رحمه الله.
أحمد بن عبد ذي العرش الربعي المصيصي:
روى عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، كتب عنه بعض أهل العلم.
من اسم أبيه عبد الرحمن من الأحمدين
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد:
ابن محمد بن عيسى بن طلحة بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو بكر العلوي المروزي الواعظ البكري، منسوب إلى تلميذه أبي بكر محمد بن منصور السمعاني حدث عن أبي منصور محمد بن علي بن محمود الكراعي، وأبي بكر محمد بن منصور بن محمد السمعاني، وأبي ابراهيم اسماعيل بن عبد الوهاب الناقدي، وأبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن علي البخاري الهروي.
روى عنه الحافظان أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، وأبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني، وكان قد أقام بدمشق مدة، وأخرج منه فمضى إلى بلد الروم واجتاز في طريقه بحلب، وكان له قبول في الوعظ.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي - قراءة عليه وأنا أسمع بحلب - قال: أخبرنا أبو سعد بن أبي منصور المروزي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن البكري بالري قال: أخبرنا أبو ابراهيم اسماعيل ابن عبد الوهاب الناقدي بمرو قال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار.
قال أبو سعد: وأخبرناه عاليا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلال بأصبهان قال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن أحمد العيار الصوفي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن يحيى الأنصاري قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا ابن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا رواه البخاري في صحيحه عن علي بن الجعد.
أخبرنا تاج الأمناء أبو المفضل أحمد بن محمد بن الحسن - اذنا - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قال: أحمد بن عبد الرحمن ابن أحمد، أبو بكر العلوي الزيدي المروزي الشافعي الواعظ، قدم دمشق وأملى بها الحديث، وعقد بها مجالس الوعظ، وروى عن أبي منصور محمد بن علي ابن محمود نافلة الكراعي، وأبي القاسم عبد الصمد بن محمد بن علي البخاري الهروي، وأبي ابراهيم اسماعيل بن عبد الوهاب الناقدي الخراجي، وأبي بكر محمد بن منصور بن محمد السمعاني المراوزة، وارتبت ببعض سماعه، فكتبت إلى أبي سعد بن السمعاني فكتب إلي أنه وجد سماعه على أصول الكراعي والناقدي.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: أحمد بن عبد الرحمن الأشرف البكري، أبو بكر، ولد بنواحي أبيورد، وتفقه بمرو وخالط الفقهاء، وكتب الحديث الكثير، وقرأه، وكان ينتسب في التتلمذ إلى والدي رحمه الله، وخرج إلى ما وراء النهر. ودخل فرغانة، وأقام بأوش مدة مديدة، ونفق سوقه عندهم في الوعظ والتذكير، ثم رجع إلى مرو، وخرج منها إلى البلاد، ولقي القبول التام فيها من العوام، وكان يكذب في كلام المحاورة كذبا فاحشا، ثم ولد له ولد علمه التذكير وحفظ المجالس، وخرج إلى مازندران، ومنها إلى العراق وورد بغداد، وسمعت أنه خرج إلى الشام، ووعظ هو وابنه بدمشق، وحصل لهما مبلغ من المال، وانصرف إلى بغداد.
وكان سمع بمرو والدي الإمام رحمه الله، وأبا ابراهيم اسماعيل بن عبد الوهاب الناقدي، وأبا منصور محمد بن علي بن محمد الكراعي وغيرهم، لقيته بمرو وظني أني سمعت بقراءته على أبي طاهر السبخي شيئا، ثم لقيته بالري منصرفي من العراق وهو متوجه إليه، وكتبت عنه حديثاً واحداً لا غيره.
قال السمعاني: ورأيت في كتاب القند في معرفة علماء سمرقند لأبي حفص عمر بن محمد بن أحمد النسفي نسب أخي أبي بكر هذا، ولا أشك أن النسفي كتبه من قول أخيه، ولا يعتمد على قوله، وذكرت النسب هاهنا، وما ذكره عمر في حقهما.
قال: ذكر السيد العالم محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عيسى بن طلحة بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب المروزي، قال دخل سمرقند مع أخيه السيد العالم أحمد بن عبد الرحمن، وجلس أخوه للعامة مجالس، وذلك سنة تسع عشرة وخمسمائة، وروى حديثا عن محمد بن عبد الرحمن، أخي صاحب الترجمة، عن أبي نصر هبة الله بن عبد الجبار السجزي.
أنبأنا أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا علي بن الحسن الحافظ قال: أخرج أبو بكر العلوي من دمشق في ذي الحجة سنة سبع وأربعين وخمسمائة وسار إلى ناحية ديار الملك مسعود بن سليمان، وانقطع خبره عنا بعد ذلك، وكان غير مرضي الطريقة.
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله:
أبو العباس المقدسي الصوفي، قيم المسجد الأقصى، كان رجلا صالحا ورعا فاضلا، حسن السمت، من أهل الحديث والتصوف، سمع الحديث الكثير بدمشق من شيوخنا أبي اليمن الكندي، وأبي القاسم بن الحرستاني وغيرهما، وبحماه من أبي البركات بن قرناص، وببيت المقدس من أبي منصور عبد الرحمن بن محمد وكان يلازم السماع بقراءتي في المسجد الأقصى من الشيخ أبي علي الأوقي، وأقام بالبيت المقدس قيما بالمسجد الأقصى إلى أن خربت أسوار البيت المقدس، وشعثت دوره خوفاً من استيلاء الفرنج عليه، فانتقل إلى حلب وسكنها ونزل بخانكاه سنقرجا بالقرب من القلعة، كتب عنه بعض طلبة الحديث شيئا منه، وتوفي بحلب يوم الجمعة سلخ جمادي الأولى من سنة تسع وثلاثين وستمائة، وصلي عليه بالمسجد الجامع، ودفن بمقابر مقام ابراهيم عليه السلام خارج باب العراق، تجاه المشهد المعروف بالمقام من غربيه وشماليه، وحضرت دفنه والصلاة عليه رحمه الله.
أحمد بن عبد الرحمن بن علي:
ابن عبد الملك بن بدر بن الهيثم بن خلف بن خالد بن راشد بن الضحاك بن النعمان بن محرق بن النعمان بن المنذر اللخمي القاضي، أبو عصمة بن الوزير أبي الهيثم أبي حصين، وقيل بدر بن الهيثم بن خليفة بن راشد بن خالد بن الضحاك ابن قابوس بن أبي قابوس النعمان بن المنذر، أصله من الكوفة، ثم سكن سلفه الرقة، وإليها ينسب جده القاضي أبو حصين قاضي حلب لسيف الدولة أبي الحسن بن حمدان، ووزر والده أبو الهيثم عبد الرحمن لسعد الدولة أبي المعالي شريف بن سيف الدولة، وانتقل أبو عصمة هذا إلى طرابلس، وأظنه ولي بها القضاء، وهم من بيت القضاء والعلم، وبدر ولي قضاء الكوفة، ولأبي عصمة عم يقال له عبد الحميد بن علي ولي قضاء جبيل، وسيأتي ذكره وذكر أبي الهيثم، وذكر أبي حصين في مواضعهم من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
وأظن أبا عصمة ولد بحلب، والله أعلم، حكى بطرابلس انشادا عن قاضي القضاة أبي محمد بن معروف، رواه عنه الحافظ أبو عبد الله الصوري.

أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قال: أنشدنا أبو الفضل موسى بن علي المؤذن ببغداد قال: أنشدنا محمد بن عبد السلام بن أحمد الأنصاري قال أنشدنا محمد بن علي بن محمد الحافظ الصوري.
وأنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسين قال: أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: حدثني محمد بن علي الصوري قال: أنشدني القاضي أبو عصمة أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك بن بدر بن الهيثم اللخمي بطرابلس قال: أنشدنا قاضي القضاة أبو محمد عبد الله بن أحمد بن معروف لنفسه ببغداد مضمنا للبيت الآخر.
أشتاقكم اشتياق الأرض وابلها ... والأم واحدها والغائب الوطنا
أبيت أطلب أسباب السلو فما ... ظفرت إلاّ ببيت شفني وعنا
أستودع الله قوما ما ذكرتهم ... إلاّ تحدر من عيني ما خزنا
قال أبو بكر الخطيب: وأنشدني الصوري الأبيات التي ضمن ابن معروف منها شعره البيت الآخر قال:
يا صاحبي سلا الأطلال والدمنا ... متى يعود إلى عسفان من ظعنا
إن الليالي التي كنا نسربها ... أبدى تذكرها في مهجتي حزنا
أستودع الله قوما ما ذكرتهم ... إلا تحدر من عيني ما خزنا
كان الزمان بنا غرا فما برحت ... أيدي الحوادث حتى فطنته بنا
أحمد عبد الرحمن بن قابوس بن محمد بن خلف بن قابوس:
أبو النمر الأطرابلسي الأديب اللغوي، وقيل في جد أبيه محمد بن قابوس بن خلف.
كان بحلب في سنة سبعين وثلاثمائة، وقرأ بها على أبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه النحوي كتاب الجمهرة لأبي بكر بن دريد، وغيرها، وشاهدت على أصل أبي عبد الله بن خالويه قراءته عليه بخطه، وروى عنه وعن أبي الحسن علي ابن محمد بن عمران الناقد البغدادي، والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي، وأبي بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرىء البغدادي، وأبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم الفقيه الحلبي البحري وأبي العلاء أحمد بن عبيد الله بن شقير النحوي اللغوي، وأبي نصر محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري المعروف بالبنص.
روى عنه الحافظان أبو عبد الله محمد بن علي الصوري، وأبو سعد اسماعيل ابن علي السمان، والحافظ أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري، وأبو علي الحسن بن علي الأهوازي المقرىء.
أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن - فيما أذن لنا في روايته، وقرأت عليه اسناده - قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد قال: أخبرنا جدي أبو محمد قال: حدثنا الحسن ابن علي الأهوازي قال: حدثنا أبو النمر الأديب قال: حدثنا القاضي يوسف بن القاسم الميانجي قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمذاني قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته.
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي قال: أخبرنا أبو الفضل موسى بن علي الخياط - بقراءتي عليه - قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الساحلي الحافظ قال: قرأت على أبي النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس بن محمد قابوس بن خلف الأديب بطرابلس قلت: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن خالويه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد عن الرياشي عن الأصمعي عن منتجع بن نبهان الصيداوي قال: أخبرني رجل من بني الصيداء من أهل الصريم قال: كنت أهوى جارية من باهلة وكان أهلها قد أخافوني، وأخذوا علي المسالك فخرجت ذات يوم فإذا حمامات يسجعن على أفنان أيكات متناوحات في سرارة واد، فاستنفرني الشوق فركبت وأنا أقول:
دعت فوق أغصان من الأيك موهنا ... مطوقة ورقاء في إثر آلف

فهاجت عقابيل الهوى إذ ترنمت ... وشيب ضرام الشوق بين الشراسف
بكت بجفون دمعها غير ذارق ... وأغرت جفوني بالدموع الذوارف
لكني سرت فآواني الليل إلى حي، فخفت أن يكون من قومها، فبت القفر فلما هدأت الرجل، ورنقت في عيني سنة، وإذا قائل يقول:
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
فتفاءلت بها والله، ثم غلبتني عيناني فإذا آخر يقول:
لن يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار
فقمت وعبرت، وركبت متنكبا عن الطريق، فإذا راع مع الشروق وقد سرح غنما له وهو يتمثل:
كفى بالليالي المخلقات لجدة ... وبالموت قطاعا حبال القرائن
فأظلمت والله علي الأرض، فتأملته فعرفته، قلت: فلان؟ قال فلان، قلت ما وراءك؟ قال: ماتت والله رملة، فما تمالكت أن سقطت عن بعيري، فما أيقظني إلا حر الشمس، فقمت وقد عقل الغلام ناقتي ومضى، فركبت إلى أهلي بأخيب ما آب به راكب، وقلت:
يا راعي الضّان قد أبقيت لي كمداً ... يبقى ويتلفني يا راعي الضّان
نعيت نفسي إلى جسمي فكيف إذاً ... أبقى ونفسي في أثناء أكفان
لو كنت تعلم ما أسأرت في كبدي ... بكيت مما تراه اليوم أبكاني
أخبرنا أبو هاشم الحلبي قال: أخبرنا عبد الكريم بن أبي المظفر - اجازة ان لم يكن سماعا - قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن مهدي بن نصر بن مهدي الحسيني بالري قال: أخبرنا طاهر بن الحسين السمان قال: حدثنا اسماعيل بن علي الحافظ قال: قرأت على أبي النمر الأديب الطرابلسي قلت له: أنشدكم ابن خالويه قال: أنشدني أبو الحسن الوراق الشاعر لسعيد بن المسيب:
إنظر لنفسك حين ترضى ... وانظر لنفسك حين تغضب
فالمشكلات كثيرة ... والوقوف عند الشك أصوب
أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسن تاج الأمناء قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس بن محمد بن خلف بن قابوس، أبو النمر الأطرابلسي الأديب، حدث بصور سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وبأطرابلس عن أبي الحسن علي بن محمد بن عمران النافد البغدادي وأبي بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرىء البغدادي، وأبي عبد الله بن خالويه، وأبي نصر محمد بن محمد بن عمرو النيسابوري، وأبي محمد الحسن بن أحمد بن ابراهيم البحري، ويوسف بن القاسم الميانجي.
روى عنه أبو عبد الله الصوري، وأبو علي الأهوازي.
أنبأنا أبو البركات بن محمد قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: وجدت بخط أبي الفرج غيث بن علي الصوري: قرأت بخط أبي طاهر الصوري في ذكر من أدركه بطرابلس من الشيوخ: أبو النمر أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس، عاصر ابن خالويه، وكان يدرس العربية واللغة، وتوفي بها وخلف ولدا شخص إلى العراق، وتقدم هناك.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الجارود بن هرون:
أبو بكر الحافظ الرقي، دخل أنطاكية، وسمع بها الحافظ أبا عمرو عثمان ابن عبد الله بن خرزاد، وأبا محمد عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكيين، واجتاز بحلب في طريقه إليها.
وذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن في تاريخه بما أنبأنا به تاج الأمناء أحمد بن محمد قال: أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن الجارود بن هرون، أبو بكر الرقي الحافظ نزيل عسكر مكرم.
ذكر أنه سمع بدمشق هشام بن عمار، وأبا زرعة النصري، ومحمد بن عوف بحمص، وحدث عنهم وعن أبيه عبد الرحمن بن الجارود، وعلي بن حرب، وأحمد ابن حرب، وهلال بن العلاء، وأحمد بن شيبان الرملي، وعثمان بن خرزاد وعبد الله بن نصر الأنطاكيين، ويونس بن عبد الأعلى، والمزني، والربيع بن سليمان ويزيد بن سنان البصري، والحسن بن عرفة، والحسن بن محمد بن الصباح، وشعيب بن أيوب الصريفيني، وعيسى بن أحمد البلخي، ومحمد بن عبيد بن عتبة الكوفي، وأحمد بن منصور الرمادي، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وأبي زرعة، وأبي حاتم الرازيين.

روى عنه القاضي أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد البسطامي نزيل نيسابور، وأبو الحسن علي بن الحسن بن بندار بن المثنى الاستراباذي، وأبو اسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبراني المقرىء الشاهد، وأبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، وأبو علي منصور بن عبد الله بن خالد بن أحمد بن خالد الذهلي الخالدي، وأبو علي الحسن بن أحمد بن الليث الحافظ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الأعلى الأندلسي الورسي.
أخبرنا أبو البركات بن محمد - إذنا - قال: أخبرنا علي بن أبي محمد قال: أخبرنا أبو سعد عبد الله بن أسعد بن أحمد بن محمد بن حيان النسوي الطبيب، وأبو بكر عبد الجبار بن محمد بن أبي صالح النيسابوري الصوفيان قالا: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن محمد الصرام قال: أخبرنا القاضي الإمام أبو عمر محمد بن الحسين بن محمد البسطامي قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود بن هرون الرقي قال: أخبرنا محمد بن عبد الملك الدقيقي وعثمان بن خرزاد الأنطاكي، وعباس الدوري قالوا: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: " يا بن آدم أنا بُدّك اللازم فاعمل لبدك، كل الناس لهم بُدّ وليس لك مني بد " .
قال علي بن أبي محمد: رواه أبو بكر الخطيب عن الحسن بن محمد الخلال عن القاضي أبي عمر البسطامي، فأخبرنا أبو القاسم علي بن ابراهيم، وأبو الحسن علي بن أحمد بن منصور، وأبو منصور ابن خيرون قالوا: قال لنا أبو بكر الخطيب هذا الحديث موضوع المتن مركب على هذا الاسناد وكل رجاله مشهورون معروفون بالصدق إلا ابن الجارود فإنه كذاب، ولم نكتبه إلا من حديثه.
وقال أبو بكر في موضع آخر بهذا الاسناد: وقد رواه - يعني حديث بقية عن مالك عن الزهري عن أنس، انتظار الفرج - شيخ كذاب: كان بعسكر مكرم عن عيسى بن أحمد العسقلاني عن بقية، وأفحش في الجرأة على ذلك لأنه معروف أن الحيائري تفرد به، والله أعلم.
ذكر الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي، يضع الحديث ويركبه على الأسانيد المعروفة.
أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن ماكا:
أبو بكر المقرىء، مقرىء مذكور، قدم أنطاكية سنة أربعين وثلاثمائة وأقرأ بها القرآن العزيز.
أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا علي بن أبي محمد ابن هبة الله قال: قرأت بخط الحسين علي بن محمد بن ابراهيم الحنائي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن اسحق بن ابراهيم الأنطاكي المعروف بابن العريف قال: قدم علينا أنطاكية سنة أربعين وثلاثمائة أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد ابن ماكا فقيل له: ان ابراهيم بن عبد الرزاق يذكر أنه قرأ على قنبل، فلم يحفل بهذا القول إلى أن ورد في بعض الأيام رجل من أهل خراسان شيخ كبير عليه ثياب صوف، فجلس بين يدي الشيخ ابن ماكا، وقال: أريد أقرأ، فقرأ عليه عشرين آية وقال: حسبي آجرك الله، فقال له: أيش في كمك؟.
قال: قراءات، قال له: وعلى من قرأت؟ قال: قرأت على قنبل أنا ورجل من أهل أنطاكية يقال له ابراهيم بن عبد الرزاق الخياط، فقال الشيخ ابن ماكا: قوموا بنا إلى الشيخ، فجاء إلى ابن عبد الرزاق، فقال: يا شيخ اجعلني في حل، فجعله، وعرف ابن عبد الرزاق الرجل، فقال له: أيش لي معك، فأخرج خط قنبل بقراءة ابن عبد الرزاق عليه.
أحمد بن عبد الرحمن بن المبارك:
وقيل ابن عبد الرحمن بن علي بن المبارك بن الحسن بن نفاذة، أبو الفضل السلمي الدمشقي، شاعر مجيد فاضل أديب، يلقب نشء الدولة، وبدر الدين، وكان يكتب للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وصحبه حضراً وسفراً، وقدم معه حلب حين افتتحها.
أنشدنا عنه شيئاً من شعره أبو محمد مكي بن المسلم بن علان الدمشقي، وأبو المحامد اسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي، قال لي أبو المحامد: كان لا يبارى في فضله، ولا يجارى في معرفته ونبله، وجمعه بن رئاسة نفسه وطيب أصله، وورث عنه حسن الكتابة وحلية الفضل لذريته ونسله.
قال: ومولده بدمشق في شهور سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
وقال لي السديد أبو محمد مكي بن المسلم: إن أبا الفضل بن نفاذة دخل حلب مرارا، ومدح بها الملك الظاهر غازي رحمه الله.

أنشدنا سديد الدين أبو محمد مكي بن المسلم قال: أنشدنا الأمير نشو الدولة أبو الفضل أحمد بن عبد الرحمن بن المبارك بن الحسن بن نفاذة السلمي الدمشقي لنفسه:
سفرت عن جبينها الوضّاح ... فأرتنا في الليل ضوء الصّباح
قلت لما زارت على غير وعدٍ ... تتهادى كالغصن تحت الرياح:
مرحباً بالتي أبادت همومي ... وغمومي وأبدأت أفراحي
أيها اللائمي على حبها ... أقصر فما أنت فيه من نصّاحي
مقلة الظبي سالف الريم قد ال ... غصن خدّ الشقيق ثغر الأقاحي
أنشدني شهاب الدين أبو المحامد اسماعيل بن حامد القوصي: أنشدني الشيخ الرئيس الأديب الفاضل البارع نشء الدولة بدر الدين أبو الفضل أحمد بن عبد الرحمن بن علي بن المبارك بن الحسن بن نفاذة السلمي متغزلا على حرف الهمزة.
يا ساكناً في مهجتي تتبوّأ ... لم لا ترقّ لأدمعٍ لا ترقأ
لي منك جفن لا يجف وثقل ه ... مٍ لا يخف ومضجع لا يهدأ
هل ما تمزق من فؤادي بالجفا ... يا هاجري بيدي وصالك يرفأ
ومدللٍ أنا في هواه مذلّلٌ ... منه ومني مالك وموطأ
ثمل المعاطف قده متأودٌ ... بالغصن يزري إذ يهزّ ويهزأ
بلحاظه قلبي جريح مثخن ... فالوصل يأسو والتجني ينكأ
سبحان خالقه ومبدع حسنه ... واللّه يخلق ما يشاء ويذرأ
كالليل شعراً غاسقاً والصبح وج ... هاً شارقاً أنواره تتلألأ
في ثغره حانية عانية ... تسبى العقول بها وليست تسبأ
سفك الدماء وطرفه سيافه ... وبه على أجرائها يتجرأ
متمرض الأجفان قلبي مذ جفا ... متمرض وكلاهما لا يبرأ
صبري لدائرة الصبابة نقطة ... تسمى وليس ترى ولا تتجزأ
يحظى به غيري وأحرم وده ... وسواي يروى بالوصال وأظمأ
قال لنا أبو المحامد القوصي: وأنشدني لنفسه متغزلاً على حرف الذال المعجمة:
رسل اللحاظ إلى الخواطر تنفذ ... وسهامها في كل قلب تنفذ
ومن العجائب وهي تصمي مهجتي ... أني بوقع سهامها أتلذذ
إن السهام لتخطىء المرمى سوى ... سهم بأهداب الجفون مقذذ
وبمهجتي صاح يعربد لحظه ... تيهاً عليّ فطرفه متنبذ
رشأٌيصيد بحسنه مهج الورىوعلى العقول بسحره يستحوذ
تحوي القلوب بخفة وصناعة ... أجفانه فاللحظ منه مشعبذ
سحر به فتن الأنام فحق ... هاروت الإمام لجفنه يتتلمذ
مقبول شخص بالعيون مقبّلٍ ... ميهوب حسن بالأماني يجبذ
ميعاده مثل السراب ووصله ... بالقول لا بالفعل فهو مطرمذ
من طبع أهل الشام قاس قلبه ... لكنه في دلّه يتبغدذ
يا نظرة قد أعقبتني حسرة ... طرفي جنا فعلام قلبي يؤخذ
وجدي به طول الزمان مجدد ... والقلب منه بالصدود مجذذ
والحزن مردٍ في هواه مرددٌ ... والخد من مطر الدموع مرذذ
وأنشدنا أبو المحامد القوصي قال: وأنشدني رحمه الله لنفسه متغزلاً على حرف الزاي:
أعانوا على القلب الجريح وأجهزوا ... وسفك دمي ظلماً أباحوا وجوزوا
هم رحلوا صبري غداة رحيلهم ... وسرى بوجدي أبرزوا يوم برزوا
وكنت كنزت الدمع ذخراً لبينهم ... فأنفقت يوم البين ما كنت أكنز
يعز وقد بانوا علي فراقهم ... ويعزب صبري والتجلد يعوز
وكانوا حياتي فارقوني ففارقت ... فها أنا حي في ثياب مجنز
وبي حب من لا الود يطلب عنده ... ولا الوصل مرجو ولا الوعد منجز
لدائرة الأبصار من حول وجهه ... إذا ما بدا من نقطة الخال مركز
له غصن قدّ بالملاحة مزهر ... وديباج خدٍ بالعذار مطرز

هو الرمح قدّاً واعتدالاً ولحظه ... سنان به ما زال قلبي يوخز
حكى ألف الخط اعتدال قوامه ... ولكنه من عطفه الصدغ يهمز
لقد صاد قلبي حبه بيد الهوى ... ولم يجد فيه أنني متحرز
أخبرني أبو المحامد القوصي أن أبا الفضل بن نفاذة توفي بدمشق في شهور سنة إحدى وستمائة تاسع المحرم منها.
أحمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد اللخمي:
أبو العباس بن أبي علي بن أبي المجد البيساني المصري المعروف بالقاضي الأشرف بن القاضي الفاضل، أصل سلفه من بيسان، وانتقلوا إلى عسقلان، وولي جده قضاءها، وولد أبوه بها، ثم انتقل عنها إلى مصر حين غلب عليها الفرنج، فنشأ بمصر على ما نذكره في ترجمته إن شاء الله، وولد له هذا الولد أبو العباس بمصر في المحرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، أخبرني بمولده جمال الدين محمد بن علي الصابوني، وكان رجلا حسنا فاضلا، شريف النفس، وقورا مشتغلا بما يعنيه.
سمع الحديث الكثير في كبره بدمشق وبغداد وحلب، وغيرها من البلاد، وكان سمع الحافظ أبا محمد القاسم بن أبي القاسم الحافظ الدمشقي، وفاطمة بنت سعد الخير وغيرهما، وقدم علينا حلب رسولا إلى بغداد فسمع بها من جماعة منهم: أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله وغيره، وكان قد سمع إنشاد السعيد ابن سناء الملك، وأجازت له بحنى الوهبانية وطبقتها، وكان ينظم الشعر، ولم يزل يطلب ويسمع الحديث حتى علت سنه.
ووقف على أهل الحديث كتباً حسنة بالمقصورتين المعروفتين به وبوالده بالكلاسة من جامع دمشق.
وكان أخبرني عنه جماعة من المحدثين أنه يمتنع من الرواية والتحديث، ثم إنني اشتريت أجزاء من مسموعاته، فوجدته قد حدث بمدرسه أبيه بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين وستمائة بشىء من حديثه، وسمع منه جماعة من طلبة الحديث منهم صاحبنا - بالديار المصرية - أبو الحسن علي بن عبد الوهاب بن وردان، وروى لنا عنه شيئا من شعره أبو الفضل عباس بن بزوان الإربلي، وأبو عبد الله بن الصابوني، وكنت اجتمعت به في سنة ست وعشرين وستمائة بدمشق، وفي سنة.... وثلاثين بمصر، ولم يتفق لي سماع شيء منه.
أنشدني أبو الفضل عباس بن بزوان قال: أنشدني القاضي الأشرف أحمد بن عبد الرحيم بن علي بن البيساني لنفسه، وقال: أنشدتها الوزير ببغداد ارتجالا حين أرسلت إلى بغداد
يا أيها المولى الوزير ومن له ... نعم حللن من الزمان وثاقي
من شاكرٌ عني بذاك فإنني ... من عظم ما أوليت ضاق نطاقي
مننٌ تحفّ على يديك وإنما ... ثقلت مؤونتها على الأعناق
أنشدنا جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الصابوني قال: أنشدني القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل لنفسه بالقاهرة.
الحمد للّه وشكراً له ... كم نعمة ألبسني فاخره
أعطاني الدنيا بأفضاله ... وأنظر لما خول في الآخرة
أنشدني جمال الدين ابن الصابوني قال: أنشدني القاضي الأشرف بن الفاضل قال: أنشدني هبة الله بن جعفر بن سناء الملك لنفسه:
لعلوي جربت لا لانحطاطي ... جربي رفعةٌ وما هوداء
جربت قبلي السماء وناهي ... ك علوّاً أن أشبهتني السماء
ولقد أجمع الرواة وما في ... ذاك خلفٌ أن اسمها الجرباء
سمعت أبا الفضل عباس بن بزوان رفيقنا رحمه الله يقول: مات القاضي الأشرف أبو العباس أحمد بن القاضي الفاضل بالقاهرة في ليلة الاثنين سابع جمادي الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن في يوم الاثنين بعد صلاة العصر بسارية إلى جنب والده رحمهما الله.
أحمد بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب:
أبو الفوارس البالسي القاضي ببالس، حدث بها، روى عنه القاضي أبو البركات محمد بن علي بن محمد بن محمد الأنصاري قاضي سيوط
أحمد بن عبد السيد بن شعبان بن محمد بن بزوان بن جابر بن قحطان:

أبو العباس الهذباني الكردي المعروف بصلاح الدين الإربلي، كان صائغاً بإربل، واشتغل بالأدب، واتصل بخدمة الملك المغيث بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب حين كان بإربل، وكان يغني له، وخدمه وصار حاجباً له، ووصل معه إلى مصر، فلما توفي اتصل بالملك الكامل فنفق عليه وتقدم عنده، وصار عنده أميراً كبيراً، وحبسه مدة، ثم أطلقه، وعظم عنده، وكان أميراً فاضلا شاعراً، حسن الأخلاق، قدم حلب في اجتيازه إلى مصر، ثم قدم منبج صحبة الملك الكامل أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب، حين وردها قاصداً بلد الروم بعساكره.
روى لنا عنه شيئاً من شعره القاضي محي الدين محمد بن جعفر بن قاضي إربل، والفقيه شهاب الدين أبو المحامد اسماعيل بن حامد القوصي، وأبو الربيع سليمان بن بنيمان الإربلي.
وأخبرني أبو المحامد القوصي أن مولد الأمير صلاح الدين بإربل في شهور سنة أربع وستين وخمسمائة على ما ذكر.
أنشدنا القاضي محي الدين بن جعفر بن محمد بن محمود الإربلي قال: أنشدني صلاح الدين أحمد بن عبد السيد بن شعبان الإربلي لنفسه بالجسور ظاهر مدينة دمشق:
تعدّى إلى الخيل الغرام كأنما ... بطيب زمان الوصل يخبرها عنا
نجاذبها رفقاً بها وتمدّنا ... إليكم من الشوق الذي اكتسب منا
أنشدني شهاب الدين أبو المحامد القوصي قال: أنشدني الأمير الأجل الفاضل صلاح الدين أبو العباس أحمد بن عبد السيد بن شعبان الهذباني رحمه الله بدمشق سنة ست وعشرين وستمائة لنفسه في الفراق:
والله لولا أماني القلب تخبرني ... بأنّ من بان يدنو مسرعاً عجلا
قتلت نفسي يوم البين من أسف ... وكان حقاً بأن أستعجل الأجلا
وأنشدنا قال: وأنشدني أيضاً لنفسه وكتب بها إلى صديق له:
لم ترحلوا عني لأن محلكم ... قلبٌ بكم ما إن يزال متيما
والبين إن نقض الخيام من الثرى ... فالوجد أودعها الفؤاد وخيمّا
قال: وأنشني لنفسه في المعنى، وكتب بها إلى صديق له:
على بقعة عنها ترحّلت وحشةٌ ... كأنس مكان أنت فيه مخيمّ
وحسبي عذاباً أنني عنك نازحٌ ... وغيري قريبٌ بالوصال منعم
أنشدني أبو الربيع سليمان بن بنيمان الإربلي قال: أنشدني صلاح الدين الإربلي أحمد بن عبد السيد لنفسه:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض عني فهي نائبتي
وهذه نوبة الأشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بهاشفتى
وأنشدني سليمان بن بنيمان قال: أنشدني صلاح الدين لنفسه:
ما إلى ترك هواكم لي سبيل ... كيف شئتم فاعدلوا عني وميلوا
آه ما قولى لكم آهاً على ... زمن يفنى وأوقات تحول
إنما أبكي على يتم الهوى ... بعد موتي من له حيٌ حمول
أنشدنا أبو المحامد القوصي قال: أنشدني صلاح الدين الإربلي لنفسه، وذكر أنه أوصى بأن يكتب البيتان على قبره رحمه الله.
يا رب عبدك جاء رهن ذنوبه ... مترجياً من عفوكم للجود
فشماله في شعر شيبة وجهه ... ويمينه في عروة التوحيد
قال القوصي: وهذا الأمير صلاح الدين الإربلي رحمه الله كان فاضلا مجيد لشعره ودوبيتاته، مفيداً في محاضراته ومذاكراته، وصحب الملك المغيث مدة طويلة، وكانت صحبته له بإربل ودمشق صحبة جميلة؛ ثم خدم الدولة الملكية الكاملية فحصل له فيها المال الوافر والجاه الحسن، وكفر دهره في آخر وقته بحسنات المنح ما جناه عليه من سيئات المحن، وتوفي في الشرق في العسكر الكاملي في شهور سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ودفن بالرها، ثم نقل إلى قرافة مصر.
وقال لي ابن بنيمان: إنه توفي بالرها في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وكان قد مرض بالسويداء فنقل في محفة، فمات بالرها ودفن بها.

أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في ذكر من مات في سنة إحدى وثلاثين وستمائة في كتاب التكملة لوفيات النقلة: وفي العشرين من ذي الحجة توفي الأمير الأجل أبو العباس أحمد بن عبد السيد بن شعبان بن محمد بن جابر بن قحطان الإربلي المولد والمنشأ، المصري الدار، المنعوت بالصلاح، بمدينة الرها، ودفن من يومه بالمقبرة المعروفة بمقبرة باب حران، وكنت إذ ذاك بها، ثم نقل من هناك إلى مصر.
حدث بشيء من شعره، سمعت منه شيئاَ منه ببعض بلاد حمص، ومولده في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بإربل؛ ذكر أنه رآه بخط والده عبد السيد بن شعبان، وكان اتصل بخدمة مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل مدة، ثم توجه إلى الشام، ثم اتصل بخدمة الملك الكامل، وتقدم وترسل عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه توفيقي ذكر من اسم أبيه عبد العزيز من الأحمدين
أحمد بن عبد العزيز بن أيوب بن زيد:
أبو عبد الله العرقي، من أهل عرقة، وولد بالموصل، ففي نقلته من الموصل إلى عرقة إجتاز بجلب أو ببعض عملها.
أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن الشيرازي - إذنا - قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي قال: أحمد بن عبد العزيز بن أيوب بن زيد أبو عبد الله العرقي الأطروش المعروف بالعجيل، ولد بالموصل وحدث بعرقة عن يحيى بن عثمان الحمصي.
روى عنه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن زوزان الأنطاكي.
أحمد بن عبد العزيز بن داود بن مهران الراذاني الحراني:
رحل إلى مصر وسمع بها الحديث، ثم عاد إلى بلده حران، ففي طريقه اجتاز بحلب أو ببعض عملها.
ذكره أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي في كتابه في تاريخ الغرباء ممن قدم مصر، وقرأته بخط عبد الغني بن سعيد الحافظ قال: أحمد بن عبد العزيز داود بن مهران الراذاني من أهل حران، هو ابن أخي أبي صالح عبد الغفار بن داود الحراني، قدم مصر سنة تسع وستين، وكان قد رحل وكتب الحديث، وكان يحفظ كتباً عن ثابت بن موسى وطبقته نحو النيف وعشرين ومائتين، ورجع إلى حران سنة سبعين ومائتين، ومات في رجوعه، وكتب عنه.
أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب السلمي:
المقدسي الواعظ، أمام جامع الرافقة، أبو الطيب، قدم حلب مجتازا، وسمع بشيزر أبا السمع إبراهيم بن عبد الرحمن بن جعفر المعري التنوخي معلم بني منقذ، وبالبيت المقدس الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وبمكة أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري.
روى عنه الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي في مصنفاته، وكان شاعراً حسن الشعر.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي المعروف بابن الشيرجي بحلب، وأبو اسحق إبراهيم بن بركات بن إبراهيم المعروف بالخشوعي بقراءتي عليه بالربوة من ظاهر دمشق قالا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي قال: أخبرنا أبو الطيب أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب السلمي المقدسي الواعظ - إمام جامع الرافقة، بقراءتي عليه في المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة - قال: أخبرنا الشيخ الإمام إمام الحرمين أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري الفقيه بمكة حرسها الله في المسجد الحرام سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
قال الحافظ أبو القاسم: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضيل الفراوي وأبو محمد اسماعيل بن أبي بكر القارىء بنيسابور قالوا: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي بنيسابور قال: أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد الفارسي قال: حدثنا أبو سليمان داود بن الحسين بن عقيل البيهقي بخسروجرد قال: حدثنا يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن التميمي قال: أخبرنا هشيم عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين.
أنبأنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: أنشدنا عمي الحافظ أبو القاسم قال: أنشدني أبو الطيب لنفسه:
من لصب نازح الدار ... نهب أشواق وأفكار
مستهام القلب محترق ... بهوى أذكى من النار
فنيت بالبعد أدمعة ... فهو يبكي بالدم الجاري

قائلا جار الزمان على ... مهجتي في فرقة الجار
فإلى من أشتكي زمنا ... غالني في حكمه الجاري
بيد قذافة سلبت ... كل أغراضي وأوقاري
صرت أرضى بعد رؤيتكم ... بخيال أو بأخبار
كتب إلينا الحسن بن محمد الدمشقي أن علي بن الحسن الشافعي أنشدهم قال: وأنشدني يعني أبا الطيب المقدسي لنفسه معاتبة:
يا واقعاً بين الفرات ودجلة ... عطشان يطلب شربة من ماء
إن البلاد كثيرة أنهارها ... وسحابها فغزيرة الأنواء
ما اختلت الدنيا ولا عدم الندا ... فيها ولا ضاقت على العلماء
أرض بأرض والذي خلق الورى ... قد قسم الأرزاق في الأحياء
قال الحافظ: وأنشدني أيضاً لنفسه:
يا ناظري ناظري وقف على السهر ... ويا فؤادي فؤادي مسكن الضرر
ويا حياتي حياتي غير طيبة ... وهل تطيب بفقد السمع والبصر
ويا سروري سروري قد ذهبت به ... وإن تبقى قليل فهو في ثر
فالعين بعدك يا عيني مدامعها ... تسقي مغانيك وما يغني عن المطر
والقلب بعدك يا قلبي تقلبه ... في النار أيدي الأسى من شدة الفكر
كم يبك قلبي على ما نابه أحد ... في الناس كلهم إلا أبو البشر
لو أن أيوب لاقى بعض ما لقيت ... نفسي لبادر يشكو غير مصطبر
وما مصيبه اسرائيل فادحه ... لأنه كان يرجو فرحة الظفر
أخبرنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني - إجازة إن لم يكن سماعاً - قال: أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب السلمي، أبو الطيب المقدسي، إمام جامع الرافقة - وهي بلدة على شط الفرات تعرف بالرقة الساعة، والرقة كانت يجنبها فخربت - كان واعظا ورد بغداد حاجاً، وسمع بمكة أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري، سمع منه رفيقنا أبو القاسم الدمشقي وغيره.
أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن هبة الله بن محمد بن مميل الشيرازي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي قال: أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن حبيب أبو الطيب المقدسي الفقيه الواعظ إمام جامع الرافقة، سمع أبا عبد الله الحسين بن علي الطبري بمكة، وذكر لي أنه سمع الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، ودخل المغرب مع أبيه، وسمع من جماعة من الشيوخ، ولم يكن عنده عنهم شيء.
وكان له ديوان شعر حسن، سمعت منه بعضه بالرافقة، وكان قد قدم دمشق غير مرة، ورأيته في إحدى القدمات وأنا صغير ولم أسمع منه بدمشق شيئاً، وكتبت عنه بالرافقة شيئا يسيراً، وكان شيخاً مستورا معيلاً مقلاً.
وقال الحافظ أبو القاسم: فارقت أبا الطيب حيا في سنة تسع وعشرين وخمسمائة ومات بعد ذلك.
ذكر من اسم أبيه عبد الغني من الأحمدين
أحمد بن عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن خلف بن المسلم اللخمي القطرسي
أبو العباس بن أبي القاسم المغربي المصري، الملقب بالنفيس، شاعر مجيد، أصله من المغرب وهو مصري، ورد حلب وامتدح بها الملك الظاهري غازي بن يوسف رحمه الله، وكان فقيها أديبا له عناية بعلوم الأوائل، وترك الفقه، وتصرف وخدم في الديوان بقوص.
روى لنا عنه شيئاً من شعره أبو المحامد اسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن القوصي، وقال لي: كان هناك الأجل نفيس الدين، فاضلا أديباً فيلسوفاً، ولم يزل برقيق الشعر موصوفا، وبدقيق فن الحكمة معروفا.
وذكره العماد أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني في كتاب خريدة القصر بما أنبأنا به صديقنا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن عبد الجبار بن أبي الحجاج المقدسي المصري قال: أخبرنا العماد الكاتب قال: النفيس بن القطرسي شاب مصري فقيه في المدرسة المالكية بمصر، له خاطر حسن، ودراية ولسن، ويد في علوم الأوائل قوية، وروية من منابع الأدب ومشارعه روية، أنشدت له:
يسسرّ بالعيد أقوام لهم سعة ... من الثراء وأما المقترون فلا

هل سرني وثيابي فيه قوم سبا ... أوراقني وعلى رأسي به ابن جلا
عيد عداني الغني فيه إلى سفل ... لا تعرف العرف أيديهم ولا القبلا
ظللت أنحر فيهم مهجتي أسفاً ... وهم به ينحرون الشاء والابلا
تباً لها قسمة لو أنها عدلت ... لكان أرفع حظينا الذي سفلا
أنشدنا شهاب الدين أبو المحامد القوصي قال: أنشدنا الفقيه الأجل الأديب نفيس الدين أبو العباس أحمد بن عبد الغني القطرسي المصري لنفسه.
هلا عطفت على المحب المدنف ... فشفيت غلة قلبه المتلهف
يا محرقا قلبي بنار صدوده ... لو شئت كان ببرد ريقك ينطفي
أتلفتني بهواك ثم تركتني ... حيران يدأب في تلافي متلفي
أو ما علمت بأنني رهن الضنا ... متوقف لعذارك المتوقف
لا شيء أحسن من محب مغرم ... وجد السبيل إلى حبيب منصف
من لي وقد سمع الزمان بخلسة ... لولا تذكر طيبها لم تعرف
إذبت معتنق القضيب على النقا ... وظللت مغتبق السلاف القرقف
أجني جني الورد ثم يعيده ... خجل بحوري الملاحة مترف
فعجبت من ورد يعود بقطفه ... غض النبات كأنه لم يقطف
أنشدنا أبو المحامد قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنشدني أبو العباس لنفسه:
يا من تعوذه محاسنه ... من عين عاشقه إذا يشكو
فبوجهه ياسين طرته ... وعلى لماه ختامه مسك
وأنشدنا القوصي - إجازة - قال أنشدنا ابن القطرسي يرثي صديقاً له:
يا راحلا وجميل الصبر يتبعه ... هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفى لك قلبي وهو يحترق
وأنشدنا القوصي من كتابه قال: أنشدنا أبو العباس لنفسه في شجرة ياسمين:
ولما حللناها سماء زبرجد ... لها أنجم زهر من الزهر الغض
تناولها الجاني من الأرض قاعداً ... ولم أر من يجني النجوم من الأرض
وأنشدنا القوصي قراءة قال: وأنشدني ابن القطرسي لنفسه وأبدع فيهما:
أحب المعالي وأسعى لها ... وأتعب نفسي لها والجسد
لأرقع بالعز أهل الولاء ... وأخفض بالذل أهل الحسد
قال: وانشدني لنفسه:
يا صاحبي خذا لقلبي عصمة ... فلقد هفا بهوى الغزال الأهيف
وترقبا شغل الرقيب لتخبرا ... سعدى بشقوة عاشق متلهف
صنم فتنت به وتلك بليةٌ ... شنعاء من متكلم متفلسف
أنشدني رشيد الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم المنذري بالقاهرة، وكتبه لي بخطه قال: أنشدنا الشيخ الأجل أبو الحسين أحمد بن محمد بن اسماعيل الخزرجي التلمساني رحمه الله قال: أنشدنا الأديب البارع أبو العباس أحمد بن عبد الغني القطرسي لنفسه يمدح الملك الناصر ويهنيه بفتوح الشام وأنشدت بظاهر بيت المقدس في شعبان سنة ثلاث وثمانين:
فيك تتلو عليك إنا فتحنا ... فتهنأ بما ملكت تهنا
ما رأى الناس قبل دولتك ال ... غراء من نال كل ما يتمنا
أيد الله دينه بك حتى ... كنت درعا له وسيفا وحصنا
وأعز الهدى بعزك حتى ... بدل الشام خوفه بك أمنا
فرأينا الثغور مبتسمات ... لتلقّيك قائلات أمنّا
وسمعنا السيوف ينشد عنها ... ما تقضى لبانه عند لبنا
تتهادى إليك مثل الغواني ... حاليات وهنّ بالحسن أغنا
كلما رمت معقلاً ملكته ... لك يمنى لا تعدم الدهر يمنا
راقه منك خاطبٌ نقد الهن ... دي ضرباً والسّمهرية طعنا
ونثار من السهام عليها ... نظم الشمل بالوصال وهنا
ومجانيق راعت الجو حتى ... درعته أنامل الريح مزنا
فسنا البرق لوعة فيه والرع ... د أنينٌ كذاك من خاف أنّا
فهي كالشهب في البروج وإن ... كانت سماواتها من الأرض تبنا

حائرات بسطوة الملك النا ... صر جوراً به على العدل يثنا
ملكٌ عنده تنال الأماني ... إن دعونا صوب الغمام فضنّا
أنبأنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري قال في كتاب التكملة وفي الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول يعني من سنة ثلاث وستمائة توفي الشيخ الفقيه الأديب أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي القاسم عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن خلف المسلم اللخمي المالكي المعروف بالقطرسي المنعوت بالنفيس بمدينة قوص من صعيد مصر الأعلى وقد ناهز السبعين، تفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه على الفقيه أبي المنصور ظافر بن الحسين اليزدي، واشتغل بالأصوليين والمنطق وغير ذلك، وقرأ الأدب على الشيخ الموفق أبي الحجاج يوسف ابن محمد المعروف بابن الخلال كاتب الدست، وصحبه مدة، وسمع من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسين المأموني وغيره، وتصدر للإقراء، وله ديوان شعر مشهور ومدح جماعة من الملوك والوزراء وغيرهم وتقلب في الخدم الديوانية، وحدث، أنشدنا عنه جماعة من أصحابنا.
أنشدني الشيخ الحافظ رشيد الدين أبو الحسن يحيى بن علي بن عبد الله القرشي للنفيس أحمد بن عبد الغني القطرسي من قصيدة، قال: وكان فقيها فاضلا متكلما أصوليا.
بين الكثيب والنقا ... ما أربٌ لولا التقا
وفي اللثام قمرٌ ... أضلني وأشرقا
ومنها في ذكر الصعيد:
ليس صعيداً طيباً ... لكن صعيداً زلقا
أخبرنا أبو المحامد القوصي أن مولد النفيس بن القطرسي بمصر وتوفي بها في شهور سنة ثلاث وستمائة.
أحمد بن عبد الغني القشيري الحموي:
الملقب بالتاج، ابن بنت الشيخ أبي سعد النحوي الحموي الضرير، شيخنا، وكان أبوه عبد الغني من أهل المغرب، وكان ولده هذا أحمد شاعرا مجيدا فاضلا، وكان مقيما بحماه عند جده لأمه أبي سعد النحوي، وقدم إلى حلب في محاكمة شرعية.
روى لنا عنه شيئاً من شعره عفيف الدين عبد الرحمن بن عوض المعري، ووصفه لي بالذكاء وحدة الخاطر، وجودة الشعر.
قال: وكان ناظماً ناثراً فاضلاً عروضياً، نحوياً، حسن المحاضرة، رقيق الحاشية لطيف المعاشرة، وصنف كتابا في العروض، ومات ولم يبلغ ثلاثين سنة.
أنشدني عفيف الدين عبد الرحمن بن عوض قال: أنشدني تاج الدين أحمد بن عبد الغني حفيد الشيخ أبي سعد النحوي لنفسه يرثي شمس الدين محمد بن علي بن المهذب، وكان غرق بحماه في العاصي عند مسجد ابن نظيف، وكان صديقاً له، فأسف عليه، وقال فيه يرثيه:
لتبك العيون الجامدات محمداً ... فقد أبلت الأيام حسن شبابه
غريب غريق أدركته شهادة ... تخفف عن أهليه عظم مصابه
كريم أسال البحر من سيب كفه ... فلذ له أن مات تحت عبابه
وأنشدني عبد الرحمن بن عوض المعري قال: كتب إلي أحمد بن عبد الغني لنفسه، ثم أنشدنيها بعد ذلك:
ما بين خيف منى إلى الجمرات ... فمواقف الحجاج من عرفات
ظبيات أنسٍ يقتنصن الأسد بال ... ألحاظ أفديهن من ظبيات
عارضننا بالمآزمين سوافراً ... عن أوجهٍ بالورد منتقبات
ونحرننا عوض الأضاحي فاغتدت ... أبداننا تجزى عن البدنات
منها:
أمعرة النعمان بعدك مل من ... جسمي الضنا وسئمت طيب حياتي
أترى يساعدني الزمان فأرتوي ... من عذبك السلسال قبل مماتي
ما بين ثغرتها وباب كفيرها ... رام يصيب مواقع الثغرات
يا صاحبيّ خذا بثاري واعلما ... أني قتيل جفونه الغنجات
قال لي عبد الرحمن بن عوض: توفي أحمد بن عبد الغني سنة اثنتين وعشرين وستمائة بحماه.
أحمد بن عبد القاهر بن أحمد بن عبد القاهر بن أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد ابن طاهر بن الموصول:
أبو سالم الحلبي المعروف بأمين الدولة، كان من عدول حلب وأمنائها وأعيانها، وكبرائها وعلمائها وفضلائها، ورواتها وأدبائها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة الكتب وورد

    ·          كتب علوم الحديث العلل الصغير للترمذي الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ألفية العراقي في علوم الحديث الإلماع إل...